ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
فصل
في الحسد والحسرة فهمي
هويدي كلما
نظرت إلى العلاقات بين تركيا
وسورية، لم أستطع أن أمنع نفسي
من مقارنتها بعلاقات مصر
والسودان، وانتابني بسبب ذلك
شعور قوي بالحسد والحسرة. ذلك أن
ما بين مصر والسودان أقوى بكثير
مما بين سورية وتركيا، فالتلاحم
بين الشعبين في الحالة الأولى
أمتن منه في الثانية، فالتداخل
الاجتماعي والعلاقات الثقافية
واللغة الواحدة والنيل المشترك
بين مصر والسودان مد بينهما
جسورا عريضة على مدار التاريخ
حتى كانت وحدة البلدين شعارا
وحلما تعلق به الشعبان حينا من
الدهر وذلك كله ليس متوافرا
بنفس الدرجة في العلاقات
السورية - التركية. إذ رغم
وحدة الدين إلا أن اللغة تظل
حاجزا يحول دون تمام التواصل
بين الشعبين، علما بأن ثمة
قطاعات على الحدود المشتركة
شملت سوريين يجيدون التركية
وأتراكا يجيدون العربية، ورغم
أن الذاكرة التاريخية في
الحالتين لم تخل من منغصات، إلا
أن التوترات لم تصل إلى حد
التهديد بإعلان الحرب. كما حدث
مع تركيا التي لجأت إلى ذلك في
سنة 1998، بعدما أزعجتها أنشطة
حزب العمال الكردستاني التي
انطلقت من سورية. في
الوقت ذاته، فلا وجه للمقارنة
بين ملفي لواء الإسكندرون الذي
ضم إلى تركيا وظل محل نزاع مع
سورية وبين منطقة حلايب
الحدودية التي لاتزال تتعرض
للشد والجذب بين مصر والسودان
في بعض الأحيان. ما حرك
لديّ هذه المقارنة هو التقدم
المدهش في علاقات تركيا مع
سورية، الذي في ظله تم تذويب كل
الخلافات بين البلدين، إلى الحد
الذي قلب مؤشر العلاقات بمعدل 180
درجة بحيث ألغيت في عيد الفطر
الأخير تأشيرات الدخول بين
البلدين، وأصبح الانتقال يتم
بالبطاقات الشخصية، وهو ما لا
يحدث الآن بين أغلب الدول
العربية. وتلك
خطوة عميقة الأثر وبعيدة المدى
أثارت ارتياحا وحفاوة بالغين
على الجانبين، إضافة إلى أنها
أحدثت طفرة في مسار علاقاتهما
الاقتصادية. وقبل الإلغاء كان
قد تم الاتفاق على تشكيل مجلس
للتعاون الإستراتيجي ضم تسعة
وزراء من كل جانب، يرعى تعزيز
التعاون في مختلف المجالات. كان
شعوري بالحسد والحسرة ثمرة
طبيعية للمقارنة التي سبقت
الإشارة إليها. ذلك أن الإنجاز
الكبير الذي تم على صعيد
العلاقات السورية - التركية (لا
تسأل عن فشل مشروع الوحدة
وتراجع العلاقات المصرية -
السورية)، هذا
الإنجاز لا يكاد يقارن بالبطء
والحذر الشديدين في مسار
العلاقات المصرية - السودانية. وأزعم
في هذا الصدد أن الظروف التي يمر
بها السودان، المهدد بالانفصال
في الجنوب وبالتمزق في الشرق
والغرب، تمثل عنصرا قويا يفترض
أن يستنفر جهات القرار في مصر،
ليس فقط لأن دولة جارة وشقيقة
مهددة بالانفراط، ولكن أيضا لأن
ذلك يضر بالمصالح العليا لمصر. إن مصر
الغائبة عن السودان تفرط في
أمنها القومي، من حيث إنها توفر
ظرفا مواتيا للتمزيق، ومن ثم
تسلم مياه النيل التي تمثل
شريان الحياة فيها إلى المجهول
وتضيق من فرص النهوض والتقدم في
البلدين، كما أنها تفتح أبواب
السودان على مصارعها لأطراف
أخرى تستثمر خيراته لمصلحتها. أما مصر
الحاضرة فهي تحول دون ذلك كله،
بما يمكنها من أن تتحول مع
السودان إلى كتلة قوية وناهضة،
تشيع النماء والرخاء في
البلدين، وقادرة على أن تقود
القارة الأفريقية بما تمثله من
ثقل وثروة. وأستغرب للغاية أن
يغيب ذلك كله عن الإستراتيجية
المصرية، حتى أزعم أن ملف
السودان أصبح لغزا فيها عصيا
على الفهم. ذكرت من
قبل أن وزير خارجية تركيا الذي
كان كبيرا لمستشاري رئيس
الوزراء زار سورية 36 مرة خلال
السنوات الخمس الأخيرة، في حين
أن وزير خارجية مصر زار السودان
مرتين فقط خلال الفترة ذاتها، وما
نراه الآن هو حصاد ما زرعه كل
طرف، إذ من حق الأتراك
والسوريين أن يبتهجوا. أما نحن
فإن نصيبنا يظل يتراوح بين
الحزن والحسد. ــــــــــ المصدر
: صحيفة الرؤية الكويتيه 15/10/2009 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |