ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 23/11/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


داحس والغبراء

صالح القلاب

الرأي الاردنية

22-11-2009

عشت أجواء الحرب الرياضية المصرية الجزائرية ، التي مهد لها الإعلام الخاص والرخيص بعمليات تهييج دافعها إستقطاب المشاهدين بهدف الحصول على المزيد من الإعلانات ، وحقيقة أن ما سمعته وما رأيته خلال الساعات الأولى التي سبقت المبارزة الأولى التي جرت في ستاد القاهرة وفاز فيها الأشقاء المصريون على أشقائهم الجزائريين بهدفين مقابل لا شيء أعاد إلى الأذهان ما كان ساد بين البلدين قبل حرب السويس وخلالها وخلال حرب أكتوبر تشرين الأول المجيدة .

إنه طبيعي أن يكون هناك ترويج من قبل المصريين لفريقهم الوطني وأن تكون هناك تعبئة وعمليات تحشيد فهذا يجري في كل دول العالم ولا عيب فيه ولا هو ظاهرة سلبية لكن المشكلة أن الإعلام الخاص والإعلام الرخيص قد ركب الموجة أكثر من اللزوم وأنه وجدها فرصة ملائمة لمصادرة إنتباه المشاهدين والقراء والمستمعين فذهب في عمليات الحقن وإستنفار غرائز الناس إلى ما بعد ما هو معقول ومقبول وإلى حد أن أجواء حرب مصرية جزائرية فعلية قد خيمت قبل مباراة ستاد القاهرة التي إنتصر فيها الفريق المصري وحتى مباراة المريخ في الخرطوم التي إنتصر فيها الفريق الجزائري .. وإلى الآن .

 

والمشكلة هنا أن ثورة الغرائز هذه قد أنست الكثيرين الذين لازالوا يتذكرون أن مصر قد قدمت للثورة الجزائرية عشية إنطلاقها وبعد ذلك ما لم تقدمه أي دولة عربية أخرى ، دعما عسكريا وإعلاميا ومواقف سياسية مكلفة ، وأن الجزائر لم تنس هذا الجميل وبادرت إلى الوقوف إلى جانب الشقيقة الكبرى خلال حربي حزيران ( يونيو ) 1967 وتشرين الأول ( أكتوبر ) 1973 بكل إمكاناتها وعلى رأسها كل إمكاناتها العسكرية .

 

وهنا فإن حكاية أن ما جرى بإسم الرياضة ، ولكن بدون أي روح رياضية ، سببه أن مصر غاضبة على الجزائر لأنها ممتعضة من موقفها المخالف للموقف المصري إزاء إيران وإزاء حماس وإزاء إستقطابات المنطقة وتمحوراتها غير صحيحة على الإطلاق والدليل أن ما وقع بين هاتين الدولتين الشقيقتين كان قد وقع مثله وأكثر منه بين بريطانيا وإيطاليا وبين بريطانيا وبلجيكا وأن حربا حقيقية كانت قد إندلعت فعلا بين دولتين في أميركا اللاتينية هما هندوراس والسلفادور بسبب إنتصار فريق إحداهما الكروي على فريق الدولة الأخرى .

 

إن هذه مسائل معروفة حتى في تاريخنا العربي القريب فقصة داحس والغبراء لاتزال مضرب مثل حتى الآن رغم مرور أكثر من ألف وخمسمائة عام و داحس و الغبراء هما اسما جوادين كان الأول حصانا لقيس ابن زهير والثاني فرسا لحمل ابن بدر .. وحيث إتفق قيس وحمل على رهان قدره مائة من الإبل لمن يسبق من هذين الجوادين .. كانت المسافة طويلة تستغرق عدة أيام وكان لابد من قطع سهوب صحراوية مترامية الأطراف وكان أن أوعز حمل ابن بدر لبعض أتباعه أن يختبئوا على طريق الجوادين المتسابقين وأن عليهم أن هم وجدوا أن داحس متقدم أن يردوه في الإتجاه المعاكس وهذا ما حصل حيث جاء الفوز ل الغبراء وكانت النتيجة أن إندلعت حرب دامت أربعين عاما برز خلالها الفارس الأسطوري الأسود عنترة بن شداد .

 

إننا لا نتمنى أن تستمر حرب التأهل ل مونديال جنوب أفريقيا بين الشقيقتين مصر والجزائر إلى داحس وغبراء ثانية فهذا عيب ما بعده عيب وهذا لا يجوز ولتذهب الرياضة إلى الجحيم إذا كانت ستسبب مثل هذا الذي حصل بين دولتين عربيتين إمتزجت دماء أبنائهما في جبال الأوراس وفي صحراء سيناء وعلى ضفتي قناة السويس .

==========================

فرنسا المحتاجة إلى تعريف جديد للهوية الوطنية

المستقبل - الاحد 22 تشرين الثاني 2009

العدد 3491 - نوافذ - صفحة 13

نجم والي

أحد السياسيين الألمان، وكان حتى فترة قريبة سيناتوراً في برلمان العاصمة الألمانية، ولاية برلين، صرّح قبل أيام بأنه غير مستعد لمنح مساعدات اجتماعية لمهاجرين عرب، لا عمل لهم غير إنتاج فتيات محجبات. سراسين هو إسم السياسي، الذي يعمل اليوم بعد تركه السياسة في إدارة البنك الاتحادي الألماني. قوله هذا المنشور في مقابلة طويلة أجرتها معه مجلة "ليتره" الثقافية المعروفة، حرّض الرأي العام ضده، ليس في صفوف المهاجرين أو في صفوف الأحزاب المعارضة وحسب، بل في صفوف حزبه الديموقراطي الاشتراكي أيضاً. لكن يظل أقوى احتجاج ضد تصريحاته ذاك الذي جاء من "مركز الجالية اليهودية"، الذي قارن الناطق الرسمي بإسمه، تصريحاته بتصريحات وزير الدعاية النازي "غوبلز". إدارة البنك الاتحادي الألماني لم تستطع فصل سراسين من عمله، لكنها سحبت منه على الأقل صلاحية إشرافه على عمليات التعامل بالسيولة النقدية. إنها مفارقة كبيرة، إذا عرفنا، أن صاحب هذه التصريحات لم ينحدر أصلاً من عائلة ألمانية "آرية"، بل من قبيلة بربرية الأصل (كما يشير الإسم)، هاجرت أولاً في أواسط القرن السابع عشر من شمال افريقيا، بعد أن اشتهرت بالقرصنة البحرية لعقود طويلة. وكما يبدو، ألهمت تصريحات سراسين آخرين لكي يسيروا على نهجه. فبالتوازي مع ردود الفعل المحتجة ضده، اندلع نقاش في ألمانيا يتساءل: "ماذا يعني أن يكون المرء ألمانياً"، الفارق، هو أن النقاش ذاك، على عادة نقاشات أخرى حدثت في ألمانيا، لم يدم أكثر من أسبوع. على العكس مما يجري في فرنسا.

