ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 21/10/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الشرق الاوسط :مؤسسات خيرية قاسية

إي جيه ديون

إذا كان غير المؤمّن عليهم لا يمكنهم الاعتماد على فاعلي الخير للحصول على المساعدات، فإلى أين يمكنهم الذهاب؟

ظهر هذا التساؤل لأن شخصيات قيادية معينة داخل القطاع الموجود في مجتمعنا والمخصص للجهود المدنية تحركت أخيرا من أجل إعاقة وسيلة معقولة وفعالة لجمع بعض الأموال لمد التغطية الصحية إلى هؤلاء الذين لا يتمتعون به.

وهناك مقترح قدمه عدد من أعضاء مجلس الشيوخ، من بينهم جاي روكفيلر وجون كيري، لوضع حد على الخصومات الضريبية التي يتمتع بها الأغنياء. ولن يغير هذا المقترح من الخصومات القائمة، كما أنه محدود بدرجة أكبر مقارنة بفكرة في نفس السياق قدمها قبل ذلك الرئيس أوباما.

ومع اقتراب الموعد النهائي للخصومات التي تعود إلى حقبة بوش التي تنتهي في 2011، فإنه من المقرر أن يرتفع المعدل الهامشي على الشريحة ذات الداخل الأعلى من 35 في المائة ليصل إلى 39.6 في المائة. ويؤثر ذلك على العائلات ذات الدخول التي يؤخذ عليها ضرائب والتي تبلغ 370,000 دولار في العام أو أكثر.

وللمساعدة في الدفع مقابل تغطية صحية موسّعة، يقترح أعضاء مجلس الشيوخ وضع حد على الخصومات التي يأخذها أصحاب الدخل المرتفع لتقف عند النسبة التي هي عليه حاليا. وعليه، فإنه بدءا من عام 2011، فإن المواطنين داخل الشريحة الأعلى الذين يقدمون مساهمات خيرية سوف يحصلون على تعويضات في مقابل ضرائب بنسبة 35 سنتا على الدولار وليس 39.6 سنت. وسيبقى المواطنون داخل الشريحة التالية، 210,000 دولار إلى 370,000 دولار، يحصلون على خصم أكبر مما يحصلون عليه في الوقت الحالي. ومن المقدر أن تجني الخطة نحو 90 مليار دولار خلال 10 أعوام.

في بداية العام، اقترح أوباما الحد من الخصومات وجعلها تقف عند 28 سنتا على الدولار، وهو ما سيساعد على جمع أكثر من 300 مليار دولار وحل جميع المشاكل المالية التي تقف أمام الرعاية الصحية.

ولكن، عُطّلت فكرة أوباما. وفي الوقت الحالي، تريد مجموعة من قيادات العمل الخيري ومن بينهم ممثلون من مجلس المؤسسات ورابطة المتاحف الأميركية، ومن المفاجئ، ممثلون من داخل المعهد الأميركي لأبحاث السرطان، ضرب المقترح الجديد في مقتل أيضا.

وقالوا في خطاب نشر أخيرا: «مع اعتماد عدد كبير على القطاع الخيري، فإن هذا ليس هو الوقت لتعريض المنح الخيرية للمخاطر التي هي مهمة جدا للحفاظ على قوة القطاع الخيري».

وهناك أدلة قليلة جدا على أن هذا التغيير الضريبي الصغير سوف يؤثر على الإنفاق الخيري، وهناك مشكلة أيضا في المنطق: عندما بدأت الخصومات الضريبية التي طبقتها إدارة بوش، لم تشتك هذه المؤسسات من أن المتبرعين للعمل الخيري سوف يكونون قادرين على اقتطاع 35 سنتا فقط على الدولار. ولو كان ذلك مريعا بهذه الدرجة، فقد كان أمام هذه المؤسسات 10 أعوام تقريبا كي تقول أي شيء. ولكنها التزمت الصمت. إذن، لماذا تصرخ في الوقت الحالي وتقول إن 39.6 سنت مبلغ لا يجب تعديه؟

وأسوأ من ذلك الإشارة التي يرسلها ذلك: فإذا كانت حتى المؤسسات التي تستقي رسالتها من الشعب لا يمكنها مواجهة مخاطرة متواضعة لمد التغطية الصحية، فكيف يمكن أن نتوقع من شخص آخر أن يدفع مقدارا أكبر من منظور الالتزام الأخلاقي؟ وفي الواقع، فإنه يبدو أن جميع المؤسسات تقريبا تعارض كافة المقترحات التي يحتمل أن تدفع مقابل الرعاية الصحية.

وسوف يفشل الإصلاح الصحي إذا تضمن تفويضا بأن يشتري كل فرد تأمينا في الوقت الذي لا يوفر فيه دعما كافيا لجعل التغطية يمكن تحملها من جانب الأميركيين ذوي الدخل المتوسط والمنخفض. نعم، سوف يتم حد التكاليف بخيار عام، أو على الأقل بدافع لصياغة خطة حكومية بديلة في أسواق تغيب عنها المنافسة الحقيقية. ولكن، بخيار عام أو دون ذلك، فإن الدعم الكافي أمر ضروري.

يتكلف الدعم أموالا، وذلك من الأسباب التي تجعل من سوء الحظ أن الرئيس جعل سقفا صناعيا لتكلفة مشروع قانون حدده بـ900 مليار دولار خلال 10 أعوام.

وينسى كل فرد تقريبا حقيقة مهمة: هذا المال لن يضاف إلى العجز. ويحاول الكونغرس أن يصوغ مشاريع قانون توفر التمويل لنفسها، وقال أوباما إنه سوف يصوت ضد أي مشروع قانون لا يقوم بذلك. والتكلفة الحقيقة للقيام بهذا الحق ربما تكون أقرب إلى الـ1.2 تريليون دولار داخل مقترح قدمه الحزبان مطلع العام الحالي عن طريق أعضاء سابقين في مجلس الشيوخ وهم بوب دول وتوم داشل وهوارد باكر. ولكن، بغض النظر عن الرقم الذي سوف يوافق عليه الكونغرس في النهاية، فإنه يجب أن يكون الدعم كافيا ويجب أن يُدفع مقابل له. ويعني ذلك أن هناك مؤسسات ليبرالية تخدم مصالح معينة تحتاج إلى أن تكون منفتحة على أفكار العوائد التي لا تمثل خيارها الأول مثل بعض أشكال الضرائب على خطط الصحة التي تستهدف ذوي الدخل المرتفع. ويعني ذلك أيضا أن بعض المعتدلين لا يمكنهم التظاهر بأن الزيادات الضريبية غير السارة يمكن تجنبها عن طريق الحد من التكاليف على حساب غير المؤمن عليهم أو الذين لديهم تأمين متواضع.

وإذا كان يجب على أحد أن يفهم ذلك، فإنها القيادات داخل مؤسساتنا الخيرية، وربما يكونون راغبين في العمل الخيري بالدرجة التي تجعلهم يعيدون التفكير في موقفهم.

=============================

الشرق الاوسط :ثلاثة أحداث واستنتاج!

بثينة شعبان

إن موافقة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على تقرير القاضي الجنوب أفريقي ريتشارد غولدستون بشأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، رغم الانتقادات الأميركية والبريطانية، ورغم اعتراضات واشنطن المتكررة على التقرير، ورغم تهديدات إسرائيل، ورغم ما تعرض له التقرير من تأجيل وتأخير وتأويل، يري دون شك أن العالم قد تغير، وأن أصحاب الضمائر الحية قد بدأوا يضيقون ذرعا بالمجرمين وبجرائم الحرب التي يرتكبونها، خاصة الجرائم التي يرتكبها حكام إسرائيل وجيشها ومخابراتها كل يوم ومنذ أكثر من ستين عاما ضد المدنيين العزل في فلسطين، كما يرى أنه رغم جهود إسرائيل المكثفة لمنع تسرب حقائق ما يجري على أرض غزة وفلسطين عموما إلى الإعلام العالمي، فقد بدأت بعض الحقائق عن الوحشية الإسرائيلية تتسرب، والتي لا يمكن لصاحب ضمير حر في العالم أن يقبل بها أو يتعايش معها حتى ولو كان يهوديا أو صديقا لإسرائيل.

واللافت في خلال الأيام الماضية التي سبقت التصويت على التقرير، أن السلطات الإسرائيلية تعاملت مع العالم وكأنه «فلسطينيون» عزّل؛ محذرين من الخطر الذي سيلحق بعملية السلام إذا تم تبني التقرير، وكأن عملية السلام موجودة، وكأن العالم لم يسمع تصريحات نتنياهو وليبرمان الرافضة لوقف الاستيطان، ولحق العودة، وكأن العالم لا يرى التهويد الجاري في القدس، والجرافات الإسرائيلية تهدم كل يوم منازل الفلسطينيين وتلقي بالعوائل إلى الشارع، أو تعمل لاستقدام المستوطنين الأجانب ليسكنوا في منازل الفلسطينيين الذين تطردهم سلطات القمع الإسرائيلية، وليعتدوا على المزارعين الفلسطينيين وليحرقوا ويجرفوا أشجار الزيتون.

لقد كسر العالم حاجز الخوف من الابتزاز الإسرائيلي للمعارضين لجرائمها بأنهم معادون للسامية، ولقد ضاق العالم ذرعا بالعقوبات الجماعية المفروضة على كل الشعب الفلسطيني وخاصة الحصار والحواجز، والمعاملة العنصرية المتمثلة بتهويد المناطق العربية.

وما تحاول إسرائيل فعله لدى افتضاح أمرها على الساحة الدولية، هو إما التهديد «بتعطيل عملية السلام» المعطلة أصلا، أو توجيه الاتهام جزافا بـ«معاداة السامية»، هذه التهديدات لم تعد مقنعة لأحد، وعلى مسؤوليها وضباطها منذ اليوم أن يحسبوا الملاحقة والمحاسبة الدولية قبل أن يرتكبوا جرائمهم ضد المدنيين.

وكالعادة تقوم إسرائيل وجماعات الضغط اليهودية وعملاؤها المنتشرون في وسائل الإعلام والأروقة البرلمانية والسياسية، بالتعبئة الدبلوماسية والسياسية والإعلامية، كلما تعرضت لانتقادات أو تقارير يمكن لها كشف حقيقة الجرائم التي ترتكبها ضد المدنيين، وتفرض التعتيم الإعلامي الشامل، وتمنع السياسيين من انتقادها علنا، وتمنع الإعلاميين من الوصول إلى مكان ارتكاب الجرائم.

هذا ما حدث حين نشر الصحفي السويدي بوستروم تحقيقاته عن قيام الجيش الإسرائيلي بقتل الشباب الفلسطيني من أجل سرقة أعضائهم والمتاجرة بها، والذي كان يهدف إلى فتح تحقيقات دولية عن هذه الممارسة الخطيرة والتي تعود إلى عقود، والتي وصلت خيوطها إلى الولايات المتحدة، حيث تورط حاخامات يهود بإقامة شبكات إجرامية للتجارة بالأعضاء البشرية، وبدلا من ذلك فقد أثارت إسرائيل ضجة إعلامية ضد الصحفي وضد بلده السويد ومنعته من دخول فلسطين المحتلة، وخلقت زوبعة إعلامية هدفها تحويل الأنظار عن هذه الجريمة البشعة، وبدلا من ذلك المطالبة بمحاسبة من كتب عن هذه الجريمة وحاول الكشف عن بشاعتها ومرتكبيها بغية وضع حد لها.

وبسبب غياب مرجعية عربية مقابلة تتابع هذا الملف في المحافل والمحاكم الدولية، وتتابع عملية كشف مثل هذه الجرائم ومحاسبة مرتكبيها من السياسيين والعسكريين وعناصر المخابرات الإسرائيلية المسؤولين عن جرائم الاغتيال والتعذيب والخطف وهدم المنازل وقصف المناطق المدنية وقتل المتظاهرين، قدم بوستروم أسماء وصور بعض الضحايا أملا باستكمال التحقيق كي يكشف عن مدى وزمن وخطورة وبشاعة هذه الجرائم، ولكن وبعد ضجة إعلامية إسرائيلية مركزة، بقي تقرير بوستروم في مكانه بعد أن تلقى تهديدات بالقتل وتواطأت إدارة الصحيفة بفصله من عمله، وسوف يحارب دون شك بلقمة عيشه، وهكذا فإن السلطات الإسرائيلية وعملاءها المنتشرين في وسائل الإعلام وجماعات الضغط والابتزاز المسماة باللوبي اليهودي، ولدى افتضاح جرائمها تغيب الوقائع على الأرض وتحول المسألة إلى تهمة جاهزة «العداء للسامية»، وذلك لمنع محاسبة المجرمين.

وفي هذا الصدد من المفيد أن نستذكر ما كانت تروجه إدارة الرئيس الأميركي السابق بوش من مزاعم كاذبة عن كره المسلمين للولايات المتحدة، وكان السؤال الإجرامي الذي يسأله في خطاباته «لماذا يكرهوننا؟»، واجهة لتبرير شن الحرب على العراق والتي راح ضحيتها مليون عراقي من المدنيين العزل، وليبرر الخطف والتعذيب والسجون السرية، ونستذكر أيضا الأموال والجهود التي بذلتها تلك الإدارة من أجل تحسين صورة الولايات المتحدة في العالم، واليوم وبعد أن انتخب رئيس للولايات المتحدة، يحترم الإسلام والمسلمين، تبيّن أن المشكلة لم تكن في المسلمين والعالم الإسلامي، ولم تكن أبدا في صراع حتمي بين الحضارات كما كانوا يروجون، بل في سياسات الإدارة الأميركية التي اعتمدت نهج شن الحروب والتعذيب والقتل والتدمير.

فكما أن الشعب الأميركي قد اكتشف اليوم أن أعمال بوش هي التي شوهت صورة أميركا في العالم، فقد بدأ العالم يكتشف أن أعمال حكام إسرائيل وجرائمهم ضد المدنيين الفلسطينيين، هي التي تدفع أصحاب الضمائر في العالم لإدانة هذه الجرائم والعمل على إيقافها، ولن تتمكن إسرائيل بعد اليوم من إشغال العالم بالابتزاز المكرور والذي يعود للحقبة النازية قبل سبعين عاما.

والشيء ذاته ينطبق اليوم على الضجة التي أثارتها إسرائيل حول المسلسل التركي «فراق» الذي يعرض لقطات فقط مما ترتكبه إسرائيل يوميا ضد الفلسطينيين من قتل للأطفال وتعذيب وإهانات وتنكيل على الحواجز العنصرية التي لا مثيل لها في العالم اليوم. وبدلا من شعور الإسرائيليين بالعار من قيام جيشهم بارتكاب هذه الجرائم، تعود إسرائيل إلى معالجتها، كالعادة، باستدعاء سفير تركيا لتعبّر عن احتجاجها على بث هذه اللقطات «وليس على الجرائم نفسها»، وتصف العمل التلفزيوني «وليس الجرائم» بـ«البربري» (انظر جريدة «الاندبندنت» البريطانية 16/10/ 2009). والسؤال هو هل يمكن للعمل التلفزيوني أن يكون بربريا وإرهابيا وعنيفا، أم أن جرائم قتل الأطفال التي يرتكبها الجنود الإسرائيليون يوميا هي البربرية بعينها وهي جرائم إرهابية ومشينة لمرتكبيها كائنا من كان؟

بدأت اللعبة تنجلي حين تركز إسرائيل على كذبة تخترعها مثل التصوير المزوّر لطير فليسه في لبنان، فقط لتبعد الأنظار عن تقرير غولدستون، فكانت كفاءة الكشف عن هذه الكذبة والتي للأسف التقطتها بعض وسائل الإعلام العربية وروجت لها كما هي، كانت بالمرصاد، وتم دفن هذه الكذبة فورا.

على الإعلام العربي الانتباه إلى توقيت وهدف الأخبار التي تبثها إسرائيل للتغطية على أخبار جرائمها، وعلى القائمين على وسائل الإعلام العربية عدم التورط بترويج الأكاذيب الدعائية الإسرائيلية فورا، بل يجب التروي والتدقيق والتحقيق قبل النشر. فمثلا أطلقت في حمأة النقاش حول تقرير غولدستون كذبة بأن حزب الله يتسلم مخزونه من السلاح، أو أن سورية تجدد وتوسع تسليحها، ولدى التفكير بمثل هذا الخبر يتبيّن أنه ليس خبرا على الإطلاق، فكل دول العالم تتابع تسليح ذاتها، كل الدول لديها بلدوزرات، ولكن البلدوزرات الإسرائيلية تهدم منازل الفلسطينيين كل يوم، والاعتراض ليس على امتلاك البلدوزر، وإنما على ما يفعله هذا البلدوزر ببيوت وحياة الناس.

ولكن ورغم كل الجهود التي تبذلها إسرائيل للتغطية على جرائمها، فقد اضطر وزير دفاعها إيهود باراك المتورط بجرائم اغتيال وحرب ضد المدنيين العزل، إلى حماية خاصة من رئيس الوزراء البريطاني براون، كي لا يتعرض للاعتقال والسجن. كما تعرض رئيس وزراء الكيان الغاصب أولمرت من قبل حشد من الطلاب في جامعة شيكاغو يدعون إلى إلغاء المحاضرة، مستغربين كيف يمكن لجامعة مثل شيكاغو أن تستضيف مجرم حرب لإلقاء محاضرة.

لقد انكسر حاجز الخوف، وبدأ أصحاب الضمير في العالم يضيقون ذرعا بحجم ومدى وخطورة الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وما نحتاج إليه اليوم هو حذر المسؤولين عن وسائل الإعلام العربية من التورط بنشر أخبار الدعاية الإسرائيلية، بل العمل على كشفها، وعلى ملاحقة مجرمي الحرب، من أجل إحقاق العدالة واحترام حقيقي لحياة الإنسان وحقوقه، كل إنسان، بما فيه الإنسان الفلسطيني والعربي والمسلم.

الاستنتاج هو أن العالم بدأ يتغير، وأنه لن ينتظر الإسرائيليين حتى يكتبوا بفخر واعتزاز عن جرائمهم، وكأنها إنجازات، كما فعل رئيس الأمن الإسرائيلي الأسبق آفي ديختر في محاضرته عن دور إسرائيل في تدمير العراق، بل لقد بدأ العالم بمحاسبة إسرائيل على جرائمها، ولكن على هذا المسار أن يستمر حتى يصل هدفه المنشود ويحقق العدالة للضحايا ويساعد الفلسطينيين على نيل الحرية والخلاص من آخر عبودية في التاريخ البشري.

=============================

الشرق الاوسط :السبيل للضغط على إيران

فلينت ليفيريت وهيلاري مان ليفيريت

أضر كشف إيران عن بنائها منشأة ثانية لتخصيب اليورانيوم بالقرب من مدينة قم المقدسة جهود إدارة أوباما المتداعية بالفعل للتعاون مع الجانب الإيراني. والمعتقد أن الولايات المتحدة ستتمسك الآن بقوة أكبر بالأمل العقيم في أن تنجح الضغوط الدولية وانعدام الاستقرار الداخلي في دفع تغييرات كبرى داخل مؤسسة صنع القرار الإيرانية.

في الواقع، إن الاجتماع في جنيف بين الأعضاء الخمسة دائمي العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وألمانيا من ناحية، وإيران من ناحية أخرى، لم يشكل مناسبة لعقد مناقشات استراتيجية، وإنما كان فرصة لإصدار إنذار يقضي بضرورة أن توافق إيران على قيود وقائية على برنامجها النووي وإلا ستواجه ما وصفته وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، بأنه عقوبات «تصيبها بالشلل».

إلا أنه بناء على المحادثات التي أجريناها في الأيام الأخيرة مع مسؤولين إيرانيين بارزين ـ بينهم الرئيس محمود أحمدي نجاد ـ نعتقد أنه من غير المحتمل بدرجة بالغة أن تقبل طهران بهذا الإنذار. كما يبدو من غير المحتمل أن تساند روسيا والصين عقوبات من شأنها إصابة إيران بالشلل. وبعد هذا السيناريو المتوقع على نطاق واسع، ستبقى إدارة أوباما في مواجهة عدد من الخيارات بالغة السوء للتعامل مع إيران، نتيجة ضعفها وترددها.

بسبب جمع الرئيس أوباما لفريق أمن قومي معاون له لا يشاركه، في الجزء الأكبر منه، رؤيته الأولى للتقارب الأميركي ـ الإيراني، لم تفلح الإدارة قط في صياغة حجة علنية قوية للتعاون مع إيران. لا تزال إمكانية التعاون بين الجانبين يجري التعامل معها على نطاق واسع باعتبارها قناة «لمكافأة» التصرفات الإيرانية الإيجابية و«معاقبة» السلوك المثير للمشكلات، وهو تحديدا الأمر الذي انتقده أوباما، عندما كان مرشحا رئاسيا، ببلاغة شديدة في إطار نقده لتوجه الرئيس جورج دبليو. بوش.

داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، استخدم الرئيس أوباما لغة شبيهة بتلك المرتبطة بـ«محور الشر» الذي صاغه بوش، وذلك في حديثه عن إيران وكوريا الشمالية، باعتبارهما مصدر التهديد الأساسي للسلام الدولي، وتعهد بـ«محاسبتهما». في جنيف، يمكن أن نتوقع أن تطالب الولايات المتحدة إيران ليس فقط بقبول قيود «ملموسة» على بذلها مزيدا من الجهود بمجال التنمية النووية، وإنما كذلك إظهار الطبيعة السلمية لبرنامجها النووي لتجنب التعرض لعقوبات صارمة.

وقد دفع هذا التوجه أحمدي نجاد، أثناء ذلك الاجتماع، لإعلان أن طهران لا تعتقد أن الأميركيين «جادون» حيال التعاون الاستراتيجي. وأشار إلى أنه في الوقت الذي اتفقت فيه إيران سابقا على تقليص جهودها على الصعيد النووي ـ مثلما حدث عندما أوقفت جهود تخصيب اليورانيوم بين عامي 2003 و2005 ـ لم تعرض القوى الغربية شيئا في المقابل، وإنما سعت، بدلا من ذلك، نحو «تقليص حقوقنا أكثر».

شكل هذا الأمر أكثر من إخفاق دبلوماسي من جانب الغرب، وقد جاء أيضا بمثابة ضربة قاصمة لمصداقية السياسيين أصحاب التوجهات الإصلاحية في إيران. وعليه، هل يعد عدم تأييد أي من المرشحين في الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة، لمسألة فرض قيود أحادية الجانب مجددا على البرنامج النووي الإيراني، مفاجأة لأحد؟ الآن، يؤكد أحمدي نجاد مجددا على أنه ينبغي أن تتوافر احتمالية التعاون مع واشنطن لتسوية القضية النووية، لكن فقط في إطار تفاهم استراتيجي أوسع ـ أمر لم تقبله إدارة أوباما.

مع عدم التوصل إلى اتفاق مع واشنطن حول أهدافها بعيدة الأمد، ستمضي استراتيجية الأمن القومي الإيراني في التأكيد على الدفاع «اللامتكافئ» ضد جهود الحصار والتطويق الأميركية الواضحة. على امتداد سنوات عدة، عكف مسؤولون من حكومة محمد خاتمي الإصلاحية وإدارة أحمدي نجاد المحافظة على إخبارنا أن هذه الاستراتيجية الدفاعية تتضمن تنمية روابط مع قوى سياسية وميليشيات في دول أخرى بالمنطقة، وتطوير القدرات الصاروخية الإيرانية (مثلما اتضح من الاختبارات التي أجريت أخيرا لصواريخ متوسطة المدى)، ودفع حدود التزامات طهران على صعيد منع الانتشار النووي لنقطة يبدو عندها امتلاكها للقدرة والمكونات اللازمة لصنع أسلحة انشطارية. ولا يبدو من قبيل المصادفة أن تتهم إيران بالشروع في العمل بمنشأة قم عام 2005 ـ في الفترة ذاتها تحديدا التي خلصت فيها قيادة البلاد إلى أن تجميد تخصيب اليورانيوم أخفق في تقليص العداء الأميركي.

من ناحيتهم، يميل المسؤولون الأميركيون للتقليل من أهمية المخاوف الإيرانية حيال النيات الأميركية، مشيرين إلى الرسائل العلنية التي وجهها الرئيس أوباما لآية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني، باعتبارها دليلا على جدية الجهود الدبلوماسية للإدارة. إلا أن طهران نظرت إلى هذه الرسائل باعتبارها محاولات للالتفاف على الرئيس الإيراني ـ وهي فكرة مكررة منذ فترة فضيحة «إيران ـ كونترا» في عهد إدارة رونالد ريغان، حيث حاولت الإدارات الأميركية خلق قنوات اتصال مع «المعتدلين» الإيرانيين، بدلا من التعامل مع الجمهورية الإسلامية كنظام. من جهته، شدد الرئيس أحمدي نجاد على هذه النقطة أمامنا بالإشارة إلى أن أوباما لم يستجب قط لخطاب التهنئة الذي وجهه إليه في أعقاب الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2008 ـ الأمر الذي أكد أنه «غير مسبوق» داخل إيران.

ويمتد افتقار إدارة أوباما للجدية الدبلوماسية إلى أبعد من التكتيكات الخرقاء، ويعكس تفهما غير ملائم للضرورة الاستراتيجية لبناء علاقات أميركية ـ إيرانية بناءة. إذا ما آمن رئيس أميركي بأن مثل هذه العلاقات تخدم مصالح أمننا القومي بشدة ـ مثلما حكم الرئيس ريتشارد نيكسون على التقارب الدبلوماسي مع الصين ـ فعليه إظهار تقبله لجمهورية إسلامية، حتى مع استمرار السلوك الإيراني المثير للمشكلات على المدى القريب.

يذكر أنه في أعقاب توليه الرئاسة عام 1969، أصدر نيكسون توجيهاته إلى وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) لوقف العمليات السرية في التبت وأمر البحرية بوقف دورياتها المنتظمة بمضيق تايوان حتى في الفترة التي كانت الصين تقدم الأسلحة لقتل الجنود الأميركيين في فيتنام. وقد توافرت أمام الرئيس أوباما العديد من الفرص لإرسال إشارات مشابهة لطهران ـ مثل إنهاء البرامج السرية ضد إيران التي تعود لحقبة إدارة بوش ـ لكنه أهدرها.

للأسف، تعرضت إدارة أوباما للإغواء بسبب إمكانية اشتعال حالة من انعدام الاستقرار تسفر عن إسقاط النظام في أعقاب الانتخابات الرئاسية الإيرانية هذا الصيف. إلا أنه مقارنة بالتوترات الكبرى التي تعرضت لها الجمهورية الإسلامية خلال تاريخها الممتد لـ30 عاما ـ مثل نفي أحد الرؤساء واغتيال آخر وحرب السنوات الثماني مع العراق والقرار المتهور باستبدال آية الله خامنئي بخليفة آية الله الخوميني، آية الله حسين علي منتظري ـ لا يبدو الجدال الذي اشتعل حول الانتخابات التي شهدها هذا العام حدثا محفزا لتغيير أكبر.

إضافة إلى ذلك ـ ورغم تعليقات الرئيس الروسي، ديمتري ميدفيديف بأن العقوبات «أحيانا تكون حتمية» ـ تعاني جهود إدارة أوباما لحشد التأييد لعقوبات اقتصادية فاعلة من التضليل. على مدار ثلاثة أعوام، قدمت موسكو، فيما يخص مسألة العقوبات، ما يكفي فحسب لإبقاء القضية أمام مجلس الأمن، ذلك أن حسابات المسؤولين الروس ترى أن هذا يعد السبيل الأمثل لكبح جماح الإجراءات الانفرادية الأميركية. كما عمدت روسيا إلى التخفيف من حدة أي عقوبات يجري تمريرها فعليا. ولا يزال كبار الدبلوماسيين الروس يصرون في تصريحاتهم على أن موسكو لم توافق على دعم أي إجراءات إضافية محددة. ربما تذعن روسيا لإقرار توسيع هامشي للعقوبات القائمة، لكنها لن تقبل بتكبد تكاليف ضخمة على صعيدي مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية عبر تأييدها خطوات أشد صرامة على نحو ملحوظ ضد طهران. وربما توافق الصين كذلك على توسيع هامشي للعقوبات الحالية، لكنها لن تقر إجراءات من شأنها الإضرار بمصالحها المهمة. ويعكس مقترح إدارة أوباما بأن تتولى السعودية «تعويض» الفاقد من الواردات النفطية الصينية من إيران قراءة خاطئة تماما لحسابات بكين على صعيد أمن الطاقة.

