ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 14/11/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


"أبو مازن" الرجل الذي لا يعرف المناورة

المستقبل - الخميس 12 تشرين الثاني 2009

العدد 3481 - رأي و فكر - صفحة 20

خيرالله خيرالله

من عادة السيد محمود عباس (أبو مازن) رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية الذي أعلن عزوفه عن ترشيح نفسه في الانتخابات المقبلة الابتعاد كلياً عن أسلوب المناورة. من يقول إن "أبو مازن" يناور، لا يعرف "أبو مازن" ولا يعرف خصوصاً أنه رجل يعرف ماذا يريد، بغض النظر عن وجود أخطاء كثيرة لديه، بعضها يعود الى عدم إحاطة نفسه بكفاءات. جل من لا يخطئ، ولكن عندما يتعلق الأمر باتخاذ موقف ما، لا يعود الأمر متعلقاً سوى بما يؤمن به الرجل وما يعتقد أنه صواب، حتى لو لم يكن هذا الموقف من النوع الذي ستصفق له الجماهير بحماسة ليست بعدها حماسة!

يرفض رئيس السلطة الوطنية خوض الانتخابات المقبلة المقررة في الرابع والعشرين من كانون الثاني - يناير 2010 من منطلق أن المطروح حالياً أبعد بكثير من المنصب. المطروح مستقبل القضية الفلسطينية وليس مستقبل "أبو مازن". المطروح مستقبل البرنامج السياسي الفلسطيني الذي كان يحظى الى ما قبل فترة قصيرة بدعم من المجتمع الدولي. تبين ل"أبو مازن" أنه بكل بساطة أن لا مجال للتقدم في تطبيق البرنامج لأسباب عدة. في طليعة الأسباب التذبذب في الموقف الأميركي. هناك بكل وضوح فتور في العلاقة بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية. ظهر هذا الفتور في مناسبات عدة لا مجال لإعادة تكرارها وذلك عندما تحدث مسؤولون كبار في الإدارة عن "الاحتلال" الإسرائيلي للضفة الغربية وعن ضرورة العودة الى حدود 1967، مع بعض التعديلات طبعاً. تبدو هذه التعديلات ضرورية في ضوء حاجة الفلسطينيين الى ممر يربط بين الضفة الغربية وغزة.

ولكن، يبدو أن الفتور بين الأميركي والإسرائيلي ليس كافياً كي تعلن الإدارة في واشنطن أن الاستيطان في الضفة الغربية موازٍ للاحتلال وأن لا مفر من تأكيد أن خطوط 1967 تمثل مرجعية المفاوضات في حال كان لا بدّ من معاودتها. حاولت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التلاعب على الكلام خلال جولتها العربية الأخيرة مشيرة غير مرة، في مراكش والقاهرة الى أن لا تغيير في الموقف الأميركي من الاستيطان. ولكن كيف تستطيع هيلاري القول إن هذا التغيير لم يحصل في وقت تدعو فيه "أبو مازن" الى العودة الى المفاوضات من دون شروط مسبقة.

في استطاعة الفلسطينيين العودة الى المفاوضات من دون شروط مسبقة. ولكن من حقهم في الوقت ذاته التساؤل عن مرجعية أي مفاوضات مطلوب منهم المشاركة فيها على أي مستوى كان. تلك هي المشكلة التي واجهها رئيس السلطة الوطنية الذي يفضل الوضوح في المواقف على أي شيء آخر. إنه يعرف على سبيل المثال وليس الحصر ما هي مقومات التسوية. أكثر من ذلك إنه يعرف أن حق العودة للفلسطيني، أينما وجد، يتمثل في حق العودة الى الدولة الفلسطينية، علماً أن في الإمكان السماح بعودة عدد محدود من الفلسطينيين الى ما يسمى أراضي 1948، في إطار لم شمل العائلات أو ما شابه ذلك. يعرف "أبو مازن" أكثر ما يعرف أن الذين ينادون بحق العودة من دون العمل من أجل إقامة دولة فلسطينية لا يريدون حلاً. كل ما يريده هؤلاء هو المتاجرة بالشعب الفلسطيني لا أكثر ولا أقلّ.

تكمن مشكلة "أبو مازن" في أنه يفهم جيداً موازين القوى اقليمياً ودولياً. موازين القوى اختلت لمصلحة إسرائيل التي لا تريد العودة الى طاولة المفاوضات إلا من أجل التفاوض في شأن قيام دولة فلسطينية حدودها، حدود المستوطنات الإسرائيلية. كان في استطاعة رئيس السلطة الوطنية الرهان على أن الأميركيين سيطرحون في المفاوضات أفكاراً خاصة بهم. ولكن من الواضح أن مثل هذا الرهان بمثابة مجازفة كبرى. والأهم من ذلك، لم يكن هناك تأييد داخل "فتح" أو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لمغامرة من هذا القبيل.

ما العمل الآن؟ الخوف كل الخوف من أن لا يعود مكان سوى للتطرف والمتطرفين في المنطقة. هناك دعوة أطلقتها "حماس" من أجل تجميد العملية السلمية. لا شك أن بنيامين نتنياهو يطرب لسماع مثل هذا الكلام الذي يجسد طموحاته. يعتقد نتنياهو أن الوقت يعمل لمصلحة مشروعه الهادف الى تحقيق الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية من جهة وتكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية من جهة أخرى. أما "حماس"، فإن همها محصور في تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني، في انتظار اليوم الذي ستتمكن فيه من تحرير فلسطين من النهر الى البحر أو من البحر الى النهر، لا فارق.

عندما تكتفي الإدارة الأميركية، أي إدارة أميركية بالتفرج على ما يدور في الشرق الأوسط، تاركة المبادرة للمتطرفين من كل حدب وصوب وللطامحين الى نشر البؤس كي تسهل لهم السيطرة على الشعوب، لا يعود أمام شخص يحترم نفسه وصادق معها مثل "أبو مازن" سوى الانسحاب. لو فعل العكس من ذلك، لكان عليه بيع شعبه الأوهام. ولكن من قال إن الشعوب لا تتعلق بالأوهام وتعشقها؟ ألم يعش الفلسطينيون عشرات السنوات على شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، فكانت النتيجة انتقالهم من كارثة الى كارثة أخرى. كانت حرب غزة الأخيرة التي رفعت بعدها "حماس" شارة النصر إحدى هذه الكوارث المدوية. ما يدعو الى الأسف أن تصرف "أبو مازن" قد لا يؤدي الى صدمة على الصعيد الفلسطيني، صدمة تدفع في اتجاه البحث عن مخرج ما. هل من مخرج؟ الجواب أن لا مفر من ترتيب البيت الفلسطيني أوّلاً والتمسك بالبرنامج الوطني في انتظار غد أفضل... في انتظار أن تستفيق الإدارة الأميركية من غيبوبتها، فتعي أن سياستها الحالية لا تخدم سوى التطرف والمتطرفين الذين تدعي محاربتهم!

_____________________

مستقبل العلمانية في العالم

سليمان تقي الدين

السفير

12-11-2009

العلمانية (من العلم) والعالمانية (من العالم) تلتقيان عند معنى واحد، وهو تنحية الدين والمؤسسة الدينية عن القرار لمصلحة العقل التجريبي والاستجابة للقوانين الموضوعية والوضعية التي تحكم علاقة الإنسان بالطبيعة وعلاقة الانسان بالإنسان.

كانت العلمانية مواكبة فكرية للثورة الصناعية ورد فعل قويا على سلطة الكنيسة ومؤازرتها للإقطاع وعلى الحروب الدينية التي استنزفت أوروبا على مدى مئة عام.

لكن العلمانية ليست بالضرورة مطابقة للإلحاد. فهناك علمانية ايجابية بمعنى أنها تفصل بين الدين ومختلف الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهناك علمانية سلبية قامت أصلا على نفي فكرة وجود الله. بل ان بعض مدارسها أعلن صراحة «موت الله» كما عند نيتشه. من أجمل ما قرأت الأطروحة التي أعدها الراهب اليسوعي جان إيف كالفيز عن فكر كارل ماركس وأقام مصالحة بين ماركس والفكر الديني في مكان ما، ثم كتاب الأب كوستي بندلي اللبناني الذي جعل عنوانه «إله الإلحاد المعاصر» وقد عالج بصورة أساسية الفلسفتين الماركسية والوجودية. لكن النهضة الأوروبية التي كانت العلمانية احدى ثمراتها أفادت من الفكر العربي والاسلامي الذي بدوره أفاد من الفكر اليوناني. لقد كان للفلسفة والتصوف اذا جاز فصلهما في الفكر الاسلامي الأثر الأكبر في اشكالات النهضة الأوروبية واسئلتها. ان ما يمكن وصفه حركة تأليه الانسان او أنسنة الله هي حركة يشترك فيها الفكر الغربي والشرقي باشكال مختلفة.

في واقع الأمر ان العلمانية بما هي حركة انسانية أرادت أن تحرر الانسان من سلطة الدين والمؤسسة الدينية ليست هي التي أدت إلى أزمة الانسان المعاصر. الانسان المعاصر في الغرب والشرق هو في أزمة لأنه ابتعد كثيرا عن فكرة الله وفكرة الإنسان معاً. لكن ما يحكم الحضارة الغربية بصورة أساسية الآن هو ما يسميه روجيه غارودي الدين الجديد، أي عبادة التكنولوجيا وعبادة المال أو سلطة المال والغاية الأساسية المحركة للنشاط الانساني أي الربح. في الغرب الآن انظمة مناقضة للروح الانسانية التي أطلقتها النهضة. الرأسمالية بصورة أساسية وآلياتها هي التي تؤدي إلى مفهوم الاستلاب الانساني (الماركسي) او إلى ظاهرة الانسان ذي البعد الواحد (هربرت ماركوز). ما هو غائب في الحضارة الرأسمالية الغربية هو الاخلاق او الغائيات التي كان للدين الفضل الأول في انتاجها. اخلاقيات الرأسمالية التي سيطرت على الإنسان المعاصر هي النقيض الحقيقي لما نسميه الله او الخالق او الحق المطلق والعدالة والحرية.

نجد الآن في العالم كله غرباً وشرقاً رد فعل قويا إلى التدين. التدين هو رد فعل على الحضارة المعاصرة التي عولمت الإنسان وتركته وحيداً يعاني الفراغ الروحي. او أنها (ألينته) = (استلبته). لقد جعلت الإنسان مركز الكون الجديد وأطلقت لقدراته كل الامكانات وجعلته الى حد بعيد سيداً على الطبيعة، لكنها في مكان ما تركته وحيداً في صحراء، لان الانسان الفرد ضعيف امام الحاجات الاجتماعية التي لا يستطيع ان يلبيها عملياً في ما هي ممكنة نظريا، ولأنها لم تستطع ان تواجه السؤال الأزلي المجسد في سلطان الموت وشؤون ما بعد الحياة. على هذا المستوى من التحديات لا يزال الله ضرورة والدين حاجة لمساندة الانسان الضعيف. فاذا كان ماركس هو من قال ان الدين هو استلاب لإرادة الانسان فهو نفسه من قال ان الدين عزاء البؤساء.

