ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 27/10/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


آلام الشاب هاملت

تشارلز كروثمر

الشرق الاوسط

عبقرية الديمقراطية هي تداول السلطة، التي تجبر المعارضة على الجدية، خصوصا بالنسبة لأمور كالحرب، التي كان الديمقراطيون غير جادين بشأنها حتى 20 يناير (كانون الثاني).

وعندما واجهت الحرب في العراق (التي صوّت غالبية الأعضاء الديمقراطيين لصالحها) مشكلات وارتفعت أعداد القتلى مالأ الديمقراطيون الرأي العام الرافض للحرب وعارضوها، لكن حاجتهم إلى تغطية سياسية لما اشتهر عنهم بعد حرب فيتنام من الضعف في مسائل الأمن القومي تبنوا أفغانستان كحرب مفضلة.

وكتب المستشار الديمقراطي، بوب شرام، بعد انتخاب الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بفترة وجيزة: «لقد كنت عضوا في حملة جون كيري الانتخابية عام 2004، التي صعدت من فكرة أفغانستان على أنها (الحرب الصائبة) للحكمة الديمقراطية التقليدية، وقد كان ذلك صائبا كانتقاد لإدارة الرئيس بوش، لكنها كانت انعكاسا، وربما تكون الآن مضللة كسياسة». وهو ما يعني أن الانتصار في أفغانستان كان سياسة ماكرة لم يؤمن بها الديمقراطيون على نحو جاد، وملائمة لكي يحرجوا جورج بوش بشأن العراق، وكي يظهروا في الوقت ذاته محافظين على مظهرهم في الاستعداد للحرب لإبعاد الاتهامات بالضعف ناحية الأمن القومي.

لقد نجحت عبارتهم «حرب العراق سيئة وحرب أفغانستان صائبة» التي صاغوها بذكاء كبير وبنبرة متشائمة، وفاز الديمقراطيون في البداية بانتخابات الكونغرس ثم البيت الأبيض، لكنهم الآن، ولسوء الحظ، يجب أن يحكموا، ولم تعد هناك مساحة لممارسة الألاعيب أو مزيد من المظاهرات.

إذن ما الذي سيفعله قائدهم الأعلى الآن في الحرب التي زعم إبان حكم الرئيس بوش أنه يجب الانتصار فيها، وأنها لم تلق التمويل الكافي من قبل بوش؟

هل سيقدم التمويل الكافي للفوز بها؟ أنت ستظن ذلك، فهذا هذا هو ما طلبه قائد قواته في 30 أغسطس (آب)، حيث طلب زيادة عدد القوات ما بين 30000 إلى 40000 جندي، للحفاظ على الاستقرار وإنقاذ أفغانستان، بنفس الصورة التي تمت بها زيادة عدد القوات في العراق.

كان ذلك منذ أكثر من خمسة أسابيع مضت، لكنه لم يتلق ردا. وأوباما يعاني، بينما العالم يشاهد. لماذا؟ لأنه كما يقول مستشار الأمن القومي، جيمس جونز، يجب أن لا تلزم نفسك بزيادة عدد القوات من دون أن تستقر على استراتيجية.

هل لا توجد استراتيجية؟ يمكن أن تتضح الصورة بتذكر ما قاله الرئيس وهو محاط بوزيري خارجيته ودفاعه عندما قال: «إنني أعلن اليوم عن استراتيجية شاملة جديدة بشأن أفغانستان وباكستان، ثم شرح حملة مكافحة الإرهاب المدني والعسكري لهزيمة طالبان في أفغانستان».

وللتأكيد على جديته، أوضح الرئيس أنه لم يصل إلى هذا القرار بصورة عشوائية. والاستراتيجية الجديدة التي أعلنها: «تتبنى خلاصة المراجعة الدقيقة للسياسة في أفغانستان. تذكّر أنها النتيجة وليست البداية أو الوسيلة. نتيجة المراجعة الموسعة، التي أعلنها الرئيس للدولة، والتي شملت مشاورات مع القادة العسكريين والدبلوماسيين، وحكومات أفغانستان وباكستان، وحلفائنا في الناتو، وأعضاء الكونغرس».

وقد أعفي الجنرال المسؤول حينئذ، وتم استبدال الجنرال ستانلي ماكريستال، الذي كان خيار أوباما، به. وماكريستال هو ذاته الذي طلب 40000 جندي إضافية، وهو المطلب الذي أعفي القائد السابق بسببه.

بعد ذلك بدأ البيت الأبيض في تسريب استراتيجية بديلة، كان من الواضح أنها مقترحة (أو مخترعة؟) من قبل بايدن، نائب الرئيس، لتحقيق انتصار حاسم باستخدام صواريخ «كروز»، والطائرات بلا طيار، وقوات العمليات الخاصة.

المثير للسخرية أنه لا أحد يعلم بشأن هذه الحرب أكثر من الجنرال ماكريستال، فقد كان مسؤولا عن هذا النوع تحديدا من مكافحة الإرهاب في العراق على مدى خمس سنوات، الذي قتل نتيجته آلاف المتمردين في عمليات كانت ناجحة بدرجة كبيرة.

وعندما يقترح الخبير العالمي في هذا النوع من مكافحة الإرهاب هذه الاستراتيجية المعاكسة يكون لديك أكثر الآراء إقناعا حيال مكافحة الإرهاب من قبل رجل يعرف حدود إمكاناتها ومواطن القصور فيها. وقد كان ماكريستال رائعا في توصيته عندما قال إن الاتجاه إلى أي سبيل آخر غير مكافحة الإرهاب بهذه الصورة سيكون سببا في خسارة الحرب.

بيد أن قائده الأعلى، هاملت الصغير، مضطرب ومتردد ويتعذب. فمستشاروه المحليون، الذين يقودهم رام إيمانويل، يخبرونه بأنه إذا ما حاول تنفيذ الاستراتيجية فسيكون مثل ليندون جونسون الذي دمرت الحروب الخارجية حلمه الداخلي. أما نائب الرئيس فيحتفظ بوهم النجاح في استراتيجية مكافحة الإرهاب من دون أضرار.

ومقابل إيمانويل وبايدن يقف الجنرال ديفيد بترايوس، القائد والخبير المحنّك في مكافحة الإرهاب (فقد أنقذ العراق بهذه الاستراتيجية)، وستانلي ماكريستال، أحد أكبر الخبراء في العالم في مكافحة الإرهاب. فمن الذي يمكنك الوثوق بتوصياته في مكافحة الإرهاب.

منذ أقل من شهرين، وتحديدا يوم 17 أغسطس، وأمام الحضور من المحاربين القدامى الأميركيين، أعلن الرئيس أن أفغانستان ستكون «حرب ضرورة»، فهل يظل أي مما قاله قابلا للتطبيق بعد زوال تصفيق الجماهير؟

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص ب«الشرق الأوسط»

========================

بديل وادي عربة !!

الرأي الاردنية

يحق لأي أردني أن يشعر بالمرارة اليوم ، بعد خمسة عشر عاما على إبرام إتفاقية وادي عربة ، لأن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أوصلت السلام الشامل الذي نصت عليه هذه الإتفاقية إلى ما هو عليه الآن من فقدان الأمل والإنهيار والإستعصاء في عنق الزجاجة لكن مالا يحق له هو أن يشعر بالندم وذلك لأن خيار مؤتمر مدريد لم يكن خيارا أردنيا ولأن الأردن عندما شدت الرحال إلى هذا المؤتمر كان في ذلك الوضع المعروف الذي لم يكن يسمح له أن يتخلف أو أن يرفع راية الإستمرار بالقتال والناس كلهم ، وفي مقدمتهم العرب الذين يتفلسفون على هذا البلد اليوم ، ذاهبون مطأطئي الرؤوس إلى العاصمة الإسبانية .

قبل أن يشطح الخيال بالذين أتحفونا بتحليلات وتنظيرات ما بعد عشاء على أضواء الشموع يجب الأخذ بعين الإعتبار أن إلغاء إتفاقية وادي عربة رصاصة لا تستخدم إلا مرة واحدة ولذلك فإنه على أصحاب هذه التحليلات المسهبة جدا في الحديث عن مسلمات لا خلاف عليها وعن إفتراضات لا لزوم لها أن يقولوا للشعب الأردني ما هي خطوة ما بعد إلغاء هذه الإتفاقية .. هل سيعلن الأردن الحرب على العدو الصهيوني بمفرده أم أنه سينكفىء على نفسه ويعود ليعيش الظروف المعروفة نفسها التي عاشها في مطلع تسعينات القرن الماضي قبل أن يشد العرب الرحال بأمر من الولايات المتحدة إلى مدريد وأن يفعلوا هناك ما فعلوه ...؟!.

لنتصور ، وعلى أصحاب التحليلات المسهبة أن يجيبوا على هذا التصور ، لو أن الأردن إتخذ إتجاها معاكسا لمؤتمر مدريد ولو أنه لم يذهب إلى عملية السلام .. فهل سيكون واقع العملية السلمية أفضل مما هو عليه الآن .. وكذلك الأمر بالنسبة للواقع الأردني .. السياسي والإقتصادي والإجتماعي .. وكل شيىء ؟! .

الآن وقبل الإسهاب في هذه التحليلات الطرزانية وقبل الذهاب بعيدا في ما كان يجب وما كان لا يجب لابد من تذكر أن قرار السلام كان قرارا عربيا ولذلك وبالضرورة فإن قرار إدارة الظهر لهذا السلام المتردي حاليا هو قرار عربي إذ أن المفترض أنه على العرب بعدها أن يسخروا إمكانياتهم الإقتصادية ومواقفهم وتوجهاتهم السياسية للخيار البديل الآخر الذي هو خيار الحرب والمواجهة العسكرية .

أما أن يطالب الأردن تحت ضغط الشعور بالمرارة المتأصلة في الحلوق الآن ، بسبب ما تفعله إسرائيل وبسبب عجز حتى هذه الإدارة الأمريكية التي بنيت عليها آمال عريضة ، وتحت ضغط أصحاب الأصوات العالية والأفعال القليلة بالإنسحاب من إتفاقية وادي عربة بينما الوضع العربي هو هذا الوضع وبينما أيدي حتى الممانعين تعانق أيدي الإسرائيليين من تحت الطاولة وبصورة مباشرة فإن هذه دعوة للإنتحار وأن هذه قفزة في المجهول لا يجوز الإقدام عليها.

إن من حق أي أردني أن يشعر بالمرارة لكن ليس من حقه وعلى الإطلاق أن يشعر بالندم فتوقيع إتفاقية وادي عربة في مثل هذا اليوم من العام 1994 كان محصلة واقع عربي لا يستثني ولا دولة عربية واحدة لا ممانعة ولا غير ممانعة ومحصلة واقع دولي معروف بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي وإهتزاز المعادلة الدولية وهنا فإن ما يفرض على الأردن أن تكون حساباته دقيقة ومسؤولة وبعيدة عن جموح الخيال هو أن هذه الأوضاع باتت أكثر سوءا ومأساوية مما كانت عليه قبل خمس عشرة سنة وهذا سيجعل أي خطوة إرتجالية تحت ضغط الشعور بالإحباط واليأس بمثابة كارثة حقيقية مدمرة .

صالح القلاب

========================

دولة في حالة سبات سريري

حاييم آسا

الرأي الاردنية

نحن نعيش في ساحة سياسية غير متوازنة جدا. اليمين في الحكم من جهة، وهو ليس فقط في الحكم، بل يبدو انه لا يمكن التشكيك بشكل ديمقراطي بحكمه في السنوات القريبة القادمة، ومن جهة اخرى عصبة من محبي الاستمتاع التي تزعم انها تمثل اليسار - زعما فقط لانه يقودها سياسيون لا يفهمون ابدا من وماذا يمثلون باستثناء انفسهم ونسائهم. وعندما لا يكون لليمين منافس، انتقاد او معارضة، هو نفسه ايضا يعاني من عملية تعفن متعاظمة، وما يبدو هدوءا ووحدة ظاهرة، يكون خطأ بصريا. هذه منازعة دون ألم نهايتها معروفة مسبقا. الحقائق بادية لنا، نحن أبناء البشر، من خلف القيم، ادعى فردريك نيتشه في الجملة الاساس في مذهبه واضاف، بان منظومة القيم تتقرر (في اوساط بني البشر) على اساس مبدأ جوهري اسماه الرغبة في القوة. قيم الزعامة عمليا في دولة اسرائيل اليوم، هي قيم تتشكل من عناصر سياسية تواقة للحكم والابهة (فقط)، بعضهم من المستمتعين دون قيود لدرجة عدم رفض الاشباعات الفورية، بعضهم مجرد مقتبسون لافكار محافظة جديدة سخيفة فقدت منذ زمن بعيد معناها. هذا الخليط يقف امام الفراغ. لو كان شيئا لعرفنا ذلك. كيف؟ لكان وجد جدال جماهيري، لكان عقدت ربما بضع مظاهرات، لكان ايضا بضع احداث عاصفة من الخلاف، ولكن ماذا يوجد لنا بدلا من ذلك؟ مجتمع اسرائيلي ناعس في دولة أصبحت ارجوحة نوم برجوازية. اسرائيل في سبات سريري ليس فقط بسبب الحكم المدلل فيها. فهي في سبات سريري لانه لا يوجد فيها نقاش سياسي. لانه من جهة خان (اليسار) اولئك الذين بعثوه. إذ كيف يمكن لنا أن نفسر بانه لم يعرض احد حتى الان انتقادا ل رصاص مصبوب؟ نعم، للحملة العسكرية نفسها. لحقيقة أن الجيش الاسرائيلي ساعد حماس في ارادته حماس جدا؟ تقرير غولدستون. هذا لا يعني ان الجيش الاسرائيلي هو جيش لا اخلاقي. الجيش الاسرائيلي هو الجيش الاكثر اخلاقية في العالم، ولكن بالذات لهذا السبب نحن نخرج اغبياء. اخلاقيون ونبدو كمجرمي حرب في نفس الوقت في حرب لم تحقق شيئا. هذا ما ينبغي التحقيق فيه. الجيش الاسرائيلي على ما يبدو لا يعرف حتى الان كيف يخوض معركة ضد منظمة ارهابية. وهو لا يفهم اهدافه، ولا اهداف ذاك الذي يقف حياله. ولكن تشديدي هو على انعدام الانتقاد. لو كان هناك يسار لكان انتقاد. لكان جدال. لكان ساعد ذلك ايضا اليمين في أن يفهم اين يعيش.

لساعدنا جميعا في أن نفهم اين نعيش. وهكذا نجد انفسنا جميعا في فراغ.

فقط داخل الفراغ يمكن لمتهكم لا يكل ولا يمل مثل ايهود باراك ان يخدعنا. المذكور أعلاه، الذي يستخف هنا بكل واحد منا، استخفاف ثقيل، مفعم باطنان من الاحتقار، كله يقوم على الفراغ الذي علقنا فيه، يواصل هزنا من خلال الامعة البلاستيكية التي بعثها لنا في شكل كوتي مور او شالوم سمحون، الذي هو لعلمكم وزير الزراعة او شيء كهذا. كوتي مور، الذي عرض كمحامي باراك في موضوع المتع الباريسية، التي هو، باراك، بالطبع لا يعرف عنها، إذ أن ليس هو الذي نزل في فندق مصنوع من بلاتين، وليس هو من كان محوطا بخمسين سكرتيرة، صحافي، رجال علاقات عامة ومن لا (هذه ليست المرة الاولى التي لا يكون فيها باراك هو نفسه). كوتي مور هو رئيس قسم التأهيل (الذي يعنى بتأهيل معاقي الجيش الاسرائيلي) في وزارة الدفاع، ذاك الذي يكافح بتفان لتقليص حقوق متضرر الجيش الاسرائيلي المساكين، ذاك الذي يعتبر اليوم عدو الجرحى بالنسبة للكثيرين منهم، ذاك الذي يسحب سيفه باسم التوفير الوطني. أهذا تنغيص أم لا؟ التنغيص هي طريقة قتالية معروفة، في غياب ضمير اخلاقي تصبح حربة مرض مناعة. مرض تتعرض فيه أجهزة المناعة في الجسد لهجوم من قواها الذاتية. وهكذا يضيع التوازن لان جهازك الدفاعي يهاجمك هو نفسه. احد الامراض الاكثر انتشارا بسبب انعدام هذا التوازن هو مرض تعفن الاعضاء الذي لا علاج له

معاريف

========================

الثورة الصحيحة تلعب على الزمن

سمدار بيري

الرأي الاردنية

انتبهوا كيف تعمل أذرع الاخطبوت الايراني: حزب الله يعرقل منذ أربعة اشهر قيام حكومة في لبنان. حماس تصر على تأجيل التوقيع على اتفاق المصالحة مع ابو مازن. منظمة الارهاب للحوثيين لا تفوت فرصة في تهديد استقرار النظام في اليمن. في السجون في تركيا يعتقل 37 مشبوها بالتخطيط لعمليات ارهابية، بتكليف من طهران. في السجن المصري ينتظرون المحاكمة عشرات العملاء الايرانيين، الذين تسللوا بهويات فلسطينية بهدف اسقاط النظام. حركة جيش المهدي في العراق يتم تحريكها من خلف الحدود، حيث المركز والتمويل في طهران. بشار الاسد يعرف بانه اذا ما تحققت خططه للتقرب من الامريكيين فان الايادي الامريكية، التي توجد عميقا في داخل سوريا، من شأنها أن تشعل سلسلة من العمليات الارهابية الغريبة، وتضرم النار في اضطرابات شديدة في الملة الاقلية الحاكمة، العلوية، واثارة الشقاق بين القصر وأجهزة الامن.

لا حاجة للمرء أن يسقط من كرسيه في نهاية الاسبوع، حين نفذت ايران المناورة المتوقعة، تجاهلت على نحو تظاهري الانذار الامريكي في موضوع تخصيب اليورانيوم، اعادت الوفد الى طهران واعلنت: نحن نحتاج للمزيد من الوقت، كي ندرس صيغة الاتفاق. ليس لدى احد اوهام: ايران غير معنية بالتوقيع على الاتفاق، بالضبط مثلما حزب الله، بالهامها، لا يريد ان تقوم حكومة في بيروت، بالضبط مثلما حماس تلقت توصيات حميمة لتسويف الزمن مع اتفاق المصالحة، الى أن ييأس ابو مازن، مبارك وكل من دس ايديه في الوحل الفلسطيني.

وصل الوفد الامريكي الى جنيف مع قائمة بضائع طويلة. ليس هذا فقط النووي وتخصيب اليورانيوم. وترمي الرزمة الى تحديد مصير النشاط الايراني، الخفي اساسا، والذي لا يتردد في تهديد الانظمة البارزة في العالم العربي والاسلامي. من لا يوجد في القائمة؟ العراق، الذي يريد اوباما ان يفر منه. الباكستان، التي تتلقى رغم انفها زيارات لعملاء وحدة القدس ذراع الارهاب والتصفيات الذي يشغله مبنى في وزارة الخارجية في طهران.