الملاحظ أن الصين لا تمضي قدما في شراء كميات ضخمة من النفط الإيراني فحسب، وإنما تعمل شركات الطاقة التابعة لها حاليا على تنمية استثمارات ضخمة هناك ـ وهي على ثقة من أن واشنطن لن تقدم على فرض عقوبات ضد الشركات الصينية لاستثماراتها بمجال الطاقة في إيران. وينصب اهتمام المسؤولين العسكريين الصينيين، على نحو خاص، على إمكانية نقل المنتجات الهيدروكربونية الإيرانية إلى الصين عبر خطوط أنابيب تجري عبر منطقة وسط آسيا، بدلا من الطرق البحرية المعرضة للاعتراض من قبل البحرية الأميركية. وتعد إيران الدولة الخليجية الوحيدة التي يمكنها توفير مثل هذا التنوع في مصادر الإمداد وطرق النقل للصين.

وربما تأمل إدارة أوباما في أن يتمكن حتى سعيها غير الفاعل في فرض عقوبات «مسببة للشلل» ضد طهران في التصدي للأصوات الصادرة من واشنطن ودول أخرى تطالب بتوجيه ضربة عسكرية لبرنامج الأسلحة النووية الإيراني. ويعد هذا التفكير إحدى البقايا المؤسفة من تجارب إدارة بوش داخل وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي، عندما تزعم المسؤولون الرافضون لحرب العراق فكرة «العقوبات الذكية» وتشديد جهود احتواء نظام صدام حسين كمسار بديل. لكن هذه الدعوات لم تجد شيئا في تغيير حسابات صدام حسين، وتاهت تحت وطأة المزاعم المبالغ فيها عن استئناف بغداد جهودها لبناء أسلحة نووية. بدلا من الترويج لأكذوبة أن العقوبات ستمنح واشنطن نفوذا على عملية صنع القرار الإيراني ـ استراتيجية ستنتهي إما بخيبة الأمل أو الحرب ـ ينبغي أن تسعى الإدارة للتحالف استراتيجيا مع طهران على غرار ما فعل نيكسون مع بكين. وسيتطلب ذلك من واشنطن اتخاذ خطوات لطمأنة طهران بأن هذا التقارب يخدم حاجاتها الاستراتيجية. على هذا الأساس، تقر واشنطن وطهران إطار عمل شاملا للأمن والتعاون الاقتصادي ـ الأمر الذي لم تسمح واشنطن قط لمجموعة الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن، إضافة إلى ألمانيا، باقتراحه. داخل هذا الإطار، سيعمل المجتمع الدولي مع إيران على تنمية برنامجها النووي، بما في ذلك النشاطات المتعلقة بدورة الوقود داخل الأراضي الإيرانية، وذلك بأسلوب شفاف بدلا من مطالبة طهران بإثبات العكس ـ أنها لا تطور أسلحة نووية. ويقوم هذا التوجه التعاوني حيال طهران على الامتناع عن تشويه صورتها بسبب علاقاتها السياسية مع «حماس» و«حزب الله»، وإنما سيعمد إلى محاولة دفع إيران للالتزام بالعمل لصالح التسوية السلمية للصراعات الإقليمية. ربما يرى البعض أن هذا التوجه سيكبدنا ثمنا باهظا من أجل تحسين العلاقات مع طهران. لكن، في حقيقة الأمر، سيأتي الثمن فادحا لمن يقدرون السياسات الفاشلة فحسب التي أضرت بالمصالح الأميركية في الشرق الأوسط وجعلت حلفاءنا أقل أمنا.

=============================

الحياة :عيون وآذان (صفعات متتالية لإسرائيل)

جهاد الخازن

قبل يومين فقط كتبت في هذه الزاوية أن قراءة الصحف الإسرائيلية ستصيبني بالعصبي أو بجلطة لما تضم من عنصرية وكره وكذب على الله وعباده. غير أنني أستطيع أن أقول اليوم إن قراءة الصحف نفسها في اليومين الأخيرين وفَّرت لي وقاية من المرض، ونحن نقول إن درهم وقاية خير من قنطار علاج.

وجدت في الصحف الإسرائيلية بعض ما يسرّ المواطن العربي مثلي فتقرير غولدستون أقضّ مضاجع الجماعة ولا يزال، وكنت راجعت بعض ما قرأت ومعلومات أخرى مع خبراء في الشأن الإسرائيلي، بينهم بعض عرب 1948، لأنني لم أفهم ان ينتقل خطر الإصابة بالعصبي والجلطة مني الى الإسرائيليين لمجرد صدور تقرير يدينهم. وقال خبير إن اليهود بعد المحرقة بقوا عقوداً وهم يلعبون دور الضحية ويبتزون العالم، ثم جاء تقرير كتبه قاض يهودي له سمعة عالمية وحوَّلهم من ضحية الى قاتل أو جلاّد، وأخذ الفلسطيني الذي سرقت أرضه واتهم بالإرهاب وهو يدافع عن نفسه دور الضحية في نظر العالم.

التقرير قد ينتهي بأن يتبع بعض قادة اسرائيل السياسيين والعسكريين رادوفان كراديتش أمام محكمة جرائم الحرب الدولية في لاهاي ولو هربوا 13 سنة مثله، مع تقديري انهم أخذوا قراراً بعدم السفر الى الخارج، والتقرير ليس وحده سبب ارتياحي لما أقرأ، فقد كان الإسرائيليون لم يفيقوا من صدمته بعد عندما وجدوا ان سورية وتركيا دخلتا حلفاً استراتيجياً، وأنهما في سبيل إجراء مناورات عسكرية مشتركة ضخمة بعد يوم فقط من خبر منع اسرائيل المشاركة في مناورات مع تركيا.

عندما جاءت حكومة رجب طيب أردوغان الى الحكم كتبت أن هذه أفضل حكومة تركية، من وجهة نظر عربية، منذ عقود، وطالبت الدول العربية كلها أن تتعامل معها بإيجابية وأن تساعدها لتقوى شوكتها في الداخل والخارج.

ولم يخب ظني فقد نمت العلاقة مع العرب بشكل إيجابي جداً، وحتى سمعنا وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو يقول «إن الغاء اشتراك اسرائيل في التمارين ليس عقاباً، غير أننا حساسون تجاه غزة والقدس الشرقية والمسجد الأقصى. ولو أخذت هذه القضايا الحساسة في الحساب لأمكن استئناف عملية السلام في المنطقة».

هذا كلام يفترض أن يقوله كل وزير خارجية عربي، وقد قاله بعضهم ولا أنكر ذلك، إلا أن بعضاً آخر دخل مغارة أهل الكهف، إما ليحصي فلوسه أو ليقتل القمل في رأسه.

تقرير غولدستون صفع الإسرائيليين على الخد الأيمن وإلغاء التمارين مع اسرائيل صفعهم على الخد الأيسر، أما التمارين مع سورية فلعلها كانت صفعة على الرقبة.

وقبل أن يفيق الإسرائيليون من الصفعات المتتالية جاء الأتراك ليركلوهم في المؤخرة من طريق مسلسل تلفزيوني عبر القناة الحكومية.

الحلقة الأولى أظهرت الجنود الإسرائيليين كقتلة مجرمين يستهدفون النساء والأطفال، وفي مشهد يظهر جندي اسرائيلي وهو يركل شيخاً فلسطينياً، ثم يرمي بالرصاص ولداً فلسطينياً رشقه بحجر، وفي مشهد آخر تدور معركة بين الفلسطينيين وجنود اسرائيليين يرمون مدنيين بالرصاص. وتظهر في مشهد آخر امرأة تحمل جثة قريب لها وهي تصرخ في جندي اسرائيلي «ماذا تريدون منّا؟» ويطارد جندي اسرائيلي فتاة صغيرة بريئة وتدخل شارعاً لا منفذ منه فتستدير وتبتسم للجندي ويرد برميها بالرصاص. وهناك مشهد آخر لامرأة فلسطينية يأتيها المخاض على حاجز اسرائيلي ويساعدها زوجها في الولادة ويرفع الوليد بيدين فيطلق جندي اسرائيلي النار عليه ويقتله.

رد الفعل الإسرائيلي على هذا المسلسل بدا وكأنهم لم يقرأوا تقرير غولدستون الذي سجل جرائم مماثلة ارتكبها الإسرائيليون وجرائم أخرى لم تضمها الحلقة الأولى من المسلسل التلفزيوني التركي، ولكن ربما عرضت في الحلقات التالية.

المعلقون الإسرائيليون كلهم قالوا إن المسلسل تحريض يزيد الكره، وهم جميعاً نسوا ان جرائم الحكومة الإسرائيلية تحريض كاف ولا حاجة معها الى تقرير للأمم المتحدة أو مسلسل.

وزير خارجية اسرائيل أفيغدور ليبرمان، حارس المواخير في مولدافا، تحريض كافٍ بوجوده، وهو استدعى الممثل الديبلوماسي لتركيا ووبخه، وكان بعد سماع خبر المناورات مع سورية قال إن تركيا اختارت ان تقترب من «محور الشر».

هو الشر بذاته، وإسرائيل اليوم أكثر بلد مكروه في العالم ليس بسبب تقرير أو فيلم، وإنما بسبب ما تفعل أو ترتكب، والوضع لن يتغير حتى تتغير، فالضحية سابقاً تحوَّل الى نازي جديد، والمسلسل التركي سيصل قريباً الى شاشات التلفزيون العربية.

=============================

الخليج : شعب الجبارين

فهمي هويدي

أشهد أن أهل غزة يستحقون منا الحفاوة والإكبار، بأكثر مما يستحقون من الرثاء أو الإعذار.

 (1)

أدري أننا مسكونون هذه الأيام بمشاعر اللوعة والحزن، جراء ما شاهدناه على شاشات التلفزيون من صور سجلت بشاعة البربرية “الإسرائيلية” التي فتكت بالبشر، وحولت القطاع إلى خرائب وأنقاض. كأن ما جرى لم يكن اجتياحاً عسكرياً، وإنما كان حملة انتقام وترويع استهدفت تدمير القطاع، وذبح أهله والتمثيل بهم، حتى يكونوا أمثولة وعبرة لغيرهم ممن يتحدون العجرفة والاستعلاء “الإسرائيليين”. أدري أيضاً أن الجرح أكبر من أن يلتئم لأجيال مقبلة. وأن شعورنا بالخزي والعار لا يمكن إنكاره، سواء لأننا لم نستطع إغاثة الفلسطينيين وهم يُذبحون، في حين وقفت أنظمتنا متفرجة عليهم، أو لأن بعضنا كان عليهم وليس معهم أو لهم.

 

ذلك كله صحيح لا ريب. لكن من الصحيح أيضاً أن دماء فلسطينيي غزة التي نزفت وأشلاءهم التي تناثرت وصرخات أطفالهم التي ألهبت ضمائرنا ومازالت أصداؤها تجلجل في أعماقنا، هذه كلها إذا كانت قد سجلت أسطر المأساة، إلا أن وقفة الشعب، وصموده الرائع ومقاومته الباسلة، هذه أيضاً سجلت صفحات مضيئة في تاريخ أمتنا لا ينبغي أن نبخسها حقها. يكفي أن شعب الجبارين هذا رغم كل ما تعرض له من حمم أمطرته بها آلة الحرب “الإسرائيلية” بكل جبروت وقسوة، ظل رافضاً للركوع والتسليم، وها هو سيل الشهادات التي سمعناها بعد وقف المذبحة على ألسنة الأطفال والنساء والشيوخ، كلها تجمع على أن طائر الفينيق الذي تحدثت عنه الأسطورة، ذلك الذي يخرج حياً من تحت الرماد، ثبتت رؤيته في غزة.

 

لأنهم لم يركعوا ولم يرفعوا رايات التسليم فإنهم نجحوا وأفشلوا خطة عدوهم. صحيح أن هذا كلام لا يروق لبعض الساسة والمثقفين من بني جلدتنا ممن يرون أن شرف الأمة لا يستحق أن يموت المرء من أجل الدفاع عنه، إلا أن المعلومة تظل صحيحة، أعجبت أصحابنا هؤلاء أم لا تعجبهم.

 

تشهد بذلك كتابات أغلب المعلقين “الإسرائيليين”، التي سجلها تقرير نشرته إحدى الصحف التي تصدر في لندن 19/،1 تضمن خلاصة لتلك الكتابات. منها مثلاً أن رون بن بشاي المعلق العسكري لصحيفة “يديعوت احرونوت”، ذكر في النسخة العبرية للصحيفة في (18/1)، أن “إسرائيل” فشلت بشكل واضح في تحقيق الهدف الرئيسي المعلن للحرب، المتمثل في تغيير البيئة الأمنية في جنوب “إسرائيل”. وهو ما لم يتحقق حين تبين أن حركة حماس مستمرة في إطلاق صواريخها. وهو نفس المعنى الذي أكده المعلق السياسي الوف بن، وكرره جاكي كوخي معلق الشؤون العربية في صحيفة “معاريف” الذي قال إن “إسرائيل” فشلت في توفير صورة النصر في معركة غزة، وإن ما تبقى من هذه الحرب هو صور الأطفال والنساء والقتلى. التي أوصلت إلى عشرات الملايين في العالم رسالة أكدت تدني الحس لدى الجيش “الإسرائيلي”. منها أيضاً ما قاله يوسي ساريد الرئيس السابق لحركة ميرتس في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” إن عملية القتل البشعة التي أنهت بها “إسرائيل” مهمتها في غزة تدل على أنها هُزمت في هذه المعركة ولم تنتصر. أما المعلق عوفر شيلح فقد ذكر أن القيادة “الإسرائيلية” حين قررت تدمير غزة فإنها تأثرت في ذلك بالنهج الذي اتبعه رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين مع الشيشان وجورجيا، ثم أضاف: “إذا كنا نريد أن نظهر كمنتصرين باستخدام هذا النهج، فويل لنا”.

 

(2)

 

صحيح أن المقاومة لم تستطع أن تفعل شيئاً يذكر أمام الغارات التي أطلقت فيها “إسرائيل” أقوى طائراتها النفاثة لأسباب مفهومة، إلا أن معركتها الحقيقية كانت على الأرض، حيث فاجأت المقاومة خلالها “إسرائيل” بما لم تتوقعه.

 

لم تهزم المقاومة القوات “الإسرائيلية”، لكن كل الشواهد دلت على أنها صمدت أمام تلك القوات، ووجهت إليها ضربات موجعة، أسهمت في إفشال مهمتها. ولا تنس أن يوفال ديكسين رئيس المخابرات الداخلية “الإسرائيلية” كان قد توقع أن يسقط القطاع خلال 36 ساعة، ولكن بسالة المقاومة أطالت من أجل الحرب، حتى اضطرت “إسرائيل” إلى وقف إطلاق النار من جانبها في اليوم الثاني والعشرين.

 

ليلة الاثنين 12/،1 والاجتياح في أسبوعه الثاني، فوجئ الجنرال يو آف بيليد قائد لواء الصفوة (جولاني) والعشرات من جنوده بأن النيران فتحت عليهم عندما كانوا يقومون بتمشيط المنطقة الريفية التي تقع شرق مخيم “جباليا” للاجئين شمال قطاع غزة. فما كان منه إلا أن اندفع مع جنوده للاحتماء ببيت أحد الفلسطينيين في المنطقة، كان قد تم إخلاؤه من سكانه. لكن ما إن تجمع الجنود والضباط في قلب المنزل، حتى دوى انفجار كبير انهار على أثره المنزل، فقتل ثلاثة جنود وجرح 24 منهم بيليد نفسه، وعرف أن ستة من الجرحى في حالة ميؤوس منها. وكانت تلك إحدى صور الاستدراج التي لجأت إليها المقاومة. ذلك أن إطلاق النار أريد به دفع الجنود للاحتماء بالمنزل الذي تم تفخيخه بالمتفجرات في وقت سابق.

 

موقع صحيفة “يديعوت احرنوت” على الانترنت تحدث باقتضاب عن قصة ضابط آخر هو الرائد ميكي شربيط، الذي يرقد في أحد المستشفيات للعلاج من إصابته في اشتباك مع رجال المقاومة الفلسطينية في شمال القطاع. هذا الضابط الذي خدم كقائد سرية بسلاح المدرعات في حرب لبنان الثانية، استهجن تجاهل الإعلام “الإسرائيلي” الإشارة إلى شراسة المقاومة التي واجهتها القوات “الإسرائيلية”. وفي الحديث الذي أدلى به إلى النسخة العبرية لموقع الصحيفة وصف الحرب الدائرة وقتذاك بأنها “حرب أشباح لا نرى فيها مقاتلين بالعين المجردة، لكنهم سرعان ما يندفعون صوبنا من باطن الأرض. لقد كنا نتحرك في الشوارع ونحن ندرك أن أسفل منا مدينة خفية تعج بالشياطين”.

 

فوجئ “الإسرائيليون” بكل ذلك. واعترف روني دانئيل المعلق العسكري لقناة التلفزة “الإسرائيلية” الثانية بأن قوات الجيش الزاحفة واجهت مقاتلين أشداء، وقال على الهواء إن الإبداع العسكري الذي يواجه به نشطاء حماس الجيش “الإسرائيلي” فاجأ قادته بشكل صاعق. ونوّه إلى أنه محظور عليه التحدث عن المفاجآت التي تعرض لها الجنود “الإسرائيليون” في غزة، التي تفسر عدم قدرة هؤلاء الجنود على التقدم في كل القطاعات رغم مضي 19 يوماً على الحملة، ورغم إلقاء الطائرات “الإسرائيلية” مئات الأطنان من القنابل الفتاكة لتقليص قدرة المقاتلين الفلسطينيين على المقاومة.

 

في هذا السياق نقل اليكس فيشمان المعلق العسكري لصحيفة “يديعوت احرنوت” عن عدد من الجنود في ساحة المعركة أن الهاجس الذي سيطر عليهم طول الوقت هو الخوف من الوقوع في الأسر. وأشار هؤلاء إلى أن مقاتلي حماس أعدوا شبكة من الأنفاق للمساعدة على محاولات أسر الجنود.

 

(3)

 

هؤلاء المقاومون البواسل لم يهبطوا على غزة من السماء، ولكنهم أحفاد وأبناء شعب الجبارين، الذي لا يزال منذ مائة عام متشبثاً بأرضه التي رواها بدمه. لقد راقبت أبناء غزة الذين ظهروا على شاشات التلفزيون طوال المذبحة وبعدها، فلم أسمع واحداً منهم أعلن تمرده أو سخطه على الأوضاع في القطاع. كانوا جميعاً ومن دون استثناء أكثر نضجاً ونزاهة من كل الأصوات التي حاولت تمييع الموقف وإلقاء تبعة ما جرى على وقف التهدئة تارة أو على حكومة القطاع تارة أخرى. لم يروا إلا عدواً واحداً ومجرماً واحداً هو “إسرائيل”. وانعقد إجماعهم على أن حماس ليست الهدف، وإنما رأس المقاومة هو المطلوب وتركيع الفلسطينيين هو الهدف.

 

رغم الجحيم الذي عاشوا في ظله والمآسي التي لحقت بهم، فإنهم لم يفقدوا صبرهم الأسطوري. وكشفت محنتهم عن معدنهم الحقيقي، بالتحامهم وتكافلهم وإصرارهم على الاستمرار والثبات على الأرض. القصص التي تروى عن المدى الذي بلغه الالتحام والتكافل لا تكاد تصدق، وكلها تثير الدهشة والإعجاب، يتحدث القادمون عن الموسرين الذين كانوا يشترون شاحنات الخضار وأكياس الدقيق ويوزعونها على المعوزين. يتحدثون أيضاً عن البيوت التي فتحت لمن دمرت مساكنهم، وعن الثياب والبطانيات التي جمعت لتوزع على الذين لاذوا بالخيام احتماء من البرد. وعن السيدات اللاتي أصبحن يخبزن يومياً مئات الأرغفة لجيرانهن، وآخريات كن يتناوبن طبخ العدس والبقول ويبعثن بالوجبات الساخنة إلى أماكن تجمعات الفارين من الجحيم. يتحدثون أيضاً عن الكيروسين الذي كانوا يتقاسمونه فيما بينهم يوماً بيوم، لإشعال المصابيح والمواقد البدائية التي أصبحت تهرب من مصر، بعدما اختفت هناك منذ عقود.. إلخ.

 

الذي لا يقل إدهاشاً عن ذلك هو حالة الانضباط الشديد التي مر بها القطاع، فقد كانت أجهزة السلطة تتولى طول الوقت الإشراف على توزيع الخبز والبطانيات والكيروسين. ورغم أن الدوائر كانت معطلة، إلا أن رواتب الموظفين كانت تصل إليهم في بيوتهم. ورغم أن القصف المكثف كان يمكن أن يدفع ألوف البشر إلى الاتجاه صوب الحدود المصرية ومحاولة عبورها هرباً من الموت، إلا أن ذلك لم يحدث، ووقفت شرطة القطاع تحرس الحدود وتؤمنها. وفور إعلان وقف إطلاق النار، سجلت الفضائيات كيف تحركت الأجهزة لضبط المرور وإزالة ركام الأبنية المدمرة، والتخلص من النفايات. وقبل هذا وبعده، رفع الأنقاض بحثاً عن الأحياء وانتشال بقايا الجثث. لقد دبت الحياة في طائر الفينيق.

 

(4)

 

لقد كان المقاومون يعرفون جيداً أنهم سيواجهون العدو في واحدة من معارك كسر العظم، لذلك أطلقت كتائب عز الدين القسام على المعركة اسم “الفرقان”، باعتبارها اشتباكاً مصيرياً يفرق بين الحق والباطل. وحسب مصادر الحركة، فإن المقاومة لم تخسر أكثر من 10% من مقاتليها، في حين أن قدرتها التسليحية مازالت جيدة، وبوسعها أن تواصل إطلاق صواريخها التي تكدر حياة العدو لشهر آخر على الأقل. بل إنها لم تستخدم الطاقة القصوى لمدى الصواريخ، لأنها أرادت أن تحتفظ به للتوقيت الذي تختاره. وأغلب الظن أن “إسرائيل” أدركت ذلك جيداً، وذلك هو التفسير الوحيد للوثة التي أصابتها وهي تستنفر أمريكا وأوروبا وبعض العرب لكي يهبوا جميعاً لأجل وقف تهريب السلاح إلى غزة.

 

غزة لم تهزم، وما حدث في القطاع ليس مأساة ولكنه ملحمة. لكن الهزيمة الحقيقية والمأساة التي يندى لها جبين الشرفاء، هي من نصيب الواقفين على الضفة الأخرى من المنسوبين إلى الأمة العربية، الذين تقاعسوا وولوا الأدبار حين جد الجد. وهم الذين وصفهم القرآن بأنهم: “يحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون”.

=============================

الخليج :تفكيك الديكتاتور

خيري منصور

يُقال ان الديكتاتور لم يكن ذات يوم طفلاً، فقد ولد بالغاً وبشاربين، لأن المرور بمرحلة الطفولة البريئة، يشكل بالنسبة للبشر احتياطياً أخلاقياً.

 

وما نشر مؤخراً عن موسوليني، بأنه كان في شبابه عميلاً للمخابرات البريطانية بأجر لا يتجاوز مائة جنيه استرليني يفتح الباب على مصراعيه، لتقصّي السير الذاتية لطغاة، تصوروا بأنهم خالدون ومعصومون، لكن الحقيقة التاريخية والسايكولوجية لهؤلاء، قد تقع على النقيض من كل ما زعموه عن أنفسهم، لأنهم عندما كتبوا مذكراتهم أعادوا إنتاج ماضيهم، ومنهم من اخترع طفولة استثنائية تليق بما انتهى إليه، وثمة فارق كبير بين أن يكتب الديكتاتور عن نفسه وما يكتبه عنه الآخرون، وغالباً ما يستشهد في هذا السياق بما كتبه اسحق دويتشر عن ستالين في مجلدين كبيرين، فستالين مثلاً ديكتاتور وطاغية اقترن اسمه بالجدار الفولاذي الذي شيده حول نظام شمولي رغم أن هناك من المؤرخين من يرى أنه عالم لغوي موهوب، ومناضل ضحّى بابنه الوحيد من أجل روسيا. إنه ككل الشخصيات المماثلة متعدد، وقابل لعدة قراءات فما قاله عنه دويتشر يوشك أن يكون مناقضاً لما كتبه عنه الشاعر نفيتشنكو في كتابه الشاعر في الثلاثين.

 

حتى أدولف هتلر لم يعدم المدافعين عنه والمعجبين به، ومن المثير بالفعل أن يقال عن المغني الراحل مايكل جاكسون بأنه كان مفتوناً بهتلر، وتلك بالطبع حكاية تطول، وقد نتيه في شعابها، ما يعنينا هنا هو الكشف عن مواقف مجهولة لموسوليني بعد مرور كل هذه الأعوام على رحيله وبالشكل المأساوي الذي تم فيه ذلك الرحيل، كيف يمكن لزعيم يتطلع إلى حكم العالم وإلى الخلود أن يبتدئ جاسوساً؟ وما هو التفسير السايكولوجي لهذه الظاهرة المزمنة في التاريخ.

 

إن الديكتاتور نرجسي بالضرورة، ويعاني من تورم في الذات، ولا يرى في الآخرين إلا صدى لوجوده، لهذا فهو لا يطيق الاختلاف حتى لو كان في وجهة نظر تحدد نسبة الانحناء في حضرته.. وقد كتب فنان روسي متضرر من الفترة الستالينية يقول ان هذا الديكتاتور لو استطاع أن يحشو الناس بدلاً من التبغ في غليونه لفعل، ورغم وفرة الروايات والأفلام السينمائية والمسرحيات عن الطاغية إلا أن تكوينه يبقى مثاراً لسجالات لا آخر لها، فلعلماء الاجتماع والنفس أطروحاتهم الشهيرة في هذه المسألة، وإن كان الناس العاديون يصعب عليهم التصديق بأن من ملأوا بيوتهم بالأشباح وناموا ملء جفونهم عن الشوارد ليسوا سوى مرضى، وضحايا طفولات شقية وحرمان تحول بمرور الوقت إلى مديونيات يتعذر تسديدها، لهذا رضخ الديكتاتور لامرأة عشقها وتحول إلى ظل لها. كما حدث لنابليون مع جوزفين، وموسوليني مع المرأة التي تزوجها سراً. لقد دفع الإنسان ثمناً باهظاً بسبب تورطه بطغاة حولوه إلى مطيّة لأحلامهم وباسم الحرية شنقوا الأحرار، وباسم العدالة عمموا الشقاء، وباسم الديمقراطية احتكروا السلطة وحاولوا ربطها كحيوان إلى قوائم مقاعدهم أو أسِرّتهم.

 

فهل ما مرّ من ألفيات من هذا التاريخ يكفي لبلوغ البشرية رشدها، بحيث تعلن الفطام عن هذا الحليب الأسود السام؟

 

لقد كان الديكتاتور في الماضي القريب صندوقاً مغلقاً ومفعماً بالأسرار، لكنه الآن أشبه بالمعيّدي الذي قال أسلافنا العرب ان السماع باسمه خير من رؤيته.. والطفل الذي افتضح عري الامبراطور في قصة اندرسون الشهيرة، على أبيه الآن أن يفتضح عري الديكتاتور.

=============================

كيفية التعامل مع إيران

الوطن القطرية

نشرت صحيفة واشنطن بوست افتتاحية تحت عنوان «كيفية التعامل مع إيران»، استهلتها بقولها ان شيرين عبادي، المحامية الإيرانية الحاصلة على جائزة نوبل للسلام منذ ست سنوات، تتحدث عادة بحذر وشكل مدروس. فهي محامية لحقوق الانسان وتقول انها لا تتدخل بالسياسة، وانها لا تفضل حزبا على آخر طالما تحترم الحكومة حق الشعب في التعبير عن نفسه. ولكنها أثارت الدهشة بتصريحاتها هذا الأسبوع،وهي تقول ان الادارة الأميركية أساءت فهم بعض الأمور فيما يتعلق بإيران، ولكن هذا لا يعني أن التفاوض مع الحكومة الإيرانية خطأ. وانما الخطأ في الاهتمام المبالغ فيه بالطموح النووي الإيراني بدلاً من الاهتمام بانتهاك النظام للديمقراطية والحرية. وتقول عبادي ان شعبية الرئيس أحمدي نجاد تراجعت إلى أدنى مستوياتها. ومن ثم، فاذا ركز الغرب على الطموح النووي الإيراني فسيقول لشعبه ان الغرب يقف ضد مصلحة إيران الوطنية، وحينئذ سيقف الشعب إلى جواره ويتحسن موقفه. أما اذا ركز الغرب على حقوق الانسان أيضاً فسيجد الرئيس أن قاعدته الشعبية تزداد ضعفاً بمرور الوقت. ويشير المسؤولون بالادارة إلى أنهم لم يركزوا على القضية النووية فحسب، فقد تحدث الرئيس أوباما لدعم قوى الديمقراطية، كما وضع نائب وزير الخارجية ويليام بيرنز حقوق الانسان ضمن أجندة المفاوضات في جنيف هذا الشهر. وتعترف عبادي بأن الرئيس أوباما دعا إلى سماع صوت الشعب، ولكنه ينبغي عليه أن يكرر هذه الدعوة مراراً حتى يسمعها الشعب الإيراني. وتضيف الافتتاحية أن عبادي تعتقد أن طبيعة النظام الإيراني أكثر أهمية للنظام الأميركي من أي اتفاق حول الطاقة النووية. فالشعب الإيراني ليس مرتبطاً بالبرنامج النووي كما يزعم النظام الحاكم، ولن تُقدم أية حكومة ديمقراطية على صناعة سلاح نووي. وحتى اذا أنتجت سلاحاً نووياً بالفعل، فلن يشكل تهديداً على العالم حينما تسيطر عليه حكومة لا تعتبر الولايات المتحدة أو إسرائيل أعداء. وعلى العكس من ذلك، فإن أي اتفاق نووي مع الرئيس أحمدي نجاد لن يكون ذا قيمة لأنه ستكون هناك شكوك دائمة في قيام الحكومة ببدء برنامج نووي سري في مكان جديد بعد تعهدها بوقف البرنامج الحالي. ثم تختتم الافتتاحية بقولها ان موقف عبادي واصرارها على الحديث الآن بهذه الشجاعة ساهمت فيه عوامل عديدة أهمها اضطرابات الصيف الماضي الدموية في أعقاب انتخابات الرئاسة. لذا قالت ان «الرئيس أوباما مد يد الصداقة إلى رجل يده ملوثة بالدماء.. يمكنه على الأقل تجنب مصافحة هذه اليد».