بهذا المعنى يمكن ان نقول ان الله دائماً موجود، اما لأنه خلقنا وإما لأنه حاجة إنسانية مطلقة. فهو في الحالين موجود، ولذلك يمكن القول ان الالحاد هو شكل من اشكال التدين او الطاعة او الاقرار بالله، لأنه اعتراض واضح على غياب المعاني التي يضعها الدين في الله. بل ان الالحاد هو استدعاء صارخ لوجود الله ولفعله في اتجاه الأقانيم التي يصفه بها الانسان المتدين، الحق، الجمال، العدل، الحرية، القدرة الخ... الالحاد هو احتجاج على نقص الألوهة اذا جازت العبارة وليس انكاراً لها. كل الفلسفات التي سعت الى جعل الانسان مركز الثقل في تقرير مصيره انما سعت الى استدعاء السماء الى الأرض او استدعاء المؤجل الذي تعد به الأديان. انها تلتقي مع الدين في معناه العميق أي في نقطة الرجاء بعالم أفضل.

ان فكرة التوحيد في الاسلام او التأليه في المسيحية هي أحد المعاني الكبرى التي سبقت كل الفلسفات الانسانية.

مشكلة الأديان أنها لم تتابع هذا الفيض المعرفي الذي احتوته وهي انما وقفت عند حدود الحرف او الظاهر او عند الممارسات الطقسية. لكننا نجد ان حركات فكرية او مذاهب او طرقا قد نشأت لتستخرج «في ما يتعدى الحرف» وفي ما يتعدى الظاهر وفي ما يتعدى الطقوس كما هو معروف مثلا في كل الاتجاهات الباطنية في الاسلام او في التصوف الاسلامي سواء أكان سلوكا أي طريقة، او كان فلسفة استشراقية.

لا يزال لدى الأديان ما تقدمه للإنسان المعاصر، لكن ليس السلطة القامعة بل المرجعية الأخلاقية. شرط ذلك ان يتجاوز الدين صفته الحصرية ويستعيد توجهه إلى الإنسانية جمعاء.

___________________________

أي برنامج إصلاح في أي بلد بالعالم سيتعرض لإعاقات

رمضان جربوع

12/11/2009

القدس العربي

تتمثل الإعاقات بالدرجة الأولى في التركة الموروثة من وضع معلول معوج استدعى العلاج والإصلاح وما يصاحبها ويسكن فيها، ثقافة سلوكية وذهنية ترسخت في رجالات الدولة، صغارا وكبارا، تملي قراراهم وتتحكم وترسم رؤيتهم وتصيغ رأيهم.

المعيقون هم من هذه الفئة إلا أن ما يميزهم عن البقية كونهم قد صاروا من المستفيدين المستمتعين بما لديهم من مراكز وسلطات يمارسونها بشغف واستبداد وصلف لا يحكمهم قانون ولا تردهم شرعة، يقصون كل متميز مخلص مخافة أن يشكل لهم تهديدا أو أن يكون لعوارهم مظهرا.

نتلمس الملامح لكيفية التعرف على العناصر:

الثقافات والذهنيات وما يتبعها من سلوكيات

نلخصها تذكيرا وليس تكرارا كما هي في ليبيا، كما في بلدان العرب، وإن اختلفت المسميات:

'القبلية' وممارساتها، فلقد انبعثت هذه من جديد وعادت للحياة في أوطاننا ولكن ليس بدورها قديما عندما لم تكن لنا لا دولة تضبط شؤون العباد ولا مفهوم وطن يشمل الناس جميعا على قدم مساواة في ظل قانون، بل، وبفعل بضع أفراد من هذه القبيلة أو تلك، تتشكل ظاهريا لرعاية مصالحها التي رأوا أنها منفصلة عن مصالح الوطن  وكأن الوطن لم يعد يكفل مصالح الجميع- وباطن الأمر أن الجهد المبذول ليس سوى لرعاية مصالح هؤلاء النفر الشخصية، وعندما يتولى هؤلاء المناصب يسيرون دفتها على غير ما يريد الوطن والعقل والقانون.

الموالاة، بمختلف تشكيلاتها ومسمياتها وأناسها من الذين يقفون مع النظام القائم أيا كان هذا النظام، لا يكيلون إلا المديح ويغيب عنهم أن النقد والتدقيق قد يكون لصالحه، يتولون المناصب وتسبغ عليهم الصلاحيات والسلطات المتجاوزة  أحيانا- كل دستور أو قانون، وتكون الطامة الكبرى عندما يتولونها على صغر سنّ، إذ يتوقف عندئذ نموهم العقلي والفكري لأنهم قد رأوا أنهم قد وصلوا للمبتغى ولا حاجة لمزيد من الإدراك أو الحكمة أو الكفاءة ورفعها. نذكر أن من بين يوالي هنالك عناصر يتم استبعادها لأنها لا تتوافق في منحاها مع منحى محترفو الولاء الذي غالبا ما يكون مصطنعا عندهم.

الإعلام عندما يتحول إلى إعلان دعائي، عندما يتم تكريس الإمكانيات والأموال لبناء إعلام رسمي حكومي يتحول إلى ديناصور ولا ينتج سوى صورا هزيلة من 'إعلان دعائي' ويستغرق في المديح وتزيين الصورة، وهو عندما يتم إلغاء الإعلام الحر أو تقييده، يبطل البحث في واقع الحال وإعلام المواطن به وبالتالي يفقد التأثير الإيجابي المفترض فيه ويصبح سلبي التأثير في حياة الناس، فلا يستفيدون منه ولا يتابعونه وإن فعلوا لا يصدقونه، ويفقد الوطن حقه المفترض في العلم بالشيء والتعرف على ما يجري ومن يقوم به فتضيع فرصة التواصل والتفاعل ما بين الحكام والمحكومين (الحكومة والشعب) بل وتنفرز الطبقتان وتتضحان.

المفهوم الأمني المكتسب، وهو المتعلق بسياسات الدولة الأمنية و الذي أحيانا يخرج عن دوره عند الأزمات أو الأحداث أو تكرارها على غير توقع مسبق، ففي معظم بلدان العرب هنالك جيوش جرارة في أجهزة الأمن، وبتأثير من المجتهدين الطامحين أو الذين لا يتمتعون بالكفاءة والوعي فيها  من خلال تصرفاتهم وقراراتهم وتقاريرهم  يجنحون ويسيئون السلوك والتصرف الانفعالي إن لم نقل العشوائي. يحدث أن يكون أداؤها في نطاق التعامل مع فئات من الناس بخلفيات أو آراء مغايرة  حيث يعتقدون بأن الاختلاف في الرأي يشكل خطرا- وتكون النتيجة فجائع ومظالم لا تنتهي ونرى جهارا بأن القضاء والقانون وحقوق الإنسان لم يعد لها وجود، وإن كانت هنالك ضرورة لمحاكم فهي خاصة مصاغة تحت هاجس الخطر المحدق الذي هو في غالب الأحوال غير موجود. الإشكالية هنا لا تكمن في مفهوم لزومية أجهزة أمنية تعتمد التحليل والتروي وتستخدم أناسا يخشون القانون والمحاسبة، ولكن في 'عقلية' أمنية جديدة استحدثها الجانحون الذين تسببوا للوطن ودولته أضرارا أكثر مما قد يحدثه الخطر الذي يتحدثون عنه وهذه العقلية نبتت وترعرعت في ظل بعض من القياديين فيها ممن لا يتمتعون بالكفاءة والوعي والعلم والقدرة على التقييم الصحيح واستشراف المستقبل وما يحدث في العالم  الذي صار قرية  من تطورات في الآليات والآلات والمفاهيم.

البيروقراطية العتيدة، وهي طريقة أداء الأجهزة التنفيذية في الدولة عندما يشغل مناصبها أناس لا يتمتعون بحسّ الوطن و لا يملكون الخبرات اللازمة وينقصهم الوعي بحال الوطن في سائر أرجائه، لا يستطيعون التحليل والتوقع، ومن ثم، التصور الصحيح لما يجب أن يكون وكيف المسار إليه، تتحول هذه الأجهزة إلى بيرواقرطية طبقية متصلبة مقصورة على فئة معينة لا تعمل إلا في حدود ما تعتقد أنه متاح ولا تبادر ولا تتجرأ على ذلك مخافة فقدان المزايا، وتصبح هذه المزايا هو استلهامهم ووحيهم.

صناعة غسيل الأموال؛ قادم جديد إلى القائمة، وهم رجال الأعمال 'الهدّة' الذين يخرجون على السطح في بلدان العرب التي تحولت إلى اقتصاد السوق بعد غض النظرعن 'الاشتراكية والقطاع العام' . رجال الأعمال في المفهوم المطلق، عنصر مهم وضروري في أي اقتصاد نظرا لالتزامهم 'المفترض' بالقانون وكدهم في سبيل تحقيق إنتاج سلع أو خدمات مقابل كسب معلوم، فهم يوفرون فرص العمل ويحملون جزءا كبيرا من العبء الذي كانت تتحمله الدولة بكامله، وهم أيضا يتكبدون الخسائر عند حدوثها ولا تحتسب من خزينة الشعب وموارده، ولكن الصنف الجديد الذي دخل علينا دون استئذان لا يرى 'البيزنس '(الأعمال) إلا فيما يتم بالمشاركة مع الذين أثروا على حساب الشعب أو مع متخذي قراراته وهؤلاء هم أصحاب رؤوس الأموال 'الجدد' والصنف الجديد من رجال الأعمال يتولى نيابة عنهم 'غسيل' الأموال المنهوبة ويعيدون تدويرها في البلاد ولا يعلن بالطبع عن أسماء أصحابها الأصليين.

أما شخصيات المعيقون على طريق الإصلاح

هم المستمتعون بالمزايا الجانبية ضمن أفراد المؤسسات السابقة الذكر، والمزايا: مال منهوب، سلطات واسعة دون حسيب أو رقيب يستحق الاسم ثم المتسلقون لدرجات السلّم نحو الدرجات الأعلى، ومن ضمنهم:

كل خائف من المحاسبة على أفعال أو تجاوزات، ثريا كان أم غير ذلك.

كل انتهازي أو منافق يسارع للالتفاف على ركب الإصلاح حتى لا تفوته الغنيمة بينما سيرته الذاتية لا توحي لا بثقة ولا كفاءة.

المبدلون لجلودهم كالثعابين والحرباوات، فهؤلاء عادة في كل ركب يسيرون

الواضعون أرجلهم على الضفتين، وهم لا يؤمنون بأي مسار كان، ولا يدركون بأي اتجاه ستسير البلاد .

يبقى التعرف على وسائل إحباط المعيقين وتدارك الإعاقات، وهي الحديث الآخر عن إعمال القانون والشفافية وكيفية التخلص من العقبات في مسار الإصلاح عبر مراحل ومفاهيم جديدة، وهي ممكنة وقادرة على تحقيق المراد ثم التطرق إلى السؤال وماذا نفعل بها وبهم، أي المعيقون والإعاقات.

_______________________

شتاء اخر في غزة

جيمي كارتر

12/11/2009

القدس العربي

صادقت الجمعية العمومية للامم المتحدة على التقرير الذي قدمه القاضي ريتشارد غولدستون ولجنة حقوق الانسان في الامم المتحدة، والذي ينتقد بشدة اسرائيل والفلسطينيين على حد سواء على انتهاك حقوق الانسان في اثناء الحرب الاخيرة في غزة. ودعت الجمعية العمومية اسرائيل والفلسطينيين الى التحقيق في الاتهامات بشأن جرائم الحرب المفصلة في التقرير.