سبق أن قلنا؟ رئيس الوزراء المرشح الحريري لا ينجح في اقناع نصرالله في أن يسمح له بان يحقق انتصاره الجارف في الانتخابات.

وبينما يجلس ممثلوها في حوار تاريخي حيال الامريكيين، فان طهران تواصل التباهي بوزارة تصدير الثورة الاسلامية الصحيحة. واذا لم ينجح النووي، فان مئات عملاء القدس وامثالهم من شأنهم ان يعملوا في كل لحظة لهز الانظمة في أذربيجان، العراق، سوريا، السعودية. محظور ان ننسى للحظة ان محور الشر الايراني والثورة الاسلامية الصحيحة يرميان الى العمل في قناتين متوازيتين، بوتيرة تمليها طهران. واحدة للمدى البعيد - صواريخ وسلاح نووي - والثانية للمدى الاقرب، من خلال عملاء الارهاب، مصدري الارهاب باسم الثورة.

اللعبة الدبلوماسية تجري باوراق علنية. بدون أوهام. الفريق الامريكي يعرف من يجلس حياله واي مسافة مسموح له أن يسير. الفريق الايراني بعث مع تفويض لاظهار موقف ايجابي ولكن مع تسويف الزمن. والمحادثات وصيغة الاتفاق لا تلح بقدر ما يلح عليهم النفي بانه دار حوار من أي نوع كان (كان حوار بل كان جدا حسب الرواية الاسرائيلية والمصرية) بين اسرائيليين وايرانيين في القاهرة. انتبهوا الى الفارق: لو كان النشر (الذي صدر عن قصد من مصادر في مصر) عن حوار مع الاسرائيليين قد انكشف من الجانب الايراني، لكانت اسرائيل ملأت ثمنها بالماء او اكتفت بنفي غير مقنع.

ولكن اجندة ايات الله تسير نحو استمرار المواجهة مع كل العالم. واذا لم ينجحوا في تسويف الزمن، فانهم سيتلقون بالاجمال مزيدا من العقوبات.

ولا يبدو أن احدا ما يسير نحو خيار عسكري. واذا ما اثاروا اعصاب اوباما فانهم سينغصون عيشه فقط بصيغ جديدة للمصالحة. في هذه الاثناء، اذرع الارهاب من شأنها ان تخرج من الثغور في كل لحظة، ان تضرب، وان تصرف الانتباه عما يجري لديهم في المنشآت النووية.

يديعوت

========================

الحرب القادمة ..انسوا التوازن

الرأي الاردنية

اليكس فيشمان

اذا كانت سديروت تعرضت للضربات لثماني سنوات الى أن نشأت الظروف، العسكرية والسياسية لعملية معاقبة شديدة لغزة، فان تل أبيب لن تحتمل ثمانية ايام. بل وربما ليس ثماني ساعات. من أجل الوقف الفوري لسقوط الصواريخ في غوش دان - وليس مهما من أي جبهة، السورية، اللبنانية او الغزية - العقاب سيكون قويا، بحجوم ستقزم حملة رصاص مصبوب الى خدش صغير في تاريخ العنف في الشرق الاوسط. لايجاد حل دفاعي لسكان غلاف غزة حطموا في اسرائيل الرأس على مدى 6 - 7 سنوات الى أن نشأت الحاجة وتوفرت الميزانية لمشروع قبة حديدية، الذي ربما، ربما، يثبت نفسه في العقد القادم. غوش دان يحميها، منذ اليوم، منظومة صواريخ ضد الصواريخ الباليستية، هي الافضل في العالم.

في هذه الايام، تجري مناورة جونيفر كوبرا التي تعبر ليس فقط عن الالتزام السياسي والعسكري الامريكي لحماية اسرائيل من هجوم بالصواريخ بعيدة المدى، بل تشكل مظاهرة مثيرة للانطباع للتكنولوجيا العليا، الموجودة فقط لدى دول معدودة. بدء بصواريخ تاد الامريكية، التي اصبحت عملياتية فقط قبل نحو سنتين ويفترض بها أن تصبح صواريخ باليستية بمدى 200 كيلو متر وراء الغلاف الجوي، عبر منظومات الرادار لمسافات مئات الكيلو مترات وحتى منظومات الجس في الاقمار الصناعية. ورغم كل هذه، فان كمية الصواريخ التي توجد اليوم لدى العدو كبيرة لدرجة أن الصواريخ ستسقط في غوش دان. وبالتأكيد في وضع مفاجىء مثلما في 1973. وستكون محاولة لضرب مواقع استراتيجية واماكن مكتظة بالسكان. الصواريخ السورية والصواريخ الثقيلة الحديثة التي توجد لدى حزب الله - اكثر دقة من تلك التي لدى حماس. ناهيك عن القدرات المتوفرة لدى ايران. مشكوك فيه أن تكون كل المنشآت الاستراتيجية - العسكرية والمدنية - محمية كما ينبغي، من أجل ضمان الا تشل المنظومات المركزية. كما أن ليس للمباني السكانية حل أمام الضربة المباشرة للصواريخ والمقذوفات الصاروخية ذات الرؤوس المتفجرة من مئات الكيلو مترات. الغرف المأطومة ترمي الى الحماية من الشظايا، وليس الاصابات المباشرة لصواريخ بمثل هذا الحجم. ومثلما في غلاف غزة، سيشعر السكان وكأنهم في لعبة اصابة الهدف. ولكن بحجوم فتاكة فقط. وليس صدفة أن حماس تبذل كل جهد لان تنتج في غزة او تهرب اليها صواريخ تصل الى مدى 70 كيلو متر. ادخال مثل هذه الصواريخ الى القطاع هو ايضا احد التحديات الكبرى لايران في المنطقة. اعداء اسرائيل يعولون على غولدستون: وهم سيطلقون الصواريخ نحو تل أبيب، فيما ان العالم سيمنع اسرائيل من تنفيذ عقاب لاهداف الردع. هم مخطئون. اسرائيل لا يمكنها أن تسمح لنفسها بان تنتظر الى أن تعمل قواتها البرية بنجاح في سوريا، في لبنان، في غزة او في كل مكان آخر، كي تخفض وتيرة النار. الزمن هو عنصر حرج، والحركة البرية الناجحة هي مسألة أيام واسابيع معناها المزيد من الخسائر والمزيد من الاصابات الحرجة في الجبهة الداخلية. مئات الصواريخ التي ستخترق المنظومة الدفاعية الاسرائيلية - الامريكية ستلزم اسرائيل برد فوري. وهنا الصيغة وحشية وبسيطة: كلما باتت حرب الارهاب الصاروخية اكثر نجاعة، هكذا ايضا الرد سيكون اقل فأقلتوازنا بتعابير الحروب القديمة. في مثل هذا الوضع ستأتي ضربة عقاب كثيفة، من الجو ومن البر، على البنى التحتية وعلى مواقع تكون على ما يكفي من الالم كي يكف العدو عن النار. اذا كان العالم يتوقع أن تمس اسرائيل فقط باهداف عسكرية، وتركض خلف كل صاروخ او موقع اطلاق لصاروخ، فانه يتوقع منها ان تنتحر.

هذه ليست الحرب الصحيحة. كلما تلقى العدو ضربة اكثر ايلاما في مواقع الحرجة، تكون فرصة في أن يقتنع بسرعة اكبر.

يديعوت

========================

إسرائيل وإيران.. وإضعاف الرئيس الأميركي

خيرالله خيرالله

المستقبل - الاثنين 26 تشرين الأول 2009

تبدو ادارة باراك اوباما مرتبكة على الرغم من مضي عشرة اشهر على دخول الرجل البيت الأبيض واحاطة نفسه بعدد كبير من الإختصاصيين في شؤون العالم؟ بين هؤلاء وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي امضت قبل تولي منصبها ثمانية اعوام في البيت الأبيض الى جانب زوجها الذي عرف باكرا مخاطر التورط في اي حروب خارجية.

كان ملفتا ان بيل كلينتون لم يزج الجيش الأميركي في اي معارك مباشرة. وكان اقصى ما ذهب اليه استخدام سلاح الجو لاسقاط حكم الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش... وعندما تعرضت "القاعدة" لأهداف اميركية في كينيا او تنزانيا، على سبيل المثال، لجأ الى قصف اهداف في السودان او افغانستان بواسطة صواريخ "توماهوك" البعيدة المدى كي يقول انه لم يستسلم للإرهاب وان الولايات المتحدة تمتلك قوة رادعة!

ربما كان باراك اوباما يسير على خطى بيل كلينتون. تكفيه التركة الثقيلة لجورج بوش الابن وادارته في افغانستان والعراق التي جعلت من الصعب على الجيش الأميركي خوض حروب جديدة وربما حتى زيادة عديد قواته في افغانستان. كان ملفتا ان الرئيس الأميركي يخشى الآن اتخاذ قرار بزيادة عديد القوات في افغانستان، على الرغم من ان هذه الخطوة تبدو اكثر من ضرورية وان لا مجال لتفاديها في نهاية المطاف. ولكن يبقى السؤال هل يمكن ان تصل الزيادة الى اربعين الف عنصر؟ من اين سيأتي الجيش الأميركي بهؤلاء نظرا الى ان مثل هذه الزيادة لعدد الجنود في افغانستان تفرض ضغوطا كبيرة على القوات المسلحة على كل المستويات.

هل باراك اوباما ضعيف ام قوي؟ ليس في الإمكان الإجابة عن السؤال في الوقت الراهن نظرا الى ان عليه القتال على جبهات عدة. على الصعيد الداخلي، هناك الأزمة الإقتصادية التي لا تزال تعصف بالولايات المتحدة. وهناك معركة مشروع الضمان الصحي الذي يسعى الى تمريره في الكونغرس. وتبدو هذه المعركة قاسية. في حال مرر اوباما مشروع الضمان الصحي، سيكون لديه عندئذ هامش واسع من الحرية للتصرف على الصعيد الخارجي وفرض اجندته التي تستند الى ما يمكن وصفه ب"القوة الهادئة".

من هذا المنطلق، تبدو معركة الضمان الصحي في غاية الأهمية في وقت يسعى غير طرف الى تكبيل الإدارة الأميركية. على رأس الذين يسعون الى تكبيل ادارة اوباما وتطويقها من الداخل والخارج، تأتي إسرائيل. من الملفت، لمن يزور واشنطن هذه الأيام، ان معظم مؤيدي إسرائيل في الكونغرس وفي المعاهد والمؤسسات المختصة بالأبحاث التابعة بطريقة او بأخرى للوبي الإسرائيلي، متضايقون من اوباما. لا يخفي هؤلاء اعتراضهم على سياسات الرئيس الأميركي في مجالين محددين. المجال الأول طريقة تعاطيه مع إيران والآخر الكلام المستمر الذي يصدر عن هذا المسؤول الكبير او ذاك عن حل الدولتين استنادا الى خطوط العام 1967. من الواضح ان العلاقات الأميركية- الإسرائيلية ليست على ما يرام هذه الأيام. تعتبر حكومة بنيامين نتنياهو، بكل بساطة، ان الوقت يعمل لمصلحتها في فلسطين وان الدولة الفلسطينية يجب ان تكون تابعة لإسرائيل بل ملحقا بها وان حدودها، في حال كان لا بد من ان تكون لها حدود ما في يوم من الأيام، يجب ان تستند الى حدود المستوطنات الإسرائيلية. اكثر من ذلك، ترى إسرائيل ان الأولوية يجب ان تعطى لإيران وان على الولايات المتحدة ان تدعم السياسة الإسرائيلية تجاه إيران بغض النظر عن فحوى هذه السياسة. كل ما في الأمر ان المطلوب إسرائيليا ان تكون السياسة الأميركية في خدمة حكومة بنيامين نتنياهو التي تريد استغلال الملف النووي الإيراني لتكريس احتلالها لجزء من الضفة الغربية.

تلتقي إيران بدورها مع إسرائيل عندما يتعلق الأمر بإضعاف ادارة اوباما، خصوصا ان هدفها الأول التوسع في المنطقة وفرض هيمنتها عليها وحمل العالم على التعاطي معها بصفة كونها المرجع الأول والأخير في الشرق الأوسط وفي منطقة الخليج والعراق خصوصا. ولذلك، ليس هناك تضايق إيراني من اي كلام إسرائيلي عدائي عندما يتعلق الأمر بالبرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك الكلام عن ضرورة اللجوء الى ما يسمى "خيار بيغن". يعني هذا الخيار ان على إسرائيل قصف المواقع التي لها علاقة من قريب او بعيد بالبرنامج النووي الإيراني، على غرار ما فعلته إسرائيل في عهد حكومة مناحيم بيغن في حزيران- يونيو من العام 1981 عندما قصفت المفاعل النووي العراقي "اوزيراك" قرب بغداد ودمرته بالكامل.

يناسب التصعيد الكلامي بين إيران وإسرائيل الجانبين. انه يخدم نتنياهو الذي لا يريد التركيز الاّ على "الخطر الإيراني" ويخدم إيران الساعية الى خطف القضية الفلسطينية من الفلسطينيين والعرب عموما والظهور في مظهر المدافع الأول عن حقوق الفلسطينيين، فيما العرب "مقصّرون". هل ينجح الجانبان في ذلك؟ الكثير يعتمد على ما اذا كانت ادارة اوباما ستخرج قوية من معركة الضمان الصحي. ليس مطلوبا بالطبع التفاؤل كثيرا، او على الأصح المبالغة في التفاؤل. لكن ما لا بدّ من التوقف عنده ان الرئيس الأميركي الحالي يتعلم من أخطائه سريعا. والأهم من ذلك، انه ليس مدينا للوبي الإسرائيلي في واشنطن بشيء، وقد نجح حتى الآن في الحصول على تأييد اليهود الليبراليين الذين يعتقدون ان تسوية معقولة في الشرق الأوسط في مصلحة الولايات المتحدة في المدى الطويل وان مثل هذه التسوية القائمة على خيار الدولتين تقطع الطريق على التطرف والمتطرفين اكان ذلك في إيران أو إسرائيل...

========================

انجاز ام هزيمة: عن معنى الاتفاق مع ايران

يعقوب عميدرور

القدس العربي26/10/2009

الوكالة الدولية للطاقة الذرية رفعت اقتراح حل وسط للمتفاوضين على تخصيب اليورانيوم في ايران. حسب الحل الوسط المقترح، ينقل معظم المادة الموجودة لدى ايران من التخصيب الذاتي الى المعالجة الخارجية في روسيا وفي فرنسا، وبعد سنة ونصف السنة يعاد الى ايران فقط لأغراض عمل مفاعل بحثي صغير.

لا يعنى الحل الوسط بالموضوع المركزي للمفاوضات، مساعي ايران لتخصيب اليورانيوم فيما يبدو كمحاولة لتحقيق مادة مشعة لغرض انتاج سلاح نووي. مع ذلك، فان لهذا الاتفاق، اذا ما وقع، وهو لا يزال يحتاج الى مصادقة ذوي الصلة، تأثير كبير على امكانيات ايران لتحقيق سلاح نووي. هذا اتفاق هام وحرج بالنسبة للايرانيين لانه يعترف بحقهم في تخصيب اليورانيوم، الامر الذي عارضته الولايات المتحدة حتى الان كون نتيجته واضحة لها.

من ينجح في تخصيب اليورانيوم الى مستويات تخصيب منخفضة، مثلما فعل الايرانيون حتى الان ومثلما يسمح لهم به عمليا الاتفاق المقترح، يمكنه 'ان يقفز' الى الدرجة التالية من التخصيب الى مستوى عسكري بسهولة كبيرة جدا. الايرانيون يمكنهم ان ينتقلوا من تخصيب منخفض الى تخصيب عسكري في وقت قصير، وفي ذات المنشآت تماما، ومع قليل جدا من المؤشرات المرافقة التي يمكن أن تثير انتباه العالم لوجود هذا التغيير. الاتفاق يعطي الشرعية عمليا، ولكنه يؤجل قدرة انتاج السلاح الى سنة حتى سنتين اخريين. في اطار الاتفاق يفترض بالايرانيين أن ينقلوا 75 في المئة من اليورانيوم الذي جمعوه حتى الآن، وسيحتاجون الى سنة حتى سنتين كي يصلوا الى ذات الكمية، التي تكفي لقنبلة واحدة.

وعليه، من جهة، هذا انجاز للولايات المتحدة. احمدي نجاد، الذي حتى الان لم يوافق على أي تنازل، تراجع. مصدر الانجاز في التصميم الذي اظهرته الولايات المتحدة. من جهة اخرى، كما اسلفنا، الانجاز من شأنه أن يتبين كانجاز قصير المدى. إذ أنه اذا كان هذا الاتفاق اساسا لاتفاق اكبر يعالج ليس فقط المفاعل البحثي، الصغير نسبيا، بل عموم المنظومة النووية الايرانية، أي ، اذا كان الاتفاق الكبير سيسمح لايران بان تحتفظ بمنشآت تخصيب شرعية، ففي تعابير لعبة الشطرنج، ضحى الايرانيون بجندي ولكنهم كسبوا ملكة. اعطوا الامريكيين تأجيلا في جمع المادة للقنبلة الاولى كي يحصلوا على الاذن في أن تكون لهم القدرة على انتاج مواد مناسبة لقنبلة نووية في المستقبل. المفاوضون حيال الايرانيين كسبوا وقتا، بينما الايرانيون حظوا بانجاز مبدئي، اعتراف بحقهم في تخصيب اليورانيوم، وان كان حتى مستوى معين فقط.

هناك سببان أساسيان للضعف الغربي لم يسمحا بثني ايران في الموضوع الاساسي. الاول، التخوف من حرب ضروس. واضح للمفاوضين بان فشلا ً معلناً للمحادثات من شأنه أن يؤدي الى حرب في ايران، وهم يخافونها بقدر لا يقل عن الايرانيين، ولا سيما بعد انعدام النجاح في العراق وعقب المصاعب في القتال في افغانستان. السبب الثاني هو نزعة الانجاز الفوري، او ما يسمى في مطارحنا 'الانجاز الآن'. هذان العنصران نصبا شركا أمام المفاوض الغربي. والشرك خطير لانه يبيع وهما الصحوة منه ستكلف دما.

مثير للاهتمام أن نعرف بان الزعماء لم يتعلموا من التجربة التاريخية. هذا بالضبط كان خطأ زعماء بريطانيا عندما فرحوا لاتفاق ميونخ مع هتلر؛ وكان هذا خطأ ستالين في اتفاق ريفينروف مولوتوف، الاتفاق الذي اعطى هتلر الوقت لتحسين جيشه وحرية العمل في الغرب ضد فرنسا. في هاتين الحالتين فضل الزعماء الديمقراطيون الذين وقفوا امام الدكتاتور نجاح اللحظة والفرح في ضوء مواجهة غابت ظاهرا، على الكفاح العنيد. من حذر من أن هذين الاتفاقين سيؤديان الى حرب أكثر شدة اعتبروا متطرفين لا يفهمون روح الاتفاق المتبادل.