=============================

سورية وفرنسا... تقـــارب لمصلحــة الســــلام

جون أفريك

ترجمة

الأثنين 19-10-2009م

ترجمة: دلال ابراهيم

تؤكد زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى باريس على دفء العلاقات بين البلدين، اللذين أصبحا على الموجة نفسها أو تقريباً.

لقد نجحت فرنسا، بفضل سلسلة من المبادرات التي أطلقتها، أن تفرض نفسها بصفتها القوة الأجنبية الأكثر تأثيراً على الساحة اللبنانية.‏

وبهذا تكون قد حلت محل قوى أوروبية أخرى، وحتى حلت محل الولايات المتحدة، ويعود تاريخ التقارب الحديث بين الدولتين إلى عام 2008، عندما دعا الرئيس نيكولاساركوزي نظيره السوري بشار الأسد لحضور الاحتفال بتدشين الاتحاد من أجل المتوسط في باريس في الثالث عشر من تموز، ومن ثم في الرابع عشر منه حضور العرض الذي تم لذكرى إنزال النورماندي.‏

ويعتبر هذا الدفء الذي سرى في أوصال العلاقات بين البلدين حدثاً عظيماً لأنه يكرس رد الاعتبار إلى سورية، بصفتها قوة اقليمية لايمكن تجاهلها كما حاول الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، وقد قام خلال السنوات الأخيرة العديد من الوزراء الأوروبيين بزيارات إلى دمشق، مبرزين عهداً جديداً من التعامل مع دمشق، وانتهاء العزلة التي فرضتها واشنطن عليها.‏

وعبر إقامة مشروعات ضخمة يتطلع الرئيس ساركوزي إلى إرساء جسور قوية بين دول الاتحاد الأوروبي والبلدان على الضفة الجنوبية من المتوسط أملاً في أن تحقق هذه المشروعات المشتركة نقلة في عملية السلام الاسرائيلية العربية.‏

واجتاز الغزل بين باريس ودمشق مرحلة جديدة، مع الزيارة المثمرة التي قام بها وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مطلع شهر تشرين الأول، والتي توجت بلقاء وصفوه بالبناء مع الرئيس نيكولا ساركوزي، وحسب مصدر فرنسي فإن العلاقات بين سورية وفرنسا إضافة إلى أنها مبنية على ثقة تامة فإنها تمهد لعلاقات تشاركية بين الدولتين، حيث تتحدث فرنسا الآن عن سورية كشريك أساسي تقيم معها علاقات ثنائية ممتازة في جميع الحالات، كما تضغط فرنسا الآن على شركائها الأوروبيين من أجل التوقيع بأقصى سرعة ممكنة على اتفاق شراكة مع دمشق، ومن جهته أشار المعلم في باريس إلى الدور الرئيسي الذي تلعبه فرنسا في عملية السلام العربية الاسرائيلية وأثنى على جهودها من أجل إحلال السلام والاستقرار في العراق ولبنان.‏

وقد اتفق البلدان، والكلام مازال للمعلم، على ضرورة أن يكون للبنان حكومة ويعود على اللبنانيين وحدهم تشكيلها، ففرنسا وسورية تريدان حكومة لبنانية يكون طابعها (صنع في لبنان).‏

وفي الشأن الثقافي سوف يتم افتتاح مدرسة فرنسية ثانية في دمشق، في وقت أصبحت لغة موليير لغة إلزامية في المدارس السورية، وأوفد الرئيس ساركوزي عقب زيارة المعلم إلى باريس السكرتير العام للرئاسة الفرنسية كلود غيان إلى دمشق ومستشاره الدبلوماسي جان - ديفيد ليفيت بينما زار مستشاره الخاص هنري غينو بيروت. وفي الوقت الذي كان يسعى فيه الرئيس ساركوزي إلى تحسين التقارب مع سورية كان الرئيس الأوروبي الأكثر انتقاداً حيال الحليف الاستراتيجي الرئيسي لدمشق وهي إيران - ولاسيما فيما يتعلق ببرنامجها النووي، وهو موقف يرمي إلى طمأنة اسرائيل.‏

ولكن المؤكد أن فرنسا حسمت أمرها لتكون الدولة الأجنبية الأكثر نفوذاً من الناحية التجارية والسياسية والثقافية في المنطقة.‏

في الوقت الذي يبدي فيه الرئيس ساركوزي اهتماماً بأمن اسرائيل وإن كان في الوقت الحالي لايبدي تعاطفاً مع حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب انطلاقاً من قناعته أن الوضع الحالي في الشرق الأوسط بات غير مقبول، وإن القيام بإجراءات دولية، من ضمنها إعطاء ضمانات للطرفين، بات أمراً ضرورياً لوضع عربة السلام في المنطقة في سكتها الصحيحة، والرئيس ساركوزي عازم على لعب دور الصف الأول للإعداد لحل شامل للصراع العربي الاسرائيلي يكون فيه إقامة دولة فلسطينية حسب رأيه الضمان الوحيد لأمن وبقاء إسرائيل.‏

ويثير التردد الذي يطبع خطوات الرئيس الأميركي باراك أوباما في اتجاه السلام في المنطقة قلق الرئيس الفرنسي، وقد أبدت فرنسا مساندتها للوساطة التركية في المحادثات بين سورية واسرائيل والتي انقطعت بسبب الحرب الاسرائيلية على غزة في كانون الأول المنصرم، وكان المعلم قد أكد من باريس أن سورية مستعدة لاستئناف مباحثاتها مع اسرائيل عبر الوسيط التركي.‏

وترافق انفراج العلاقات بين سورية وفرنسا ودول أوروبية أخرى، مع انفراجات في علاقات سورية مع الدول العربية وكان أهمها مع السعودية التي توجت بزيارة الرئيس بشار الأسد إلى الرياض، وزيارة الملك عبد الله إلى دمشق، وأعلن الوزير المعلم من باريس بكل وضوح (أن سورية دولة عربية وتعتز بذلك وهو واقع نعيشه ونحياه في كل أيامنا، تربطنا علاقات متينة مع جميع الدول العربية، ومن ضمنها علاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي.‏

وأضاف: إلا أن سورية تربطها أيضاً علاقات جيدة مع إيران، الدولة التي تدعم بحزم القضية الفلسطينية منذ عام 1979، وعندما سعى العالم إلى عزل سورية سارت بعض الدول العربية والأوروبية في الركب، غير أن إيران اختارت تمتين روابطها معنا.‏

واستطرد المعلم: إن سورية تعتبر من دول الخليج خطاً أحمر وتعود لإيران مسألة طمأنة دول الخليج بسلمية برنامجها النووي.‏

وفيما يتعلق بمسألة النزاع المفتوح بين الغرب وطهران أكد المعلم أن سورية تؤيد البحث عن حل يكون عبر المفاوضات وتعارض فرض العقوبات أو اللجوء إلى المواجهة.‏

=============================

الـ'سوبر ـ أطرش'

صبحي حديدي- القدس العربي

19/10/2009

ثمة حكايات تُروى وتُروى لأنها تظلّ ذات صلة بما يستجدّ أو يتواصل في الحياة اليومية للبشر، ولأننا نَلَذّ لها، كما كان شيخنا عبد القاهر الجرجاني يقول. هذه واحدة من تلك الحكايات، التي يلذّ لي شخصياً أن أستعيدها كلما رنّ ناقوس في مسألة حبال الرحم التي تربط الدولة العبرية بالولايات المتحدة، وكلما اجتهد نطاسي لإقناعنا (وربما إقناع نفسه معنا ضمناً، أو حتى قبلنا) بأنّ هذه العلاقة تقوم على مزيج أوحد من ركائز 'العقلانية الباردة' و'السياسة الذرائعية'.

في مطلع القرن الماضي انتُخب الجمهوري ثيودور روزفلت رئيساً للولايات المتحدة، على خلفية شعار كبير جذاب يقول بمحاربة مجموعات الضغط أيّاً كانت طبيعة نشاطاتها: إقتصادية، سياسية، إثنية، أو دينية. وحين أعلن روزفلت تعيين اليهودي أوسكار شتراوس وزيراً للتجارة والعمل، سارع الصيرفي جيكوب شيف (عميد يهود أمريكا آنذاك) إلى إقامة مأدبة عامرة احتفالاً بالمناسبة، كان روزفلت ضيف الشرف فيها. ولقد ألقى الأخير كلمة تقصّد أن تحتوي على فقرة تشير إلى أنه لم يعيّن شتراوس في المنصب ذاك لأيّ اعتبار آخر، سوى أنه كان الرجل المناسب في المكان المناسب: 'لم أعيّنه لأنه يهودي. ولسوف أحتقر نفسي لو وضعت بعين الإعتبار مسائل العرق أو الدين عند اختيار رجل لمنصب رفيع. الجدارة، والجدارة وحدها أمْلَت هذا التعيين'.

الفضيحة وقعت حين لم يفطن أحد إلى ضرورة إعلام شيف (الأطرش!) بما قاله الرئيس لتوّه، فنهض الرجل بدوره وألقى كلمة بدأها بالجملة التالية: 'لقد استدعاني السيد الرئيس قبل تشكيل حكومته، وأعلمني برغبته في تعيين يهودي في الحكومة، وطلب منّي أن أسمّي الرجل الذي يُجمع اليهود على اختياره. ولقد أعطيته اسم أوسكار، فعيّنه، ولم يخيّب الرئيس آمالنا'! وتقول بقية الحكاية إنّ الحضور صفّقوا بعصبية وارتباك، وأمّا الرئيس الـ 26 للولايات المتحدة الأمريكية فقد امتقع وجهه، وحملق في الفراغ.

اليوم، مع تصويت الولايات المتحدة ضدّ تقرير القاضي ريشارد غولدستون حول انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب في غزّة، لا يعود بنا الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما إلى عهد روزفلت فحسب، بل يذكّرنا بأنّ أي عهد لم يختلف عن سواه في ما يخصّ حبال الرحم الأمرو ـ إسرائيلية تلك. كذلك نتزوّد من أخلص رجال الرئيس، وعلى رأسهم بنت جلدته سوزان رايس، مندوبة الولايات المتحدة الدائمة في مجلس الأمن الدولي، ببرهان جديد على أنّ ما سعى أوباما إلى بنائه في تركيا ومصر، أخذ يتداعى ويتهدّم حتى قبل أن ترتفع أعمدته، بمعول يحمله البنّاء نفسه.

وبالطبع، لا نخال أنّ ساذجاً واحداً على هذه البسيطة يمكن أن ينتظر من مندوب الولايات المتحدة إلى المجلس الدولي لحقوق الإنسان الإمتناع عن التصويت، أو حتى الفرار منه، كما فعل فرسان بريطانيا (أحفاد الـ Magna Carta أو 'الميثاق الأعظم' لضمان الحقوق الأساسية)، وفرنسا (بلد 'إعلان حقوق الإنسان والمواطن'، ومهد فلسفة الأنوار). بيد أنّ البيت الأبيض كان قادراً على 'إدارة' الملفّ على نحو يُبلغ رسالة من نوع ما إلى حكومة بنيامين نتنياهو، لطيفة مهذبة ودّية صداقية... على مألوف التراسل الأمرو ـ إسرائيلي، تلجأ إلى مناورة ـ مخففة، محدودة، تكتيكية محضة، هنا أيضاً ـ لإنقاذ ماء وجه الإدارة إزاء الإمتناع الإسرائيلي عن تجميد المستوطنات، والإقبال على تجميد أشغال المبعوث الأمريكي جورج ميتشل. ألا يجوز لممارسة كهذه أن تندرج، بدورها، في سياق 'العقلانية الباردة'، و'السياسة الذرائعية'؟

لسنا، ولعلّنا لم نكن في أيّ يوم، بحاجة إلى رجل أطرش مثل جيكوب شيف لكي تفوح روائح الفضيحة من ذلك الخطاب الأمريكي الرسمي، الذي يقتفي مفردات الخطاب الإسرائيلي الرسمي، وغير الرسمي، في تأثيم القاضي غولدستون، وكأنه ليس المشرّع الدولي المعروف الذي يحظى باحترام بالغ في أوساط حقوق الإنسان العالمية، والعضو المستقلّ النزيه في لجنة بول فولكر للتحقيق في برنامج 'النفط من أجل الغذاء'، والقاضي المخضرم في محكمة الجنايات الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة... أو كأنه، وهنا المغزى الخاصّ، ليس الشخصية اليهودية البارزة، رئيس جمعية 'أصدقاء الجامعة العبرية'، والرئيس الفخري لجمعية الـ ORT، التي يعود تأسيسها إلى سنة 1880، في قطاع أنظمة التعليم اليهودية!

وذات يوم اعتبر المعلّق البريطاني روبرت فيسك أنّ الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات حُوّل، بعد توقيع اتفاقات أوسلو، من 'سوبر ـ إرهابي' إلى 'سوبر ـ رجل دولة'، دون إسقاط حقّ إسرائيل والولايات المتحدة في ردّه من جديد إلى الـ'سوبر ـ إرهابي'. ولقد حصل هذا، سريعاً أيضاً، مع فارق أنّ الفلسطيني المطلق، وليس عرفات وحده، هو الذي حُوّل مجدداً إلى 'سوبر ـ إرهابي': ليس في غزّة ورام الله والبيرة ونابلس والخليل، أو في الناصرة وأمّ الفحم ويافا وحدها، فحسب؛ بل في الأردن وسورية ولبنان ومصر، في أمريكا وفرنسا وبريطانيا وروسيا، هنا وهناك، أينما حلّ الفلسطيني وارتحل على امتداد هذا العالم الشاسع الواسع.

في المقابل، ثمة دائماً ذلك اليهودي الطيّب، المحاصَر من جيرانه، المهدَّد في بيته وكنيسه ومستوطنته، الراغب في السلام، الباحث عن الوئام، الكسير والتراجيدي والشاعري، الـ... 'سوبر ـ أطرش'، غنيّ عن القول!

=============================

تغيير في السياسة الامريكية

دانييل بايبس-القدس العربي

19/10/2009

تكاد الحكومة الإسـرائيلية، دون ان يبرز الامر بما فيه الكفاية، أن تكون انتصرت انتصارا كبيرا مؤخرا عندما تنازلت ادارة اوباما عن بعض جوانب في مبادرتها السياسية.

اذا كنت اعربت في الماضي عن تخوف من مستقبل العلاقات بين اسرائيل والولايات المتحدة، في هذه اللحظة يبدو اتجاها اكثر ايجابية. وكما يذكر، قبل اربعة اشهر كشفت الادارة الامريكية الجديدة عن سياسة جديدة شددت بقوة على وقف البناء في المستوطنات. وبشكل مفاجىء، طلب الموظفون الامريكيون التجميد ليس فقط في الضفة الغربية بل وفي شرقي القدس ايضا ـ وهي ارض اسرائيلية حسب القانون.

وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، دشنت المبادرة في ايار ( مايو )، واعلنت ان الرئيس الامريكي 'يريد أن يرى وقف الاستيطان ـ ليس فقط جزئيا، وليس فقط البؤر الاستيطانية، وبدون تبريرات مثل 'النمو الطبيعي'، بل واضافت 'نحن نعتزم الضغط في هذه النقطة'. اما اوباما فثبت موقفها حين قال في حزيران (يونيو ) ان 'الولايات المتحدة لا تقبل بشرعية المستوطنات... حان الوقت للتوقف'. كان يبدو أن وجهة الادارة هي نحو صراع لا هوادة فيه في هذه النقطة.

في ضوء ذلك، أبو مازن السعيد جلس مرتاحا في كرسيه، أجرى المقابلات الصحافية وأعلن بان 'الامريكيين هم زعماء العالم... سأنتظر الى أن تجمد اسرائيل المستوطنات'. حتى ذلك الحين كان ابو مازن ضالعا في اتصالات مع ستة رؤساء وزراء اسرائيليين ولم يطالب ابدا بتجميد المستوطنات. ولكن كان يمكن فهمه. لماذا يطلب اقل مما يطالب به اوباما؟

ولكن النتيجة كانت ان شعبية اوباما في اسرائيل هبطت، وشعبية نتنياهو ـ الذي وافق على تجميد مؤقت في الضفة الغربية ـ ارتفعت.

مع الزمن فهم المستشارون العباقرة في ادارة اوباما ان تصليب المواقف تجاه اسرائيل والغرور الذي قامت عليه خطتهم لتسوية النزاع الاسرائيلي ـ العربي في غضون سنتين ـ لم يثبت سوى سذاجتهم. وهكذا اضطروا الى التصالح مع الواقع. في اثناء المؤتمر في نيويورك في الشهر الماضي لم يعد اوباما يتحدث عن التقدم في 'كبح جماح النشاط الاستيطاني' ولا عن 'الوقف المطلق' ومنذ ذلك الحين من المهم التمييز للتغيير الذي حصل في السياسة الامريكية، التغيير ذي الاثار الهامة.

يمكن القول ان الجناح اليساري المتطرف في الادارة قد استسلم في واقع الامر للجناح اليساري المركزي. مسألة المستوطنات لم تعد تسيطر في العلاقات الاسرائيلية ـ الامريكية. المستوطنات لا تزال تثير اعصاب الامريكيين، ولكن يوجد لها دور هامشي في المفاوضات. ومع ان ابو مازن يواصل الاصرار على تجميد المستوطنات وكأن شيئا لم يتغير، ولكن هو الذي بات يبدو غريبا في العلاقات بين الثلاثي الامريكي ـ الاسرائيلي ـ الفلسطيني.

لشدة المفارقة، فان مؤيدي اوباما بالذات في الصحافة العالمية شخصوا فشل بدء خطواته في الحقل الاسرائيلي ـ الفلسطيني: افتتاحية في 'واشنطن بوست' تطرقت في الشهر الماضي لـ 'خطأ في الحساب' من جانب الادارة، بينما جوناثان فريدلنت من 'الغارديان' أعرب عن تخوفه من أن 'اوباما فقد من مكانته في منطقة المكانة فيها أمر هام'، مما يعطي الانطباع بان منتقدي اوباما فاتهم سماع الاخبار.

صحيح أن السياسة الامريكية يمكنها ان تتغير مرة اخرى وان تتخذ اتجاها آخر، ولكن يخيل انه منذ لقاء القمة شبه السخيفة التي نظمها الامريكيون في نيويورك تظهر علائم حقيقية لإصلاح متواصل في السياسة الامريكية في كل ما يتعلق بالمسيرة السياسية.

ومثل من يعرب غير مرة عن قلقه من مستقبل علاقات واشنطن ـ القدس أشعر بحاجة الى التشديد ايضا على الانباء الطيبة. حتى الان يمكن القول انه يجدر رفع القبعة امام رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو على أنه نجح في ان يحول السياسة الامريكية الى مسار اصح.

الموضوع المهم التالي على جدول الاعمال السياسي في الشرق الاوسط هو الحاجة الى منع السلاح النووي عن ايران. دعونا نرى كيف يتم التقدم في هذا الشأن.

ـــــــــ

' مدير منتدى الشرق الأوسط في معهد هوفر في جامعة ستانفورد

اسرائيل اليوم 18/10/2009

=============================

الحياة :مواجهة مشكلة الأمن الغذائي والجوع أولوية أميركية

الثلاثاء, 20 أكتوبر 2009

هيلاري رودام كلينتون *

يشكل السعي اليومي لزراعة وإنتاج المواد الغذائية أو شرائها أو بيعها كفاحاً حاسماً في حياة بليون نسمة حول العالم. وهو كفاح يهمهم ويهمنا جميعاً.

لنأخذ في الاعتبار الحياة اليومية للمزارعة العادية التي تعتبر نموذجاً للمزارعين الصغار.

فهي تعيش في القرى الريفية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وفي آسيا وأميركا اللاتينية وتفلح قطعة من الأرض لا تملكها. تنهض قبل طلوع فجر كل صباح وتمشي أميالاً لتجلب الماء. وتعمل في الحقل طوال النهار مع طفل مشدود إلى ظهرها في بعض الأحيان.

وإذا حالفها الحظ، لا يُتلف الجفاف محاصيلها أو تدمرها الآفات الزراعية أو الحشرات، فتجني منها ما يكفي لتوفير القوت والغذاء لعائلتها، وقد يبقى لها فائض تبيعه. ولكن كيف تبيعه وليس هناك طريق معبد يوصلها إلى أقرب سوق، وليس هناك في السوق من يملك القدرة على الشراء؟

دعونا نأخذ كذلك في اعتبارنا حياة شاب في مدينة مزدحمة على بعد مئة كيلومتر من قرية تلك المرأة. إنه عاطل من العمل أو يزاول عملاً لا يدر من الأجر سوى نقود قليلة. يذهب إلى السوق ولكنه لا يجد إلا المنتجات الغذائية التالفة أو التي تفوق أسعارها طاقته. فهو جائع، وغاضب في أغلب الأحيان. وهكذا فلدى المزارعة فائض من المواد الغذائية تريد بيعها، والشاب يريد أن يشتري. لكن هذه الصفقة البسيطة لا يمكن لها أن تتم بسبب القوى المعقدة الخارجة عن سيطرتهما.

إن التصدي لمشكلة الجوع العالمي كامنة في صميم ما نسميه «الأمن الغذائي» – أي تمكين مزارعي العالم من زرع وجني محاصيل وفيرة والعناية الفعالة بمواشيهم أو صيد الأسماك وضمان وصول ما ينتجون من الغذاء إلى أحوج الناس إليه.

الأمن الغذائي لا يقتصر على المواد الغذائية فحسب. فهو يتمثل في التقاء عدد من المشاكل المعقدة، ومنها: الجفاف والفيضانات التي يسببها تغير المناخ وتقلبات الاقتصاد العالمي التي تؤثر على أسعار المواد الغذائية وتهدد مصير مشاريع البنية التحتية الحيوية، والارتفاعات الحادة في أسعار النفط التي تزيد تكاليف النقل.

الأمن الغذائي يختص كله بمسألة الأمن. فالجوع المزمن يشكل خطراً على استقرار الحكومات والمجتمعات والحدود. والناس الذين يتضورون جوعاً ويعانون سوء التغذية ولا يملكون أية مداخيل ولا يستطيعون رعاية أسرهم وسد احتياجاتها لا تبقى لهم إلا مشاعر الخيبة وفقدان الأمل واليأس. واليأس هذا يمكن أن يؤدي إلى التوتر والصراع وحتى العنف. فمنذ العام 2007 وقعت اضطرابات وأعمال شغب سببها الغذاء في أكثر من 60 بلداً.

وفشل الزراعة في كثير من أنحاء االعالم – بسبب العقبات التي تقوم بين المزارع الصغير والشاب الجائع – له تأثير شديد على الاقتصاد العالمي. فالزراعة هي المصدر الوحيد أو الأساسي للدخل عند أكثر من ثلاثة أرباع فقراء العالم. وعندما يعمل هذا العدد الكبير من البشر بكد كل يوم ولكنهم لا يستطيعون مع ذلك كسب عيش أسرهم وإعالتها فإن العالم كله يتوقف عن التقدم.

تنظر حكومة الرئيس باراك أوباما إلى الجوع المزمن كأولوية أساسية في سياستنا الخارجية. وتشاركنا في هذا الجهد دول أخرى. فقد التزمت الدول الصناعية الرئيسية بتقديم أكثر من 22 بليون دولار على مدى ثلاث سنوات لتشجيع النمو الاقتصادي المعتمد على الزراعة. وفي 26 أيلول (سبتمبر) اشتركتُ مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في رعاية اجتماع لقادة 130 بلداً الهدف منه حشد التأييد الدولي.

ويعتمد أسلوب الولايات المتحدة في معالجة قضية الأمن الغذائي على خبرتنا في التنمية. صحيح أننا أمضينا سنوات عدة وأنفقنا أموالاً كثيرة في مشاريع تنمية لم تسفر عن نتائج مستدامة. لكننا تعلمنا دروساً من تلك الجهود. فنحن نعرف أن أكثر الاستراتيجيات فاعلية تصدر عن أولئك الذين يكونون هم الأقرب إلى المشاكل وليس من الحكومات الأجنبية أو المؤسسات التي تبعد آلاف الأميال عنها. ونعرف أن التنمية تنجح على الوجه الأفضل عندما لا ينظر إليها باعتبارها معونة وإنما كاستثمار.

أما وقد استوعبنا هذه العبر فإن مبادرتنا للأمن الغذائي ستسترشد بخمسة مبادئ يساعدنا كل منها على التوصل إلى جذور المشكلة والسعي في سبيل إحداث تغيير دائم:

1- نحن ندرك أنه ليس هناك معيار نموذجي واحد مناسب للجميع في الزراعة. ولذا سنعمل مع شركائنا من البلدان على إيجاد خططها الخاصة وتنفيذها.

2- سنعالج الأسباب الكامنة وراء الجوع من خلال الاستثمار في كل شيء، من البذور الأفضل إلى برامج المشاركة في المخاطر من أجل حماية صغار المزارعين. وبما أن غالبية مزارعي العالم هي من النساء، فمن الضروري جداً أن تدعم استثماراتنا في الزراعة طموحاتهن ودأبهن على المثابرة.

3- ما من بلد يستطيع القضاء على الجوع بمفرده. أما إذا عمل ذوو المصلحة معاً منسقين جهودهم على المستوى القطري والإقليمي والعالمي فإن تأثيرنا يمكن أن يتضاعف.

4- تملك المؤسسات المتعددة الأطراف إمكانية الوصول والموارد التي تفوق ما يملكه لبلد واحد. ونحن بدعمنا جهودها نستفيد من خبرتها.

5- نحن نتعهد بالتزام طويل الأمد وبالخضوع للمحاسبة. وإثباتاً لذلك سنستثمر في أدوات المراقبة والتقييم التي تمكن الناس من الاطلاع على ما فعلنا.

قد يحتاج هذا المجهود إلى سنوات طويلة وربما إلى عقود من الزمن قبل وصولنا به إلى خط النهاية. لكننا نتعهد بتسخير كل مواردنا وطاقاتنا في هذا السبيل.

وإننا إذ نواصل هذا الجهد، سنحافظ على التزامنا الأكيد بتقديم المساعدات الغذائية الطارئة والاستجابة للنداء الملح طلباً للمساعدة عندما تترك المآسي والكوارث أثرها كما هو حاصل الآن على القرن الأفريقي، حيث تسبب الجفاف وفشل المحاصيل والحرب الأهلية في أسوأ أزمة إنسانية منذ 18 سنة.

إن إحياء الزراعة وإنعاشها لن يكون أمراً سهلاً. والواقع أن ذلك من أشد الجهود الديبلوماسية والتنموية التي اضطلعت بها بلادنا. لكنه أمر ممكن التحقيق، وجدير بما يبذل في سبيله من جهود. ذلك أن مستقبلنا جميعاً، إذا نجحنا، سيكون أكثر رخاء وأكثر سلاماً وأمناً مما مضى.

* وزيرة الخارجية الاميركية

=============================

الوطن الكويتية :جيروزالم بوست : ما مصلحة دول المنطقة في إقامة علاقة أوثق مع الدولة العبرية؟ ضغوط أمريكية على دول الخليجي لتطبيع العلاقات مع إسرائيل

بقلم: يوئيل غوزاتسكي باحث في معهد دراسات الأمن بجامعة تل أبيب

في محاولتها لتحريك عجلة محادثات السلام الفلسطينية - الاسرائيلية، بذلت الادارة الامريكية جهودا مهمة خلال الاشهر القليلة الماضية لاقناع الدول العربية وعلى رأسها دول الخليج لابداء مؤشرات معينة عن حسن النية لإسرائيل.