في الأسبوع الماضي تحديداً أعلن الوزير الفرنسي المختص بالاندماج والهوية الوطنية، أريك بيسون، الذي كان اشتراكياً ذات يوم، بأن يوم الثاني من تشرين الثاني 2009 هو بداية "نقاش كبير حول ماهية الهوية الوطنية" في طول البلاد وعرضها. النقطة التي سيركز عليها النقاش، هي التوضيح بشكل رسمي، ماذا يعني أن يكون المرء فرنسياً، وما هي فرنسا حسب فهمه الخاص، فرنسا المكونة من 100 محافظ و350 آخرين خاضعين لهم، الذين ينظمون من الناحية التكنيكية النظام الإداري في فرنسا والذين بين واجباتهم أيضاً التأثير على الإرادة السياسية وعلى توجهات الرأي العام، طبعاً بالمغزى الذي تريده الحكومة. وحسب ما تناقلته الصحافة العالمية بهذا الصدد، ستُقام في نهاية فبراير/ شباط المقبل، ندوات مختلفة وضمن إطار حفل وطني كبير تعرض فيها النتائج التي أثمر عنها النقاش في النهاية، والتي يجب أن تعطي جواباً شافياً وملزماً على كل الأسئلة المطروحة في ما يتعلق بالهوية الوطنية وفرنسا!

ولا يغيب عن المتابعين للشأن الفرنسي من أن الموضوعة التي يدور حولها النقاش والموعد الذي حُدد له اختير بعناية، لأنه سيأتي بأسبوعين من قبل بداية أول جولة انتخابية محلية في فرنسا والتي سيكون موعدها في منتصف مارس/ آذار القادم، ما يمنح مباشرة الانطباع بأن الحكومة تريد فرض النتيجة الانتخابية التي تريدها: في صالحها طبعاً، وألا تتكرر تجربة الانتخابات الأخيرة التي فاز بها الاشتراكيون بنسبة عالية. وما يُغذي التكهنات هذه الفرضية التي تقول: إن الرئيس الفرنسي بصورة خاصة، نيكولاوس ساركوزي، سيكون المستفيد الأول من هذه النقاشات، لأن الحملة ستشغل الناس وتُبعد انتباههم عن قضيتين (أو انتكاستين) لم تشغلا الرأي العام في فرنسا في الأيام الأخيرة وحسب، بل قادتا إلى تراجع في شعبيته الانتخابية بشكل واضح:

القضية الأولى هي قضية التهم الموجهة إلى وزير ثقافته، فريدريك ميتران، بصفته سائحاً بحث عن الجنس في أوساط الأطفال القاصرين في تايلاند؛ أما القضية الثانية فهي تهمة استغلال المنصب من أجل العائلة، بسبب توظيف إبنه جان البالغ من العمر 23 عاماً مديراً على أكبر مجموعة مالية في البلاد!

وكما يحلل المتابعون لما يدور اليوم في فرنسا اليوم من تحولات، فإن ساركوزي يعرف جيداً، ومنذ الانتخابات الرئاسية في فرنسا عام 2007 ، بأنه، وعن طريق إثارة موضوعة النقاش حول ماهية الهوية الوطنية يستطيع تسجيل نقاط عديدة في صالحه. فعن طريق الوصفة "الوطنية" هذه وليس غيرها، نجح ساركوزي، حسب استطلاعات الرأي، بجلب ثلثي الأصوات الانتخابية تقريباً إلى صفه. وهذا ما أعاد ساركوزي التذكير به قبل أسبوع في تصريحاته أمام تجمع للفلاحين، والتي تناقلتها الصحافة الألمانية مباشرة. قال "لقد أُنتخبت أصلاً لكي أدافع عن الهوية الوطنية".

مباشرة بعد تصريحاته تلك، صرح أريك بيسون، الوزير المختص بالاندماج وشؤون الهوية الوطنية، وكأنه أراد تكملة الجملة التي قالها رئيسه، قائلاً: "الأمر له علاقة باكتشاف القيم الوطنية التي تدفع المرء الى أن يفتخر بكونه فرنسياً". وما يثير الانتباه في هذا السياق هو أن السياسي الفرنسي الديغولي المعروف جان فرنسواز جوبيه، السياسي المحافظ ورئيس الحزب الحاكم، والذي صعد نجمه في استطلاعات الرأي في الأيام الأخيرة على حساب معارضته الشديدة لزميله في الحزب ساركوزي، أدلى بدلوه في هذا الاتجاه أيضاً، ليتفق على غير عادته هذه المرة مع منافسه ساركوزي في مقابلة أجرتها معه صحيفة اللوموند، رغم أنه لم ينس أن يؤكد في مقابلته تلك، التي اعتمدت الصحف الألمانية على بعض ما جاء فيها وهي تقييم النقاش الدائر في فرنسا، لم ينس أن يؤكد بأن على المرء أن يكف فوراً عن العبث، كأن يريد المرء أن يبين لأطفال المدارس "بأن أسلافنا كانوا بأجمعهم وبلا استثناء من شعب الغال. فما يجب أخذه في الحسبان، هو أن كل فرنسي، بغض النظر عن أصله ومبادئه الدينية، استخلص من مواطنيته قيمة عالية، وبأنه يصنع من استخلاصه ذلك الأحسن في صالح بلادنا". هذا التأكيد والاختلاف البسيط في الحديث، يبين كيف "أن جوبيه يريد أن يخرج النقاش الدائر عن الهوية الوطنية من إطاره القروي"، كما علق أحد الخبراء الألمان المختصين بالشأن الفرنسي، "لكي يجعل منه مثمراً في مجال سياسة الاندماج"، على حد تعبير الخبير ذاته.

صياغة رأي يذهب في هذا الاتجاه، كما جاء في تصريحات جوبيه، ليس ضرورياً بالنسبة لبلد مثل فرنسا فحسب، خصوصاً في السنوات الأخيرة، بل إن فرنسا تحتاجه فحسب بصورة ملحة، لكي تنظر بشكل واضح لنفسها في المرآة. لا أعرف الأصل الذي ينحدر منه وزير الاندماج والهوية الوطنية الفرنسي، اريك بيسون، فأنا لست مختصاً بعلم الأنساب، (لكنني أعرف أن الرئيس الفرنسي، نيكولاوس ساركوزي، ينحدر أصلاً من عائلة مهاجرة إيطالية، ليس هو وحده، بل زوجته كارلا أيضاً). ناهيك عن أن الإثنين كما هو معروف عنهما، يتحدثان الإيطالية بطلاقة. وهما ليس وحدهما في ذلك. أعرف أن فرنسا بلد متعدد القوميات، خصوصاً في ما يتعلق بالجاليات المسلمة. فبالمقارنة مع بقية بلدان أوروبا الغربية، تعيش في فرنسا أكبر الجاليات المسلمة التي هاجرت إلى أوروبا. حتى الآن نادراً ما أتخذت السلطات الفرنسية الإجراءات المناسبة لإزالة الأسباب التي كانت وراء المواجهات التي اندلعت قبل أربع سنوات في الضواحي التي تكتظ بالعوائل المهاجرة، والتي دارت في حينها على مدى أسابيع، ناهيك عن أنها لم تخل من سقوط قتلى وجرحى في صفوف الشباب المتمردين أو في صفوف الشرطة الفرنسية. نقاش عن الهوية الوطنية يدور في طول البلاد وعرضها. نقاش ستكون خلاصته فقط الاستفادة من قوة أصوات المنتخبين اليمينيين، أثبت بالذات عن طريق تلك الأحداث، بأنه يمكن أن يرتد بصورة سلبية أكثر. وهذا ما يراه أيضاً رئيس الوزارء السابق آلان جوبيه، الذي يضع نقاش مثل هذا في موضوع التساؤل، لكي لا تعود فرنسا وتأكل من الطبق نفسه.

