ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 04/11/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


مواجهة الإرهاب والتضييق على الجماعات المسلحة

الوطن السعودية

3-11-2009

 تؤكد التفجيرات التي حدثت أمس في مدينة روالبندي الباكستانية أن عبث الإرهاب لن يتوقف ما لم تتكاتف كل القوى الدولية وبكل جدية للقضاء على منابعه وجذوره..

ما حدث بالأمس من مقتل العشرات من الناس وإصابة العشرات ممن كانوا يقفون أمام مصرف في روالبندي لاستلام رواتبهم ومعاشاتهم التقاعدية، يوضح عدم تمييز الإرهابيين بين البشر، ويشير إلى أن الغاية هي التخريب والقتل لإزعاج الأنظمة القائمة والضغط عليها، لكنهم لم يدركوا بعد أن أعمالهم التدميرية والإجرامية تزيد من تلاحم الشعوب مع قياداتها، ولو نظروا إلى التاريخ لما وجدوا حالة تمكن فيها القتلة والإرهابيون من الاستيلاء على السلطة بأفعالهم الإجرامية لأن الشعوب ترفض ولا تتعاون مع هذه النوعيات التي انحدرت بأفعالها إلى الدرك الأسفل من السلوكيات غير الإنسانية.

وطبقا للمصادر فإن مفجراً انتحارياً كان يركب على دراجة نارية فجر نفسه قرب المساكين الذين لاقوا حتفهم جراء فعلته أو أدخلوا إلى المستشفيات للعلاج، كما أدت قوة الانفجار إلى أضرار فادحة في عدد من السيارات الموجودة بالقرب من المكان. وربما تكون هذه العملية جزءا من المخطط الذي تمارسه الجماعات الإرهابية في باكستان وعبره تكثف هجماتها على أهداف مدنية وعسكرية في باكستان، ردا على العملية العسكرية التي شنها الجيش على وزيرستان القريبة من حدود أفغانستان، حيث يوجد عدد كبير من أفراد التنظيمات المسلحة. لكن هذه التنظيمات لمسلحة التي تعاني باكستان من أعمالها حاليا، وتعاني ذلك أيضا كثير من البلدان في العالم، ترفض أن تقتنع بأن ما تقوم به من أعمال تخريبية لا يمكن أن يقود إلى قبولها لدى الناس، ولا يمكن لعبثها المستمر بأرواح الآمنين إلا أن يزيد من كراهية البشر لها أينما كانت.. وبالتالي فمن المحال أن تجد لها موضعا في الضوء ذات يوم، وستبقى بجميع عناصرها تعيش في الظلام وتسكن في الكهوف.

الجماعات الإرهابية مارست عبثها في كثير من الأمكنة.. في الولايات المتحدة الأمريكية وفي بريطانيا وإسبانيا... وفي السعودية والعراق واليمن ومصر... وفي باكستان وإندونيسيا وتركيا... والقائمة تطول.. وحان الوقت لإعلان وتطبيق فعلي لتضامن دولي شامل لإيقاف الإرهاب بمختلف أساليبه وأشكاله.. وحان الوقت للعمل بجدية عالية للتضييق على الجماعات المسلحة ومنع وصول الأسلحة إليها، ومعاقبة الجهة التي يثبت أنها زودت الإرهابيين بالسلاح مهما كانت، فالعبث يجب أن يتوقف، والناس يجب أن تعيش بأمان.

 

=========================

إيران تحرك خلايا «حزب الله» النائمة

الشرق الاوسط

3-11-2009

لست من هواة السيناريوهات المخابراتية، والاهتمامات بحركة الأساطيل الأميركية في المتوسط والخليج التي شغلت الصحافة اللبنانية، منذ ستينيات القرن الماضي. اهتمامي الأول يتناول حركة المجتمعات العربية. مشاكلها. صراعاتها السياسية والطائفية. قضايا التنمية والتطوير فيها. أبعادها وجذورها في التاريخ العربي، حديثه وقديمه.

غير أني اليوم مضطر، للاستعانة بظلال الحركة المخابراتية الإيرانية، في الكشف عن مظاهر التصعيد الخطير في الهجمة الإيرانية على العالم العربي. هذا التصعيد الذي بدا عمليا، منذ اغتيال المخابراتي عماد مغنية رجل التنسيق الأمني بين «حزب الله» وإيران وسورية، في شباط/ فبراير من العام الماضي، وصولا إلى ذروة التصعيد، بعد التجديد المُتَعَسِّف للرئيس محمود أحمدي نجاد في يونيو/ حزيران الماضي.

أذهب إلى الاعتقاد بأن المخابرات الإسرائيلية والغربية، لم تكن قادرة على صيد مغنية، لولا مراقبتها الدقيقة لشبكة الاتصالات الهاتفية، وحلُّها «الشيفرة» الدبلوماسية السرية، لأكثر من دولة في المنطقة.

أكتفي بالإشارة هنا إلى مراكز التنصت الإلكترونية الإسرائيلية والأميركية في الجولان المحتل، وفي القواعد الأميركية في العراق، وفى مركز التنصت البريطاني في قبرص. مقتل مغنية لم يكن كافيا لاتخاذ احتياطات أشد. بعد أشهر قليلة، اغتيل العميد محمد سلمان (2.8.2008) المستشار الأمني للرئيس السوري. يقال إن سلمان كان مسؤولا وثيق الاتصال بمغنية، وبالتنسيق مع إيران وحزب الله.

مقتل المخابراتي مغنية لم يكن السبب الوحيد لتحريك خلايا الحزب النائمة، في الخليج ومصر ولبنان وغزة. هناك أسباب سياسية واستراتيجية، أكثر أهمية من مغنية، لتفعيل الاختراق الإيراني للمنطقة العربية. أبدأ بالأسباب الداخلية، فأقول إن «تنجيح» نجاد في الانتخابات، يفسِّر حرص الحرس الثوري، على عدم السماح للإصلاحيين أو المحافظين، بعرقلة زحف هذه المؤسسة العسكرية لاستكمال سيطرتها على السلطة، بما يشبه الانقلاب على النظام الثيوقراطي (حكم رجال الدين).

غابت العمائم السوداء والبيضاء. تقدم تلامذة الخميني، كنجاد، الذين قاتلوا على الجبهة العراقية. الغرض استعادة زخم الثورة الخمينية في الداخل، واستئناف تصديرها إلى الخارج. لم يجد الحرس الثوري أي إحراج، في تزييف الاقتراع، وفي تصفية تمرد الإصلاحيين والمحافظين المعترضين (81 قتيلا)، واحتجاز الألوف، وإصدار أحكام الإعدام.

نجاد ليس تلميذا للفقيه علي خامنه ئي. في الواقع، هو تلميذ لآية الله مُتَّقي مصباح يزدي المتمسك بمبدأ ولاية الفقيه الذي استولده الخميني. متقي معارض بشدة للديمقراطية (غير المنسجمة مع الإسلام) وداعية قوي لإلغاء الانتخابات، أو... لتزييفها، إذا لم يكن بالإمكان منعها. نجاد، في استلهامه هذه الراديكالية الدينية، يري أن حكمه ونظامه هنا تمهيد لعودة الإمام الغائب. بعد «نجاحه» الانتخابي، زار نجاد مسجدا في ظاهر قم، حيث يقال إن الإمام الغائب شوهد، للمرة الأخيرة، قبل اختفائه، منذ أكثر من ألف سنة.

أين الفقيه علي خامنه ئي، في هذا القَضْمِ المستمر لسلطة نظامه الثيوقراطي؟ الحرس الثوري مضطر للإبقاء عليه، كرمز لولاية الفقيه. مرضُ خامنه ئي وشيخوخته المبكرة لا يساعدانه على المقاومة، سيما أن نجاد والحرس استقطبا نجله (مُجْتَبَى)، وسرّحا عشرة آلاف «كادر»، من البيروقراط والتكنوقراط المشكوك في ولائهم للسلطة الجديدة.

أسباب وظواهر كثيرة لتحريك الخلايا النائمة، وتشجيع الأقليات الاجتماعية الشيعية على إثارة الاضطراب، وهز الاستقرار. في مقدمتها الاعتقاد الإيراني بأن النظام العربي التقليدي بات مترهلا وجموديا. تصعيد الهجوم عليه يزيده ضعفا وارتباكا. للطرافة. هذا الاعتقاد يتجاهل حقيقة كون النظام العربي، أكثر استقرارا، وأقوى داخليا، بالمقارنة مع نظام إيراني فقد حماسة أجياله الجديدة والواعية.

وهكذا، فتصعيد الهجمة بتحريك الخلايا النائمة، للمسّ بالأمن الداخلي للنظام العربي، انتقل من طور الاختراق السياسي والدبلوماسي والمالي (شراء التنظيمات والصحافة)، وصولا إلى تقويض التعايش السلمي الطويل بين السنة والشيعة. الزيدية التي ينتسب إليها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، لم تكن يوما تنطوي على هذا العنف الدموي الذي يصر عليه الحوثيون، لولا التحريض الإعلامي المنطلق ليلا نهارا من إعلام إيران وحزب الله. ولا أدري ما إذا كان صحيحا خبر ضبط سفينة إيرانية تحمل سلاحا إلى الحوثيين، أو أن مقاتلين لبنانيين عُثر عليهم في جبهة القتال.

هناك تركيز أيضا على محاولة اختراق أمن مصر. لعله ناجم عن الظن بأن الجدل المصري الداخلي حول الولاية الرئاسية، فرصة سانحة للتدخل. خلية حزب الله التي ضُبطت ضمّت لبنانيين وفلسطينيين، وجندت مصريين. وكان في نيتها القيام بعمليات تخريب وتدمير أيضا، هناك محاولات لتنشيط المذهب الشيعي، وشراء صحف وصحافيين.

الناطقون باسم الخلايا الشيعية اللبنانية التي تحركت في دولة الإمارات الخليجية، يحاولون تحريض منظمات حقوق الإنسان. فوزي صلوخ وزير خارجية «الثلث المعطّل» في حكومة تصريف الأعمال اشتكى. احتجّ. نبيه بري رئيس البرلمان وحليف «حزب الله» حمل وجاهة المنصب. ذهب إلى الإمارات. للتوسط. للتدخل. عاد صامتا. ربما مذهولا لقوة «مستمسكات» الأمن الإماراتي ضد الخلايا الحزبية المتحركة. المؤسسات الأمنية في أكثر من دولة خليجية تبدي قلقها، من تحريك المخابرات الإيرانية للتجمعات الشيعية ضد أنظمة الحكم السنية. السلطات السعودية حذرت إيران من أية محاولة لتسييس موسم الحج في هذا العام.

في لبنان، يترك حزب الله «لصهره» الماروني العماد ميشال عون مهمة عرقلة جهود رئيس الجمهورية والرئيس المكلف بالإسراع بتشكيل الحكومة. عاد الحزب إلى تحريك خلاياه في الجنوب، لإطلاق صواريخ «طائشة» على الأرض المحتلة، ربما في إطار الاستعداد لاستخدام ألوف الصواريخ، في حالة اعتداء إسرائيل على المراكز النووية الإيرانية، من دون أي تقدير لموقف لبنان الرسمي، ومن دون أي اكتراث بجر سورية إلى مواجهة غير متكافئة مع إسرائيل.

حزب الله في لبنان اليوم دولة داخل دولة. له جيشه. ميليشياه. صواريخه. أجهزته المخابراتية. شبكة تنصته الواسعة على الجيش والدولة وكل الاتصالات الداخلية والخارجية. رقابته البوليسية مفروضة على المطار لمتابعة الداخل والخارج. هيمنته الأمنية على بيروت السنية مستمرة، بعد سحب قواته العسكرية التي اجتاحت المنطقة في العام الماضي. كل ذلك من مظاهر وظواهر تفعيل جديد للنشاط الحزبي الأمني.

نجح الحزب من خلال التهديد بالزحف المسلح على جبل الدروز (الشوف) في تحييد وليد جنبلاط. لعل الزعيم الدرزي بات يعتقد أن الوجود العسكري السوري، غير المرغوب فيه، كان على الأقل، يُلْجِم الدور الأمني المسلح للحزب الإيراني، سيما أن الشكوك تتجه إلى وضع الحزب في دائرة الشبهة، في عمليات الاغتيالات المروعة، وذلك في ضوء ما تسرب من أوساط محكمة الحريري الدولية، بأن الحزب لم يكن بعيدا عن ملابسات اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق.

هجمة الحرس الثوري على العرب ليست كلها سمنا وعسلا. هناك معارضة في الداخل (لاريجاني. رفسنجاني. كروبي. خاتمي. موسوي...) ضد التضييق على الديمقراطية الضيقة أصلا. في المنطقة، تدخل تركيا السنية حلبة الصراع. إسرائيل ليست وحدها التي تملك القنبلة المخيفة. تركيا تُخَزِّن قنابل أميركا النووية على أرضها. تركيا والعرب قادرون

======================

تركيا وإيحاؤها الإمبراطوريّ!

حازم صاغيّة

الحياة

الثلاثاء, 03 نوفمبر 2009

قد تتحوّل السياسة التركيّة لرجب طيّب أردوغان قصّة نجاح معلن، وقد لا تتحوّل. وربّما استمرّت أنقرة في علاقة إيجابيّة مع طهران، ثمّ طوّرتها إلى تحالف، وربّما، في المقابل، آل بها الأمر إلى صدام معها لا مفرّ منه. وفي آخر المطاف، قد تأتي على الأتراك وعلى المنطقة بحصيلة إيجابيّة وقد لا تأتي.

وهذه الصياغة اللاأدريّة مردّها إلى عوامل عدّة، متحرّكة ومتغيّرة، وإلى مفاجآت محتملة قد يكون سابقاً لأوانه التكهّن بها اليوم. ما هو بادٍ للعيان، على أيّة حال، أنّ أسباب الاحتفال بتلك السياسة التركيّة هي ذاتها أسباب الخوف عليها، كما أنّها مرآة أخرى عن الوعي السياسيّ السائد في منطقة الشرق الأوسط.

فالاحتفال بتركيا «الجديدة» غالباً ما يركّز على «عثمانيّة» جديدة هي الأخرى، أو مستعادة. وفي هذا يأتي مضادّاً للاحتفال السابق بتركيا حين بدأت تصير جديدة حقّاً، أي مع إلغاء الخلافة وتوطّد الأتاتوركيّة. في المرّة الأولى، في الثلث الأوّل من القرن الماضي، كان الموضوع يتعلّق بنشأة دولة – أمّة حديثة ومعلمنة تكسر الإمبراطوريّة وتقوم على حسابها. أمّا في المرّة الثانية فالموضوع يتعلّق بانبعاث، ولو جزئيّ، للوعي والسلوك الإمبراطوريّين. في المرّة الأولى كان السؤال: كيف تتغيّر تركيا من الداخل، وفي الثانية صار السؤال: كيف يكون لها دور في خارجها؟.

صحيحٌ أنّ مجموعة أردوغان – غل – أوغلو حسّاسة لمعادلة نادراً ما فكّر فيها ذوو النزعة الإمبراطوريّة، وهي: كيف تذلّل مشكلات الداخل سلماً في موازاة التصدّي لانتزاع دور خارجيّ أكبر؟ وهنا يكمن سرّ الجهود الإيجابيّة التي تُبذَل على الجبهتين الأرمنيّة والكرديّة.

بيد أنّ التهليل للبعث التركيّ أعلى صوتاً، بلا قياس، من التأمّل الهادئ في الشوط الذي لا يزال على تركيا أن تقطعه قبل أن تستقرّ ديموقراطيّتها وتستوي على حياة سياسيّة حديثة. فكأنّنا، في هذا، لا نكتم شوقنا إلى بعث ما، إن لم نوفّق نحن في إتيانه، احتفلنا به على أيدي الأتراك. ويُخشى أن يكون وراء هذا الميل إلى البعث ضعفنا نحن العرب وتعثّر الأتراك في سلوك الطريق إلى أوروبا. وأكثر ما يُخشى أن يكون الإيحاء الإمبراطوريّ هو وحده ما يجمع «حزب العدالة والتنمية» الإسلاميّ بالمؤسّسة العسكريّة القوميّة والعلمانيّة، فيأتي هذا الإيحاء تعبيراً عن مشكلة في تأسيس الداخل التركيّ، ورغبةً في الالتفاف عليها، أكثر منه تعبيراً عن نجاح في الخارج التركيّ.

وقصارى القول إن الإيحاء الإمبراطوريّ ينبغي أن يكون أمراً مقلقاً، لا أمراً مشتهى، وهذا ليس عائداً فقط إلى أن زمن الامبراطوريّات قد ولّى مع انهيار السلطنة العثمانيّة نفسها (والذي صحبه انهيار الإمبراطوريّة الهابسبورغيّة)، بل أيضاً إلى أنّه قياس دقيق لمدى تعايشنا مع فكرة الدولة – الأمّة ومع الممارسة الديموقراطيّة.

ولنا في تاريخ روسيا الحديث ما يسند هذه المخاوف: ذاك أن الروس الذين شاؤوا، في 1917، كسر الإمبراطوريّة القيصريّة، عادوا فجدّدوها في قالب شيوعيّ وسوفياتيّ حينما اختاروا لبلدهم نظاماً توتاليتاريّاً. وتكرّر الأمر نفسه، ولو عبر خلطة استبداديّة – ديموقراطيّة، مع فلاديمير بوتين الذي اختار «القوّة» و «النفوذ الإقليميّ» أوّلاً. بيد أنّ الخيار البوتينيّ لم يكن عديم الصلة بنقص التأهّل الروسيّ، كما بيّن عهد يلتسن، لدخول الحداثة السياسيّة والديموقراطيّة. ذاك أنّ طلب العظمة كثيراً ما ينمّ عن أزمة ضعف يوكل إلى تلك العظمة أن تتفاداها. وهذا ما رأيناه على نحو مأسويّ في تجارب تمتدّ من الفاشيّة الأوروبيّة إلى الناصريّة المصريّة فالخمينيّة الإيرانيّة، وهي كلّها حظيت بتهليلنا. وبالطبع، فإن تركيا لا تزال بعيدة جدّاً من أن توضع في هذه الخانة. إلاّ أنّ التحذير من الإيحاء الإمبراطوريّ التركيّ أمر يستحقّ أن يبقى في افتراضاتنا، ولو مقروناً بتهليل من يريد أن يهلّل.

========================

لماذا لا يستفيد العرب من أزمات إسرائيل؟

ماجد كيالي *

الحياة

الثلاثاء, 03 نوفمبر 2009

ثمة مؤشرات سياسية استراتيجية تؤكد أن إسرائيل باتت تقف في مواجهة تحولات جديدة، بالنسبة الى مكانتها في المنطقة، ورؤية العالم لها، على رغم ظهورها بمظهر الدولة القوية، التي تجرؤ حتى على معارضة الإدارة الأميركية، في سياساتها الشرق أوسطية، وهي مؤشرات تؤثر حتى على إدراكها ذاتها.

ولعل أهم تحول يمكن أخذه بعين الاعتبار، في هذه المرحلة، هو تغير الوضع الجيوبولوتيكي لإسرائيل، فهذه الدولة التي طالما اعتمدت في تحديد عوامل قوتها، على وجود نوع من تحالفات إقليمية استراتيجية، كما على الدعم غير المحدود من الدول الكبرى، لموازنة المحيط العربي المعادي لها، والتي لم تعد كذلك.

على سبيل المثال، خسرت إسرائيل حليفاً استراتيجياً لها بانفكاك تركيا عنها، في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، بسبب مواقفها المتعنتة وعدوانيتها، مثلما كانت خسرت سابقاً إيران (بعد سقوط نظام الشاه)، وبات النظام الايراني في وضعه الراهن ضمن أحد أهم مصادر التهديد لها. ومعنى ذلك أن الطوق السياسي الذي حاولت إسرائيل إقامته، مع كل من إيران وتركيا وأثيوبيا، للتعويض عن الطوق الجغرافي العربي المحيط بها، تصدّع تماماً، وهذه نقطة على غاية في الأهمية.

أيضاً، يمكن اعتبار نمط التصويت على تقرير غولدستون، والذي يتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة، بمثابة تدشين لمرحلة جديدة في التعامل الدولي معها. فنحن هنا بصدد تقرير رسمي له تبعاته، على خلاف التقارير الأخرى، لا سيما التي كانت تصدر عن منظمات أو مؤتمرات لمنظمات غير حكومية، على أهميتها. وحتى في إسرائيل ذاتها ثمة من رأى أن «هذه نهاية اللعبة... تاريخ إسرائيل سيتم تقسيمه إلى مرحلتين: قبل التقرير وما بعده». (ايتان هابر، «يديعوت أحرونوت» في 18 من الشهر الماضي)، ولعل هذا هو مغزى عدم اعتراض فرنسا وبريطانيا على تقرير غولدستون. فقد دعم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الحكومة البريطانية غوردون براون هذا الموقف، بتوجيه رسالة مشتركة إلى بنيامين نتنياهو، دعياه فيها إلى تشكيل لجنة تحقيق رسمية في اتهامات التقرير، وفتح المعابر إلى غزة، ووقف الاستيطان، والالتزام بحل الدولتين وإنهاء الاحتلال. وثمة من يرجّح أن ثمة تنسيقاً بين المواقف الأميركية والأوروبية يهدف الى وضع حد لتعنت نتنياهو. (ألوف بن، «هآرتس»، 18/10).

وبديهي أن هذه التحولات الدولية لم تأت كرمى لعيون العرب، والأنكى أنها لم تأت بسبب قوتهم او فاعليتهم، وإنما جاءت لأن حكومات الدول الكبرى باتت تشعر أن إسرائيل لا تعبأ بمصالح هذه الدول وبأولوياتها، إلى الدرجة المناسبة. ويبدو أن حكومات هذه الدول باتت تشعر أن الجدار الفاصل وتهويد القدس واستمرار الأنشطة الاستيطانية هي بالنسبة الى إسرائيل أهم بكثير من المساعي التي تبذلها الدول الكبرى للحفاظ على استقرار البيئة الدولية، وإطفاء نقاط التوتر والاضطراب والتطرف في العراق وشبه الجزيرة الكورية وصولاً إلى باكستان وأفغانستان.

ومن تفحص الوضع يمكن ملاحظة أن إسرائيل لم تكن مكشوفة، في فترة ما، أمام حكومات العالم، كما أمام الرأي العام العالمي، بقدر ما هي مكشوفة اليوم. فلم يعد ثمة حرب باردة، وإسرائيل لا تسهل على الدول الكبرى محاربة نزعات الإرهاب والتطرف، كما أن التعنت الاسرائيلي هو أهم العوامل التي تغذي تنامي نفوذ إيران في الشرق الأوسط. وفوق كل ذلك فإن هذه الدولة لا تبدو كأنها تدافع عن نفسها، بحكم قوتها، ولا عن حدودها، بواقع أنها لم ترسّم حدودها بعد، وبواقع أنها هي التي تحتل أراضي الآخرين، وتسيطر على شعب آخر بوسائل القوة والقهر.