فعلى الرغم من انفصال الساحة العربية - الاسرائيلية بالمعايير الجيوبوليتيكية عن منطقة الخليج، تجد دول الخليج العربية نفسها مع ذلك معنية بشكل مباشر أو غير مباشر بالصراع العربي - الاسرائيلي، ومتأثرة ايضا بالعلاقات بين الفلسطينيين والاسرائيليين.

اذ في الوقت الذي يضغط فيه البيت الابيض على اسرائيل في قضية المستوطنات يحث دول الخليج ايضا على اتخاذ الخطوات اللازمة لتطبيع العلاقات مع الدولة العبرية.

وفي هذا السياق، يقال ان الادارة الامريكية انتزعت في الاشهر الاخيرة «وعودا» من عمان وقطر من اجل اعادة فتح المكاتب الدبلوماسية الاسرائيلية في مسقط (تم اغلاقه عام 2000 بسبب الانتفاضة) وفي الدوحة (جرى اغلاقه في مطلع 2009 نتيجة لعملية الرصاص المصبوب).

وبالاضافة لهذا، يمكن ان تسمح بعض الدول للطائرات المدنية الاسرائيلية، ومنها طائرات الشحن، بالعبور عبر مجالها الجوي أو تسمح حتى بقيام رحلات جوية مباشرة من اسرائيل الى مطاراتها بينما يمكن ان تمنح دول عربية اخرى تأشيرات دخول للاسرائيليين واقامة اتصالات هاتفية مباشرة مع اسرائيل، وعقد اجتماعات عامة مع مسؤولين اسرائيليين على مستوى رفيع.

 

ضوء أخضر

المملكة العربية السعودية اعلنت من جانبها انها لا تعتزم في هذه المرحلة القيام بأي حركة يمكن ان يفسرها البعض كبادرة عن حسن النية نحو اسرائيل، لكنها (المملكة) لن تعارض مثل هذه الخطوات من جانب دول الخليج الاخرى.

لكن بما ان موقف السعودية هو الذي يحدد احيانا الاتجاه لدول الخليج الاصغر حجما، يرى المراقبون في الاعلان السعودي هذا ضوء اخضر لابداء مثل تلك المؤشرات.

غير ان دول الخليج لا تتبنى تقليديا سياسات منفصلة عندما يتعلق الامر بالصراع العربي - الاسرائيلي، وهي تفضل دوما الالتزام بخط المجموعة العربية على الرغم من الحقيقة التي تبين ان معظم المشكلات الاساسية بين اسرائيل والفلسطينيين والدول العربية ليست مرتبطة مباشرة بمنطقة الخليج.

لذا، لم يبدأ التفكير في العلاقات بين دول الخليج واسرائيل الا بعد الجهد الدبلوماسي الكبير الذي بذلته الولايات المتحدة لكسر الجليد في عملية السلام العربي - الاسرائيلي وعقد مؤتمر مدريد عام 1991.

 

والحقيقة ان دول الخليج لم تعد النظر في موقفها الا بعد معاهدات اوسلو في 1993، ولم تذهب في ذلك لأبعد من حدود الاجماع العربي.

ففي اكتوبر 1994، وافق مجلس التعاون الخليجي على الغاء مقاطعته للدول والشركات التي لها علاقات اقتصادية مع اسرائيل لكن ممثلي دول مجلس التعاون اكدوا ان المقاطعة المباشرة لاسرائيل سوف تستمر الى ان يتم التوصل لاتفاق سلام شامل بينها وبين الدول العربية المجاورة لها.

 

تجميد التطبيع

غير ان اغتيال رئيس الحكومة الاسرئيلية اسحاق رابين في نوفمبر 1995، وعملية «عناقيد الغضب» في ابريل 1996، واحداث نفق السور الغربي في اكتوبر 1996، دفعت دول الخليج لتجميد عملية التطبيع التي بدأت في مدريد.

لكن على الرغم من ذلك، شهدت السنوات الاخيرة تغيرا متواصلا في مواقف هذه الدول من اسرائيل وعملية السلام، اذ نتيجة لقيام اسرائيل بفك ارتباطها مع غزة عام 2005، بدأت بعض دول الخليج من جديد اجراءات التطبيع مع اسرائيل. فقد اعلن وزير خارجية البحرين محمد بن مبارك ان بلاده قررت الغاء مقاطعة البضائع الاسرائيلية، ودعا وزير خارجية قطر حمد بن جاسم الدول العربية للرد بايجابية على الخطوات التي تتخذها اسرائيل في المؤتمرات الدولية، ولاحظ ان العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين قطر واسرائيل يمكن ان تصبح ممكنة حتى قبل الانسحاب الاسرائيلي الشامل من الاراضي العربية.

لذا، ان من مصلحة اسرائيل الآن اكثر من أي وقت مضى تقوية علاقاتها مع دول الخليج، وتعزيز دور القوى المعتدلة فيه.

ومن المؤكد ان اقامة تحالفات بين دول وقادة الاعتدال الذين يشتركون بنظرة واحدة للامور سوف تساعد في تعزيز اسرائيل امام التهديد الايراني، كما ان اقامة علاقات وثيقة مع دول الخليج من شأنه ان يقوي موقف اسرائيل على الارجح، ويوفر الشرعية للدول الاخرى التي تريد ان تقفز الى عربة السلام، ويشجع على وجود رأي عام اسرائيلي ينظر بإيجابية لمؤشرات السلام العربية.

ثمة نقطة مهمة اخرى هنا وهي ان دول الخليج تستطيع ان تؤمن زخما اضافيا لعملية السلام، وتساعد في تمويل ما سيتمخض عن اتفاق السلام الفلسطيني - الاسرائيلي - العربي في حال تم التوقيع عليه.

بيد ان العبء الاكبر في تحقيق كل هذا يقع برأي دول الخليج على عاتق اسرائيل، فعليها اولا ان تبين رغبتها بالسلام من خلال الممارسة الواقعية، وتوافق على صيغة مقبولة فيما يتعلق بالاراضي.

لكن السؤال الذي يبقى هو: ما هي مصلحة دول الخليج في اقامة علاقة اوثق مع اسرائيل؟

الواقع ان رد هذه الدول بشكل ايجابي على الولايات المتحدة يمكن ان يضمن دعما امريكيا اكثر للمسائل والقضايا التي تهم هذه البلدان، بل وحتى لو كان التبادل الاقتصادي والتجاري مع اسرائيل على نطاق صغير، تبقى اسرائيل شريكا مفيدا للتعاون في مجالات عدة منها تكنولوجيا الري، تحلية المياه وتوفير احدث المعلومات على المستويين الامني والعسكري.

 

لكن، هل تتبنى دول الخليج سياسة اكثر ايجابية ازاء السلام؟

سوف يقتصر الدور الذي ستلعبه هذه الدول في المستقبل على الارجح على القيام بدور المانح أي تمويل المشاريع الفلسطينية الاسرائيلية، على سبيل المثال، أو تسهيل عملية السلام من خلال استضافتها لجولات المحادثات التي ستتناول هذه العملية.

لكن من الصعب القول بالتأكيد ما هو المدى الذي ستصل اليه دول الخليج في استجابتها للموقف الامريكي الذي يطالبها بانتهاج سياسة اكثر ايجابية ازاء السلام.

فعلى ضوء خسشيتهم من ايران، وشكوكهم المتزايدة باستعداد امريكا للوقوف بجانبهم في اللحظات الصعبة، من غير الواضح ما اذا كانت هذه الدول قد قررت ام لا الانضمام علنا لكتلة الدول البراغماتية التي يمكن ان تعمل كوزن معادل لقوة ايران. واكثر من هذا، يمكن القول ان الرأي العام في دول الخليج يميل تقليديا لمعارضة أي تطبيع للعلاقات مع اسرائيل، ومن الصعب على الانظمة تجاهل ذلك.

لذا، سوف تتبنى دول الخليج في هذه المرحلة على ما يبدو الموقف العربي الاساسي مع القيام ربما ببعض التعديلات التكتيكية كي تتجنب التورط المباشر في العملية.

ولا بد من الاشارة هنا ايضا الى ان دول الخليج ليست كتلة سياسية واحدة، لذا سوف تجد - كما حدث في الماضي - ان من ا لصعب عليها الاتفاق حول سياسة موحدة نحو اسرائيل. فبينما يمكن ان تطلق دول مثل عمان البحرين وقطر مؤشرات معينة باتجاه اسرائيل، من غير المتوقع ان تفعل دول اخرى مثل الكويت والسعودية هذا ولو في المرحلة الاولى على الاقل.

على أي حال، تواجه دول الخليج الآن تهديدات يمكن ان تؤثر في استقرار الشرق الاوسط كالتهديد الذي تثيره ايران ومستقبل العراق. لذا، يمكن ان يسعى قادة الخليج لربط مؤشرات دولهم ازاء اسرائيل بضمانات امريكية تجعل من الصعب على ايران، سواء كانت نووية أم غير نووية، املاء سياستها في الخليج. ان من شأن هذا ان يفتح الطريق امام هذه الدول لتنخرط على نحو اسهل في اجراءات بناء الثقة، وتخفف ايضا من حدة مواقفها ازاء اسرائيل.

تعريب: نبيل زلف

=============================

الوطن الكويتية : مغالبة لا مصالحة .. فهمي هويدي

مغالبة فلسطينية وليست مصالحة. أهم «انجاز» لها أنها تنعى الينا المقاومة وتجرم أهلها، وتسوق الجميع سوقا الى طريق الندامة.

 (1)

كان ذلك أول انطباع خرجت به حين قرأت نص الوثيقة المقترحة للمصالحة وتحقيق الوفاق الوطني الفلسطيني. وهي الوثيقة التي سارع قادة فتح الى التوقيع عليها، لأسباب يطول شرحها بينها محاولة التغطية على فضيحة طلب تأجيل تقرير جولدستون الذي أدان جرائم اسرائيل في غزة. ثم اعتبروا أي نقد للوثيقة دعوة لاستمرار الخصام. ومن قادة الحركة ــ صائب عريقات وجبريل الرجوب تحديدا ــ من أعلن على شاشات التليفزيون أن التحفظ على الوثيقة يعد انحيازا الى الأجندة الأمريكية والاسرائيلية ــ هكذا مرة واحدة!

أدري أن المصالحة أصبحت أهم عناوين الساحة الفلسطينية، لذلك فان ضبط العنوان وتحريره من الأهمية بمكان، حتى لا يساء استخدامه، ويتحول الى وسيلة للابتزاز والترهيب. اذ نحن بصدد مصطلح فضفاض، مسكون في ظاهرة بالرغبة في التسامح والتلاقي والوفاق. وهي معان جذابة يتعين الحفاوة بها ويتعذر الاعتراض عليها، وهي في ذلك لا تختلف عن مصطلحات ودعوات يتعذر ردها، مثل الحوار والشرعية والاصلاح.. الخ.

لقد تعلمنا من تجارب عدة أن المصطلحات الفضفاضة سلاح بحدين، يسمح لمن يريد بأن يتلاعب بها. فيحتمي بجاذبية المصطلح ويتبنى مواقف على النقيض من مقصوده الايجابي. بسبب من ذلك فان الحذر في التعامل مع المصطلح يغدو واجبا الى حين التعرف على مضمونه الحقيقي. فنقف على الأساس الذي تقوم عليه المصالحة، وما اذا كانت تشكل حلولا مرضية للطرفين أم محاولة للي ذراع أحدهما ليصبح الاذعان والخضوع بديلين عن التراضي والتوافق.

الفضفاض في هذه المرة ليس المصطلح وحده، وانما كانت تلك سمة أغلب بنود الوثيقة أيضا، التي من الواضح أن جهدا كبيرا بذل في صياغتها، بما يسمح لكل طرف أن يفهمها على النحو الذي يروق له. آية ذلك مثلا أنها تضمنت نصا في الجزء الخاص بمنظمة التحرير يقضي بأنه الى أن يتم انتخاب المجلس الوطني الجديد، بعد ثمانية أشهر، فان اللجنة المكلفة بتطوير المنظمة (التي يرأسها السيد محمود عباس) ستقوم باستكمال تشكيلها وعقد أول اجتماع لها، ومن مهامها المنصوص عليها «معالجة القضايا المصيرية في الشأن السياسي والوطني واتخاذ القرارات بشأنها بالتوافق». وهو نص بالغ الغرابة، لأنه اذا أعطيت اللجنة المؤقتة حق صلاحية التقرير في قضايا المصير خلال تلك الفترة القصيرة، فما الحاجة اذن الى وضع برنامج للعمل الوطني وما الهدف من المصالحة اذن؟.

 (2)

أول ما يلاحظه قارئ الوثيقة أنها تعاملت بغموض مع عناوين مثل الاحتلال والمقاومة والحصار والتحرير. وكأنها تجنبت التذكير بواقع الاحتلال الذي هو أصل المشكلة، والمقاومة التي هي السبيل الذي لا بديل عنه لمواجهة الاحتلال والحصار الذي هو قضية الساعة، والتحرير الذي هو الهدف الذي يرنو اليه الجميع، وحين تخلو وثيقة الوفاق الوطني من موقف واضح ازاء هذه العناصر الأربعة فاننا نصبح بازاء نص محير، يحتاج المرء الى بذل جهد كبير كي يحسن الظن به، وتتحول الحيرة الى دهشة حين يلاحظ المرء أن معدي الوثيقة لم يفتهم أن يوجهوا الشكر مرتين في المقدمة الى السيد الرئيس حسني مبارك لرعاية الحوار، في حين أنهم هوَّنوا من شأن الاحتلال والمقاومة والحصار والتحرير، وان ذكرت الكلمة الأخيرة فقط حين تمت الاشارة الى منظمة التحرير، التي تحولت الى مجرد اسم لا مدلول سياسيا له، تماما مثل ميدان التحرير أو مقهى التحرير في قلب القاهرة.

الى جانب هذه الملاحظة الشكلية فهناك ملاحظات أخرى منها ما يلي:

* أن الوثيقة تضمنت ستة أجزاء كان أكثرها وضوحا وحسما الجزء المتعلق بالانتخابات التي يفترض ان تجرى في أواخر يونيو المقبل، في حين احتل موضوع الأمن الجزء الأكبر منها (خمس صفحات ونصفا من بين ثلاث عشرة صفحة ونصف).

* واضح أن التركيز على الانتخابات لم يرد به التعبير عن ارادة الشعب الفلسطيني، بقدر ما أنه أريد به اقصاء حركة حماس بنفس الطريقة التي جاءت بها ــ بمعنى اخراجها بالانتخابات مثلما جاءت الى السلطة بالانتخابات. ولذلك فان السياق يتحدث عن انتخابات تشرف عليها لجنة برئاسة السيد محمود عباس لطبخ العملية بالأسلوب المتعارف عليه عربيا. لأن الكلام كله مبنى على أن نتيجة الانتخابات محسومة سلفا، وأن فوز حماس ليس واردا. وانما المطلوب حكومة جديدة تلبي مطالب الرباعية الدولية (الاعتراف باسرائيل ومنع المقاومة والالتزام بالاتفاقات التي أبرمتها السلطة) ــ ولا تكرر «أخطاء» الماضي. في حين يخضع الناخب الفلسطيني لعملية ترهيب شديدة، تحذره من أن يصوت لحماس لأن سيف الحصار مصلت عليه.

* ان ثمة تركيزا شديدا لسلطة السيد أبومازن، رغم أن ولايته الشرعية والدستورية منتهية منذ شهر يناير الماضي. فهو باقرار الوثيقة يظل الرئيس والمرجعية فيما خص تطوير منظمة التحرير، ولجنة الانتخابات، واللجنة الأمنية العليا التي تتبعها أجهزة الأمن، والمخابرات العامة، وهو الذي يصدر مرسوم لجنة تنفيذ الوفاق الوطني، الأمر الذي يعني أن الطرف المخاصم الذي هزم في انتخابات 2006 تسلم مقاليد كل شيء، في حين أن الذي فاز بأغلبية المقاعد في تلك الانتخابات تم اقصاؤه تماما من دائرة القرار قبل اجراء الانتخابات الجديدة.

* ان الوثيقة في الجزء الخاص بالمصالحات الوطنية دعت الى «نشر ثقافة التسامح والمحبة والمصالحة والشراكة السياسية والعيش المشترك». وهي قيم من المهم جدا التذكير بها في سياق المصالحة بين طرفين متخاصمين. ولكن حين يكون البلد يرزح تحت الاحتلال، فان المرء لابد أن يستغرب غياب قيمة المقاومة وشحذ همة الطرفين لاستعادة الحقوق المسلوبة وتحرير الأرض.

* في الوقت الذي ثبتت مرجعية السيد محمود عباس في مختلف المفاصل المهمة، فان مرجعية الميثاق الوطني الفلسطيني لم يشر اليها بكلمة، ولم تذكر من بعيد أو قريب.

* على الرغم من أن الوثيقة تحدثت عن عودة ثلاثة آلاف من عناصر فتح المنخرطين في الأجهزة الأمنية الى العمل في قطاع غزة، فانها لم تشر الى موقف ومصير أكثر من 11 ألف عنصر تضمهم القوة التنفيذية التي صانت الأمن في القطاع طوال السنتين الماضيتين. في الوقت ذاته فليست هناك أية اشارة الى موقف الأجهزة الأمنية في الضفة التي يشرف على تشكيلها الجنرال دايتون. وهو ما يعني أن يد حركة حماس ستكون مغلولة في مجال الأمن، باستثناء وضعها المؤقت في غزة.

* ثمة حديث طيب عن وضع المعتقلين والمؤسسات الاجتماعية في الضفة التي حظرتها السلطة واستولت على مقارها ومواردها، اذ يقضي البند الخاص بهذا الشق باطلاق سراح المعتقلين في الضفة والقطاع واعادة المقار المصادرة بمجرد توقيع الاتفاق، تمهيدا لاغلاق الملف نهائيا بعد ذلك. وهي خطوة يمكن أن تتم فعلا، لكننا نعرف جيدا أن قرارات الاعتقال والمصادرة يمكن الرجوع عنها في أي وقت، وسجل أجهزة القمع في الضفة يؤيد بقوة هذا الاحتمال.

 (3)

موقف الورقة من المقاومة مراوغ وفاضح، فهي تنص ضمن تفاصيل كثيرة على ثلاثة أمور هي: (1) احترام الأجهزة الأمنية لحق الشعب الفلسطيني في المقاومة والدفاع عن الوطن والمواطن. (2) حظر اقامة أي تشكيلات عسكرية خارج اطار الهيكل المقرر للأجهزة الأمنية. (3) تجريم وتحريم استخدام السلاح لأسباب خارج المهمات الوظيفية. وهو كلام يعني أن حق المقاومة محترم ومعترف به، ولكن منظمات المقاومة محظورة، وسلاحها محرم ومجرم، وهي صياغة محيرة بدورها، لأنها تعترف بالحق ثم تصادره وتجرمه!

 

هذا الموقف الملتبس ازاء فكرة المقاومة له أصل في مشروع اتفاق القاهرة الذي رفضت حركتا حماس والجهاد الاسلامي التوقيع عليه في شهر أكتوبر من العام الماضي. اذ نص في احدى فقراته على أن المقاومة في اطار التوافق الوطني حق مشروع للشعب الفلسطيني مادام الاحتلال قائما. ونص في فقرة أخرى على أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية وحدها المخولة بمهمة الدفاع عن الوطن والمواطنين، أي أن المشروع قيد المقاومة بقيدين غريبين أولهما أن تتم بالتوافق، بمعنى أن تبلغ جميع الفصائل الموقعة على الاتفاق مسبقا بأية عملية فدائية للتوافق حولها، وأن تكون الأجهزة الأمنية (التي تنسق مع اسرائيل) وحدها المنوط بها القيام بواجب المقاومة!

 

هكذا فانه خلال الفترة من عام 2005 الى عام 2009 تحولت المقاومة من حق الى نشاط محظور وأي سلاح يستخدم لأجلها غدا محرما ومجرما. وأصبح مطلوبا من المنظمات التي تكتسب شرعيتها من التزامها بالمقاومة أن توقع على ذلك الحظر. وحين تمتنع فانها تلاحق بالتشهير والاتهام، حتى تغدو خيانتها لمبادئها عربون المصالحة المنشودة!

 (4)

في الوثيقة نص مقلق يجعل من مهام المخابرات العامة الفلسطينية «التعاون المشترك مع أجهزة الدول الصديقة المشابهة لمكافحة أية أعمال تهدد السلم والأمن المشترك»، والقلق نابع من أن هذا الكلام قد يبرر التعاون الأمني مع الاحتلال، الذي يعد صفحة سوداء ينبغي أن تطوى لا أن تبرر، خصوصا أن ذلك التعاون الموجه ضد المقاومة بالدرجة الأولى أصبح أحد المهام المعترف بها من جانب حكومة رام الله، نبهنا الى ذلك رئيس الموساد السابق أفرايم هليفي، في مقالة نشرتها له صحيفة يديعوت أحرونوت (بتاريخ 2009/5/25) ذكر فيها أن اسرائيل تقوم باجراء فحص أمني لجميع المنتسبين للأجهزة الأمنية الفلسطينية. التي يشرف على تدريبها الجنرال الأمريكي كيت دايتون. وقال: «اننا» بحاجة الى سنتين على الأقل لانشاء عشرة ألوية من قوات السلطة التي يعدها الجنرال دايتون، لتكون نموذجا للفلسطيني الجديد الذي تريده اسرائيل، ويصمم خصيصا للحفاظ على أمنها والتصدي لنشطاء حركة حماس، ثم أضاف أن اسرائيل تبذل جهدا كبيرا لتعزيز حكم رئيس السلطة الفلسطينية بتركيز خاص على الأجهزة الأمنية، التي هي الذراع التي تحمي نظامه، واللافت للنظر أن الجنرال هليفي حذر من الانسياق وراء رغبة أبومازن في القضاء على حماس، قائلا انه في هذه الحالة سيظل الرجل معتمدا على قوتين صناعيتين هما اسرائيل والولايات المتحدة، الأمر الذي قد يترتب عليه احتمال فوز حماس في أية انتخابات قادمة، ومن شأن ذلك أن يشكل تحديا خطيرا ومضاعفا أمام اسرائيل والولايات المتحدة، وخلص من مقالته الى ضرورة اجراء حوار حقيقي مع حماس، بدلا من صرف الجهد وتبديده في محاولة القضاء عليها، والجري وراء سراب تشكيل الفلسطيني الجديد، لكن من الواضح أن أبامازن له رأي آخر، تبنته الوثيقة واعتبرته منطلقا للمصالحة ولذلك كانت فتح أول من رحب بها ووقع عليها.

=============================

الكفر بعد الإيمان   .. الخليج

الدكتور سليم الحص

نقيض الإيمان هو الكفر. بعد الإيمان المعلن بقضية فلسطين والتزامه في الممارسة اليومية، عمد فريق من اللبنانيين إلى إعلان كفرهم بالقضية. في المقارنة بين فلسطين و”إسرائيل” بتنا نسمع، والعياذ بالله، ثناء على “إسرائيل” وتحاملاً على فلسطين.

 

هذا منتهى الكفر بالقضية العربية المركزية، وهي ظاهرة ليس من السهل تفسيرها. هناك من يعزوها إلى التوتر الذي كثيراً ما كان يعتوِر العلاقات اللبنانية  الفلسطينية على الأرض اللبنانية من جراء ما كان يسمى التجاوزات الفلسطينية. وهناك من يعزوها إلى تدخلات خارجية كانت تحرك أفرقاء من الجانبين لتأزيم العلاقات اللبنانية  الفلسطينية إلى حد افتعال صدامات مسلحة بين الفريقين. وهناك من يعزوها إلى سأم أو ملل يعود إلى إقامة فلسطينيين مدة طويلة من الزمن في لبنان ومزاحمة اللبنانيين على لقمة عيشهم، مع العلم أن الفلسطيني كان ولا يزال ممنوعاً من العمل في لبنان في مجالات واسعة جداً، وهناك من يعزوها إلى انغماس البعض في مشاغل الثروة العارمة التي غمرت المنطقة وأصابت لبنان بالكثير من رذاذها.

 

أياً يكن السبب، فإنه لا يبرر كفراً بأي من القيم الوطنية والقومية التي التزمها اللبناني منذ الاستقلال، وكان في مقدمها الإيمان بقضية فلسطين والتزام موجباتها. والمؤلم أن عدوى الكفر انتقلت من البعض إلى الطبقة الحاكمة في بعض البلدان العربية، فإذا ببعض الحكومات العربية تستعجل تطبيع العلاقات مع العدو “الإسرائيلي” وتقوم بمبادرات مستترة في هذا السبيل ولا تأبه لما يتعرض له الفلسطيني على أرضه من تشنيع ومضايقات وكل ألوان الفظاعات. فتمر الجرائم الصهيونية المتمادية في فلسطين من دون عقاب أو أية مواقف صارمة. وجامعة الدول العربية لا تحرك ساكناً في معظم هذه الحالات وكأنها لا تسمع ولا ترى. فلا غلو والحال هذه في القول إن هناك تراجعاً في التزام الأمة العربية للأسف الشديد في درجة الالتزام بقضية فلسطين على الصعيد الشعبي كما على الصعيد الرسمي.

 

كانت قضية العرب المركزية في فلسطين عامل توحيد بين الشعوب العربية وبين شتى الفئات داخل كل مجتمع عربي. واستهداف القضية يعني عملياً إيهان الروابط التي تجمع بين العرب. فهل من مبالغة في القول إن “إسرائيل” هي المستفيد الأكبر من هذا التطور، ولا يستبعد أن تكون هي وراء هذا الواقع بوسائلها الشيطانية في هذا المضمار.

 

هذه الظاهرة الخطرة ما زالت ضمن حدود المعالجة، والمعالجة ينبغي أن تأتي من التيارات الشعبية التي لم تتخلَ عن إيمانها الوطيد بالقيم الوطنية والقومية. في كل الأقطار العربية تيارات شعبية وازِنة تجهد بالتزامها القيم الوطنية والقومية المعهودة إلى توعية الفئات التي سارت في طريق الكفر بالوطنية والعروبة، وثنيها عن التخلي عن اقتناعاتها التي تمسكت بها عبر أجيال في الماضي، وفضح مصلحة العدو الصهيوني في مروقه الذي يهدد مصيرنا.

 

لا قيامة للعرب إلا بتعزيز عوامل الوحدة في ما بينهم وأولها قضية فلسطين التي كانت ولا تزال وستبقى قضية العرب المركزية قومياً. والهدف المرحلي ينبغي أن يتركز على إقامة اتحاد بين الأقطار العربية على غرار الاتحاد الأوروبي. ونكرر القول إننا أولى بالاتحاد من أوروبا باعتبار أن لغة واحدة تجمع بيننا وثقافة مشتركة تربط بيننا وتاريخاً خالياً من الحروب البينية يرتسم في خلفيتنا.

 

ونحن لن نكون مؤهلين للانخراط في مشاريع للاتحاد في ما بيننا إن لم نضع حداً لتنامي تيار الكفر بين ظهرانينا، لا بل إن لم نقضِ على هذه الظاهرة ونقتلعها من جذورها. والكفر يصب في مصلحة العدو الصهيوني، الذي يهمه تنمية عوامل الشرذمة بين شعوب الأمة وكذلك بين مختلف الفئات داخل كل قطر عربي. إن عوامل الوحدة التي كانت ولا تزال قائمة بيننا نحن العرب، لم يكن يتوافر مثلها في أوروبا عندما أقامت الاتحاد بين دولها ثم توسعت فيه.

 

سمعنا مقولة إن “الإسرائيليين” لا ينامون وأن العرب لا يستفيقون. هذه مقولة الصهاينة ونحن نرفضها ونستهجنها. ولكن الرفض لا يكفي إن لم يترجم عملاً مبرمجاً على تعبئة الرأي العام العربي في محاربة المشاريع الصهيونية التي ترمي إلى شرذمتنا وطنياً وقومياً. ومن دون إغفال ما يترتب على السلطات الرسمية من واجبات، نقول إن العمل المنهجي في التصدي لظاهرة الكفر مطلوب أساساً من التيار القومي العربي الذي يتمسك أبداً بالقيم القومية وعلى رأسها الإيمان بفلسطين كونها قضية العرب المركزية. العربي الحقيقي هو الذي يتبرأ من لوثة الكفر ويباهي بإيمانه بالقيم التي تقوم عليها القومية العربية وفي مقدمها الإيمان المطلق بالقضية الفلسطينة. والعربي الحقيقي هو الذي يجند طاقاته لتطهير المجتمع العربي من جرثومة الكفر وذلك بالعمل الدؤوب فكرياً واجتماعياً وسياسياً، والسبيل الطبيعي إلى ذلك هو الحوار البناء مع من وقعوا في شرك الكفر بالقضية لسبب أو لآخر.