=======================

صراع الأفكار والحرب بين الأجناس

22/11/2009

محمد خليفة

الخليج

ثمة دهشةُ ووجلُ يعتريان القسمات، هذا هو منظر الواقفين حزناً في وداع الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في أفغانستان وكانوا بين الغربة والحنين وكانت النهاية الرحلة الأبدية بعد أن فارقتهم الروح، وأدى الرئيس باراك أوباما وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التحية للجنود القتلى في قاعدة دوفر العسكرية في ولاية ويلوار، وعددهم 18 جندياً قتلوا في أسبوع واحد. وقد كان الرئيس يحمل ألماً كبيراً يتدفق من بين أصابعه وعلى سحنات وجهه ثم يغمض جفنيه ليحتفظ بصور التوابيت في الأحداق في لحظة وداع الجسد.

 

 وكانت الكلمات التأبينية تعكس مأساة الإنسان وعذاباته على صفحات العتمة والنقر على مرآة الماء مما تسببه الحروب من نهاية للإنسان والنهايات إلى الساعة الأولى ففي كل يوم قتلى وضحايا وكل يوم يمد العقل ميادين القتال بصنوف المهلكات والمدمرات، ويعم الميادين من الأرض إلى السماء ومن البر إلى الماء ويمعن في اختراع آلات الدمار، والسبب أن العالم سائر إلى فقدان الأخلاق السياسية أو الأخلاق العامة التي أساسها الإنسانية أو المبادئ التي تبعد وقوع الحروب.

 

ما فائدة هذه الحروب وماذا يكسب العالم من ورائها سوى الموت والدمار ولعل الحرب في أفغانستان أكبر دليل على هذه المأساة وذلك أن الجنرال الكندي ريك هيلي، القائد السابق لقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان قد أقرّ في تصريح له نشرته صحيفة “الخليج” يوم 23 أكتوبر ،2009 أن حلف الناتو لم يتوفر على أية استراتيجية لمهمته هناك، وأن الحلف يبلغ مرحلة الاحتضار والتحلل، ومن دون عملية إنقاذ فإن الحلف سيشهد نهايته في المستنقع الأفغاني. وجاء أيضاً إعلان اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن الولايات المتحدة تعتقل أكثر من 600 ألف شخص في سجن باجرام بأفغانستان. وربما لا يصدق المرء للوهلة الأولى، أن يكون هذا الكمّ الهائل من المعتقلين عند الجيش الأمريكي في أفغانستان، لكن تصريح هذه اللجنة الدولية للصليب الأحمر يشكّل دليلاً على حجم المأساة المتعاظمة في ذاك البلد المنكوب، ولا أحد يعلم الطريقة التي يتم بها اعتقال الناس هناك. غير أن هذا الرقم الكبير من المعتقلين يوحي بأن القوات الأمريكية وحلفاءها الغربيين يقومون باعتقال مئات الأشخاص يومياً منذ احتلال أفغانستان عام 2001.

 

 وبالتأكيد ليس كل من يتعرض للاعتقال مذنب أو متورّط في أعمال إرهابية كما جاء في إعلان اللجنة الوطنية للصليب الأحمر، بل لعل بعض المعتقلين الأبرياء قد تم الزجّ بهم في السجون. ولا شك أن هذا العدد الضخم من المعتقلين يحتاج إلى إيجاد معتقلات واسعة مزوّدة بفرق عسكرية مؤلفة من آلاف الجنود لحراستهم ولإطعامهم. وهذا الجهد غير ذي معنى ولا فائدة منه سوى أنه يرهق القوات الأمريكية بأعباء إضافية ويشوّه صورتهم في أعين الشعب الأفغاني وفي أعين الشعوب الحرّة الأخرى في العالم.

 

من جهة أخرى، فإن اعتقال هذا الكمّ الهائل من الأشخاص يفتح باباً للتساؤل عن معنى الديمقراطية والحرية والبناء. وبغضّ النظر عن حجم المعاناة التي يلاقيها هؤلاء المعتقلون في سجون وبيئة ومظلمة وتفتقد لأبسط حقوق الإنسان. فإن الزعم الغربي بأن أفغانستان تتجه إلى الاستقرار هو زعم بعيد عن المصداقية.

 

 إذ كيف يمكن لأحد أن يصدّق أن قوات حلف شمال الأطلسي قد نجحت في تحقيق الاستقرار في تلك البلاد، بينما يوجد كل هؤلاء المعتقلين في السجون؟ الواقع أن زيادة عدد المعتقلين يعني أن الاستقرار لم يتحقق، بل على العكس، فإن من يعتقل أبوه أو أخوه أو عمه أو أحد أقاربه أو معارفه على مجرّد الشبهة، سوف يتحول إلى مقاتل ليثأر من المحتلين. وربما هذا ما يفسر سبب ازدياد العمليات ضد قوات حلف شمال الأطلسي والتي أصبحت تشمل كل أفغانستان بعد أن كانت محصورة في الجنوب فقط. وفي مقابل اعتقال الناس، لا تعمل جيوش الاحتلال على دفع عملية البناء في هذا البلد المدمّر المحطم، بل كل شيء يتراجع إلى الخلف، وكل الوعود التي قدمت في ما سمّي “مؤتمر إعادة إعمار أفغانستان” الذي انعقد في اليابان عام ،2002 حيث تبرعت الدول المجتمعة آنذاك بأكثر من عشرة مليارات دولار للإعمار. لكن منذ ذلك المؤتمر لم يُبنَ بناء ذو فائدة في كابول ولا في سواها من المدن الأفغانية. وإذا كان ثمة مال دُفِع فإنه لم يذهب إلى الإعمار، بل لبناء المعتقلات، ولتصنيع آلات القتل والدمار، والواقع الأليم ينبئ بهذه الحقيقة.

 

 فالحكومة الأفغانية لا تسيطر إلاّ على جزء من كابول، وزراعة المخدرات، أصبحت اليوم مصدر الدخل الأساسي لملايين الأفغان الذين تقطعت بهم السبل ولم يعد أمامهم سوى زراعة المخدرات لقوت أنفسهم من الجوع، وليس للعيش في رفاهية، فمناظرهم مؤلمة بتلك الوجوه الشاحبة والثياب الرثّة والبيوت الطينية. وأصبح وطنهم محاصراً بالخوف والألم، فإنهم غير آمنين وغير مطمئنين على حاضرهم ولا مستقبلهم فالحرب الدائمة في بلادهم قد تقضي عليهم أو قد تحولهم كلهم إلى معتقلين.

 

 فمتى يتم تشكيل ثقافتهم نحو أعمال العقل من دون تشدد أو تعصّب والانغلاق والعداء للآخر فالعداء بين الأجناس سببه الاختلاف في العقلية وفي المظاهر الاجتماعية، بعّدت المسافة بينهم وعملت الوراثة والبيئة عملها في شدة التنافر والكراهية وأصبح الخلاف في العقلية والأخلاق وفي النظر إلى الأشياء وتقويمها سببا في هذا التنافر فالإنسان الأفغاني مفطور بحكم بدائيته على الاعتقاد بالخوارق والمعجزات ورؤية كل شيء منسوباً إلى القوى المتسيرة التي لا يراها، ولكنها تعمل عملها في كل شيء وهي العلل الحقيقية، وهدفه في الحياة طلب الخلاص من الحياة طمعاً في نعيم الآخرة ومن هنا فإن العمليات العسكرية خاسرة ولن تؤدي إلى نتيجة ما لم يتم رفدها بنمط ثقافي وثورة علمية في التفكير والقائمة على الميدان المادي وأحكام الإصلاحات في النظم والمعتقدات وبما يتماشى مع المجتمعات الإنسانية من أجل التأسيس لجيل أفغاني جديد يقبل الآخر ويشاركه في هذه الحضارة الإنسانية، فالعالم العربي والإسلامي يتمنى لأفغانستان الاستقرار وأن يتوقف هذا القتل والدمار وأن يعيش الشعب الأفغاني في سلام واستقرار.