الأنكى أن إسرائيل هذه، ونحن في القرن الحادي والعشرين، ما زالت تعتقد أن شرعيتها مستمدة من الرواية التوراتية، باعتبارها «أرض ميعاد» ل «شعب الله المختار»، وتطالب الاعتراف بها كدولة يهودية، في وقت يبذل فيه العالم جهوداً كبيرة لإضعاف الأصوليات الدينية المتطرفة.

وفي كل ذلك فقد انكشفت حقيقة إسرائيل، أمام نظر العالم، باعتبارها دولة استعمارية وعنصرية وأصولية، تخوض معارك غير مشروعة، لحماية الاحتلال والاستيطان، وكذلك معارك العنصرية والأصولية (اليهودية)، حتى أن ثمة في إسرائيل من يحذّر من أن مثل هذه السياسات تغذّي «محاولات نزع الشرعية عن إسرائيل، التي كانت في البداية مجرد حركة قومية أو شرعية بلا كيان وباتت تتحول إلى كيان بلا شرعية»، بحسب أري شيبط، «هآرتس» 15/10)

زد على ذلك أيضا، أن الفلسطينيين، في هذه المرحلة، يظهرون أمام العالم كمن نفذ قسطه من «خريطة الطريق»، وأنهم نحوا نحو التهدئة والتسوية، فليس ثمة الآن عمليات مقاومة ولا قصف بالصواريخ، لا من الضفة ولا من غزة. وتبدو السلطة الفلسطينية بقيادة رئيسها محمود عباس ورئيس حكومتها سلام فياض، بمثابة قيادة مقبولة من المجتمع الدولي لعملية التسوية، وأن المشكلة باتت فقط في الشريك، أو في عدم وجود هكذا شريك إسرائيلي. حتى أن ثمة وجهة نظر إسرائيلية تؤكد أن حكومة نتنياهو باتت تنظر بعين القلق الى تحسن مكانة السلطة، التي ترى أنها تأتي على حساب مكانتها، وأنها لذلك تعمل على تقويض هذه المكانة، بدليل ما تقوم به من إحراج للسلطة إزاء شعبها، من خلال استمرار الاستيطان ومحاولات اقتلاع الفلسطينيين في القدس والاعتداءات على الأقصى. (بن كسبيت، «معاريف»، 25/9) وبحسب وجهات النظر هذه فإن إسرائيل تجد نفسها أكثر ارتياحاً مع حماس، «لأنه في مثل هذا الوضع لا تعود هناك حاجة للمفاوضات ولا حاجة لتجميد أي شيء ومن الممكن التركيز على الحروب والحروب فقط» («معاريف»، 9/10)

المفارقة هنا أن إسرائيل تخسر على الصعيدين الدولي والإقليمي، ولكن ذلك لا يترجم إلى مكاسب واضحة على الصعيدين الفلسطيني والعربي، كونهما غير مؤهلين تماماً لاستثمار التغيرات الحاصلة، وتحويلها إلى قوة سياسية فاعلة لتحجيم إسرائيل ومواجهة سياساتها، وأسباب ذلك معروفة. وربما أن العجز والتفكك في الوضعين العربي والفلسطيني هما ما يشجع إسرائيل على غض النظر عن التغيرات في محيطها الإقليمي والدولي.

* كاتب فلسطيني

==============================

توابع زلزال الانتخابات الإيرانية

فهمي هويدي

3-11-2009

الوطن الكويتية

ذهبت الى طهران لكي أرى ايران بعد زلزال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وفوجئت بأن الأرض مازالت تهتز هناك، وأنهم لم يخرجوا بعد من أجواء الصدمة.

 

(1)

 

ما من مسؤول التقيته أو مجلس شهدته الا وكانت استعادة وقائع ما جرى قبل خمسة أشهر من طقوس اللقاء. الوحيد الذي قال انه طوى الصفحة ولم يعد يلتفت الى الماضي كان الدكتور أحمدي نجادالرئيس الفائزوهو ما عبر عنه صراحة في الحوار الذي أجريته معه ونشر يوم الثلاثاء الماضي.

 

وزير الخارجية منوشهر متكي ذهب بعيدا، وحدثني عن التوترات والتجاوزات التي شهدتها ايران منذ قامت الثورة قبل ثلاثين عاما (قال انها خلال السنوات الأولى تعرضت ل 16 ألف عملية ارهابية) الدكتور علي ولايتي أحد مستشاري المرشد ووزير الخارجية الأسبق استعرض في حديثه معي مجمل التحركات التي لاحت في الساحة الايرانية منذ عام 1999، وكيف أن بعض العناصر المعارضة لولاية الفقيه احتشدت آنذاك، حين صدر قرار باغلاق صحيفة «سلام» التي كانت ناطقة باسمهم، وحاولت أن تنزل الى الشارع لولا أن حرس الثورة أوقفهم. وقال ان الذين حرضوا على النزول الى الشارع آنذاك ظهروا في الآونة الأخيرة، وألقي القبض على بعضهم بعد انتخابات شهر يونيو الماضي. أما السيد علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى فقد اكتفى في الاحالة الى الماضي بالاشارة الى أن اختلاف المواقف واشتباكها كان من بين السمات التي لازمت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية طوال سنوات الثورة، ولكن الذي حدث هذه المرة أن الاعلام والتحريض الغربي لعبا دورا هائلا ومفاجئا في تشويه الصورة والمبالغة في الأحداث التي وقعت، الى حد الكذب والاختلاق. حتى ادعوا مثلا أن الحكومة الايرانية استعانت بأعداد كبيرة من عناصر حماس وحزب الله للتصدي للمظاهرات!

 

الآخرون الذين لقيتهم كانوا يعيشون الأجواء ذاتها بدرجة أو أخرى. وذلك ان دل على شيء فانما يدل على أن الوقائع التي شهدتها ايران في أعقاب انتخابات شهر يونيو الماضي، مازالت محفورة في عمق الذاكرة الجمعية، وأنه حتى اذا قيل ان لتلك الأحداث سوابق فيما جرى من انتخابات، فالقدر المؤكد أنها لم تكن بنفس الدرجة من القوة، وأن نتائجها لم تعش طويلا، الأمر الذي يستدعي السؤال: لماذا؟

 

(2)

 

صراع الأجيال يكمن في خلفية ما جرى. هذه احدى النتائج التي خلصت اليها أثناء الزيارة. صحيح أن الحضور القوي للامام الخميني خلال السنوات العشر الأولى التي أعقبت الثورة كان سببا جوهريا لضبط الخلافات وتذويبها، الا أن الأمر اختلف بعد رحيله في عام 89. اذ انه منذ ذلك الحين وحتى سنة 2004 كان التنافس على المناصب القيادية قائما بين عناصر الجيل الأول للثورة. فحين توفي الامام الخميني كان السيد علي خامنئي هو رئيس الجمهورية، في حين كان الشيخ هاشمي رفسنجاني رئيسا لمجلس الشورى. وحين أصبح السيد خامنئي مرشدا وقائدا انتخب الشيخ رفسنجاني رئيسا للجمهورية، وكان الشيخ مهدي كروبي رئيسا لمجلس الشورى في ولايته الأولى، والشيخ ناطق نوري رئيسا لمجلس الشورى في ولايته الثانية. وبعد ذك انتخب السيد محمد خاتمي رئيسا للجمهورية لمدتين استمرتا حتى سنة 2005، التي كانت بداية دخول جيل الصف الثاني حلبة المنافسة. اذ ترشح الدكتور أحمدي نجاد في مواجهة الشيخ هاشمي رفسنجاني، الذي اعتمد على رصيده كأحد مؤسسي الجمهورية الاسلامية، ولكنه خسر الانتخابات. الأمر الذي لم يتوقعه وأثار غضبه ودفعه الغضب الى الادعاء بأن الانتخابات تم تزويرها. رغم أنها أجريت في ظل حكومة السيد محمد خاتمي الاصلاحي القريب منه.

 

قال لى أحدهم ان القيادات التي اصطفت ضد أحمدي نجاد هذه المرة كانت كلها من ذلك الجيل الأول «رفسنجانيكروبيخاتميمير موسويمحتشميرضائي». ولأنهم من المؤسسين، فلم يتصوروا أن تكون الولاية الثانية من نصيب «ابن الحداد» أحمدي نجاد. وحين حاز الرجل أغلبية الأصوات فان ذلك كان أحد الأسباب التي أثارت غضبهم واحتجاجهم، ودفعهم الى العودة لاطلاق تهمة التزوير والتلاعب بالأصوات.

 

فجوة الأجيال ليست حاصلة فقط بين قيادات الصفين الأول والثاني، ولكنها حاصلة أيضا بين السلطة كلها من ناحية، وبين الأجيال الجديدة من الشباب الذين يمثلون الآن %70 من سكان ايران، (أكثر من 70 مليون نسمة)، من ناحية أخرى. فقد سمعت من قال ان الفقهاء الذين يديرون البلد لم يوجهوا عناية كافية الى الأجيال الجديدة التي ظهرت في المجتمع، محملة بأشواق جديدة، في عالم تكفلت ثورة الاتصال باختراق كل آفاقه وشرائحه.

 

ويبدو أن هذا الجيل أصبح منفصلا عن ثقافة الطبقة السياسية في الجمهورية الاسلامية، حتى ان دراسة أجريت حول التزام الشباب بأداء الصلاة، وتبين أن %83 منهم غير منتظمين في أدائها، وأن %63 لا يعرفون كيف تؤدى الصلاة. وتلك هي أرقام سمعتها من الناشط في الحركة الاصلاحية، الزميل الصحفي ما شاء الله شمس الواعظين. وهي معلومات اذا صحت فانها تفسر جانبا مهما من حالة الغضب التي عبر عنها أولئك الشبان، في أجواء التوتر التي أعقبت الانتخابات.

 

(3)

 

أكثر ما يؤلم الجميع في طهران أن صورة الجمهورية الاسلامية اهتزت. وكذلك صورة المرشد. فالاثنان أحيطا طوال الثلاثين سنة الماضية بهالة من الاحترام والتقدير كان مسلما بها طوال الوقت. لكن ما جرى عقب اعلان نتائج الانتخابات كان خصما من تلك الهالة. ولعبت وسائل الاعلام دورا مؤثرا في رفع نسبة الخصم، بحيث بدت الجمهورية الاسلامية منقسمة ومتناحرة، وصور المرشد بحسبانه طرفا في الخصومة، منحازا الى المعسكر الذي نسب اليه التلاعب بالأصوات وتزوير النتائج.

 

وذلك كله لم يخطر على بال أحد يوما ما. لذلك فان الغيورين يستشعرون مرارة شديدة وهم يتحدثون في هذا الجانب. حتى ان بعض مؤيدي المرشح المعارض مير حسين موسوي تخلوا عنه ووجهوا اليه النقد، لأنه أسهم بمواقفه في دفع الأمور وايصالها الى تلك النتيجة. وهذا ما سمعته من سفير سابق مثل بلاده في مصر يوما ما.

 

أكثر من مسؤول قالوا لي ان فريق موسوي قرر منذ اللحظة الأولى أنه اذا لم يفز على «أحمدي نجاد» فذلك يعني بالضرورة أن تزويرا قد حدث. حتى انهم شكلوا منذ صبيحة يوم الانتخابات «الجمعة 12 يونيو» لجنة لصيانة الأصوات، وكان مستغربا أن الرجل أعلن فوزه بعد خمس ساعات فقط مند بدء الفرز. وكان ذلك صحيحا في طهران فقط، لأنه حصل على مليونين و200 ألف صوت، في حين أن أحمدي نجاد صوت لصالحه مليون و800 ألف، ولكنه لم يكن صحيحا على مستوى الجمهورية. لأن أصوات الأقاليم قلبت المعادلة ورجحت كفة موسوي.

 

لقد خرج البعض في شمال طهران صائحين «أين أصواتنا؟» وكانوا محقين في تساؤلهم، لكن الهرج الذي ساد والتأكيد على فكرة التزوير عبر أبواق الاعلام عالية الصوت، لم يسمحا بشرح الموقف للفئات الغاضبة بما يقنعها بأن أغلب أصوات الأقاليم ذهبت لأحمدي نجاد.

 

زاد الطين بلة أن موسوي رفع سقف التحدي وطلب الغاء الانتخابات بالكامل، ورفض كل عروض الفرز العشوائي لأي عينة تمثل عشرة بالمائة من الصناديق في أي منطقة، كما رفض الاحتكام الى أي مؤسسة في الدولة، بما في ذلك مجلس الخبراء. وأساء اليه كثيرا أن من بين الذين أيدوه في ذلك وشجعوه على مواصلة التصعيد يصنفون ضمن خصوم الثورة، من أنصار الشاه وجماعة مجاهدي خلق اضافة الى المسؤولين في العواصم الغربية واسرائيل، هذا التصعيد الذي كان النزول الى الشارع من بين أدواته أدى الى نتيجتين. الأولى أن المرشد استشعر أن الاصرار على الغاء النتائج يعني التسليم بالتزوير في 45 ألف لجنة، ومن ثم التشكيك في نزاهة النظام الذي يقوده، فأعلن تأييد النتائج الرسمية، وطالب الجميع بالالتزام بالقانون واحترام مؤسسات الدولة.

 

النتيجة الثانية أن مير موسوي برفضه قرار مجلس الخبراء واصراره على عدم الاعتراف به، خسر فرصة الترشح لانتخابات الرئاسة القادمة، لأن ذلك المجلس هو الذي يجيز المرشحين. وأغلب الذين لقيتهم على الأقل يجمعون على أن الرجل الذي يدرس بالجامعة ويرأس مجمع الفنون ويتمتع بعضوية عدد من المؤسسات المهمة، لو أنه قبل بالهزيمة، وأعد عدته لخوض الانتخابات القادمة التي تحل بعد 4 سنوات، لضمن الفوز برئاسة الجمهورية بعد أحمدي نجاد.

 

(4)

 

بقيت أربع ملاحظات يلمسها زائر طهران هذه الأيام هي:

 

* أن السيد علي خامنئي مرشد الجمهورية يبذل في الوقت الراهن جهدا حثيثا لرأب الصدع واعادة لحمة الصف الوطني.

 

تجلى ذلك في اعلانه ردا على سؤال وجه اليه «ربما كان مرتبا!» أن قادة المعارضة ليست لهم اتصالات خارجية. وبعد ذلك مباشرة أعلن أن الاعترافات التي أدلى بها بعض المعارضين أمام المحكمة يعتد بها فقط فيما يخصهم، وينبغي ألا تؤثر على مواقف أشخاص آخرين.

 

وأراد بذلك أن يوقف اللغط الذي أثارته شهادة السيد محمد أبطحي وتعرض فيها للرئيس السابق السيد محمد خاتمي، الذي كان أبطحي أحد مساعديه. في الوقت ذاته فان اتصالات تجرى الآن لجمع الأطراف المشتبكة يقوم بها عدد من القيادات المحايدة والمحترمة، أبرزهم آية الله مهدوي كني، وهناك مبادرات أخرى في ذات الاتجاه يقوم بها بعض أعضاء مجلس الشورى.

 

* الملاحظة الثانية أن تجربة الانتخابات كشفت عن مدى القوة التي يتمتع بها المجتمع الايراني والحركة الاحتجاجية فيه. ذلك أن صوت المعارضة لا يزال حاضرا ومسموعا في وسائل الاعلام وفي بعض مؤسسات الدولة. كما أن الحركة الاحتجاجية مازالت تلملم صفوفها في الداخل، وهي تلقى تأييدا واضحا بين المثقفين وقطاعات الشباب وغيرهم من دعاة التغيير في البلد.

 

ان ثمة لغطا قويا يتردد حول تنامي ظاهرة الفساد المالي، خصوصا تربح أبناء القيادات واستفادتهم من مواقع آبائهم. وهؤلاء يسمونهم «آغا زاده» أو أولاد الأكابر. والشائعات في هذا الصدد تلاحق بعض أبناء آيات الله الذين أصبحوا من الأثرياء، والوحيد الذي لم تمسه الشائعات حتى الآن هو السيد علي خامنئي الذي اشترط على ابنيه وأصهاره ألا يشترك أحد منهم في أي نشاط تجاري أو خاص.

 

* ان التوترات التي حدثت بعد الانتخابات، ونذر الفوضى التي لاحت، أثارت قلق البعض على النظام الاسلامي، فلم تؤد فقط الى انصرافهم عن تأييد السيد موسوي خوفا على مصير النظام، وانما استنفرت أيضا «حرس الثورة» الذي ازداد نفوذه بشكل لافت للأنظار، مما أدى الى زيادة الاجراءات الأمنية، التي كان من بينها سحب جوازات سفر بعض الاصلاحيين ومنعهم من مغادرة البلاد، وهو ما دفع عددا من المثقفين الى التحذير من احتمالات «عسكرة النظام» بدعوى دفع المخاطر التي تتهدده.

ان ازالة آثار الزلزال لم تتم بعد، لأن الجرح بدا أكبر من الجريح.

تاريخ النشر 03/11/2009

===========================

"إسرائيل" تكلف دافع الضرائب الأمريكي 3 تريليونات دولار

جون تيفاني

آخر تحديث:الثلاثاء ,03/11/2009

الخليج

تشير التقارير الإعلامية دائماً إلى أن “إسرائيل” تتلقى حوالي 9،2 مليار دولار، في شكل مساعدات اقتصادية من الحكومة الأمريكية سنوياً، ولكن هنالك مليارات إضافية أخرى لا يتم احتسابها، وهي الخسائر الاقتصادية والنفقات الخفية التي تتحملها الحكومة والخزينة الأمريكية نيابة عن “إسرائيل”.

وقد خلُص تحليل اقتصادي نشر مؤخراً إلى أن الدعم الأمريكي ل “إسرائيل” كلف دافع الضرائب الأمريكي 3 تريليونات دولار. وتبين أن 60% من هذه النفقات (حوالي 1،7 تريليون دولار) ناتجة من دفاع وحماية الولايات المتحدة المتواصل ل “إسرائيل” التي تتوسع باستمرار.

 

ويضاف لذلك، الدعم الذي بلغ 1،8 تريليون دولار، الذي تحصل عليه “إسرائيل” في شكل معاملات تجارية تفضيلية خاصة، وعقود محاباة تمييزية، أو مساعدات مدفونة في حسابات أخرى. والمساعدة التجارية الأمريكية ل “إسرائيل” تتراوح بين 6-10 مليارات دولار. وإضافة للنفقات والأعباء المالية، تؤدي المساعدات الأمريكية ل “إسرائيل” لشطب 275،000 وظيفة في الولايات المتحدة سنوياً.

 

العامل الأكبر في هذه النفقات، كان سلسلة أزمات الإمدادات النفطية التي تترافق دوماً مع الحروب “الإسرائيلية”العربية، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة تشيد الاحتياطي الاستراتيجي النفطي. ومع هذه الأزمات البترولية وتكاليف بناء الاحتياطي الاستراتيجي، زادت نفقات عبء “إسرائيل” على أمريكا ب 1،5 تريليون، هذا إذا استثنينا النفقات الإضافية التي ألقيت على عاتق الولايات المتحدة منذ 2001.

 

ويلاحظ أن كلفة دعم “إسرائيل” ازدادت بشدة بعد حرب 1973 بين “إسرائيل” والعرب. فالدعم الأمريكي ل “إسرائيل” أثناء تلك الحرب نتجت عنه نفقات إضافية على دافع الضرائب الأمريكي تراوحت قيمتها بين 750 مليار دولار وتريليون دولار. وعندما كانت “إسرائيل” تخسر تلك الحرب، انبرى لها الرئيس ريتشارد نيكسون ودعم الدولة اليهودية بالأسلحة الأمريكية. ونجم عن تدخل نيكسون حظر العرب لإمدادات البترول الذي كلف الولايات المتحدة ما يقرب من 600 مليار دولار خسائر في الناتج المحلي الإجمالي و450 مليار دولار زيادة في تكلفة استيراد البترول.

 

وبلغت تكلفة أزمة النفط في العام 1973 على الولايات المتحدة ما لا يقل عن 900 مليار دولار وربما يصل الرقم ل 1،2 تريليون. ونتيجة للحظر النفطي أنشأت الولايات المتحدة الاحتياطي النفطي الاستراتيجي “لتحصين الولايات المتحدة و”إسرائيل” من استغلال العرب لسلاح النفط مستقبلاً”.

 

وهذا الاحتياطي النفطي الاستراتيجي الذي يحتوي على مليار برميل، كلف دافع الضرائب الأمريكي أكثر من 134 مليار دولار حتى الآن. وما يزيد الطين بلة أن “إسرائيل” لديها الأولوية في أي نفط يتوفر للولايات المتحدةإذا توقفت إمدادات “إسرائيل” البترولية، وذلك وفقاً لضمان إمداد بترولي قدمه وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر ل “إسرائيل” في 1975. وفي الحقيقة يعتبر رقم ال 3 تريليونات قليلاً جداً، لأنه لا يتضمن التكاليف والنفقات الإضافية المترتبة على الحروب ضد العراق وأفغانستان وباكستان، التي تلعب فيها “إسرائيل” دوراً باطنياً خطيراً.

 

وقد أدت حملة الأنجلوأمريكية على العراق، لارتفاع حاد في أسعار البترول تحمل نتيجته دافع الضرائب. و”إسرائيل” تتسبب أيضاً في نفقات وأعباء كثيرة مستترة، يقع عِبئْؤُها على عاتق دافع الضرائب الأمريكي. فالقروض التي تقدمها الحكومة الأمريكية ل “إسرائيل” ومعها فوائد الأموال التي تعطى إليها يدفعها في النهاية دافع الضرائب الأمريكي. وهكذا يصبح منطقياً اعتبار كل القروض الحكومية التي تقدم ل “إسرائيل” منحاً. وقد تلقت “إسرائيل” أكثر من 42 مليار دولار، كقروض متنازل عنها، أو غير مستردة.

==========================

الاستثناء السوري بين الحداثة والمقاومة ... 1/2

تأليف: كارولين دوناتي / ترجمة وعرض: بشير البكر

آخر تحديث:السبت ,31/10/2009

الخليج .

صدر مؤخرا عن دار “لاديكوفيرت” الفرنسية كتاب جديد عن سوريا تحت عنوان: “الاستثناء السوري بين الحداثة والمقاومة”. ولا يبدو أن سوريا مفهومة من الغرب، وخصوصا من فرنسا. ومن هنا فإن هذا الكتاب يمكنه أن يُقدم إضافة إلى القليل من المعلومات المتوافرة. خصوصا، أيضا، أن الرئيس السوري الجديد بشار الأسد، لا يزال غير معروف، وزاد من الأمر غموضاً سوء العلاقات المفاجئ بين فرنسا وسوريا بصفة دراماتيكية بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. وراء هذا الكتاب الصحافية الفرنسية، كارولين دوناتي،التي سبق لها ان عملت في بيروت مراسلة لصحيفة “لاكروا” الفرنسية، ما بين سنتي 1996 و2000 وقد سافرت إلى سوريا عدة مرات.