=============================

افتتاحية الثورة : اسعد عبود

التحـرش بإيــران...

الافتتاحية

الاثنين 19-10-2009م

بقلم رئيس التحرير: أسعد عبـــود

بغض النظر عن الفاعل ونياته، هو فعل إرهابي شنيع من الدرجة الأولى.. ينضم إلى كوارث الإرهاب التي تضرب آسيا .. ومواقع أخرى من العالم..

هل ثمة من يسأل عما يحصل وإلى أين سيصل.. وإلى متى تستمر أخطاء المعالجة والميل الدائم للعنف والقوة المسلحة لحل المشكلات؟.‏

هل ثمة من يسأل كيف يعيش الشعب الأفغاني بعد سني الموت اليومي والإرهاب الدائم.. تمارسه التنظيمات والمجموعات وحتى الدول؟.‏

هل ثمة من يسأل عن أحوال باكستان وما تواجهه يومياً؟ حتى الهند تواجه إرهاباً يهددها بين الفترة والأخرى!.‏

والصين.. كثيراً ما يتحدون استقرارها ونموها وتطورها بالتحرش الواضح المآرب والغايات.. ولاننسى العراق... الخ.‏

بغض النظر عن كون ما حدث في «سيستان وبلوشستان» جنوب شرق إيران.. إرهاباً محلي الطابع أم دولي الدافع... هو تهديد خطر لبلد يشكل أحد أهم أركان الاستقرار والهدوء في آسيا عموماً وفي منطقتنا على وجه التحديد.‏

حتى الدول التي تخاصم إيران أو تثير ضدها الأقوال والاتهامات لا يمكن أن تجهل أهمية استقرار إيران على أمن المنطقة واستقرارها..‏

اليوم وإذ تطوي الجمهورية الإسلامية ورقة التحرش عبر الانتخابات وما رافقها وما شهدت وما تبعها... لتؤكد أنها الدولة القادرة على مواجهة التحديات مهما كان مصدرها.. يأتي حادث «سيستان وبلوشستان» ليشكل طعنة في عودة الهدوء والاستقرار إليها.‏

قد يكون رغم فظاعته حادثاً غير مخيف من ناحية التأثير على أمن واستقرار الجمهورية الإسلامية... لكنه يطرح السؤال بصوت عال:‏

-ثم ماذا؟!‏

-ماذا مع هذا الإرهاب الذي أصبح لغة في آسيا؟!‏

ومتى تنتهي عذابات شعوب هذه القارة ذات المليارات البشرية؟.‏

لا خوف على إيران.. هذا صحيح..‏

لكنه التحدي الكبير بأبعاده وخاصة منها الأبعاد الآسيوية.‏

تحدي الإرهاب لآسيا مسألة تحتاج إلى كثير من العمل على ضوء العقل والفهم العميق.‏

هنا ..في هذه القارة وحيث الحاجة لتضافر جهود البشرية ، لتأمين فرص الحياة الكريمة لابنائها.. استعانوا عليها بالباردوة والمدفع، والدبابة، والأوامر، والتسلط، وبما هو أخطر من ذلك، كله.. بسياساتهم الفاشلة في اكثر من موقع، ماورطهم، وورط شعوب المنطقة بأكثر من حرب وبما لايحصى من عمليات الإرهاب..‏

ثم يقولون: إنهم أبطال مكافحة الارهاب؟!‏

أين ومتى كان ذلك؟!‏

ماجرى في إيران .. مؤلم .. مرفوض .. وهو مايطرح واقعاً في فضاء أوسع، هو الفضاء الآسيوي، حيث ضباب السياسات الخاطئة والحروب الخطرة والارهاب الذي لايتوقف.‏

a-abboud@scs-net.org

=============================

ماذا لو وقّعنا الشراكة

معاً على الطريق

الأحد 18-10-2009م

ديانا جبور

ترافق مشروع توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بكثير من الضجيج والتحليل والتبشير، حتى صرنا نعتقد ونجزم أنها ستكون طوق إنقاذنا ، بل وسفينة نوحنا الجديدة التي ستنتشل من طوفان التخلف أو الإهمال أو الفساد ، مايتوفر من الأنواع السليمة المؤهلة للاستمرار.

هالات تحرض على الاطلاع على تجارب دول عربية سبقتنا إلى توقيع هذه الاتفاقية فلم أقع على إيجابيات أخرجت المارد من قمقمه ليسأل الحكومات ، والشعوب عن احتياجاتها فيلبيها، أو جراحها فيبلسمها ، بل إن خلل الميزان التجاري للدول الموقعة انقلب من مألوف بين طرف نام وآخر متطور إلى خاسر خسارة فادحة أودت بالكثير من الصناعات الوطنية ما يمكن أن يؤدي فيما إذا تركت الأمور على عواهنها إلى خلخلة اجتماعية عميقة.‏

إذاً فتجارب الدول المحاذية لا تسبغ على المشهد لوناً وردياً أما إن تقاطع قلم التوقيع مع العصا فهي بالتأكيد ليست بعصا موسى التي يمكن أن تشق البحر وتوصل إلى بر الأمان، هي في أحسن الأحوال عصا دليل سياحي يحول البلدان إلى مقاصد ترفيهية أو ورشات تصنيع قطع تكميلية في صناعات خارجية ، فللدول الأوروبية أجندتها ومؤسساتها التي تمنع فتح باب المعونات دون ضمان استردادها إن بشكل مباشر أو غير مباشر.‏

نحتاج في صناعاتنا وحيواتنا ومناهجنا ومنهجياتنا وتعاملاتنا إلى الإتقان ، إلى الجمال، إلى الأناقة ، إلى النظافة ، إلى الحداثة.‏

حاجات أخلاقية ، بل قل وجودية، لكنها لن تأتينا أبداً منشأة وبين دفتي تفاهمات واتفاقيات مع جهات أجنبية.‏

هذا مشروع إصلاح وطني ننجزه اليوم بإيقاع قد يقصر عن حماسة البعض، بل وعن مؤهلاتنا وتاريخنا وطموحاتنا وعن إمكاناتنا الفعلية ، لكنه السبيل الوحيد الذي يضمن لنا شراكات حقيقية متزنة، تبرم دون استعطاف أو استجداء ، بل على قدم المساواة دون قسر أو إملاءات.‏

ماتقدم ليس ازدراء للتعاون ، لكن التعاون شيء وترحيل المسؤوليات وتحميلها على روافع مستعارة شيء آخر

=============================

في محيط مكبّ نفايات الغزلانية أناسٌ يعانون ويموتون بصمت!

تحقيقات

تراشق الاتهامات بين متعهد المكبّ والحكومة، فيما الهباب الأسود يخيم على المنطقة

لمحافظة ريف دمشق مكبُّ قمامة في منطقة الغزلانية، يعتبره كثيرون اليوم كارثة على محيطه، فهو يتوسط تجمعات سكانية يقطنها عشرات آلاف البشر، وحوله مراكز حكومية، ومزارع عامة وخاصة، ولا تفصله عن مطار دمشق الدولي غير كيلو مترات قليلة.

يقول مدير المركز الثاني لهيئة الطاقة الذرية الذي لا يعبد سوى أمتار قليلة عن المكب "يسبب الدخان المنبعث من حرق المخلفات العضوية في المكبّ أضراراً صحية جدّية لمن يستنشقه بصورة دائمة، فغالباً ما تحوي المخلفات مركبات سامة كالدايوكسين والفورونات المسببة للتسرطن.. إن أعمدة الدخان المتصاعدة من المكبّ لا تتوقف حتى في الأيام الماطرة".

ويتهم مدير المركز، المهندس فاطر محمد، في شكوى رفعها إلى رئاسة مجلس الوزارء "الجهات الوصائية بأنها بعيدة كل البعد عما يحدث في المكبّ" الذي يشكل المحطة الأخيرة لنحو 1200 طن من قمامة تصله يوميا من 35 مدينة وقرية في محافظة ريف دمشق، حتى بات ينوء تحت جبال من نفايات متخمرة، تنتشر على مساحة خمسمئة دونم.

 

دخان متصاعد من حرق الزبالة

كما يروي أبو محمد، مختار قرية دير الحجر الملاصقة للمكبّ، قصة طائرة كانت تقل وفداً طبياً فرنسياً، اضطرت مرة إلى تأخير هبوطها بسبب غمامة سوداء كانت تغطي مطار دمشق الدولي، ناتجة عن حرائق المكبّ.

هذه القصة، التي يتناقلها كثير من أهالي التجمعات السكانية المحيطة بالمكبّ، لا يستبعدها المدير السابق لمطار دمشق الدولي، ومدير الطيران المدني حاليا، وفيق حسن. يقول "قد يكون لهذه الحادثة وغيرها أساس من الصحة، فعندما تكون الرياح جنوبية تخيّم ضبابة كثيفة من دخان حرائق المكبّ فوق منطقة المطار، وتشكل خطورة لا يستهان بها على حركة الطيران أثناء عمليتي الهبوط والإقلاع، حيث تسوء رؤية المهابط". ويضيف "رغم أنه لم تسجل إلى الآن أية كوارث، يجب أن تعالج هذه المشكلة بالسرعة القصوى لما لروائح حرق القمامة من تأثير منفّر على زوار المطار، عدا الأضرار الصحية التي قد تصيب العاملين فيه".

ولكن إذا كان مرتادو مطار دمشق الدولي يعايشون الآثار السلبية لمكب نفايات الغزلانية ساعات معدودة، فهو "يشكل خطراً دائماً على صحة قرابة خمسين ألف شخص يعيشون في القرى المجاورة للمكب، إضافة إلى العاملين في المزارع المجاورة ومحطات الأبحاث"، بحسب المختار أبو محمد، ومنها محطتي أبحاث الإبل والأبقار الشامية، ومركز قرحتا لتحسين الماعز الشامي، ومركز دير الحجر الزراعي، ومزارع الإدارة الإنتاجية للجيش.

ويؤكد المختار أن كل همِّه خلال السنوات الأربع الأخيرة تركز على متابعة "كارثة" مكبّ الغزلانية لدى الجهات الحكومية المسؤولة.

 

قصة موت غير معلن

كلاب شاردة

يلاحظ الدكتور عمار الرفاعي رئيس مركز قرية "جديدة الخاص" الصحي المجاورة للمكب "زيادة في حالات السرطان وخاصة سرطانات الجهاز التنفسي بين أهالي القرية خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى ارتفاع في عدد المصابين بالأمراض التنفسية كالربو والتهاب القصبات"، ويقول "الذباب الذي يحط على القمامة يسبب الملاريا واللشمانيا للعديدين، ولدينا عدد متزايد من الأشخاص الذين يتعرضون لعضات الكلاب الشاردة حول المكبّ".

وفيما يؤكد الرفاعي أن ملاحظاته العملية "تعكس الواقع إلى حد كبير" إلا أنه يقر بعدم "إجراء المركز إحصاءات سريرية دقيقة حول تطور الحالات المرضية لزواره".

ويحذّر الرفاعي في إحدى شكاواه المرفوعة إلى مديرية صحة ريف دمشق أن "الدخان الناتج عن حرق القمامة في المكب "يسبب أمراضا صدرية ومسرطنة"، ويقول "يجيبوننا بأن نقل المكبّ من مكانه مكلف ماديا، لكننا نتساءل بدورنا: كم يكلف مريض السرطان الحكومة من مال؟".

 

اغنام ترعى على مكب النفايات

وفي ظل غياب أية إحصائيات رسمية حول الأثر الصحي للمكب على السكان، دل استبيان تم توزيعه في القرى المحيطة به أن 77 % من المستطلعة أراؤهم يرون أن الأمراض زادت بشدة بعد إقامة المكب، وجاءت الأمراض التنفسية مثل الربو والخناق في الدرجة الأولى، تلتها السرطانات وخاصة سرطان الرئة، ثم بعض الأمراض الجلدية والهضمية. وذكر مئة شخص من المستطلعة آراؤهم أسماء 22 حالة وفاة بسبب السرطان، بينهم ثلاثة أطفال ماتوا في أقل من سنة.

وكما الدكتور الرفاعي، يلاحظ المراقب الصحي في مركز الغزلانية الصحي فؤاد عوض أن "نسبة الإصابات السرطانية بين السكان ازدادت كثيراً بعد إقامة المكبّ، خاصة في قريتي تل مسكن وجديدة الخاص المجاورتين".

 ويروي عوض، المكلّف من قبل بلدية الغزلانية بالإشراف الصحي على المكبّ حادثة "العثور في إحدى المرات على نحو أربعمائة علبة سردين فاسدة لدى بائعين في قرية دير الحجر، باعها لهم بسعر بخس نباشون ناشطون في المكبّ.                         

والنباشون في مكب الغزلانية نفر من رجال ونساء وأطفال، لا يندر أن توجد بينهم امرأة حامل، يتسلقون ويغوصون في القمامة، يتزاحمون لملئ أكياسهم بما تجود به القمامة عليهم من بلاستك أو حديد.. . يعملون ليلاً نهاراً، وإذا أنهكوا ناموا في المكان، بل ثمة بينهم من يسكن المكبّ أو جواره.

"إنهم ينقبون عن أشياء ذات قيمة ويعثرون على بعضها، فيشكلون حلقةً دنيا في سلسلة "بزنس" ناشط تعلوهم فيه حلقات" كما يقول المختار أبو محمد، وهم "يعانون حالات مرضية عديدة لكنهم لا يراجعوننا بسبب الجهل، وبينهم نساء حوامل يجب أن يلقحن خمس مرات ضد الكزاز، لكن هذا لا يحصل"، كما يقول الدكتور الرفاعي.

 

وبال على الحيوان والنبات

نباشون

يتعدى التأثير السلبي للمكبّ صحة الإنسان ليطال الحيوان والنبات أيضاً.

حيث يشير مدير إدارة بحوث الثروة الحيوانية المجاورة للمكبّ إلى تضرر "عشرات آلاف رؤوس الأغنام والأبقار والإبل والماعز الشامي وأبناء العواس في مراكز ومحطات الأبحاث الحيوانية والنباتية المجاورة".

وبحسب المدير عدنان الأسعد فإن "أكل الحيوانات أكياس النايلون المتطايرة من السيارات غير المشدَّرة التي تنقل القمامة إلى المكب يسبب لها مرض النفاخ (انسداد الأمعاء) ويؤدي إلى نفوقها".

ويقول الطبيب البيطري محمد زهير سلام رئيس قسم الصحة الحيوانية في الإدارة ذاتها "أكثر ما يضر الحيوانات هنا انتشار الذباب والتلوث الناتج عن مخلفات القمامة. إنه يصيبها غالباً بالسالمونيلا التي تسبب لها إسهلات حادة وقد تؤدي إلى نفوقها، إضافة إلى الالتهابات الكبدية والمعوية والديدان الشريطية وغيرها".

ويتحدث رئيس وحدة الارشاد الزراعي في قرية "جديدة الخاص" المهندس الزراعي جمال شماط عن "الدخان المنبعث عن حرق القمامة الذي يسبب اختناقاً للأشجار، فعندما تترسب نواتج الاحتراق على الأشجار وأوراقها تتسبب بتسممها".

ويشير شماط إلى "مزارع عامة وخاصة في منطقة المكب، كلفت ملايين الليرات، هجرها أصحابها بعد أن ماتت مزروعاتها".

 

الرواية من البداية

محطة الفرز

قبل عام 2006 كان المكبّ عشوائيا، إلى أن تم تنظيمه بموجب دراسة أجرتها شركة تريفالور الفرنسية، ثم عهدت محافظة ريف دمشق منتصف العام ذاته بإدارة المكب إلى شركة " Ever Clean " بموجب عقد استثمار لخمس سنوات، يلتزم المتعهد بموجبه بإدارة المكب وفق أسس صحيّة وبيئية سليمة مقابل حصوله على 49 مليون ليرة، إضافة إلى نواتج فرز القمامة.

ولم تمضِ غير أشهر قليلة على توقيع العقد وبدء العمل حتى راحت تظهر وتتفاقم الآثار السلبية الخطيرة للمكب. واليوم يتبادل كل من الشركة المتعهدة والجهات الحكومية المعنية الاتهامات حول المسؤولية عن كل ذلك.

 

شركةEver Clean .. "كل شيء نظيف"!

وفيما تنص المادة 21 من العقد المذكور أن المتعهد يتحمل جميع الأضرار الناجمة جراء سوء تنفيذ العمل والتعويض عنها، يقول الدكتور يحيى عويضة نائب رئيس مجلس الإدارة في شركة "إيفر كلين" إن شركته "التزمت بكافة شروط عقد استثمار المكب".

لكنه يضيف "بعد خمسة أشهر من توقيع العقد ومباشرة العمل تزايدت كميات النفايات المرسلة من محافظة ريف دمشق إلى المكب من 530 طناً، كما يرد في العقد، إلى 1600 طن يومياً حتى امتلأ المكب خلال أقل من سنتين. ثم أن هذه النفايات لم تكن منزلية فقط، بل احتوت نفايات صناعية وطبية تحتوي أعضاء بشرية صغيرة ودم وسرنكات".

ويتهم الدكتور عويضة الحكومة بـ "عدم دعم تطبيق القانون 49 الخاص بالنظافة والذي ينص أحد بنوده على منع النباشين من استخلاص المواد ذات القيمة من القمامة"، ويقول "هذا أيضا حرمنا من وصول أي مادة تأتي إلى الفرز في المحطة التي كلفتنا نحو 65 مليون ليرة سورية ما دفعنا إلى إيقاف العمل فيها".

ويطالب الدكتور عويضة في كتب رفعها إلى محافظ دمشق ، ورئيس بلدية الغزلانية ، برفع قيمة العقد، وبمنحه فرق سعر المازوت الذي تستهلكه الآليات العاملة في المكبّ بعد أن تضاعف سعر هذه المادة أربع مرات.

ويرى الدكتور عويضة أن الشكاوى من آثار المكب على صحة الإنسان والحيوان والنبات ليست إلا "حالات فردية"، إلا أنه يقر في كتاب ترويسته "عاجل وخطير جدا" أنه لم يعد بإمكان شركته "السيطرة على الحرائق (..) التي باتت مشكلة تواجهنا بشكل يومي، حيث احترقت محطة الفرز، إضافة إلى تأثير الحرائق على مطار دمشق الدولي والقطاعات العسكرية القريبة من المكب والقرى المجاورة والعاملين في المكب".

وحول الاتهامات بحرق القمامة عمداً تجنبا لتحمل تكاليف طمرها، يقول الدكتور عويضة إن هذا ليس من مصلحته، "فأنا خبير بيئي وأعلم أن هذا النوع من الحرائق يلوث البيئة، ويضر بالمطار والأهالي، لكن ليس باليد حيلة"، ويبرر الحرائق التي تحدث بالقول إنها ناجمة عن "أشعة الشمس أو عن فحم الأراكيل غير المطفأ القادم مع القمامة حيث يشتعل الحريق ويأتي على كامل المكبّ، وكل حريق في المكب يكلفني بين 300 إلى 400 ألف ليرة لإطفائه، وحتى بعد إطفائه يبقى الدخان مدة أسبوع".

وحول الوضع الحالي للمكب يقول د. عويضة إنه "يضر بسمعتي، فأنا عملت على تأسيس وزارة للبيئة في سورية ثم عملت معاوناً لوزير البيئة نحو عشر سنين. وأنا كرجل بيئة أول في سورية والمنطقة العربية وأدرس علوم البيئية في الجامعة، لا أقبل بهذا الوضع!".

 

الرسميون يعيدون الكرة لملعب المتعهد!

نباشون

بالمقابل يتهم المهندس عبد الكريم جبرا رئيس بلدية الغزلانية، ورئيس لجنة الإشراف المباشر على المكبّ، شركة "Ever Clean" بـ "ارتكاب تجاوزات تسببت وتتسبب بآثار كارثية للمكبّ، وقد تم توجيه أكثر من ثلاثين إنذارا لها".

من ذلك "إنذار سحب أعمال" بناء على طلب من محافظة ريف دمشق محوّل من مديرية شؤون البيئة فيها حول تعديات الشركة على البيئة. كما أخبرت البلدية محافظة ريف دمشق في كشف تشرين الأول 2008 أن "الشركة لم تقم بتنفيذ الأعمال وفق الشروط المطلوبة"، ووجهت البلدية إنذاراً إلى المتعهد نهاية ذلك الشهر بتنفيذ الشروط الفنية الواردة في العقد، وخاصة "تنفيذ الطمر اليومي لكامل النفايات، وتطبيق الشروط البيئية الخاصة بالمكبّ، وعدم السماح بدخول النباشين إلى المطمر". ثم رفعت البلدية كتاباً إلى محافظة ريف دمشق بشأن الإجراءات المتخذة بحق شركة "Ever Clean".

كما يتهم نضال العوايدة رئيس دائرة النظافة في محافظة ريف دمشق الشركة المتعهدة بـ "سوء الإدارة". ويقول "كذلك على الوحدة الادارية في بلدية الغزلانية مسؤولية في هذا الصدد... نحن لا نتهجم لا على المتعهد ولا على الوحدة الادارية وإنما نحث على تطبيق دفتر الشروط الفنية بحذافيره" .

حيث تنص المادة الأولى من دفتر الشروط على أن "يقوم المتعهد بإنشاء وتشغيل مطمر صحي... على أن يقوم بفرز النفايات قبل طمرها من خلال محطة فرز نظامية مع المحافظة على الشروط البيئية لمنطقة المشروع والمنطقة المحيطة به"، كما تنص المادة السادسة على أن "يقوم المتعهد بتسوير منطقة المشروع بحيث يمنع دخول الآليات والأشخاص والحيوانات إليها"، وأن يتقدم المتعهد بدراسة وتقييم الأثر البيئي للمكب والمحطة، وأن يلتزم بتشجير الموقع".

وبحسب العوايدة فإن "شيئا من ذلك لم يتحقق"، ويطالب المتعهد بـ "تشغيل محطة الفرز لأنها تخفف أكثر من 30% من حجم القمامة".

وأقر العوايدة أن "كميات القمامة المرسلة إلى المكب زادت بسبب النمو السكاني، وتحويل قمامة بعض المكبات الأخرى إلى هذا المكب أحيانا"، لكنه أكد أن "إدعاءات المتعهد بعدم حصوله على فروقات الكميات والمازوت باطلة".

وأشار إلى أنه نتيجة الأوضاع السيئة لمكب نفايات الغزلانية، وجَّه محافظ ريف دمشق بـ "عدم تسليم أعمال النظافة لمتعهدين بعد الآن وتأهيل الوحدات الإدارية للقيام بأعمال جمع القمامة ونقلها والتخلص منها بطرق صحيحة".

 

في انتظار فرج الله (غودو)

في كتاب بتاريخ 16 نيسان 2009 تقر وزارة الإدارة المحلية بـ "العديد من الشكاوى حول سوء الإدارة لمكبّ نفايات الغزلانية المستثمر من قبل شركة "إيفر كلين"... ما يتسبب بوجود مشكلة بيئية خطيرة في الموقع".

وتطلب الوزارة إلحاق المكب بمحافظة دمشق، وتأهيل الموقع كاملاً قبل نهاية النصف الأول من عام 2009 ومعالجة مشكلة الحرائق والدخان في الموقع بشكل دائم.

ومع انقضاء النصف الأول من عام 2009، يرى اسماعيل الجابي مدير مدرسة دير الحجر أن "مكب نفايات الغزلانية لا زال يشوِّه كل أسباب الحياة من حوله، حيث يرزح أبناء آدم من الدراويش في منطقة المكبّ تحت أطنان زبالة غيرهم، وفيما يعلو فوق رؤسهم ضجيج المسؤولين والمتعهدين، فإنهم، ومعهم الحيوان والنبات، ما زالوا يعانون، وبعضهم يموت بصمت".

خالد موسى – براء البوشي - سيريانيوز

تم إنجاز هذا التحقيق بدعم من شبكة أريج

=============================

الانتخابات عراقية أم أميركية - إيرانية ؟ النهار

في تشرين الثاني 2008 اي قبل نحو شهرين من انتهاء ولايته وقعت إدارة الرئيس الاميركي جورج بوش الابن مع الحكومة العراقية اتفاقاً على وضع القوات الاميركية في العراق تضمّن اموراً عدة ابرزها اثنان. الأول، انسحاب معظم هذه القوات من العراق في تاريخ اقصاه 31 كانون الأول 2011. وبقاء نحو 35 الف جندي اميركي فيه ولكن خارج المدن بهدف الاستمرار في تقديم المساعدة لبناء الجيش وسائر القوى الامنية العراقية على ألا يشترك هؤلاء في اي قتال داخلي يمكن ان يقع سواء بين مكونات الشعب في تلك البلاد او بين أي منها والقوات الحكومية فيها. اما الثاني، فهو حاجة الاتفاق المذكور الى الحصول على موافقة غالبية الشعب العراقي وذلك في استفتاء يجرى في موعد الانتخابات النيابية المقبلة والمقررة في 16 كانون الثاني من العام المقبل (2010) الا طبعاً اذا طرأت تطورات غير محسوبة اطاحت هذه الانتخابات او فرضت تعديلاً لموعدها او ربما ارجاء لها الى اجل غير مسمى.

ماذا أملت الولايات المتحدة في ان تحقق او ان تنجز من الاتفاق المذكور اعلاه؟

أملت، استناداً الى متابعين اميركيين من قرب لـ"التورط" الاميركي المباشر في العراق منذ ربيع 2003 تحقيق اهداف عدة. منها الراحة التي لا بد ان يؤمنها للحكومة العراقية ورئيسها كما لسائر المؤسسات الدستورية والامنية العراقية على تناقضها احياناً كثيرة انسحاب القسم الاكبر من القوات الاميركية من العراق وانحسار الوجود العسكري الاميركي القليل المتبقي في اماكن غير آهلة تقريباً الامر الذي يبعده عن الاحتكاك اليومي بأبناء العراق وتالياً الاشكالات التي لا بد ان يرتبها احتكاك كهذا. وهذه الراحة من شأنها مساعدة المسؤولين العراقيين على التعامل مع مشكلاتهم وقضاياهم المعقدة من داخلية وخارجية بسهولة اكبر وعلى اتخاذ قرارات اساسية فيها من دون ان يخشوا اتهاماً من هنا او هجوماً من هناك، فضلاً عن ان القليل المتبقي من القوات رغم ابتعاده عن الاشتراك في مهمات قتالية الا اذا طلب منه المسؤولون العراقيون ذلك من شأنه طمأنة غالبية العراقيين الى ان بلادهم لن تنزل من القعر الذي هم فيه الى قعر اسوأ بسبب غياب القوة او هيبة القوة بانسحاب القوات الاميركية، علماً ان موقف الغالبية هذا لا يعني "حبّها" لاميركا وترحيباً بـ"احتلالها". ومن الاهداف ايضاً تشجيع العراقيين على تغيير نظرتهم الى اميركا وقوتها في بلادهم. فلا تعود دولة محتلة للعراق بل صديقة له يرابط عدد محدود من قواتها خارج مدنه بطلب من سلطاته الدستورية بغية الاستفادة منها في تدريب القوات العراقية. ومنها اخيراً امل الولايات المتحدة في ان تتطور العلاقة التي انشأتها بواسطة قواتها العسكرية مع قوى الأمن العراقية والجيش وغيرها بحيث تصبح علاقة صداقة وتعاون طويلة المدى تتجاوز موعد الانسحاب الاميركي من العراق المحدد في 31 كانون الأول 2011. وهذا يعني بقاء اميركا دولة تدرب عسكر العراق واجهزته الامنية وتزوده كل الاسلحة التي اليها يحتاج او على الاقل قسماً كبيراً منها. ومعروف تأثير ذلك ايجاباً على اميركا او بالأحرى على مصالحها.