صواريخ من انتاج بيتي اطلقت من غزة نحو البلدات اليهودية المجاورة، واسرائيل في كانون الثاني (يناير) 2009 زرعت ردا على ذلك الدمار والخراب من خلال القذائف، الصواريخ واجتياح القوات البرية. الطرفان، بزعم القاضي غولدستون، مذنبان ب 'جرائم ضد الانسانية'. وكما هو متوقع، رفض الطرفان التقرير بدعوى انه متحيز وغير دقيق. يجدر بالذكر ان القاضي غولدستون، من مواليد جنوب افريقيا، هو احد القضاة الاكثر احتراما في العالم، ذو سمعة لا شائبة فيها، حكمة، نزاهة واستقامة. وهو يهودي مؤمن ومعروف كمقاتل شديد من اجل حق اسرائيل في الوجود بسلام وأمان.

في نيسان (ابريل) 2008 زرت شخصيا سديروت وعسقلان، المدينتين الاسرائيليتين اللتين تقعان في مدى الصواريخ المطلقة من غزة. وعندما كنت هناك نددت بالهجمات النارية عديمة التمييز على السكان المدنيين واعتبرتها اعمالا ً ارهابية، وانا اقف تماما خلف تنديد القاضي غولدستون.

بعد سنة من ذلك، بعد الهجوم الاسرائيلي على غزة، كان من نصيبي ان اتفحص الضرر الذي لحق بالمنطقة الصغيرة، المأهولة باكتظاظ والمحوطة بسور لا يمكن اختراقه، مع بوابات تحت حراسة مشددة. ولمعرفتي بقدرة قوات الجيش الاسرائيلي، التي تستخدم في احيان متواترة سلاحا من انتاج امريكي، للهجوم على اهداف بدقة قصوى، كان من الصعب جدا ان افهم او اشرح تدمير مستشفيات، مدارس، سجون، منشآت الامم المتحدة، مصانع صغيرة وكراجات، مصانع لمعالجة المنتجات الزراعية ونحو 40 الف منزل. لجنة غولدستون فحصت عن كثب ملابسات موت 1387 فلسطينيا ومدى الضرر الذي لحق بالمناطق المختلفة. وكان الاستنتاج هو ان مناطق السكن المدنية شكلت هدفا للهجمات والدمار كان مقصودا. الانتقاد على اسرائيل في تقرير غولدستون تبين مبررا. القاضي غولدستون دعا الولايات المتحدة، اسرائيل ومحافل اخرى، ممن تختلف في مدى دقة التقرير، الى ادارة تحقيق ذاتي من جهتها. زعماء حماس اعلنوا بأن تحقيقهم ينطلق على الدرب، ولكن اسرائيل رفضت طلبه.

اذا تركنا للحظة الخلافات، من المهم جدا فحص الظروف الحالية والحاجة الى منع مزيد من المعاناة. صليات الصواريخ من غزة هي اليوم مكبوحة الجماح جدا، ربما بسبب اليقين بأنه سيأتي رد فعل اسرائيلي، ولكن معاناة 1.5 مليون من سكان غزة الفلسطينيين متواصلة. في اثناء الاشهر العشرة التي مرت، لم تسمح اسرائيل بنقل الاسمنت، الخشب، الزجاج، او أي مادة بناء اخرى الى داخل قطاع غزة. نحو مئة الف معوز للمأوى بائسون اجتازوا الشتاء الماضي في الخيام، تحت غطاءات بلاستيكية، او منحشرين في الكهوف التي حفرت داخل حطام ما كانت في الماضي بيوتهم. حالة الطقس كانت اكثر حرارة حين زرت المكان قبل عدة اشهر، ولكن وصف المعاناة التي مر بها السكان في اشهر الشتاء البارد كانت تمزق نيات القلب. الان يقترب شتاء آخر، والاسرائيليون، وكذا الاسرة الدولية، لم يتخذوا أي خطوة للتخفيف من معاناة سكان غزة. وكالات الامم المتحدة ومسؤولو الاسرة الاوروبية عرضوا توفير قناة لتوجيه المقدرات ومواد البناء مباشرة الى المحتاجين، في ظل تجاوز الزعماء السياسيين لحماس. موظفون رسميون، سواء في غزة ام في دمشق تعهدوا امامي بأن يقبلوا الاتفاق، الذي يلغي كل امكانية استغلال غير مناسب لاموال المساعدات لشراء السلاح، للتحصينات العسكرية او لاهداف اخرى ليست انسانية.

مؤخرا ابلغني الملك عبدالله من العربية السعودية بانه تعهد بنقل مليار دولار، وزعماء عرب آخرون اضافوا 300 مليون دولار اخرى لهذا الغرض. لا ريب انه ستأتي دول اخرى تبدي سخاء وكرما. دون توجيه اصبع اتهام لأي من الاطراف في النزاع، من الواجب على الامم المتحدة وعلى الاسرة الدولية ان تتخذ خطوات تضمن بداية اعمار غزة دون ابطاء. صرخة معوزي المأوى المتجمدين من البرد تحتاج الى النجدة.

يديعوت 11/11/2009

____________________

الموضوع الرئيس: إيران

المستقبل - الخميس 12 تشرين الثاني 2009

العدد 3481 - رأي و فكر - صفحة 20

دان مرغليت

لم يولد بعد رئيس الحكومة الذي لا يُصرح بأن لقاءه مع رئيس الولايات المتحدة الأميركية كان إيجابيا ومثمرا. والأمر كذلك لأن اللقاءات العديدة التي تجمع بين رئيس الحكومة الإسرائيلية والرئيس الأميركي، عززت بالفعل أمن إسرائيل، ولأن كل رئيس حكومة في إسرائيل لا يمكن أبدا أن يكون معنيا بالدخول في نزاع مزمن مع الحليف الأكبر الموجود ما وراء البحار. كما أنه ثمة مصلحة جلية لنا في أن لا يطلع الجمهور في إسرائيل والجماهير في الدول العربية على عمق الشرخ القائم مع الولايات المتحدة، في حال كان موجودا بالفعل.

هذا لا يعني أن هذا ما حصل مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة. فالسؤال الحاسم، الذي لم نجد له حتى الآن جوابا أميركيا صادقا وموثوقا هو (في حال طُرح الموضوع خلال المحادثات) هل تمكن رئيس الحكومة من اقناع الرئيس الأميركي براك أوباما بالسماح لإسرائيل باستخدام قوتها العسكرية ضد إيران.

القضية الإيرانية أهم من كل القضايا، لكنها ليست هي التي تُعكر صَفْوَ العلاقات بين أوباما ونتنياهو. فالرئيس الأميركي بحاجة ماسة إلى سلسلة تنازلات إسرائيلية - سواء كانت محقة وصحيحة ام خاطئة- كي يُعيد أبو مازن إلى طاولة المفاوضات. نتنياهو كان سيسير نحو أبو مازن بواسطة أوباما، لكنه لا يملك معلومات تفيد أن تقديم تنازل إضافي سيخلق أجواء لخلفية تصالحية من وراء المتراس الفلسطيني. وبحسب كل المؤشرات، طرح نتنياهو أمام أوباما اقتراحات أخرى، فتحت الكوة المطلوبة والضرورية لاستئناف المفاوضات، لكن من دون نتيجة. في مقابل ذلك، يشعر الفلسطينيون أن الزمن يسير لغير مصلحة إسرائيل، ويقومون بمراكمة الصعوبات. الخلاصة التي يمكن الخروج بها من المحادثة التي جرت بين نتنياهو وأوباما، هي أن الصعوبات لم تُذلل. فرئيس الحكومة ترك "حبات حلوة" على طاولة مضيفه. المرحلة الحالية صعبة بصورة خاصة. من الممكن أنه ثمة ضرورة لانقطاع في التواصل على المستوى الكبير كي يكون ممكنا مواصلة عملية استيضاح نوايا الفلسطينيين.

يجب رفض فكرة واحدة، الفكرة التي يجب أن تُشغل بال نتنياهو ليل نهار: امكانية اتفاق الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية على إقامة دولة فلسطينية من دون السماح لإسرائيل بخوض صراع شرعي ضد خطوة كهذه. لقد حانت لحظة التجند القومي.

("إسرائيل اليوم" 11/11/2009)

ترجمة: عباس اسماعيل

______________________

لا نخاف...

الافتتاحية

الثورة

الخميس 12-11-2009م

بقلم رئيس التحرير أسعد عبود

إلى ذواتنا.. إلى العروبة.. وإلى العالم..

رغم كل الظروف والعوامل غير العادية، غير العادلة المحيطة بنا «وطناً.. أمة.. منطقة», لا داعي لأن تزيد نسبة الخوف عن المستوى الذي يدفع للشجاعة والإقدام وليس إلى التراجع.‏

نحن أبناء المنطقة.. أسيادها.. تاريخها وجغرافيتها.. لا تنهض ولا تستمر إلا بنا ومعنا.. نخاف عليها.. لكن.. لا نغلق بواباتها ولا بوابات العقل لحمايتها.. بل نواجه.. بالعقل والإرادة..‏

إذا كان الغرباء «أينما كانوا» يرسمون خرائط ومخططات لنا.. لأمتنا.. لمنطقتنا... نحن الأولى والأقدر أن نرسمها ونعمل بمقتضاها.. ومهما بدت قوتهم.. مهما ظهر فرق شاسع في القوة فلدينا ما لا يستطيعون أن يملكوه يوماً.. هو ما أوردته سابقاً أننا أبناء المنطقة وسكانها وتاريخها وجغرافيتها.‏

لن نغلقها.. ولن ننغلق..‏

لسنا بحاجة لذلك..‏

نمد أيدينا للسلام والتعاون والعمل المشترك، منطلقين من قوة موقفنا لرفض مخططات وخرائط يرسمونها بعيداً، لرفض شرق أوسط جديد يريدونه.. ونقدم لهم شرقاً أوسط جديداً نريده..‏

هم يعلنون ما يريدونه بالتحايل والمواربة.‏

ونحن نعلن ما نريده بالوضوح والمباشرة..‏

إن لم يكن السلام تكن المقاومة.‏

إن لم يكن الشرق الأوسط الجديد هو الشرق الأوسط الذي ينتفي فيه الاحتلال والعدوان.. يكن شرق أوسط جوهره المقاومة..‏

وقد بدأنا..‏

بدأنا رسم خريطته المقاومة..‏

هو تماماً ما عبّر عنه السيد الرئيس بشار الأسد في مؤتمر الأحزاب العربية.. إذ يؤكد السلام خياراً تصنعه القوة.‏

من أين القوة؟!‏

منّا.. من وطننا.. من أمتنا... من قناعتنا وإرادتنا من انطلاقتنا باتجاه العالم.. نطرح رؤيتنا ونمدّ أيدينا للسلام والتعاون..‏

لقد نجحت السياسة السورية.. بالصبر والدقة والمثابرة في توسيع قنوات الاتصال مع العالم.. مستندة إلى رؤيتها الصادقة وانتمائها لأمتها تاريخياً وجغرافياً..‏

نجحت وفق رؤيتها ومنظورها المتفاهم مع الغير، المتفهم لمصالح الجميع بقدر ما هو ممكن.. فكانت حركة دبلوماسية سياسية لعلها غير مسبوقة باتجاه العرب تحقيقاً للتضامن العربي.. وباتجاه العالم لرؤية دولية شاملة..‏