 

تستهل الكاتبة كارولين دوناتي مقدمة كتابها من سنة ،2007 سنة الانتخابات التشريعية في سوريا. وترى أن سوريا تغيرت وأن الرئيس بشار الأسد الذي وصل إلى السلطة بصفة مفاجئة، من دون تجربة تُذكر، بعد الرحيل المفاجئ لوالده الذي حكم سوريا خلال أكثر من ثلاثة عقود، قد شبّ عن الطوق. “لقد واجه أكبر قوة عظمى، وأصبح له من الآن مقام الزعيم. لقد فاز في التحدي الذي كان بينه وبين التحالف الغربي”. وتشير الكاتبة إلى شعار يستخدمه السوريون، بلهجة انتقامية وشبه تهديدية: “من يَعْزل سوريا يَعزل نفسه عن المنطقة”.

 

بشار الأسد يسير على خطى والده بنجاح

 

تتساءل من كان يتصور رؤية الرئيس بشار الأسد، في يوليو/تموز من سنة ،2008 في باريس في الشانزليزيه، يجلس على المنصة الرسمية إلى جانب زعماء دولة آخرين في احتفالات الرابع عشر من يوليو؟، وتعلق الكاتبة بالقول: “إنه انتصار رائع لمن كان الكثيرون يتوقعون انهياره سنة 2005”.

 

لا تبالغ الكاتبة في وصف المكانة التي يحظى بها الرئيس السوري في العالَم العربي: “يحظى بشعبية كبيرة: خطبه اللاذعة ضد “إسرائيل” والولايات المتحدة وحلفائهما من العرب، تثير إعجاب المُعارَضات الشعبية. كما أن “مقاومة” بلاده أعادت إحياء أحلام الاستقلال لدى شعوب مجبولة/معجونة من الضغينة”، كما أنه “عرف كيف يرسي سلطته في الحزب وفي العائلة وفي الجهاز العسكري- الأمني”، تضيف المؤلفة، ويبدو أن الرئيس الأسد قد هيمن على المحيط الذي جعل منه “ملكا”، وبدأ يُمارس بشكل كامل السلطات التي يمنحها له النظام الرئاسي المستبدّ المشخصن، بشكل بالغ، الذي أنشأه حافظ الأسد. إن بشار الأسد وهو يتتبع خطى والده يفرض نفسه، من الآن فصاعدا، في المواجهة. إنه يريد أن يفرض بلدَهُ كفاعل رئيسي للُّعْبة الشرق الأوسطية.

 

تتحدث الكاتبة عن صعود سوريا في التاريخ المعاصر، وخصوصا بعد تأثير النكبة، سنة ،1948 ولكن الدور المركزي يعود للرئيس حافظ الأسد. “ومع البعثيين الأوائل، ابتداءً من سنة ،1963 حددت سوريا بنفسها خطوط سياستها الخارجية، ولكن الجنرال حافظ الأسد هو الذي أكّد القوة الإقليمية للبلد، وانطلاقا من سنة ،1976 وهو أزلج مشْهَدَها الداخلي”، وتقول صحيح أن سوريا تعرضت “لضربة قاصمة في لبنان سنة ،1982 حيث كانت سوريا الأسد تواجه فيها الجيش “الإسرائيلي” والولايات المتحدة قبل أن تعود بقوّة سنة ،1987 حيث استقر جيشها في بيروت. وفي سنة 1991 تم فرض السلام السوري “Pax syriana”. وفي سنة 2005 دُفعت للخروج من لبنان ولكنها قاومت خسارة تأثيرها إلى أن رأت نفسها وهي تُرتجى من قبل القوى الغربية سنة 2007 من المساعدة على استقرار “بلد الأرز”.

 

وتذهب الكاتبة إلى حد القول إن حافظ الأسد وبشار الأسد لا يختلفان في الإشكالية التي تحركهما: “وهي مكانة سوريا على الخريطة الإقليمية وعلاقاتها مع “إسرائيل”. على الرغم من أن الرهانات والسياق كان مختلفاً بشكل جذري: كان حافظ الأسد يحارب من أجل فرض هيمنته في الشرق الأوسط العربي واستعادة الجولان المحتل سنة 1967 ومحو ندوب الهزيمة. بشار الأسد يحارب من أجل بقاء نظامه في حدود الجمهورية العربية السورية، التي تتعرض لتهديد القوة الأمريكية والتوازنات الداخلية الهشة”.

 

وتسترسل الكاتبة “تعرضت سوريا لضعف من خاصرتها العراقية وفي لبنان، ولكنها وهي “الدولة المتمردة” نجحت رغم كل شيء في اللعب على تناقضات خصومها في هذين البلدين، مُحافِظة على قوة إزعاج لم تتغير. بشار الأسد نادى بشرعية قومية سورية وعربية في آن، ويحاول بناء “جبهة رفض” جديدة إزاء النظام الأمريكي حول محور دمشق- طهران. فتمدد، بذكاء، على الخريطة الإقليمية، التي ارتسمت بعد سقوط صدام حسين، سنة ،2003 ومن خلال أخذ تركيا كضامن. وقد استثمر بشار الأسد بدائل للهيمنة الأمريكية ومتتبعاً انقلاب العالم نحو الشرق، عقد تحالفات جديدة في اتجاه آسيا والخليج، ووجد داعماً قوياً في إمارة قطر الثرية. وقد قد أتاح هؤلاء الحلفاء الجدد لسوريا تعويض خسارتها للبنان وتدهور علاقاتها مع المملكة العربية السعودية ومصر.

 

وترى الباحثة أن الحكم السوري يتصرف ببراغماتية كبيرة، حيث إنه يتم تقييم الاستراتيجية القومية العربية وفقاً للرهانات الداخلية، فاستعادة الجولان أساسية في الخطابات، ولكن في الأفعال، تتغلب المصالح الاقتصادية.

 

يتعلق الأمرُ بإزالة الحصار عن سوريا والعثور على شركاء يساعدونها على دعم تحديث بلد يواجه تحديات اجتماعية أساسية. ولكن “السياسة الخارجية لسوريا لا تمليها فقط الاستجابة والتعامل مع التطورات الدولية؛ بل يفرضها أيضا واجب استمرار وديمومة النظام (السوري) وتغيرات المجتمع السوري، الذي لا تتجاوز أعمار نصفُ سكّانه العشرين سنة. إلا أن اللبرلة أطلقها ودعمها بشار الأسد والانفتاح على الحداثة التكنولوجية لم تأت بالتنمية الموعودة. والفرق شاسع جدا ما بين تحديث بعض قطاعات الأنشطة وبين إفقار المجتمع: الفوارق تزداد عمقاً بين طبقة وسطى غير مستقرة وبين محظوظين يزدادون ثراء”.

 

وترى الكاتبة، وهو ما يصعب تأكيده، أن “الطموح السوري في القوة لا يمتلك الأوراق في يده خلافا لما يوحي به الخطاب الرسمي: إذ إن سوريا لا تملك وسائل إفشال الولايات المتحدة في العراق، كما أنها لا تُملي سياستها لا على حزب الله اللبناني ولا على حركة حماس. فتعوّض عن هذا النقص من خلال اللجوء إلى المزايدات والتهديد والاستخدام”. هذا هو رأي الكاتبة، وإن كان الكثيرون يرون في سوريا عائقاً أمام الاستقرار السياسي والعسكري في العراق وفي لبنان وفي فلسطين وحتى مع إيران.

 

وترى الكاتبة أن المسؤولين السوريين يطالبون صراحة، ب”المقاومة”، ولكنهم يتشبثون ب”التحدي” أو “الممانعة”. وتستخدم الكاتبة بعض الفكاهة المرة: “ستقاوم سوريا إلى آخر لبناني”. وهو ما كان يقوله، بسخرية، معارضوها أثناء العدوان “الإسرائيلي” على لبنان في صيف 2006.

 

يخوض بشار الأسد مقاومة تعويذية، ولكنه لا يتردد في البحث عن الحلول الوسط للحفاظ على نظامه. وتظهر البراغماتية السورية في عدم تحرجه من التعاون مع الغربيين حول قضايا سياسية إقليمية وأمنية ما دام أن الأمر يتعلق بالدفاع عن مصالحه، وهو ما ينعكس في قيام السوريين بتوقيف الجهاديين، وهم أعداء محتملون للنظام. وتقول إن السياسة الخارجية القومية للحكم السوري، التي باسمها يتم تبرير العطل الذي يعرفه الشأن الاجتماعي والاقتصادي والحد من الحريات والبؤس اليومي، أتاح لحد اليوم احتواء التهديد الإسلامي. وترى أن كل تغير في الاتجاه للاستراتيجيا يفترض تقديم مقابل فوري للسكان وكذا تأسيس عقد اجتماعي جديد، وإلا فإن التوترات ستزداد اشتعالاً، والتي ستتخذ منطقاً طائفياً.

 

وتصف الكاتبة الفترة الحالية، ها هي سوريا وهي تخرج حثيثاً من حصار قاسٍ ومن عزلة دبلوماسية، فهل يمكن لها، كما تتساءل الكاتبة، أن تستعيد وضعية الفاعل الكبير في الشرق الأوسط التي منحها له الراحل حافظ الأسد؟، وأية أجوبة يمكن للمسؤولين السوريين أن يقدموا لغياب التوازنات الاجتماعية والاقتصادية في البلد؟ هل سيعرفون كيف يمكن معالجة وإدارة التعبئات الهوياتية التي تنتج عن الأمر، والمرتبطة بشكل وثيق بتطور المحيط الإقليمي، ابتداءً بالعراق، المهدد بالتفكك من قبل منطقته الكردية؟ وهل سيؤمّن التكوين الجديد التسلّطي الذي بدأه بشار الأسد ديمومة نظامه؟ هل يمكن لل”خصوصية السورية” أن تدوم؟

 

وترى الكاتبة أنه أمام أسئلة صعبة كالتي يطرحها الكِتاب، فإنها لا تدّعي تقديم أجوبة نهائية وجازمة.ومن باب تواضع مطلوب تكتب كارولين دوناتي: “هذا الكتاب يرمي قبل كل شيء إلى ملء نقص في المعلومات بخصوص سوريا وتقديم عناصر فهم للقارئ، تم التقاطها خلال سنوات عديدة من التحقيق في سوريا وفي لبنان، وتضمن لقاءات مع سياسيين ودبلوماسيين ومثقفين ومقاولين... من دون نسيان شباب المدن الكبرى في البلد”.

 

حين تتحدث المؤلفة عن “الخصوصية السورية”، فإنها تضيف لها وصف الغامضة.ومن هنا فهي تريد: “مقاربة هذه الخصوصية، من خلال إضاءة التحليل السوسيولوجي عبر ملاحظة مباشرة، من دون مجاملة، ولكن يغذيه تعاطف”، وفي نهاية الأمر تعتبر الكاتبة أن كتابها يهتمّ ب”المجتمع المدني السوري”.

 

ولادة سوريا الحديثة

 

تنطلق الكاتبة في تعريف تاريخي وجغرافي بسوريا. “برّ الشام”. أي سوريا، التي حصلت على استقلالها سنة 1943. وجاء الحكم البعثي ليحتفظ باسم “سوريا”، التسمية التي وُرِثتْ من المصادر العربية القروسطوية، في اتفاق مع أيديولوجية الحزب القومية العربية. وتقول إن المناورات الأيديولوجية والسياسية البعثية في السلطة منذ سنة ،1963 ليست بعيدة، بطبيعة الحال، عن هذا الغموض الهوياتي. فحسب أيديولوجية حزب البعث، تعتبر سوريا قُطْراً من الوطن العربي.

 

تتحدث الكاتبة عن أصول الوطن العربي، وخصوصاً بعد بتره، في مؤتمر سان ريمو في ابريل/نيسان من سنة 1920 الذي جمع ما بين البريطانيين والفرنسيين والإيطاليين واليونانيين واليابانيين والبلجيكيين، وكان من نتائجها: منح “سوريا الشمالية” (سوريا ولبنان الحاليين) لفرنسا، و”وسوريا الجنوبية” (فلسطين والأردن و”إسرائيل” الحالية) بالإضافة إلى العراق لبريطانيا. ثم تنتقل إلى فسيفساء السكان (من أعراق وقوميات وطوائف وديانات).كما أنها تتطرق إلى “بناء قومي ناقص”، إلى المملكة العربية العابرة للملك فيصل. “في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول من سنة ،1918 دخل الأمير فيصل، ابن شريف مكة حسين بن علي، إلى دمشق. وجد فيها قواته التي حاربت الأتراك في فلسطين.

 

ثم نصل إلى “الثورة السورية الكبرى” لسنة 1925 التي دخلت في الذاكرة الجماعية للسوريين. وهي “انتفاضة الدروز سنة 1925 التي تعتبر لحظة حاسمة في صراع النخبة السورية ضد المحتل الفرنسي”، وقد لعبت الانتفاضة الدرزية الكبرى دوراً حاسماً في تاريخ سوريا. “لقد أتاحت تثبيت القومية العربية في المدن السورية الداخلية. كما أن اختبار القوة دفع، بصفة خاصة، النخبة القومية إلى براغماتية أكبر. فالنبلاء نظموا جبهة سياسية، الكتلة القومية، وقرروا تحقيق هدف الحصول على الوحدة السورية في إطار” حل وسط مشرف مع قوة الانتداب”، ولكن الاستقلال الذي تم في نهاية المطاف لم يخلُ من محاولات انفصالية”. المحاولات الانفصالية للعلويين والدروز هددت بشكل كبير قابلية الكيان السوري للحياة حتى بعد اتحاده الرسمي سنة ،1936 التي رأت جبل الدروز وأراضي العلويين مندمجة في سوريا وفق نظام إداري خاص. إن تمردات هؤلاء السكان ضد السلطة المركزية هي بالتأكيد نتيجة سياسة فرنسا التي تشجّع على الانفصال، ولكنها تعبّر، أيضا، عن التنافُس القديم بين المدينة والجبل. إنّ عدم خضوع “الجبليين” لسلطة مدن الداخل تاريخيّ”.

 

وتصف الكاتبة مَشاهد فوضى عارمة من انقلابات ومن انتفاضات في سوريا الحقبة الانتدابية. “الأقليات رفضت، مرات عديدة، سياسة الاستيعاب العنيف للسلطة المركزية. فالعسكريون، في حقيقة الأمر، الذين يحتلون السلطة من 1949 إلى ،1954 قاموا بمسلسل تفكيك الطائفية. في الفترة الأولى، سنة ،1949 تم الحدُّ من التمثيل الطائفي في البرلمان: ما بين 1947 و1949 رأت الطائفة المسيحية عدد نوابها يهوي من 19 إلى ،14 والعلويين من 7 إلى ،4 والدروز من 5 إلى ،3 في حين أن اليهود خسروا مقعدهم الوحيد، بينما تم استيعابُ الأكراد والأتراك والشركس في الأغلبية السنية (حسب باتريك سيل، فإن القانون الانتخابي لأيلول ،1949 خصص 108 نواب، يمثلون 30 ألف مواطن، 86 نائباً مسلماً، و15 مسيحياً، ويهودياً واحداً و6 من ممثلي القبائل..). في سنة ،1949 تمت إزالة الدائرة الانتخابية الخاصة بالقبائل. في سنة 1953 أعلن الدكتاتور أديب الشيشكلي عن إزالة الطائفية. والنتيجة هي أن القانون الشخصي والتشريعات الدرزية والعلوية التي أرساها الانتدابُ تم إلغاؤها. كما تم منع المسؤولين الدينيين للأقليات من أي ظهور سياسي. وفي نفس الوقت تم خوض عملية تعريب منظمة في كل ميادين الحياة العمومية (تعريب الأسماء وجعل اللغة العربية لغة تعليم حصرية في المدارس الرسمية) كما أن دستور سنة ،1953 جعل الإسلام دين رئيس الدولة. الأمر الذي نُظر إليه باعتباره “هيمنة الطائفة الأغلبية”، مما أدى إلى إلغائه سنة 1954 حين شاركت الأقليات (الكردية والدرزية والعلوية، والمسيحيين أيضا) في التعبئة لقلب الرئيس أديب الشيشكلي.

 

الرهان السوري

 

كأن الماضي العربي الحافل والذهبي هو الماضي. فكما أن الكثيرين يتحدثون عن العصر الذهبي في مصر النظام الملكي، فإن المؤلفة ترى النظام البرلماني في سوريا. “انتخابات حرة، حق التصويت للنساء 4 سنوات فقط بعد إقراره في فرنسا. أول نائب برلماني شيوعي في العالم العربي، أولى الدول العربية التي خلقت بنكاً مركزياً، الاعتراف بالحريات النقابية، صحافة رأي حرة وتعددية... الجمهورية العربية السورية وعصرها الذهبي: سنوات الخمسينات (من القرن العشرين)”، وتضيف إن “الحنين إلى هذه الحقبة يجعلنا ننسى أن هذه السنوات، سنوات “ما قبل- الأسد”، تجمع أرقاما قياسية في عدد الانقلابات. في ما بين سنتي 1946 و1970 عرفت الجمهورية العربية السورية عشرة رؤساء”.

 

وتقول الكاتبة، تسببت “النكبة” في إثارة صدمة كبيرة في العالم العربي. وفي سوريا تم اعتبار الأمر “هزيمة وطنية”، وقد “كانت الصدمة في مستوى الأهمية التي تحظى بها فلسطين في عيون السوريين القسم الجنوبي من محافظة سوريا القديمة والحماسة التي انخرط فيها السكان في المعركة، والتي تقترب من يقين الانتصار”، وكي تستعيد سوريا ما كانت تعتبره “أرضها”، فهي التي منحت القسم الأكبر من الجنود مقارنة مع الدول العربية الأخرى، من دون تعداد العديد من المتطوعين في “جيش الإنقاذ” الذي أرسلته الجامعة العربية.

 

بالفعل وجدت سوريا نفسها، بين أحلام قومية كبرى تتجاوزها، وبين أعداء وخصوم عديدين لا ينظرون إليها بعين الرضى. هذا هو قدرها، وهو قدرٌ قاسٍ.. “رأت سوريا، المحاصرة من قبل أنظمة موالية للغرب ومسلحة من طرف الولايات المتحدة، والمُهدَّدَة، عسكرياً، من قبل الأتراك، والمنخرطة في حرب استنزاف مع “الإسرائيليين”، الخناق يشتدّ من حولها”، وللخروح من هذه الوضعية القاسية، “ارتأت مجموعة من الضباط تجنيب سوريا الفوضى أو سقوط البلد في أيدي نظام شيوعي، وحصلت على تشجيع من البعثيين، دفعوا الحكومة في اتجاه خيار راديكالي: الوحدة مع مصر”.

 

وترى الكاتبة أنه إذا كانت للزوابع الإقليمية والدولية وقعٌ على المشهد الداخلي السوري فلأنها كانت تجري في مجتمع في قمة الحركة ومسيَّس للغاية. محاربة الامبريالية تتطابق بل وتذوب في الصراع ضد “جمهورية النبلاء”. احتل الشباب الشارع، ودانوا الدسائس السياسية والتواطؤات البرلمانية. في عشر سنوات من الاستقلال، تغيّر البلدُ بصفة عميقة تحت تأثير التحديث. في سوريا سنوات الخمسينات كان التسيّس شاملاً وسريعاً: “يحدُث في المدرسة وليس في فترة النضج كما كان شأن الجيل السابق”.

 

حكم الأسد

 

تقول المؤلفة ان الرئيس السوري، حافظ الأسد، وصل إلى الحكم عبر انقلاب عسكري، “فأرسى نظاماً رئاسياً تسلطياً مشخصناً. فتصدى لتقوية الدولة وانخرط في سياسة التنمية. باحتفاظه بالمؤسسات والقوانين الاستثنائية الموروثة من الثورة البعثية (محاكم عسكرية، محكمة أمن الدولة، منظمات شعبية...)، يمنح رجل سوريا القوي لنظامه قاعدة دستورية. وترى الكاتبة أن سوريا الأسد، والحركة التصحيحية، “ليست مجرد ديكتاتورية عسكرية بعثية، لأنّ التسلط يشتغل فيها وفق ترابط القمع والاختيار التكميلي (وفق نظام زمالة). حافظ الأسد والجنرالات الذي “يخوصصون” الدولة يتحكّمون في المجتمع من خلال الشبكات المؤيدة التي أنشأوها أكثر مما يتحكمون في المؤسسات. الولاء للنظام يُكافأ بالممتلكات المادية. وقد نسج الرئيس تحالفات مع الطوائف السورية الأخرى، على مجموع التراب الوطني، من دير الزور شمالاً إلى السويداء جنوباً مروراً بدمشق. شبكات التضامن هذه تم تشكيلها في الحزب وأجهزته الملحقة (نقابات ومنظمات شعبية) والبيروقراطية وعالم المقاولات، مانحة للنظام قاعدة عريضة وسط السكان وموظفي القطاع العامّ والفلاحين وعمال القطاع الخاص. بفضل هذه الشبكات وليس فقط بواسطة الماكينة القمعية وحدها حقق حافظ الأسد انتصاره على الإخوان المسلمين سنة 1982”، ولكن هنا يكمن ضعف نظام الأسد: “الارتكاز على رجال وليس على مؤسسات، يجعل النظام هشّاً، كما برهنت عليه “أزمة الخلافة” سنة 1983”، ولكن الأسد الذي قام بانقلابه بعد أن أصبح أقلية في حزب البعث السوري، اكتشف أن “التحكم في الجيش هو مفتاح السلطة”.

 

نقرأ في الكتاب أشياء لا تخفى على الكثيرين، في العالم العربي. صحيح أنها مهمة للغربيين لفهم سوريا ونظام الحكم فيها. ومن بينها الدور الرئيسي للجيش في حكم البلد. وهذا الدور من خلال سلسلة من الضباط العسكريين الأوفياء لحافظ الأسد. الجيش حاسم، ولكن ما دور الحزب؟ استفاد حافظ الأسد من تجربته الخاصة، حين كان أقلية في الحزب وحين كان هذا الحزب مع الرئيس صلاح جديد، ولهذا فمن الأفضل له أن يكون الجيش والحزب معا في جيبه. وتقول انه كان الرئيس حافظ الأسد يروقه دائما أن يكرر: “كنت دائما رجل مؤسسات”، ولكن البعث يظل حزبا “مُفْرغا من كل جوهر سياسي”. كما أنه تحّول، مع حافظ الأسد، إلى شبكة واسعة للرعاية: “تُوزِّع ترقيات فردية وجماعية على مستوى القرى والفدراليات النقابية”، وهو ما ترى المؤلفة أنه “فتح باب البيروقراطية”. ولكن على الرغم مما تبدو عليه الماكينة البعثية من قوة، فإنها “اصطدمت بالحقائق المحلية. ففي الأرياف السورية اضطر الحزب إلى الاعتماد على شبكات التضامن التقليدية واللعب على وتر التعارُضات القبلية أو الطائفية لتجنب الصراعات”.