============================

أوباما مقيداً

22/11/2009

جيفري دي. ساش

الخليج

من الصعب على المراقبين الدوليين حين يتابعون ما يحدث في الولايات المتحدة أن يفهموا أسباب الشلل السياسي الذي تمكن من البلاد، والذي بات يشكل تهديداً خطيراً لقدرة أمريكا على حل مشاكلها الداخلية والإسهام في حل المشاكل الدولية. إن أزمة الحكم في أمريكا هي الأسوأ في التاريخ الحديث. فضلاً عن ذلك فمن المرجح أن تتفاقم هذه الأزمة سوءاً في السنوات المقبلة.

 

إن الصعوبات التي تواجه الرئيس باراك أوباما في محاولة تمرير برنامجه الرئيسي، سواء في مجال الرعاية الصحية، أو تغير المناخ، أو الإصلاح المالي، يصعب فهمها لأول وهلة. فهو كشخص، يتمتع بشعبية كبيرة، وحزبه الديمقراطي يتمتع بالأغلبية في كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ. ورغم ذلك فإن أجندته متعثرة والانقسامات الإيديولوجية في البلاد تزداد عمقاً.

 

فقد بلغت شعبية أوباما بين الديمقراطيين في أوائل شهر نوفمبر/تشرين الثاني 84%، مقارنة بحوالي 18% فقط بين الجمهوريين. ويرى 58% من الديمقراطيين أن البلاد تسير في الاتجاه الصحيح، في حين يتبنى نفس الرأي 9% فقط من الجمهوريين. ولم يوافق سوى 18% من الديمقراطيين على إرسال قوات إضافية قوامها أربعون ألف جندي إلى أفغانستان، في حين أيد 57% من الجمهوريين زيادة القوات هناك. والواقع أن أغلبية كبيرة من الديمقراطيين (60%) يؤيدون خفض عدد القوات في أفغانستان، في حين يتبنى نفس الرأي 26% فقط من الجمهوريين. وهناك أيضاً مجموعة متوسطة من المستقلين (غير الديمقراطيين أو الجمهوريين) المنقسمين في الرأي على نحو أكثر تساوياً.

 

إن جزءاً من الأسباب وراء هذه الاختلافات الضخمة في وجهات النظر يرجع إلى حقيقة مفادها أن المجتمع الأمريكي تحول إلى مجتمع مستقطب على نحو متزايد. فقد اتسعت الانقسامات السياسية بين الأغنياء والفقراء، وبين المجموعات العرقية (أصحاب البشرة البيضاء من غير المنتمين إلى أصول أمريكية لاتينية في مواجهة الأمريكيين من أصل أفريقي أو أصل أمريكي لاتيني)، وبين الانتماءات الدينية، وبين المولودين في أمريكا والمهاجرين، وعلى طول عدد من خطوط الصدع الاجتماعية الأخرى. لقد تحولت السياسة الأمريكية إلى عالم سام عامر بالضغائن والأحقاد، مع تعمق الاقتناع بين صفوف اليمين المتطرف الصاخب بصورة خاصة بأن السياسة التي تتبناها الحكومة تعبر عن صراع يتساوى فيه المكسب مع الخسارة بين مختلف الفئات الاجتماعية والسياسية.

 

فضلاً عن ذلك فقد تعطلت العملية السياسية ذاتها. فمجلس الشيوخ يعمل الآن وفقاً لقاعدة غير رسمية تتلخص في أن الخصوم سوف يحاولون منع أي تشريع من المرور من خلال اللجوء إلى عرقلته بتكثيف المناورات الإجرائية لمنع طرح الاقتراح للتصويت. وللتغلب على محاولات العرقلة فلابد وأن يحشد المؤيدون ستين من مائة صوت، بدلاً من الأغلبية البسيطة. ولقد تبين أن هذا مستحيل فيما يتصل بالسياسات المثيرة للجدال حتى ولو حصل التشريع على موافقة الأغلبية البسيطة.

 

وهناك أزمة أخرى عميقة بنفس القدر، وتنبع من الدور الذي يلعبه المال في السياسة. فالآن أصبحت ضغوط الكواليس الخلفية التي تمارسها المؤسسات القوية تهيمن على المفاوضات الخاصة بصناعة القرار السياسي، والتي يستبعد الجمهور من المشاركة فيها بطبيعة الحال. ولقد تسبب أكبر اللاعبين، بما في ذلك وال ستريت، وشركات صناعة السيارات، وصناعة الرعاية الصحية، وصناعة التسليح، وقطاع العقارات، في إلحاق أشد الضرر باقتصاد الولايات المتحدة واقتصاد العالم على مدى العقد الماضي. وينظر العديد من المراقبين إلى عملية الضغط هذه باعتبارها نوعاً من الفساد المقنن، حيث يتم تداول كميات هائلة من الأموال بين أيدي اللاعبين، وغالباً ما يتم ذلك في هيئة تمويل الحملات الانتخابية، على سبيل المثال، في مقابل سياسات وأصوات محددة.

 

وأخيراً فإن الشلل السياسي المحيط بالميزانية الفيدرالية الأمريكية ربما يلعب الدور الأكبر على الإطلاق في أزمة الحكم الوشيكة في الولايات المتحدة. فقد أصبح الرأي العام الأمريكي معارضاً على نحو متزايد لتحمل ضرائب أعلى، ورغم ذلك فإن مستوى اتجاه الضرائب (التي يبلغ مجموعها حوالي 18% من الدخل الوطني) لا يكفي لتغطية تكاليف الوظائف الأساسية للحكومة. ونتيجة لذلك فقد فشلت حكومة الولايات المتحدة الآن في توفير الخدمات العامة الكافية، مثل البنية الأساسية الحديثة (السكك الحديدية السريعة، وتحسين معالجة النفايات، وتحسين خدمة الاتصالات الفائقة السرعة)، والطاقة المتجددة اللازمة لمكافحة تغير المناخ، والمدارس اللائقة، وتمويل الرعاية الصحية لغير القادرين على تحملها.

 

لقد أدت المقاومة القوية لفرض ضرائب أعلى، إلى جانب قائمة متنامية من الاحتياجات الملحة غير المشبعة، إلى حالة القصور المزمن في الأداء التي أصابت حكومة الولايات المتحدة فضلاً عن المستوى المتزايد الخطورة من العجز في الموازنة والدين الحكومي. ففي هذا العام من المنتظر أن تسجل الموازنة عجزاً قياسياً يبلغ 10% من الناتج الوطني الإجمالي، وهذه النسبة أعلى كثيراً من نظيراتها في البلدان الأخرى ذات الدخل المرتفع.

 

وحتى الآن يبدو أوباما عاجزاً عن الخروج من المأزق المالي. ففي انتخابات عام 2008 كان قد وعد بعدم زيادة الضرائب على أي أسرة يقل دخلها عن 250 ألف دولار أمريكي سنوياً. والواقع أن هذا التعهد بعدم فرض ضرائب جديدة، بالإضافة إلى المواقف العامة التي قادت أوباما إلى بذل ذلك التعهد، يحول دون فرض سياسات معقولة.