إسرائيل اليوم 25/10/2009

========================

ولادة غولدستون

تسفي بارئيل

القدس العربي26/10/2009

غولدستون ولد في حزيران (يونيو) 1967. والمقصود ليس القاضي من جنوب افريقيا بل تقريره، او للدقة، المفهوم في أن هناك حاجة لأن يكون اسما مرادفا لحساب النفس الذي ينبغي لاسرائيل ان تجريه لنفسها بعد 42 سنة من الاحتلال. في ال 575 صفحة من التقرير المليء بالتفاصيل، الاسماء والارقام، بين جملة انواع السلاح، اساليب التحقيق وبنود القانون الدولي، تختبىء ثلاث فقرات ارقامها 1674 1676، يكمن فيها التفسير للنتائج المأساوية لحملة 'رصاص مصبوب'.

في تلك الفقرات يستخدم غولدستون تعبير 'تواصل' كي يقرر بأن الحملة لا يمكنها ان تكون مفهومة بحد ذاتها دون فحصها في تواصل الاحداث، الذي يتضمن ضمن امور اخرى الاغلاق التام المفروض على غزة على مدى ثلاث سنوات، سياسة هدم المنازل، الاعتقالات، التحقيقات والتعذيبات، ليس فقط في غزة بل وفي الضفة الغربية وفي القدس الشرقية ايضا. باختصار، حملة 'رصاص مصبوب' ليست 'حدثا'، بل حلقة في سلسلة أيامها كأيام الاحتلال.

التوازن المقدس الذي تطالب به اسرائيل، بين مصابي الحملة في غزة وبين المصابين في سديروت، بين صواريخ القسام وطائرات إف 16، بين قذائف الهاون والدبابة التي قتلت ثلاثة من بنات د. عز الدين ابو العيش، بين حماس واسرائيل، هو تعبير عن فهم ضحل لجوهر التقرير. لقد وضع غولدستون هذا العرض المرضي تحت المجهر، واستخلص منه المرض. والنتيجة هي كتاب تعليمي كان ينبغي لعنوانه ان يكون 'مرشد المحتل في العقد الخامس'.

في غير صالحنا، مجرد نشر هذا الكتاب، وليس مضمونه، خلق مبررا للمنافسة بين اسرائيل ودول اخرى، اذ ان السؤال الذي يقلق اسرائيل الآن لم يعد الوصف الذي تقشعر له الابدان للاحداث، بل اذا ما واين سيبحث في التقرير، من سيصوت 'الى جانبه' ومن 'الى جانبنا'؟ الحساب الاسرائيلي هو مع الجميع، وليس مع انفسنا. اسرائيل تكافح ضد المجهر.

والدواء؟ هو ايضا مميز. بعد ضرب المبعوث بالمجرفة ينبغي ايجاد المذنب الحقيقي، وهذا بات موجودا. ليس الاحتلال المتعرض للاحتلال ومبعوثيه العنيفين هم المذنبون. هم الذين يهاجمون من داخل المدارس والمساجد، هم الذين ينقلون القنابل داخل سيارات الاسعاف، هم الذين يتجرأون على مقاومة الاحتلال بوسائل ماكرة بحيث لم يعد يتبقى مفر غير قتلهم دون تمييز. واذا كان هكذا هو الحال، فليس طبيعة الحرب هي ما ينبغي تغييره بل القوانين التي تقيدها. وها هي تتكون استراتيجية تسمى 'حرب اللاتماثل'، جيش مقابل منظمات، جيش مقابل مدنيين، ولا يتبقى سوى الانتظار حتى تصيغ بطارية من رجال القانون قوانين جديدة وتمنح أذوناً جديدة لقتل عديم التمييز، تبعث بغولدستون الى القمامة.

مثير للاهتمام ان بالذات بعد تقرير غولدستون تثور مسألة قوانين الحرب. فلماذا لم تنشأ مبادرة كهذه بعد الاصابات المأساوية مثل تلك التي وقعت في كفر قانا في لبنان؟ لماذا ليس بعد تلك القنبلة الاسرائيلية التي اثارت اسطورة 'الضربة الخفيفة في الجناح' فدمرت بيتا سكنيا على سكانه في غزة؟ لماذا ليس بعد القصف بلا قيود في لبنان؟ ضمن امور اخرى، لانه في حينه كان لا يزال يسود الاعتراف بأنه يجب ان يكون هناك مقياس لا مساومة فيه يقرر ما هو المسموح وما هو الممنوع، والعلم الاسود لا يمكنه ان يرفع. ليس في حرب 'متماثلة' ولا في تلك 'غير المتماثلة'. ومن يبدي الاستعداد لتسويغ قتل دون تمييز، يسوغ بذلك ايضا الارهاب. هذا الاعتراف آخذ في التشوش. ولولا ذلك لتشكلت لجنة تحقيق اسرائيلية، ليس كي نثير الانطباع لدى أمم العالم بعد تقرير مدين، بل لتأكيد المقاييس الانسانية.

يتبقى تساؤل آخر. لماذا بالذات ضد اسرائيل خرج هذا الزبد ولم يخرج ضد الولايات المتحدة او بريطانيا؟ مواطنون عراقيون، افغان وباكستانيون كثيرون، ليس معروفا بيقين كم عددهم، قتلوا في قصف بلا تمييز قامت به الجيوش الاجنبية. لم تتشكل اي لجنة تحقيق رسمية دولية لفحص سلوك الجيش الامريكي او البريطاني. والسبب في ذلك هو ان الحربين في العراق وفي افغانستان تتمتعان بشرعية دولية وبقدر غير قليل ايضا من جانب السكان المحليين. وأهم من ذلك، لاحتلال العراق يوجد ايضا موعد نهاية محدد. الاحتلال الاسرائيلي، بالمقابل، يظهر بوادر تخليد. النفور منه يهز حتى الاصدقاء.

هآرتس 25/10/2009

========================

تفجيرات بغداد صداع لاوباما

رأي القدس

26/10/2009

تعيش العاصمة العراقية حالة من الرعب بسبب التفجيرات التي وقعت امس، واسفرت عن مقتل اكثر من مئة وثلاثين شخصا، علاوة على اصابة ثمانمئة شخص على الاقل، جميعهم من المواطنين الابرياء.

وتأتي هذه التفجيرات في الوقت الذي تتصاعد فيه حدة الازمة السياسية بسبب الانقسامات الخطيرة التي تسود النخبة الحاكمة والاحزاب المنخرطة في العملية السياسية حول مجموعة من القضايا، ابرزها قضية كركوك المتنازع عليها بين العرب والاكراد، وقانون الانتخابات.

البرلمان العراقي فشل في اقرار قانون الانتخابات، الامر الذي يجعل اجراءها في منتصف كانون الثاني (يناير) المقبل مغامرة كبيرة غير محمودة العواقب.

تفجيرات يوم امس التي جاءت بعد شهرين على تفجيرات ما سمي في حينها بتفجيرات الاربعاء الدامي تهدف الى زعزعة استقرار البلاد، والتأثير على هشاشة الاوضاع الامنية، وعدم قدرة القوات العراقية على السيطرة على هذه الاوضاع بعد انسحاب القوات الامريكية من داخل المدن.

الجهات الرسمية اتهمت تنظيم القاعدة والبعثيين بالمسؤولية عن هذه التفجيرات، ولكن لم تقدم اي ادلة رسمية تثبت صحة اتهاماتها، تماما مثلما حدث في تفجيرات آب (اغسطس) الماضي التي استهدفت ست وزارات سيادية علاوة على البرلمان.

طريقة تنفيذ تفجيرات الامس، اي استخدام شاحنة ملغومة يقودها انتحاري هاجم مقر وزارة العدل ترجح ان يكون تنظيم 'القاعدة' هو من يقف خلفها، فمثل هذا الاسلوب جرى استخدامه في تفجير السفارتين الامريكيتين في نيروبي ودار السلام عام 1998 وفي الخبر عام 1996، والسفارة المصرية في اسلام اباد في العام نفسه تقريبا.

واذا صحت الاتهامات بان تنظيم 'القاعدة' هو الذي نفذ هذا الهجوم فإن هذا يعني ان التنظيم قد استعاد قوته، واعادة تنظيم صفوفه، مستغلا حالة الانهيار الامني والخلافات السياسية الطاحنة التي تعيشها البلاد.

ومن غير المستبعد ان تكون قوات الصحوات التي انشقت في معظمها عن القاعدة وانضمت الى صفوف القوات الامريكية لمحاربة القاعدة نفسها قد عادت الى سيرتها الاولى، اي انقلبت على حكومة السيد نوري المالكي التي رفضت تنفيذ توصيات امريكية باستيعابها في الاجهزة الامنية وقوات الجيش.

هذه التفجيرات الدموية ستصيب السيد المالكي الذي تعززت اسهمه في الفترة الاخيرة بسبب تحسن الاوضاع الامنية ستصيبه بالاكتئاب، وستجعل شعاره الذي سيخوض على اساسه الانتخابات المقبلة (تحالف دولة القانون) اسما على غير مسمى.

ولعل اكتئاب الرئيس الامريكي باراك اوباما سيكون اكثر حدة، لانه بنى مشاريعه للانسحاب الامريكي من العراق على اساس تحسن الامن وقدرة القوات العراقية على ضبطه، وهو مشروع نسفته تفجيرات الامس.

========================

حروب أوباما الخمس

محمد السمّاك

المستقبل - الاثنين 26 تشرين الأول 2009

خلال فترة رئاسته الثانية، شنّ الرئيس الاميركي السابق جورج بوش خمس حروب. اثنان منها خارجيتان، وثلاث داخلية.

الحربان الخارجيتان كانتا في كل من أفغانستان والعراق. وفيما يعمل الآن الرئيس الجديد باراك أوباما على تصفية ذيول الحرب على العراق بتنفيذ وعده بسحب القوات الأميركية وإعادة السلطة الى العراقيين، لا يبدو انه قادر على وقف الحرب في أفغانستان. بل ان كل المؤشرات تؤكد انه يواجه هناك وضعاً يضطر معه الى إرسال المزيد من القوات الأميركية ومن قوات حلف شمال الأطلسي. ولذلك يخشى مع تعثر تحقيق الأهداف الأميركية من الحرب على أفغانستان بأن تتحول هذه الحرب الى فيتنام ثانية، بمعنى ان تستنزف معنويات القوات الأميركية نتيجة لارتفاع عدد الضحايا من دون أن تتمكن هذه القوات من تغيير الوضع على الأرض. وما كانت حرب فيتنام لتضع أوزارها لو لم تصب القوات الأميركية بانهيار معنوي ادى الى انهيارها العسكري المعروف في سايغون (حادثة الاجلاء المهين من مبنى السفارة الأميركية). لقد انتقلت العمليات العسكرية التي تقوم بها حركة الطالبان من أطراف البلاد (على الحدود مع باكستان) الى العاصمة كابول ذاتها.. ووصلت حتى الى القاعدة العسكرية الأميركية باغرام التي تعتبر المعقل العسكري والسياسي للقوات الأميركية. ولتجنّب مثل هذا المصير السيئ، طلب قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال ماك كريستال مزيداً من القوات، مع التأكيد وهذا هو المهم انه لا يمكن كسب الحرب في أفغانستان بالقوة العسكرية وحدها، وانه لا بد من أن يواكب العمل العسكري جهد تنموي وتطويري وتثقيفي أيضاً.

أما الحربان الداخليتان اللتان ورثهما الرئيس أوباما من الرئيس بوش، فهما الحرب على الحريات العامة والحرب على العلوم.

تمثلت الحرب على الحريات العامة في إخضاع حركة الأشخاص في الشوارع العامة وحتى المحلات التجارية في المدن الأميركية الى المراقبة المصورة. كما تمثلت في مراقبة المكالمات الهاتفية والرسائل الالكترونية. والمجتمع الأميركي الذي قام على قاعدة الحرية، أصبح تحت عين المراقب على النحو الذي لم يعرفه سوى مواطني الاتحاد السوفياتي السابق في عصر الهيمنة الشيوعية. جرى كل ذلك تحت غطاء الاجراءات الأمنية التي فرضت بعد جريمة 11 أيلول 2001 في نيويورك وواشنطن. فالطريقة التي اعتمدتها ادارة الرئيس بوش للتعامل مع ظروف ما بعد تلك الجريمة حملت الشعب الأميركي على أن يدفع الثمن مرتين. مرة أولى من خلال الجريمة ذاتها وما ألحقته بالولايات المتحدة من أضرار مادية ومعنوية جسيمة، ومرة ثانية من خلال اعتماد مبدأ الأمن قبل الحريات، مما أدى الى فرض قيود مشددة على الحريات العامة. بدأت حرب الرئيس بوش هذه باستغلال مخاوف الرأي العام لتمرير قوانين لا تعرفها سوى الدول الفاشستية. ثم انتقلت الى مرحلة متقدمة عندما بدأت القيام بحملات منظمة ومبرمجة لاثارة هلع الناس وارعابهم معنوياً من خلال اجراءات التخويف من احتمال تعرّض الولايات المتحدة الى اعتداءات جديدة، تارة بقنبلة نووية قذرة، وتارة اخرى بقنبلة جرثومية.. ومراراً باحتمال نسف قطارات أو طائرات الخ.. وقد أدت حالة التعثر المتنامية الى تقبل قوانين الضغط على الحريات على نحو لم يعرفه المجتمع الأميركي من قبل.

لقد كان من مظاهر الحرب على الحريات، قيام معتقل غوانتانامو، ليس من حيث انه معتقل لكثير من الأبرياء (الذين أطلق سراح معظمهم لثبوت براءتهم) ولكن لأنه كان رمزاً للحرب على القيم الأميركية والانسانية التي تقول ان كل انسان بريء حتى تثبت ادانته، وان لكل متهم الحق في محاكمة عادلة، وان التعذيب اثناء التحقيق يتنافى مع المبادئ والأخلاق الانسانية.

شنّ الرئيس بوش حرباً لا هوادة فيها على كل هذه القيم والمبادئ مما شوّه صورة المجتمع الاميركي على مستوى العالم كله.

قام الرئيس أوباما بتصفية معظم ذيول هذه الحرب. وكان آخرها المعركة التي خاضها مع الرؤساء السابقين لجهاز المخابرات المركزية (سي.آي.إيه) الذين طالبوا بوقف التحقيق في التجاوزات التي ارتكبتها المنظمة أثناء التحقيق مع المعتقلين بحجة ان استمرار التحقيق يسيء الى دور المنظمة ويشوه سمعتها. وكان اعلان الرئيس الأميركي برفض طلب رؤساء المخابرات السابقين مؤشراً الى انه ماضٍ قدماً في تصفية ذيول الحرب على الحريات العامة وعلى القانون الاميركي ذاته.. ابتداء من تصفية معتقل غوانتانامو مروراً بالطعن باعترافات المتهمين تحت التعذيب حتى اعادة محاكمتهم بصورة شرعية وقانونية.

أما الحرب الرابعة التي يعاني الرئيس أوباما من مضاعفات تصفية ذيولها، فهي حرب الرئيس بوش على العلوم. فتحتَ تأثير الحركة الدينية الانجيلية المسيحانية المتطرفة، منعت الادارة السابقة الأبحاث العلمية التي تتعلق بالخلايا الجذعية المستخرجة من الأجنة المجهضة. ذلك ان هذه الخلايا في مرحلتها الأولى لا تكون قد قررت ما ستكون عليه فيما بعد، جلداً أو لحماً أو عظاماً، ولا أي عضو ستكون عليه، قلباً أو معدة أو عيناً أو يداً.. الخ. ويستخدم العلماء هذه الخلايا لمعالجة أمراض مستعصية كالخرف (الزاهايمر) والارتجاف (باركنسون) والسرطان وسواها.

ومع منع البحث العلمي أوقفت عملية تمويل هذه الأبحاث، مما حمل عدداً من العلماء الأميركيين الى التوجه الى الخارج (الى بريطانيا مثلاً) لمتابعة أبحاثهم في المختبرات البريطانية. وهو عكس ما كان يحدث من قبل. فالمجد العلمي للولايات المتحدة يعود في قسم كبير منه الى العلماء المهاجرين اليها من شتى أصقاع العالم لتوافر المختبرات.. والتمويل المالي مما يمكّن من التفرغ الأكاديمي والبحثي.

لقد اعتمدت ادارة بوش "نظرية الخلق" ورفضت "نظرية التطور". كما انها أغلقت الأبواب أمام نظرية "تطور الخلق". وجرى تعديل برامج العلوم في المدارس الأميركية على هذا الأساس استجابة لطلب فريق قوي من أعضاء الحزب الجمهوري والمحافظين الجدد الذي كان يتزعّمه الرئيس جورج بوش.

اما الآن فقد أوقف الرئيس أوباما هذه الحرب على العلوم، وقرّر اعادة تمويل الأبحاث العلمية التي تتعلق بالخلايا الجذعية وغيرها دون أن يعني ذلك السماح بعمليات الاستنساخ البشري التي يعارضها الرئيس أوباما بشدة بسبب لاأخلاقيتها، وعدم الفائدة منها. مع ذلك فهو يتعرض للانتقاد المتصاعد من الحزب الجمهوري الذي يخوض ضده الحرب على الجبهات الخمس : الحرب على العراق، والحرب على أفغانستان، والحرب على الحريات العامة، والحرب على العلوم، والحرب مع اللوبي اليهودي.

ويبدو أن هناك جبهة أخرى يحرص الرئيس أوباما نفسه على استبعادها. وهي جبهة الحرب على العنصرية. ذلك ان فوزه وهو أميركي افريقي يشكل نقطة تحوّل تاريخية في الصراع العنصري الذي سبق أن مزّق المجتمع الاميركي لفترات طويلة. غير ان مواقف الرئيس أوباما التي تثير معارضة اليمين المتطرف بدأت تأخذ طابع ردّ الفعل الممزوج بالعنصرية المقيتة. وقد تعرّض الرئيس الى اتهام بالكذب من أحد أعضاء الكونغرس الجمهوريين وهو ما لم يحدث لأي رئيس أميركي آخر من قبل. من هنا خطورة وأهمية الحرب الخامسة وهي حرب الرئيس اوباما مع اللوبي اليهودي ومسرحها الشرق الأوسط. لقد سبق أن استجاب الرئيس جورج بوش لجميع المطالب الاسرائيلية دون أي مراجعة. وكان في ذلك يعكس ارادة اللوبي اليهودي الأميركي الذي كان يشكل جزءاً أساسياً من ادارته. فالمحافظون الجدد كانوا في معظمهم من اليهود مزدوجي الجنسية الأميركية والاسرائيلية. وبعضهم عمل مستشاراً لبنيامين نتنياهو عندما كان رئيساً للحكومة السابقة. لم تسمع اسرائيل من الرئيس بوش كلمة "لا".