 

وتعود الكاتبة للتحدث عن أزمة 13 نوفمبر/تشرين الثاني من سنة ،1983 حينما نقل الرئيس حافظ الأسد إلى مستشفى الشامي في دمشق. وكان الأمر يتعلق بأزمة قلبية، وهنا طُرح موضوع الخلافة، ما دفع أخاه رفعت الأسد إلى المطالبة بحقه في خلافة أخيه، باعتباره “الوريث الطبيعي”. وقد مرت سوريا أثناء مرض الرئيس بأزمة كبرى، حيث تنقل الكاتبة عن باتريك سيل: “إن الجنرالات الأقوياء في سوريا اتّحدوا من حول رفعت الأسد ورفضوا اللجنة المكونة من ستة مسؤولين حزبيين التي عهد لها الرئيس بإدارة شؤون البلد في غيابه”. ولكن المُؤلّفة تتساءل، دون معرفة الجواب، عن الأسباب التي دفعت هؤلاء العسكريين إلى مساندة رفعت الأسد. هل السبب هو المحافظة على مصالحها أم يتعلق الأمر بالمناورة من أجل التحكّم في أخ الرئيس؟”.

 

تعتبر الكاتبة أنه من مآثر حافظ الأسد اشتغاله على السياسة الخارجية. وليس أدلّ على هذا من حالة العزلة التي كانت عليها سوريا بعد هزيمة ،1967 وكيف أنه قرّر الخروج منها. تنقل ما قاله عن نظرته إلى السياسة الخارجية: “في السياسة الخارجية لا يوجد حب ولا حقد أبديان، ولكن فقط مصالح دائمة. على هذه القاعدة يتوجب علينا أن نعامل الدول الخارجية على ضوء دعمها أو معارضتها لمصالحنا القومية. إن سياستنا الخارجية يجب أن تظل في منأى من التشنجات ومن الطفرات المزاجية”.

 

وتقول تمظهُرُ هذا التغيّر في السياسة، هو إحداث قطيعة مع سياسة “المغامرة” التي سلكها من سبقوه. والنبرة تغيرت، بالضرورة. “في سنة ،1970 لم تَحِنْ ساعة تحرير فلسطين ولكن حانت ساعة تأكيد المصالح القومية العربية، والسورية في المقام الأول. وبافتخار، يؤكد حافظ الأسد أنه الأقدرُ على الدفاع عن المصالح العربية في مواجهة “إسرائيل”. ومن هنا فما على الأردن والفلسطينيين ولبنان سوى الخضوع لاستراتيجيته وأن يكونوا خلف زعامته”، ولكن، حذار من الكلمات. “فالرئيس الأسد ليست لديه أطماع في أراضي جيرانه. لا يريد تحقيق “سوريا الكبرى” ولا إنعاش حلم المملكة العربية لفيصل”.

الاستثناء السوري بين الحداثة والمقاومة ... 2/2

آخر تحديث:الثلاثاء ,03/11/2009

تأليف: كارولين دوناتي / ترجمة وعرض: بشير البكر

الخليج

صدر مؤخرا عن دار “لاديكوفيرت” الفرنسية كتاب جديد عن سوريا تحت عنوان: “الاستثناء السوري بين الحداثة والمقاومة”. ولا يبدو أن سوريا مفهومة من الغرب، وخصوصا من فرنسا. ومن هنا فإن هذا الكتاب يمكنه أن يُقدم إضافة إلى القليل من المعلومات المتوافرة. خصوصا، أيضا، أن الرئيس السوري الجديد بشار الأسد، لا يزال غير معروف، وزاد من الأمر غموضاً سوء العلاقات المفاجئ بين فرنسا وسوريا بصفة دراماتيكية بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. وراء هذا الكتاب الصحافية الفرنسية، كارولين دوناتي،التي سبق لها ان عملت في بيروت مراسلة لصحيفة “لاكروا” الفرنسية، ما بين سنتي 1996 و2000 وقد سافرت إلى سوريا عدة مرات.

 

تستهل الكاتبة كارولين دوناتي مقدمة كتابها من سنة ،2007 سنة الانتخابات التشريعية في سوريا. وترى أن سوريا تغيرت وأن الرئيس بشار الأسد الذي وصل إلى السلطة بصفة مفاجئة، من دون تجربة تُذكر، بعد الرحيل المفاجئ لوالده الذي حكم سوريا خلال أكثر من ثلاثة عقود، قد شبّ عن الطوق. “لقد واجه أكبر قوة عظمى، وأصبح له من الآن مقام الزعيم. لقد فاز في التحدي الذي كان بينه وبين التحالف الغربي”. وتشير الكاتبة إلى شعار يستخدمه السوريون، بلهجة انتقامية وشبه تهديدية: “من يَعْزل سوريا يَعزل نفسه عن المنطقة”.

 

بشار الأسد يخرج من تحت عباءة والده ب "مرونة أكثر"

 

ارتكزت سياسة حافظ الأسد على التحكم في اللعبة الشرق الأوسطية. وهو في هذه السياسة ارتكز على المحور الثلاثي: الرياض - القاهرة- دمشق “التحالف السوري - المصري حيوي لتصليب جبهة عربية موحَّدَة وتقوية الموقف السوري في مواجهة “إسرائيل””.

 

وقد “استطاع الأسد أن يستعيد بعض الشرعية في بلده، فبعد أن تم تحميله مسؤولية خسارة هضبة الجولان سنة ،1967 أصبح بطل استعادتها، وهو ما دفع معارضيه إلى الصمت”، ويتعلق الأمر هنا باسترجاع القوات السورية في حرب أكتوبر ،1973 لقسم من الأرضي المحتلة، وهي مدينة القنيطرة.

 

وترى الكاتبة أن دهاء الرئيس الأسد لا يحتاج إلى برهنة. فبعد خروج الرئيس المصري أنور السادات من الصف العربي، بعد اتفاقية الصلح المنفردة مع “إسرائيل”، وجد الرئيس السوري نفسه في وضعية ضعف، ما دفعه إلى تأسيس “جبهة الرفض”، مع اليمن الجنوبية وليبيا والجزائر ومنظمة التحرير الفلسطينية. ولكن هذه الجبهة لم تكن رداً جدياً على خروج الجيش المصري من المعادلة. إذْ “من دون دعم المملكة العربية السعودية التي ظلت الحليف الأول لواشنطن، وفي ظل غياب العراق، فإن هذا الحلف لم يكن سوى شكلي وقليل الفعالية”. وأمام التنافس الحاد بين العراق وسوريا، بين بلدين يحكمهما حزب واحد، وهو حزب البعث، كان لا بد لسوريا أن تبحث عن حليف آخر، خصوصا وأن “ميثاق العمل المشترك” الذي تمّ إبرامه بين البلدين في 25 أكتوبر/تشرين الأول من سنة ،1978 سرعان ما تم نقضه، بعد اتهام العراق للسوريين بالضلوع في محاولة انقلاب فاشلة. وجاءت ثورة الخميني التي أطاحت الشاه لتدشن تحالفا، من الساعات الأولى، بين سوريا وإيران. وجاءت الحرب العراقية - الإيرانية، سنة ،1980 لتظهر “دمشق، عاصمة القومية العربية، وهي تدعم بلدا غير عربي”.

 

لقد جاء الأسد ليدافع عن مكانة بلده في خريطة الشرق الأوسط، فدفع بالبراغماتية إلى أكبر مدى، فدخل في شراكة مع الاتحاد السوفييتي، الذي ساعده كثيرا في حرب اكتوبر/تشرين الأول سنة 1973 كما أنه أراد ترويض الفلسطينيين، وكان الغرض كما تقول الكاتبة: “منذ رفضه مساندة الفدائيين الفلسطينيين في الأردن سنة ،1970 الذين جعلوا من لبنان قاعدتهم بعد طردهم من الأردن، كان ثمة منطق واحدٌ يُحرّك الرئيس السوري، وهو منع تشكيل جبهة فلسطينية لا يمكن التحكم فيها، تتسبب في إطلاق عملية “إسرائيلية” تضع سوريا في موضع الخطر”، كما أن من بين مظاهر سياسته وذكائه السياسي، هو تحويل لبنان إلى “عنصر مركزي في موازين القوة مع “إسرائيل” والولايات المتحدة”.

 

وتواصل عرض نظرتها، وحين جاءت الاتصالات والمفاوضات بين سوريا و”إسرائيل”، تحت رعاية الرئيس الأمريكي الاسبق بيل كلينتون، وقبل رئيس الوزراء “الإسرائيلي” الأسبق إيهود باراك الانسحاب من “المستنقع اللبناني” قبل شهر يوليو/تموز ،2000 كان الرد السوري إيجابيا.

 

وترى الكاتبة ان الرئيس حافظ الأسد مدّ يده إلى اليد “الإسرائيلية” الممدودة التي تريد توقيع سلام “سلام الشجعان”. ولكن حين كشفت الصحافة “الإسرائيلية” بعض تفاصيل الاتفاق المقترح، وخصوصا عن تقدم حصل في موضوع الأمن والتطبيع، وحين تحدّث الرأي العام العربي عن “تنازلات مفرطة قدمتها سوريا”، قرر الرئيس السوري وقف المحادثات. ويبدو أن سوريا لم تتوصل إلى إقناع “الإسرائيليين” بقبول طلبها المركزي: قبول خط الرابع من يونيو/حزيران 1967 كقاعدة تفاوض على الحدود المشتركة.

 

وتقول الكاتبة، لكن “إسرائيل” كانت تعترف بحدود سنة ،1967 إلا انها كانت تقترح اقتطاع ما بين 400 و500 متر تؤمن لها التحكم في الطريق التي تلتف على بحيرة طبرية، على الضفة الشمالية الشرقية، وهكذا كانت ترفض منح السوريين الوصول إلى الماء الذي يطالبون به. “إن فشل لقاء جنيف بين الاسد وكلينتون أغلق نافذة وبدد وَهْم الولايات المتحدة، التي رأت دورها كوسيط شريف في مسلسل السلام يتبدد”.

 

بشار في السلطة

 

وتجزم الكاتبة أن “الورقة اللبنانية” لن تتيح لحافظ الأسد استرجاع الجولان، حين قامت “إسرائيل”، في 25 مايو/أيار من سنة ،2000 بسحب قواتها من جانب واحد من جنوب لبنان. بعد أسبوعين من هذا وصل بشار الأسد إلى السلطة. “كان ذلك في 13 يونيو/حزيران من سنة 2000 عقب وفاة والده. وقد استطاع الأسد الابن أن يجنّب بلاده السقوط في الفوضى أو في المجهول، كما كانت ترى الكثير من التوقعات”، وتقول انه وصل للسلطة في وقت كان الانتظار فيه كبيرا. وتتحدث عن الأوضاع في سوريا وحالة الحزب، والصراع بين المحافظين “الحرس القديم” “والحداثيين”. وتتساءل لكن هل يستطيع رئيس شاب، لم يكن يرغب أصلا في السلطة أن يجيب عن كل هذه الانتظارات؟

 

وتقول، كما يرى المراقبون فإن الإصلاح الحقيقي لحزب البعث لم يتم. والجبهة الوطنية العريضة ليست سوى ديكور للحزب. وكان من بين قرارات الرئيس الأسد “تأكيد أهمية الهوية العربية والحفاظ على القيادة القومية. وقد حقق خطاب الأسد استقطاب الأطراف التقليدية للبعثيين. المنطق العروبي يظل الوقاية ضد تشظّي البلد”، وتقول لقد ظل حزب البعث الحزب الحاكم. “وقد ظل الحزب أداة في خدمة السلطة وواصل منحها الشرعية من خلال إعطاء غطاء أيديولوجي لتوجيهاتها”. في حين ان الشعب السوري، وقواه الحية، كانوا ينتظرون الإصلاح السياسي. ولكن “هذا الاصلاح تم تأجيله، مرة أخرى، من قبل الرئيس السوري، بسبب الظروف الإقليمية والضرورة الأمنية. كما أن انتخابات مايو/أيار 2007 جرت في إطار دستوري تمت المصادقة عليه في سنة ،1973 ومنحت لحزب البعث وحلفائه أغلبية عالية”.

 

وتلاحظ الكاتبة أن الرئيس السوري قلّم أظافر الحزب، وهو ما شجع على ظهور قوة جديدة وهي قوة “طبقة الأثرياء الجدد”، وتقول “كان المرشحون البعثيّون يتم إخضاعهم لتقارير الاستخبارت العامة، ولا يوجد من تكنوقراطي قادر على إدارة الخيارات الاقتصادية الجديدة لسوريا انبثق من صفوف حزب البعث”. وفي ما يخصّ المنتخبين المستقلين، الذين تم اختيارهم من قبل الأجهزة وبفضل ثرواتهم، يؤكدون انحراف النظام نحو “الأعمال”. وخلاصة نظرتها ان الكاتبة ترسم صورة قاتمة لدور الحزب وتلاشيه في سوريا: “طبقة الأثرياء الجدد ( المنشغلين بالأعمال) هي التي تصدت للتعبئة السياسية حين كانت السلطة تعرف مشاكل. وحين عاد الجنود السوريون من لبنان سنة 2004 تم استقبالهم على الحدود اللبنانية - السورية ليس من قبل كوادر الحزب، ولكن من قبل مدير مجموعة صحافية خاصة. من الآن فصاعدا أصبحت تظاهرات دعم النظام يقوم بها القطاع الخاص. حملة استفتاء سنة 2007 أبرزت أيضا قوة التعبئة التي يمتلكها رجل الاعمال رامي مخلوف، في تناقض مع الأداء الهزيل للحزب أثناء الانتخابات”.

 

وتواصل تعزيز وجهة نظرها “في سنة ،2009 ومع اقتراب مؤتمر الحزب سنة ،2010 يظهر رجال الأعمال إرادة في الالتفاف على الحزب من خلال الحصول على تمثيلية سياسية، إن في إطار تشكيلات جديدة، أو في إطار حزب البعث الذي هو بصدد التخلي عن مرجعيته للطبقة العاملة”.

 

الانسحاب من لبنان والعزلة الدبلوماسية

 

تقول الكاتبة إن الانسحاب السوري من لبنان في سنة 2005 كان مؤثراً جداً. وكان الكثيرون يتوقعون أن تكون تأثيراته موجعة في استقرار البلد. وقد جاء مترافقا كما نرى من العنوان، في خلق عزلة دبلوماسية. وترى الباحثة أنه تسبب في فقدان المناعة، أو ما يعني “نهاية الصراع السوري- “الإسرائيلي” بالوكالة”. وتضيف، وجاءت الحرب الأمريكية الغربية على العراق والإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين، لتجعل” “العدو الأمريكي” على أبواب سوريا”، وتقول لقد كان الخروج من لبنان، وكذا الفشل على الجبهة الغربية ووضع النظام السوري تحت المراقبة الدولية، قاسيا على حكم يحاول رغبته في الانفتاح والقيام بإلاصلاحات “جاء موترئيس الوزراء اللبناني الحريري ليعمق أزمة النظام السوري مع الخارج. وتم اتهام دمشق من كل الأطراف بالعمل الإرهابي كما وصفه مجلس الأمن”، وفي المواجهة، جاء هروب نائب السوري عبد الحليم خدام إلى فرنسا وتصريحه بأن الرئيس السوري بصفة مباشرة ضالعٌ في اغتيال رفيق الحريري. وكان الهدف من تصريح خدام: “زعزعة النظام السوري”.

 

وترى الكاتبة أنه بعد هذه الفترة الحرجة من التحدي، وهي الأخطر في حياة الأسد الابن، استطاع أن يعرف كيث يخرج منها. وهي التي جعلت الكاتبة تتحدث عن تحول بشار الأسد من ابن للرئيس حافظ الأسد إلى رئيس بما تحمله كلمة الرئيس من معنى. وتقول انه جاءت ظروف عديدة، داخلية وخارجية، ساعدت على “استعادة سوريا للشرعية القومية”، وقد لعب مخلوف دورا كبيرا في إثارة الحماسة الوطنية، كما أن الاغتيالات التي تعرض لها كثير من العمال السوريين في لبنان ساهمت في“تأجيج الاعتزاز السوري الجريح”، كما أن “إسرائيل” من خلالها عدوانها على لبنان سنة 2006 منحت النظام السوري فرصة للظهور بمظهر المدافع شبه الوحيد عن كرامة الأمة العربية والاسلامية، مع حزب الله اللبناني. في حين ظل غيرهما يتفرجون على صمود حزب الله الواضح أمام أعتى قوة شرق أوسطية. وتضيف الكاتبة، “أدت هذه المقاومة وهذا الموقف السوري منها إلى بروز “جبهة رفض” جديدة، تتكون من بشار الأسد ونصر الله وأحمدي نجاد وخالد مشعل. والانتصار العسكري والميديوي لحزب الله في نهاية هذه الحرب، التي كان الهدف “الإسرائيلي” منها هو تجريد الحزب من سلاحه وتحييد حليفيه السوري والإيراني، قوّت جبهة رفض النظام الأمريكي”، كما أن هذه الحالة التي انتهت إليها الحرب ما كان لها سوى “تقوية التعاون بين سوريا وإيران”، ولم يكن هذا التحالف الإيراني السوري إلا أن يزداد خصوصا وأن العربية السعودية دخلت في حرب باردة، وعنيفة أحيانا، مع سوريا، على خليفة اغتيال رجلها في لبنان، رفيق الحريري.

 

وتقول الكاتبة انه من حسن حظ النظام السوري، أن السعودية لم تذهب في اتجاه المساعدة على قلبه، والظرف الخارجي أتى هذه المرة أيضا للحيلولة دون ذلك “هذا النزاع بين المملكة العربية السعودية وسوريا يجب أن يؤخذ باعتدال، خصوصا وأن البلدين العربيين لهما مصالح مشتركة حول مستقبل العراق. فالبَلَدَان يخشيَان من أن تقسيم العراق قد يعني انتصار إيران في الجنوب. فسوريا، كما السعودية، يدافعان عن عروبة بلد مركزي قوي، وترفض المعادلة الفدرالية”.

 

إعادة الانتشار الاستراتيجي

 

تقول الكاتبة يبدو للمراقب للشأن السوري، أن النظام السوري والمسؤولين السوريين لا يزالوان منغلقين في رؤيتهم الأيديولوجية الموروثة عن الحرب الباردة. ولكنهم “يعُون، أحيانا، وجود موازين قوى جديدة للنظام أحادي القطبية ويستثمرون بدائل للقوة الأمريكية الموجودة في كل مكان”، إنهم يريدون الالتفاف على العزلة التي يوجدون فيها. ومن هنا يريدون إعادة انتشارهم على الصعيدين الإقليمي والدولي، في ضوء اللعبة الجديدة الناتجة عن التدخل الأمريكي في العراق والانسحاب من لبنان. وترى الكاتبة أن النظام السوري استخدم الورقة التركية بمهارة. على نحو اعتبرها ضامنا لانفتاحه، كما أنه وجد في دولة قطر المؤثّرة داعِما كبيرا. “وعلى الرغم من ان سوريا لا تتوفر على أصدقاء عرب كثيرين في المحيط الإقليمي فإنها واصلت التأثير”، وترى ان السياسة الخارجية لسوريا تمليها اعتبارات مهمة من بينها ضرورة ديمومة النظام وكذا تغيرات المجتمع السوري. ومن هنا فإن التحالفات الجديدة في آسيا ودول الخليج ترمي إلى إقامة شراكات اقتصادية من أجل دعم تحديث البلد، الذي يواجه تحديات اجتماعية أساسية. وترى ان النظام السوري يذهب في كل الاتجاهات، من أجل رفع رأسه في عالَم لا يُكنّ له الكثير من الود. ومن هنا “فإن بداية التطبيع مع النظام العراقي الجديد، الذي ابتدأ سنة ،2006 يغذيه كثير من الخوف من أن تؤثر الصورة الجديدة للتشكل الإقليمي المتصارع في توازنات سوريا نفسها. كما أن الرئيس بشار الأسد حين قبل في شهر مايو/أيار 2008 فتح مفاوضات غير مباشرة مع “إسرائيل” برعاية تركيا كان يتموقع في انتظار التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية حول مكانة سوريا في هذا الشرق الأوسط الجديد، في أفق انسحاب أمريكي من العراق”.

 

وتقول الكاتبة لكنه في هذا الوقت راح يبحث عن شركاء اقتصاديين في اوروبا وفي آسيا، ومن أجل مواجهة الهيمنة الأمريكية، استخدم السوريون الورقة الأوروبية، فقاموا بتسريع المفاوضات حول الشراكة مع أوروبا. ولكن الانفتاح السوري اصطدم بتصلب الاتحاد الأوروبي، الذي بدأ يشترط، منذ إبريل/ نيسان ،2005 التوقيع على الاتفاق بتطور الأوضاع في لبنان. وفي هذه الحقبة، وعلى الرغم من تأخر التوقيع، فإن السوريين أقاموا علاقات وثيقة مع دول في الاتحاد الأوروبي من بينها إيطاليا وإسبانيا وألمانيا. وأمام التشدد الأوروبي انخرط السوريون في تطوير التعاون الاقتصادي والاجتماعي الثنائي، الذي لا يلزم سوريا بالقيام بإصلاحات. وإذا كنا نرى اليوم عودة الحرارة إلى العلاقات السورية - الفرنسية، فإنه لا يلزمنا نسيان أن فرنسا كانت الأكثر تشددا في علاقاتها مع سوريا، “ولكن السوريين عرفوا كيف يلتفون حولها، إذ عززوا علاقاتهم مع الألمان والإيطاليين والإسبان، الذين أرسلوا وزراء خارجيتهم إلى دمشق ابتداء من صيف ،2006 ما أحدث تشققات في الحصار الأوروبي”، وتقول المؤلفة ان سوريا كانت تسير في كل الاتجاهات، فقامت بتطوير العلاقات مع جنوب إفريقيا وأمريكا اللاتينية. فقدمت فنزويلا تحت حكم الرئيس هوغو شافير دعما لجبهة المقاومة السورية الإيرانية. كما ان السوريين بدأوا يفتحون اقتصادهم أمام الدول الحليفة، (إيران وروسيا). كما أن الرئيس الأسد زار الصين سنة ،2004 مما يكشف الرغبة السورية في توثيق علاقتها مع هذا البلد، خصوصا و”أن السوريين مُعجبون بالنموذج الصيني الذي يوازي ما بين الانفتاح الاقتصادي والمراقبة المتسلّطة”.