هل الأهداف التي تأمل اميركا تحقيقها في العراق من خلال اتفاق الانسحاب الموقع في تشرين الثاني 2008 قابلة للتحقيق؟ ام ان هناك عقبات كثيرة امامها؟ وما هي ابرز العقبات؟

نتائج الانتخابات النيابية المقبلة (16 كانون الثاني 2010) هي التي ستحدد، في رأي المتابعين الاميركيين انفسهم "لتورط" بلادهم مباشرة في العراق، اذا كانت الأهداف الثلاثة التي أملت ادارتها (السابقة) في تحقيقها من "اتفاق الانسحاب من العراق" واخرى كثيرة غيرها قابلة للتحقيق أم لا. والى الآن لا يمكن التأكيد بنسبة مئة في المئة ان هذه الانتخابات ستجري في موعدها. ولا يمكن ايضاً الجزم بهوية الفريق الذي سيفوز فيها من الفريقين الأساسيين المتنافسين الاول بزعامة آل الحكيم وآل الصدر والآخر بزعامة حزب الدعوة ورئيسه نوري المالكي رغم وجود افرقاء آخرين في سوق الانتخابات نفسها. فالفريق الاول يعتقد المتابعون هؤلاء انه سيخوض معركته الانتخابية، او قد يخوضها انطلاقاً من شعارات معادية لاميركا وتشجعه على ذلك الجمهورية الاسلامية الايرانية التي لها علاقة معه ومع كل مكوناته او على الأقل الثلاثة الاساسية فيه. اما الفريق الثاني فلن يخوض معركته بشعارات الولاء لاميركا. لكن تأييد الاميركيين له او بالأحرى رغبتهم في فوزه ستكون واضحة، ذلك انه اثناء "حكمه" اضطر الى أن يكون "فوق" المذهبية والطائفية الى حد بعيد ولأسباب عدة ولأن موقفه هذا اكسبه شعبية قادته الى الفوز في الانتخابات المحلية الاخيرة ولأن الفريق الأول بتحالفاته يجعله مضطراً الى انشاء تحالف على مستوى الوطن اي يضم الى الشيعة السنّة او الأكثر تمثيلاً لهم وكذلك الاكراد. وطبيعي في وضع كهذا ان يضاف تأييد الدول العربية السنية الى التأييد الاميركي.

في اختصار ورغم بداية الحوار بين اميركا وايران الاسلامية وصعوبة توصله الى حلول نهائية سريعاً لأن ملف علاقتهما حافل بالخلافات يبدو واضحاً ان الانتخابات النيابية المقبلة في العراق قد تكون بين اميركا وعربها من جهة وايران من جهة أخرى. ويبدو واضحاً ايضاً ان مصير اتفاق وضع القوات الاميركية في العراق (انسحاب) يرتبط بهوية الرابح الاكبر في هذه الانتخابات. فاذا ربحت ايران التي لها نفوذ كبير داخل العراق يتهدد الاتفاق المذكور وربما تصبح اميركا مضطرة الى اخلاء العراق من كل وجود عسكري مع الاخطار التي قد يرتبها ذلك على وحدته وامنه وسلامته. اما اذا ربحت اميركا فان ايران لن تخسر لأن نفوذها كبير هناك ولأن واشنطن تعرف ان عليها التعايش مع عراق محكوم من الشيعة وفيه نفوذ لايران التي تريده مستقراً ولكن غير قوي كفاية لتهديدها.

هل من جهة ما يمكن ان تؤثر في مصير الانتخابات والاستفتاء (وكلاهما في وقت واحد)؟

هناك جهة واحدة هي اية الله السيستاني الزعيم الروحي لشيعة العراق ولغيرهم خارج العراق. فهل يمارس دوره كما يمارس رجال الدين الموالون لايران ادوارهم؟ ام يكتفي بالايحاء وبتسجيل المواقف وعدم التدخل المباشر في السياسة؟ لا احد يعرف جواباً عن ذلك. لذا لا بد من الانتظار.

سركيس نعوم

=============================

محطة أخيرة

أقرب الى الفتنة

ساطع نور الدين

التفجير الانتحاري الذي استهدف اجتماعاً للمصالحة السنية الشيعية في مدينة سرباز الإيرانية في محافظة سيستان الشرقية المتاخمة للحدود مع باكستان، وراح ضحيته عدد من قيادات الحرس الثوري الإيراني، هو أبعد وأخطر من كونه عملاً يستهدف إيران ونظامها الإسلامي الشيعي الذي يبحث عن سبل احتواء توتره الداخلي، وتحديد موقعه ودوره الخارجي، من خلال برنامج نووي شارف استثماره السياسي على الانتهاء.

بداهة القول إن تنظيماً إسلامياً إيرانياً متطرفاً يقاتل النظام، ويختار توقيتاً حرجاً لتوجيه ضربته القاسية، توحي بأن ثمة من يعتقد أن التنازل النووي الذي قدمته إيران مؤخراً والذي جرى النقاش حوله في الاجتماع الرباعي في فيينا امس ليس كافياً لضمان أمنها واستقرارها... حتى ولو بدا الاتهام عن تورط اميركي او بريطاني في التفجير الانتحاري الذي نفذه تنظيم جند الله المعروف، مجرد انفعال إيراني يعوزه الدليل. فليست هناك حاجة لكي يكون التنظيم على صلة مباشرة بالاستخبارات الأميركية والبريطانية، بل يكفي فقط أن يستلهم أجواء الجهازين وتقاريرهما الدقيقة والمفصلة عن الوضع الإيراني.

التوقيت لم يكن صدفة، لكنه من الصعب التكهن في أن الانتحاري قرر تفجير نفسه في ذلك الاجتماع العام في مدينة سرباز للتأثير على الموقف الإيراني النووي في مفاوضات فيينا.. إلا إذا كان الهدف هو تعطيل التفاوض والعودة الى خيار الحرب الذي لم يرفعه الأميركيون عن الطاولة، والذي ينشده الكثيرون في العالم الإسلامي. وهو ما يتخطى «جند الله» او جدول أعمالهم أو حساباتهم التي تبدو محلية جداً في بلد وجد نفسه في مواجهة مع الغالبية السنية في العالم الإسلامي، وانتهى في اشتباك مع أقليته السنية التي تنتشر في مختلف المحافظات الحدودية الإيرانية.

الهدف ليس نووياً بشكل رئيسي. ثمة إحساس عام لدى سنة إيران ولدى نصف شيعته على الأقل ان النظام الإسلامي يمر الآن في فترة ضعف، او على الأقل في فترة بحث عن تجديد شرعيته وصونها. وهو لجأ في الآونة الأخيرة إلى أدواته الأمنية أكثر مما اعتمد على توسيع خياراته السياسية الداخلية..مفترضاً أن المرونة في الملف النووي يمكن أن تحد من المخاطر الخارجية التي لم تكن في أي وقت من الأوقات جدية، بل كانت بمثابة فرص إضافية توافرت لطهران جراء إسقاط نظامي طالبان الأفغاني وصدام حسين العراقي، لكنها لم تحسن استغلالها.

اللافت في التفجير انه يثبت نظرية أميركية تعتمدها إدارة الرئيس باراك أوباما وتفيد أن إيران دولة متواضعة نظامها مضطرب ومجتمعها مفكك وتهديدها محدود ولا يستدعي استخدام القوة العسكرية ضدها، والعقوبات الدولية وحدها تكفي للحصول على التنازلات المطلوبة منها، سواء في الملف النووي وهو ما حصل بالفعل، ويستعد الأميركيون للاحتفال به قريباً، أو في أفغانستان أو في العراق او مناطق النفوذ الإيرانية الأخرى في لبنان وفلسطين...

هذا في الحساب الأميركي، أما الحسابات الأخرى فإنها كلها تؤدي الى استنتاج لا لبس فيه، وهو أن الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة ستستغرق من المسلمين قرنهم الحالي وربما أبعد منه...

=============================

أوروبا وانحسار اليسار

المستقبل - الثلاثاء 20 تشرين الأول 2009 -

جيروم شاهين

في قائمة "فوربس" الشهيرة عن أهمّ وأقوى مئة شخصية في العالم، تحتل أنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا الاتحادية مكاناً متقدماً في رأس القائمة، غير بعيدة في الترتيب من باراك أوباما في مجال الصعود إلى أعلى المناصب. وطوال السنوات القليلة الماضية، احتلّت صورها أغلفة المجلات العالمية الشهيرة، وبالأخصّ حين أظهرت في قيادتها لبلادها أثناء الأزمة المالية الأخيرة درجة عالية من المهارة والمرونة، والقدرة على لجم رجال البنوك وترويض نفوذهم. لقد نجحت في قيادة حزبها الديموقراطي المسيحي المحافظ والدخول مع الحزب المعارض الديموقراطي الاشتراكي في ائتلاف حكم ألمانيا طوال السنوات الأربع الأخيرة.

في الفترة الأخيرة، أعيد انتخاب أنجيلا ميركل التي فازت في الانتخابات العامة بأعلى نسبة من الأصوات، على رأس حزبها الديموقراطي المسيحي بالتحالف مع الحزب الديموقراطي الليبرالي حيث حصل الائتلاف على 332 نائباً من أصل 622.

وهكذا، سدّد الناخبون الألمان ضربة قاسية للحزب الديموقراطي الاشتراكي عندما منحوه 23 في المئة فقط من الأصوات، في أسوأ أداء لهذا الحزب منذ الحرب العالمية الثانية. إن هذا الأمر يؤشر بوضوح إلى التوجّه اليميني الذي تتحول إليه أوروبا. وهو ما يعتبره المراقبون دليلاً على تضاؤل نفوذ الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية وأحزاب اليسار في أوروبا وصعود الأحزاب المحافظة. وذلك على الرغم من التوقعات التي أعقبت انهيار البورصة والأزمة المالية وحالة الركود الاقتصادي في العالم، والتي جعلت الكثيرين من الاقتصاديين يتوقعون أياماً سوداء للرأسمالية وعودة وشيكة إلى النهج الاشتراكي وتدخّل الدولة في إدارة الاقتصاد.

مطلع هذا القرن، بلغ الاشتراكيون والديموقراطيون الاشتراكيون ذروة نفوذهم وكانوا يسيطرون على 12 من الحكومات الـ15 لدول الاتحاد الأوروبي في حينه.

والمفارقة أن تراجع الأحزاب الديموقراطية الاشتراكية بدأ مطلع القرن في الدول الاسكندينافية، معقل اليسار، وهو مستمر مذ ذاك في دول الاتحاد الأوروبي.

ففي الدانمارك، يسيطر ائتلاف من يمين الوسط على الحكم منذ 2001. وفي أسوج، خسر رئيس الوزراء السابق غوران بيرسون الانتخابات عام 2006، لمصلحة المحافظين الذين يطلقون على أنفسهم لقب المعتدلين ويعتبرون الديموقراطيين الاشتراكيين العصريين. وبعد الدانمارك وأسوج، جاء دور فنلندا واليونان وهولندا للانتقال الى أحضان المعسكر المحافظ. وفي ايطاليا، توالى سريعاً سقوط زعماء تحالف حزبي ذي توجهات ديموقراطية اشتراكية، فبعد خسارة ماسيمو داليما ورئيس الوزراء السابق رومانو برودي، قدم والتر فلتروني استقالته من قيادة الحزب الديموقراطي الجديد.

وفي فرنسا، فشل جوسبان في الفوز بترشيح حزبه للانتخابات الرئاسية، قبل أن يطيح نيكولا ساركوزي بمرشحة الحزب الاشتراكي سيغولين رويال من السباق بفارق كبير من الأصوات. وفي لندن، استقال بلير عام 2007 مفسحاً في المجال لغوردون براون الذي تنتظره خسارة شبه مؤكدة لمصلحة زعيم المحافظين ديفيد كاميرون في الانتخابات العامة المقررة السنة المقبلة.

في فرنسا وألمانيا، حيث كان الديموقراطيون الاشتراكيون في السلطة في نهاية القرن الماضي، يحكم حالياً المحافظان نيكولا ساركوزي وأنجيلا ميركل اللذان لم يخجلا من التدخّل الحكومي في مواجهة الأزمة، وقاربا الأزمة بالتصرّف، إلى حدّ ما، على أساس التعاون بين القطاعين العام والخاص. وذهبت المستشارة الألمانية إلى حدّ تأميم بعض المصارف. وبانحرافهم وسطاً، ينتهك المحافظون المعتدلون "حرمة" المبادئ التقليدية للديموقراطيين الاشتراكيين.

من الواضح أن المحافظين عرفوا كيف يتكيفون مع العصر. فعندما يندّد ساركوزي وميركل بالنموذج الأنغلو ـ ساكسوني للرأسمالية ويشيدون بحماية الدولة، فهما يستخدمان أفكاراً اشتراكية باتت اتجاهاً سائداً في العالم.

وفي فرنسا، أظهر الإنقسام الداخلي داخل الحزب الاشتراكي صعوبة تحقيق يسار الوسط انطلاقة جديدة باتت أكثر إلحاحاً. وفي المقابل، نجح ساركوزي في إظهار قدرته على سحب السجادة من تحت أقدام خصومه. وخلال حملته رفع كثيراً من شعارات اليسار، وغالباً ما استعار عبارات الرئيس الاشتراكي الراحل فرنسوا ميتران. وعندما هنأه بلير بفوزه عام 2007، ووصف حملته بأنها نموذجية، ردّ عليه الرئيس الفرنسي: "فعلت ما يفعله طوني بلير".

يرى المحلل السياسي فيليب برو "أن الجميع، حتى في اليمين، أصبح ديموقراطياً اجتماعياً. حتى نيكولا ساركوزي وأنجيلا ميركل يدافعان عن التغطية الصحية وتحديد أدنى الرواتب والحماية الاجتماعية". وتابع أنه "في فترة عمّت فيها العولمة واقتصاد السوق، يبدو اليمين بشكل متناقض مطمئناً أكثر من غيره من التيارات".

ففي هذا السياق تحوّل الاشتراكيون إلى محافظين يكافحون من أجل الحفاظ على أنظمة يعتقد الناخبون ضرورة إصلاحها إن لم يكن التخلي عنها. من هنا يرى بعضهم أنه من الضروري بناء يسار وسط براغماتي يوفّر بدائل لافتة بحيث لا يكون الحزب في المعارضة وحسب. من جهة أخرى لربما تتحوّل الأحزاب اليسارية والاشتراكية الأوروبية إلى الاعتماد على القضايا البيئية التي تمنحهم الحيوية.

في جميع الأحوال، اليسار الأوروبي في انحسار فهل يعود التيار اليميني الفاشي المتطرّف إلى الصعود؟!

 

=============================

معركة زائدة مع تركيا

المستقبل - الثلاثاء 20 تشرين الأول 2009 - العدد 3458 - رأي و فكر - صفحة 22

خلافا للفطنة السياسية، أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أنه يتحفظ من استئناف الوساطة التركية بين إسرائيل وسوريا في ضوء السلوك التركي في الآونة الأخيرة. بالنسبة إليه، لم يعد في مقدور تركيا التمتع بصفة "الوسيط النزيه". هذا توضيح فارغ المضمون، وهو كذلك بشكل أساسي لأن حكومة نتنياهو لا تبدي اهتماما باستئناف مفاوضات السلام مع سوريا، بوجود وسطاء أو من دونهم. لكن ضرر كلام نتنياهو يكمن في حماسة رد الصاع صاعين إلى تركيا، ولا سيما إلى رئيس الحكومة التركي رجب طيب أردوغان، بسبب الانتقاد الذي وُجه إلى إسرائيل. هذه معركة زائدة من الأفضل تهدئتها من الجانب التركي ومن الجانب الإسرائيلي على حد سواء.

ثمة لتركيا منظومة علاقات وثيقة مع سوريا وإيران، مع مصر ودول الخليج، وكذلك مع إسرائيل. وهي نجحت في إحياء المفاوضات بين إسرائيل وسوريا، وعرضت خدماتها الجيدة أيضا في حل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين وفي المفاوضات لإطلاق سراح جلعاد شاليط. في الوقت نفسه، تركيا ليست الدولة الصديقة الوحيدة التي انضمت إلى الغضب الدولي على طريقة مس إسرائيل بالسكان الأبرياء خلال حملة "رصاص مصهور" في غزة. فقائمة الدول التي أيدت قرار تبني تقرير غولدستون في مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، لا تضم فقط دول "الأغلبية التلقائية" ضد إسرائيل. حتى بريطانيا وفرنسا فضلتا مقاطعة التصويت على معارضة تقرير غولدستون.

الفرضية المضمرة بين السطور في كلام نتنياهو، كما لو أن زعيم الدولة الاسلامية الوحيدة التي تقيم مع إسرائيل تطبيعا حقيقيا في العلاقات، يُفترض به تحديدا غض النظر في ضوء الوحشية التي ظهرت في الحملة على غزة، تدل أكثر من أي شيء آخر على العمى الإسرائيلي.

الأتراك لا "يستحقون العقاب" من نتنياهو، حتى وإن تبنى رئيس حكومتهم قاموسا فظا، وهاجم بصورة علنية إسرائيل بسبب مسؤوليتها عن مقتل الأبرياء. فالعلاقات الجيدة مع تركيا حيوية للمصالح الأمنية والاقتصادية لإسرائيل. تستحق تركيا الثناء بسبب استعدادها لاستئناف المفاوضات مع سوريا. في مقابل إسرائيل، تعترف تركيا بالحاجة إلى الفصل بين المفاوضات وبين التوبيخ. ليس تركيا من سيتعرض للعقاب إذا ما طُردت من قائمة "الوسطاء النزيهين". بل إن إسرائيل بالذات من شأنها أن تخسر قناة اتصال مهمة كفيلة بأن تحث قدما المفاوضات المستقبلية مع دمشق.

(افتتاحية"هآرتس" 19/10/2009)

ترجمة: عباس اسماعيل

=============================

كيف ترى واشنطن الحراك الإقليمي في ظل تقرير غولدستون؟

الرأي الاردنية

إعداد د. حسن البراري

يفيد التقدير العام في واشنطن بأن الرئيس محمود عباس تأثر سلبا بالتطورات الأخيرة وان مكانته تراجعت في الشارعين العربي والفلسطيني. وربما لا يكون هذا مفاجئا للمتابعين وبخاصة بعد التخبط الذي ميز أداء السلطة الفلسطينية بشأن تقرير غولدستون إذا أتهم الرئيس عباس ومن معه من السلطة بالتواطؤ والتراجع أمام تل أبيب وواشنطن، وبالفعل تبين أن موقف السلطة الأولي جاء استجابة لرؤية أميركية إسرائيلية.

هذا الموضوع كان محط اهتمام الصحف الأميركية المختلفة، وهنا نشير إلى التقرير المهم الذي أعده هاورد شنايدر في الرابع عشر من الشهر الجاري في صحيفة الواشنطن بوست والذي أشار فيه إلى اعتراف فلسطيني بأن موقف السلطة الفلسطينية من التقرير كان سببا في إضعاف الرئيس عباس. رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض يعترف بأن موقف الرئيس عباس أصبح ضعيفا لأن قراراته التي اتخذها جاءت بناء على مشورة الولايات المتحدة ما أثر على شعبيته. وحتى تخرج القيادة الفلسطينية من أزمتها المتعلقة بالانصياع لواشنطن، سعت إلى التركيز على إتباع أسلوب صلب مع إسرائيل في المنظمات الدولية بدلا من التركيز فقط على المحادثات تحت رعاية الولايات المتحدة. ويدرك عباس بالفعل أن موافقته على التأجيل أدت إلى إضعاف موقفه السياسي داخليا وإضعاف قدرته على قيادة المجتمع الفلسطيني في المفاوضات الجديدة مع إسرائيل.

غير أن الأمر أكثر تعقيدا من مسألة اختيار أي منبر يرعى التفاوض، ويرى رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض أنه في ظل غياب الشروط والإطار الزمني لقيام دولة فلسطينية حقيقية فإنه لا يمكن استئناف المفاوضات. ويقول السيد شنايدر نقلا عن مسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين إن أزمة السلطة الفلسطينية السياسية وتزايد الشكوك في الوساطة الأمريكية أثرا على احتمالات استئناف المفاوضات بين الطرفين في المستقبل القريب، فبعد تسعة أشهر من جهود المبعوث الأمريكي جورج ميتشل، يبدو أن الهوة بين القيادة الفلسطينية والإسرائيلية قد ازدادت ولم تعد تتعلق بمسألة المستوطنات فحسب وإنما بالقدس وإطار المحادثات والجدل بشأن تقرير غولدستون حول ارتكاب جرائم حرب خلال حرب إسرائيل الأخيرة على قطاع غزة.

ويوضح التقرير أن الموقف الذي ستصفه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون والمبعوث الأمريكي جورج ميتشل للإدارة في الأيام القليلة القادمة قد ازداد سوءا لاسيما منذ اللقاء الثلاثي في نيويورك الشهر الماضي. كان هدف الرئيس أوباما هو استئناف المفاوضات قبل نهاية العام الحالي، ولذا سيبحث مبعوثه جورج ميتشل مع المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين في واشنطن سبل الخروج من هذا الموقف المتأزم. ويعلق أحد المسؤولين بالإدارة قائلا ''لا يزال هناك حوار بينهم وهذا يعني أنه يوجد ما يتحدثون بشأنه''. وكان الرئيس أوباما قد طالب الإسرائيليين بتجميد التوسع في مستوطنات الضفة الغربية كشرط لاستئناف المفاوضات، ولكن هذا الشرط أتى بآثار عكسية، حيث زادت توقعات الفلسطينيين الذين أصروا على التجميد التام للمستوطنات، بينما توترت العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

يحدث هذا كله في وقت أصبح فيه الموقف من تقرير غولدستون هو البوصلة لمعرفة اتجاه الأمور مستقبليا. ومن جهتها، كتبت صحيفة لوس أنجلوس تايمز في الخامس عشر من الشهر الجاري في افتتاحيتها التي جاءت بعنوان ''تداعيات غولدستون''، ما يفيد أن إسرائيل حققت أهدافها العسكرية ضد حركة المقاومة الإسلامية حماس خلال اجتياحها الشتاء الماضي لقطاع غزة، ولكنها تواجه منذ ذلك الحين عزلة سياسية متنامية، وهو أمر تزامن مع تعثر الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لاستئناف مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ومن بين تداعيات هذا الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة كان قرار أنقرة بإلغاء التدريبات العسكرية مع إسرائيل ومنعها في المشاركة في التدريبات العسكرية لحلف شمال الأطلسي هذا الأسبوع. وإسرائيل التي خسرت معركة تقرير غولدستون يهدد رئيس وزرائها أن إسرائيل لن تواصل عملية السلام إذا كان الإسرائيليون متهمين بارتكاب جرائم حرب حين يدافعون عن أنفسهم. وتشير الافتتاحية إلى أنها تتفهم غضب نتنياهو، لكنها لا تتفهم تهديده بالتخلي عن تحقيق السلام. وترى أن نتنياهو ينبغي أن يأمر بإجراء تحقيق مستقل بشأن ما يدعيه التقرير، كما ينبغي أن يواصل مفاوضات السلام. وقد سبق أن رفضت إسرائيل التعاون مع لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، والتي ترأسها القاضي الجنوب أفريقي ريتشارد غولدستون، ومن ثم رفضت النتائج التي توصلت إليها تلك اللجنة، وقالت إنها منحازة. ومن جانبهم فقد تقبل الفلسطينيون الاتهامات الموجهة لإسرائيل، في حين تجاهلوا الاتهامات الموجهة لحماس.

ففي تقرير من 500 صفحة، اتهمت لجنة التحقيق إسرائيل باستخدام القوة المفرطة ضد المدنيين الفلسطينيين، من الحصار الاقتصادي الذي فرضته على القطاع إلى العدوان الذي أودى بحياة أكثر من 1400 فلسطيني عدا عن الجرحى والتدمير الهائل الذي لحق بالبني التحتية في قطاع غزة، فالقوات الإسرائيلية قامت خلال اجتياحها بتدمير المؤسسات الحكومية والبنية التحتية لقطاع غزة، واستخدمت القنابل الفسفورية والقنابل المسمارية في المناطق الحضرية كما أنها استخدمت المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية.

لا يتوقف التقرير عند إسرائيل إذ يتهم حماس بإطلاق نحو 8 آلاف صاروخ وقذيفة هاون على إسرائيل منذ عام 2001، والهجوم المتعمد على المناطق المدنية الذي تسببت في سقوط 4 قتلى ومئات الجرحى، وأسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت، والذي يعتبر أسير حرب. وقد أوصى التقرير بأن تحال القضايا إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. ولكن الافتتاحية ترى أن ذلك لن يساعد عملية السلام.

واشنطن التي لم ترتاح أبدا لتقرير غولدستون لأنها رأت فيه معطلا لعملية سلام لم تجر بعد تراقب باهتمام كيف يؤثر التقرير على الاصطفاف الإقليمي الجديد وكيف أثر ذلك على العلاقات التركية مع إسرائيل. أثر الموقف من تقرير غولدستون على العلاقة التركية الإسرائيلية التي يبدو أنها في طريقها للتدهور وبخاصة بعد أن برزت دمشق كعنوان جديد للتعاون مع أنقرة. وفي هذا الشأن بالتحديد أعدت بيلين تورغوت تقريرا نشرته مجلة تايم الأميركية جاء بعنوان ''أصدقاء لا أكثر، لماذا اختلفت تركيا مع إسرائيل''، أشارت فيه إلى تبادل تركيا وإسرائيل على مدى عقود طويلة المعلومات الإستخبارية، وعقدهما صفقات أسلحة بمليارات الدولارات، واستضافة كل منها قوات الآخر في دورات تدريبية. وحتى في لحظات استياء القادة الأتراك من سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين، استمر التعاون العسكري دون عائق.

غير أن الحراك الأخير كشف عن هشاشة ربما في العلاقات الثنائية ما أسهم في التوتر الرسمي الأخير الذي شهدته العلاقات. ففي التاسع من شهر تشرين أول، قررت أنقرة استبعاد القوات الجوية الإسرائيلية من المشاركة في تدريبات ''نسر الأناضول'' لحلف شمال الأطلسي التي كان من المقرر انعقادها في تركيا.

والسؤال الذي برز في واشنطن هو ما الذي دفع تركيا للقيام بتلك الخطوة؟ وبهذا الصدد أشار وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو إلى أن بلاده تظهر تضامنها مع الفلسطينيين، وأضاف: ''إننا نأمل في أن يتحسن الوضع بقطاع غزة''. ويشير مراسل مجلة التايم الأميركية إلى أن العلاقات التركية الإسرائيلية بدأت تتدهور في ديسمبر الماضي، عندما أدانت تركيا التوغل الإسرائيلي في قطاع غزة. وفي يناير الماضي، احتدم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في النقاش مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس خلال مؤتمر عقد في دافوس بسويسرا مما أدى إلى انسحاب أردوغان بشكل أهان فيه بيرس.

وقال الكير ايترك أستاذ العلوم السياسية في جامعة بلكنت في أنقرة بأن ''العلاقات الثنائية بين تركيا وإسرائيل وصلت إلى أدنى مستوياتها، وتظهر الأزمة الأخيرة أنها سوف تبقى على حالها لبعض الوقت في المستقبل''. وقبل بضعة أيام، ألغى أوغلو رحلته إلى إسرائيل، بعد أن رفضت منحه تصريحا لزيارة قطاع غزة. ويقول شاهين الباي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة اهسيسهر في اسطنبول: '' أن عدم السماح له لزيارة غزة، كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير''، وأضاف: ''هذا بالإضافة إلى رفض حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تجميد النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية''. ويشير المراسل إلى أن تركيا وإسرائيل سبق أن تصادمتا، ولكن انتقاد تركيا لإسرائيل أصبح أكثر حدة منذ تولي أردوغان عام 2002. ويشير المراسل إلى أن زيارة الإسرائيليين لتركيا، التي تعد قبلتهم السياحية الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية، قد تراجعت بنسبة 47 % منذ شهر يناير، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

وفي النهاية يشير المراسل إلى أن الأمور بين أنقرة وتل أبيب لن تسير على وتيرتها المعتادة كاثنين من الأصدقاء، وخاصة بعد الحادث الأخير. واللافت أن التدهور في العلاقة بين أنقرة وتل أبيب يوازيه ارتفاع في منسوب العلاقة بين أنقرة ودمشق وهو أمر لا يغيب عن بال الصحافة الأميركية. وبهذا الشأن أعد سابنيم أرسو تقريرا نشرته صحيفة نيويورك تايمز في الرابع عشر من أكتوبر بعنوان ''سورية وتركيا تشهدان تحسنا في العلاقات''، خصصه للحديث عن إقامة سورية وتركيا يوما من اللقاءات والاحتفالات بمناسبة تحسن العلاقات بين الدولتين، حيث وقع ممثلو الدولتين اتفاقيات لإزالة القيود على تأشيرات الدخول عبر الحدود المشتركة بينهما، وتعهدوا ببناء ''مستقبل مشترك''.