ولم تعرف عنه انه تردّد مرة واحدة في أن يقول لها "نعم"، سواء كان الأمر يتعلق بالمستوطنات، أو بالقدس، أو بالمباحثات السياسية مع السلطة الفلسطينية. فقد بنى الرئيس بوش استراتيجيته في الشرق الأوسط على قاعدة ان الولايات المتحدة واسرائيل في خندق واحد ضد الارهاب. وان الارهاب مصدره الاسلام وبالتالي فان الاسلام هو عدو مشترك لاسرائيل وللولايات المتحدة. وبالتالي فان من مقتضيات الحرب على الارهاب التعاون مع اسرائيل. وان من مسلتزمات هذا التعاون الاستجابة الى جميع مطالبها.

لم يعد هذا الأمر مستمراً الآن مع ادارة الرئيس أوباما. والواقع انه بدأ يتغيّر في المرحلة الأخيرة من عهد الرئيس بوش الذي أدرك ان الاسلام بريء مما سبق له ان اتهمه به. ولقد ترجم الرئيس أوباما التحول بتعيين السيناتور جورج ميتشل مبعوثاً خاصاً له في الشرق الأوسط، وهو شخصية غير مقبولة اسرائيلياً. ثم من خلال المطالب الأميركية المعلنة بوجوب وقف بناء المستوطنات او على الاقل تجميدها، وهو أمر يتناقض مع التزامات حكومة نتنياهو ليبرمان. ان التحول عن سياسة الرئيس بوش الاسترضائية المفتوحة لاسرائيل الى سياسة الرئيس أوباما الاسترضائية المشروطة، يضع ادارة الرئيس الجديد في حالة حرب مع اللوبي اليهودي الاميركي.. لم تنشب هذه الحرب بعد. الا ان طبولها بدأت تقرع.

والسؤال: هل ينجح الرئيس أوباما في خوض غمار حروب خمس في وقت واحد؟ أم أن هذه الحروب هي مجرد جبهات لحرب واحدة؟

========================

عرب وألمان: مهنة واحدة وعالمان مختلفان

سركيس نعوم

النهار

شاركتُ وعددا من الزملاء العرب الاسبوع الماضي في مؤتمر كان له عنوانان هما دور الاعلام في الحملات الانتخابية في المانيا، ودوره في الحملات الانتخابية في العالم العربي. مكان المؤتمر كان برلين عاصمة المانيا والداعية اليه كانت مؤسسة فريدريتش ايبرت التي هي جزء من الحزب الاشتراكي الديموقراطي الالماني. العنوان الالماني خاض فيه على مدى يوم كامل المان يعملون في حقل الاعلام العملي وفي حقل الاعلام الاكاديمي وفي الحقل الاستشاري الاعلامي الرسمي، فأفاضوا في شرح التجربة الاعلامية في بلادهم من مختلف جوانبها وفي الحديث عن التأثير البالغ للاعلام في الانتخابات وحتى في السياسة. وكان دورنا كاعلاميين عرب الاطلاع والفهم والاستيعاب والمناقشة وطرح الاسئلة عن احتمال الا تكون النظرة التي قدمها الالمان لاعلامهم بالمثالية التي اظهروها. وبدونا في ذلك اليوم من جهة جماعة واحدة تنتمي الى مهنة واحدة هي الإعلام ومن جهة أخرى جماعتين تعملان في مهنة واحدة ولكنهما تنتميان الى عالمين مختلفين الى درجة التناقض. ففي الاول تسود الديموقراطية بكل مفاعليها وفي مقدمها الحرية المتنوعة ودولة المؤسسات والقانون. واذا حصل فساد من اي نوع، وذلك أمر طبيعي لأن النفس البشرية أمارة بالسوء، فإن التصحيح يحصل من داخل سواء بواسطة القوانين او بواسطة الشعب مباشرة عبر الانتخاب. أما في العالم الثاني الذي نحن منه فإن الأنظمة التي تحكم دوله لا علاقة لها بالديموقراطية اساساً ولا بالحريات والمؤسسات ولا بما يُسمى دولة القانون. ومعظمها يقوم على الحاكم الفرد المستند الى قبيلة أو الى عائلة او جيش او حزب او دين وإما الى الله مباشرة عز وجل. وفي جو كهذا كيف يمكن انتخابات حرة ان تُجرى وحياة سياسية ان تُمارس واعلاما ان يؤثر في الاثنتين؟

أما العنوان الثاني المتعلق بانتخابات العالم العربي ودور الاعلام فيه فخضنا فيه وحدنا الاعلاميون العرب في حضور مسؤولين من المؤسسة الداعية ولبنانيين يعملان في الاعلام الالماني من زمان. وكان دورهما ادارة المناقشات بحيث تبدأ بتحديد العقبات التي تواجه الاعلاميين العرب في عملهم والصفات التي يفترض ان يتحلوا بها. والتوصيات او مشروعات الحلول.

افاض في هذه المجالات الزملاء كلهم الى درجة ان بعضهم قدم اقتراحاً بتنظيم المجتمعين الذين يفترض انهم "يمثلون" غالبية الدول العربية في مرصد وباستمرار تواصلهم وعملهم معاً من أجل زيادة مساحات الحرية في الاعلام العربي. طبعاً طالت المناقشة حول هذا الاقتراح لكن من دون نتيجة حاسمة لاقتناع البعض بأن الافضل قد يكون مبادرة كل جسم اعلامي في دولته العربية الى تحقيق حريته او استحقاقها والى القيام بدوره. علماً ان الكثيرين من الزملاء انتبهوا الى ان التعميم في هذا المجال لا يجوز. اذ ان الاجماع على لاديموقراطية الدول العربية لا ينفي وجود نوع من التمايز بينها. فبعضها يمارس الديموقراطية من زمان مثل لبنان. لكنها ممارسة شكلية لأنها لا تغير شيئاً في الواقع الصعب بل من الخطر الوجودي الذي يعيشه. وبعضها الآخر يسمح بانتخابات وحملات انتخابية ويقبل انتقاد الاعلام للحكومات فيه لكنه يرفض كلياً اي مس برأس النظام اي بالحاكم الفعلي الذي "يعمل" الآخرون لديه اياً تكن "رفعة" مواقعهم الا انه يخرج عن هذه القاعدة اذا احس بخطر عليه وعندها يستعمل القوة والقليل من الحرية. وبعضها الاخير يعتبر ان سلطاته مستمدة من الله سبحانه وتعالى ولذلك فإنه لا يفرط فيها. وقد جاءت الاصوليات الرئيسية المتنوعة لتعزز موقفه.

ماذا عن لبنان مباشرة في المؤتمر المذكور؟

اطلعت "الجمعية اللبنانية من اجل ديموقراطية الانتخابات" عرب المؤتمر في اليوم الثاني على تقريرها عن الانتخابات النيابية الاخيرة التي اجريت فيه. وقامت بذلك عضو اللجنة ببراعة واحتراف الآنسة جوليا بوكروم. فشرحت بالتفصيل قانون الانتخابات والجزء المتعلق منه بالاعلام ومدى تقيّد الوسائل الاعلامية على تنوعها به، وبينت لنا جميعاً الخرق الواسع له من الجميع بنسب متفاوتة. ونحن ننتظر من حكومة لبنان ان تطبق القانون. واذا لم تفعل اليوم لأن الحكومة مستقيلة فإن احجام الحكومة الجديدة، عن ذلك لن يكون مقبولاً. علماً ان لدي شكوكا في محاسبة منتهكي القانون لأنهم اقوى من الدولة بل لأنهم على تناقضهم متفقون على عدم اقامتها.

هذا الواقع جعلني اشير في المناقشات، وفعل الأمر نفسه آخرون، الى ان عمل جمعيات مراقبة الانتخابات في العالم الثالث عموماً والعربي خصوصاً سواء كانت محلية أو اجنبية يعطي الانظمة غير الديموقراطية التي تجري الانتخابات نوعاً من الشرعية الديموقراطية. كما جعلنا الواقع نفسه نتساءل عن جدوى تمويل دول الغرب هذا النوع من الانشطة في العالمين المذكورين وربما عن الهدف منه. واذا كان الجواب هو: التوعية هي الهدف. فإن الرد يكون: الوعي ضروري. لكن هل مشكلة العالم نقص في الوعي فقط أم نقص في الحكام الاكفياء أو في الأنظمة المؤمنة بالانسان وبشعوبها؟ وجعلنا نتساءل اخيراً عن دور الاعلاميين انفسهم وخصوصا نقاباتهم. ويذكرني هذا النوع من النشاط بنشاط آخر تمارسه دول كبرى يتمثل في دعوة من تسميهم رجال المستقبل أو قادة المستقبل في اوطانهم الى الاشتراك في ندوات ومؤتمرات تنظمها على ارضها. علماً انها تعرف تمام المعرفة كيف يصل رجال المستقبل الى مواقعهم الرسمية في بلدانهم وخصوصاً الذين ينتمون الى عوالم النخبة. وطبعاً يكون ثمن الوصول وضع الكفاية بتصرف الحاكم لا البلاد ولاحقاً توظيفها للارتقاء بين المواقع.

طبعاً لا نريد بذلك نشر الاحباط ولا التشكيك بدوافع الدول "المتبرعة" لمساعدة الدول العربية على التقدم في كل المجالات. بل اننا نشكرها. لكننا نلفتها فقط الى ضرورة العمل معاً لمعالجة العوائق الاساسية امام الاستقرار السياسي الكبير في المنطقة. فالاستقرار هو الشرط اللازم للتغيير وإن التدريجي، ومعه شرط آخر هو مراعاة خصوصيات الشعوب وليس الأنظمة او الزعماء او الحكام. اما الانتخابات فمهمة. ولكنها وحدها ليست الديموقراطية التي لا يتكون نهرها أو بحرها بالأحرى الا اذا صبت فيه انهر كثيرة متنوعة. وهذا ما يسمى التراكم.

سركيس نعوم

sarkis.naoum@annahar.com.lb

========================

اقتراب الولادة الحكومية يفتح ملف القدرة على التحديات

سوريا تبرز جدّية والداخل استنفد "الانتصارات"

روزانا بومنصف

النهار

أكثر من أي وقت مضى، تبدو ولادة الحكومة وشيكة وسط توقعات لا تتعدى الايام المعدودة، تزامنا مع تطورين بارزين، أحدهما واهمهما سعي سوريا الى ترجمة مساعيهما المعلنة عمليا، وليس نظريا على ما بدا الامر اثر القمة السورية السعودية في دمشق، لجهة تسهيل تأليف الحكومة، عبر ما ابداه الرئيس السوري بشار الاسد في الاتصال الهاتفي بنظيره اللبناني ميشال سليمان قبل ايام قليلة، او عبر تحرك سياسيين قريبين من سوريا على خط تذليل بعض العقبات، في رسالة رمزية سياسية متعددة الاتجاه لبنانيا وخارجيا. وخلاصة هذا التطور ان مسعاها راهنا، وان على نحو غير مباشر او بالواسطة، لا بد من ان يؤتي ثماره، كما كان تدخلها سابقاً ابان وصايتها على لبنان. وهي لا يمكن ان تقبل او تظهر في موقع من لا يمكن ان ينجح في هذا التحدي متى وضعت ثقلها، مع ما يفترضه ذلك من مكاسب لا بد منها في هذا السياق على أكثر من مستوى وفي اتجاهات متعددة، خصوصا عشية توجه الرئيس السوري الاسبوع المقبل الى باريس التي سعت من جهتها الى دفع الامور قدماً من خلال تشجيع الافرقاء اللبنانيين على انجاز تأليف الحكومة. وهذا أمر يختصر أي معطى اقليمي، وفق معنيّين بالتأليف، ولو ان ثمة من يستمر في الاعتقاد ان لإيران يدا في ذلك ايضا. لكن يعتقد ان سوريا لن ترغب في ان تظهر ايضا في الموقع الاقل نفوذاً امام نفوذ ايران في الداخل اللبناني. وهذا الجزء من امتدادات الازمة يتلاقى في رأي المعنيين مع الرغبة التي عبر عنها قبل ايام الرئيس الاميركي باراك اوباما بالمعنى نفسه من حيث رغبته في رؤية حكومة لبنانية قريبا، اي ان الضغط الاقليمي لاقى الضغط الدولي اذا صح التعبير في هذا الاطار من اجل تأمين كل العناصر لولادة الحكومة وازالة كل المعوقات الخارجية. وتاليا، فان الجزء المتعلق بالشق الاقليمي وحتى الدولي، اذا كان الاخير موجودا فعلا، قد اخذ مداه وحقق مبتغاه الى حد بعيد، بحيث يعتقد ان الامور قد نضجت وباتت قريبة من القطاف بعدما اصبحت محصورة في المطالب التفصيلية الداخلية.

اما الامر الآخر فيتمثل في استنفاد الافرقاء الداخليين الوقت والجهد وكل الاساليب من أجل تحقيق انتصارات صغيرة لم يعد اكيداً ان تبقى في صورة انتصارات في نظر اللبنانيين، بعدما استنفد هؤلاء صبر اللبنانيين واستهلكوا صورتهم وصدقيتهم السياسية سعيا الى مطالب خاصة وشخصية بعيدا من اي هدف يصب في مصلحة اللبنانيين عموما في اي شكل.

وترقب الحلحلة القريبة سمح لبعض المتابعين بالقفز في اتجاه البحث في مدى قدرة الحكومة العتيدة على مواجهة التحديات التي يمكن ان تواجهها بعد أزمة التأليف التي ترخي بظلالها بقوة الى حد الاعتقاد أن هذه الحكومة "لن تشيل الزير من البير" وفق المثل الشعبي السائد، ولن تختلف الى حدّ كبير عن حكومة تصريف الاعمال الحالية برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، اي بمعنى عدم تعليق آمال كبيرة عليها. والضمان الاساسي لإمكان استمرارها بالحد الممكن من التماسك عدم مواجهتها مسائل معقدة قد تتسبب بانهيارها، مع رهان على أمر اساسي بات يشكل ثقلاً مضاعفاً على عاتق رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري في المرحلة المقبلة في ضوء المفاوضات الصعبة التي خاضها ولا يزال من أجل الامساك بحقائب اساسية يمكن ان تساعده في إحداث بعض التغيير، كما في تشكيل علامة فارقة بالنسبة الى رئاسته للحكومة جنبا الى جنب مع رئاسة الرئيس ميشال سليمان الذي يرتبط نجاح عهده بنجاح هذه الحكومة في الاقلاع، باعتبار انها ستعمل طوال السنوات الاساسية من عهده. وما لم تتحرك مفاوضات السلام في المنطقة، فان اي مشكلة جوهرية كبرى لن تشكل تحديا للحكومة المقبلة، على قاعدة التوافق على ترك سلاح "حزب الله" للحوار، فيما هو في رأي المراقبين الديبلوماسيين المتابعين رهن بالاتفاقات الخارجية اكثر منه موضوع داخلي لبناني. في حين ان الرئيس سليمان، على ما تفيد المعلومات المتوافرة لدى هؤلاء المراقبين قد حقق اختراقاً مهما في الخارج في موضوع اللاجئين الفلسطينيين ومحورية الموضوع وحساسيته بالنسبة الى لبنان، ولو ان الموضوع يحتاج الى متابعة مستمرة.

اما المواضيع التي يمكن ان يرتبط بها نجاح الحريري في رئاسته للحكومة فتتصل بموضوعي الاتصالات والطاقة بغض النظر عن ارتباط ذلك بمؤتمري باريس – 2 أو 3، اذ ان مسألة الكهرباء تشكل التحدي الابرز امام الحكومة في لبنان ويمكن ان تقود المعنيّين بها الى فشل او نجاح، خصوصا ان بعض الديبلوماسيين اولوا تعهدات الحريري وتصميمه على الحصول على هذه الوزارات اساسا اهمية كبرى لثقتهم برغبته في تحقيق انجازات ملموسة. وما لم تكن هذه الوزارات من حصته فسيكون صعبا عليه انجاز أي أمر مهم وفق ما يسود الاعتقاد في ضوء كل التعقيدات الداخلية التي ستجعل هذه الرئاسة صعبة قدر الامكان.

rosana.boumounsef@annahar.com.lb

========================

فرح حذر

شموئيل روزنر

السفير

لم تكن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لتؤمن أن توقيت خطابها سيكون مثيراً إلى هذا الحد. فما وصف في حينه كخطاب «هام» حول الانتشار النووي, تحوّل أمس وبشكل غير مقصود في فندق مايفلاور في واشنطن, إلى الرد الرسمي الأميركي على الاتفاق المعلن, وغير الموقع بعد, في فيينا, بين إيران والأسرة الدولية. وقالت كلينتون إن الأمر «يتطلب عملاً سريعاً». أي أنها لا تريد كلاماً, لا تريد أوراقا, وإنما أفعال حقيقية من جانب طهران.

ليس ثمة ما تخشاه إدارة أوباما أكثر من التعرّض لإهانة علنية في هذا الموضوع الحساس. ولهذا, فإن الولايات المتحدة ردّت أمس بحذر ومن دون فرحة زائدة على ما بدا وعرض من جانب الجهات المعنية (الوكالة الدولية للطاقة النووية ورئيسها محمد البرادعي) كأنه اختراق, لكنه قد ينتهي في نهاية المطاف ليغدو مجرد لعبة إعلامية.

وفي الإدارة الأميركية يعلمون أن هذا الاتفاق ليس النهاية، وإنما ربما هو البداية. وإذا شاء الحظ, فإنه يوفر للأميركيين حبلاً آخر, مهلة أخرى لإثبات أن بالوسع حل المشاكل بالشكل الذي يريده الرئيس, الحائز على جائزة نوبل. أي بالحوار.

والولايات المتحدة تتطلّع إلى الكثير في السياق الإيراني. ليس حلاً موضعياً للمشكلة النووية, وإنما اتفاق شامل, يحوي كل شيء, يرتب مواضيع أخرى عالقة بين واشنطن وطهران, مثل الوضع في العراق وأفغانستان, حيث لإيران تأثير, والاستقرار الشامل في الشرق الأوسط, وكذلك أيضاً السلام العربي الإسرائيلي.

و«الصفقة الكبيرة» التي تنادي بها كتلة كبيرة في العاصمة الأميركية منذ سنوات, هي المقامرة الحقيقية لدى إدارة أوباما. واتفاق فيينا قد يوفر المهلة الزمنية المطلوبة لفحص فرص إنضاج هذه الصفقة الكبيرة.

ومن جهة أخرى فإن الاتفاق «الصغير» الذي قد يبرم هذا الأسبوع يمنح أوباما متنفساً, فضلاً عن أنه يساعده في تقييد أيادي إسرائيل. والمسؤولون الأميركيون القلائل الذين تعاطوا مع هذا الموضوع يوم أمس ذكروا في مستهل كلامهم هذه النقطة: قدرة الاتفاق على تحييد التهديد الإسرائيلي بتفجير المفاوضات عبر الإقدام على عمل عسكري.