 

وبالإضافة إلى هذه الدول، ربطت سوريا علاقات أخرى مع إندونيسيا وماليزيا ومع الهند. ولكن النموذج الصيني يثير إعجاب سوريا لأنه حقق نتائج في الرأسمالية من دون إصلاحات سياسية، في حين أن ثروة ماليزيا النفطية أتاحت إدارة مجتمع متعدد تحت إدارة سلطة إسلامية معتدلة، والهند للإنجازات العلمية والتكنولوجية. وقد قام الرئيس لسوري بشار الأسد بزيارة رسمية للهند في يونيو/حزيران من سنة ،2008 الأولى منذ ثلاثين سنة. وترى الكاتبة أن سوريا باتكائها على هذه القِوَى تبحث عن ثقل مواز للقوة الأمريكية، “إلاّ أن هؤلاء “الأصدقاء” الجدد هم شركاء اقتصاديون أكثر مما هم حلفاء سياسيون بالقوة. كما أن بُعدها الجغرافي يشكل عائقا بنيويا أمام هذه الشراكة، التي جاءت الأزمة المالية العالمية التي اندلعت سنة 2007 لتزيدها استفحالاً”.

 

تقارب مثالي مع تركيا

 

تتساءل الكاتبة: من كان يتصور أن يكون رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان ضيف الشرف لدى الرئيس السوري الاسد أثناء افتتاح تظاهرة “دمشق، عاصمة الثقافة العربية”، سنة 2008 بعد ما كان البلدان على شفى حرب بينهما سنة ،1998 وأصبحا حليفين وثيقين؟

 

وتقول: إن “اتفاقات أضنة” وضعت حداً للأزمة وفتحت الباب أمام تعاون أمني حول المسألة الكردية ومكافحة الإرهاب وإرساء قواعد شراكة متميزة. وقد أثمرت الشراكة عن التبادل الحر الذي تم التصديق عليه سنة 2005. وقد ساهمت المسألة العراقية، على المستوى الإقليمي، في التقريب بين الجارين: فكلا البلدين يعارضان التدخل الأمريكي في العراق، ويخشيان من الانفصال الكردي، كما أنهما يريدان الحدّ من تأثير إيران في النظام العراقي الجديد. وترى الكاتبة ان سوريا تعاملت بحذر مع الواقع الشرق الأوسطي الجديد، فالأمريكيون يحافظون دائما على الحليف “الإسرائيلي” ولكنهم “خسروا”. بصيغة ما، الحليف التركي. وفي ظل هذا التشكل السياسي العربي الجديد اضطرت سوريا للبحث عن ضامن عربي، أيضا، وذلك من خلال تقاربها مع دول الخليج وهو ما أتاح لها التعويض عن تدهور علاقاتها مع السعودية، مع فتح الباب أمام رساميلها الضرورية لِلَبْرَلَة اقتصادها.

 

وفي حديثها عن امتلاك الورقة العراقية، تقول الكاتبة “إن سوريا لم تتوقف عن المراهنة على فشل السياسة الأمريكية، ووعياً منها باستحالة تحقيق ذلك بمفردها، تخندقت خلف سياسةانتظارية، تتعلق بألا تمنح إلا دعما تكتيكياً من خلال مراقبة مرور المقاتلين- وبألا تفعل أي شيء يمكنه أن يساعد الأمريكيين على الخروج من الورطة التي وضعتهم فيها أخطاؤهم في العراق. وتقول ان تغير الأوضاع العراقية دفع الأمريكيين إلى تلطيف مواقفهم، فالمؤتمر الدولي حول العراق الذي عقد في بغداد في 10 مارس/آذار 2007 أشرك سوريا وإيران. وقد أكد المسؤولون السوريون فيه دورهم المهم في استقرار العراق. كما أن ملف اللاجئين العراقيين في سوريا هو مناسبة كي تضع سوريا نفسها في موضع المحاوَر الضروري في مسار السياسة العراقية والمطالبة ب “حوار شامل” مع واشنطن. ولكن هذا الحوار مع الأمريكيين ما كان ممكنا لولا التنازل السوري الكبير: الاعتراف بحكومة نوري المالكي، “على الرغم من أنها حكومة تشكلت في ظل الاحتلال الأمريكي وعلى قاعدة طائفية”، إلا ان ذلك لا ينفي ان لسوريا مصلحة في الاستقرار العراقي، وهو ما تحرص عليه من خلال تطبيع علاقاتها مع كافة الفصائل والأطراف العراقية. ومنذ الشهور الأولى التي أعقبت سقوط نظام صدام حسين جرت لقاءات منتظمة مع قبائل عراقية وسورية ومسؤولين سوريين. ولكن التأثير لدى القبائل هشّ لأن “القبائل مع من يدفع أكثر”. وترى الكاتبة أن النظام السوري يحاول جاهدا الاستفادة من اللاجئين العراقيين السابقين على أراضيه والذين أصبحوا في السلطة الحالية، مثل الزعيمين الكرديين طالباني وبرزاني ونوري المالكي. ولكن من يتأمل الأوضاع الحالية وتأزم العلاقات بين سوريا والعراق، يكتشف أن لا شيء ثابتا في السياسة، فالمالكي يتهم النظام السوري بإيواء إرهابيين يقومون بتفجيرات في العراق ويهدد باللجوء إلى المحكمة الدولية. وهو ما يثبت أن لا شيء أبديا في السياسة.

 

ولا تقف علاقات سوريا، هنا فهي تحتفظ بعلاقات مع بعثيين سابقين ومع مقتدى الصدر. ومن الظاهر أن دمشق تريد الاحتفاظ ب”الورقة العراقية”، في أفق انسحاب عسكري أمريكي. وإقامة علاقات متوازنة مع الأطراف العراقية يتيح للنظام السوري امتلاك خيارات عديدة مفتوحة. ولكن في المحصلة، يتعلق الأمر بفرض سوريا نفسها في اللعبة الإقليمية وباستعادة الأرضية المفقودة في لبنان. وكأن ما تريده سوريا من الورقة العراقية هو العودة إلى لبنان (وضع يدها على لبنان)، على حد قول المحلل السياسي سامي مبيض.

 

وتتساءل الكاتبة هل ان لبنان هو قضية سورية دائما؟ وتقول ان الحل السياسي للحرب التي جرت سنة 2006ترك سوريا على الهامش. ولكن المصالحة التي جرت في الدوحة سنة ،2008 منحت لسوريا ما تريده، منذ بداية الأزمة في لبنان: انتخاب الرئيس ميشيل سليمان وتشكيل حكومة وحدة وطنية يلعب فيها حلفاؤها دور المعطل. ومن نتائج هذه المصالحة دعوة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لنظيره السوري للمشاركة في العيد الوطني الفرنسي في 14 يوليو/تموز وأيضا لإطلاق مشروع “الاتحاد من أجل المتوسط”.

 

وتقول الكاتبة، تعود المصلحة لتفرض معجزاتها في السياسة. فساركوزي كان في حاجة لسوريا من أجل تفكيك تأسيس “جبهة رفض” للمشروع المتوسطي، والذي كانت تقوم به الجزائر وليبيا. كما أن الرئيس ساركوزي، وهو لا يخفي صداقته ل”إسرائيل”، يطمح أيضا إلى رعاية اتفاق سلام بين سوريا و”إسرائيل”. وتضيف، إن إعادة تأهيل النظام السوري كانت تجري أيضا على الساحة الإقليمية، حيث تجرى مفاوضات غير مباشرة بين سوريا و”إسرائيل” تم الكشف عنها في نفس وقت المصالحة بين الأطراف اللبنانية في قطر. مرة أخرى يظهر أن الملف اللبناني مرتبط ارتباطا وثيقا بهضبة الجولان السورية المحتلة.

 

وفي حديثها حول البحث عن تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة تقول الكاتبة، ان بشار الأسد يؤكد، مثل أبيه، أن السلام خيارٌ استراتيجي. ولكنه على عكس والده يظهر مرونة أكبر. وإن كان يُصرّ على ضرورة اعتراف“إسرائيل” ب”وديعة رابين”، التي تقر بوعد “إسرائيل” للانسحاب من كل هضبة الجولان. ومن يتتبع سير المفاوضات غير المباشرة بين “إسرائيل” وسوريا يكتشف أن أكثر من 90 في المائة من المشكلات بين الطرفين تم حلّها، ولكن ما أفشل أو جمّد المفاوضات يبقى هو “البعد الإقليمي للمفاوضات”، حيث “ترفض سوريا أن تتخلى، كشرط مسبق، عن تعاونها الاستراتيجي مع إيران وعن دعمها لحزب الله، وهو ما سيحرمها من أوراقها التفاوضية القوية ومن تعلقها بموضوع استراتيجي”. وتقول الكاتبة ترى سوريا أن هذه المواضيع يمكن أن تناقَش بعد الاتفاق، وليس قبله. وقد صرح وزير الخارجية السوري وليد المعلم، بهذا الصدد، أنه “في حالة إنجاز سلام مع “إسرائيل” فإن ما سيكون مُهمّا ليس هو العلاقة مع إيران، لأن كل المنطقة ستشهد تحولات”، كما أن الرئيس السوري يؤكد أن قضايا سلاح حماس وحزب الله لن تكون مطروحة في سياق سلام. وفيما يخص سلاح حزب الله فسوريا تتعلل بأن المسألة داخلية لبنانية محضة.

 

وترى الكاتبة ان الكثيرين متأكدون في الغرب من الرغبة الصادقة لسوريا في إنجاز السلام مع “إسرائيل”، أي في الخيار الاستراتيجي للسلام. كما أن إنجاز السلام مع “إسرائيل” سيسمح بتحريك المساعدة المالية الأوروبية التي تعتبر ضرورية للحالة الاستعجالية التي يوجد عليها الاقتصاد السوري، ولكن ما يتوجب فعله قبل وصول السلام، هو “تقديم بدائل ومقابل فوري للمواطنين، وتأسيس عقد اجتماعي جديد”، لأن “اللبرلة التي بدأتها وأرادَتْها قاعدةُ الدعم للرئيس السوري (أي طبقة رجال الأعمال) تعمق الفوارق الاجتماعية ولا تقدم التنمية الاقتصادية الموعودة”.

================================

تجميد الاستيطان.. من «الشرط المسبق» إلى البحث عن «ضمانات»

عريب الرنتاوي

 الدستور

3-11-2009

كم كنت أود أن أضم صوتي لصوت الأستاذ العزيز طاهر العدوان ، في حشد الدعم وطلب الإسناد للرئيس الفلسطيني محمود عباس في مواجهته للتعنت الإسرائيلي الوقح المدعّم بالانحياز الأمريكي الذليل في الموقف من مسألتي الاستيطان والمفاوضات ، ذلك أنني أتمنى من أعماقي ، وبكل جوارحي ، أن يظل الرئيس الفلسطيني على موقفه هذا ، وأن يشرع فورا ومن دون إبطاء ، في لملمة الصفوف الفلسطينية وتوحيد الكلمة وترتيب البيت وصوغ استراتيجية بديلة تجمع بين نهجي المفاوضات الرشيدة والمقاومة الرشيدة... عندها وعندها فقط ، سنرفع قبعاتنا احتراما ، ونضرب صفحا عمّا مضى ، ونصطف في طوابير الداعمين والمساندين لقيادته الرشيدة والحكيمة.لكننا بطبيعة الحال ، نخشى الإغراق في التمنيات والأوهام وخداع الذات ، فلقد سئمنا المناشدات التي لا تبلغ مقصدها والنداءات التي تظل عالقة في الهواء ، ونزداد يأسا وحيرة حين يأتينا من ينبئنا بأن الرئيس لا يقرأ ، وأنه يرى بعيون ويسمع بآذان الحلقة الضيقة من مستشاريه (إياهم) ، ولست أبالغ إن قلت بأن أسوأ ما ينتابنا من كوابيس ، هو أن يشرع الرئيس عباس صبيحة اليوم التالي للصفعة التي وجهتها السيدة كلينتون له شخصيا في أبو ظبي وللعرب جميعا من القدس ومراكش ، بالبحث عن مخارج وسلالم للهبوط عن قمة الشجرة التي صعد إليها ، أو بالأحرى التي "أصعده" إليها الرئيس أوباما شخصيا ، عندما بدأ يتحدث عن ضرورة وقف الاستيطان بكل أشكال وأماكنه.نحن نعرف أن الرئيس عباس "تشجع" بمواقف الرئيس أوباما في خطابي القاهرة ونيويورك ، فبادر إلى الربط بين استئناف المفاوضات ووقف الاستيطان ، وجعل من هذا شرطا لتلك ، وكان محقا في ذلك كل الحق ، وإن كنا نلومه على تأخره في فعل ذلك ، ومن المؤسف حقا أن نقر بأن ما صدر عن نتنياهو في أعقاب لقائه مع الوزيرة الأمريكية كان صحيحا ، فالرئيس عباس ، ومن قبله الرئيس الراحل ياسر عرفات ، ومن خلفهما العرب جميعا ، لم يشترطوا يوما وقف الاستيطان للدخول في مفاوضات أو الانخراط في سلام ، فكانت النتيجة كما قال عكيفا إلدار في هارتس بالأمس زيادة عدد المستوطنين في الضفة الغربية (باستثناء القدس) من 109 آلاف زمن أوسلو والعام 1993 إلى 300 ألف اليوم (ثلاثة أضعاف في 16 سنة) ، وإذا ما أضيف إلى هؤلاء ربع مليون مستوطن في القدس الشرقية وحدها ، يتجاوز عدد المستوطنين في أراضي الدولة الفلسطينية العتيدة النصف مليون مستوطن.لقد تخلى أوباما عن مطلبه ، وظل الرئيس الفلسطيني عالقا مع شرطه ، ولن يكون ممكنا في المدى المنظور على الأقل ، توقع تغيير إيجابي في الموقف الأمريكي من هذه المسألة ، الأمر الذي يبقينا عالقين مع سيناريو واحد فقط: البحث عن مخارج وسلالم لتمكين الرئيس عباس من اللحاق برئيس الدولة الأعظم ، وإنجاز الهبوط اللائق والآمن من على قمة الشجرة ، حماية له ولسلطته وحكومته من خطر تغوّل حماس وزيادة نفوذها ، وإنقاذا ل"فرصة السلام" التي سيترتب على ضياعها "نتائج كارثية" ، وفقا لمنطوق البيان الأردني المصري المشترك ، وهذا ما يتصدر أجندة المجتمع الدولي والعرب المعتدلين في هذه الأثناء على أية حال.المخرجالسلم أو مظلة الهبوط التي يجري البحث عنه اليوم ، ربما يكون واحدا من اثنين: الأول ، الطلب إلى الرئيس الأمريكي كشف مضامين خطته ، واعتماد مرجعية لعملية السلام تلحظ قيام الدولة وترسم الخطوط العريضة لحدودها وملامحها ، وهو الخطاب المنتظر منذ اشهر عدة على أية حال... والثاني: الطلب إلى الإدارة الأمريكية إعطاء الرئيس عباس "كتاب ضمانات" يلخص الموقف (الالتزام) الأمريكي بالدولة والحل النهائي والمرجعية التي تضمنها خطابا أوباما في القاهرة ونيويورك ، فيحفظ بذلك ماء وجه الرئيس وفرصة السلام وكرامة الاعتدال المراقة على مذبح التطرف الإسرائيلي وليس "التطرف العربي" كما يفضل البعض أن يتصور ، ثم ندخل بعد ذلك في ماراثون تفاوضي ، يعيدنا في أحسن أحواله ، إلى ما انتهينا إليه مع أولمرت في 2008 أو قبله مع باراك وكلينتون (الزوج) في العام ,2000لقد فهم الرئيس عباس رسالة كلينتون جيدا ، وقرأ سريعا ملامح مرحلة ما بعد الرسالة ، لذلك رأيناه يقترح رمي الكرة في الملعب العربي ، فإن أيد العرب موقفه الداعي لوقف الاستيطان استمسك به ، وأن رأوا استئناف المفاوضات على وقع الاستيطان كان به ، لكأن لسان حاله يقول: وهل أنا إلا من غزية إن غزت... غزوت وإن ترشد غزية أرشد؟... وفي ظني ، وليس كل الظن إثم ، أن الرئيس يعرف سلفا ما الذي سيكونه جواب العرب الرسميين ؟،.يؤسفنا أن القيادة الفلسطينية لا تريد أن تعترف بأنها ظلت تطارد خيط دخان ، وأنها وقعت وأوقعتنا معها ، ضحايا لعملية خداع دولية معقدة ، يؤسفنا أن الفشل تلو الفشل ، والصفعة تلو الأخرى ، لا تدفع أحدا للتفكير بالاستقالة والتنحي أو حتى الاستجابة لنداء "قف وفكر" ، فيعمد إلى مراجعة حساباته واستراتيجياته ، بدل الاستمرار في "خض الماء" و"طبخ الحصى" ، ولسنا نستبعد أبدا ، أن يعمد هؤلاء إلى فتح معارك جانبية وإلقاء المزيد من القنابل الدخانية ، وربما شن هجوم وشيك على حركة حماس الانقلابية و"إماراتها الظلامية" ، شبيه بالهجوم الضاري الذي أعقب الأداء المرتبك حتى لا نقول المفلس زمن تقرير غولدستون و"فضيحة جنيف" ، ودائما للتغطية على الفشل والخيبة والهبوط المتدحرج عن قمم الأشجار.

التاريخ : 03-11-2009

====================

بعد رجوع حليمة إلى عادتها القديمة

بقلم :رأي البيان

3-11-2009

خطاب الوزيرة كلينتون، خلال زيارتها إلى المنطقة؛ حمل رسالة صريحة من شقيّن: أن موضوع «عملية السلام» ومستلزماتها، ما عاد أولوية لدى إدارة أوباما. ثانياً، أن هذه الأخيرة رجعت إلى عادة واشنطن القديمة ومفردات قاموسها المألوف؛ ليس فقط في احتضان مواقف إسرائيل، بل أيضاً في العمل على تسويقها. طروحاتها ووعودها، بشأن وقف الاستيطان وحلّ الدولتين، التي أطلقها وكررها الرئيس أوباما في أكثر من مناسبة ولقاء وتصريح وخطاب؛ تنكرت لها وتنصّلت منها.

 

انقلاب حاد وسريع على كل ما تعهدت به. نفضت يدها من عقدة الاستيطان ومن المفاوضات الهادفة إلى إقامة الدولة الفلسطينية. إصرارها، في هذا الخصوص؛ انتهى إلى انكفاء. انزعاجها وتذمرها المزعومان، من تعنت حكومة نتنياهو، انقلبا بقدرة قادر؛ إلى تفهم وبالتالي إلى تبرّع بالترويج ل«مكارم» رئيسها! تقول الوزيرة إنها فشلت في إقناع رئيس الحكومة الإسرائيلية. وكأنه هو القوة العظمى، أو أنه هو صاحب الفضل والمونة على واشنطن.

 

وفجأة، تقفز الإدارة من خندق إلى نقيضه؛ لتقول بأن التفاوض «لا ينبغي أن تسبقه شروط». وكأن ذاكرة الناس باتت معدومة، بحيث نسوا ما ردّدته هي والرئيس والمبعوث الخاص، مراراً وتكراراً ومنذ مجيء هذه الإدارة؛ حول وجوب وقف الاستيطان كمدخل إلى الطاولة! وبذلك لم يعد لديها ما تقوله للفلسطينيين، سوى تقديم نصيحة بأن «الحصول على نصف رغيف أفضل من لا شيء». درس في البراغماتية العوجاء والمهينة. صار وعد نتنياهو بأن «يلجم» حركة الاستيطان ويمتنع عن مصادرة المزيد من الأرض لبناء وحدات سكنية جديدة؛ بمثابة «تنازل غير مسبوق».

 

لولا الإحراج، ربما كانت الوزيرة قد رشّحته لجائزة نوبل، على هذا التكرّم؛ الذي لا يختلف عن وعد الذئب بأن لا يعتدي على الغنم. صار مطلب الفلسطينيين بوقف الاستيطان «ذريعة وعقبة»، حسب المراوغ نتنياهو. الوزيرة الواقفة إلى جانبه في المؤتمر الصحفي، تتبنى هذا الكلام عندما تدعو إلى شطب هذا المطلب. وإذا رفض الجانب الفلسطيني، فإن واشنطن «لا يسعها أن تريد الحلّ أكثر من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، المعنيين به». عذر أميركي قديم، أقبح من ذنب. وكأن هناك في الدنيا من لا يدرك أنه لو أرادت واشنطن التسوية، لكانت.

 

واضح أن إدارة الرئيس أوباما رضخت لإملاءات حكومة نتنياهو. بالأحرى، اختارت أن تنصاع لها. إسرائيل حرّكت مروحة ماكينتها في واشنطن، لتأليب الكونغرس ضده، لحمله على الكف عن مطالبة إسرائيل بوقف الاستيطان، وهكذا كان. من البداية ترك البيت الأبيض زمام المبادرة لنتنياهو، والآن يحصد العودة إلى نفس موقع أسلافه. فهل يعود الفلسطينيون في المقابل، إلى وحدتهم الوطنية؟

========================

أميركا وروسيا.. نحو علاقات أكثر واقعية

بقلم :إيان بريمر

3-11-2009

البيان

وضع سقوط جدار برلين نهاية للتنافس الكابوسي بين موسكو وواشنطن، الذي امتد على الساحة الجيوسياسية العالمية قرابة نصف قرن. ولكن بعد انتصار الولايات المتحدة في الحرب الباردة قبل عشرين عاما، خسرت الإدارات الأميركية المتتابعة الروس من ذلك الحين. واليوم يحتدم الخلاف بين النخب في موسكو وواشنطن حول العديد من القضايا الدولية.

 

لقد تطورت روسيا، ولكنها ما زالت أبعد ما تكون عن الازدهار والتحول إلى ديمقراطية مؤيدة للغرب تتجه إلى الاسترشاد بالسوق، وهو ما كان يحلم به كثير من المحللين. تطورت إلى دولة سلطوية تعتمد على العائدات النفطية في الداخل، وتسترشد بطموحات مبالغ فيها في الخارج.

 

أين مكمن الخطأ إذن؟ إن قدرة إدارة أوباما على إعادة ضبط العلاقات مع روسيا الجديدة، تعتمد على الإجابة على هذا التساؤل. وكنتيجة لتجارب مختلفة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، فإن واشنطن وموسكو قد وصلتا إلى تبني وجهات نظر مختلفة تمام الاختلاف حول مكن الخطأ في علاقاتهما، وما الذي تعنيه إعادة ضبط هذه العلاقات.

 

لقد استفاد الغرب على نحو لا موضع للشك فيه، من الانتصار في الحرب الباردة. ويبدو ذلك جليا في توسع أوروبا الجديدة التي تعد كيانا مسالما ومزدهرا أكثر من أي وقت مضى في تاريخها. ولكن مع المغالاة في الاتجاه شرقا، انهارت الطموحات الكبرى التي تعود إلى أوائل التسعينات، عندما كان الغرب يعتقد أن مزيجا من الحتمية التاريخية والبطولة الغربية سيجلبان الأسواق والديمقراطية إلى روسيا.