ويوضح التقرير أن الاجتماعات التركية السورية جاءت بهدف بدء مرحلة جديدة من التعاون، والذي لم يكن متوقعا قبل عشر سنوات بسبب تزايد التوتر بين الدولتين لاعتقاد تركيا بأن سورية تدعم هجمات حزب العمال الكردستاني على تركيا. في الوقت ذاته، يأتي تحسن العلاقات التركية السورية بعد تدهور العلاقات التركية الإسرائيلية، وذلك بعدما ألغت تركيا تمرينات عسكرية متعددة الجنسيات كانت ستضم إسرائيل. هذا وكانت الاجتماعات السورية التركية هي الأولى من نوعها بعد تشكيل ''المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي'' الشهر الماضي. وبالفعل بدأت الاجتماعات بين مسؤولي الدولتين في مدينة حلب السورية صباحا، ثم انتقلوا معا إلى الحدود التي عبروها سيرا على الأقدام إلى داخل تركيا قبل أن تقلهم السيارات إلى مدينة غازيانتاب التركية. وقد ضم الاجتماع عشرة وزراء من تركيا، بينهم وزراء الدفاع والخارجية والاقتصاد والداخلية والطاقة والزراعة، ونظراؤهم من سورية. حيث ناقشوا حوالي 40 بروتوكولا واتفاقا سيتم العمل فيها في غضون عشرة أيام، وفق ما صرح به وزير الخارجية التركي. ويشير التقرير إلى الاتفاق الذي وقعه وزيرا الدفاع والذي ينص على صياغة ثلاثة مخططات على الأقل بنهاية الشهر الجاري، كما اتفق وزيرا الطاقة على إتمام مشروع للغاز الطبيعي يصل بين خط الأنابيب العربي والتركي في غضون ثمانية عشر شهرا.

ويرى محللون أن تعاون سورية مع تركيا (المرشحة لعضوية الإتحاد الأوروبي) قد يحسن صورتها أمام الولايات المتحدة وأوروبا، والتي تأثرت سلبا بعلاقتها القوية بإيران الراعية لحزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية. كما قد تساعد تركيا سورية في الخروج من العزلة الدولية المفروضة عليها، بينما تعزز دورها كوسيط في عملية السلام بالشرق الأوسط مع أن الأخبار التي ترد من تل أبيب تفيد أن إسرائيل ترفض الوساطة التركية بعد أن توترت العلاقات الثنائية على اعتبار أن أنقرة لا يمكن لها لعب دور الوسيط النزيه.

يجري كل هذا في وقت بدأ فيه البعض في الولايات المتحدة يشكك من إمكانية تحقق السلام. وقد كتب جيف جاكوبي مقالا نشرته صحيفة بوسطن غلوب في الرابع عشر من الشهر الجاري جاء بعنوان ''عملية السلام المشؤومة''، أشار فيه إلى اعتقاد الرئيس الأمريكي أوباما بأنه يمكنه أن ينجح فيما فشل فيه الآخرون، ويحقق سلاما دائما بين إسرائيل وجيرانها العرب. فقبل أوباما حاول الكثير من الرؤساء الأمريكيين إيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي، ولكن باءت محاولاتهم بالفشل، واندرجت محاولاتهم تحت مسميات كثيرة، أوسلو وخارطة الطريق وكامب ديفيد، والتي لم يسفر أي منها عن وضع حد لهذا الصراع، بل زاده تأججا، بل إن بعض هؤلاء الرؤساء تركوا الوضع أسوأ مما كان عليه قبل أن يتولوا الرئاسة.

وخلال الأشهر التسع له كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، أخذ الرئيس أوباما على عاتقه مسؤولية حل الصراع العربي الإسرائيلي، فبعد يومين من انتقاله إلى البيت الأبيض عين جورج ميتشل مبعوثا خاصا إلى منطقة الشرق الأوسط، ومارس الضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للموافقة على ''حل الدولتين''. ويشير الكاتب إلى أنه منذ عام 1948، يسعى العرب إلى القضاء على إسرائيل، وتسعى إسرائيل لقبول جيرانها هؤلاء بوجودها. ويرى الكاتب أن الدبلوماسية لا يمكنها تسوية الصراع العربي الإسرائيلي حتى يتراجع الفلسطينيون عن رفضهم لإسرائيل. ومن ثم يرى الكاتب أن الولايات المتحدة ينبغي أن تركز مساعيها على دفع الفلسطينيين نحو ذلك، كما ينبغي أن يدرك الفلسطينيون مدى الفوائد التي سيحظون بها حال قبولهم إسرائيل. وحتى ذلك الحين، يرى الكاتب أنه ينبغي ألا يكون هناك دبلوماسية أو مناقشة للوضع النهائي أو اعتراف بفلسطين كدولة أو تقديم مساعدات مالية أو أسلحة. بطبيعة الحال رؤية الكاتب السوداوية ليست محط إجماع بواشنطن ولا تتفق معها إدارة الرئيس أوباما التي مازالت تعتقد أن ثمة نافذة فرصة مازالت مفتوحة يمكن استغلالها بشكل يؤدي إلى إحلال السلام والرخاء في منطقة لم تعرف إلا الحروب وعدم الاستقرار لعقود طويلة من تاريخها.

=============================

لا سامية أم لا اسرائيلية؟

القدس العربي

درور زئيفي

قبل بضع سنوات صور في تركيا فيلم وادي الذئاب الذي يعرض جنودا امريكيين يقتلون اطفالا ونساء، وطبيب أمريكي يسلب اعضاء من مواطنين قتلى. وأذكر جيدا ايضا المظاهرات الانسانية للاتراك ضد الاجتياح الامريكي للعراق، رفضهم السماح للامريكيين نقل القوات عبر الدولة ومقاطعة كوكا كولا من انتاج الولايات المتحدة.

كل هذا لا يظهر بالضرورة بان الاتراك هم لا مسيحيين أو لا غربيين، بل ان لديهم انتقادا حادا جدا على الخطوات الامريكية وعلى الطريقة التي يقاتلون بها في العراق. هذا الانتقاد تغذية الجزيرة، من خلال كشف التعذيب في سجن ابو غريب والحالات التي قتلت فيها القوات الامريكية عن قصد، وعلى سبيل الخطأ او من خلال الاهمال مواطنين عراقيين.

الانتقاد لاسرائيل اليوم يشبه جدا الانتقاد اياه، والان ايضا يجب تعبيره في عرض جنود اسرائيليين كقتلة في التلفزيون التركي، الغاء المناورة الجوية او ملاحظات توبيخ من جانب رئيس الوزراء اردوغان.

الافتراض بان اللا اسرائيلية معناها لا سامية ليس بالضرورة صحيحا. كما ينبغي لنا أن نتذكر بانه الى جانب كراهية الاجانب، التي كانت قائمة دوما فيها بهذا القدر أو ذاك، فان تركيا كانت احدى الدول الوحيدة التي منحت ملجأ للعلماء والاكاديميين اليهود من المانيا عشية الحرب العالمية الثانية، والدولة الاسلامية الوحيدة التي اعلنت عن نفسها علمانية في ظل تآكل مكانة الاسلام كدين للدولة. بنبرة شخصية يمكنني أيضا أن اشير رغم أني اقضيت في تركيا أشهر وسنين فاني لم القى ابدا أي عداء على خلفية أصلي.

ولكن فحصا معمقا يظهر أنه حتى دون صلة بالسياسة الاسرائيلية، يبدي الاتراك ميولا عدائية، واللا سامية ترفع فيها رأسها.

اللا سامية وكراهية الاجانب لم تختفيا من تركيا وعلى مدى السنين وجدت فيها الى جانب الانفتاح التقليدي. بروتوكولات حكماء صهيون وكتب تربط بين اليهودية والبناة الاحرار والسيطرة على العالم كانت دوما شعبية في الاسواق. مؤخرا، في التفافة ذات مفارقة، صدر كتاب ابناء موسى الذي يدعي بان صعود اردوغان وحزبه الى الحكم هو جزء من مؤامرة يهودية دولية، وعلى الفور اصبح عظيم الانتشار.

قبل نحو اسبوعين نشر في تركيا استطلاع كبير بتمويل الاتحاد الاوروبي سعى الى فحص موقف الاتراك، من كل الاديان، من جيرانهم، ابناء الجماعات الدينية والعرقية الاخرى، ولا سيما اليهود. أكثر من الف شخص في شوارع الدولة شاركوا فيه، والنتائج ليست مشجعة. معظم المستطلعين (نحو 90 في المائة) لا يسكنون في مقربة من يهود وأغلبية كبيرة (نحو 75 في المائة) لا يعرفون شيئا عن اليهودية. ولكن لاغلبية المسلمين يوجد رأي سلبي نسبيا عن اليهود واليهودية، ونحو 61 في المائة منهم لا يريدون السكن بجوار يهود أتراك. نحو نصف المستطلعين أعربوا عن تحفظهم من انخراط اليهود في أدوار أمنية، سياسية أو تمثيلية في الدولة. وبالمناسبة، الوحيدون الذين هم أقل عطفا من اليهود في نظر الجمهور هم اولئك الذين يعرفون انفسهم بانهم لا دين لهم.

في ضوء هذه المعطيات والتطورات الاخيرة يمكن القول انه في السنوات الاخيرة تغلق اللا سامية في الدولة دائرة. الطرفان يتحدان فيها - اللا اسرائيلية التي تقترب احيانا من اللا سامية، السائدة في اليسار الغربي وممثلوها البارزون هم في الاكاديميا، واللا سامية التقليدية للبروتوكولات التي اصبحت خبزا مشروعا لدى عموم الجمهور في الدول العربية. بتعبير آخر، تركيا التي تشكل جسرا بين اوروبا والشرق تجد نفسها تشكل جسرا ايضا للربط بين هاتين الرؤيتين، اللتين تداخلهما مخيف ومنفر.

بصفتي باحث في شؤون الشرق الاوسط، وكمحب لتركيا ومؤمن بان بوسعها أن تكون مثالا ونموذجا للانخراط في العالم الحديث واحلال السلام في المنطقة بأسرها، آمل بان يعمل الشعب التركي وحكومته على وقف هذا الانجراف والفصل بين اللا سامية التي هي غير الشرعية باي حال وبين الانتقاد المتوازن لسياسة حكومة اسرائيل.

يديعوت

=============================

نوبل أوباما ... إشارات متناقضة

الرأي الاردنية

بول كنيدي

في أحد المشاهد الكوميدية البذيئة في فيلم فرقة مونتي بايثون وحياة برايان ، نرى جمهورا كبيرا يحاول جاهدا التقاط كلمات عظة المسيح على الجبل، ونظرا لأن الذين كانوا يقفون في مؤخرة الصفوف، والذين كانوا يتجادلون فيما بينهم بصوت مرتفع- ولم تكن لديهم أجهزة لتضخيم الصوت- فإنهم كانوا يعتمدون على أحدالأشخاص الواقفين في الصفوف الأولى، كي يوصل لهم تلك الكلمات، وهو ما كان كفيلا بأن يؤدي في النهاية إلى نوع من اللبس والبلبلة، في تلقي الكلمات. وهكذا فإن عبارة

مباركون هم صناع السلام  مثلا، وصلت إلى الصفوف الخلفية كالتالي: مباركون هم صناع الأجبان  ( لتقارب مخارج الحروف بين الكلمتين في اللغة الإنجليزية Peace وcheese).

عندما سمعت مؤخرا عن منح جائزة نوبل للسلام لأوباما، فإنني لم أملك سوى التعجب من إصرار لجنة الجائزة التي تتخذ من أوسلو عاصمة النرويج مقرا لها، على إرسال الرسائل الخاطئة بشأن النوايا والأسباب التي على أساسها يتم منح الجائزة.

يحسب لأوباما أنه أظهر قدرا كبيرا من التواضع، واللباقة، عندما قال إنه قد شعر بالدهشة عندما علم بفوزه بنوبل للسلام.

ويمكن للمرء هنا أن يتساءل: هل كان يجب أن تذهب هذه الجائزة فائقة الشهرة لرجل دولة نجح في تحويل حرب إلى سلام، أو لرجل ظل يكافح طوال حياته لتحقيق التفاهم بين شعوب ودول العالم؟ هل كان يجب أن تذهب لداعية سلام؟ أم هل كان يجب أن تذهب لمنظمة؟ في النهاية، هل كان يجب - وهو ما يعيدنا إلى القرار بمنحها لأوباما- منحها لرجل لا ينطبق عليه أي وصف مما سبق، ولكنها أعطيت له عمدا لتشجيع جهود سلام مستقبلية، أي منح الجائزة هنا كمكافأة للوعد، وليس على الإنجاز؟

لو تتبعنا سجل الجائزة منذ أول مرة منحت فيها عام 1901 سنجد أن لجنة الجائزة قد تمتعت دوما بسمعة فحواها أنها لجنة يصعب التنبؤ بقراراتها بمنح الجائزة، كما يصعب فهم الأسباب التي تعتمد عليها في إصدار تلك القرارات.

كانت تلك اللجنة تتعمد مثلا - كل عدة سنوات - منح الجائزة لمنظمة مثل منظمة الصليب الأحمر التي حصلت على الجائزة في الأعوام 1917، 1944، 1996.وذات مرة( عام 1910 تحديدا)، منحت اللجنة الجائزة لما كان يعرف بـ  المكتب الدائم للسلام الدولي . هل يذكر أحد هذا المكتب أو ماذا كان يفعل؟. وفي تواريخ أحدث، منحت الجائزة للحملة الدولية لإزالة الألغام عام 1997، ولمنظمة أطباء بلا حدود الشهيرة عام 1999 وهو اختيار كان صائبا لحد ما.

ولكن ما معنى منح تلك الجائزة للأمم المتحدة عام2001، الذي أدهش أعداء هذه المنظمة ومحبوها مثلي. منح جائزة نوبل للسلام للأمم المتحدة يبدو في نظر الكثيرين مثل منح جائزة نوبل للفيزياء مثلا لمختبرات  بيل لابز  المعروفة. من أسباب منح الجائزة الأكثر قابلية للفهم، أن تمنح مثلا لأفراد أفنوا أعمارهم في السعي لترقية الظروف المادية، وحقوق الإنسان لرفاقهم في البشرية، أو في السعي من أجل تحقيق السلام العالمي.

في الفئة الأولى منحت الجائزة لشخصيات مشهورة مثل مارتين لوثر كنج 1964 والأم تريزا 1979، والمنشق السوفييتي أندريه زخاروف 1975، والمنشقة البورمية  أونج سان سوكي .

وفي الفئة الثانية منحت لأشخاص مثل الدبلوماسي الأميركي من أصول أفريقية رالف بانش ( 1950) ولبعض من هؤلاء المنادين الدائمين بالسلام مثل اللورد روبرت سيسيل(1937) والقس ديزموند توتو(1984).

القائمة بالطبع تضم أسماء أخرى غير ما ذكرت، ولكن ما يمكن قوله باختصار إن منح الجائزة للأسماء المذكورة كان منطقيا لحد كبير.

في بعض الأحيان كانت الجائزة تمنح مكافأة على الصلابة والتمسك بالرأي والإصرار، من قبل شخصيات مثل زخاروف  مثلا كما كان منحها في حد ذاته يشكل دليل إدانة للنظام الذي يضطهد مثل هذه الشخصيات، ويدفعه بالتالي إلى تخفيف قبضته عليها، ولكنه كان يؤدي في حالات أخرى إلى العكس وهو ما حدث مثلا مع أونج سان سوكي ، حيث ازداد النظام العسكري الحاكم في بورما اضطهادا لها بعد منحها الجائزة، بل وزج بها في غياهب السجن - وإن كان يحسب للجائزة في حالات مثل هذا أنها تسلط الضوء على فاشية النظام المضطهد وفساده.

ومن الأسباب الأكثر إثارة للجدل لمنح الجائزة، منحها للسياسيين الذين لا يزالون في السلطة. ولا يشترط في مثل هذه الحالة أن يكون ذلك السياسي داعية سلام، بل إنه قد يكون رجل حرب وعدوان مثل الرئيس الأميركي الإمبريالي المتحمس تيودور روزفلت  الذي سعى إلى دخول الحرب ضد إسبانيا عام 1898، وقاد قواته في المعركة، وبنى بحرية أميركية ضخمة، ولوح بعصا التهديد والتأديب لكل من تسول له نفسه الخروج عن طوع الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية. ومع ذلك منحت له هذه الجائزة لأنه توسط بين روسيا واليابان من أجل إنهاء الحرب الطاحنة التي كانت تدور بينهما في بدايات القرن العشرين.

ومنذ ذلك التاريخ، استنت لجنة الجائزة طريقة منح الجائزة لمن يقومون بأدوار الوساطة في تحقيق السلام فمنحتها على سبيل المثال لوودرو ويلسون (1919) لدبلوماسيته المؤيدة لعصبة الأمم، ومنحت للمستشار الألماني فيلي برانت  للجهود التي بذلها من أجل إذابة جليد الحرب الباردة عام(1971)، ولهنري كسينجر و لي دك تو  الرئيس الفيتنامي الشمالي، لدوريهما في مفاوضات حرب فيتنام عام(1973)، ولأنور السادات ومناحم بيجين عام (1978) لدوريهما في التوصل لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، ولميخائيل جورباتشوف لحرصه على إنهاء الحرب الباردة

(1990) ... بالإضافة إلى عدد آخر من السياسيين.

وعندما نلقي نظرة بأثر رجعي على الأسباب التي دعت اللجنة إلى منح الجائزة، سنجد أن بعض تلك الأسباب كان سابقا لأوانه، أو أنه على أفضل تقدير كان تعبيرا عن آمال اللجنة، وليس اعترافا بصفقة سلام تم تحقيقها بالفعل أو دور وساطة اضطلع به سياسي بارع. فعلى سبيل المثال منحت اللجنة الجائزة لكل من ياسر عرفات، وشيمون بيريز، وإسحاق رابين عام 1994، لدورهم في تحقيق تسوية إسرائيلية فلسطينية، وهي تسوية لم يقدر لها التبلور فيما بعد على أرض الواقع. وهوما ينطبق أيضا على جائزة كيسنجر و لي دك تو . فعلى الرغم من أن الجائزة قد منحت لهما لدورهما في المفاوضات التي أدت لإيقاف القتال، إلا أن ما حدث هو أن القتال قد استمر فيما بعد. كما أن  تو  السيئ السمعة رفض استلام تلك الجائزة - وكان ذلك قرارا حكيما من جانبه - لأن قبوله بها كان يعني إنهاء مستقبلة السياسي أو إنهاء حياته في هانوي.

من الجدير بالذكر في خاتمة المطاف، أن اللجنة قد علقت منح الجائزة خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولكنها منحتها مع ذلك استثناء للجنة الدولية للصليب الأحمر( عامي 1917 ـ 1944 للجهد الخارق الذي بذلته لإنقاذ المصابين والأسرى وتخفيف معاناتهم.

ومنح جائزة نوبل للسلام للرئيس الأميركي بعد تسعة شهور في الحكم لا يندرج تحت أي فئة من الفئات السابقة. غير أنه يتعين القول مع ذلك إنه مما يحسب لأوباما أنه قد أظهر قدرا كبيرا من التواضع، واللباقة، عندما قال إنه قد شعر بالدهشة عندما علم بفوزه بها، وأنه لم يكن يتوقع ذلك.

وبعد أن قال ذلك فإنه يحاول الآن أن يقدم منح الجائزة على أنه بمثابة تأكيد من أوروبا العجوز على أن أميركا تتجه نحو سياسات أكثر تعددية وأكثر ودا( وهو بالطبع ليس في حاجة لأن يقول أكثر تعددية وودا مقارنة بالسياسات التي اتبعها ثنائي بوش ـ تشيني). أما السؤال الخاص بما إذا كان منح الجائزة له سيساعده أو سيعوقه، فهو سؤال يمكن أن يجيب عليه كتبة الأعمدة في صحف أميركا الكبرى، أو خبراؤها السياسيون.

المرء يشعر بأن لجنة الجائزة قد انحرفت عن مسارها، وولجت إلى أرض مجهولة وتوغلت بعيدا عن مركزها، وأن الرسالة التي تحاول توصيلها، كانت محيرة للمحافظين مشدودي الأعصاب، ولصناع السلام المحبطين على حد سواء.

الأنباء القادمة من أوسلو ترسل إشارات مختلطة... بحيث لا يسعنا سوى القول: (مباركون هم صناع الأجبان حقا!).

هيرالد تريبيون

=============================

البلاد العربية وسد الثقوب السوداء!

ميشيل كيلو

20/10/2009

القدس العربي

يوجد، في كل بلد عربي، ثقوب سوداء تبتلع جهود الشعب وعافيته، وتقوض وظائف الدولة، على ما بين الشعب والدولة من تباين في الدور والموقع، ورغم أن هذه الثقوب السوداء من صنع الحكومات، بدرجة أساسية.

- أول هذه الثقوب السوداء هو الفساد. إنه لا يلتهم فقط عوائد التنمية، إن وجدت، ولا ينتزع اللقمة من أفواه معظم المواطنين، إن حصلوا عليها، بل يقوض كذلك ما قد يبذل من جهود للخروج من التخلف، ويغرق العرب في تأخر يتفاقم دون هوادة، فيجدون أنفسهم في وضع من يركض إلى الخلف ووجه إلى الأمام، فهو يتراجع رغم جهوده، التي تزيده عنتا وإرهاقا. الفساد داء وبيل أصاب بلداننا، فأحبط سعيها إلى الخروج من تأخر مزمن، وردها إلى حال أسوأ من تلك التي حاولت التخلص منها. هذا الداء قسم الأمة إلى أمتين: أمة التخمة وأمة الجوع، أمة الثروة وأمة الحرمان، ولغم بتعاظمه مجتمعاتنا بمشكلات مستعصية غدت مادة متفجرة تهدد وجود بلداننا. وكان متمرد كبير هو 'ماو تسي تونغ' قد قال: لم أثر إلا من أجل على الفساد، الذي يقتل الأمة الصينية ويحكم عليها بالموت السياسي، ولم أقاتل في سبيل نظام شيوعي إلا لاعتقادي أنه أكثر قدرة من غيره على تخليص الصين من الفساد. كان تعداد الأمة الصينية آنذاك خمسمئة مليون إنسان، مع ذلك خشي ماو أن يقضي عليها الفساد. أليس وضعنا شبيها بوضع الصين قبل ثورتها؟. ألا يقضي الفساد علينا ويقوض مجتمعاتنا وينهك دولنا ويجعل كل شيء عندنا قابلا للبيع والشراء: من الذمم والضمائر إلى أرض الوطن؟. وهل هناك حاجة إلى سرد أمثلة عن فساد دمر الذمم فباعت أوطانها، يوجد منها العشرات والمئات في كل بلد عربي؟. وهل ينكر أحد أن كل شيء عندنا صار معروضا للبيع والشراء، وان الفساد قتل القيم والكرامات وأواصر العيش الجميل والعلاقات الإنسانية النبيلة؟. ذات مرة سأل راكب سائق سيارة على الحدود بين بلدين عربيين: إذا كنت مررت بعشرة دولارات كل هذه المهربات، فماذا تستطيع أن تمرر بألف دولار؟. جواب السائق : لواء إسرائيلي مدرع براياته وأعلامه. هذا الجواب قد لا يكون صحيحا بالضرورة، لكنه يعطي فكرة عن رأي المواطن في فساد استشرى في كل مكان وخرب كل شيء تقريبا، وخاصة النفوس، التي لا يبقى بعد خرابها صلاح لشيء، فالنفوس أساس أي تقدم وأية نهضة ومقاومة ووجود. واليوم، ماذا نفعل وقد بلغنا نقطة فاصلة علينا أن نختار فيها، بكل بساطة، بين الفساد والتنمية، وبين قلة من لصوص أثرياء وبين الوطن ؟.هل نختار الفساد، فنواصل تدمير أنفسنا، أم ندير ظهرنا له بصدق ونختار التنمية، والحياة والوطن؟.

ثمة ثقب أسود ثان ولد الفساد وعممه، في السياسة وفي سواها من مناحي حياتنا. إنه السلطة الفردية، التي لم تترك وسيلة إلا ولجأت إليها كي تضعف المجتمع وتصادر حقوق المواطن، بدل أن تقوي نفسها بتقويته، وتوسع مكانتها عبر صيانة وتوسيع حقوقه. بعد قرابة أربعين عام من حكم الفرد، صار من الصعب الدفاع عنه وعن 'إنجازاته'، فليس له من إنجازات غير تلك التي تظهر واضحة في كل ما يعرفه الوطن العربي من ويلات وبلايا. ليس لحكم الفرد إنجازات، إلا إذا اعتبرنا فشل التنمية إنجازا، والعجز طيلة نيف وأربعين عاما عن استرداد أرض العرب المحتلة في فلسطين وسورية ولبنان إنجازا، والخلافات العربية المستعصية إنجازا، وتمزيق الداخل القومي والوطني إنجازا. إن من يراقب حالنا سيجدنا محكومين بواقع ثلاثي المصائب، يعبر عنه تدهور علاقات العرب بعضهم ببعض، وتدهور علاقات الحكم بالداخل الوطني، وتردي الوحدة الوطنية في البلدان العربية ووجود تناقضات ظاهرة أو خفية بين مكوناتها تهددها بأفدح الأخطار. هذه هي إنجازات حكم الفرد، ولأنها لا تعالج بحكم الفرد، فإنها تجعل الإصلاح الديمقراطي مسألة تتخطى السياسة إلى إنقاذ الوطن، المهدد قولا وفعلا بالحكم الفردي ونتائجه الظاهرة في كل زاوية وركن من زوايا وأركان الوطن العربي. إذا كنا نحتاج إلى التخلص من الفساد، ليكون لدينا تنمية تنقذ شعوبنا من الجوع، فإننا نحتاج إلى الإصلاح الديموقراطي كي ننقذ دولنا وشعوبنا من التلاشي.

نصل الآن إلى الثقب الأسود الثالث : إنه العدالة والمساواة، وهما من القيم التي لم نعرفها بصفتها هذه في قديم الأزمان، ولا نعرفها بعد في زماننا، مع أن تبنيها غدا حتميا، وإلا استحال إنقاذ دولنا ونظمنا، نعم نظمنا، التي لطالما تجاهلت العدالة والمساواة وأقامت أوضاعا مناقضة لهما، رأت في قيامها شرط استقرارها، مع أنها في الواقع مصدر تهديد شديد الخطورة لوجودنا كأشخاص وكمجتمعات ودول. يعي المواطن العربي، بحكم تجربته، أهمية العدالة والمساواة، ويعلم أنهما من حقوقه الثابتة، التي لا يجوز له التنازل عنها، وأن حجبهما عنه مخالف لسنن الحكم الرشيد. وإذا كان المواطن صامتا اليوم على ضياعهما، فإنه صوته قد يتعالى في أي وقت للمطالبة بهما: فهما خشبة خلاصه الوحيدة، القادرة على تحريره من بؤس مخيف يرزح تحته. لو سألت أي عابر سبيل عن سبل إصلاح الحياة العربية، لقال دون طول تفكير: إنها لا تقبل الإصلاح بغير أمور ثلاثة هي: التنمية، والحرية، والعدالة والمساواة.

يجب أن نقضي على الفساد، لتنجح التنمية وينجو الشعب من الفقر والجوع. ونحتاج إلى الإصلاح الديمقراطي، لننقذ أوطننا من الانهيار، وإلى العدالة والمساواة لينجو النظام من ردود الفعل على الظلم الذي يوقعه بمواطنيه. ثمة ثقوب سوداء ثلاثة لا يقرها أحد، يمثل كل واحد منها خطرا جديا بالنسبة إلينا: بشرا وأوطاننا وأنظمة حكم، فلا مفر من التخلص منها، كي لا تتفاعل وتتداخل وتتفاقم تقضم عافيتنا، كما هو الحال اليوم ؟!

الثقب الأسود الطبيعي هو خرق لا يكاد يرى بالعين، يستطيع ابتلاع مجرات بكاملها في غمضة عين. أما الثقب الأسود السياسي/الاجتماعي، فهو خرق هائل الحجم، يبتلع الشعب والوطن، ويدخلهما في جوفه الواسع، الذي لا يعرف الشبع. في مواجهة هذه الثقوب السوداء، لا تفيد طريقتنا الشائعة في البكاء والتظلم والندب، ولا يفيد الإيمان بأنها مما يمتحن الله (جل جلاله) به عباده الصالحين. الثقوب السوداء الثلاثة حالة موت، يوقفها تصميم البشر الصادق على جعل حياتهم لائقة بإنسانيتهم، أي: شريفة وحرة وعادلة!.

=============================

سيناريو جديد لزعزعة استقرار ايران

رأي القدس

20/10/2009

القدس العربي

الهجوم الانتحاري الذي استهدف اجتماعاً لزعماء العشائر من الطائفتين السنية والشيعية برعاية قادة الحرس الثوري الايراني، وأسفر عن مقتل حوالى خمسين شخصاً بينهم ضباط كبار، ربما يكون بداية استراتيجية جديدة تريد زعزعة استقرار ايران، واستنزافها داخلياً.

جماعة 'جند الله' السنية المتطرفة اعلنت مسؤوليتها عن هذا التفجير، الامر الذي ينطوي على معنى كبير، ربما تكون له انعكاساته المستقبلية، فهذه الجماعة تملك وجوداً قوياً في منطقة بلوشستان السنية، وتقود تمرداً، الى جانب منظمات اخرى، ضد الحكومة المركزية في طهران انطلاقاً من طموحات انفصالية طائفية.