 

وقد تتفاقم العوامل المسببة للشلل في السنوات المقبلة. فقد يستمر العجز في الموازنة في منع أي تصرف معقول في التعامل مع الاحتياجات الملحة. وقد تستمر الانقسامات المحيطة بالحرب في العراق وأفغانستان في منع حدوث أي تغيير حاسم في السياسات، مثل سحب القوات. فضلاً عن ذلك فإن رغبة الجمهوريين في إلحاق الهزيمة بالديمقراطيين قد تقودهم إلى استخدام كل مناورة ممكنة لعرقلة التصويت وإبطاء الإصلاحات التشريعية.

 

إن إحراز أي تقدم سوف يتطلب تغييراً كبيراً في الاتجاه. فلابد وأن تنسحب الولايات المتحدة من العراق وأفغانستان، حتى تتمكن من توفير 150 مليار دولار سنوياً وتخصيصها لأغراض أخرى والحد من التوترات الناجمة عن الاحتلال العسكري. وسوف يكون لزاماً على الولايات المتحدة أن تزيد الضرائب حتى تتمكن من تغطية تكاليف حوافز الإنفاق الجديدة، وخاصة في مجالات الطاقة المتجددة، وتغير المناخ، والتعليم، وإغاثة الفقراء.

ولتجنب المزيد من الاستقطاب والشلل في السياسة الأمريكية فلابد وأن يبذل أوباما المزيد من الجهد لضمان حمل الأمريكيين على فهم الحاجة الملحة إلى التغييرات التي وعد بها. ولن يتسنى للولايات المتحدة استعادة الحكم الفعّال من دون هذه التغييرات، بما في ذلك إصلاح أساليب الضغط.

أستاذ علوم الاقتصاد ومدير معهد الأرض بجامعة كولومبيا،

والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت”

================================

ما الدور الروسي المطلوب في الشرق الأوسط؟

بقلم :ليونيد ألكسندروفتش

البيان

22-11-2009

تعامل روسيا مع الصراع في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، بدرجة كبيرة من الاهتمام، وتضعها على أولويات أجندتها في السياسة الخارجية، خاصة في الجزء من المنطقة الذي تتعامل معه روسيا كجزء ليس ببعيد عن أمنها الإقليمي، وتسعى موسكو إلى الإسهام في قيام الشرق الأوسط، هذه المنطقة الكبيرة والمهمة، وإيجاد الظروف المؤاتية من أجل تعزيز الجهود الجماعية الهادفة إلى تسوية المشاكل الحادة في المنطقة، وعلى رأسها الصراع العربي  الإسرائيلي.

 

ولا شك أن عملية السلام في الشرق الأوسط ليست الآن في أفضل أوقاتها، وخاصة بعد أحداث غزة المأساوية؛ فعلى أثرها توقفت الاتصالات والحوار على كافة المحاور، وتم تجميد الاتصالات الفلسطينية  الإسرائيلية، وأيضا الحوار بين سوريا وإسرائيل عبر الوساطة التركية.

 

وفي روسيا ينظرون إلى الأمور بواقعية ولا يستسلمون لليأس، وترى موسكو دائما أن الفرص ما زالت متوافرة أمام تسوية شاملة ودائمة لهذا الصراع. لكن هذا يعتمد  قبل كل شيء  على الأطراف المعنية، وعلى إرادتهم السياسية وقوة سعيهم لذلك. والأساس لذلك هو مبادئ القانون الدولي والقرارات الدولية، ومؤتمر مدريد، وخريطة الطريق، وبيانات اللجنة الرباعية، وكذلك المبادرة العربية للسلام.

 

وهذا في مجموعه يجب أن يمثل خطة عمل اللجنة الرباعية وكافة الجهود الدولية. وفي روسيا يرون أنه لا حاجة لاختراع وصفات جديدة في المنطقة، لأن كل شيء بات مطروحاً، ولم يعد هناك أي جديد مخفي، والمهم أن تنفّذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها، وعدم اتخاذ أي إجراءات أحادية من شأنها أن تمسّ بعمليات التسوية التي ترتبط أساساً بمسألة الوضع النهائي للفلسطينيين.

 

الآن، الجميع متفقون على مبدأ إقامة الدولة الفلسطينية التي تعيش بسلام وعلاقات حسن جوار مع إسرائيل، أو ما يسمى بحل الدولتين.. تتمحور المسألة حول البدء الفعلي بهذه المفاوضات، ولكن من أجل هذا من المهم أن نتبع النقطة الأساسية للقانون الدولي، الأمر الذي يفرض على الجانب الفلسطيني اتخاذ خطوات لتعزيز الأمن، وكذلك إيقاف النشاط الاستيطاني من الجانب الإسرائيلي. ومن المهم الحذر الشديد للغاية حيال التصرفات في قضايا حساسة، مثل مشكلة القدس الشرقية.

 

بعد مؤتمر نيويورك بدأ الفلسطينيون والإسرائيليون، بمساعدة الأميركيين وغيرهم من الأطراف المعنية، بالبحث عن صيغة من شأنها أن تذلّل العقبات وتعيد مفاوضات السلام إلى مجراها. ومن الممكن أن يكون مؤتمر موسكو بداية لذلك، وهذا الموضوع نوقش من قبل اللجنة الرباعية، وطبيعي أن لقاءً كهذا يجب أن يتم الإعداد له بشكل جيد. بمعني أنه يجب أن نعطي دفعة للمسار الفلسطيني  الإسرائيلي، وكذلك السوري  الإسرائيلي، والإسرائيلي  اللبناني أيضاً، والبدء بمناقشة هذه المسائل الملحّة لجميع دول هذه المنطقة.

 

أمّا اليوم، وبعد أن دخلت الاتصالات بين إسرائيل وجيرانها في (استراحة)، يصعب ملء الشقّ العملي في المؤتمر، ولذا يجب على موسكو ألا تتسرّع في إعلان عقد المؤتمر. ومن المهم الإشارة إلى أن المؤتمر يجب أن يناقش مسائل معقدة، لن ننجح من دونها في إحلال السلام في المنطقة، بينها الأمن الإقليمي والبيئة والمياه والتعاون الاقتصادي. بمعنى آخر، إن المطلوب من المؤتمر أن يشكّل رافعة أساسية ونقطة انطلاق لدفع التسوية. لذلك يجب عدم التسرع في إعلان المواعيد قبل أن تنضج الظروف لإنجاح أعمال المؤتمر.

 

روسيا الآن على علاقات طيبة وودية مع إسرائيل، وهي أيضا منذ البداية مع الوحدة الفلسطينية، والجميع يعلم أن روسيا على علاقة جيدة بقيادة حماس، وتتكلم بصراحة مطلقة مع الفلسطينيين، بمن فيهم قيادة حماس، وتحثهم على أن يكونوا على مستوى المسؤولية حيال الوضع السياسي الحالي والتطلع إلى مستقبل شعبهم، كما أن لروسيا علاقات طيبة وجيدة مع كافة الأطراف الإقليمية، سواء سوريا أو إيران أو لبنان بكافة تشكيلاته من معارضة وموالاة ومقاومة.