إذ يودع السيد الرئيس بشار الأسد العائد للتو من مؤتمر اسطنبول الإسلامي، مؤتمر الأحزاب العربية في دمشق.. هاهو يشدّ الرحال إلى باريس العاصمة الأوروبية الأهم..في ثاني زيارة لها، وقد تعددت زياراته للدول الأوروبية تحقيقاً لرؤيته بتعميق العلاقات الثنائية والدولية.‏

مرة ثانية إلى باريس وما زلنا ننتظر من تحسن العلاقات أكثر بكثير مما تمّ، ولا سيما على صعيد العلاقات الثنائية، التي حققت في عام 2008 نمواً بنسبة 12% أوصل رقم التبادل التجاري إلى 1.8% مليار دولار.‏

رقم جيد لكنه أقل من الطموح والإمكانات.. والشارع السوري ينتظر صوراً أكثر إشراقاً للعلاقات الثنائية.‏

وينتظر توسيع وتعميق الفهم السياسي الاوروبي الذي بدأ يطرح مقدماته.. ولاسيما بالنسبة لقضية السلام ومايلحق به من أولويات رفض الاحتلال والاستيطان والعدوان.‏

a-abboud@scs-net.org

______________________

إدارة أوباما.. والملف الفلسطيني

بقلم :صبحي غندور

البيان

12-11-2009

بدأ الرئيس الأميركي أوباما عهده في مطلع هذا العام مبشّراً برؤية مثالية للسياسة الخارجية الأميركية، فيها التأكيد على حقّ الشعوب بتقرير مصيرها، وفيها دعوة للتعامل بين الدول على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

 

كما كان في هذه الرؤية نقد مباشر وغير مباشر لما كانت عليه السياسة الأميركية في ظلّ الإدارة السابقة، خاصّةً لجهة الانفرادية في القرارات الدولية الهامّة ولاستخدامها أسلوب الحروب في معالجة الأزمات، وما رافق هذا الأسلوب أحياناً من أساليب تعذيب لمعتقلين وتعدٍّ على حقوق الإنسان.

 

وقد كان الملفّ الفلسطيني أحد الملفّات الهامّة في رؤية الرئيس أوباما حيث خصّص له فور تولّيه سدّة الرئاسة مبعوثاً خاصّاً هو السيناتور السابق جورج ميتشل المعروف بنجاحه في معالجة الأزمة الأيرلندية خلال حقبة الرئيس بيل كلينتون.

 

الآن، وبعد مضيّ أكثر من تسعة أشهر على وجود باراك أوباما في «البيت الأبيض»، نجد أنّ رؤيته المثالية لأميركا والعالم اصطدمت بواقع أميركي وبظروف خارجية دولية يعيقان معاً تنفيذ الكثير ممّا تطمح له «الرؤية الأوباميّة».

 

فالواقع الأميركي الداخلي يقوم على قوى ضغط عديدة تعمل باتجاه معاكس لبرنامج أوباما الإصلاحي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والصحّي. هذا أمرٌ ظهر بوضوح كبير في معركة قانون الرعاية الصحّية وفي قرار إغلاق معتقل غوانتانامو وفي ترشيح السفير فريمان لموقع رئاسة مجلس وكالات المخابرات وفي موضوع حجم القوات الأميركية في أفغانستان، كما هو حاصل أيضاً في العلاقات الأميركية/ الإسرائيلية وفي اضطرار إدارة أوباما للتراجع عن شرط تجميد كل أعمال الاستيطان قبل استئناف المفاوضات الإسرائيلية/ الفلسطينية.

 

ففي ظلّ حضور الضغط الإسرائيلي الفاعل داخل الولايات المتحدة، من خلال العلاقة مع أعضاء الكونغرس والهيمنة على معظم وسائل الإعلام، تصبح السلطة التنفيذية في أميركا أسيرة ضغوط السلطة التشريعية و«السلطة الرابعة» أي الإعلام.

 

والمعضلة هنا أنّ الفرز لا يكون فقط بين حزب ديمقراطي حاكم وحزب جمهوري معارض بل يتوزّع «التأثير الإسرائيلي» (كما هو أيضاً في قوى الضغط الأخرى) على الحزبين معاً، فنرى عدداً لا بأس به من «الديمقراطيين» يشاركون في ممارسة الضغط على الإدارة الحاكمة لصالح هذا «اللوبي» أو ذاك علماً أنّ تعثّر «الرؤى الأوبامية» ليس سببه حصراً حجم تأثير «اللوبي الإسرائيلي»، فهناك طبعاً «مصالح أميركية عليا» ترسمها قوى النفوذ المهيمنة تاريخياً على صناعة القرار وعلى الحياة السياسية الأميركية، وهي قوى فاعلة في المؤسسات المالية والصناعية الأميركية الكبرى.

 

لكنْ هناك اختلال كبير في ميزان «الضغوطات» على الإدارة الأميركية لجهة حضور «الضغط الإسرائيلي» وغياب «الضغط العربي» الفاعل، ممّا يسهّل الخيارات دائماً للحاكم الأميركي بأن يتجنّب الضغط على إسرائيل ويختار الضغط على الجانب العربي، والطرف الفلسطيني تحديداً، وهو الطرف المستهدف أولاً من قِبَل إسرائيل.

 

كما هو «الحلقة الأضعف» في سلسلة التحرّك الأميركي في المنطقة. وقد أصبحت معادلة «الضغوطات» تقوم على أنّ إسرائيل تضغط على واشنطن، فتبادر واشنطن بالضغط على الفلسطينيين والعرب. ويحدث هذا الأمر في كل مرّة يظهر فيها تحرّك أميركي جاد للتعامل مع ملفات الصراع العربي/ الإسرائيلي، وهو ما حصل مؤخّراً أيضاً حينما أسقطت واشنطن شرط تجميد المستوطنات، داعيةً السلطة الفلسطينية لاستئناف المفاوضات بلا شروط.

 

ومطالبةً الدول العربية بخطوات تطبيع مع إسرائيل لتشجيع الطرف الإسرائيلي أيضاً! ويبدو أنّ إدارة أوباما أصبحت مستعجلةً الآن على تحقيق إنجاز سياسي في منطقة الشرق الأوسط، وهي تخلّت من أجل ذلك عن شرط تجميد المستوطنات، آملةً إحياء التفاوض من جديد على المسار الفلسطيني  الإسرائيلي، لأنّه المدخل الأساس لعملية تسوية شاملة في المنطقة، تريدها واشنطن لترتيب علاقاتها الجديدة مع كلٍّ من إيران وسوريا، وهما دولتان مجاورتان للعراق ولهما تأثير كبير في مستقبل أوضاعه السياسية والأمنية.

 

أيضاً، لكلٍّ من طهران ودمشق علاقات خاصّة مع قوى المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، فلا يمكن تحقيق استقرار سياسي وأمني في العراق ولبنان ومنطقة الخليج العربي، من دون التفاهم الأميركي مع إيران وسوريا، ثمّ لا يمكن تحقيق هذا التفاهم بلا تسوية للصراع مع إسرائيل على الجبهتين السورية واللبنانية، وهذا ما لا يمكن الوصول إليه من دون التعامل أولاً مع الملفّ الفلسطيني ووضع قضاياه الكبرى (الدولة، الحدود، مصير اللاجئين، القدس) على سكّة التفاوض من جديد.

 

لذلك أعتقد أنّ ما نراه الآن من تراجع أميركي أمام الضغوطات الإسرائيلية، لن يكون تخلّياً عن السعي الأميركي لتحقيق تسوية شاملة في المنطقة أو عن أولويّة التعامل مع الملف الفلسطيني.

 

لقد تضمنّت كلمة أوباما في ذكرى اغتيال إسحق رابين إشارة مهمّة للإسرائيليين، حينما قال إنّ الأمن لإسرائيل لن يتحقّق فعلياً طالما هناك يأس فلسطيني. كذلك كانت كلمة مستشار أوباما للأمن القومي جيم جونز في مؤتمر الإيباك، حول أهمّية تسوية الصراع في الشرق الأوسط بالنسبة للاستراتيجية الأميركية الحالية.

 

حتّى إعلان محمود عباس عدم رغبته في الترشّح مجدداً لرئاسة السلطة الفلسطينية، هو في تقديري جزء الآن من أوراق الضغط الأميركية على حكومة نتانياهو، كذلك هي بعض المواقف العربية والتركية الرافضة لتحسين العلاقات مع إسرائيل، كما هي أيضاً ظاهرة «جي ستريت» اليهودية في أميركا.

 

إنّ الإدارة الأميركية السابقة كانت على انسجام كامل مع الرؤى والمصالح الإسرائيلية، ومع الحروب التي خاضتها إسرائيل طيلة عهد إدارة بوش. أمّا في الإدارة الحالية، فإنّ تبايناً يظهر من خلال كيفية التعامل الأميركي مع الملف الفلسطيني، وفي الموقف من إيران وسوريا، وفي الرؤية المستقبلية للدور الإسرائيلي.

 

لكن في إطار هذا التباين نلمس تأثيراً إسرائيلياً فاعلاً على صنّاع القرار الأميركي، وحركة إسرائيلية ضاغطة في أكثر من اتجاه دولي، بينما تعاني الأوضاع العربية والفلسطينية من ضعف التأثير، ومن حدّة الانقسامات الداخلية، ومن غياب الرؤية العربية لمستقبل المنطقة العربية وقضاياها المصيرية. المشكلة هنا أنّ الأمّة التي لا يتوحّد ولا يتحرّك أبناؤها من أجل قضاياها، تنقاد حتماً لما سيقرّره لها الآخرون.

مدير «مركز الحوار العربي» في واشنطن

alhewar@alhewar.com

________________________

الغاز.. ورقة روسيا في الانتخابات الأوكرانية

بقلم :فلاديمير سادافوي

البيان

12-11-2009

كثيراً ما يتهم الغرب وواشنطن، روسيا بأنها تستخدم سلاح الطاقة في تحقيق أهدافها السياسية، وروسيا تنكر ذلك دائما وتقول إنها لا تخلط بين السياسة والتجارة. ولكن أحيانا يتطلب الأمر من موسكو التدخل سياسيا في الشؤون التجارية لتحسم قضية ما لصالحها، والآن أتى الوقت لتلعب روسيا لعبتها في انتخابات الرئاسة التي ستجرى في أوكرانيا في يناير القادم، والتي ستحدد نتيجتها مسار العلاقات بين البلدين، ربما لسنوات طويلة قادمة.

 

الشتاء على الأبواب والمتوقع طقس بارد كالعادة، والإقبال على الطاقة سيزداد، والأزمة الاقتصادية تطحن معظم بلدان العالم ومنها أوكرانيا التي تعاني ربما أكثر من غيرها، وفي نفس الوقت فهي في حاجة إلى المال لشراء الغاز للتدفئة في الشتاء، وعدم توفر المال ربما يضطر روسيا مرة أخرى لقطع الغاز عن أوكرانيا، مثلما فعلت في رأس السنة الماضية.

 

ولكن آنذاك لم تكن الانتخابات على الأبواب، وكانت أمام الرئيس يوشينكو الفرصة للعب بأوراق ضد روسيا، فلم يستجب لطلباتها، وانتظر منها أن تقطع الغاز لينقطع بالتالي عن أوروبا التي يمر إليها الخط من روسيا عبر أوكرانيا، وبالفعل انقطع الغاز وتصاعدت الأزمة، وضع يوشينكو روسيا في وضع حرج أمام الأوروبيين.

