ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 17/10/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


جائزة نوبل للآداب: إبداعية أم سياسية؟

د. إبراهيم علوش

يصعب على أي مراقب أن ينكر البعد السياسي في اختيار المرشحين والفائزين بجائزة نوبل للسلام الذين تختارهم لجنة نوبل النرويجية سنوياً تقريباً منذ عام 1901 بناء على دورهم في القيام بأفضل عمل لتحقيق "الأخوة بين الأمم، ومن أجل إلغاء الجيوش أو تقليصها، وعقد مؤتمرات السلام والترويج لها".   وتكفي نظرة واحدة على قائمة أسماء بعض الفائزين بجائزة نوبل للسلام لمعرفة طبيعة التوجه السياسي لمانحيها، ومنهم السياسي الأمريكي المخضرم هنري كيسينجر عام 1973،  والمنشق السوفييتي أندريه زخاروف عام 1975، وأنور السادات ومناحيم بيغن عام 1978، ومؤسس حركة "تضامن" البولندية المناهضة للسوفييت ليخ فاليسا عام 1983، والكاهن الأكبر لديانة "المحرقة" اليهودية أيليا ويزل عام 1986، والمنشق الصيني الدايلي لاما عام 1989، ومقوض الاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف عام 1990، وموقعو اتفاقية أوسلو ياسر عرفات وشمعون بيريز وإسحق رابين عام 1994، وكوفي عنان عام 2001، والمعارِضة الإيرانية شيرين عبادي عام 2003، ورئيس هيئة الطاقة النووية الدولية محمد البرادعي عام 2005، وأخيراً باراك أوباما، رئيس الولايات المتحدة، عام 2009... قبل أن ينهي ولايته أو ينجز شيئاً، وربما كانت الأخيرة تعويضاً لأوباما عن تراجعاته أمام اللوبي اليهودي حول مطلبه بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية بالكامل... بالكامل!

والطريف أن داعية اللاعنف المهاتما غاندي مثلاً، إن كان تشجيع محاربة اللاعنف هو هدف "نوبل للسلام"، لم يحصل على جائزة نوبل للسلام أبداً، مع أنه رشح لها عدة مرات!

بالمقابل، فإن جائزة نوبل للآداب التي تسيل لها ريالة عددٍ غير يسير من الأدباء والشعراء العرب، في سعيهم نحو "العالمية"، والتي دفعت أكثر من واحد بينهم للتنكر لهويته الوطنية والحضارية علناً وللقيام بخطوات تطبيعية مع العدو الصهيوني طمعاً فيها، هي جائزة يتم تحديد مرشحيها وفائزيها منذ عام 1901 من قبل "الأكاديمية السويدية"، وهي بالأساس جمعية ملكية سويدية من ثمانية عشر شخصاً تأسست من أجل الارتقاء باللغة السويدية... أي أنها تلك الأكاديمية التي تمنح نوبل للآداب تأسست كمشروع قومي سويدي بالاساس.

لكن لا يتضح التحيز السياسي المتضمن في "جائزة نوبل للآداب" بنفس الدرجة الصارخة التي يتضح في "جائزة نوبل للسلام"، خاصة أن جائزة الآداب تفيد موضوعياً في تعزيز توجهات ثقافية معينة في مرحلة تاريخية معينة، وخاصة أن بعض اليساريين مثل الشاعر الأمريكي اللاتيني من تشيلي بابلو نيرودا سبق أن حصل عليها عام 1971، وكان المنشق السوفييتي المعروف الكسندر سولزنيتسن Solzhenitsyn قد حصل عليها عام 1970،  وسبق أن حصل عليها من قبله الروائي السوفييتي ميخائيل شولوخوف عام 1965، ولكن بعد مجموعة من الكتاب الوجوديين وغير الوجوديين من المناهضين للشيوعية في سنوات الحرب الباردة مثل الفيلسوف بيرتراند راسل عام 1950 وألبير كامو عام 57 وجان بول سارتر عام 64... أو خذ مثلاً الكاتب "الإسرائيلي" شموئيل يوسف أغنون الذي حصل على "نوبل للآداب" عام 66 لدوره في تصوير "حياة الشعب اليهودي"، أو خذ السياسي البريطاني ونستون تشرتشل، وزير المستعمرات سابقاً، ورئيس الوزراء خلال الحرب العالمية الثانية، الذي حصل على "نوبل للآداب" في عام 53 لكتاباته في حقل التاريخ والسير الذاتية، ولمهاراته الخطابية المتفوقة.