 

ومن هذا المنطلق لا يجوز لأحد أن يزايد ويكابر ويقول إن الدور الروسي ليس له أهمية، أو أن مؤتمر موسكو لا جدوى من ورائه، بل الأصح أن الدور الروسي هو المتبقي والمطلوب الآن لتفعيل كل المبادرات الأخرى.

كاتب روسي

============================

نحو السلام والاستقرار في شمال شرق آسيا

بقلم :سيتسوو أوموري

البيان

22-11-2009

وردتنا رسالة مطولة من السفارة اليابانية في دولة الإمارات، ردا على مقال للكاتبة الروسية د. جانا بوريسفنا حول العلاقات الروسية اليابانية، نشرته «البيان» في 29/7/2009.

 

ومع أن الآراء المنشورة في صفحات الرأي، لا تعبر بالضرورة عن رأي «البيان»، كما هو مثبت بوضوح في هذه الصفحات، فإننا ننشر هنا رد السفارة اليابانية، التزاما بحق الرد وانسجاما مع قناعتنا بتنوع الآراء ومبدأ الحوار. وقد اضطررنا لاختصار الرد، لأسباب فنية، ومراعاة لحجم المقالة الأصلية التي استوجبته.

 

مضى أكثر من ستين عاما منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولكن اليابان وروسيا (الاتحاد السوفييتي سابقاً) لم تتوصلا بعد لاتفاقية سلام، والسبب في ذلك يعود إلى وجود قضية نزاع إقليمي لم يتم حله بينهما بخصوص الأقاليم الشمالية (جزرإيتوروفو، كوناشيري، شيكوتان، هابوماي). هذه الجزر الأربع هي أقاليم يابانية توارثها اليابانيون جيلا بعد جيل، ولم تكن أبداً تابعة لأي دولة أخرى.

 

لطالما كان حل النزاع حول الأقاليم الشمالية قضية مؤجلة بين اليابان وروسيا، ولطالما كان بناء شراكة استراتيجية حقيقية بين الدولتين الجارتين عن طريق حل النزاع حول الجزر الأربع والتوصل إلى اتفاقية سلام، موضوعًا ذا أهمية بالغة، ليس فقط لليابان، وإنما لروسيا أيضًا.

 

وبالنسبة إلى خطة العمل الروسية اليابانية التي تبناها قادة الدولتين في عام 2003، فقد تطورت العلاقات اليابانية الروسية كثيراً في مجالات عدة، ولكن لا يمكننا القول بأن هذا المستوى من التقدم كاف. فعلى سبيل المثال، مع أن التجارة نمت بشكل ثابت في السنوات الأخيرة، آخذين بعين الاعتبارأن اليابان هي ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، وأن الدولة المجاورة، روسيا، غنية بمواردها الطبيعية وبقوتها التكنولوجية، فإن قيمة التبادل التجاري بين البلدين لا تزال متدنية. بالإضافة إلى ذلك، ومع اعتبار الوضع في شمال شرق آسيا حيث يقع البلدان، فإن بناء شراكة حقيقية بين اليابان وروسيا، وحل قضية الأقاليم الشمالية لن يحقق الكثير من مصالح اليابان وروسيا فقط، وإنما سيحقق السلام والاستقرار في المنطقة كاملةٌ.

 

إن بيان طوكيو للعام 1993، الذي وقعه قادة اليابان وروسيا خلال زيارة لليابان قام بها أول رئيس للاتحاد الروسي (بوريس يلتسن)، قد أكد على المبادئ المشتركة لمحادثات اتفاقية السلام وأكدت على التوصل إلى «اتفاقية سلام وحل قضية جزرإيتوروفو، كوناشيري، شيكوتان، هابوماي»، كما أسس الإعلان للخطوط العريضة للمباحثات، مشيراً إلى أن قضية الأقاليم يجب أن تحل استناداً إلى الحقائق التاريخية والقانونية، واستناداً إلى مبادئ الحق والعدالة، وبأن أية مباحثات مستقبلية يجب القيام بها بشكل يتماشى مع المبادئ التي حددتها الدولتان.

 

وفيما يتعلق بموقف اليابان في حالة تم التأكيد على غزو الأقاليم الشمالية لها، فإنها مستعدة للتصرف بشكل مرن بخصوص طريقة وتوقيت الاسترجاع الحقيقي للجزر. بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من أن المواطنين اليابانيين الذين عاشوا في السابق في الأقاليم الشمالية، قد أجبرهم جوزف ستالين على الرحيل، فإن اليابان ترغب في تحديد اتفاق مع الحكومة الروسية يضمن أن لا يمر المقيمون الروس القاطنون هناك بمأساة مشابهة. وبمعنى آخر، بعد استعادة اليابان للجزر، فإنها ستحترم حقوق ومصالح ورغبات المقيمين الروس في الجزر.

 

لقد اكتشفت اليابان واستطلعت الأقاليم الشمالية قبل أن يصل إليها الروس، ومع بداية القرن التاسع عشر، أحكمت اليابان السيطرة على الجزر الأربع. وفي النصف الأول من القرن التاسع عشر عرفت روسيا حدودها الجنوبية عند جزيرة أوروبو (جزيرة تقع شمال جزيرة إيتوروفو).

 

بموجب اتفاقية التجارة والملاحة وترسيم الحدود (اتفاقية شيمودا) عام 1855، أكدت كل من روسيا واليابان، وبشكل سلمي، على أن الحدود بين الدولتين تقع بين جزيرتي إيتوروفوو وأوروبو.

 

وبموجب معاهدة استبدال جزيرة ساخالين مقابل جزر الكوريل (1875)، تخلت اليابان عن جزيرة ساخالين لروسيا مقابل جزر الكوريل.

 

وفي معاهدة سلام بورسموث التي أنهت الحرب بين اليابان وروسيا عام 1905، أخذت اليابان الجزء الجنوبي من جزيرة ساخالين الواقع على 50 درجة شمال خط العرض من روسيا.

 

وفي أغسطس 1941، أصدر قادة الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة إعلان مبادئ عرف باسم «ميثاق الأطلسي»، كان عبارة عن مجموعة من المبادئ المرشدة للدول المتحالفة في الحرب العالمية الثانية. وقد أكدت هذه الاتفاقية على أن لا تسعى أي من الدولتين لأي توسع إقليمي عن طريق الحرب (أعلن الاتحاد السوفييتي التزامه بالاتفاقية في سبتمبر 1941). ثم جاء بيان القاهرة في نوفمبر 1943 مؤكداً على هذا المبدأ من ميثاق الأطلسي، ونص على خروج اليابان من جميع الأقاليم التي «أخذتها بعنف وجشع». ولكن، وبالاطلاع على الخلفية التاريخية، فإن اليابان لم تأخذ الأقاليم الشمالية «بعنف وجشع».

 

ومنذ عام 2006، وفي لقاءات القمة التي عقدت بينهما بمناسبة اجتماع القادة الاقتصاديين لمنظمة التعاون الاقتصادي الآسيوي  الباسيفيكي APEC)، أو على صعيد قمة الثمانية الكبار، اتفق الجانبان على إعطاء التوجيهات لتحقيق التقدم في ما يخص معاهدة السلام التي يعتبر إنجازها عموداً أساسياً في خطة العمل اليابانية الروسية، كما اتفقا على أن كلا البلدين سيبذل قصارى الجهود لتحقيق ذلك.