 

الآن الأزمة تختلف، وعدم سداد أوكرانيا لثمن الغاز الروسي في الميعاد، سيعني في هذه المرة التأثير على أصوات الناخبين في انتخابات الرئاسة، وسيتضرر من الأمر إما الرئيس يوشينكو أو منافسته في الانتخابات رئيسة الحكومة تيموشينكا، أو كليهما معا ليفوز بالانتخابات حليف موسكو زعيم حزب الأقاليم المعارض فيكتور يانكوفيتش.

 

وقد أعلن رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، بعد اتصال هاتفي مع نظيرته الأوكرانية يوليا تيموشينكو، عن احتمال تعثر أوكرانيا في دفع فواتير الغاز الروسي، للمرة الأولى منذ الصيف الماضي. ويحل في 9 نوفمبر موعد دفع مبلغ 460 مليون دولار أميركي، هي قيمة الغاز الذي استوردته أوكرانيا من روسيا في الشهر الماضي (أكتوبر).

 

وأبلغت تيموشينكو نظيرها الروسي أن رئيس الجمهورية الأوكرانية فيكتور يوشينكو، حظر سحب أي مبلغ من احتياطي الجمهورية من الذهب والعملات الصعبة (ويقدر هذا الاحتياطي ب2728 مليار دولار ).

 

وقد حصلت أوكرانيا على 6,10 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي منذ بداية العام الجاري، إلا أن الصندوق اشترط لإقراض أوكرانيا تقليص النفقات العامة ورفع سن التقاعد. ويرى الخبراء أن أي سياسي يتبنى قرارا من هذا القبيل وبلاده مقبلة على الانتخابات الرئاسية، يكون قد أصدر حكم الإعدام في حقه.

 

ولا يستبعد المراقبون أن تكف أوكرانيا عن دفع فواتير الغاز الروسي، حتى تضغط النفقات العامة استجابة لضغوط صندوق النقد الدولي. والأغلب ظنا أن الرئيس يوشينكو سيطالب بإعادة النظر في اتفاقية استيراد الغاز الروسي. وبالتالي فإن معركة الانتخابات الأوكرانية قد تصاحبها «حرب محروقات»، بين أوكرانيا وروسيا.

 

في نفس الوقت زادت شركة «غازبروم»، كبرى شركات صناعة الغاز في روسيا، إنتاجها في الفترة الأخيرة حتى تغطي الطلب المحلي والأوروبي المتزايد على الغاز. ويتزايد الطلب على الغاز الآن بسبب ارتفاع الطلب على المحروقات انتظارا للشتاء القادم. وهناك سبب آخر وراء ارتفاع الطلب على الغاز، وهو أن مستوردي الغاز الأوروبيين قللوا مشترياتهم في النصف الأول من هذا العام، متوقعين انخفاضا كبيرا في أسعار الغاز في نهاية العام، وهم الآن بصدد تعويض ما فات لتغطية طلب المستهلكين.

 

ويتوقع أن تقبل أوروبا على شراء المزيد من الغاز الروسي في الأشهر الأخيرة من العام الجاري، الأمر الذي لا يتصور معه أن تستمر روسيا في توريد الغاز لبلدان لا تستطيع دفع ثمنه، مثل أوكرانيا وغيرها.

كاتب أوكراني

vladi1949@mail.ru

_________________________

مواقف تجنن العاقل

الخميس, 12 نوفمبر 2009

جهاد الخازن

الحياة

أكتب على خلفية المجزرة في قاعدة فورت هود في تكساس، فالميجور نضال مالك حسن إذا لم يكن إرهابياً ارتكب جريمة خطط لها ونفذها، فهو مجنون، والسبب ان السياسة الغربية، والاميركية تحديداً، إزاء الفلسطينيين وفي العراق وأفغانستان وكل بلد تجنن العاقل حتى لو كان طبيباً نفسياً عمله أن يشفي المجانين.

السياسة الغربية، خصوصاً الأميركية، إزاء العرب والمسلمين هي نفسها منذ عقود، واللحن النشاز هو نفسه حتى لو تعرّض لتغيير في الإيقاع بين حكومة أوروبية وحكومة، أو إدارة أميركية وأخرى.

هذه السياسة فشلت في كسب العرب والمسلمين، ولن تنجح يوماً طالما ان القائمين عليها لا يسألون عن سبب العداء، وإن سألوا فهم يختارون كل جواب ممكن أو غير ممكن، ويرفضون السبب الأساسي والأهم، ولا أقول الوحيد الذي يصفعهم في وجوههم كل يوم.

بعد إرهاب 11/9/2001 سألوا «لماذا يكرهوننا؟» وسمعت، أو قرأت، ألف جواب كان أسخفها وأبعدها عن الحقيقة «انهم يكرهون حريتنا (أو ديموقراطيتنا)». هذا الجواب كان الأكثر تردداً وقبولاً لأنه يناسب هواهم او تحاملهم لا لأنه الجواب الصحيح. كان هناك جواب آخر خلاصته ان سبب الكره ان السياسات الغربية بعد نهاية الاستعمار الأوروبي وبدء العصر (الامبراطوري) الأميركي عملت ضد العرب والمسلمين بدءاً بإرسال الناجين من المحرقة النازية الى فلسطين ليسرقوا الأرض من أهلها ويقتلوهم أو يشردوهم، ثم تأييد الجريمة المستمرة ضد الفلسطينيين، وانتهاء بالحروب على أفغانستان والعراق، ثم أفغانستان من جديد وباكستان، وكل حرب بينها. غير ان الجواب الصحيح طُوي بسرعة وانتقد أصحابه واتهموا.

(يجب القول بأوضح عبارة ممكنة ان الحرب الأميركية على طالبان والقاعدة في أفغانستان بعد ارهاب 2001 كانت مبررة، أيدها العالم كله في حينه، والقاعدة عدوة للمسلمين بقدر ما هي عدوة «اليهود والصليبيين». غير ان إدارة بوش تركت القاعدة تنجو لتبرر ببقائها حربها التالية على الإرهاب، التي زادت الإرهاب حول العالم).

فلسطين كانت الجريمة الأولى، ولا تزال جرحاً نازفاً، وقد فشل كل حل وتعاظمت جرائم اسرائيل ضد الفلسطينيين مع تعاظم موازٍ في حجم التأييد الغربي لها، واليوم يهدد المتطرفون اليهود المسجد الأقصى، ويتحدثون عن هيكل سليمان الذي لم يوجد هو أو هيكله. وإذا تظاهر المسلمون فهم يتظاهرون في أندونيسيا، فأقول ان القدس ضاعت في زمن وعيي، وإذا ضاع الحرم الشريف فسألغي انتمائي الى هذه الأمة البائدة.

مشكلتنا مع الغرب، وتحديداً مع الولايات المتحدة مرة أخرى، لن تحل من دون إلغاء سببها، أو السياسة العدوانية المستمرة على امتداد عقود. وأعطي الرئيس أوباما ثقتي في حسن نواياه وصدقه من دون أن أتوقع له النجاح، فإذا كانت شركات التأمين الصحي كادت تهزمه وهو يحاول خدمة 47 مليون أميركي من دون تأمين صحي، فما هي فرص نجاحه في الشرق الأوسط مواجهاً لوبي اسرائيل والليكوديين من كل نوع والمحافظين الجدد، ومعهم مجلسا كونغرس أكثر اسرائيلية من الكنيست نفسه، فالأعضاء المباعون والمشترون صوتوا دائماً بإجماع أو شبه إجماع مع كل حرب أو جريمة اسرائيلية.

هذه المواقف تجنن العاقل، حتى لو كان طبيباً نفسياً، إلا أنني لن أقول ان نضال حسن مجنون، لأن من شأن هذا أن يعفيه من المسؤولية عن عمله، فالمجنون لا حرج عليه، والعدالة تقضي ان يحاسَب على ما اقترفت يداه.

_________________________

القضاء السوري يجعل طفلة ... عبرة مرتين!

الخميس, 12 نوفمبر 2009

الحياة

دمشق - بيسان البني

«ملكة من ملوك العرب تتصف بلونها الجزراوي، لون الحنطة التي تعطي للناس الخير والعطاء، قلبك الصافي بلون غيوم السماء البيض»... بهذه الكلمات وصفت زهرة، الطالبة في المرحلة الإعدادية، مشاعرها تجاه إحدى سيدات الجمعية الوطنية لتطوير دور المرأة، والتي تشرف على إدارة معهد تأهيل الفتيات في دمشق، حيث كانت زهرة تعيش.

بدأت قصة الصغيرة زهرة عزّو، التي ولدت عام 1990 في محافظة الحسكة (شمال سورية) في أسرة مؤلفة من أحد عشر شخصاً، منذ عامين حين تعرضت للاختطاف والاغتصاب في المحافظة على يد أحد أصدقاء العائلة. عوقب المجرم الذي اختطفها وأغواها بالسجن، بينما قضت هي حريتها هاربة من غسل عار لم تقترفه! هربت من ملاحقة أهلها الذين أرادوا إنقاذ شرفهم بقتل الفتاة البريئة التي لم ترتكب أي ذنب سوى أنها كانت ضحية اختطاف غادر.

لجأت زهرة إلى معهد رعاية الفتيات حيث لقيت الرعاية والاهتمام، وثابرت باجتهاد على حضور الحلقات الدراسية. وأظهرت موهبة في الرسم وكتابة الخواطر. تعرضت الفتاة خلال الأشهر التسعة التي قضتها في المعهد لمحاولتي قتل واحدة على يد أخيها الحانق والأخرى على يد عمها. وفي المرتين، تمكن كادر الجمعية من حماية زهرة من الذبح.

أخذت الجمعية على عاتقها مهمة الحفاظ على حياة الطفلة التي كانت ضحية اختطاف واغتصاب ومن ثم حنق عائلة تريد دمها ثمناً للشرف فاستطاعت أن تجبر والد زهرة على كتابة تعهد قانوني بعدم التعرض للفتاة وبالفعل شهد القانون على حماية زهرة.

لم يثق ببراءة زهرة من عائلتها سوى خالتها وابن خالتها اللذين كانا يزورانها في المعهد، وسرعان ما نشأت علاقة حب بين الفتاة وابن خالتها وقررا أن يتزوجا ويواجها معاً خطر الموت ثمناً لشرف العائلة الضائع.

يداً بيد، ثابرت الجمعية وخالة زهرة وابنها على محاولة تحسين الوضع مع أهل الفتاة وبدأت الأمور تتغير شيئاً فشيئاً، عقد قران زهرة على ابن خالها بحضور أهلها وحتى أخيها الذي سبق له وأن حاول قتلها «بساطور». ولكن لا، لم تحظ زهرة بالنهاية السعيدة كما في روايات الخيال. لم تعش مع زوجها بسبات ونبات، بل وبعد شهر فقط من الزواج وبعد أن اطمأنت القلوب لنيات الأهل، حلت الكارثة على يد الأخ الذي انتظر فرصة خروج زوج زهرة من البيت وأفرغ كل الحنق الذي سببه تحريض مجتمع يجد في أمثال هذه الضحية تلويثاً للشرف، أفرغ الأخ حقده بأربع طعنات قاتلة وهرب!