وفي الرأي العام الأميركي يمكن للأخبار من أوروبا أن تسرّع حدوث هزة. وقبل شهر, في استطلاع «بيو» بدا أن هناك أغلبية أميركية تؤيد عملا عسكريا, إذا تطلب الأمر ذلك. وهذا الأسبوع, في استطلاع «واشنطن بوست» تبين أنه لا وجود حتى الآن لمثل هذه الأغلبية, أو أن الشارات الإيجابية من المباحثات تغلبت عليها. إن أخبار يوم أمس أخرجت من عند الأميركيين التوق لمواجهة مسلحة.

معاريف 23/10/2009

========================

نحن والأقصى العمى أم شهادة الزور؟!

بقلم رئيس التحرير: أسعد عبود

الافتتاحية - الثورة - الاثنين 26-10-2009م

ليس ما يتعرض له الأقصى والقدس بشكل عام بجديد.. لكن... ثمة ظروف محيطة فلسطينية، عربية ودولية، تساعد الكيان الإرهابي الإسرائيلي على تحقيق مآرب ونيات له من تحركه العنصري العدواني الراهن.

ليست المرة الأولى التي يهاجمون بها الأقصى ويحاولون اقتحامه...‏

ولا هي المرة الأولى التي يتصدى فيها الفلسطينيون لهم.. .‏

هذه الحملة الهمجية العنصرية هي تصعيد في واقع عدواني مستمر لن تكون الأخيرة... ولن تحقق نصراً لهم.‏

رغم الظروف المحيطة..القيادات الفلسطينية مشغولة بمن يحكم فلسطين.. أي فلسطين هذه التي يحكمونها؟! وكيف..؟!‏

القيادات العربية أدركها التعقل وتخشى أي شكل من التحرك (يزعّل) صديقاً أو يوقعها في المغامرة..‏

العالم الإسلامي ومنظمته... جيدة ب«البيانات».. وقد دعت إلى «التحرك» لمواجهة ما يجري..‏

العالم.. كل العالم... مفتت... مشتت... عناوين ولا آراء... هناك عقول... وليس هناك قرار... كأنه عالم مشلول.‏

وهكذا في ظل ذلك كله، تُنفذ هذه الهجمة الهمجية الإرهابية.‏

إلى ماذا ترمي إسرائيل من تحركها غير المفاجئ اليوم - نظراً لطبيعتها العدوانية -..‏

هناك من يرى أنها ربما تريد أن تغير قواعد وشروط العمل بالنسبة للأوقاف الإسلامية، وضمنها الأقصى والمقدسات الأخرى.. مستنداً في رؤيته إلى أنه في لحظة للضعف المغلف بفصل القضية الفلسطينية عن عروبتها خسرنا في الحرم الإبراهيمي وأحطناه بشروط تسيء لتاريخه الإسلامي... ولعل شيئاً من ذلك ترمي له إسرائيل بأعمالها العدوانية الإرهابية.. نعني البحث عن ترتيبات جديدة لإدارة الأوقاف الإسلامية في القدس وفي قلبها الأقصى..!‏

ولعله أيضاً، وهو ما يجب أن ندركه جيداً.. تكون إسرائيل وراء هذا الطرح، تهدف منه أن تسوّق عن طريقنا أفكاراً لها، تمهيداً لخطط في الذهن الصهيوني، وبهذا أو بذاك نحتاج المقاومة وعنوانها هذه الانتفاضة لشباب الأقصى.‏

قدر الشعب الفلسطيني أن يواجه هذا الطغيان.. ولن يخسروا معركة اليوم.. لكن إسرائيل توجّه من خلال هجومها الأخير على الأقصى رسائل متعددة الجوانب، فهي أولاً تريد أن تختبر مستوى رد الشعب الفلسطيني، أي روح المقاومة.. أو بمعنى أوضح «الانتفاضة».. يريدون التأكد من جواب يعرفونه عن سؤال:‏

هل أبناء الشعب الفلسطيني مستعدون دائماً للمقاومة.. لمواجهة الطغيان؟!‏

هل ستكون انتفاضة؟! ما مداها؟! وما قوتها في الظروف القائمة؟.‏

وهي رسالة إلى كل الذين ما زالت تدفعهم إلى المقاومة فكراً وسلوكاً نشوة انتصار تموز في جنوب لبنان وصمود غزة..‏

كل الظروف تؤيدهم إلا القوة الكامنة في الشارع العربي وفي مقدمته الفلسطيني التي ما زالت قادرة أن تقلب مخططاتهم إلى أزمة لهم، وما مواجهتهم مع تقرير القاضي غولدستون، وقرار مجلس حقوق الإنسان إلا صورة منها.‏

هي معركة مستمرة، لا نخسرها إن لم ننسحب منها.. وهي مدعاة شك بكل نشاط سياسي أو غير سياسي يدعونا لهذا الانسحاب..‏

الحوار.. صحيح..‏

حلم السلام.. مشروع..‏

لكن..‏

مع من؟! وكيف؟!‏

من المحاور؟ ومن شريك السلام؟!‏

هل نبحث عنهم بين وحوش التطرف والعنصرية، من الباحثين عن هيكل أساطيرهم وكذبهم وهمجيتهم في فلسطين، أم في الحكومة التي ائتلفت على التفاهم اليميني العنصري المتطرف.‏

لا بد من المقاومة..‏

ودعم المقاومين للعدوان الصهيوني في كل مكان وفي القدس أولاً بالفعل وليس فقط بالقول والبيانات.‏

a-abboud@scs-net.org

========================

الأطفال الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية

بقلم:ميل فريكبيرغ

صحفي استرالي مستقر في الشرق الأوسط

ترجمة رنده القاسم

الثورة - الأثنين 26-10-2009م

أعلنت المنظمة الدولية للدفاع عن الأطفال بأن عدد الأطفال الفلسطينيين الذين احتجزوا هذه السنة في سجون إسرائيلية ومراكز الاحتجاز المؤقت التابعة للجيش الإسرائيلي قد ارتفع بمعدل 17.5 بالمئة مقارنة بعام 2008

وقالت المنظمة: من المقلق أن 39 فتى فلسطينياً بين الثانية عشرة والخامسة عشرة اعتقلوا في آب 2009 بينما كان الرقم 21 في الفترة ذاتها من عام 2008.‏

وعام 1989 شاركت اسرائيل في التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الطفل الذي ينص على أن ايقاف أو احتجاز أو سجن طفل يستخدم فقط كإجراء أخير ولأقصر فترة زمنية ملائمة.‏

محمد أبو رحمة عمره أربعة عشر عاما من قرية بعلين في الضفة الغربية قرب رام الله اعتقل بعد أن جر من سريره في الثالثة صباحا في آب مع هجوم الجنود الاسرائيليين على منزله.‏

وقد شاركت قرية بعلين في حملة مخططة للعصيان المدني اللاعنيف ضد بناء إسرائيل للجدار المار عبر أراضي القرية عازلا القرويين والمزارعين عن حقولهم الزراعية ونجح القرويون في تقديم عريضة لمحكمة إسرائيلية منذ سنوات لأجل تغيير مسار الجدار، ولكن القوات الاسرائيلية لم تذعن لأوامر المحكمة.‏

يقول ابو رحمة: استيقظت أسرتي على صوت الجنود الإسرائيليين وهم يصرخون وبدؤوا بتحطيم الباب ثم كبلت يداي وعصبت عيناي بشدة من قبل الجنود وألقيت في مؤخرة الشاحنة، خلال الرحلة الى القاعدة العسكرية كنت أصفع مرارا وتكرارا وأضرب وأرفس إلى أن نزفت.‏

عالج الأطباء الإسرائيليون نزيف ورضوض أبو رحمة قبل وقوفه أمام المحقق وثانية كان معصوب العينين مكبل اليدين واستمر الاستجواب ثلاث ساعات اتهم خلالها برمي الحجارة على الجنود قرب الحائط في أرض بعلين الزراعية.‏

وابقي أبو رحمة في السجن لمدة أسبوع قبل أن يقف أمام الحاكم العسكري وبعدها غرم بخمسة آلاف شيكل 1340 دولاراً وأطلق سراحه.‏

ويقول حسان موسى وهو مدرس في قرية مجاورة في قريتنا تم اعتقال وسجن حوالي اثني عشر طفلا من قبل الاسرائيليين.‏

ووفقا للاحتجاز الاداري الاسرائيلي يمكن اعتقال الفلسطينيين دون محاكمة لثلاثة أشهر يمكن أن تمدد ثلاثة أشهر أخرى مع نهاية المدة ويقول موسى : إن تعليمهم ينقطع عندما يحتجزوا لأسابيع وأشهر دون المثول أمام المحكمة.‏

معظم الأطفال الفلسطينيين يعتقلون بسبب رمي الحجارة والقانون العسكري الاسرائيلي رقم 378 يسمح بعقوبة قصوى تصل إلى 20 سنة سجن للقيام بذلك أي أقل بخمس سنوات من عقوبة القتل في إسرائيل.‏

وتقول المنظمة الدولية للدفاع عن الأطفال: إنه خلال الاستجواب لا يسمح لأطفال صغار بعمر الثانية عشرة بالاستعانة بمحامين أو برؤية عائلاتهم، ويكون الأطفال عرضة لعدد من التقنيات المحرمة وتضم الاستخدام المفرط لعصابات العين والأغلال والصفع والرفس والثبات في أوضاع مؤلمة لوقت طويل والحجز الانفرادي والحرمان من النوم وتهديدات مادية ونفسية وقد وثقت المنظمة الدولية للدفاع عن الأطفال سبع حالات عل الأقل خلال حرب إسرائيل على غزة في بداية العام حين استخدم الأطفال الغزاويون دروعاً بشرية على يد الجنود الاسرائيليين، وهناك اختلاف كبير في الطريقة التي يعامل بها القانون الاسرائيلي الأحداث الاسرائيليين وبين تلك التي يعامل بها الآخرون الفلسطينيون، اذ يمثل أطفال فلسطينيون بعمر الثانية عشرة أمام محاكم عسكرية اسرائيلية ويعاملون كراشدين حالما يبلغون السادسة عشرة خلافا للقانون المحلي الاسرائيلي حيث يكون سن الرشد في الثامنة عشرة.‏

وأعلنت المنظمة الدولية للدفاع عن الأطفال في تموز بأنها ستقيم محكمة منفصلة للأحداث و حتى الآن يحاكم الراشدون واليافعون الفلسطينيون معا والجانب الجيد بالأمر هو أنه بعد اثنين وأربعين سنة من الاحتلال أدرك الاسرائيليون أن معاملتهم اللاقانونية للأطفال الفلسطينيين لم يعد بالامكان الدفاع عنها أخلاقيا أما الجانب السيئ فهو أن التغييرات شكلية فالأطفال سيستمرون بالمثول أمام القضاة ذاتهم في السجون ذاتها, الفرق الوحيد هو أنهم سيعاملون في أوقات منفصلة عن تلك التي يحاكم بها الراشدون.‏

========================

أوباما.... رئاسة كبرى وأزمة أكبر!

ترجمة: سراب الأسمر

لوفيغارو

الأثنين 26-10-2009م

لو لم تشتعل حرب الانفصال لما بدا ابراهام لنكولن كمنقذ للاتحاد، وهو أول رئيس انبعث من المرجل السياسي لعاصمة ولاية أيلينوا، فقد كتب إلى أحد معارفه من منطقة كينتاكي عام 1864،

بتواضع بالغ: أنا لا أدعي أني سيطرت على الأحداث، لكني اعترف تماماً أن الأحداث سيطرت عليّ، فرانكلين ديلانو روزفيلت وصل إلى واشنطن بأفكار كثيرة لكن دون وجود خطة لوضع حد للركود الاقتصادي الكبير أو حتى لبناء أساسات التحدي الجديد، كل تلك الأمور دبرت في وقتها، وأخيراً تلاقت الأزمتان، إذ تحسنت الأحوال الاقتصادية في أميركا بحدوث الحرب العالمية الثانية، فكانت الحرب سبب ولادة عصر أميركا.‏

بالنسبة لرؤساء آخرين لم تفدهم الأزمات إذ لم يجيدوا تسخيرها لأهداف كبيرة، فحين نفكر في رؤساء سبقوا لنكولن أمثال جيمس بوشانان وهيربر هوفر نجد أنهم افتقدوا فرصة التصرف الحكيم.‏

بينما باراك أوباما يواجه أزمة أقسى بحيث يصعب عليه تحقيق مايأمله العالم منه، كما قال عنه رحيم إيمانويل بعد الانتخابات بأيام قليلة: لاتتركوا أزمة تمر مرور الكرام، إذ قد تشكل فرصة للقيام بأمور عظيمة.‏

التحدي الذي يواجه أوباما هو أن الأزمة قد تبدو كبيرة والآمال التي ترافقها أكبر والمؤيدين الذين أطلقوا تلك الصرخة «نعم، تستطيع» عبر أميركا كلها من ناخبين صغار صوتوا لمرشح يريد إحداث تغييرات عظيمة، والمحافظين الذين وصلوا إلى نتيجة تفيد بأن حكومة بوش لم تكن بمستوى المسؤولية - جميع هؤلاء كانوا ينتظرون حدوث تغيير سريع بحيث لايمكن لأي مسؤول دفعه باتجاه محدد.‏

والشعارات القوية التي استطاعت تحريك الجموع بعد الحملات الانتخابية قد تصبح ثقيلة وسلبية أمام حقيقة إمكانيات السلطة.‏

في الخارج، كانت أصوات الآمال المعلقة على هذه الانطلاقة الجديدة أقوى مما هي عليه في الداخل.‏

ليلة انتخاب باراك أوباما أطلق الكثيرون على مواليدهم الجدد اسم باراك وميشيل من لندن وحتى نيروبي في حزيران 2008، كان قد اجتمع عشرون ألف ألماني في برلين في ساحة لابورت دي براند بورغ للاستماع إلى أوباما يقول: الجدران بين الحلفاء القدامى في جانبي الأطلسي لايمكن أن تستمر وأشاعوا ذلك في المقاهي والبارات.‏

وكانت ردات الفعل في آسيا متحفظة إزاء حذر أوباما من المبادلة الحرة وانتقاداته لإدارة بوش.‏

بالنسبة للكثيرين، كانت تبدو رئاسة أوباما كعلاج من الأوهام التي عاشتها أميركا لكنه جاء متأخراً، وذلك بعد أن ثملت أميركا جيداً، فقد بددت أميركا محبة العالم لها من يوم أحداث 11 أيلول حين جعلت من محاربة الإرهاب الصورة الأساسية في سياستها الخارجية، وضغطت على غيرها من الدول لمحاربة العراق، متجاهلة بنفس الوقت مهمتها في إعادة بناء الدول المنهارة.‏

فكانت نظرة الأوروبيين لإدارة بوش الأسوأ على الإطلاق فهي تشبه فرداً أنانياً يسعى إلى المركزة حول ذاته ويرغب في الهيمنة، إنه شخص أناني وغير كفؤ.‏

اليوم، لاتواجه أميركا ماضيها باختيار رئيس ملون، إنما تعانق أيضاً المستقبل باختيار رئيس له رؤيته حول العالم.....‏

ومتعلم أسلوب الأجانب في الحكم على الأمور، لهذا وجد في هذا المكان وللمرة الأولى، كشاهد على واقع واشنطن أنها كانت تظهر التساهل وأحياناً التحريض على الاستبداد والفساد وتلويث البيئة، هكذا يرى الأوروبيون الولايات المتحدة.‏

أما سبب تأييد العالم لأوروبا فهو رفض ذلك الأخير لمبدأ بوش حول النموذج الأميركي ل روزنامة الديمقراطية المبادىء التي أعلن عنها أوباما هي ماشد آذان الأجانب له، وذلك بإعلانه أنه لن يكون في عهد سجن أبو غريب في العراق ولاسجن غوانتانامو، وهو سيثبت صدق نواياه بإغلاق سجن غوانتانامو، فقدم نفسه كنقيض لبوش.‏

الكثير من الأوروبيين صدقوا كلامه، وأشادوا في رغبته في مواجهة الصعاب واتباعه أسلوب التحليل المنطقي بدل التخمينات.‏

ورغم الهتافات التي رحبت برئاسة أوباما داخل وخارج أميركا إلا أنه سيعاني من معوقات، إذ سيضغط الشعب الذي ورثه عن بوش على خياراته.... والخطر الأكبر أنه سيمضي بعيداً في طريقه المعاكس لطريق بوش - بحيث سيفقد هدوءه وتحليله للأمور وسط الأزمة.‏

========================

سيناريو أسلحة العراق.. يتكرر مع إيران

جون أفريك

الثورة - الأثنين 26-10-2009م

ترجمة: دلال ابراهيم

يجمع الخبراء على أن إيران لاتبحث في صنع القنبلة النووية بقدر ماتسعى إلى امتلاك التكنولوجيا النووية ومع هذا تتعنت إسرائيل وشريحة من الأسرة الدولية على قرع أجراس الانذار.