وزير، نائب رئيس البعثة الدبلوماسية اليابانية في الإمارات

Setsuo.ohmori@mofa.go.jp

============================

مصر - الجزائر: أمر مخجل حقا!

النهار

22-11-2009

علي حماده

ali.hamade@annahar.com.lb

لم يكن ينقص العرب سوى ان يقتتلوا في ما بينهم بسبب مباراة كرة قدم لن تقدم او تؤخر في حياة 80 مليون مصري و40 مليون جزائري يعيش معظمهم في ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية لا يحسدون عليها. ولم يكن ينقص جامعة الدول العربية سوى ان تصير في حالة استنفار لفك الاشتباك المصري – الجزائري، فيما تقف عاجزة امام ازمة اليمن المتفاعلة على كل الصعد، والتي تتحول ازمة اسلامية – اسلامية، وعربية – فارسية في آن واحد.

انتهت مباراة مصر – الجزائر في السودان باشتباك سياسي – اعلامي – شعبي بين بلدين دفعت في اتجاهه التوظيفات السياسة في البلدين: فالتحريض الاعلامي والشعبي كان من صنع السياسة في البلدين : في مصر المأزومة بخلافة الرئيس حسني مبارك، والجزائر المأزومة بمعادلة الرئيس بوتفليقة – الجيش في الحكم. فتحولت المباريات احتشاداً سياسياً لابناء الرئيس مبارك من جهة، ولاخوة الرئيس بوتفليقة من جهة اخرى، فيما سخرت كل وسائل الدعاية العدوانية من كل طرف في حق الطرف الآخر. وما كانت الاعتداءات الاولى التي استهدفت الفريق الجزائري في القاهرة قبل ساعات من مباراة الذهاب سوى فرصة ذهبية استغلها الحكمان، وخصوصا بعدما بدأت الاعتداءات على المواطنين المصريين في الجزائر. وهنا يتفق المراقبون على ان القيادتين السياسيتين في البلدين عملتا على تأجيج المشاعر، وتهييج الناس، و"ابلسة" الفريق الآخر، وركوب الموجة الشوفينية المتخلفة في كلا البلدين.

نحن لا نذهب مذهب القائلين بكلام انشائي بأن الانتماء الى أمة عربية واحدة ينبغي ان يغلب كل اعتبار آخر. فالتنافس، وحتى التنابذ يحصل ضمن الدوائر الصغرى. ولا نقول ان المهم ان يتأهل فريق عربي، بل نقول ان المهم ان يتأهل الفريق الافضل أكان عربيا ام افريقيا. وأبعد من ذلك، نقول إن الصدامات بين جماهير المشجعين ليست مسألة غريبة، بل انها حصلت وتحصل وستحصل في كل مكان. فالهوليغانز الانكليز الذين أشعلوا ملاعب كرة القدم وشوارع المدن الاوروبية المضيفة بالشغب والتكسير، وقبل منعهم من ارتياد الملاعب، لم يتسببوا بإشعال صدامات سياسية بين الدول، ولم يشعلوا حروبا قومية جديدة في اوروبا. وتركت الامور لمعالجات الاجهزة الامنية، واتحادات الكرة والفرق المعنية. ولعل الدرس الكبير الذي نتوقف امامه لنتعظ، ما حصل في مباراة التأهيل الاخيرة بين فرنسا وايرلندا، وقد تسبب خلالها اللاعب الفرنسي تييري هنري بلمسه الكرة بيده بتسجيل هدف الانتصار الذي أهّل فرنسا للادوار النهائية واخرج ايرلندا. لم يخرج الايرلنديون لمحاصرة سفارة فرنسا في دبلن، ولم يخرج السياسيون ليتساجلوا بالردح والشتم. حتى اللاعب تييري هنري اعترف بخطئه ورأى أن طلب ايرلندا إعادة المباراة محق. ومن تابع وسائل الاعلام الفرنسية لاحظ كيف ان معظم المعلقين، ان لم يكن جميعهم، اعترفوا بالخطأ، وتواضعوا امام موقف ايرلندا، واحسوا بكثير من الخجل بالانتصار الناقص. ومع ان الاتحاد الدولي لكرة القدم لم يقبل بإعادة المباراة وثبت انتصار فرنسا، لم نشاهد في باريس مظاهر فرح صاخبة، ولا شهدنا في دبلن مظاهر شغف غاضبة. والاغرب ان تتزامن مباراة مصر – الجزائر وفرنسا – ايرلندا، وان تشتعل مدن فرنسا من مارسيليا الى باريس بتظاهرات سيارة حولت الليل نهاراً، حتى اغلقت جادة الشانزيليزيه، لا بسبب مباراة فرنسا وإنما بسبب مباراة الجزائر!

ان الصخب المصري – الجزائري حول المباراة سياسي، واسبابه داخلية، والجماهير سيقت الى حيث اراد الرعاة، هي نفسها الجماهير التي تشتعل دوريا امام الفضائيات، وهي مأخوذة بمن يوظفون آلام الناس في سياقات مصالح سياسية باردة تزيد الصدوع في الجسم العربي، وتؤجج الفتن في كل مكان. انظروا الى لبنان وغزة واليمن....

انه لأمر مخجل حقا!

=========================

عنف الكرة وعنف السياسة

الأحد, 22 نوفمبر 2009

عبدالله اسكندر

الحياة

لنفترض ان ما حدث في مبارة التأهيل لكأس العالم لكرة القدم بين منتخبي ارلندا وفرنسا حصل خلال المباراة المماثلة بين منتخبي الجزائر ومصر اللذين لعبا في الخرطوم في اليوم نفسه، يمكننا ان نتخيّل ان مدى العنف بين انصار المنتخبين العربيين قد يصل الى حدود الحرب بين البلدين، وربما بين احدهما وبين بلد حكم المباراة.

اللعب بين الجزائر ومصر كان نظيفاً. وسجل المصريون اهدافاً نظيفة في المبارة الأولى في القاهرة. وسجل الجزائريون هدفاً نظيفاً في المبارة الثانية في الخرطوم أهلهم لكأس العالم. اذا كان الأمر كذلك وحصل ما حصل بين انصار الفريقين، فماذا كان يمكن ان يحصل لو ان نتيجة المباراة حسمها خطأ أحد اللاعبين، كما فعل تييري هنري بيده لينتزع التأهيل لبلده؟ علماً ان "الفيفا" ترفض اعادة اللعب في مثل هذه الحال.

احتج الإرلنديون على النتيجة المرتبطة بخطأ في اللعب، ورفض الفرنسيون اعادة المباراة وأيدتهم "الفيفا" في ذلك. ولم يُلاحظ اي نفير اعلامي واستدعاء ديبلوماسي ولا تكسير ولا هجمات على السفارات. واستمرت العلاقات الفرنسية - الإرلندية، الرسمية والشعبية، كما كانت عليه قبل المباراة الفاصلة. ومثل هذا الأمر يُلاحظ ايضاً في كل مباراة دولية، بما فيها تلك التي يكون منتخب عربي منافساً فيها. كما لم تتحول اي بطولة عربية لكرة القدم حرباً ضروساً بين البلدان المشاركة فيها.

ما حصل بين الجزائر ومصر، اذن، لا علاقة له بلعبة كرة القدم. كما ان لا علاقة له بمجرد كون المنتخبين عربيان. اللوم لا يقع على اللعبة التي تتحول، لمناسبة كأس العالم، اوسع ساحة للتلاقي والتعارف بين شعوب الأرض قاطبة. ولا يقع على العرب لمجرد العنف الذي صاحب المباراة الجزائرية - المصرية.