 

انهارت الطموحات بسرعة وسط مشاعر متبادلة بخيبة الأمل، وفشل التهديد الذي تعرض له الجانبان من قبل الإرهاب في تنشيط العلاقات بينهما، وتجمدت العلاقات وسط حشد من الخلافات المريرة حول قضايا عالمية، في مقدمتها العراق وإيران ومعاهدات الصواريخ البالستية وخطوط الطاقة والثورات الوردية والبرتقالية. وفي إدارة بوش التي اندفعت بحماس نحو أهدافها.. تم تجاهل إمبراطورية الشر تماما.

 

ولكن إذا كانت روسيا بوريس يلتسين قد اضطرت إلى الإذعان في مواجهة تعالي واشنطن، فإن روسيا بوتين لم يحدث منها هذا. فقد حلقت طموحات روسيا العالمية عاليا، جنبا إلى جنب مع أسعار النفط، وتبنت موسكو رؤية جديدة للعالم تستهدف تحقيق المساواة مع واشنطن. وينظر إلى كل النكسات التي يمكن إيقاع الولايات المتحدة فيها، على أنها انتصارات بالنسبة لروسيا. وفي هذا على وجه الدقة تكمن مشكلة إعادة ضبط العلاقات بين البلدين.

 

ويرى الأميركيون أن لهجة مختلفة في واشنطن ستفضي إلى سياسة مختلفة في موسكو. والكرملين يفهم إعادة ضبط العلاقات بين البلدين بصورة رئيسية، على أنها فرصة للأميركيين لإعادة ضبط إساءات السياسة الأميركية لروسيا، كشرط مسبق لإعادة المياه إلى مجاريها بين البلدين.

 

كيف تتعامل واشنطن مع روسيا الحالية؟ إن روسيا لا يمكن تجاهلها، باعتبارها قوة فائقة في مجال الطاقة، وعضوا دائما في مجلس الأمن الدولي يتمتع بترسانة نووية يعتد بها. وبالنسبة للغرب بصفة عامة والولايات المتحدة بصفة خاصة، فإن علاقات جدية معها لا يمكن أن تقوم على حطام جدار برلين، وتحقيق التقدم في هذا المجال سيتطلب تفهما جديدا لروسيا على العديد من الجبهات. إن ما لا يمكن القيام به حيال روسيا، سيظل مهما تماما مثل ما يمكن القيام به.

 

أولا، ينبغي على الغرب وواشنطن بالتحديد، اختيار المعارك بعناية. وقد قررت إدارة الرئيس أوباما بحكمة، عدم أولوية عضوية جورجيا وأوكرانيا في حلف «الناتو»، في ضوء أنه لا يمكن إنجاز الكثير على المدى المتوسط من دون حدوث رد فعل حاد من جانب روسيا.

 

ثانيا، لا ينبغي على واشنطن أن تتوقع اتفاقات شاملة حول القضايا الرئيسية أقرب إلى المكافآت أو التعويضات، حيث أن الرؤية الروسية الحالية للجيوسياسية العالمية، ومعها تفهم النخبة الروسية للضوابط الحقيقية لبلادهم.. تعنيان أن روسيا اليوم أكثر اهتماما بالإمساك بالأوراق الرابحة من اللاعب الفعلي بهذه الأوراق. وهذا يبدو أوضح ما يكون في موضوع إيران، حيث يقدم الكرملين نفسه باعتباره حارس بوابة هذه القضية.

 

وبغض النظر عن التعامل الحذر مع مثل هذه القضايا الكبرى، فإن هناك فرصا أضيق نطاقا. فعلى صعيد العلاقات الثنائية يمكن للغرب أن يركز على القضايا الواضحة التي يظهر الاهتمام بها بصورة جلية. وفي هذا الصدد، فإن تحقيق الاستقرار في أفغانستان يعد في قمة أهداف أميركا، وهو أمر مهم لروسيا التي تشكل أفغانستان الخاصرة الضعيفة بالنسبة لها.

 

وعلى المستوى الاستراتيجي، فإن هناك فرصا متاحة للولايات المتحدة لتوظيف صلاتها القوية بأوروبا وعلاقاتها الايجابية نسبيا مع تركيا، لكي تتجه بشكل أكثر حسما في ما يتعلق بصياغة استراتيجية صحيحة وعلاقات أوثق بشأن الطاقة بين أوروبا وروسيا، خاصة مع إمداد التقنيات الحديثة للأوروبيين بميزة أكبر في صياغة علاقات غالبا ما تكون متطورة.

 

أخيرا.. فإن جانبا من أسباب اضطراب العلاقات الأميركية الروسية سياسيا إلى حد كبير، هو أنها تتأثر بعدد محدود من العناصر الاقتصادية والمالية التي تميز علاقات موسكو بأوروبا وشرق آسيا. وبينما لن تسيطر الولايات المتحدة على أسواق هذه المناطق، فإن الجغرافيا تظل عنصرا مهما. وهناك نطاق عريض للاستثمار والتعاون بين أنشطة الأعمال الروسية والأميركية.

 

وإذا عدنا بالأنظار إلى العقدين من الزمن اللذين انقضيا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، فإن المرء يشعر بالميل للنظر إلى العلاقات الأميركية الروسية منذ ذلك الحين، باعتبارها تمثل فشلا. وقد كانت فشلا بالفعل في ضوء التوقعات غير الواقعية التي برزت في أوائل التسعينات. ولكن بعد عقدين، ربما ما زال هناك مجال للتقدم في علاقات أقل مثالية وأكثر واقعية.

رئيس مجموعة يوراشيا للاستشارات السياسية

============================

هل سقط «أوباما» في أول الاختبارات؟!

3-11-2009

الرياض - السعودية

ربما لا يعيش أحد الإحراج في مواجهة وعود تبخرت مع الواقع مثل الرئيس الأميركي «أوباما» ، ومع أن الرجل حسّن في سمعة بلده، وحاول أن ينقلها من الخصومات والعداوات إلى صداقة المصالح، إلا أنه اصطدم بحواجز غير عادية، إذ إن المؤسسة التي تدير المعركة مع العالم لا يزال أعضاؤها من المحافظين الجدد والقدماء، هم من يشكّلون الضغط على أي عمل لا يتناسب وأفكارهم وطروحاتهم..

 

ولما أن القضية الفلسطينية، والسلام بين العرب وإسرائيل وُضِعا في أولويات الرئيس أوباما، ومشروعه السياسي الطويل عندما بدأ بالضغط من أجل إيقاف الاستيطان، ومن ثم الشروع في المباحثات بين إسرائيل والفلسطينيين، فقد اصطدم بالحائط الإسرائيلي ، واندفع مؤيداً طروحات نتنياهو في البدء باللقاءات بدون شروط مسبقة، وهو حكم ظل ثابتاً مع أي تحرك أميركي لا يستطيع تغيير معادلة قائمة مع كل الرؤساء منذ (ترومان) وإلى اليوم..

 

الموضوع أنه لا توجد شروط مسبقة بل اتفاقات نقضتها إسرائيل، وهي التي تعطل ما لا تراه متناسباً معها، وضامنةً أن الضغوط الأميركية هي مجرد استهلاك سياسي لا يستطيع معاكسة رأيها، وثالثاً وهو المهم أن العرب أنفسهم يئسوا من الفلسطينيين وتصعيد خلافاتهم، ويبقى في هذه الظروف المتصاعدة كسر قاعدة الضعف ، واتخاذ موقف واحد بإعادة موضوع «الأرض مقابل السلام» ووقف الاستيطان كأول البنود الثابتة في أي معادلة، ودعونا، ولو مرة واحدة، نجرّب قوتنا التي انحسرت وأصبحت مجرد صوت بلا صدى حتى في جوهر قضايانا الأساسية..

 

المعركة وفق ما يطرح الآن خاسرة مع أميركا وإسرائيل معاً، لكن عندما نثبّت اتجاهنا مع الاستمرار في العلاقات العامة مع الدولة العظمى دون قطيعة أو إعلان حروب دبلوماسية، مقابل مقاطعة تامة لأي بحث في هذا الشأن ما لم يُعد النظر بشروطنا، فإن مصلحة أميركا سوف تكون مدار البحث، وهي بكل ما تملك لا تستطيع مقايضة إسرائيل التي لا تزال عبئاً مالياً وسياسياً عليها، مقابل أمة تستفيد من أسواقها ومواردها، وثقلها البشري والجغرافي، وحتى الأمني في حالة تنامي الإرهاب الراهن..

 

صحيحٌ أن خط النار المفتوح ليس محصوراً بالصهاينة وحدهم، بل بالعديد من المسيحيين الذين لا يقلون تطرفاً عنهم عندما يفسرون التاريخ بوعود وغيبيات راسخة في معتقداتهم وثقافاتهم، غير أن لكل باب مفتاحاً، ولا يضرنا أن تقف المباحثات سنة أو سنتين إذا كانت الجدوى ستكون بعائد أكبر، بفتح أول نافذة في الجدار المغلق..

 

هناك دوائر أميركية متمازجة مع المصلحة العربية وليست كلها تنتمي إلى هدف إسرائيلي بل لعلها ضاغط كبير لو أدركنا التعامل معها، وخاصة شركات النفط والطيران والكثير من الشركات، ويبقى الأمر مرهوناً على حل عقدة الفلسطينيين مع بعضهم، فبدون مساعدتهم الدول العربية في توحيد جبهتهم، نفقد واحداً من أساسيات أسلحتنا وعليهم إدراك تلازم المواقف، أو العجز التام عن مواجهتنا الحليفين..

الرياض

==========================

العرب وحتمية دعم الاقتصاد الفلسطيني

الوطن - سلطنة عُمان

3-11-2009

تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي حافل بالتدخلات الخارجية ، والدعم اللامحدود لاسرائيل منذ قيامها هو الذي اوصلها الى ما هي عليه الآن من جرأة غير مسبوقة على ممارسة كل اشكال ارهاب الدولة بحق الشعب الفلسطيني وفي نفس الوقت بناء هيكل اقتصادي قادر على البقاء. وكثيرا ما يصل لإسرائيل دعم من كل مكان خاصة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقب حملة اسرائيلية دعائية يتم صنعها بإحكام لاستدرار عطف تلك الدول.

 

وفي نفس الوقت نجد اسرائيل تحرم الشعب الفلسطيني من وصول الدعم العربي والأجنبي اليهم عبر برامج الحصار والعدوان العسكري والذرائع الامنية والتخويف من (الإرهاب) الى غير ذلك من ادوات سياسية وعسكرية واقتصادية لخنق الاقتصاد الفلسطيني وتركيع المقاومة وإفشال الصمود في وجه مؤامرات تذويب الهوية الفلسطينية والعربية في الاراضي المحتلة واستمرار الاعتماد من جانب الفلسطينيين على مصادر اسرائيلية لجلب الرزق والمواد الاساسية للعيش الكريم.

 

لذلك فإن الدعم العربي للشعب الفلسطيني لا يجب ان يتوقف عند الدعم السياسي ومؤازرته معنويا في صموده ومساندة قياداته عند التفاوض مع اسرائيل ، بل ان الدعم الأهم يجب ان يكون في المجال الاقتصادي.

 

فالاقتصاد هو العماد الأول الذي تقوم عليه الحياة الفلسطينية ، تلك الحياة اليومية التي تفرز اجيالا من المؤمنين بقضيتهم والمستعدين للكفاح من أجل قيام الدولة الفلسطينية واسترداد كافة الحقوق المغتصبة، واحيانا يصاب المرء بالدهشة وهو يرى صور العمال الفلسطينيين وهم يتدفقون على اسرائيل عبر نقاط التفتيش والحواجز المهينة وجدران الفصل العنصري من اجل العمل وكسب العيش ، الى حد انهم يضطرون احيانا الى العمل في بناء المستوطنات التي يطالب العالم كله بوقفها.

 

لكن عندما تطل الحاجة برأسها تتضعضع قدرات اي انسان على مقاومة اي عدوان، فالفلسطينيون اليوم في الاراضي المحتلة سواء في الضفة الغربية او قطاع غزة لا يعانون مرارة الاحتلال فقط وانما تضاف اليها مرارة الحاجة لكسب القوت.

 

وقد شاركت بالفعل بعض المؤسسات الاقتصادية العربية في انشاء شركات مشتركة على الارض الفلسطينية مثل شركات الاتصالات والهواتف النقالة رغم المعاناة من المضايقات الاسرائيلية واستفزاز المستعمرين اليومي والتهديد المستمر بتعطيل هذه المشروعات ما لم يقدم الفلسطينيون تنازلات سياسية.

 

ونظرا لان هناك دعوة فلسطينية لعقد اجتماع للجنة المتابعة العربية ، من اجل البحث فيما آلت اليه اوضاع عملية السلام من تدهور بسبب التعنت الاسرائيلي والتراجع في الموقف الاميركي ، فيجب ان يكون ضمن جدول اعمال لجنة المتابعة بند يوصي بدعم الشعب الفلسطيني اقتصاديا لمنحه قدرة على الاستمرار والصمود واحباط المؤامرات الاسرائيلية والاميركية لدفعه للتنازل عن حقوقه والقبول بالتفاوض على اسس ومعايير مجحفة تضعها اسرائيل وتدعمها الضغوط الاميركية والأوروبية.

الوطن

==========================

مثلث الارتكاز العربي

الرأي الاردنية

صالح القلاب

3-11-2009

بعد أن ثبت أن طموحات تحقيق مصالحة عربية عربية جاءت أقل كثيرا مما كان متوقعا فإنه لابد من العودة إلى تمتين وتنشيط صيغة مثلث الإرتكاز الأردني السعودي المصري الذي لم يكن في حقيقة الأمر إلا من قبيل حماية الوضع العربي من نزوات ما أطلق على نفسه فسطاط الممانعة المسؤول عن كل هذه النيران المتأججة في العراق وفي فلسطين وفي اليمن والذي لخلق بؤر توتر جديدة لايزال يحاول إختراق دول شقيقة !! .

 

لم يتحقق ما كان مفترضا عندما إنطلق قطار المصالحة من محطة قمة الكويت الإقتصادية فالوضع في لبنان لايزال يراوح بين حكومة ولا حكومة وهو سيبقى، وحتى إن إستطاع سعد الحريري تشكيل حكومته المنشودة وفقا لبدعة التوافق الوطني، محكوما بإرادة حزب الله التي ثبت أنها بالدرجة الأولى إرادة إيرانية وأن كل ما عدا ذلك هو مجرد براغ صغيرة في آلة إيران الهائلة الكبيرة .

 

وكذلك فإن الوضع الفلسطيني بات أسوا مما كان عليه في السابق ف المصالحة بين الفلسطينيين سقطت بالضربة الإيرانية القاضية وثبت أن إيران ومعها من معها من العرب لا تريد لمصر أن تحقق أي إنجاز في الدائرة الفلسطينية وكانت هذه الأطراف قد أحبطت إتفاق مكة المكرمة قبل أن يجف الحبر الذي كتبت به لأن موقفها من المملكة العربية السعودية هو موقفها نفسه من الرئيس حسني مبارك والحكومة المصرية.

 

إن أي جديد يعزز الأمل بإمكانية نجاح المصالحة العربية العربية لم يطرأ بل أن التدخل الإيراني السافر في الشأن العربي، الذي من المفترض أن يشكل إيقافه أول إنجازات هذه المصالحة التي أرادها الطيبون والمخلصون بداية مرحلة جديدة وعفا الله عما سلف، قد إزداد سفورا وإزداد تحديا إن في العراق وإن في فلسطين وإن في اليمن .. وأيضا في لبنان حتى وإن تشكلت حكومة الحريري المنشودة العتيدة .

 

ثم وإن ما يشير إلى أن إيران غدت أكثر إصرارا على التأزيم وعلى المزيد من التدخل في الشؤون العربية الداخلية أن قائديها المبجلين !! المرشد علي خامنئي والرئيس محمود أحمدي نجاد قد أطلقا قبل أيام تصريحات من باب التحرش بالمملكة العربية السعودية تحدثا فيها عن أن الحجاج الإيرانيين سوف يتعرضون لإساءات وتعديات خلال موسم الحج وكل هذا وبينما هذا الموسم لم يبدأ بعد وبينما لايزال لم يصل حاج إيراني واحد إلى الأراضي السعودية .

 

ربما أن إيران تحاول إختلاق مشكلة في موسم الحج طابعها مواجهة سنية شيعية لترحيل أزمتها الداخلية إلى الخارج ولإعادة رص صفوف المراجع الشيعية وراء خامنئي ونجاد لكن وحتى وإن كانت حجة هذا التحرش السافر هي هذه الحجة فإن المؤكد أن الهدف الحقيقي هو إستمرار طهران بالإصرار على التلاعب بالأمن العربي وإستمرار إصرارها على التدخل في الشؤون العربية الداخلية .

 

ولذلك ولأن الواضح أن مجرد النوايا الحسنة لم تقنع الإيرانيين بالكف عن السياسات التي كانوا قد إتبوعها مبكرا إزاء كل أشقائهم العرب بإستثناء الإستثناءات المعروفة فإنه لابد من العودة لشدشدة وضع مثلث الارتكاز العربي وأنه لابد من إحباط نوايا الذين كانوا يريدون من خلال إظهار ملمسهم الناعم أن ينهار هذا المثلث لتصبح الأبواب العربية كلها غير محصنة أمام التدخلات الإيرانية السافرة .

=============================

قلق اردني مبرر قائم على قراءة دقيقة

سامي الزبيدي

الرأي الاردنية

3-11-2009

يبلغ عمرو موسى الامين العام للجامعة العربية باسم وزراء الخارجية العرب وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون انهم يشعرون بخيبة أمل من عدم ممارستها ضغوطا أكبر على اسرائيل لتجميد المستوطنات.

 

الآن وبعد ان تبنت قائدة الدبلوماسية الاميركية رسميا وجهة نظر بنيامين نتنياهو القائلة بان توسعة المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة يجب الا تحول دون استئناف المفاوضات فهي تعتمد كثيرا على الخبرة الاميركية في تبليع العرب هذا الرأي واعتبار ان المستوطنات بوصفها احدى قضايا الحل النهائي فيجب ان تكون جزءا من المفاوضات.

 

حسنا : للوهلة الاولى فان قضية مدرجة على جدول اعمال المفاوضات النهائية لا ينبغي ان تكون شرطا مسبقا للبدء فيها ، بمعنى ان المستوطنات قضية من بين قضايا الحل النهائي وبالتالي فان مكان بحثها لا بد وان يكون على طاولة المفاوضات، هذه المعادلة منطقية ظاهريا لكنها تحمل سوء نية الوسيط النزيه الذي يشرعن عملية سرقة الارض بصورة منظمة لا سيما وان القوة الفلسطينية او العربية على الارض لا تستطيع منع خلق أمر واقع وبالتالي ليست الوصفة الاميركية سوى الاستسلام للقوة الاسرائيلية التي تمتلك القدرة والرغبة مجتمعتين على الغاء الهوية العربية للقدس وبقائها في الضفة الغربية.

 

العرب بعد هذا التطور المجحف أمام احتمالين لا ثالث لهما: انهاء فكرة حل الدولتين والسعي لايجاد حل احادي الدولة من الماء الى الماء بما يقوض اسس اسرائيل التي تحاول جاهدة تكريس فكرة يهودية الدولة لان نقيض هذه الفكرة هي دولة واحدة في كل فلسطين تكون لكل مواطنيها.

 

الحل الثاني انتفاضة فلسطينية لن تكون يائسة هذه المرة بل ستجد من يسندها في كل العالم يبدأ بتقويض كل البناء الذي حققه الجنرال دايتون الذي تكفل بتطبيق الشق الفلسطيني من خارطة الطريق وتستهدف أي تواجد اسرائيلي في الضفة الغربية سواء في شقه العسكري ( جيش) او مدني (مستوطنين).

 

لقد وصلت الدبلوماسية الاميركية الى الحائط ولا ينبغي على قادة الدبلوماسية العربية ان يتبرعوا بايجاد حل لها ، فالادارة الاميركية لها مصالح حيوية في المنطقة وهي معنية في ايجاد حالة من الاستقرار التي يبدو انها قائمة بصرف النظر عن الانشطة الاسرائيلية.

 

في لحظة قد لا تكون بعيدة سنفاجأ بقيام اسرائيل بتحديد حدودها الدولية من جهة الضفة وقد تفرض ترتيباتها الأمنية بصورة أحادية وستحمي حدودها و متطلباتها الامنية دون الاتفاق مع الفلسطينيين خصوصا وان السلطة تبرعت بالتعاون مع الجنرال دايتون بسلاسة فاجأت الاميركيين انفسهم.

 

التحرك الدبلوماسي نشط ، وهو يجد تفسيره في القلق الاردني الرسمي خصوصا تجاه القدس بمستوى فاق القلق الشعبي عربيا ومحليا ، وهو قلق قائم على قراءة دقيقة للمشهد الاقليمي المعقد ويستشرف المخاطر على الأمن القومي العربي وقبله على الأمن الوطني الاردني.

============================

علمانية تركيا و«علمانية» الإسلام السياسي

عمار ديوب

السفير

3-11-2009

دار نقاش واسع في الصحافة العربية حول أهمية الإسلام التركي كبوصلة خلاص للإسلاميين العرب، إذا هم اهتدوا بالتجربة، التي توحي بإمكانية التوفيق بين الإسلام السياسي والديموقراطية، بل حتى بين الإسلام والعلمانية بحسب آمال البعض، هؤلاء الذين يدعمون حجتهم هنا بأن هناك توافقاً كبيراً بين العلمانية الأميركية والمسيحية، وهذا بخلاف العلمانية الفرنسية، التي تمنع أي تداخل بين الدين والدولة والسياسة، وهم لا يترددون في التشنيع بتهميشها للأديان.

هذه الرؤية تتجاهل أن الواقع التركي مختلف عن الواقع العربي، ذلك أن الواقع التركي الحالي هو نتاج علمانية أتاتوركية شبيهة بالعلمانية الفرنسية لا بالعلمانية الأميركية. وفي تركيا، كان لا بد من خطوة أتاتورك، كي يتم التخلص من إرث الماضي الثقيل، الذي كان يتمثل في الهيمنة الطبيعية للدين على السياسة إبان القرون الوسطى، والتوجه نحو المستقبل، وهذا ما تطلب إنهاء الخلافة الإسلامية وكل الهيئات الدينية القديمة ومحاربة مختلف المجموعات الدينية الارتدادية كما حصل مع ثورات العام 1925 وغيرها، والسير قدماً نحو تأسيس دولة علمانية خالصة.

إنّ أثر العلمانية على المجتمع التركي كان عاماً وشاملاً لمدة أربعة عقود متتالية، ترسخت فيها في كل مجالات الدولة، وبالتالي صار كل من يحيد عن العلمانية بعد ذلك، كما لو أنه يعادي الدولة ومؤسساتها، وكل من يريد ممارسة نشاطاته السياسية والثقافية وغيرها، عليه أن ينطلق من هذا المبدأ، وكل تداخل جديد بين الدين والسياسة لا بد من محاسبته وملاحقته قانونياً.