ومع هذا، حصل الروائي غابريال غارسيال ماركيز على "نوبل للآداب" عام 82، كما حصل عليها الكاتب الأمريكي الكبير أرنست همنغواي عام 1954، أي بعد تشرتشل بسنة واحدة... النكهة اليسارية في بعض سنوات نوبل للأداب تجعل الصورة أكثر ضبابيةً إذن، لكن التوجه العام يبقى مسييساً في السياق الثقافي العام الذي عبرت عنه الكاتبة البريطانية فرانسيس سوندرز أفضل تعبير في كتابها "من يدفع للزمار؟ الحرب الباردة الثقافية"... وفي الثقافة بالذات، لا يمكن دوماً تجاهل المستوى الإبداعي للفائزين بنوبل للآداب إذا أراد مانحوها أن تحافظ على مصداقيتها، كما أن التحيز السياسي الصارخ يحول الجائزة بالضرورة من ثقافية إلى سياسية، ولذلك لا بد من الحفاظ على قدر ما من المهنية من أجل تحقيق الهدف السياسي، وهو تشكيل مناخ ثقافي يخدم إستراتيجية سياسية.

ويرى كثير من نقاد "نوبل للأداب" بأنها تكرس مفهوم "المركزية الأوروبية" و"التقليد الأوروبي في الثقافة"، ويدللون على ذلك بأن الأغلبية العظمى من الفائزين بنوبل بكافة فروعها، ومنها الآداب، من الأوروبيين، ومن الأوروبيين الغربيين تحديداً.. وهناك من علق بأن عدم منح "نوبل للآداب" لكتاب كبار مثل ليو تولستوي وأنطون تشيخوف كان يعود لعداء السويد التقليدي لروسيا. 

وتزداد نسب اليهود بقوة بين الحائزين على جائزة نوبل بكافة فروعها طبعاً، ومنهم مثلاً لا حصراً الكاتب المجري أمري كيرتيز الذي نال "نوبل للآداب" عام 2002 لكتاباته عن اليهود والمخرقة...  أما المسلمون الذين يرشحون للجائزة أو ينالونها، فهم قلة قليلة جداً، وحيث تجد أسماؤهم، تلاحظ أنهم عامة في حالة صدام مع مجتمعاتهم في مفاصل رئيسية، مثل قضية التطبيع مع العدو الصهيوني التي أيدها نجيب محفوظ الفائز بنوبل للآداب عام 1988، ومثل الكاتب الهندي سلمان رشدي واضع "آيات شيطانية" الذي رشح للجائزة ولم ينلها، ومنهم الكاتب التركي أورهان بوموك الذي نال "نوبل للآداب" عام 2006، الذي أثارت تصريحاته عن المجازر الجماعية ضد الأرمن والأكراد حفيظة كثير من الأتراك، بغض النظر عن صحة تلك التصريحات أو عدم صحتها، فليس هذا موضوعنا هنا.

ولعل منح أورهان بوموك "نوبل للآداب" يتساوق مع التوجه الغربي والصهيوني للتركيز على شؤون الأقليات في سياق العولمة ومشروع التفكيك، وقد نالت جائزة نوبل للآداب في تشرين أول 2009 الكاتبة والشاعرة والروائية الألمانية من أصل روماني هيرتا ميولر Herta Muller، وهي كاتبة غير معروفة إلا لقلة قليلة حتى ضمن ألمانيا موطنها، لكنها تنتمي للأقلية الألمانية في رومانيا تشاوشيسكو، وهي وزوجها معارضان لنظامه، وللشيوعية، ومدافعان عن حقوق الأقلية الألمانية في رومانيا، وينبثق عملها الإبداعي من تجربتها كجزء من تلك الأقلية العرقية، مع العلم أن "نوبل للآداب" تمنح عامةً، وليس دوماً، على مجموع الأعمال الإبداعية للمرشح، لا على عمل إبداعي محدد...  المهم أن الفائزة بنوبل عام 2009 ليست مبدعة معروفة ولا صاحبة مدرسة أدبية أو شعرية جديدة، فلا بد بالضرورة من البحث، لا في الأدب، بل في السياسة، عن سبب اختيارها، حتى لو تم اختيار كاتب يساري النزعة للجائزة عام 2010 أو ما يليه، فهذه الجوائز لا تمنح بالضرورة كل عام.

وفي النهاية لا بد من الإشارة أن ما يفهمه مانحو "نوبل للآداب" من كلمة "يسار" لا يعني بالضرورة أو دوماً الشيء نفسه الذي قد نفهمه نحن من تجربة فيديل كاسترو أو هو شي منه أو حركات التحرر الوطني المناهضة للإمبريالية في العالم الثالث، أو الواقعية الاشتراكية في الأدب والفن مثلاً.  فكثيراً ما يختلط تعبير "يساري" في الغرب بتعبير "ليبرالي"، حيث يعاد تعريف اليسار كليبرالية متطرفة ترفض الانتماء الوطني والقومي وتركز على الإنسان الفرد المجرد من السياق، وتتبنى حقوق الأقليات على حساب الأكثريات ونزعات التمرد الثقافي على كل ما هو سائد حتى ولو كان يسارياً أو اشتراكياً.

ـــــــــــ

المصدر : العرب اليوم 13/10/2009

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