ربما آن الأوان من أجل تبديد الضباب الكثيف والهستيريا والنفاق وكذلك الدعايات العدائية المحيطة ببرنامج إيران النووي ويأتي يقيننا من أن إيران وكما هو واضح على وشك امتلاك دورة الوقود النووي وربما امتلكته منذ زمن أبعد، نظراً لمطالبتها بموقع لها ضمن (القوى النووية) ولديها العلماء والمعرفة التكنولوجية والمصانع الضرورية لذلك، تؤهلها لتكون ضمن هؤلاء وفي هذا يكمن باعث العزة والكبرياء الايراني.‏

ومما لاريب فيه أن إيران يستحيل أن تتخلى عن برنامجها النووي إلا إذا خضعت إلى ضغوط قاهرة أو تعرضت لنكسة عسكرية.‏

وقد أكدت إيران مراراً وتكراراً على لسان زعمائها وفي مناسبات عديدة عدم مضيها في تصنيع القنبلة النووية وإنما ترغب في الاكتفاء باليورانيوم المخصب بأقل من درجة تخصيبه اللازم لصنع القنبلة، فضلاً على ذلك تعتبر إيران من الدول الموقعة على اتفاقية عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل وتربطها علاقات جيدة مع الوكالة الدولية للطاقة ، حيث يزور مفتشوها بانتظام المنشآت النووية الايرانية وقد أعلنت الوكالة أنها لاتمتلك أي دليل يؤكد أن إيران تواصل العمل في برنامج عسكري.‏

ومع ذلك تبقى الشكوك قائمة واتفق المراقبون على أمر واقع وهو أن ايران تبحث فعلاً في امتلاك القدرات التقنية لصنع القنبلة ولكنها لم تتخذ قرارها في مباشرة اجراءات صنعها أي بمعنى آخر إن إيران ليس في واردها مخالفة بنود وقواعد معاهدة عدم انتشار سلاح التدمير الشامل وبعث المخاوف لدى جيرانها العرب ولاسيما دول الخليج مع حرصها على الاحتفاظ بقدرات ردعية كافية ضمن مقاييس صدها لأي عدوان محتمل ضدها، بحيث يمكن لإيران وعلى جناح السرعة امتلاك السلاح النووي اللازم وهي تحتاج إلى قدرات ردعية لأنها وعلى مر ثلاثين عاماً والولايات المتحدة تهددها بتغيير نظامها وحينما شنت العراق حربها عليها في عام 1980 وقفت الولايات المتحدة وأوروبا وكل الدول العربية -باستثناء سورية- ضدها وصمدت ايران بمشقة بحرب الثماني سنوات وكان مصيرها حينها على كف عفريت وخلال تلك الحرب استخدم العراق السلاح الكيميائي ويعتبر الزعماء الإيرانيون أن هذه الحرب بمثابة تجربة خلاقة وقد خلفت جراحاً عميقة.‏

والآن وقد غدت العراق دولة لاتشكل تهديداً على أحد بينما تخلى الرئيس الاميركي باراك أوباما عن وضعية المحارب صار التهديد المباشر مصدره الآن اسرائيل التي تسعى إلى حشد العالم أجمع ضد الجمهورية الاسلامية وتجاهر بأنها على استعداد لضربها عسكرياً وخلال انعقاد اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة وبينما كان رئيس الحكومة الاسرائيلية ينحي باللائمة والمسؤولية على من دعاهم (طغاة طهران) كان وزير خارجيته افيغيدور ليبرمان يعلن ضرورة العمل دون إبطاء لقلب نظام الحكم (غير المقبول) في طهران.‏

وأعطى إعلان طهران عن بناء مفاعل جديد قرب مدينة قم المقدسة لتخصيب اليورانيوم (رغم عدم وجود اليورانيوم فيه)، بالإضافة إلى تجربتها الصاروخية السابقة اعطى فرصة مؤاتية للأطراف المعادية لتصعيد وتيرة هستيريتها رغم أنهما لايتعارضان مع الالتزامات التي قطعتها إيران.‏

وقد أبدت طهران استعدادها للسماح لمفتشي الوكالة الدولية بتفتيش الموقع الجديد ولكن هذا لم يمنع بول وولفوفيتز المهندس الخفي للحرب الاميركية الفاشلة على العراق من اطلاق تحذير عبر صفحات الفاينينشال تايمز في عددها تاريخ 28 أيلول في دعوته إلى (فرض عقوبات تكون الأقسى ضد إيران وخلال زمن قصير) ويضيف إن هذا الإجراء يمكن ألا يكون كافياً لإقناع اسرائيل بعدم العمل بمفردها ويتابع القول : إن إيران لاتشكل تهديداً فقط على أمن اسرائيل وإنما على أمن الدول العربية المجاورة لإيران والخوف من أن تمتلك إيران القنبلة من أجل تعزيز دعمها للإرهاب يبعث على القلق الشديد، أو من أجل شنها عدواناً عسكرياً وامتلاك ايران للقنبلة يمكن أن يحثها على إيواء عناصر القاعدة- والكلام مازال له- أو إرهابيين آخرين أو الأخطر والكارثي أكثر تقديمها لهم السلاح النووي.‏

بينما وفي مقابلة اجرتها معه صحيفة يديعوت أحرونوت صرح وزير الحرب الاسرائيلي ايهود باراك أن إيران لاتشكل أي تهديد وجودي على إسرائيل لأنها لاتملك بعد القنبلة وعندما تمتلكها فإن لدى إسرائيل الوسائل للدفاع عن نفسها، وإنما معارضة تل أبيب للبرنامج النووي الايراني مصدرها هو أن امتلاك ايران للقنبلة النووية سيقلص حجم الهيمنة العسكرية الاسرائيلية في المنطقة وبالتالي تقليص امكانية شن اسرائيل ضربة إلى دول الجوار حسب راحتها وهي التي تمتلك السلاح النووي مند عام 1960.‏

وقد ساعدتها في بناء مفاعلها الحكومة الفرنسية آنذاك وها هو وولفوفيتز الذي ضلل الادارة الاميركية بمعلومات ملفقة عن العراق لدفعها لشن حربها عليها يؤدي الدور نفسه الآن في القضية الإيرانية.‏

ولكن جميع هذه التهديدات لن تقود الى إذعان إيران لإملاءات الغرب.‏

 بقلم: باتريك سيل‏

========================

هل يصبح بلير رئيساً للاتحاد الأوروبي؟

الاندبندنت

الثورة - الأثنين 26-10-2009م

ترجمة: خديجة القصاب

تحمّله شريحة واسعة من الشعب البريطاني مسؤولية جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات التحالف في العراق، كذلك الأمر بالنسبة لأطراف أخرى تتهمه بالاهتمام فقط بتدعيم ثروته الشخصية مخالفاً بذلك تصريحاته ووعوده الملتزمة كما يدعي بتشييد بنيان المملكة المتحدة.

هذا ويرى فريق ثالث أوروبي الانتماء في «طوني بلير» الرئيس المرتقب للاتحاد الأوروبي وقد يتم تعيينه أواخر الشهر الجاري.‏

وكان «بلير» قد زار مؤخراً كندا لتعزيز ترشيحه لهذا المنصب ليشارك من ثم في تأبين جثامين الجنود البريطانيين الذين سقطوا خلال حرب العراق، بينما تشتد الحملة لأسر هؤلاء الجنود المناهضة لرئيس حكومة لندن السابقة والتي تنظمها تلك العائلات احتجاجاً على سياساته خلال توليه المنصب المذكور وتضامناً مع اطلاق لندن اليوم أول التحقيقات القضائية المستقلة والمفتوحة أمام الرأي العام البريطاني وتتناول الأركان المظلمة من حرب العراق، هذا وأصبح بلير في مرمى حملة التفتيش والمساءلة التي يرأسها المحقق «تشيلكوت» الذي يتولى التحقيق في الحملة الإعلامية التي قادها وأشرف عليها «بلير» يوم كان في الحكم واستمرت ست سنوات وهدفها حشد الدعم السياسي لمواقفه في العراق من خلال كسب تأييد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي له كي يغدو أول رئيس للمفوضية الأوروبية.‏

وتأتي تصريحات زوجته «شيري» لتزيد في تعقيدات أوضاع «بلير» الآن حين أعلنت أن قرار إعلان الحرب على العراق رقمه 49 من أصل /51/ قراراً اتخذه طوني بلير تمهيداً لتلك الحرب، فرغم وجود شريحة في بريطانيا تؤيد تولي «بلير» رئاسة الاتحاد الأوروبي إلا أن الشكوك تخيم حالياً على مواقف حكومات الدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد حول تأييدها لتسلمه هذا المنصب مقابل راتب وقدره 247 ألف جنيه استرليني.‏

وكان جون «تشيلكوت» قد ترأس أول جلسة استماع غير رسمية تعقدها اللجنة المكلفة بالتحقيق في ملابسات حرب العراق مستنداً على شهود وحيثيات قدمتها عائلات الجنود البريطانيين ال 179 الذين قتلوا في العراق وعمل المحقق على استبيان آرائهم لمعرفة أي نقاط يرغبون في التوقف عندها لتستكملها التحقيقات قبل بدء جلسات الاستماع الرسمية الشهر القادم.‏

ومن المتوقع أن يعمد «بلير» إلى تقديم دليل يكشف الأسباب الكامنة وراء اتخاذه للقرار المثير للجدل بالنسبة لشن الحرب على العراق مع تنامي المعارضة العلنية في الأوساط الشعبية البريطانية المنددة بموقفه هذا، وخلال ذهابه لإحياء ذكرى مقتل الجنود البريطانيين في العراق فوجئ بلير برفض بيتر بريلي وهو والد أحد الجنود الذين قتلوا في العراق مصافحته لأن أيدي رئيس حكومة لندن الأسبق ملطخة بدماء نجله.‏

وقد سلطت تلك الانتقادات التي وجهها بيتر بريلي ل «بلير» الأضواء على استحالة اغفال الدور الذي لعبه «بلير» خلال غزو العراق رغم مرور سبع سنوات على حرب حصدت أرواح عشرات الآلاف من المدنيين العراقيين حتى الآن.‏

كذلك هاجم رئيس أساقفة كانتربوري طوني بلير لفشله في الأخذ بعين الاعتبار الثمن الباهظ الذي دفعه المدنيون العراقيون من أرواحهم.‏

ونظراً لإدراك بلير أنه شخصية مثيرة للجدل في الشارع الأوروبي وغير مرغوب بها في أوساط الرأي العام العالمي لما خلفته من مآس في حرب العراق لجأ إلى تكتيك خفض سقف توقعات ترشيحه للمنصب الجديد من خلال تراجع المسؤولين الإعلاميين في مكتبه عن التأكيد على خوضه سباق رئاسة المفوضية الأوروبية.‏

ففي نهاية الشهر الحالي سينظم مؤتمر قمة أوروبية للتصويت على تولي بلير للمنصب المذكور يتزامن مع قيام جون تشيلكوت بعقد جلسات استماع التحقيقات في حرب العراق، فإذا لم تتم الموافقة على تعيين بلير ستكون هناك فرصة أخرى لانتخاب رئيس آخر للاعتماد، خلال كانون الأول المقبل وكشفت مصادر مطلعة أنه رغم موافقة الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي على فكرة تسلم رئيس وزراء بريطانيا السابق رئاسة الاتحاد إلا أن انجيلا ميركل مستشارة ألمانيا تفضل ترشيح رئيس وزراء هولندا جان بيتر بالكنيدي لتسلم هذا المنصب.‏

وتفيد مصادر دبلوماسية أن انجيلا ميركل لن تمانع وصول بلير إلى رئاسة الاتحاد في حال حصل اجماع في الرأي على ترشيحه رغم اعتقادها أن جان بيتر مرشح جيد يصلح لهذا المنصب.‏

كذلك أعربت كل من حكومتي بولندا وإسبانيا عن حذرها من تسلم بلير لهذا المنصب ويأتي كل من رئيس وزراء إسبانيا الأسبق فيليب غونزالز ورئيس وزراء فنلندا السابق بافو لبونن على رأس قائمة المرشحين الأوفر حظاً لهذا المنصب، وتصل الرواتب الإجمالية للرئيس الذي سيشغل هذا المنصب إلى 3،5 ملايين جنيه استرليني تمنح خلال فصلين متعاقبين تشمل عامين ونصف ويتضمن هذا المبلغ الراتب الذي سيتقاضاه رئيس الاتحاد الأوروبي مع تكاليف إقامته ونفقاته العامة.‏

هذا ويدفع دافعو الضرائب البريطانيون مبلغاً قدره /2/ مليون جنيه استرليني كنفقات لتأمين حماية طوني بلير حالياً.‏

وتظهر استطلاعات الرأي التي أجرتها صحيفة ال «ديلي ميل» أن نسبة 47٪ من البريطانين تعارض تولي بلير رئاسة الاتحاد بينما تؤيده 35٪ من المستفتين

========================

العولمة أعلى مراحل الامبريالية

عبد الاله بلقزيز

الخليج - الاثنين ,26/10/2009

العولمة، في المقام الأول، ظاهرة اقتصادية قبل أن تكون سياسية وثقافية وعلمية وتقانية وقيمية. هذه، قطعاً، وجوه للعولمة وكيفيات مختلفة لتجلّيها. لكنها في حساب التكوين والتطور من الآثار المترتبة عليها، الناشئة في امتداد نتائجها: على نحو ما كانت ظواهر المجتمع عبر التاريخ والتاريخ الحديث على وجه خاص تبعاً لظواهر الاقتصاد. والعولمة بما هي كذلك أي بما هي ظاهرة اقتصادية في المنشأ والديناميات تنتمي إلى نظام الإنتاج الرأسمالي وتؤذن معطياتها ببلوغه مرحلة من مراحل الانعطاف في تطوره تفرض النظر إليه بأدوات تحليل ومنظومة مفاهيم مختلفة عما كان مألوفاً العمل به في الماضي، أعني قبل ربع قرن من اليوم.

كنا قد وصفنا العولمة قبل عشر سنوات، أو يزيد، بأنها أعلى مراحل الامبريالية مستعيرين وصف لينين للإمبريالية بأنها أعلى مراحل الرأسمالية، فأدخلناها بمقتضى ذلك التعيين في جملة لحظات تطور النظام الرأسمالي الذي أسهبت كتابات الماركسيين في تحقيقه طيلة القرن العشرين منذ لينين حتى سمير أمين. لا يوجد أمامنا اليوم، بعد هذه السنوات، ما يدفعنا إلى إعادة النظر في ذلك التعيين. كل شيء في العولمة يقيم الحجّة على أنها، فعلاً، لحظة أعلى في النظام الرأسمالي وفي الطور الامبريالي الاحتكاري منه كما حدد لينين ملامحه، وأسهب في تحليله وتحقيبه مفكرون اقتصاديون كثر مثل شارل بيتلهايم، وسويزي، وسمير أمين، فكما أعلنت الامبريالية انتقالاً نوعياً حاسماً في النظام الرأسمالي من نظام رأسمالي قومي إلى نظام رأسمالي عالمي، ومن نظام الرأسمالية الصناعية إلى نظام الرأسمال المالي، ومن نظام المنافسة الحرة إلى نظام الرأسمالية الاحتكارية، كذلك تعلن (العولمة) انتقالاً حاسماً نحو رأسمالية كونية تصل بالاحتكار إلى حدود سيطرة بضع شركات ومؤسسات على مصائر الاقتصاد والإنتاج والبشر كافة.

قبل مائة عام، شهد النظام الرأسمالي العالمي انعطافه المثير نحو الحقبة الإمبريالية. ليست الأخيرة ظاهرة سياسية على نحو ما درج الحديث عنها واعتيد على وصفها في أدبيات غير نظرية، هي ظاهرة اقتصادية في المقام الأول. وهي، في هذا، تشبه حفيدتها العولمة، وإن كان لها أثر عظيم في مجال السياسة يشبه ما بات للعولمة من آثار سياسية في الخمس الأخير من القرن العشرين وما تلاه. إن استعدنا بعض معطيات تعيين هذه الظاهرة (الامبريالية) غِبَّ نشوئها في نهايات القرن التاسع عشر وأوائل العشرين، لوجدنا أن أظهر ما يميزها عن الرأسمالية الصناعية التي حللها ماركس في كتابه الرأسمال (أي رأسمالية المنافسة الحرّة) ملامح ثلاثة: أولها تمركز الإنتاج في وحدات صناعية وإنتاجية ضخمة واحتكارية هي الكارتيلات أو التروستات، وثانيها التوحد الذي حصل بين الرأسمال الصناعي والرأسمال البنكي فقاد إلى ميلاد الرأسمال المالي، وثالثها تخطي الرأسمالية لحدودها القومية.

هذه أهم معطيات التحليل اللينيني لذلك التحول المثير الذي طرأ على الرأسمالية في حقبتها الامبريالية الجديدة (آنئذ) من المسلَّم به أن لينين لم يكن في هذا التعيين صاحب سبق، لأن غيره قال بذلك التحول وحدد ملامحه على نحو يقارب ما ذهب إليه الأول. ومن المسلَّم به أن كثيراً من ذلك التعيين اللينيني لملامح التحول الجديد ذاك ما كان تحليلاً بمقدار ما كان وصفاً. غير أنه بعيداً عن الجدل في نسبة التحليل إلى لينين أو إلى من سبقه إليه، وبمعزل عما إذا كان تشخيصاً أو وصفاً، فإن الذي تقرر عند الناس مشايعين لزعيم الثورة البلشفية أو مناوئين أن القول في الموضوع ارتبط به أكثر من غيره وربما من دون سواه. وليس يهمنا في الموضوع أن نتبين الصحيح من الزائف، وإنما أن ننطلق من معطى تحليلي دارج لنقرأ فيه ما نخاله الخليق بالبيان في المعرض الذي نحن فيه.

يُطلِعُنا الملمح الأول للامبريالية على المكانة الرئيسية التي عادت إلى الاحتكار كعلاقة جديدة حاكمة للرأسمالية وموجِّهة لها وقائمة على أنقاض العلاقة الأصل التأسيسية: المنافسة. كانت الرأسمالية في طورها الصناعي أكثر “عدلاً” لأنها وفرت فرصاً لمالكي الرأسمال ووسائل الإنتاج كي يتنافسوا على فرص تعظيم الثروة. أما في طورها الامبريالي، فباتت أكثر اجحافاً ودارونية: البقاء للأصلح. فعلت ذلك بصغار المالكين للرأسمال ووسائل الإنتاج.

هل تغير الأمر مع العولمة، هذه اللحظة الجديدة الأعلى في النظام الرأسمالي؟

لم يتغير كثيراً حتى لا نقول إن أمر تلك الملامح استفحل أكثر. زادت ظواهر ومعدلات الاحتكار على نحو غير مسبوق وكادت مجمعات صناعية محدودة وشركات عملاقة محدودة وبنوك كبرى محدودة تحتكر كل شيء في الصناعة والمال والأعمال في العالم. وتعاظم الانفصال بين الإنتاج والقيم المالية فما عاد الأول مرجعاً يحدد الثاني (كما لم يعد الذهب في ما مضى يحدد القيمة النقدية): انتقلت الرأسمالية العولمية من القيم الاقتصادية المادية إلى القيم الاقتصادية الافتراضية التي لا يعرف أحد عمّ تعبّر. أما العولمة، فتعسكرت أكثر وباتت طريقها إلى الهيمنة تمر حكماً بالحروب.

========================

أيها اللبنانيون ... خذوا حكوماتنا العربية كلها واستريحوا

زين الشامي*

الرأي العام

أشعر بأسف شديد على أشقائي اللبنانيين الذين يصحون وينامون على أخبار الحكومة المتعثرة منذ أشهر دون أن تبصر النور، فيما نحن في كل الدول العربية لدينا حكوماتنا، ان شعوري يشبه تماماً شعور طفل يمتلك هدية أو لعبة أو «ساندويش» فلافل فيما شقيقه أو صديقه يقف بجانبه خالي اليدين من دون أي لعبة أو طعام. لكن حين أمعنت التفكير، قلت وما الفارق بيني وبين شقيقي اللبناني، هو ينام آخر الليل مقهوراً متشائماً من أخبار الحكومة وأنا مثله تماماً أنام مقهوراً متشائماً من عجز الحكومة عن حل أي مشكلة، عنده بطالة، وعندنا بطالة، عنده فساد وعندنا فساد، معدلات الفقراء في ازدياد في لبنان، ونحن مثله رغم وجود الحكومة.

أيضاً، هو من دون حكومة لم يتلق بعد جرعة من لقاح انفلونزا الخنازير ونحن كذلك حيث حكومتنا أوصت شركات دواء عالمية على كميات من اللقاحات وهي ما زالت في الطريق إلينا، هو يقف على أبواب السفارات بانتظار الفيزا، ونحن أيضاً ورغم وجود حكومة، ما زلنا ننتظر على أبواب السفارات بانتظار الفرج القريب.