هذا أساس العلمانية التركية وهو أساس العمل السياسي، وبالتالي صار على الأحزاب السياسية التي تأخذ بالدين مجدداً في تركيا، أن تنطلق من هذا الأساس، ولأنها تنطلق منه، فإن الدين لديها لا يغدو هو المقدس، بل يصبح الدين رمزا للحضارة العربية الإسلامية بأبعادها المتنوعة. وهو ما يحول عمل الحزب السياسي «الإسلامي» إلى حزب سياسي مدني يعي مصالحه ومصالح الفئات التي يدافع عنها ويضع خطة عمل، غير مستقاة من النص الديني، بل من العلوم الحديثة والواقع الجديد في تركيا، وبذلك يصبح الدين بمثابة قيم عامة يمكن الأخذ بها ويمكن عدم الأخذ بها.

الإسلام التركي المدني يأتي تصاعده في إطار موجة عالمية تستفز الدين، وتستجديه، وهي موجة تطال الدول الأوربية والعالم، وتحبذها الأنظمة العالمية في مغرب العالم ومشرقه، نظراً لحجم الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تواجه العالم والتي تتطلب تخديراً للوعي، وليس أحسن من الدين شيئاً في ذلك، خاصة حين يذوب العقل في مشاهد الجنة..! ولذلك قيل عن حروب الحضارات وحوار الحضارات والرؤى الدينية لرؤساء العالم وغير ذلك، وتمّ تنشيط الجمعيات الدينية في العالم على اختلاف أشكالها، وهناك عمل كثير تمّ في منطقتنا العربية من أجل تنشيط الدين والمزاوجة بين الدين والسياسة بالمعنى الأيديولوجي والسياسي. ولكن، حين يصل الإسلام السياسي إلى مستوى الجهاد المسلح أو الحركة المسلحة أو الهوس الجهادي، أي حين تتناقض مصالح تلك الحركات مع الأنظمة أو مع الولايات المتحدة الأميركية، ولنا خير مثال هنا في تنظيم «القاعدة»، ففي هذه الحالة يتم اجتثاثها. ولكن تخريب العقول يكون قد فعله فعله، أي تكون كارثة تحويل الدين الشعبي إلى دين سياسي وجعل الدين ديناً ودنيا، قد صارت أمرا مقضيا. تلك هي الأجواء التي تأثرت فيها تركيا بشكل أو بآخر، وما تشهده من تصاعد للقوى الدينية له علاقة بما حدث في عالمنا العربي وفي العالم، ولكن الأساس العلماني والطغمة العسكرية المرذولة الآن في تركيا هي بالضبط من يجب أن يثمن في تاريخ تركيا وذلك من أجل اللحظة الراهنة العربية، لأنها تضع إسلام تركيا كنموذج ديموقراطي، وكمثال مرغوب للتحول نحوه وتقليده.

الذي يستطيع الاستفادة من الإسلام التركي هو الإسلام الشعبي لا الإسلام السياسي، حيث يفضل عامة الناس، العيش المشترك مع كل أفراد المجتمع بعيداً عن التعصب وفي أجواء الانفتاح والتواصل الإنساني بعيداً عن التمذهب في العلاقات، وهو ما يعني تفضيله الوعي الديني الذي يفصل بين الدين والسياسة أو الدين والعلم، وهو بالضبط ما يحاربه الإسلام السياسي والأنظمة العربية التي تحافظ على دور سياسي للدين تحت الإشراف المباشر أو موضوع في الخدمة وتحت اليد.

موضوعنا يتحدّد بأنّه يُطرح في واقعٍ عربي شديد التأزم، فالطائفية السياسية لها حظوة واسعة، وتعمل الأنظمة العربية من أجل ديمومة هذا الواقع المتأزم، ففيه تتأبد، وبالعلمانية أو الحداثة المنسجمة، تزول. ميزة تركيا في تجذيرها للعلمانية كنظام سياسي، وهو الشرط المفتقد في عالمنا العربي، ووجود بعض أوجه العلمانية في الدول العربية، لا يقلل من تحليلنا السابق بل ربما تكون لتلك الأوجه القليلة دور السند نحو نظام علماني ديموقراطي، يفصل بين الدين والسياسة ويحيد الدين ويمنع تسخيره وإنزاله من قدسيته لغايات سياسية، ويحول المجال العام إلى مجال وضعي محض، والمجال الديني إلى مجال شخصي. وبذلك يمكن أن تتأسس السياسة وضعياً، ويصبح الحزب السياسي الذي يأخذ بالدين، إنما يأخذ به بالمعنى الثقافي والأخلاقي والتاريخي لا بالمعنى النصي، الذي هو متناقض مع الحداثة وروح العصر.

مقالتنا هذه تنفي أن يكون الإسلام السياسي العربي الحالي يتماثل أو يمكن أن يتماثل بالتركي. على أنه يستطيع أن يكون كذلك فقط حين ينزع عن ذاته رداء القداسة المتوهمة وأساطير ظل الله على الأرض، وأن يقدم نفسه كحزب مدني ببرنامج سياسي واقتصادي واجتماعي بعيداً عن الطائفية والتكفير وإمكانية الاستبداد بالآخر حين تنتهي حفلة صناديق الاقتراع ولعبة الديموقراطية، وهو ما عرف بالديموقراطية لمرة واحدة.

============================-

شرق أوسط تركي

دمشقغازي دحمان

المستقبل - الثلاثاء 3 تشرين الثاني 2009

يثير الحراك التركي على الساحة الشرق أوسطية سؤالاً مهماً، عن أسباب هذا الحراك وتوقيته ومآلاته، لاسيما وأن ما تقوم به تركيا في المنطقة يتجاوز حدود المشاريع الكبرى التي بشرت بها المنطقة، وبالرغم من كل ما حملته كل تلك المشاريع من آمال وتطلعات، كالوحدة العربية، ومن ضغوط وإرادة دولية، كالشرق الأوسط الكبير، أو زخم إقليمي معين، الهلال الشيعي.

ثمة من يرى في هذا السياق، أن الحراك التركي في توقيته، هو محاولة لملء الفراغ الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط، بعد الإنهاك الأميركي الكبير إن على المستوى الرؤيوي أو على المستوى العملياتي، وبالتالي إنحسار الثقة والزخم في تحركات واشنطن ومشاريعها الشرق أوسطية.

ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للاعبين الآخرين، حيث المشروع الإيراني يثبت عجزه بعد تفتح الجروح المتعددة في الجسد الإيراني من طهران إلى بلوشستان، وكذا إسرائيل التي راحت تتقلص (في ظل حكوماتها اليمينية) إلى مجرد دولة يهودية تحوطها الجدران العازلة، أما الدول العربية، وخاصة المشرقية منها، فإنها تعيش لحظة تاريخية فارقة، حيث تعيش مأزقاً بنيوياً منذ الاستقلال، ما يخلف فراغاً كبيراً تتقدم تركيا موضوعياً كي تشغله.

وتطرح تركيا مقاربة جديدة للوضع الإقليمي يقوم على إعادة صياغة العلاقات بين مختلف الأطراف على أسس جديدة تقوم على التعاون والمصالح المتبادلة في الاقتصاد والأمن وسواه، ووفقاً لذلك، فإن الحراك التركي يبدو متوافقاً مع الرؤية الإستراتيجية الأميركية العامة، والقائمة على تقسيم العالم على أساس أقاليم متجانسة (عرقياً وثقافياً واقتصادياً) ومتقاربة جغرافياً، ليصار إلى تعميم قيم العولمة، وإدراج آلياتها في سياقات متعددة تصب في النهاية في الصالح الأميركي العام، من هنا ثمة من يعتقد بوجود تغطية سياسية أميركية للحراك التركي، بل حتى وجود مساعدة وتنسيق مباشر بين الطرفين، وهو ما بدا واضحاً وجلياً في اتفاقات التعاون الاستراتيجي التي أبرمتها أنقرة مع كل من بغداد ودمشق ويريفان.

ما يعزز وجهة النظر هذه، عودة الجيبولوتيك لاحتلال مركزاً متقدم في الرؤى الإستراتيجية الأميركية في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما، والتركيز على المقلب الأوراسي (قلب العالم هارت لاند) ومركزية تركيا في هذا المجال، سواء لجهة علاقاتها الوثيقة مع ما يسمى ب(العالم التركي) الذي يمتد من غرب الصين إلى أوروبا، أو لجهة مركزيتها لخطوط النفط والغاز وتوسطها لأهم مناطق إنتاج هاتين المادتين في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

غير أن ثمة من يرى أن الحراك التركي باتجاه منطقة الشرق الأوسط تدفعه محركات ذات منشأ تركي خالص، ذلك أن هذا الحراك يأتي في سياق فهم جديد لدى النخبة التركية بضرورة لعب دور أكبر في شؤون المنطقة، وتحول تركيا لاعباً مهماً في منظومة المنطقة وغير مستثنى من قضاياها.

أما أسباب ودوافع هذا الحراك فهي عديدة، ليس أقلها حاجة تركيا إلى فضاءات جديدة، في ظل الفورة الاقتصادية التي حققتها على مدار السنوات السابقة، والتي دفعتها إلى المركز السادس عشر في سلم الاقتصاديات الدولية، وهي بلا شك تسعى إلى تنويع أسواقها وجذب المزيد من الاستثمارات إلى قطاعاتها المختلفة، وعينها في هذا المجال على كتلة الأموال العربية في الخارج.

سبب أخر، يرتبط بالداخل التركي، وهو ما يبدو وكأنه محاولة لمعالجة أزمة الهوية، التي طالما عانت منها تركيا على مدار العقود السابقة، وذلك عبر إحداث توازن في علاقاتها مع العالم العربي والإسلامي لتغيير الصورة السلبية لتركيا على الصعيد السياسي، والظهور بمظهر الدولة الفاعلة والمشاركة في صنع القضايا الإقليمية وقضايا العالم الإسلامي.

وهناك سبب أخر مهم يرتبط بعلاقات تركيا بأوروبا، فلطالما عانت أنقرة من إغلاق أوروبا أبواب اتحادها أمام الأتراك، ولا شك أن تركيا باتجاهها إلى الفضاء العربي الإسلامي لا تعمل على تثقيل أوراقها التساومية تجاه أوربا وحسب، ولكنها أيضاً تهدد النفوذ الأوروبي ذاته بخسران بعض مزاياه لصالح النفوذ التركي الصاعد.

ولكن إلى أي مدى تستطيع تركيا تنفيذ استراتيجيتها في الشرق الأوسط وتحقيق الأهداف التي تبتغيها، وهل بإمكان تركيا البقاء على حيادها الذي جعلها طرفاً مقبولاً من جميع الأطراف، والأهم هل ستحافظ الإندفاعة التركية على زخمها تجاه المنطقة بعيداً عن أي متغيرات داخلية تشهدها؟.

===========================

الاقصى: لماذا يوقظون الشياطين من غفوتهم

رؤوبين بركو

03/11/2009

القدس العربي

من يتابع بث الجزيرة سيكتشف أنه مثلما في اساطير الاطفال يجلس الشيخ يوسف القرضاوي على كرسيه المريح في الدوحة في قطر ويحرض من هناك، عبر الاستديو، بثبات، لإبادة اسرائيل، اليهود والصهيونية. كثيرون يشيرون اليه كرئيس حركة الاخوان المسلمين العالمية، وهناك ايضا من يعتقدون بانه 'امير الجهاد' في عصرنا.

باختصار، الرجل يرتزق اليوم من التحريض ويعمل بصفته اللاعب المركزي في مسرح يشارك فيه الشيخ رائد صلاح وغيرهم من شيوخ حماس. النص الحالي المشترك لعصبة المشهرين هذه يردد بأن المسجد الاقصى في خطر، وان على العرب والمسلمين في كل العالم ان ينهضوا كرجل واحد وان يكافحوا ضد اليهود والصهاينة الذين يعتزمون هدم المسجد او يقسموه مثلما فعلوا في الخليل.

من يعرف القرآن يعرف ان القدس لا تذكر في القرآن ولو تلميحا. ولكن في اثناء رحلة ليلية لمحمد حلم حلما في مسجد وهذا الحلم ترك خلافا في العالم الاسلامي حول مسألة اين حقا يوجد هذا المسجد. هناك محللون يعتقدون انه في السماء وآخرون يعتقدون انه يوجد في 'الارض المباركة'ارض اسرائيل والقدس. من هنا تنبع اهمية مسجد الاقصى. ولكن حسب القرآن فان 'الارض المباركة' منحت بوضوح لبني اسرائيل، ومن الدارج في الاسلام بأن الله لا ينكث بوعده. عمليا، الحقيقة المعروفة هي انه بعد حرب الايام الستة ليس فقط لم يتآمر اليهود على هدم المسجد بل بالعكس هم يحترمون قدسيته. منذئذ وحتى اليوم تواصل دولة اسرائيل الحفاظ، بواسطة مبالغ طائلة، على المسجد المقدس لاكثر من مليار مسلم في العالم. على مدى السنين، منذ تحريره على ايدي اسرائيل، يشكل الاردن، بتشجيع من اسرائيل، سيدا اداريا للمسجد. هذه الحالة الدينية محفوظة للسلالة الهاشمية التي يعود اصلها حسب الايمان الى اسرة الرسول محمد، حتى في اطار اتفاق السلام معها. كما ان ليس للاردنيين تطلع لتحويل المدينة المقدسة عاصمة لهم. فهم لم يفعلوا ذلك حتى عندما سيطروا عليها منذ حرب الاستقلال وحتى حرب الايام الستة.

اما الفلسطينيون، غير المذكورين على الاطلاق، بالطبع، في القرآن فيصرّون على اخذ المسجد والقدس لانفسهم دون اي مبرر ديني او سياسي. فهم ابدا لم تكن لهم دولة فلسطينية وعلى اي حال لم تكن لهم عاصمة في القدس، ناهيك عن انه من ناحية دينية المسجد مقدس لكل المسلمين في العالم وبالتالي فانه يدار من دولة اسلامية، الاردن.

السخافة هي ان الفلسطينيين يستخدمون قدسية المسجد الاقصى كرافعة لتحقيق انجازات سياسية، فيما انه في الواقع لا تعمل في اي دولة من دول العالم العربي والاسلامي مدينة مقدسة للاسلام كعاصمة. مكة والمدينة، كما هو معروف، مقدستان للمسلمين ولكن عاصمة السعودية هي الرياض. كما ان النجف وكربلاء مقدستان، ولكن عاصمة العراق هي بغداد، وهناك امثلة اخرى.

غاية المطلب الفلسطيني الكيدي بالقدس العتيقة والحرم هي واحدة: نزع الشرعية عن اليهود في بلادهم ولهذا فهم يستخدمون المسجد استخداما تهكميا كميدان معركة تقليدي لسفك الدماء وكمخرج يوحد الصفوف اثناء الازمة. عمليا، يكشفون المسجد امام المخاطر بسبب الاضطرابات التي يثيرونها. وقد سبق ان طور هذا النهج ياسر عرفات وهو مستمر اليوم ايضا.

' ' '

في هذا السياق يجدر بالذكر أن رسول الاسلام بالذات، محمد، كان الاول في التاريخ ممن اضرم النار، عن عمد في مسجد الازرار الذي كان مقاما في المدينة واحرقه محمد ورجاله، على سكانه، بدعوى ان المصلين فيه تمردوا عليه. منذ عهد محمد احرقت وفجرت مساجد عديدة ونادرة في جمالها على ايدي مسلمين، في اطار صراعهم في كل العالم. آخرها فجرت بمصليها في المدن المقدسة للسنة والشيعة في العراق.

بالذات في دولة اسرائيل، دولة اليهود، مسجد الاقصى ليس في خطر. بالذات اسرائيل تحافظ على الاقصى بعناية زائدة. من الخطير حتى التخمين ما كان سيكون مصير المسجد لو انه انتقل الى اياد ٍ فلسطينية.

اسرائيل اليوم 2/11/2009

==============================

تراجع أوباما أمام نتنياهو نهائي أم تكتيكي ؟

سركيس نعوم

sarkis.naoum@annahar.com.lb

النهار

3-11-2009

بعد انتخابه رئيساً للجمهورية وقبل توليه رسمياً صلاحياته الدستورية تلقى باراك اوباما من مجموعة تضم مسؤولين سابقين كبارا وباحثين اكاديميين دراسة تضمنت عرضاً للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي المزمن واقتراحات لانهائه بتسوية سلمية تنشىء دولة فلسطين على اراضي 1967 وتمنح دولة اسرائيل "الشرعية العربية".وهي ما كانت تفعل ذلك لو لم تكن مواقف اوباما المرشح متوافقة مع هذا الاتجاه ولو لم يكن مستعداً لترجمتها عملياً بعد دخوله البيت الابيض رئيساً. وبقيت هذه المواقف على حالها تقريباً على ما بدا في الخطاب "التاريخي" الذي القاه في جامعة القاهرة في الخامس من حزيران الماضي. وفي مواقف لاحقة له اعلنها سواء في واشنطن او خارج بلاده وكان عمادها الى ضرورة معاودة المفاوضات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية وحل الدولتين تجميد الاستيطان في كل الاراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية.

الا ان الموقف الذي اعلنته وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون قبل يومين من اسرائيل ناقض تماماً مواقف رئيسها المشار اليها اعلاه. بل ناقض حتى مواقفها هي التي اعلنتها اكثر من مرة منذ تسلمها مسؤوليات الخارجية الاميركية قبل اكثر من تسعة اشهر. واهم ما فيها كان الترحيب الواسع باستعداد اسرائيل "غير المسبوق" لمعاودة مفاوضات السلام مع السلطة الوطنية الفلسطينية مع تقييد جزئي للاستيطان. وقد اثار ذلك سؤالاً مهماً هو: هل هناك بداية تناقض في المواقف بين اوباما وكلينتون في ما يتعلق بالصراع الفلسطيني – الاسرائيلي وطريقة تسويته سلماً؟

والجواب طبعاً هو كلا. وكل من يعتقد بوجود تناقض او بداية تناقض في المواقف بين الرئيس الاميركي ووزيرة خارجيته يقع في خطأ كبير ويكون واهماً. وكذلك يكون مخطئاً وواهماً من يعزو تغير موقف كلينتون المشار اليه اعلاه الى تغير في موقف أوباما. فهو لا يزال استناداً الى عدد من العاملين معه على اقتناعاته كلها. لكن الظروف لم تساعده حتى الآن لبدء العمل على تنفيذها. بعض هذه الظروف داخلي وبعضها الآخر خارجي. لا بل يمكن القول انها مزيج من الداخلي والخارجي وذلك نظراً الى العلاقة العامة بين اسرائيل واميركا وقدرة الاولى على التأثير في الثانية على كل المستويات وعلى نحو كبير. ابرز الظروف وجود حكومة يمينية متطرفة في اسرائيل يرئسها بنيامين نتنياهو. فهي عاندت اوباما على مدى عشرة اشهر تقريباً استقبلت خلالها موفده السيناتور السابق جورج ميتشل عشر مرات ورفضت كل اقتراحاته المتوازنة في رأي عرب الاعتدال وغالبية المجتمع الدولي. لكنه لم ينصع لها وقاومهامستندا الى لوبي يهودي اميركي حديث النشأة وطري العود اعتبر ان من ابرز مهماته مواجهة "ايباك" التي تدافع علناً ورسمياً عن مصالح اسرائيل في اميركا والتي تستعمل كل وسائل الضغط على الداخل الاميركي كي تبقى الادارة الاميركية اي ادارة منسجمة مع مصالح اسرائيل. وغايته من المواجهة هي اقناع يهود اميركا بان اسرائيل المسالمة لجيرانها والمعترفة للفلسطينيين بحقوقهموالمتفوقة عسكرياً على العرب مجتمعين تستطيع ان تعيش في المنطقة الى الابد بخلاف اسرائيل الاخرى العنيفة والمعتدية والمغتصبة. لكن على ما يبدو قد يكون وصل اوباما الى استنتاج يفيد ان الغلبة كانت ل"ايباك". ومن شأن ذلك في حال اصراره على مواقفه"تسويد عيشته" كما يقول المصريون. اذ يمكن ان يتعثّر مشروعه الداخلي للضمان الصحي ومشروعه لانقاذ الاقتصاد. كما يمكن ان يتعرض لحملات بسبب ما يجري في افغانستان والعراق وايران.

طبعاً يقول الاميركيون ان العرب المعتدلين لم يساعدوا ايضاً اذ خذلوا بدورهم اوباما عندما رفضوا تنفيذ خطوات تطبيعية وان اولية مع اسرائيل. وهذا صحيح. لكنهم يعرفون ان عدم مساعدة العرب الرئيس الاميركي ناجمة عن كونهم الطرف المعتدى عليه والمحتاج الى العون الدولي والتنازل الاسرائيلي.

هل يعني ذلك ان تسوية الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي التي كانت عند الرئيس اوباما اولوية لم تعد كذلك؟

ربما، يجيب متابعون اميركيون من قرب لحركة الرئيس الاميركي. لكنهم يشيرون في الوقت نفسه الى ان اسرائيل والدول العربية تساوت في الموقف من اولوية اوباما. اذ اعتبرها كل من الفريقين جاهزة للتنفيذ خلال سنتين حدا اقصى. علماً انه كان عليهما ان يعرفا ان تسوية كهذه غير ممكنة الا خلال ولاية رئاسية او على الارجح ولايتين.

في اي حال ربما يشعر اليهود الاميركيون الداعون اسرائيل الى حل سلمي "عادل" في رأيهم طبعاً بشيء من "القنوط". الا ان ذلك لم يدفعهم الى اليأس اذ بدأوا يشيرون علناً الى ان تطرف نتنياهو وحكومته سيفرض على اسرائيل لاحقاً والولايات المتحدة التحاور مع "حماس" الموضوعة على لوائح الارهاب في الدولتين. كما بدأوا يشيرون الى ان ما يريده نتنياهو من اميركا قد يكون مماثلاً لما اراده شارون منها قبل انسحابه من غزة وازالة مستوطناته فيها. وما اراده شارون عبّر عنه مساعد له في صحيفة اسرائيلية بتلخيص لمحادثات اجراها في اميركا جاء فيه: "توصلت مع الاميركيين الى ان احداً لن يتطرق الى موضوع الاستيطان حتى يصبح الفلسطينيون مسالمين. ومعنى الاتفاق الذي توصلت اليه مع الاميركيين هو تجميد عملية السلام. والتجميد يعني منع اقامة دولة فلسطينية وعدم مناقشة قضيتي اللاجئين والقدس. في اختصار ان "الصفقة" التي اجريناها مع بوش ازالت من "اجندتنا" الدولة الفلسطينية مع كل توابعها بموافقته وموافقة مجلسي الكونغرس". فهل يستجيب اوباما لنتنياهو؟ الجواب ليس عند احد بعد، علماً ان "السوابق" لا تشجع.