لم يتمكن الأطباء من إنقاذ الفتاة الصغيرة وتوفيت زهرة صباح يوم 22/1/2007، عن 16 عشر ربيعاً، واعترف المجرم:

«حضرت من الحسكة إلى دمشق لأبحث عن شقيقتي زهرة التي خطفت... بدأت أسمع من الناس كلاماً يمس كرامتي وشرفي، اشتريت «موسى كبّاس» من أحد المحال. تأكدت أن لا أحد في بيتها فدخلت إلى غرفتها حيث كانت نائمة. فتحت سكين الكباس ووضعتها على عنقها. حاولت ذبحها فبدأت الدماء تنزف، كنت أضع رجلي على رأسها، وأثناء صراخها انهلت عليها بالضرب بالسكين على كل أنحاء جسمها وهربت».

اعترف القاتل وبدأ مشوار جمعية تطوير دور المرأة وزوج الضحية لخوض غمار دعوى قضائية ادعى فيها الزوج شخصياً على الأخ وتبرعت المحامية السيدة مها العلي، إحدى المحاميات في الجمعية، بتولي الدفاع عن الضحية، بذل الجميع جهودهم بشرف لا مثيل له عسى أن يحق الحق وترتاح روح الصغيرة في قبرها، عسى أن يكون المجرم ولأول مرة عبرة لمن اعتبر فيشكل عقابه رادعاً يوقف سيل نزيف شرف الفتيات عن جريانه.

وفعلاً أكد قاضي التحقيق، في البداية، أن أوراق الدعوى والتحقيقات الجارية مع الأخ تثبت ذبح القاتل شقيقته وطعنها في صدرها طعنات عدة، وأنه حضر إلى دمشق خصيصاً من أجل قتلها. فاشترى سكيناً وسرق مفتاح شقتها ونسخه لأجل تنفيذ جريمته. وتحين الفرصة حين غادر زوجها المنزل ليخلو له الجو فيرتكب جريمته.

وأكد قاضي التحقيق أن ذلك يعني توافر عنصري التصميم المسبق على القتل وتهيئة الأداة القاتلة، وبالتالي ينفي عن القاتل وقوعه تحت تأثير عاطفة الدافع الشريف، وخلص قاضي التحقيق صراحة، كما تثبت وقائع الدعوى، إلى أن «كل ذلك ينفي عن فعل المدعى عليه الدافع الشريف ويجعل من فعلته جناية القتل العمد وفق المادة 535 عقوبات عامة ويوجب المساءلة وفقها...». وجاء تقدير قاضي الإحالة مماثلاً، فقد أكد أيضاً نية التصميم على القتل لدى القاتل، ما يقتضي مساءلته بجناية القتل عمداً.

من جانب آخر، خاض محامو الأخ القاتل معركتهم بطريقة مختلفة وبذريعة الشرف، محاولين إثبات أن القتل في هذه الدعوى كان قصداً ولكن بدافع شريف مما يستوجب تخفيف العقوبة بحسب المادة 192 من قانون العقوبات السوري.

للأسف وبعد عامين من النضال الشاق في 29/10/2009 قررت محكمة الجنايات الثانية في ريف دمشق طعن زهرة مرة خامسة وذلك عندما جاء الحكم ب 3 سنوات سجناً للقاتل، تخفض لذريعة «الدافع الشريف» إلى سنتين ونصف السنة وبالتالي إخلاء سبيله فوراً لأنه كان أمضى أصلاً هذه الفترة في التوقيف!

جاء القرار النهائي صفعة مؤلمة لمحامية زهرة وزوجها ولكل من وقف عند قوس المحكمة في انتظار عدالة غابت، وأيضاً لكل من ينادي بحقوق حضارية للمرأة السورية، جاء الحكم مدافعاً عن كل محرض على القتل وجد في هذه الفتاة البريئة التي كانت عبرة مرتين، شرفاً ضائعاً!

آثر الجميع التحرك ضد هذا الاستفزاز المباشر، ولم يدخل اليأس إلى قلوب المهتمين على رغم الاحباطات المتكررة على مدى سنوات، بقيت روح زهرة ورسومها الظريفة وكتابتها المؤثرة وأيضاً دماء مثيلاتها من الضحايا « دافعاً شريفاً» يحفز الجميع من جمعيات أهلية، محامين، فنانين ومهتمين للنهوض مجدداً إلى تحرك جديد قديم قدم ذرائع الشرف في مجتمعاتنا، تحرك تتضافر فيه كل الجهود لإطلاق الصرخات عالية.

اليوم تستمر محامية الضحية في النضال لنقض الحكم وإعادة تجريم القاتل على أساس القتل العمد المكتمل العناصر، اليوم تتعاون الجمعية الوطنية لتطوير دور المرأة مع موقع الفنانة يارا صبري وإذاعة «أرابيسك» في سورية لإطلاق حملة إعلامية ضد هذا الدافع المسمى شريفاً بالقانون، اليوم يدعو موقع نساء سورية وهو مرصد الكتروني حر مهتم بقضايا المرأة، الجميع الى تبني يوم الحكم الأسود بالدعوى يوم 29/10/2009 كيوم عالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف، اليوم تعلو أصوات الفنانين والإعلاميين والقانونيين وجميع المهتمين والمهتمات، تعلو أصوات صديقات زهرة وخالتها وزوجها وكل محبيها، تعلو فوق الموت علها تمكن فتاة أخرى ولدت في مكان ما من سورية من أن تكمل رسم لوحتها الجميلة.

_______________________

من الصبر إلى الحزم

الخميس, 12 نوفمبر 2009

الحياة

غسان شربل

من يعرف المملكة العربية السعودية يعرف القواعد التي تحكم سياستها الخارجية سواء مع دول الجوار وداخل العالم العربي والإسلامي أو على الصعيد الدولي عامة. إنها سياسة هادئة ذات نَفَس طويل تقوم على التعاون واليد الممدودة رغم الاختلافات، وعلى المصارحة داخل الغرف المغلقة والابتعاد عن المبادرة الى إخراج الخلافات الى العلن. وتقوم أيضاً على تفادي الحروب الإعلامية والحملات إلاّ حين يطفح الكيل ومن منطلق الردِّ لا المبادرة. وفي قاموس السياسة الخارجية السعودية ينظر الى الأزمات والخلافات بوصفها فصولاً عابرة لا بد من أن تفسح الطريق أمام عودة التعاون.

أتيح لي كصحافي أن أرافق في السنوات الأخيرة بعض الأزمات التي عصفت بالعلاقات العربية – العربية وكانت السعودية طرفاً في بعضها. وحتى في ظروف احتداد الخلافات سمعت من الجانب السعودي حرصاً على عدم بلوغ الخلافات مرحلة القطيعة الكاملة والطلاق. وكان هذا الحرص مقدمة للدعوة التي أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز في قمة الكويت لدفن الخلافات ورأينا لاحقاً ترجمتها العملية.

كثيراً ما أُخذ على السعودية افتقار سياستها الخارجية الى العدوانية. فهي تأتي دائماً الى الأزمات بين الدول الأخرى، وأحياناً داخل هذه الدول، في صورة الناصح والمساعد والمحتضن لمنطق التسوية والتفاهم وتبادل التنازلات. وهي تتدخل بناء على طلب المتنازعين وتدخل البلدان من بواباتها الشرعية. وهذه الحقيقة يعرفها اللبنانيون والفلسطينيون والصوماليون وغيرهم.

من يعرف السعودية يعرف أيضاً حرصها على استقلالية قرارها ورفضها الرضوخ لأية إملاءات من صديق أو غير صديق. وعلاقات السعودية بالدول الكبرى حافلة بالأدلة على ما تقدم لكن هذه المواقف تبقى دائماً في إطار الديبلوماسية التي لا تروّج لمواقفها.

انتهاج بلد بثقل السعودية، السياسي والاقتصادي عربياً وإسلامياً ودولياً، سياسة تقوم على خيار الاستقرار والتعاون جعلها هدفاً كبيراً لسياسات زعزعة الاستقرار. وليس سراً أن السعودية كانت في طليعة المستهدفين من هجمات 11 أيلول (سبتمبر) ومجرد نظرة الى الفريق الذي كلّف التنفيذ تفضح نيات «القاعدة». ولأن الثقل السعودي من ركائز الاستقرار الأساسية في منطقة الشرق الأوسط كان متوقعاً أن يكون دورها مستهدفاً من قبل من يحاول ضرب دعائم الاستقرار فيه أو قيادة انقلاب على التوازنات التي تشكل ضوابط لبعض الطموحات المتهورة في الإقليم.

اتصاف السياسة السعودية بالصبر والرحابة والحكمة في مواجهة محاولات استهداف دورها لا يلغي أبداً صلابتها في التصدي لمحاولات زعزعة استقرارها أو انتهاك حدودها. في هذا السياق يمكن فهم موقف الملك عبدالله بن عبدالعزيز في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء السعودي. وفي ضوء هذا الموقف يمكن فهم اللهجة الصارمة التي استخدمها الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز في تحذير من تسللوا الى الأراضي السعودية. وكانت للهجة الصارمة ترجمتها الميدانية في رسالة الى المتسللين ومن يدعمهم.

لا نبالغ إذا قلنا إن الأزمة بلغت حد التهديد بتمزيق اليمن وتحويل بعض أراضيه ملاذات آمنة لمشاريع الانقلابات في الإقليم أو ل «القاعدة». وإذا كانت السعودية معنية بما يدور عند حدودها، وتمارس حقها في الدفاع عن النفس، فإن على العرب التنبه الى خطورة الحريق اليمني. ومن حسن الحظ أن ردود الفعل العربية عكست شعوراً بإدراك خطورة الأحداث. ويجدر بأصحاب القرار في إيران قراءة معاني الحزم السعودي والتعاطف العربي معه.

_______________________

الظاهرة الحوثية ... وعدم الاستفادة من تجربة لبنان!

خيرالله خيرالله

الرأي العام

12-11-2009

يصعب التكهن بالمدى الذي يمكن أن تصل إليه المواجهة بين المملكة العربية السعودية والعناصر الحوثية التي اخترقت الحدود السعودية. الأكيد أن الرد السعودي على الهجوم الحوثي يطرح علامات استفهام كثيرة. في مقدم ما يطرحه هل حصل استدراج للمملكة أم أن الحوثيين في حال هروب إلى الأمام بعدما زادت الضغوط العسكرية عليهم؟

في كل الأحوال، يتبين في ضوء الأحداث الأخيرة ودخول السعودية طرفاً مباشراً في الحرب، أن ما يشهده اليمن ليس مجرد نزاع داخلي بمقدار ما أنه مشكلة عميقة ذات طابع إقليمي. هناك محاولة إيرانية مكشوفة لاستغلال الدين وتوظيفه في السياسة والبناء على ذلك من أجل تفتيت العالم العربي عن طريق إقامة دويلات داخل الدولة، دويلات مرتبطة مباشرة بطهران. المؤسف أن العرب لم يدركوا ذلك إلاّ متأخرين. لا تتحرك أي دولة عربية إلاّ بعد وصول النار اليها... لم يستفدوا يوماً من درس لبنان وما حصل ويحصل فيه منذ ما يزيد على ربع قرن. لو فهموا حقيقة ما يتعرض له لبنان، لما كان عليهم مواجهة الوضع الذي هم فيه حالياً.