أمعنت التفكير أكثر لدرجة أني اكتشفت أن وضعه من دون حكومة أفضل بكثير من وضعي مع وجود الحكومة، فهو يستطيع أن يصرخ ويشتم وينتقد وينفّس عما في نفسه من قهر، فيما أنا لا أستطيع مع وجود الحكومة أن آتي ببنت شفة كما يقولون، هو يستطيع أن يمارس حقه في السهر حتى الصباح والتجمع في الشوارع والتحدث بالسياسة فيما أنا لا أستطيع أن أسهر إلى ما بعد العاشرة ليلاً بسبب قانون الطوارئ. أيضاً هو يستطيع من دون حكومة أن يتدبر أمره ويجد ملهى ليلياً ليسهر فيه فيما أنا مع راتبي القليل جداً الذي تعطيني إياه الحكومة، لا أستطيع حتى أن آخذ زوجتي وأولادي إلى مطعم عادي ولو مرة في الشهر.

أيضاً هو يستطيع أن «يقاوم» إسرائيل متى أراد ولا يحتاج إلى قرار من الحكومة، فيما أنا لا أستطيع لأن كل شيء يحتاج إلى موافقة أمنية. هو يستطيع أن يقيم عرساً ويطلق الرصاص في الهواء حتى الصباح فيما أنا احتاج إلى تلك الموافقة. هو ومن دون حكومة يستطيع أن يبني و ينشئ فرناً للمناقيش، أما أنا فلا أستطيع لأني أحتاج إلى موافقات كل الوزارات والمؤسسات الأمنية، هو يستطيع أن يسافر متى أراد إلى أي دولة في العالم، أما أنا فأحتاج إلى موافقات عدة وأخضع إلى الكثير من الأسئلة والأجوبة قبل أن أحصل عليها، هذا إذا لم أكن ممنوعاً من السفر أصلاً.

مع وجودي في دولة فيها حكومة مؤلفة من ثلاثين وزارة، لك يا شقيقي اللبناني أن تتخيل كم هو حجم الهدر اليومي في وزاراتنا وفي قطاع السيارات تحديداً حيث تُستخدم تلك السيارات وسائقوها لكل شيء ما عدا خدمة المواطن، ولك أن تتخيل حجم استهلاك المحروقات، والبنزين، والماء، والتكييف، والشاي والقهوة والعصير كل يوم في تلك الوزارات. أما أنتم من دون حكومة فلا تضطرون إلى تفليس الخزينة جراء هذه المصاريف اليومية.

صدقني أنه ورغم وجود الحكومة، فما زالت الكثير من نوافذ مدارسنا محطمة وتنتظر ميزانية من وزارة التربية حتى يتم إصلاحها، ومع الحكومة ما زال أطفالنا يتعرضون للبرد لأن المدافئ في صفوفهم بلا مازوت.

صدقني أنه ورغم وجود الحكومة، فما زلنا، نمارس الفساد والرشوة وبمعدلات أكبر، فشرطي المرور التابع لوزارة الداخلية ما زال مستمرا في تلقي الرشوة، وذلك الموظف في القصر العدلي التابع لوزارة العدل، لن يوقع أوراقك أو يختمها دون أن تدفع له وترشيه، كما أننا ورغم وجود الحكومة، مازلنا نقف في طوابير أمام محطات المحروقات لنأخذ حصتنا القليلة من المازوت لنتمكن من التدفئة في فصل الشتاء.

ماذا أحدثك وماذا أخبرك عن الحكومة، صدقني أيها الشقيق، ورغم أن حكومتنا مستقرة وثابتة مثل الأهرامات وتمثال أبو الهول في مصر، فإنني لا أميز وزير الأوقاف عن وزير الثقافة، ولا أعرف ما الفرق بين وزيرة الشؤون الاجتماعية ووزير الدفاع، كما أني أنسى بين الحين والآخر اسم رئيس الوزارء نفسه رغم أني أعرف أنه سمين مع كرش وجاهة يسبقه أينما حلّ وجال.

أيها اللبناني الشقيق والعزيز، إذا كنت تريد حكومة أو تحلم بحكومة، فخذ حكوماتنا العربية كلها ببلاش وصدقني أن لا شيء سيتغير لا عندنا ولا عندكم، أما سمعت بالمثل القائل: «قالوا ان سمعان أشهر إسلامه، قلنا، لم ينقص المسيحيون ولم يزدد عدد المسلمين».

*كاتب سوري

========================

تحولات الحداثة ورسوخ العصور الحديثة

محمد الحدّاد

الحياة - الأحد, 25 أكتوبر 2009

أعلن عن أزمة الحداثة منذ فترة ما بين الحربين العالميتين، أي منذ ما يقارب القرن، لكن التنبؤات بانهيار العصور الحديثة خابت جميعاً، على رغم تواترها شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً. وقد تطوّر خطاب الحداثة في ثلاث مراحل: مرحلة وثوقية امتدت أساساً طيلة القرن التاسع عشر، ومرحلة تردد وتشكك هي الموسومة بما بعد الحداثة، والمرحلة الراهنة التي نعتبرها مرحلة مختلفة نوعياً عن سابقتيها.

وإذا كانت التنبؤات الكثيرة بالانهيار قد خابت، فذلك ليس بسبب غياب واقع الأزمة ذاته، ولكن بسبب أن البدائل المطروحة كانت مأزومة أكثر ولم تكن واقعية ومتكاملة. ويمكن تقسيم هذه البدائل المطروحة إلى مجموعتين كبيرتين. تضم المجموعة الأولى بدائل ثقافية تتمثل في معارضة حضارة العصر الحديث بحضارات سابقة، ويرتطم هذا النوع من البدائل بعائقين أساسيين، أولهما أن كل ثقافة تنشأ في محيط «حضاري» معين لكن القليل منها يصبح معولماً، ثانياً أن ما كان منها قابلاً للعولمة في مرحلة تاريخية معينة لا يعني أنه يظل نموذجاً معولماً في كل المراحل التاريخية.

هناك فارق بين القول بتعددية المسالك الثقافية للحضارة الكونية، وهذا ما أدافع عنه، وبين نفي الحضارة الحديثة باسم التنوع الثقافي. فلم تنجح أية ثقافة في العصر الحديث في أن تنافس عولمة الحضارة الحديثة وإن نجح الكثير منها في أن يمثل عامل إعاقة جزئية أمامها. ولا يتوافر واقعياً غير احتمالين: إما أن تمثل ثقافة معينة عامل إعاقة من دون أن تمثل البديل، أو أن تقوم بوظيفة تعديلية مع الانخراط بطريقة أو أخرى في قوالب الحضارة الحديثة. ويمكن أن نمثل للنموذج الأول بجمهورية إيران الإسلامية ونمثل للنموذج الثاني بجمهورية الصين الشعبية.

أما المجموعة الثانية فتضم البدائل المنبثقة من فلسفة الحضارة الحديثة نفسها، وينبغي أن نتذكر دوماً أن زعزعة الوثوقية الحداثية لم تأت، في الجانب الفكري، إلا من مفكرين حداثيين. وعليه، فقد كان أمام الإنسان الحديث خياران ارتبطا بشخصيتين سيطرتا على فلسفة القرن العشرين وهما ماركس ونيتشه: الخيار الأول هو خيار الإنسان الثوري (révolutionnaire) والخيار الثاني هو خيار الإنسان الثائر (révolté).

نشأ الخيار الأول في ظل الأوهام الكبيرة التي كانت معلقة على تطور العلوم، إذ بدا ممكنا تأسيس علم لتفسير التطور الاجتماعي للإنسان كما نشأ علم لتفسير تطوره البيولوجي.

ولما كانت خاصة العلم الحديث القدرة على التنبؤ، فقد أطلق أصحاب العلم الاجتماعي تنبؤات كثيرة أشهرها تبشير كارل ماركس بالبروليتاريا والاشتراكية وتأسيسه لعلم الاقتصاد السياسي وتمييزه بين اشتراكية علمية واشتراكية طوباوية ودعوته إلى تجاوز تأويل العالم إلى تفسيره.

ولقد بدت فكرة الإنسان الثوري بديلاً أمام أزمة الحداثة باعتبارها مواصلة للحداثة بتجاوز أحد أطورها إلى طور آخر. وقامت للاشتراكية نسختان شديدتا التباين. النسخة الأولى هي التي انتشرت في العوالم غير المصنعة ابتداء من الثورة الروسية سنة 1917.

وقد مثلت هذه الاشتراكية سبيل الكثير من الشعوب للدخول إلى العصور الحديثة دون الخضوع إلى الهيمنة الغربية، والتمييز بين الحداثة (modernité) والتغريب (occidentalisation). إلا أن حداثية هذه التجارب كانت بعيدة جداً من النسخة الأصلية، فالفكر يظل دائماً مرتبطاً بسياقه الذي لا يمكن اقتباسه بنفس السهولة. والنسخة الثانية هي اشتراكية ما بعد العصر الوثوقي، وهي التي انتشرت في البلدان الغربية، وأصبحت معارضة للحداثة من داخل الحداثة، وساهمت في امتصاص أزمات العصور الحديثة وانتزعت الثورية من ممارسات العنف الثوري.

وبذلك نشأت المعارضات السياسية التي تعمل من داخل المنظومة لا خارجها، ثم نشأت خاصة التيارات الفكرية النقدية التي وضعت الحداثة على محك السؤال والمراجعة لكنها لم تخرج ببديل عنها. وقد قبلت هذه النسخة أن تكون «تحريفية» كي لا تكون كليانية.

ونشأ الخيار الثاني، خيار الإنسان الثائر، حسب عبارة جعلها ألبير كامو عنواناً لأحد كتبه، عندما تحولت الاشتراكية أحياناً إلى أيديولوجيا مخيفة ودول كليانية. وهو خيار يواصل روح النقد ويعمقه بقدر ابتعاده عن «البراكسيس» وسؤال «ما العمل» ونظريات الأحزاب الطليعية، فهو لا يبشر بزمن جديد وعهد قطيعة. وقد تحول من الحلم بالمستقبل إلى مشاكسة حاضر لا مخرج عنه. فلئن كان شعار الإنسان الثوري تغيير العالم فإن شعار الإنسان الثائر إدانته إدانة جذرية والاكتفاء بذلك. وقد نشأ مع هذا الخيار المثقف النقدي البديل عن المثقف العضوي، وظل يلاقي الترحيب لهذا السبب بالذات، باعتباره بارعاً في النقد عاجزاً عن الفعل.

وقد أنتج هذا المثقف الخطابات الموسومة بما بعد الحداثة، وهي نقد جذري للحداثة دون قدرة على الخروج عليها أو تقديم البديل لها، سوى الأحلام الهائمة (لنتذكر ميشيل فوكو منتصراً للخميني!).

وكل خطابات ما بعد الحداثة تشترك في النقدية العدمية ذات النفس النيتشوي. وتشترك في الرغبة في «إعادة الغرب إلى حجمه التاريخي»، كما يقول فاتيمو، أي اعتباره خصوصية لا كونية، وهذا ما يجعلها تضعف أمام واقع العولمة حالياً، لأن خصوصية الغرب تهمّ الغرب وحده، لكن ما يهمّ الإنسانية جمعاء هو الأبعاد التي أصبحت كونية من التجربة الغربية، مثل التكنولوجيا وآثارها الاجتماعية وثورة الاتصالات وحقوق الإنسان والديموقراطية ومبدأ المواطنة، وهذه هي المواضيع التي تفادى غالباً مفكرو ما بعد الحداثة الخوض فيها.

تتجه المرحلة الحالية في العصور الحديثة إلى تجاوز الخطابات الثلاثة السابقة: الوثوقية والنقدية الثورية والنقدية الثائرة. ماركس قتل هيغل، ونيتشه قتل ماركس، واليوم يموت نيتشه ويترك الفلسفة حائرة. هل هي النهاية أم هي بداية جديدة؟

========================

أكراد تركيا... إلى متى خداع النفس؟

هوشنك أوسي

الحياة - الأحد, 25 أكتوبر 2009

ثمة تجارة رائجة هذه الأيّام في تركيا، هي التعامل والتداول بالكلام الفارغ. والذي يثير العجب والغرابة، أن هذا النوع من الكلام، يلقى صدى ومشترين كُثراً! يتحدثون عن حقائق تاريخيَّة عن الأكراد، وكأنها منَّة وهبة يمنحونها لهم. في حين يبدو للناظر إلى تركيا من الخارج، أن ساستها ومثقفيها وإعلامييها، قد صاروا حملة كلام، من العيار الثقيل. بدليل، أنهم يتحدثون جهاراً ونهاراً، قياماً وقعوداً عن «الانفتاح» على الأكراد، من دون أن تجد جثثهم ملقاة على قارعة الطريق، أو في قيعان الآبار، أو تحت الجسور، أو في مقابر جماعية...، وتقيّد القضيَّة ضدّ «فاعل مجهول»، بات معلوماً من هو، وكيف كان يحظى القاتل بحماية الدولة.

بعض المثقفين الأتراك، تارةً يتهمون أوجلان بالعرقلة، وتارة يتهمون حزب المجتمع الديموقراطي. أمّا فريق أردوغان الإعلامي، فيحترف إثارة الغبار، واتهام كل من ينتقد «انفتاح» أردوغان على الأكراد، ويشير إلى منسوب النفاق في هذا «الانفتاح»، بأنه ضدّ المرحلة، وضدّ الحلّ، ويتخندق مع القومجيين الأتراك، من طينة باختشلي (زعيم حزب الحركة القوميّة المتطرّف) وبايكال (زعيم حزب الشعب الجمهوري، الأتاتوركي). وأيّ انتقاد لأردوغان في هذه الأيّام، يصبّ في طاحونة باختشلي - بايكال.

ولا يجد فريق أردوغان الإعلامي حرجاً او حياءً، أن يشتطّ به خياله السياسي الخصب، ليجمع بين اوجلان وباختشلي وبايكال في سلة واحدة، من دون أن يشيروا الى أن أوجلان ينتقد «الانفتاح» ويطالب بالجرأة والجسارة، والتغيير الجذري، والسير بتركيا نحو ديمقراطية حقيقية تليق بها، بينما باختشلي وبايكال يرفضان أي انفتاح على الاكراد نهائيّاً. نعم، انه الخيال الخصب، لأردوغان وفريقه الإعلامي، الذي يجمع بين الضحية والجاني، في صورة فوتوغرافية واحدة.

عندما كانت منظمة التحرير الفلسطينية تفاوض إسرائيل سرَّاً، لم تكن المنظَّمة، قد غيّرت ميثاقها المناهض لوجود دولة إسرائيل، وكانت لا تزال تمارس الكفاح المسلح، وترفض إلقاء السلاح. كانت إسرائيل تتفاوض مع ياسر عرفات، ولا تزال إصبع الأخير على زناد مسدسه. لماذا فعلت إسرائيل ذلك؟ لأنها كانت تنظر الى مستقبلها البعيد، ويهمّها صناعة الغد أكثر من اجترار اليوم والأمس.

أمَّا في تركيا، فلا يعتبرون حزب العمال طرفاً في الصراع، بالتالي، ليس مخاطباً، وأن الدولة لن تتفاوض مع «الإرهابيين». ثم يطالبون «الإرهابيين» بإلقاء السلاح والاستسلام. لماذا تفعل تركيا هكذا؟ لأنه يهمّها الماضي وليس المستقبل.

حزب العمال الكردستاني وزعيمه ليسا طرفاً للحلّ، وليسا مخاطبين، ثم يتهمونهما بالعرقلة! انظروا إلى هذه الخرافة التي يتداولها ساسة تركيا وعسكرها ومثقفوها، قبل شربهم فنجان القهوة الصباحي! ومن يشذّ عن هذه الخرافة - النكتة، فهو خائن، ومثواه جهنّم! ساسة تركيا ومثقفوها، يتبادلون الأوهام في هذا الصدد، كتبادلهم رسائل ال «أس أم أس»! يتبادلون الخرافات، كتبادلهم القُبَلَ! أدمنوا هذه الأوهام، ولا يريدون الاستيقاظ منها! أدمنوا رؤية نعوش أولادهم آتية من الجبال! أدمنوا النوم في غرب تركيا، بينما طائراتها ومدافعها تدكّ شرقها!

لا يعتبرون أوجلان مخاطباً، ثم يقولون: إنه «يعرقل الحل». هذه العبارة لا تُقال، إلاّ حين تكون هناك مفاوضات بين طرفين، ويتهم كلّ طرف الطرف الآخر بالعناد والتزمت والعرقلة. وعلى ضوء ذلك، يعلم ساسة تركيا وعسكرها ومثقفوها، أن أوجلان هو المخاطب الحقيقي، شاؤوا أم أبوا، فلماذا يهدرون كل هذا الوقت؟

لقد جرّبت تركيا التعاطي مع أكرادها بمنطق وذهنية التصفية ل86 سنة. هل نجحت في مسعاها؟ هل صار الأكراد أتراكاً؟ وجرّبت تصفية حزب العمال الكردستاني، بكل الوسائل ل25 سنة، وكانت تقول إنها منظمة مدعومة من سورية وإيران، ثم تحالفت هاتان الدولتان مع تركيا ضد الحزب الكردستاني. ثم قالت إن الكردستاني مدعوم من أميركا، وهذه كذبة أخرى، حاول الأتراك تعليق فشلهم عليها. ثم قالوا إن بارزاني وطالباني يدعمان العمال الكردستاني، وأنقرة تعلم علم اليقين، أن الزعيمين الكرديين العراقيين، كثيراً ما تحالفا سياسيّاً وعسكريّاً ولوجستيّاً واستخباراتيّاً مع تركيا ضدّ الكردستاني... وهكذا دواليك. فلماذا لا يقتنع الأتراك بأن منطق التصفية وذهنيتها، يرتدّان عكساً على تركيا! فمن يريد المضي ل25 سنة اخرى من الفشل، فإنه يريد تصفية تركيا.

كما كان متوقعّاً، ردَّت حكومة رجب طيّب أردوغان على الهدنة التي أعلنها حزب العمال الكردستاني، من طرف واحد، بأن صوّت البرلمان على تمديد التفويض للجيش بغية القيام بعمليّات خارج الحدود. ومن أصل 550 برلمانياً، حضر 475 عضواً جلسة التصويت على التمديد. ومن أصل هؤلاء، صوَّت 452 ب «نعم»، و23 ب«لا»، هم نوّاب كتلة حزب المجتمع الديموقراطي الكردي. وعليه، ما زالت السلطة السياسيّة - المدنيّة في تركيا، رهينة المؤسّسة العسكريّة. وهذه الأخيرة، لم تكن تستشير الحكومة ولا البرلمان في اتخاذ قرار الحرب على الأكراد وفصيلهم السياسي والمسلّح، حزب العمال الكردستاني. أمّا الآن، ولذرِّ الرماد في العيون، والإيحاء بأن العسكر هم أداة بيد الدولة، وتحت إمرةِ الحكومة والبرلمان، لا العكس، صار قرار الحرب على الأكراد، يمرر عبر البرلمان! إذاً، والحال هذه، لا انفتاح على الاكراد، ولا هم يحزنون، وتركيا إلى المزيد من الحرب، وإلى المزيد من الالتزام بمزاولة الحلول الفاشلة في معالجة القضيّة الكرديَّة.