============================

العداء لأمريكا: حقيقة أم إعلام؟

ميشيل كيلو

03/11/2009

القدس العربي

ليس هناك من هو أكثر عداء لامريكا من حكومات العالم العربي. هذا ما تؤكده الظواهر والمظاهر، وما يظهر فوق الطاولة، أما تحتها، فالأمور مختلفة إلى أبعد حد: هنا، امريكا هي الجهة الرئيسية الصانعة للنظامين الدولي والإقليمي، فلا بد من خطب ودها وإقامة علاقات ممتازة معها، سواء كانت مبنية على مصالح مشتركة، أم على الانضواء في مناطق نفوذها، وتاليا في سياساتها العامة واستراتيجياتها، وإلا وجد من يتفاهمون معها أنفسهم في ورطة، وتصرفوا وكأن نظامهم خارج على الشرعية الدولية، أو يفتقر إلى دعمها، أو كأنه نظام ناقص تكتمل مقوماته بحصوله على غطاء منها، يجعلها راضية عنه، ويجعله يحس بالأمان.

والمشكلة مع امريكا معقدة، فهي، في حالة أولى، تتفق مع الذين تتعامل معهم على دور معين، يؤدونه بعد وصولهم إلى الحكم. في هذه الحالة، نجدها تراقب ما يفعلونه، وتتدخل لتغييره إن كان لا يتفق مع خططها، فإن رفضوا ما تطلبه، دخل نظامهم في منطقة رمادية سياسيا، ووجدوا أنفسهم في أمام خطر جدي، سببه أن امريكا لا تترك مصيرها بيد أحد، ولا تمنح ثقة غير محدودة أو مشروطة لأحد، وتفتش دوما عن بديل لما هو قائم، حتى عندما تضع يدها في يده. في حالة ثانية، تراقب امريكا سياسات بلد ما، دون أن تتخلى عن 'حقها ' في توجيهها، وهي تحدد موقفها النهائي منها، إن رفضت تبني طرق في العمل تتفق مع مصالحها وأهدافها. عند هذا، تحدث أزمة علاقة، تليها معظم الأحيان أزمة حكم في البلد المعني، الذي يدخل عندئذ في منطقة رمادية سياسيا، غالبا ما تكون خطيرة بالنسبة له.

في الحالة الأولى، تقيس امريكا سياسات الحكومات بالدور الذي اتفقت معها عليه، وفي الثانية بالدور الذي تتوقعه منها، أو تريدها أن تلعبه. وفي الحالتين، تكون سياساتها ومصالحها هي معيار علاقاتها، والسقف الذي يجب على الطرف المقابل إلزام نفسه به والعمل تحته، كي لا يفقد ثقتها وتوجه إليه تهم ثقيلة كدعم الإرهاب، أو التراخي في محاربته، أو تهديد الأمن القومي الامريكي... والغريب، أن الحكومات، عند العرب وفي العالم، تعطي امريكا حق التدخل المفتوح في شؤونها، فترى مندوبيها يبحثون مع هيئات رسمية عربية تفاصيل علاقاتها مع دول عربية أخرى، دون أن تعترض على 'حشريتها'، مع أن سلوكها يمثل تدخلا سافرا في أمورها. كما تحدد امريكا الطرق التي يجب أن تعتمدها بعض البلدان في التجارة الدولية، على سبيل المثال، وتلك المطلوبة لاختيار مخاتير بعض البلدات والقرى، وهي لا تتورع عن تقريع من يخالفونها بصورة علنية، وتعترض على بعض المسؤولين في دول أخرى، وتطلب من حكوماتهم استبدالهم بمن ترضى عنهم، بينما تصدر تقارير حول حقوق الإنسان في كل قطر ومصر، توزع فيها التهم ذات اليمين وذات الشمال، دون أن يتجرأ أحد على الاعتراض جديا على انتهاكاتها هي للحقوق، التي تستخدمها ذريعة للتدخل في شؤون غيرها...

يقع خلاف امريكا مع الآخرين، عندما تتناقض مصالحها الاستراتيجية في بلد ما مع سياساته ومصالحه، في هذه الحالة: امريكا هي التي تثير الخلافات مع حكامه، لأنها هي التي تنكر حقهم في أن تكون لهم سياسات لا تتفق وسياساتها، ومصالح تتعارض مع مصالحها، حتى داخل بلدانهم/ هذا التعارض في المصالح والسياسات هو أرضية الخلاف والتعارض، وأحيانا الصراع ضد من يملكون، مثلها، استراتيجيات إقليمية أو كونية شاملة تتخطى حدودهم، تنافس أو تناقض استراتيجيتها/ عندئذ، يعبر الخلاف عن نفسه في الاعتراض على الدور الذي ترفضه واشنطن، دون أن تكون الحكومات صاحبة الدور قد اتفقت معها على دور محدد بالضرورة، كما تعبر عن نفسها، من جانب آخر، في التزام حكومة ما بدور معين، تعتقد امريكا أن هذه قد تخلت عنه.

يوجد حالات نادرة توافق أو تطابق بين استراتيجيات امريكا وبين مصالح الدول الوطنية، التي يغلب عليها طابع المحلية، إلى هذا، تتردد الدول الصغيرة كثيرا في فتح النار على امريكا، خوفا من الاصطدام بها كقطب دولي مسيطر هنا، موجه هناك، ولأن الدول الصغيرة تؤثر التدرج في الدفاع عن مواقفها ومصالحها، إيمانا منها بأن امريكا لا تمزح ولا تتحلى بالصبر، في كل ما يتصل بمصالحها وسياساتها، وأن إقامة ميزان قوى في غير صالحها أمر صعب ويتطلب خططا واستعدادات تشمل بلداننا عديدة، غالبا ما يكون بينها تفاوت في المواقف والأفعال والمصالح، كما هو حال دول امريكا اللاتينية، التي تحاول فنزويلا اليوم حشدها وراءها، في مواجهة واشنطن.

على أن امريكا ليست قدر البشرية، ومن الممكن مقاومتها وإحباط خططها، بيد أن المعارك التي نراها في معظم حالات الاشتباك معها غالبا ما تكون إعلامية أكثر منها حقيقية، وغالبا ما يكون العداء لها لفظيا، ذلك أن الخوف من إمكاناتها، التي تترجمها خطط طويلة الأمد كثيرة التشعب قوية التأثير، تقبل التطبيق نظريا في كل مكان بفضل انتشار عالمي يجعل واشنطن قادرة على حشد قدر من القوة متفوق على خصومها لمحليين، الذين يؤثرون أن لا يختلفوا معها إلا لكي يحسنوا شروط علاقاتهم منها، فهم لا يرغبون أصلا في خوض معارك كسر عظم ضدها، خشية الإطاحة بهم، إن بلغت المواجهة معها حد اللاعودة.

بسبب انتشارها العالمي ومصالحها الكونية، التي تتعارض غالبا مع مصالح القوى والدول المحلية، تبادر امريكا إلى سياسة تربص بكل ما ومن ليس أمريكيا، وهي تخضع الآخرين، أصدقاء وخصوما، لاختبارات لا تتوقف، لأنها استراتيجياتها لا تقوم على شيء يسمونه الثقة أو الاسترخاء، فتراها تحتاط دوما لما قد يقع، وتتخذ ترتيبات لقطع الطريق على المفاجآت غير السارة، التي كثيرا ما باغتتها رغم احتياطاتها وترتيباتها. ليس لدى امريكا صديق دائم أو عدو دائم، بل لها مصالح تتابعها بتصميم محارب عازم على إزاحة كل من يعترض طريقه، يفسر هذا رغبتها في تكييف الآخرين مع سياساتها ومصالحها، وسبب رفضها التكيف مع سياساتهم ومصالحهم، فإن حدث وقبلت ما كانت ترفضه، وجب أن يكون القبول وقتيا وعابرا، بالنسبة لامريكا، يجب أن تكون هزيمة الآخرين استراتيجية، وأن يكون تراجعها هي تكتيكيا، عارضا وقابلا للإلغاء، ومن يراقب التاريخ، سيجد أنها لم تتراجع استراتيجيا أمام أي طرف آخر، وأن تراجعاتها التكتيكية كانت نادرة وعابرة، ثمة خط سير تتبعه السياسة الأمريكية من غير الجائز أن يتوقف، فإن حدث وتوقف لسبب ما، وجب الحفاظ عليه وتغيير شروط تحققه، بكنس العقبات التي أوجبته، خلال فترة يجب أن تكون قصيرة قدر الإمكان، فلا يظنن أحد أن امريكا تقبل الهزيمة، أو تسلم بنتائجها، وإن اعترفت أحيانا بتعثر برامجها وخططها، وتظاهرت أنها بدلت خياراتها وغيرت مواقفها، أو تراجعت عنها، ومن يراقب ما حدث في الوطن العربي بعد إعلان قيام الشرق الأوسط الجديد، سيفهم طريقتها في العمل، وسيدرك أنها قد تفشل في نقطة معينة، لكنها تتدارك فشلها بشق طرق جديدة لخططها، تعتمد في شقها أساليب وأماكن جديدة، وأن نهجها العام يبقى ثابتا وموجها نحو اختراق خصمها من نقاط ضعفه، علما بأن قيام الشرق الأوسط الجديد لم يتم بعد، لسبب بسيط هو أننا ما زلنا في طور الفوضى الخلاقة، التي قالت هي نفسها إنها السبيل إلى قيامه. عاش وطننا العربي فوضى رهيبة خلال العقد الأخير، رغم ما يقوله السذج عن فشل سياسات واشنطن العربية؟

ليس العراك مع امريكا سهلا، إنه أمر فائق الصعوبة، لا تقدر عليه مجتمعات ضعيفة وحكومات عاجزة، كمجتمعاتنا وحكوماتنا، وعلى من يريد خوضه بجدية، وتحويله من عراك كلامي إلى صراع جدي، البدء بالتصدي لما تستغله امريكا ضده: مشكلاته الحقيقية ونقاط ضعفه كمجتمع وعجزه كحكومة، وإلا خسر معركته ووجد نفسه ذات يوم بين المهزومين بالضربة القاضية!

' كاتب وسياسي من سورية

=========================

ماوراء الاخبار.. عفواً سيدة كلينتون

عز الدين درويش

دمشق

صحيفة تشرين

رأي تشرين

الثلاثاء 3 تشرين الثاني 2009

إذا كان قول كلينتون في إسرائيل: (إن وقف الاستيطان ليس شرطاً لاستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين) هو الموقف النهائي للإدارة الأميركية، فإن هذه الإدارة تكون قد أعطت الجواب الكافي الوافي على وعودها السلمية، وأكدت أن لا شيء تغير من سياسات إدارة بوش تجاه المنطقة، وأن ما قاله الرئيس أوباما عن الوضع المختلف، والتغيير، والعمل من أجل السلام في المنطقة كان ابن ساعته وليس سياسة أميركية دائمة. أوباما وفريقه قالوا الكثير عن التغيير والحوار والسلام في المنطقة، والرئيس بالذات تعهد بالعمل الجاد من أجل دفع العملية السلمية، بدءاً من وقف الاستيطان الإسرائيلي، وكلامه في هذا الشأن كان واضحاً في جامعة القاهرة، فما الذي تغيّر حتى تدلي كلينتون بهذه التصريحات عن الاستيطان؟.

وللتذكير فقط فإن كل الإدارات الأميركية التي عاصرت الاستيطان كانت تؤكد أنه غير شرعي، ويعرقل جهود إحلال السلام في المنطقة، وحتى إدارة جورج بوش الابن كانت تقول ذلك في العلن على الأقل. ‏

الاستيطان يعد شكلاً من أشكال الاحتلال، ويعني تشريد المزيد من الفلسطينيين من أرضهم وديارهم، وتمكين المحتل من بناء ما يسمى أمراً واقعاً جديداً على الأرض يدعم من خلاله احتلاله ومشروعاته التوسعية والتهويدية والمسؤولون الأميركيون يعرفون ذلك جيداً، وهم مطلعون على تفصيلاته بحكم علاقاتهم الاستراتيجية مع إسرائيل. ‏

والاستيطان يعني، إضافة إلى ما سبق، استجرار المزيد من المستوطنين إلى الأراضي المحتلة بعد تقديم الإغراءات المالية الكبيرة لهم، وهذا ما يحدث فعلاً، إذ تؤكد الأرقام أن أكثر من 75 ألف مستوطن استقدموا بهذه الوسائل إلى الضفة الغربية منذ عام 2003، وأن الأراضي الفلسطينية المستولى عليها بالقوة بهدف إقامة المستوطنات عليها منذ العام المذكور تقدر بآلاف الدونمات. ‏

فكيف والحال هذه، يمكن إقامة السلام، وعلى من تضحك كلينتون عندما تقول: إن وقف الاستيطان ليس شرطاً لاستئناف مفاوضات السلام؟ ‏

وللحقيقة هنا لابد من الإشارة إلى أن ما قالته كلينتون في إسرائيل اختصر سلسلة من التراجعات في مواقف إدارة أوباما حيال عملية السلام، وأكد أن الأقوال شيء والأفعال شيء آخر عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. ‏

وأخيراً لابد من التساؤل عن الفرق بين ما قالته كلينتون وما يقوله الإرهابي المتطرف أفيغدور ليبرمان مثلاً عن الاستيطان؟ ‏

باختصار، ما حدث يؤكد أن إسرائيل لا تريد السلام، وأن إدارة أوباما تدعمها في ذلك، فعفواً سيدة كلينتون.‏

===========================

محرقة المشفى الوطني باللاذقية بحاجة إلى إسعاف

عاطف عفيف

دمشق

صحيفة تشرين

تحقيقات

السبت 31 تشرين الأول 2009

تتوسط محرقة النفايات الطبية المشفى الوطني في اللاذقية وتنثر روائحها الكريهة وأعمدة دخانها الأسود على المرضى والسكان المجاورين، حيث تعمل ضمن ظروف سيئة للغاية، وحالتها الفنية لا تسمح بارتفاع درجة حرارتها إلى العتبة المطلوبة واللازمة لحرق النفايات الطبية بشكل آمن، ما يهدد إضافة لما سبق انطلاق غازات خطرة ذات آثار كارثية منها غاز الديوكسين والذي يعد من المسببات الرئيسية لمرض السرطان.

دون جدوى ‏

ويؤكد العديد من المصادر العلمية ان عملية الحرق للنفايات الطبية يجب ان تتم على درجة 1200 وما فوق لضمان عدم انطلاق غاز الديوكسين الخطر، إضافة الى ضرورة وجود نظام فلترة للغازات الأخرى المنطلقة من عملية الحرق. وكانت بعض التحقيقات الصحفية لبعض الزملاء اشارت الى ارتفاع نسبة السرطان في المناطق المجاورة لمحرقة الأسد الجامعي ومحرقة المشفى الوطني باللاذقية من خلال الاطلاع على بعض ملفات المرضى في مشفى البيروني بدمشق. إن ما يتم في محرقة المشفى الوطني في اللاذقية لا يتوافق مع الشروط الفنية، فالحرق يتم بأقل من 800مْ كما تؤكد العديد من الجهات، حيث أشار المهندس محسن شريبا مدير معمل النفايات في اللاذقية في محاضرة له إلى أن درجة الحرق في محرقة المشفى الوطني تتم فقط بدرجة 600 للاحتراق الأولي و900 للثانوي، وفي دراسة قامت بها وكالة جايكا اليابانية لمصلحة وزارتي الإدارة المحلية والبيئة عام 2002 أكدت بان درجة الحرق تتم على درجة 500 للأولي و850 للثانوي، مع العلم ان المحرقة كانت جديدة حينها وفي بداية عملها حيث تم تركيبها في عام 2001. وفي احد اجتماعات مجلس المحافظة اكد البعض انه وبسبب حالتها السيئة حالياً لا تتجاوز درجة الحرق ال600مْ، ورغم تضارب واختلاف الأرقام لكنها تتفق بان جميعها مخالف للشروط الفنية للحرق النظامي للنفايات الطبية والذي يجب أن تصل الى 1200مْ.

 

وتجدر الإشارة الى انه ومنذ أكثر من سنتين ومشكلة المحرقة تتداولها النقاشات في مجلس المحافظة والمدينة ولكن دون جدوى، وفي كل مرة تتسلح مديرية الصحة بعذرها المعروف بانها أعلنت صيانة المحرقة عدة مرات وانه لا حول لها ولا قوة حيث لم يتقدم أي عارض... ‏

هدر ‏

وشرح العضو حسن جريعة في احد جلسات مجلس المحافظة الأخيرة ان وضع المحرقة سيئ جداً، فالباب الخارجي مخلوع، والحرق فيها لا يتم بشكل كامل لان احد الحراقات لا يعمل بشكل جيد ويحتاج للصيانة والآخر لا يعمل نهائياً، ولذلك درجة الحرق فيها تصل فقط إلى درجة ال600مْ، وما يتم فقط هو حرق للمازوت وليس النفايات وهذا بحد ذاته يعد نوعاً من الهدر وإضافة الأموال. ‏

وقال محافظ اللاذقية د. خليل مشهدية في اجتماع مجلس المحافظة للدورة الثالثة لهذا العام ونحن جاهزون لتقديم كل التسهيلات لأي عارض يتقدم لإصلاح المحرقة وبأي صيغة كانت... ‏

وبناء على ذلك أعلنت صيانة المحارق مرة جديدة في المشفى الوطني بجبلة والمشفى الوطني باللاذقية وتقدم ثلاثة عارضين من بينهم شركة تركية مختصة بصناعة المحارق وصيانتها... وقال احد الأعضاء في آخر اجتماع لمجلس المحافظة بان مديرية الصحة رفضت العروض الثلاثة بسبب عدم وجود موازنة وتساءل: ألا يعرف القائمون على المناقصات والسيد مدير الصحة انه ليس لديهم أموال كافية مع ضآلة المبلغ الذي طرح للصيانة في أحد العروض والذي لا يتجاوز 750 ألفاً مقارنة بالمبالغ التي تدفع بفواتير متقطعة، مع العلم أن الأمراض التي تسببها المحارق الطبية ترهق الموازنة وتكلفة الإصلاح لا تعادل ما تنفقه الدولة على مريض من مرضى السرطان. ‏

العروض ناقصة فنياً

 

تشرين التقت بالسيد مدير الصحة الدكتور مازن سيد الرصاص ووضعت أمامه كل التساؤلات فقال: منذ سنتين نحاول حل المشكلة، لكن لم يتقدم أي عارض بعرض مناسب ولم نقدر الوصول لشركة مختصة بصيانة المحارق، واستغرب من المبالغة بالتلوث البيئي الذي تسببه المحرقة والضجة التي تثار حولها، فهل تعادل مدخنتها مدخنة معمل..؟ ‏

وقال: إنه لا توجد حتى الآن دراسات دقيقة تؤكد بأن ارتفاع عدد المصابين بالسرطان سببه المحرقتين، وأشار إلى أن عملية الحرق للنفايات الطبية في محرقة المشفى الوطني باللاذقية تتم بدرجة 800مْ وهي ضمن الحدود الدنيا المصممة عليها ولقد قامت جامعة تشرين بمعايرتها. ‏

لكن بزيارة ميدانية لتشرين إلى موقع المحرقة تبين أن درجة حرارة الحرق التي أشارت إليها لوحة التحكم كانت 600مْ فقط. ‏

وأكد مدير الصحة ان مؤخراً تقدمت ثلاثة عروض لصيانتها لكنها رفضت لأنها ناقصة من الناحية الفنية وليس بسبب عدم وجود موازنة، ولقد تم إصلاحها بفاتورتين خلال السنتين الماضيتين واحدة ب30 ألفاً والأخرى ب12 ألفاً لكي تستمر بالعمل ولو مؤقتا، فالكحل أفضل من العمى. ‏

وحول السؤال: لماذا لم يتم طرحها من خلال مناقصة قال: لم يكن لدينا سابقاً شروط للصيانة ولقد قام مؤخراً المهندسون بالدائرة الهندسية بدراسة العروض الثلاثة المقدمة واستنبطوا من خلالها مجموعة من الشروط لإدراجها في دفتر شروط خاص لإصلاح المحرقتين في اللاذقية وجبلة والتي ستعلن بشكل مباشر خلال أيام.. وستتم معالجة الموضوع قبل نهاية العام. ‏

مزاوجة ‏

ولا بد من الإشارة إلى أن العرض الأقل سعراً وهو لشركة مختصة بصناعة وصيانة المحارق وقد أجرت العديد من الصيانات للمحارق في حلب وغيرها من المحافظات، تؤكد في عرضها بأن المحرقة بعد إجراء الصيانة ستعمل كما هو مصمم تماماً يوم تركيبها بكلفة 750 ألف ل.س... ويمكن إذا أرادت الجهات المعنية وبشكل منفصل إضافة جهاز لفلترة الدخان والغازات المتصاعدة بعد الحرق بكلفة 800 ألف ل.س ورغم ذلك كان مصيره الرفض، مع العلم ان هذه الشركة أعطت كفالة لمدة سنة كاملة بعد تشغيل المحرقة، فعن أي شروط فنية ناقصة يمكن الحديث بعد، خاصة ان مديرية الصحة نفسها لا يوجد عندها أصلاً شروط فنية لإصلاح المحرقة ولكي تخرج بشروط زاوجت بين العروض الثلاثة، وهذا يعني المزيد من ضياع الوقت وترحيل المشكلة إلى الأمام وبالتالي المزيد من الآثار السلبية والأضرار على صحة المواطنين... فأين التساهل الذي وعدت به الجهات المسؤولة في المحافظة...؟ ‏

وأخيراً ‏

إن وجود المحارق في المدينة بالمشافي وبين الأحياء السكنية لم يعد مقبولاً بأي شكل من الأشكال، وبات من الضروري إقامة منشآت كهذه بعيداً عن الأحياء السكنية، وفي هذا الإطار كانت هناك فكرة منذ عام 2003 لإقامة محرقة مركزية للمحافظة بالتعاون مع وكالة جايكا اليابانية لكن هذا المشروع لم ير النور، وحالياً يجري الحديث عن إقامة محرقة مشتركة لمحافظتي طرطوس واللاذقية في مكب القاسية الجديد المرتقب في اللاذقية، وذلك بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي للتخلص من النفايات الطبية بأساليب جديدة وآمنة لأن طريقة الحرق باتت قديمة ولا تجدي نفعاً والآن الموضوع قيد البحث لتأمين التمويل اللازم، كما أكد السيد محافظ اللاذقية في الاجتماع الأخير لمجلس المحافظة. ونتساءل: إذا كان إصلاح المحرقة مازال في جدل عقيم منذ سنوات، فكم من الزمن ستستغرق إقامة المشروع المذكور آنفاً، وإلى حين ذلك هل سيبقى المواطنون تحت رحمة ما تنفثه محرقة المشفى الوطني وغيرها من المحارق الأخرى في ظل الإهمال والمماطلة في القيام بخطوات جدية لإصلاحها...؟ ‏

atefafif@gmail.com

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