في لبنان، استثمر النظام الإيراني طويلاً في «حزب الله» ومكنه من أن تكون له دولته التي باتت أقوى من الدولة اللبنانية بفضل السلاح غير الشرعي الذي يتلطى بشعار المقاومة. أخذ «حزب الله» الطائفة الشيعية في لبنان رهينة. مكنه ذلك من أن يكون رأس حربة لإيران على المتوسط، وأن يكون صاحب قرار الحرب والسلم في لبنان وأن يسمح بتشكيل حكومة لبنانية... أو أن يحول دون ذلك، كما هو حاصل الآن، وفقاً لما يناسب النظام الإيراني.

كان لبنان البداية. ما ينطبق على الوطن الصغير، ينطبق إلى حد كبير على العراق، حيث مناطق واسعة تحت سيطرة ميليشيات تابعة مباشرة ل «الحرس الثوري» أو للأجهزة الأمنية الإيرانية. لم يعد في استطاعة الحكومة العراقية الاعتراض على أي انتهاك إيراني للسيادة، أو على ما يصفه سياسيون عراقيون ب «استيلاء مكشوف على قسم من المياه العراقية وعلى آبار نفطية في المناطق الحدودية بين البلدين، خصوصاً في الجنوب». أكثر من ذلك، استطاعت إيران، بفضل أحزاب تابعة لها، تغيير التركيبة السكانية لبغداد بطريقة تناسبها. هناك شراء مبرمج لأراض تتولاه جهات معينة، على غرار ما يحصل في لبنان، حيث يتوسع «حزب الله» في كل الاتجاهات، على حساب القرى المسيحية والدرزية في الجبل والجنوب والبقاع، على وجه التحديد.

هناك بكل بساطة، مشروع إيراني للمنطقة. المسألة لا تتعلق بالمذهب الشيعي على الإطلاق. المسألة مرتبطة بتوظيف الدين في السياسة وفي خدمة أهداف معينة. لم يكن الموضوع المذهبي مطروحاً في أي يوم من الأيام في لبنان أو في اليمن. كذلك، لم يكن هناك تفريق بين السني والشيعي في العراق. المسألة مسألة مشروع واضح المعالم يلبس اللبوس الذي يناسبه في كل إقليم من الأقاليم العربية. على سبيل المثال وليس الحصر، استطاعت إيران، إلى حد كبير، وضع يدها على حركة «حماس» التي هي جزء من «الإخوان المسلمين». إنها تدعم حالياً بكل ما اتيح لها من امكانات هذه الحركة والامارة «الطالبانية» التي أقامتها في غزة، علماً أن «حماس»، كجزء من حركة «الإخوان»، يفترض أن تكون في مواجهة نظام يقوم على نظرية ولاية الفقيه التي لا تحظى حتى باجماع شيعي داخل إيران أو خارجها. ولكن ما العمل عندما ترضى «حماس» أن تكون مجرد أداة إيرانية في الحرب السرية أحياناً والعلنية في أحيان أخرى، التي تشنها إيران على مصر وما يفترض أن تمثله من وزن على الصعيد العربي؟

ما يحصل داخل اليمن وفي منطقة الحدود اليمنية- السعودية، يمكن وضعه في سياق المشروع الإيراني للمنطقة الذي يهدد أيضاً دولاً مسالمة مثل البحرين والإمارات، حيث الجزر المحتلة منذ العام 1971. انه المشروع الذي كشف جانباً من وجهه في الكويت في مناسبة تأبين القيادي في «حزب الله» عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق في ظروف غامضة فبراير من العام 2008.

في اواخر العام 2004، امتلك العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ما يكفي من الشجاعة لقول الحقيقة للعرب ومحاولة افهامهم ما الذي يدور في المنطقة وجعلهم يستوعبون ما يعد لهم وما هو في انتظارهم. كان ذلك قبل أسابيع قليلة من اغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من فبراير 2005، اغتيل رفيق الحريري بعدما تحول إلى زعيم وطني لبناني يمتلك وهجاً عربياً. تحدث العاهل الأردني إلى صحيفة «واشنطن بوست» في ديسمبر 2004 عن «الهلال الشيعي» الممتد من طهران إلى غزة مروراً بالعراق وسورية ولبنان. لم يعن عبدالله الثاني الطائفة الشيعية، فهو هاشمي من أهل البيت. الشيعة أهله. كان يعني المشروع الإيراني بمفهومه السياسي. لم يفهم معظم العرب الرسالة. لم يتجرأ أي منهم على تسمية الأشياء بأسمائها والذهاب إلى أبعد في عملية التصدي للمشروع الإيراني الذي تلقى دعماً قوياً بعد الغزو الأميركي للعراق.

قدمت الإدارة الأميركية السابقة برئاسة بوش الابن العراق إلى النظام الإيراني على طبق من فضة. توفرت فرصة تاريخية لإيران كي تقلب التوازنات الإقليمية رأساً على عقب في ضوء انهيار الدولة المركزية في العراق، والاصرار الأميركي على حل الجيش العراقي. كان القضاء على نظام صدّام حسين مشروعاً ومبرراً، ولكن لماذا الإصرار على حل الجيش والأجهزة الأمنية بعد التخلص من النظام؟

يستحيل عزل الحدث اليمني عن التطورات الإقليمية. الحدث نفسه يشهد يومياً تطورات تؤكد أنه جزء لا يتجزأ من مشروع إيراني كبير. هذا لا يعني في أي شكل أنه ليست للحدث خصوصياته النابعة من الوضع الداخلي لليمن والتركيبة القبلية لمحافظتي صعدة وعمران حيث يتحرك الحوثيون مستفيدين من تلك التركيبة، خصوصاً من وضع قبائل بكيل وطبيعة علاقتها بالسلطة تحديداً، ومن الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها البلد، ومن الاهمال الذي طال المحافظتين منذ فترة طويلة، ومن التململ الذي تشهده محافظات في الجنوب. ولكن ما لا بد من ملاحظته، رغم هذا كله، أن ليس في استطاعة أي جهة يمنية شن حرب على السلطة تستمر ما يزيد على ستة أعوام من دون دعم خارجي. إضافة إلى ذلك، لا بد من التوقف أيضاً عند نقطة في غاية الأهمية. ترتكز هذه النقطة على السعي إلى مقاربة مختلفة للوضع في صعدة وعمران وعند الحدود مع السعودية. تقوم هذه المقاربة على السعي إلى استيعاب الظاهرة الحوثية عن طريق تطويقها بدل تركها تستفيد من التركيبة القبلية للمنطقة التي تتحرك فيها. هل الاستيعاب ممكن؟ ليس اليمن وحده الذي يتوجب عليه التفكير في ذلك، بل على دول المحيط أيضاً، على رأسها السعودية، البحث في ما يمكن عمله في هذا المجال... هل تأخرت المقاربة الأخرى للمسألة الحوثية أم لا؟ من المهم تفادي السقوط في أفخاخ ايرانية في منطقة أقل ما يمكن أن توصف به أنها معدة أصلاً لحرب العصابات.

خيرالله خيرالله

كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن

_______________________

القابلية العامة للوقوع في الخطأ

ريتشارد كوهين

الشرق الاوسط

12-11-2009

منذ سنوات، اشتريت عددا قديما من مجلة «تايم»، يرجع لعام 1965 يحمل على غلافه صورة رجل العام. وتعمدت الاحتفاظ بالعدد لدي كي يذكرني بأن البشر غير معصومين ويمكن أن تزل أقدامهم في أخطاء، وينطبق القول ذاته على مجلة «تايم». كانت صورة الغلاف لرجل العام للجنرال وليام سي. ويستمورلاند. كان ويستمورلاند الشخصية المناظرة خلال حقبة فيتنام لجنرال ستانلي ماكريستال في الوقت الراهن.

في النهاية، مني ويستمورلاند بإخفاق كامل. ولا أبغي من وراء ذلك الإلماح إلى أن الأمر ذاته ينطبق على ماكريستال. ومع ذلك تبقى الحقيقة أنه في ذلك الوقت ظهرت صورة ويستمورلاند على غلاف «تايم»، وكان يجري النظر إليه باعتباره مخلصا ومنقذا، واعتبره كثيرون الرجل الذي سيقود أميركا للخروج من مستنقع فيتنام. وعندما ألقى خطابا أمام الكونغرس عام 1967، اضطر للتوقف 19 مرة لارتفاع أصوات التصفيق والإشادة. وبعد ما يزيد قليلا على العام، رحل عن منصبه  وحل محله جنرال كريتون أبرامز، الذي أكد لويس سورلي في كتابه «حرب أفضل» (A Better War)، أنه كان باستطاعته الفوز في الحرب لو أتيحت له الفرصة.

في الواقع، معرفتي بماكريستال لا تزيد على معرفتي بويستمورلاند، لكن الذي أعلمه على وجه اليقين أن وسائل الإعلام تبحث من وقت لآخر عن جندي، خاصة جندي وسيم، مثل ويستمورلاند وماكريستال، لتسلط عليه الأضواء. ومثلما الحال مع ديفيد بترايوس، تنطبق المواصفات المطلوبة في هذا الشأن على ماكريستال، وهو نمط من الرجال المنضبطين الذين يشعر حيالهم الرجال الأقل انضباطا بمزيج من مشاعر الإعجاب والرهبة. لا يمكن لأحد التقليل من أهمية الانضباط والإخلاص. بيد أنه في الوقت ذاته لا يمكن تخيل إقدام الجنرال دوايت أيزنهاور على إطفاء سيجاره والعدو على مسافة أربعة أميال، إلا إذا كانت زوجته، مامي، تطارده بساطور.

الأمر الآخر الذي أعلمه عن الجنرالات أنهم لا يطلبون قدرا أقل من أي شيء، سواء عتادا أقل أو أفرادا أقل. وإنما جرت العادة أن يطلبوا المزيد، مثلما فعل ويستمورلاند في فيتنام قبل أن يجبر الواقع  الذي عرف باسم الأوضاع السياسية الداخلية  ليندون جونسون على كبح جماح قائده. إذا كان سورلي محقا بشأن أبرامز، فإن ذلك يعني أن الحرب كان يمكن الفوز فيها بعدد أقل من الرجال. ومثلما اتضح لاحقا، منيت فيتنام الجنوبية بالهزيمة نهاية الأمر بسبب تخلي الكونغرس عنها.

لذلك، لا ينبغي النظر إلى طلب ماكريستال الحصول على قوات إضافية يصل عددها إلى 40.000 جندي كأمر مقدس. في الحقيقة، لا تعدو مثل هذه الطلبات كونها نقطة بداية ينطلق منها النقاش. أما أعضاء المعسكر الذي يرفع شعار «أعطوا الجنرالات ما يحتاجون»، فإنهم فعليا يساندون دعوة «أعطوا الجنرالات ما يبغون»، الأمر الذي لا يعد إطلاقا نهجا مسؤولا تجاه عملية صنع القرار.