========================

لماذا فشلنا؟!

ترجمة: ليندا سكوتي

مركز المعطيات

عملية الرصاص المصهور كانت من أكثر العمليات العسكرية التي جرى التخطيط والإعداد لها في تاريخ الحروب الإسرائيلية. ومع ذلك نقول كان الله في عوننا على مثل تلك الخطة التي اكتنفها التعقيد تقنياً، والتي لم تضع في اعتبارها سوى النظر عبر زاوية واحدة ولمنظور واحد.

إزاء هذا الواقع، لا يمكننا أن نلقي بمسؤولية الفشل كاملة على قوى الدفاع الإسرائيلي التي أعدت الخطط لتلك الحرب، إذ ليس من شأنها، كما لا يتعين عليها القيام بتحقيق الأمور من منظور دبلوماسي، وفقاً لما ذكره لنا المؤرخ الألماني جيرار رايتر بكتابه الصادر تحت عنوان: «السيف والصولجان» الذي أكد به التباين بين التخطيط العسكري مهما كان دقيقاً ورائعاً، والفكر الدبلوماسي.‏

إذا ما عدنا إلى الاسم الحقيقي الآنف الذكر وفق ما ورد باللغة الألمانية نجد الاسم الفعلي هو «Staatskunst und kreigshandwerk” والذي يمكن ترجمته إلى «خدع الحرب وإدارة شؤون البلاد» الذي نخلص بعد دراسته للقول أن قوات الدفاع الإسرائيلية لا تعتبر مسؤولة سوى عن الإعداد للحرب وتنفيذها بالمهارة المرغوبة، لما لهذا الأمر من أهمية كبيرة بالنسبة لمستقبل إسرائيل، وعليه فإن ما هو مطلوب من قواتنا يقتصر على تركيز جل اهتمامها لوضع وإعداد تلك الخطط وتنفيذها وفقاً لما تتلقاه من توجيه، لأن نتائجها ومدى نجاحها أو فشلها يقع في المقام الأول في مسؤولية القائمين على إدارة شؤون الدولة، الأمر الذي يستدعي منهم إجراء دراسة مستفيضة للخطط العسكرية التي تم وضعها وإعطاء التوجيهات والأوامر للقوات العسكرية ومراقبة مدى تنفيذها. ذلك لأن التفكير الدبلوماسي هو الذي ينبغي أن يأخذ باعتباره كافة السلبيات والايجابيات، وبمعنى آخر يتعين أن يأخذ بالحسبان التوازن بين ضرورة توجيه ضربة حاسمة للعدو، وبين ما يمكن أن يحصل من نتائج قد تقود الى إلحاق الضرر بصورة إسرائيل في الخارج الذي قد يفوق ما نجنيه من الفوائد التي يمكن أن نحصل عليها جراء توجيه ضربات موجعة لعدونا. وعليه ووفقاً لتلك الاعتبارات فإن عملية الرصاص المصهور لم تحقق أدنى المستويات المطلوبة منها.‏

ليس خافياً على أحد أن التوصيات الرئيسة الواردة في تقرير لجنة فينوغراد (التي حققت في أسباب فشل الحرب الثانية على لبنان) لم تؤخذ بعين الاعتبار عند الإعداد لعملية الرصاص المصهور، علماً أن التقرير الذي أعدته اللجنة قد أكد على البعد الأمني- الدبلوماسي الذي يلقي على وزير الخارجية بالاشتراك مع وزير الدفاع ان يأخذاه بالحسبان، وبمدلول أخر ضرورة الربط بين القرارات السياسية وبين الحسابات العسكرية.‏

إزاء ما ذكر أعلاه، نتساءل فيما إذا تم الطلب من وزارة الخارجية النظر بخطط عملية الرصاص المصهور من منظور دبلوماسي، ذلك المنظور الذي ينبغي أن يأخذ باعتباره سمعة إسرائيل أمام المجتمع الدولي، وفي حال تم ذلك، هل توقعت وزارة الخارجية أن لجنة مثل لجنة غولدستون سيتم تشكلها لو حدثت إصابات كثيرة بين الفلسطينيين لا تتناسب مع ضآلة الإصابات في الجانب الإسرائيلي؟ أما في الأحوال التي لم يتم بها استشارة وزارة الخارجية بهذا الأمر، فإن المسؤولية تقع على عاتق رئيس مجلس الوزراء. أما إذا كان وزير الخارجية على علم بتلك الأمور، وتمت استشارته بشكل مسبق، ولم يتحسب لها، ولم يخشَ أو يقلق على سمعة إسرائيل التي يمكن أن تتشوه بسبب العدد الكبير من الإصابات بين الفلسطينيين، في هذه الحالة يتعين إلقاء المسؤولية عليه.‏

وعلى مستوى المنظور الدبلوماسي، فإن التفكير بسمعة اسرائيل وبصورتها في الخارج ليس ذي أهمية كبيرة لو تمكنا من الحصول على مزايا نجنيها جراء الضربات الكبرى التي نوجهها بعد استنفاذنا لسائر الأساليب للتوصل الى ما نرغبه. لكن ذلك الأمر لم يحصل في عملية الرصاص المصهور إذ لو أن وزير الدفاع قد عمد الى وقف الهجوم بعد ثلاثة أيام من بدء الحرب لتمكنت اسرائيل من إلزام الطرف الآخر بالتوقف عن إطلاق الصواريخ على الجنوب، ودون أن نتسبب بمصرع هذا العدد الكبير من الفلسطينيين، ولما حصل هذا الدمار المريع والهائل.‏

ثمة أمر آخر كان يمكن القيام به، ألا وهو العودة لاحتلال معظم غزة، الأمر الذي يمكننا من القضاء على القوات التابعة لمنظمة حماس، وتسليم الحكم فيها الى السلطة الوطنية الفلسطينية، وسيعتبر هذا العمل بمثابة إنجاز كبير وباهر يتناسب مع ما لحق بسمعة اسرائيل من أذى، علماً إن الاقدام على هذا التصرف سيرضي السلطة الوطنية الفلسطينية وبعض الدول العربية المعتدلة ما يؤدي الى تخفيف الأذى ما قد يلحق بسمعة اسرائيل وصورتها أمام المجتمع الدولي الذي اعتاد على أن يغفر الذنوب عند تحقيق نصر كبير. لكن الواقع يؤكد لنا أن إسرائيل قد عجزت عن كسر قوة المقاومة، ولم تتمكن من تغيير حكم حماس في غزة.‏

ليس أمامنا من سبيل سوى الإقرار بالنتيجة المخزية والمؤلمة التي تعرضنا لها في عملية الرصاص المصهور، لأننا أعدنا بها ذات الأخطاء التي سبق وأن ارتكبناها في حرب لبنان الثانية، والتي نبهتنا إليها لجنة فينوغراد وحذرت منها. إذ إن إسرائيل لم توقف العملية بعد عدة أيام، أو إنها لجأت للتحرك للمرحلة الثانية التي تقضي باحتلال أجزاء من غزة، ولذلك فقد كان الإنجاز محدوداً لا يتناسب مع ما دفعناه من ثمن باهظ يتمثل بمجموعة الخسائر التي تعرضنا لها.‏

لا أعلم إن كانت الفكرة بتشكيل لجنة للتحقيق بخسائر الحرب في غزة ستكون الخطوة الأفضل لمعالجة الأخطاء، لكنه في مختلف الأحوال فإن الضرورة تستدعي إطلاع القائمين على إدارة شؤون الدولة بخطط المعارك التي تضعها الإدارة العسكرية، وعندها ستطول المسؤولية كلاً من رئيس الحكومة ووزير الدفاع وكبار المسؤولين في مجلس الأمن القومي.

========================

خطر الانسياق

بثينة شعبان

الشرق الاوسط

في الوقت الذي تتنفس فيه معظم دول العالم الصعداء للخطوات الإيجابية التي تحققت حتى اليوم بين إيران والدول الغربية، والتي تعدُ بانفراج هام على المستوى الإقليمي والدولي، تنفرد إسرائيل وحكامها ومحللوها وكتّابها بالتعبير عن الاكتئاب من هذا الاتفاق والقلق من طلب رقابة دولية على المنشآت النووية الإسرائيلية.

ومن المفيد التذكير هنا أن إسرائيل لا تحترم توقيعها على الاتفاقات الدولية كما حدث عند التوقيع على اتفاق أوسلو أو مع أي طرف عربي آخر، ولذلك يتحدث الإسرائيليون اليوم عن أن توقيع اتفاق فيينا مع إيران لا يساوي قيمة الحبر الذي يكتب به، أو قيمة الورقة التي يكتب عليها. وهو موقف عنصري، وتعبير عن الإيمان بتفوق عرقي لأحد الموقعين، وانتقاص من قيمة وكرامة وصدقية الموقعين الآخرين.

كانت إسرائيل المحرّك الأساسي خلال السنوات الأخيرة في بثّ الشكوك حول مشاريع إيران النووية، كما كانت هي وراء دق طبول الحرب على العراق ولبنان وغزة، والترويج للضربة العسكرية على إيران، متّبعة الاستراتيجية ذاتها التي اتبعتها قبل الحرب على العراق، حيث كانت المحرّض الأساسي وراء قرار الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية خوض هذه الحرب التي لم يستطع أحد أن يقتنع بالأسباب الحقيقية لها، ما دام الادعاء بوجود «القاعدة» وأسلحة الدمار الشامل، قد تبين أنه ادعاء كاذب.

النشاط الإعلامي الإسرائيلي الهادف إلى فرض عقوبات شديدة على إيران نسخةٌ عن نشاطهم الإعلامي والسياسي والدبلوماسي والمخابراتي قبل الحرب على العراق، ولذلك أصيبوا اليوم بالاكتئاب، لأن التصرف الإيراني اختلف جذرياً عن التصرف العراقي، كما أن تصرف الرئيس أوباما اختلف جذرياً عن تصرّف الرئيس بوش، إذ إنّ أوباما يفكّر بمصلحة أميركا أولا، وليس بمصلحة إسرائيل أولا كما فعل بوش، الذي ورّط بلده بحروب خاسرة. وها هو المراسل العسكري لجريدة «هاآرتس» الإسرائيلية عاموس هارئيل يعترف بأن الولايات المتحدة تربح إنجازاً من الاتفاق مع إيران، بينما يضع هذا الاتفاق إسرائيل في مشكلة: «هل عليها التصرف كلاعب في الفريق والمشاركة في التفاؤل العام، أم مواصلة بث الريبة والتهديدات. وسيكون من الصعب على تل أبيب أن تبدّد خط التشدد والشك بالأمل الظاهر». إذن بث الريبة والتهديدات وخط التشدد والشك بإيران، هو خط استراتيجي إسرائيلي أولا وقبل كل شيء، وخطورة الاتفاق بالنسبة لإسرائيل هو أنه أوضح، ربما للمرة الأولى، تمايزاً حقيقياً بين الموقف الأميركي والإسرائيلي، مع أن تصريحات وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ما زالت تهدف إلى طمس هذا التمايز وإطلاق تصريحات خارجة عن سياق التفاوض وجو التفاؤل والأمل.

الآلة الإعلامية الإسرائيلية، التي هي أشبه بفرانكشتاين، المخلوق الذي خرج عن السيطرة وأثار الرعب في عالمه، تخلق واقعاً من نسج المخططات العدوانية ضد شعوب المنطقة، بغض النظر عن الجرائم والمآسي التي تسببها للبشرية، منطلقة من نظرة استعمارية استيطانية للمنطقة وعنصرية تجاه شعوبها. ولو خصص الباحثون وقتاً فقط لإدراج التصريحات الإسرائيلية العنصرية ضد العرب، لفوجئوا بحجم وأبعاد ومغازي هذه التصريحات التي تعبّر عن أحقاد دفينة، وآخر هذه التصريحات أتى على لسان دان شفيطان المحاضر في جامعة تل أبيب في دورة خاصة أمام «طلاب» هم عبارة عن كبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية والسياسية، حيث قال: «إن العرب هم الفشل الأكبر في تاريخ الجنس البشري. ولا يوجد شيء مختل أكثر من الفلسطينيين والعالم العربي. الفشل الأعمق ومن لا يقول ذلك يكون قد خضع للياقة السياسية البائسة» (21 / 10 / 2009).

أما عن الحرب العراقية الإيرانية، يقول شفيطان بأنها كانت «سبع سنوات من المتعة»!!

ولكي لا يقال إن ما أوردته عن الدور الإسرائيلي في العراق، هو من باب التحليل أو الاستنتاج الشخصي، أحيل القارئ إلى المحاضرة التي ألقاها آفي ريختر، وزير الأمن الإسرائيلي الأسبق في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في 4 أيلول 2008، حيث قال: «ليس بوسع أحد أن ينكر أننا حققنا الكثير من الأهداف على هذه الساحة (العراق) بل وأكثر مما خططنا له وأعددنا في هذا الخصوص. يجب استحضار ما كنا نريد أن نفعله وننجزه في العراق منذ بداية تدخلنا في الوضع العراقي منذ بداية عقد السبعينات من القرن العشرين... هدفنا الاستراتيجي ما زال عدم السماح لهذا البلد أن يعود إلى ممارسة دور عربي وإقليمي، لأننا أول المتضررين، نعمل على إيجاد ضمانة لبقاء العراق خارج دائرة الدول العربية... نحن نتفاوض مع الأميركان من أجل قطع الطريق أمام عودة العراق ليكون دولة مواجهة مع إسرائيل. الإدارة الأميركية حريصة على ضمان مصالحنا وعلى توفير هذه الضمانات عبر وسائل مختلفة... المعادلة الحاكمة في حركتنا الاستراتيجية في البيئة العراقية تنطلق من مزيد من تقويض حزمة القدرات العربية في دولها الرئيسية من أجل تحقيق المزيد من الأمن القومي الإسرائيلي».

ويضيف قائلا: «إن العراق تلاشى كقوة عسكرية وكبلد متحد، وخيارنا الاستراتيجي بقاؤه مجزّأًً، كما أن تحييد العراق عن طريق تكريس أوضاعه الحالية يشكل أهمية استراتيجية للأمن الصهيوني».

هل عملت إدارة بوش إذن والدول التي أرسلت جنودها إلى العراق وسببت كوارث إنسانية واجتماعية وتاريخية للشعب العراقي على خدمة المنظور الصهيوني فقط من حيث تدري أو لا تدري؟! وهل ما زالت معظم هذه الدول التي اعترضت على تقرير غولدستون تدعم قتل الفلسطينيين وضربهم بالقنابل الفوسفورية وهدم مدارسهم ومشافيهم؟ بأي حق تعارض الولايات المتحدة وهولندا وسلوفاكيا وهنغاريا وأوكرانيا وإيطاليا، تقريراً يهدف إلى معاقبة مجرمين ارتكبوا جرائم حرب معلنة ضد الإنسانية في غزة، في الوقت الذي يتشدقون فيه بحقوق الإنسان، والتي برهنوا أنها لا تعنيهم في شيء، إلا إذا كانوا يشاطرون شفيطان نظرته العنصرية. وبأي حق تتحفظ البوسنة وسلوفينيا وبوركينا فاسو وأوروغواي والكاميرون واليابان والغابون والمكسيك والنرويج وبلجيكا وكوريا الجنوبية على قرار يدين قتل الأطفال والمدنيين ومصادرة الأراضي وهدم المنازل والمدارس والمشافي؟!

إذن على أحرار العالم أن يضعوا الدول التي عارضت التقرير أو تحفظت عليه أو تغيّبت عن التصويت على قائمة سوداء لأنها، دول، مهما ادّعت من مبررات، تؤيد ارتكاب إسرائيل كل هذه الجرائم ضد المدنيين العرب، وتقدم بمواقفها هذه دعماً سياسياً ودبلوماسياً لمرتكبي هذه الجرائم، وبهذا تتحمل المسؤولية عن استمرار حكام إسرائيل بارتكاب هذه الجرائم.

إن معظم الدول التي اعترضت على تقرير القاضي غولدستون لم تقرأه، وانحازت بشكل مقزّز لصالح مرتكبي جرائم ضد الإنسانية، فهل يعلم من اعترض على التقرير أنه يوصّف جرائم مثل تدمير المطاحن، والمداجن، وتدمير المزارع، وقتل الحيوانات بهدف تجويع المدنيين، وكذلك تدمير محطة الصرف الصحي في غزة لتلويث المزارع القريبة؟ هل تقبل الدول المتحضّرة الديمقراطية بهذه الجرائم، فقط لأن مرتكبيها إسرائيليون؟! أم لأن الضحايا من العرب؟! وهل يمكن للولايات المتحدة أن تحثّ إسرائيل على وقف الاستيطان، بينما تجري مناورات عسكرية معها تهدف إلى تعزيز قدراتها العدوانية ضد جيرانها وتعزيز قدراتها لاحتلال أراضيهم ومصادرتها واستيطانها؟ وهل يجوز لأمين عام للأمم المتحدة أن يحتج على أي تصرف دفاعي عن النفس يقوم به لبنان، بينما يعبّر عن «قلقه» لثمانية عشر ألف انتهاك جوي وبرّي وبحري إسرائيلي للأراضي اللبنانية؟ لقد جاوز الظالمون المدى، ولم يعد أحد جاهلا بحقيقة الأجندة الإسرائيلية، ومسؤولية المروجين لها، والدائرين في فلكها، أو الملتزمين الصمت حيالها.

إن التمايز الذي بدت بوادره في المثال الإيراني بين موقف إسرائيل ومواقف الدول الغربية، أصبح ضرورة حتمية للأمن الإقليمي والدولي، لأن العنصرية الإسرائيلية التي تستهدف العرب والمسلمين علناً اليوم، ستمدّ أذرعها بعد غد، ولا يتذرّع أحد بعد اليوم بعقدة الذنب من اليهود، فقد كسر القاضي اليهودي غولدستون هذه العقدة بوقفته الأخلاقية المشرّفة ضد مرتكبي جرائم الحرب من الإسرائيليين.

من هذا المنظور سوف يذكر التاريخ موقف أردوغان في دافوس، وموقف تركيا الجريء ضد الحرب على غزة، وموقفها في إلغاء المناورات مع إسرائيل، وسعيها لإنهاء الحصار على غزة، بأنه موقف نبيل، سيمهّد الطريق لدول أخرى تحترم حقوق الإنسان بالفعل لا بالقول، أن تحذو حذوها.

لم تعد الأجندة الإسرائيلية خطراً على الفلسطينيين والعرب فحسب، بل على أسس العدالة وحقوق الإنسان، وعلى الغرب أن يواجه هذا التحدي ويعترف بالواقع أو يقف في صفوف العنصريين والمجرمين، كما فعل عند التصويت على تقرير غولدستون، ويتوقف عن الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، لأنهم فقدوا مصداقيتهم.

لم يعد خطر الانسياق وراء الصهيونية خطراً على العرب وحدهم، بل أصبح خطراً على العدالة الدولية وقدسية حقوق الإنسان وكرامته.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