الحكومة الايرانية سارعت الى اتهام الحكومات الامريكية والبريطانية والباكستانية بالوقوف خلف عملية التفجير هذه، وطالبت الاخيرة، اي باكستان بتسليم زعيم المجموعة السنية.

السيد علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الايرانية اشار باصبع الاتهام مباشرة الى ما سماه 'اعداء وحدة ايران المدعومين من اجهزة استخبارات بعض الحكومات الوقحة' بالوقوف خلف هذا الهجوم في اشارة الى الدول الثلاث، والولايات المتحدة وبريطانيا على وجه الخصوص.

من الطبيعي ان تنفي هذه الدول اي علاقة لها بالهجوم والمجموعة المتطرفة التي تقف خلفه، كما انه من الطبيعي ايضاً ان تتهم ايران هذه الدول، وبريطانيا وامريكا على وجه الخصوص بدعم المتمردين، ولكن ما هو غير الطبيعي حجم الخسائر البشرية الضخمة، وكيفية وصول المنفذ الانتحاري الى عرين الحرس الثوري الايراني بهذه السهولة وتفجير نفسه وسط المجتمعين.

ابرز الدروس المستخلصة من قراءة سريعة للمعطيات المتوفرة عن الهجوم تتلخص في ان الجبهة الداخلية الايرانية قد لا تكون على الدرجة المتوقعة من الصلابة في ظل الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد حاليا نتيجة للتهديدات الاسرائيلية والامريكية بتوجيه ضربة عسكرية اليها لتدمير منشآتها النووية.

من الصعب التكهن بكيفية الرد الايراني على هذه الضربة الموجعة التي اصابت الحكومة الايرانية في مقتل، او كيفية ترجمة الاتهامات لامريكا وبريطانيا الى اعمال انتقامية بالاسلوب نفسه، فايران تملك خبرات 'متقدمة' في هذا الصدد، ولها امتدادات متشعبة في مختلف دول الجوار، وربما بعض الدول الغربية ايضا.

الامر المؤكد ان ايران مقبلة على مرحلة حرجة، حيث من غير المستبعد ان تواجه حصارا اقتصاديا خانقا وحرب استنزاف داخلية في مناطق الاقليات غير الفارسية، مثل مناطق الاكراد في الشمال الغربي، والبلوش والعرب، علاوة على الاذريين، وهؤلاء يشكلون نصف عدد السكان تقريبا.

فالقوى الغربية التي تستهدف ايران ربما تستخدم كل ما في حوزتها من اسلحة ضدها، ولذلك علينا ان نتوقع تصعيدا على اكثر من جبهة، وباكثر من اسلوب اعتبارا من مطلع العام المقبل، ان لم يكن قبل ذلك. ولكن ثمن هذا التصعيد، في حال حدوثه، قد يكون مكلفا للغاية، اذا وضعنا في اعتبارنا موقف هذه القوى الغربية الصعب في المناطق المجاورة وخاصة افغانستان والعراق.

=============================

مبدأ التبادلية

جيرالد م. شتاينبرغ

20/10/2009

القدس العربي

منذ الاضطرابات الدموية في 1929 كان الصراع على القدس في لب النزاع العربي الاسرائيلي. بالنسبة للفلسطينيين ومؤيديهم، فان كل حضور يهودي في القدس لا يكون تحت سيطرة عربية هو امر غير مقبول. نصوص قديمة، مكتشفات اثرية او ادعاءات ملكية تؤكد التراث اليهودي، والتاريخ والدين ذو الـ 3000 سنة يردّان بغضب بصفتهما محاولات 'تهويد'. هذه الاتهامات تستغل من اجل الدفع الى الامام والتبرير لهجمات العنف، من رشق الحجارة وحتى اعمال الارهاب الجماعية.

في لغة نظرية الالعاب، فان القدس ـ اكثر من اي بعد اخر لعقدة النزاع ـ كانت ولا تزال 'لعبة نهايتها الصفر'. المقصود من ذلك هو ان كل تنازل من جانب واحد يصبح بالضرورة انتصارا للجانب المضاد، وعليه فان الحلول الوسط تصبح غير مقبولة على العقل. هذه النظرة لا تبقي مكانا لآراء واصوات اخرى. بالنسبة للعرب، فان الاعتراف بتاريخ وشرعية الادعاءات اليهودية هو تهديد مباشر لشرعيتهم وروايتهم، ولا سيما المسلمين. والسيطرة المشتركة او الدولية التي تقوم على اساس القبول والاعتراف المتبادلين، كما تفيد مشاريع سلام عديدة، متعذرة. بالنسبة لمعظم الفلسطينيين، مثلما ايضا بالنسبة لمعظم العالم العربي والاسلامي المحيط باسرائيل، لا يوجد اي استعداد للاعتراف حتى بالحقائق التاريخية الاكثر اساسية التي تفترض حلا وسطا في موضوع القدس.

على نحو مشابه فان مساعيَ يبذلها مسؤولون كبار في منظمات غير حكومية يدعون بأنهم يدفعون الى الامام التفاهم والحل الوسط في موضوع القدس، وتمولهم حكومات اوروبية، جعلوا الوضع اكثر سوءا. منظمات سياسية مثل 'عير عميم' (مدينة شعبين) تنتقد اسرائيل وحدها. مهرجان الافلام 'لحظات في القدس' وصف في 'جيروساليم بوست' بأنه 'هجمة دعائية فلسطينية تثير الخواطر'، و'مناورة في توثيق فظ للاحساس الفلسطيني بالضحية، والوحشية المزعومة والعدوانية الاسرائيلية'.

بطبيعتها، اوضاع منتهى الصفر لا تعود الى طرف واحد من اطراف النزاع؛ فعندما يرفض احد المشاركين كل الحلول الوسط، فان الاخرين ملزمون بالسير في اعقابه. بالنسبة لليهود، فان الفشل المطلق في تطبيق شروط اتفاق الهدنة من العام 1949 والذي ضمن، على الورق على الاقل، حقا في الوصول الحر للمواقع المقدسة، بقي كذاكرة باعثة على الصدمة. موجات العنف بعد 1967 تبعث مجددا الى الحياة المخاوف من ان تؤدي اتفاقات تقوم على اساس السيادة المشتركة او 'السيطرة الدولية' الى ذات الوضع غير المقبول في القدس.

من اجل التقدم الى الامام نحو فهم متبادل بالحد الادنى يمكنه ان يحتوي ويمنع اندلاع العنف، فان الهدف الاول يجب ان يكون وضعا يفتح المجتمع العربي والفلسطيني امام الرواية اليهودية في القدس. هذه هي النقطة التي ينبغي لصانعي السلام في المستقبل وممولي المنظمات غير الحكومية، ولا سيما الحكومات الاوروبية، ان يستثمروا فيها اموالهم ويركزوا عليها نشاطاتهم.

معاريف 19/10/2009

=============================

دروس 'رصاص مصبوب'

ناحوم برنياع

20/10/2009

القدس العربي

من كل حملات الجيش الاسرائيلي وحروبه لماذا بالذات 'رصاص مصبوب' جلبت على اسرائيل هذا القدر الكبير من المشاكل في الساحة الدولية؟ لهذا السؤال الاليم عدة أجوبة. جوابان منها يتعلقان بنقاط حساسة جدا في الحاضر الاسرائيلي. ويوجد لهما مكان في الحوار العام.

المدى، يعتقد نتنياهو. لو أن الحملة انتهت بعد ايام قليلة ولم تمتد على مدى 22 يوما، لما كانت أثارت مثل هذه الموجة من الكراهية. وكلما استمرت الحملة هكذا يغسل دماغ الناس الذين شاهدوها على شاشات التلفزيون. خطوة عسكرية اسرائيلية يجب أن تكون قصيرة، وإلا سندفع عليها أثمانا باهظة.

مخاوف باراك واشكنازي، كما يعتقد بعض الوزراء في حكومة اولمرت. وحسب روايتهم، فان مدى الحملة لم يغير شيئا لان الاسناد الذي اعطاه الرئيس بوش سمح بمواصلة القتال اكثر فأكثر. جذر الشر بروايتهم هو وضع عدد القتلى في الجيش الاسرائيلي فوق كل اعتبار آخر. عندما يكون صفر اصابات لقواتنا هو الهدف الاسمى، يتأخر قدر الامكان الشروع في الحملة وندخل الشتاء، نقصف غزة من الجو بدلا من ادخال القوات البرية اليها، نطلق كميات مبالغاً فيها من النار امام كل خطر، ومن اللحظة التي تبدأ فيها الحملة نستدعي بكل أنواع الطرق الملتوية الطلب لوقف النار. الحقيقة هي أنه لم يكن في غزة قتال حقيقي. يشهد على ذلك الفارق في عدد الاصابات: عشرة جنود فقد الجيش الاسرائيلي، أربعة منهم بنار قواتنا. اما للفلسطينيون فكان بين 1.100 و 1.400 قتيل، القسم الاكبر منهم مدنيون غير مسلحين. وما اعتبره الرأي العام في اسرائيل انتصارا، الرأي العام في البلدان الاخرى اعتبرته اعتداء من جيش حديث، محمي جيدا، على سكان عديمي الحيلة.

يخيل لي أن الدرس الذي استخلصه نتنياهو يعقد عقلا: اطالة الخطوات العسكرية تنطوي على ثمن باهظ. وحتى لو لم يكن الضغط ممارسا اثناء الخطوة، فانه يمارس بعدها.

ولكن يعقد عقلا ايضا ادعاءُ اولمرت. شيء ما تشوش في السنوات الاخيرة في سلم القيم هنا: أمان الجنود أصبح أهم من أمان المواطنين الذين يفترض بهم أن يحموه. ما بدأ ببراءة معينة في حملة 'اربع امهات'، أصبح روح القائد، الاحساس الذي يرافق الضباط الذين ينطلقون الى الميدان. حروب اسرائيل تقاس بذات المسطرة التي تقاس فيها حوادث الطرق: ليست الانجازات هي المقررة، ليست النتائج بل الاحصاءات ـ عدد القتلى في صفوف قواتنا.

اسرائيل علقت غير مرة في الماضي في فترة من التنديد في الساحة الدولية. في كل مرة خرجنا من هذا بسلام، بفضل الفيتو الامريكي وبفضل حقيقة أن ليس كل العالم ضدنا.

الورطة هذه المرة أصعب قليلا، ولا سيما بسبب التأثير الهائل لوسائل الاعلام الجديدة ـ قنوات التلفزيون العربية ومواقع الانترنت ـ على الرأي العام، وبسبب الحضور المكثف لمنظمات حقوق الانسان وقدرتها على تحريك سياسات قضائية، حملات مقاطعة، قرارات من الحكومات في الغرب.

يكاد لا يكون هناك شك بأنه لو كانت هناك الان مسيرة سياسية، لكان الضغط أخف. ولكن من السذاجة الاعتقاد بان المسيرة السياسية كانت ستمنع الضغط. الفلسطينيون لن يتنازلوا عن ادانة اسرائيل في الساحة الدولية: هذا سلاحهم الاكثر نجاعة.

يديعوت 19/10/2009

=============================

سورية ـ تركيا: فراق فخصام فغرام

غسان الإمام

الشرق الاوسط

أنا الذي أدعي أني أملك ذاكرة سياسية قوية، لم أعد أتذكر اسم أول وزير خارجية تركي زار سورية. ولا بالتحديد سنة الزيارة. كل ما أتذكر أني حرصت على حضور مؤتمره الصحافي. كنت بحكم تنقلي بين دمشق وبيروت، موجودا في العاصمة السورية لتغطية الزيارة، لحساب وكالة الأنباء التي أعمل فيها.

كان ذلك إِبَّانَ حكم حافظ الأسد، في أوائل السبعينات. ربما في عام 1971 أو 1972. بدا لي أن الرئيس السوري الجديد آنذاك راغب في تصفية تعقيدات علاقة ثنائية خطرة. فقد كان انفصال سورية عن تركيا العثمانية أليماً. شارك الضباط السوريون في الثورة العربية الكبرى على العثمانيين (1916). انتهت الثورة المدعومة من الغرب، خلال الحرب العالمية الأولى، بانفصال العرب نهائيا عن تركيا، بعد تاريخ مشترك دام أربعة قرون كاملة، بدأ بالفتح العثماني لسورية (1516).

تراوح الحكم العثماني للعرب بين اللين والشدة. كانت له ميزتان إيجابيتان: إنهاء فوضى حكم المماليك للعرب الذي استغرق نحو ستة قرون. الإبقاء على ولاية الشام (سورية. لبنان. الأردن. فلسطين) موحدة إداريا وسياسيا. غير أن قسوة الحكم تجلَّت، بشكل خاص، في سورية. وبشكل عام، في حرمان «الممالك العربية» من التواصل مع النهضة الأوروبية الحديثة التي قامت على التحرر الاجتماعي. الديمقراطية. التقنية الصناعية.

حمَّل العربُ الأتراكَ العثمانيين مسؤولية تخلفهم الحضاري. في المقابل، وللنكاية بالعرب الذين رفضوا التتريك، فقد ألغى الجنرال مصطفى كمال (أتاتورك) القائد العثماني الذي هزمته الثورة العربية، الإمبراطورية العثمانية (1924)، متجاهلا ذاكرة تركيا التاريخية، بما في ذلك الكتابة بالخط العربي! كانت النكاية الكمالية بالعرب شديدة. فقد تحرروا من استعمار متخلف، ليقعوا في استعمار أوروبي متفوق، مزقهم واستغلهم، وَوَطَّنَ اليهود في صميم وطنهم، فيما حافظ الأتراك، بقيادة أتاتورك، وبنضال رائع، على وحدة وطنهم.

تحملت سورية المعاصرة آلام الفراق العثماني/ العربي، بقدر ما تحملت قسوة حكم العثمانيين الأتراك. نعم، قامت بعد الفراق، علاقة ديبلوماسية طبيعية بين البلدين. لكنها كانت علاقة باردة، غير قادرة على حل تعقيدات الانفصال التاريخي، كمتاعب الأتراك والعرب الذين تخلفوا على طرفي الحدود، من دون اعتراف بحقوقهم في أملاكهم العقارية وأراضيهم الزراعية.

استغلت تركيا الكمالية ضعف سورية، وتمزيق الانتداب الفرنسي لها إلى دويلات كرتونية، للمطالبة هي أيضا «بحصتها»! طالبت تركيا بحلب ثاني أكبر المدن السورية. فرضت حدودها على منحدرات جبال طوروس الفاصلة جغرافيا بين البلدين، علما أن الحدود الطبيعية الدولية ترسم، عادةً، على ذرى الجبال. ثم ما لبثت أن تركزت المطالبة على لواء (محافظة أو إقليم) اسكندرون ذي الغالبية السكانية العربية، في أقصى الزاوية الشمالية الغربية من سورية. وهو بالإضافة إلى كونه امتدادا لساحل سورية الضيق، فقد كانت أهميته الاستراتيجية في اعتباره أقرب ميناء سوري إلى أوروبا. حَلَّت الكارثة بسورية، مع نُذُرِ الحرب العالمية الثانية. منحت حكومة اليهودي ليون بلوم الفرنسية اليسارية، سورية استقلالا ناقصا (1936). لكن عادت فسلخت لواء اسكندرون ووهبته إلى تركيا (1939)، إرضاءً لها كي لا تتحالف مع ألمانيا حليفتها في الحرب العالمية الأولى. كانت المنظمة الدولية (عصبة الأمم) شاهد الزور الأول آنذاك. أجرت استفتاء صُورياً ادعت فيه أن غالبية السكان تركية!

راحت الغالبية العربية تهاجر إلى سورية، منذ الأربعينات بأعداد كبيرة، في مقدمتها العرب العلويون والمسيحيون. أود أن أشير هنا إلى أن الكنائس العربية والشرقية أكدت، مع ضياع اسكندرون، نقل مقارِّ بطركياتها التاريخية من أنطاكية (عاصمة سورية الرومانية) إلى قلب العروبة، دمشق، وليس إلى لبنان المسيحي. في الداخل، ثار السوريون. أسقطوا الحكومة الصامتة على سلخ اسكندرون. واضطروا هاشم الأتاسي رئيس الجمهورية إلى الاستقالة (1940). مضت العلاقة الثنائية صعبة. ثم تفجرت في الخمسينات. انضمت تركيا الكمالية إلى حلف بغداد (تركيا. العراق. إيران) ضد الاتحاد السوفييتي في الحرب الباردة. ضغطت تركيا والعراق على سورية لضمها إلى الحلف. حشدت تركيا قوات ضخمة على الحدود. فرض رئيس وزرائها عدنان مندريس (لاحظ اسمه العربي) نفسه ضيفا ثقيلا على دمشق في منتصف الخمسينات. لكن سورية تحصنت بالوحدة العربية مع عبد الناصر الرافض للأحلاف.

كان حلف بغداد شؤما على أصحابه. مزق الانقلاب العسكري عراق نوري السعيد (1958). شنقت العسكرية الكمالية مندريس (1960) بتهمة الفساد. لكن العلاقة مع سورية ظلت متوترة، حتى بعد انفصالها عن مصر. لولا الضغط السوفييتي، لما استطاع السوريون الحصول من تركيا، على مياه كافيه لإقامة سدهم الضخم على الفرات (1966)، لسقاية حلب العطشى، ولري أراضيهم الشرقية الخصبة.

وهكذا، أدهشني المسؤولون الإعلاميون السوريون، وهم يحذرونني من أن أسال ضيفهم وزير الخارجية التركي، عما إذا كانت محادثاته مع دمشق الأسد تناولت قضية لواء اسكندرون. تجاهلت التحذير. سألت الوزير. امْتَقَعَ وجهه الأحمر بالغضب. رفض الإجابة. أنهى المؤتمر بسرعة وانصرف. لم يحدث لي مكروه. كنت أراهن على سماحة صدر نظام الأسد مع الصحافة، في مرحلته الليبرالية القصيرة، قبل صدامه مع عنف الإخوان المسلمين. ثم علمت أن المسؤولين أبلغوا الوزير التركي أن الصحافي السائل يمثل وكالة أنباء أجنبية.

على الرغم من حنكته وتعقله وحذره، لم يستطع الأسد إنهاء الجفاء المزمن مع تركيا الكمالية. إلى أن فوجئ (1996) بعقدها حلفا استراتيجيا خطيرا مع إسرائيل، بترتيب أميركي أوروبي. وضع الحلف سورية في كماشة عسكرية. فقد سمحت تركيا للطيران الإسرائيلي بإجراء تدريباته الجوية في سماء الأناضول، بمحاذاة المجال الجوي السوري.

رد الأسد على الاستفزازات التركية باكتشافه الورقة الكردية. منذ الستينات، كان عشرات ألوف الأكراد الأتراك قد تدفقوا على سورية. قوبلوا بغض نظر رسمي. وجدوا الأمان في حضن القرى الكردية المرشوشة على طول الحدود مع تركيا (810 كيلومترات). ثم أضيف لون «طائفي. نضالي» على ورقة اللعب. فقد آوت سورية أيضا متمردي حزب العمال الكردي، وزعيمه الماركسي العلوي عبد الله أوغالان.

في اللعبة الإقليمية بالقنبلة الكردية، سمح صدام لتركيا بانتهاك السيادة الترابية، بالتوغل أربعين كيلومترا داخل العراق، كلما أرادات ملاحقة متمردي أوغالان الذين وجدوا الملاذ لدى أشقائهم في جبال كردستان العراق. كان أوغالان قد تسبب في مقتل نحو 45 ألف كردي وتركي منذ منتصف الثمانينات. وهكذا أيضا، استغلت تركيا عداء صدام للأسد، لتوجيه تحذير إنذاري لسورية: الحرب أو طرد أوغالان وتحييد المتمردين (1998).

لم يعش الأسد الأب ليرى ابنه ووريثه يسحب الورقة التركية من الجيب الإسرائيلي. كان المرض قد أنهكه. لكن مَهَّدَ للابن الفرصة المناسبة: حَيَّدَ نشاط المتمردين الأكراد، طرد أوغالان الذي نجحت المخابرات التركية في اعتقاله، في بلد أفريقي، بالتعاون مع المخابرات الإسرائيلية والأميركية. توفى حافظ الأسد في عام 2000. ما زال لواء اسكندرون مرسوما بعناية على الخرائط السورية. لكن كيف تحول الفراق المؤلم والخصومة المتبادلة، إلى كلام. فعناق. فغرام؟! كيف سمحت تركيا أتاتورك لتركيا إردوغان (المتزوج من فتاة تركية سورية الأصل) بالاستدارة من أوروبا المسيحية، إلى البيئة الإقليمية العربية والإسلامية؟ كيف سحبت سورية الابن الورقة التركية من الجيب الإسرائيلي؟ كيف اختفى اللواء السليب، بمهارة ديبلوماسية سورية، من ملف العلاقة الثنائية؟ ذلك هو موضوع الحديث عن الغرام اللاهب في الثلاثاء المقبل.

=============================

لماذا نهتم كلنا بأفغانستان؟

آلان جونسون

الشرق الاوسط

لقد عدت لتوي من أفغانستان حيث شاهدت بنفسي التحديات التي نواجهها بينما يخوض الشعب الأفغاني الأبيّ، ومعه المجتمع الدولي، قتالا ضد المتمردين أملا في تهيئة حياة أكثر أمنا. إنه قتال لا بد وأن ننتصر فيه، إذ إن عليه يتوقف أمن وسلامة جميع الأمم.

لهذا السبب قبلت بأن أنضم إلى وزير الدفاع، بوب إينزويرث، في زيارته هذه، لأصبح بالتالي أول وزير داخلية بريطاني يزور المنطقة. ولا يمكن الفصل أبدا بين الحملة الجارية في أفغانستان وأمن العالم عموما. فمستقبل سلامة الشعب الأفغاني يرتبط ارتباطا وثيقا بسلامتنا جميعا مستقبلا. وما من شك في أنه تم إحراز تقدم. وقد التقيت بحاكم ولاية هيلماند، مانغال، في لاشكار غاه واستمعت منه لما يبذله من جهد، وخصوصا فيما يتعلق بضبط الأمن ومكافحة المخدرات، وهي مسائل تقع ضمن مسؤولية وزارتي. فمن التجارة بالمخدرات يتم تمويل المتطرفين الذين يسعون لفرض آرائهم، وهم الأقلية، على الآخرين جميعا، ويستغلون المستضعفين ويواصلون زعزعة الاستقرار كي يتحكموا بالسلطة. إلا أن التعاون ما بين الحاكم مانغال وسكان الولاية يهيئ الفرصة للمزارعين الأفغان كي يعيدوا هيلماند من جديد لتكون بمثابة سلة خبز أفغانستان.

وما من أحد يزور أفغانستان إلا ويعجب بالتاريخ العريق والغني لهذه البلاد، وإباء وعزم شعبها. وقد عززت زيارتي من قناعتي بأن على المجتمع الدولي أن يستمر في جهوده لدعم شعب أفغانستان حتى يبني مستقبلا أفضل لبلده. فإذا فعلنا ذلك، فإننا سنحول دون أن تصبح أفغانستان مرة أخرى ملاذا آمنا للإرهابيين الذين يهددوننا جميعا.

يتطلب ذلك وجودا دوليا لبعض الوقت، إلى أن تستطيع أفغانستان الوقوف على قدميها. ولا تُعرف الآن حدود زمنية أكيدة لانسحاب القوات البريطانية وغيرها من القوات. ولكننا سننسحب طبعا حين يتمكن الأفغان أنفسهم من توفير الأمن الذي يحتاجون، والذي يعتبر ضروريا لمستقبل أفغانستان. ولقد اقترح غوردن براون أخيرا تسريع الجهود لزيادة أعداد وقدرات قوات الشرطة والجيش الأفغانية من خلال قدرٍ أكبر من الشراكة. وناقشتُ مع زميلي بوب إينزويرث، خلال زيارتنا المشتركة، سبل تحقيق هذه الرؤية على أرض الواقع بالتعاون مع شركائنا الأفغان.

ويعتبر الدور الذي يجب على الأفغان أن يلعبوه هم أنفسهم في الشهور والسنوات المقبلة عنصرا مهما في السياسة البريطانية. فأفغانستان ليست نوعا من «المستعمرة» الغربية، ولن تكون كذلك في أي يوم من الأيام. وعليه فإن الحكومة والشعب الأفغانيين هم من يجب أن يتولوا زمام الأمر في بناء أفغانستان أفضل.

ولربما كان شيئا حتميا أن تركز وسائل الإعلام على المناحي العسكرية للجهود الدولية في أفغانستان. والواقع أن هذه الجهود مهمة وقد بدأت تؤتي ثمارها. فعملية «مخلب الفهد» مثلا أخرجت طالبان من شريط كامل من الأراضي في إقليم هيلماند. وهناك أمثلة أخرى على مثل هذه الأنباء السارَّة، فقد تحدثت قناة «الجزيرة» أخيرا عما تبذله حاكمة ولاية باميان من جهود لإعادة بناء منطقتها التي سبق لحركة طالبان أن دمرت فيها اثنين من تماثيل بوذا الأثرية خلال الأيام الحالكات في عام 2001. إن قيام طالبان بمثل هذه الأفعال، إلى جانب استهداف الأفغان الأبرياء، كالاعتداء على المدارس، هو ما أقنع الأغلبية العظمى من الأفغان برفض عودة طالبان إلى الحكم. فهم كغيرهم من شعوب الأرض يريدون فرص العمل والمدارس لأبنائهم والعيش بعيدا عن الضغوط والترهيب. ولهذا السبب، فإن بريطانيا ومعها قوات الأمن الأفغانية وقوات التحالف المشكلة من إحدى وأربعين دولة من بينها الإمارات العربية المتحدة والأردن والبوسنة والهرسك، ستواصل كلها مواجهة عناصر طالبان التي ترفض الدستور الأفغاني وتتبنى العنف. وإذ نعرف أن طالبان ليست منظمة متجانسة فإننا نؤيد مساعي الحكومة الأفغانية الرامية إلى استمالة واحتضان أولئك المتمردين المستعدين للانضمام إلى العملية السياسية والراغبين في مستقبل سلمي. وسنواصل في الوقت ذاته دعم جهود الحكومة الأفغانية لبناء بلادها من جديد، علما بأن تقدما حقيقيا قد تحقق: فهناك اليوم سبعة ملايين من التلاميذ في المدارس مقارنة بمليون واحد فقط في عام 2001، كما أن ثلث هؤلاء التلاميذ من الإناث؛ ويتلقى أكثر من ثمانين في المائة من الأفغان خدمات صحية أساسية هذه الأيام مقارنة بـ 10% فقط في عام 2003. أما زراعة الخشخاش المخدر فقد تقلصت العام الماضي بنسبة تزيد على 20%.

ولكن يتبقى الكثير طبعا. ومن هنا تحتاج أفغانستان إلى المساعدة من أصدقائها، كبريطانيا. وسنستمر نحن في تمويل المشاريع التي تحسِّن الوضع على الأرض، كدعمنا للمجالس التي اختار السكان المحليون من خلالها نحو 47000 مشروع لتحسين المياه والطرق والصحة والتعليم في مناطق سكناهم. وإلى جانب ذلك تدعم المملكة المتحدة مشروعي بنى تحتية كبيرين في إقليم هيلماند، هما طريق لاشكر غاه ـ غيريشك، وترميم محطة كهرباء بمدينة غيريشك ذاتها.

إن التحدي أمامنا هو متابعة ما أُحرز من تقدم حتى الآن. ولا بدّ أيضا أن نكون واقعيين؛ إذ بعد ثلاثين سنة من الحروب وعدم الاستقرار، باتت أفغانستان واحدة من أفقر دول العالم، تتفشى فيها الأمية والبنى التحتية الرديئة والمؤسسات الضعيفة. ومن هنا دعا غوردن براون أخيرا إلى عقد مؤتمر لاحقا هذه السنة يحضره الأفغان وحلفاؤهم الدوليون لضمان أن يكون عام 2010 عام تقدم حقيقي على الأصعدة الرئيسة الثلاثة التي تهم معظم الشعب الأفغاني، وهي: الأمن والحكم الصالح والتنمية.

وهنا يأتي السؤال: لماذا نهتم بأفغانستان؟ والجواب هو: إن شعبها يستحق مستقبلا أفضل. وهي مهمة لنا طبعا لأن من واجبنا أن نحول دون تحولها مرة أخرى إلى ملاذ آمن للإرهابيين الذين قتلوا مدنيين أبرياء في لندن وإسطنبول، وفي الرياض والدار البيضاء. ولا بد أن تقوم استراتيجيتنا على تمكين حكومة وشعب أفغانستان من السيطرة على مقاليد الأمور، وتقديم ما يحتاجون إليه من دعم والتزام. فإذا ما فعلنا ذلك فإن بإمكاننا أن ننتصر ولسوف ننتصر.

* وزير الداخلية البريطاني

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