يمكن القول إن المراجعة التي يعكف عليها الرئيس أوباما لجميع الخيارات المطروحة تمثل التوجه الصائب. لقد تعجلنا في شن الحروب كثيرا خلال السنوات الأخيرة. وبغض النظر عن القرار الذي يتخذه أوباما حيال أعداد القوات، ينبغي أن تقف الإدارة برمتها خلفه بعزم وإصرار. ومن الأفضل أن يتخذ أوباما قراراه من داخل «شرفة ترومان» في البيت الأبيض، نظرا لأن هاري الشجاع مر بمأزق مشابه عندما قرر خوض حرب تفتقر إلى التأييد الشعبي في كوريا. يقول التاريخ إن ترومان اتخذ القرار الصائب. ومع ذلك، ألحق هذا القرار ضعفا بالغا بمكانته لدرجة أحجمته عن السعي لإعادة الانتخاب. وحمل تصريح أيزنهاور أثناء الانتخابات بأنه «إذا فزت، سأذهب إلى كوريا» أهمية كبيرة. وبالفعل، فاز في الانتخابات وذهب إلى كوريا.

الملاحظ أن أوباما يتكبد بالفعل ثمنا كبيرا جراء حرب أفغانستان، ففي أبريل (نيسان)، بلغت نسبة التأييد العام له 63% فيما يخص السياسة تجاه أفغانستان. وحاليا، تراجعت النسبة إلى 45%. وحتى الآن، اقتصر الانحسار في مستوى تأييد سياسته في أفغانستان على المعسكر الجمهوري. إلا أنه حال تصعيد الرئيس الحرب هناك، فإن قاعدة تأييده من الديمقراطيين هي التي ستصب جام غضبها عليه. في إطار استطلاع للرأي أجرته مؤخرا «واشنطن بوست» بالتعاون مع محطة «إيه بي سي»، أعرب قرابة ثلث الديمقراطيين عن تأييدهم إرسال 40.000 جندي إضافي إلى أفغانستان، بينما أبدى 61% معارضتهم، منهم 51% أعربوا عن معارضة شديدة. في عددها الأخير، دعت مجلة «ذي نيشن»، الصوت الموثوق به لليسار، أوباما إلى «الشروع في وضع استراتيجية خروج تتسم بالشعور بالمسؤولية». في واقع الأمر، يمضي حاليا أوباما قدما في تنفيذ استراتيجية خروج مسؤولة.

من جانبي، أعتقد أن غلاف مجلة «تايم» لعددها الصادر عام 1965 سالف الذكر ينبغي تعليقه على جدار غرفة الطوارئ في البيت الأبيض، ذلك أنها تذكرنا بفترة سار فيها رئيس خلف جنرال يحظى بإعجاب بالغ نحو هاوية سياسية وخسارة لا داعي لها في الأرواح. إن ارتداء ماكريستال أربعة نجوم على زيه العسكري لم يأت من فراغ، لكنه يبقى بشرا غير معصوم ويترأسه، لسبب وجيه، شخص لا يرتدي أي نجوم على الإطلاق.

*خدمة «واشنطن بوست».

_________________________

ماذا عن الجدار في فلسطين؟

رانيا العبد الله

الشرق الاوسط

12-11-2009

سقوط جدار برلين: شهادة على قوة الثورة السلمية. بحر من العواطف والشعور بالنصر فاض، وغرق العالم بدموع الفرح، حتى أنا.. طالبة في الثانوية في الكويت شاهدت سقوطه على التلفاز فتأججت في داخلي مشاعر إنسانية لجمع شمل الأحباء؛ أصدقاء وإخوانا وعوائل فصل بينها جدار.

حلو مذاق انتصار المشاعر الإنسانية أو بالأحرى انتصار الإنسانية؛ مرّرت مذاقه في حلقي وحلق كل عربي غيرة على إنسانية لم تسقط لأجلها الجدران. بل لا يزال الجدار يعلو مع علو كل صرخة ساخطة عليه.

ذكرى سنوية يحتفل بها العالم.. ذكرى سقوط جدار برلين. لكن ماذا عن الجدار في فلسطين؟!

الحكومة الإسرائيلية تدعي أنه شيد ويشيد لحفظ أمن إسرائيل ولفصلها عن فلسطين. وبينما هو «يحمي» مستوطنات غير شرعية، توغلت أناكوندا الكونكريت عميقا في فلسطين، فاصلة بين الجار وجاره، والفلسطيني وأخيه، والفلاح وحقله، والطفل ومدرسته، والشابة وجامعتها، والكهل وابنه وحفيده. أناكوندا التفت على حياتهم فخنقتهم.

حتى باعتراف منظمة «بيتسليم» الإسرائيلية لحقوق الإنسان، يعزل الجدار نصف مليون فلسطيني عن باقي الضفة الغربية. مجتمعات تتمزق كلما ازداد عصر أفعى الكونكريت. ماذا نقول لهم؟ كل عام وذكرى سقوط جدار برلين بخير في ذاكرتنا!

ها هو الجدار في فلسطين اليوم..

خمسة أعوام مضت على إصدار محكمة العدل الدولية حكمها القاضي بوقف إسرائيل تشييد الجدار وتفكيك ما شيد وتعويض الفلسطينيين عن الأضرار التي تسبب بها. أربعمائة كيلومتر من الفصل، ازداد طوله الضعف منذ وقت صدور الحكم! لا مبالية بحكم العدل الدولي تعلن إسرائيل أن ثلثيه شيدا والثلث الأخير مشروع جار تنفيذه.

انقسام عميق.. والجدار ما هو إلا أحد تصدعاته الجانبية. رمز للحقد والكره وانعدام الثقة. صدع لا يصلَح وظلم لا يمكن تبريره.

وحتى تسقط جدران الفصل وتزال الحواجز والأسلاك الشائكة لن يلتئم شمل الإنسانية.

اليوم يحتفل العالم بالذكرى العشرين على سقوط جدار برلين؛ والعام القادم سيحتفل بالذكرى السادسة عشرة لسقوط نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا. جميعا نحتفل لأن هذين الحدثين علمانا أنه عندما تسقط الحواجز سواء العرقية أو القانونية أو التي نشيدها في قلوبنا تصبح الأرض مستوية وقابلة لزراعة بذور السلام. في الشرق الأوسط.. نتوق إلى يوم نحتفل فيه بذكرى سقوط جدار الفصل. وما من طريقة أفضل لإحياء ذكرى هذه

________________________

هل إسرائيل أقوى من أوباما؟

الوطن الكويتية

12-11-2009

إيكونوميست

افتتاحية: منذ ان وقف الرئيس باراك اوباما وراء المنصة في القاهرة قبل خمسة اشهر، واقنع معظم العالم العربي من خلال خطاب مدو اكد فيه على العدالة، وانه سوف يواجه اسرائيل في سعيه لاقامة الدولة الفلسطينية، لم تحقق السياسة الامريكية شيئا يذكر بل هي تغوص في الرمال اكثر واكثر. فمن الملاحظ ان يد الرئيس التفاوضية ضعيفة وفقد تلك الجاذبية الشخصية كزعيم على نحو سيء، كما تبدو ادارته بنظر الفلسطينيين والعرب الآن مستسلمة بالكامل لاسرائيل على الرغم من انها كانت قد انطلقت بكبرياء في البداية لارغام اسرائيل على وقف بناء المستوطنات في الاراضي الفلسطينية كدليل على حسن النية..

 

بالطبع، يعني كل هذا ان الآمال التي كانت منعقدة على امكان استئناف المحادثات بشكل مبكر بين الخصمين قد تلاشت.

 

والحقيقة ان احدا لا يعلم كيف يمكن بدء هذه المحادثات من جديد فالمزاح لدى المعتدلين على جانبي حدود الصراع كئيب كما كان عليه الامر دائما.

 

وكأن كل هذا لم يكن كافيا، فقد جاءت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون لتجعل المشكلة اكثر سوءا بامتداحها رئيس الحكومة الاسرائيلية بنجامين نتنياهو لمجرد انه وعد بكبح، وليس وقف، عملية البناء في المستوطنات كما كان قد طلب منه الجانب الامريكي اصلا.

 

اذ كانت كلينتون قد اكدت بنفسها ان التوقف عن البناء يجب ان يكون حقيقيا وألا يكون هناك «نمو طبيعي» في المستوطنات القائمة على الارض الآن. كما لم تستثن كلينتون من ذلك القدس التي يرى الفلسطينيون بها عاصمة لهم في المستقبل. بل وانتقدت كلينتون اسرائيل لاقدامها على هدم منازل فلسطينية في الجزء الشرقي من المدينة.

 

غير ان كلينتون ما لبثت ان تغاضت في الحادي والثلاثين من اكتوبر عن رفض نتنياهو تنفيذ تلك المطالب الامريكية بل وهنأت رئيس الحكومة الاسرائيلية على عرضه «اللا مسبوق» للبناء على نحو ابطأ مما كان عليه الامر من قبل على الرغم من انه كرر اكثر من مرة ان البناء سوف يستمر في القدس لأنها لا يمكن ان تكون جزءا من الدولة الفلسطينية.

 

الا ان كلينتون عادت وعكست سياستها فيما بعد، فقد اكدت للفلسطينيين انها تعتبر كل المستوطنات «غير شرعية» ثم ناشدت الفلسطينيين لاستئناف المحادثات. وهنا امتلأت الصحافة الفلسطينية والعربية بالانتقادات الموجهة لادارة كلينتون بسبب استسلامها لاسرائيل في حين تراجع التأييد لأوباما في اسرائيل لنسبة %5 فقط، وفقا لعمليات استطلاع الآراء.

 

بدوره، عبر محمود عباس، رئيس حزب فتح الذي يرأس السلطة الفلسطينية عن شعوره الشديد باليأس والاحباط، واصر قبل ان يعلن عن عدم ترشيح نفسه للانتخابات المقبلة على ان يتم تجميد البناء بالكامل في المستوطنات قبل استئناف المحادثات.

 

كان عباس قد قوبل بالسخرية لدى معظم الفلسطينيين عندما اعرب عن ثقته بالادارة الامريكية الجديدة. بل ونظرت حركة حماس الاسلامية التي تحكم غزة باستهزاء كبير لعباس لاعتقاده ان بمقدور اوباما تغيير السياسة الامريكية في الشرق الاوسط.

 

لكن حتى لو بدأت المحادثات فعلا، لا يمكن لأي اتفاق ان يستمر دون قبوله من جانب حماس التي كانت قد فازت بالانتخابات الفلسطينية الاخيرة عام 2006، والتي لا تزال قوية لتخريب أي اتفاق يتم دون مشاركتها، وهنا نلاحظ ان المحادثات التي جرت بين حماس والسلطة الفلسطينية برعاية مصرية في القاهرة لم تصل الى غايتها المرجوة وهي المصالحة.

 

على الجانب الآخر، يستمتع نتنياهو وتآلفه الحاكم، الذي يضم وزراء متدينين ومن اليمين، بتأييد منقطع النظير وفي وقت تستمر فيه حركة البناء في الكثير من المستوطنات ويبدو انه خرج معافى من المواجهة مع رئيس امريكي معاد الى حد ما للسياسة الاسرائيلية في المنطقة.

والمثير ان الرئيس اوباما يواجه ايضا انتقاداً حتى الامريكيين في جناح اليسار لأنه تقدم من نتنياهو بمطالب كان عليه ان يعلم سلفا ان رئيس الحكومة الاسرائيلية لن يستجيب لها.

يقول البعض الآن ان على الرئيس السفر لإسرائيل بنفسه ليخاطب الشعب الاسرائيلي مباشرة ويعرض عليه خطة جديدة للحل. لكن يبدو ان احدا لا يعرف ولا حتى في واشنطن شيئا عن مثل هذه الخطة الجديدة.

تعريب: نبيل زلف

تاريخ النشر 12/11/2009

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