لقد تبرع "عقلاء" عرب بالتنديد باللعبة وبنعي القومية العربية، وراحوا يستنكرون ممارسات لا تمت بصلة الى المعارك القومية الكبرى التي يخوضها العرب. وراحوا يلقون الدروس في السياسة الوحدوية. وكأن ثمة اعلاناً صريحاً ورسمياً من دولتي مصر والجزائر بالتخلي عن الانتماء العربي والمصالح العربية المشتركة المفترضة. اي كأن تغييراً سياسياً كبيراً طرأ في البلدين بفعل هذه المباراة. وذهب احد هؤلاء "العقلاء" الى الدعوة الى "نزع فتيل الفتنة" الذي هو في هذه الحال لعبة كرة القدم. بما يوازي الدعوة الى منع مباراة كرة القدم بين البلدان العربية! ناهيك عن فتاوى، استصدرتها فضائيات، تكاد تلعن لاعبها وناقلها ومشاهدها ايضاً!

اذا كان مستوى العنف الذي رافق المباراة المصرية - الجزائرية غير مسبوق لجهة تحوله الى مشكلة بين بلدين، فإن ملاعب كرة القدم لا تخلو من هذا العنف الذي ينبغي التفتيش عن دوافعه في غير السياسة والعزة القومية (ثمة دراسات كثيرة توضح معنى هذا العنف في ملاعب كرة القدم تشدد كلها على عوامل نفسية وشخصية لمرتكبيه). وكأي عنف كروي لا يخرج ما حصل في القاهرة ومن ثم في الخرطوم، بين مشجعي المنتخبين وأنصارهما، عن هذه الدوافع. قبل ان تتحول المناسبة حدثاً وطنياً يتعلق بالعزة والكرامة السياسيتين، وحملة سياسية متبادلة تطاول الدولة ونظامها السياسي.

فما حصل من حملات سياسية متبادلة ينبغي التفتيش عنه في الوضع السياسي الداخلي في كل من البلدين، وليس في كرة القدم وعنف المشجعين. اذ تظهر الأمور وكأنه في لحظة سياسية معينة، في كل من مصر والجزائر، ثمة حاجة الى قيادة معركة سياسية صاخبة تجد جمهوراً شعبياً واسعاً مستعداً للانخراط فيها. فيُضاف عنف الملاعب الى عنف السياسة الداخلية. وتنفجر الأمور على النحو الذي شاهدناه في القاهرة والجزائر.

ويمكن الجزم ان شيئاً من كل ذلك لم يكن ليحصل لو ان المباراة كانت بين الجزائر وأي بلد عربي آخر غير مصر، او انها كانت بين مصر وأي بلد عربي آخر غير الجزائر. لقد حصل ما حصل لأن المباراة أجريت بين البلدين المعنيين في لحظة سياسية محددة بالنسبة الى كل منهما. وليس لأن كرة القدم تحض على العنف او ان العرب يلجأون الى العنف من اجل تفريغ احباط قومي ما مُفترض.

==============================

استراتيجية أفغانستان تحتاج إلى القوة

مايكل غيرسون

الشرق الاوسط

22-11-2009

أخيرا، يبدو أن قرار الرئيس أوباما بشأن استراتيجية أفغانستان  من المتوقع أن يصدر خلال الأسابيع القليلة المقبلة  قد أصبح وشيكا. فبعد عملية اعتبرها البعض ترددا بينما احتفى بها البعض باعتبارها ترويا، يبدو أن كل الخيارات الجادة تتضمن المزيد من الالتزام الأميركي في أفغانستان؛ وذلك حيث أكدت أفضل القيادات العسكرية الأميركية أن إنقاذ الوضع في أفغانستان يتطلب تغييرا حادا في الاستراتيجية، بالإضافة إلى زيادة الموارد. كما يحتاج السكان الأفغان إلى المزيد من الأمن وهو ما سيجعل القيادات المحلية أكثر أمنا وتعاونا، وهو ما سيزيد بالضرورة من فعالية الاستخبارات؛ وهي دائرة القوة نفسها التي نجحت في العراق. ولكن وكما في العراق فإنها تتطلب إرسال المزيد من القوات. وما زال حجم تلك الزيادة  بين 40% و60% بالإضافة إلى عدد القوات الحالي  يثير الجدل. ورغم أن ولع أوباما بالنأي بنفسه عن أوجه الاختلاف ربما يؤدي إلى وضع استراتيجية لا تفي بالغرض منها، فإن كل الخطط التي تتم مناقشتها حاليا تتضمن تجديد الالتزام بالأهداف العسكرية الأميركية في أفغانستان.

وبغض النظر عن مدى صعوبة الجدل الدائر حول الاستراتيجية، فإنها ليست سوى البداية بالنسبة لأوباما. فبمجرد أن يتخذ أوباما قراره سيواجه تحديا جديدا يتعلق بالخطاب الذي سيقنع من خلاله الجمهور المتشكك والكونغرس الديمقراطي غير المرحب بضرورة زيادة التضحيات التي تقدم في أفغانستان.

وربما يكون قراره الفعلي الذي من المتوقع الإعلان عنه في وقت قريب غير واضح، ولكن الخيارات العسكرية للدولة يجب أن يعلن عنها بشكل واضح تماما؛ حيث إن مهمة القيادة الرئاسية وقت الحرب هي أن تحول الاستراتيجية المثيرة للجدل إلى التزام قومي. وما زلنا ننتظر أن يكون أوباما على ذلك النحو من القيادة؛ حيث إن خطابه كان حتى الآن يركز على الشؤون المحلية. ولم يبدأ أوباما حديثه حول أفغانستان والعراق إلا بعدما لم يعد أمامه خيار آخر؛ فقد كان يضع هذين الحربين ضمن فئة المشكلات الموروثة، وهي مشاكل أقل قومية من المشكلات المباشرة المتعلقة بالدين.

وقد حاولت خطابات أوباما الدولية مثل خطاب القاهرة والأمم المتحدة أن تتجاوز الخلافات الأيديولوجية لا أن تتخذ موقفا واضحا منها.

ومن ذلك المنطلق، وجه العالم العديد من الانتقادات إلى أميركا، كان بعضها غير عادل ولكن أميركا كان لديها العديد من الثغرات والإخفاقات كذلك. ولحسن الحظ، انتهت تلك الحالة من سوء التفاهم، يرجع ذلك بالأساس إلى وصول أوباما إلى منصبه.

ويمكنك أن تطلق على ذلك ما شئت  ربما يأتي إلى ذهنك النرجسية  ولكن ذلك ليس له علاقة بالقيادات في وقت الحرب (سواء كانت باردة أم غير باردة) مثل فرانكلين روزفلت ورونالد ريغان. فقد عبرا عن انحياز واضح لأحد أطراف الانقسام الأيديولوجي، الجانب الذي يتضمن الحرية والاستقلال السياسي، وكانا يعكسان قوة حديدية كامنة خلف سحرهما الخارجي وهو ما ألهم الجنود الأميركيين وأربك أعداء أميركا.

وحتى فيما يخص الأولويات المحلية مثل الرعاية الصحية، فإن أوباما يتعامل بطريقة مهنية أكثر منها عاطفية وبطريقة وصفية أكثر من كونها ملهمة. وفي ما يتعلق بالجانب المأسوي  مثل حادث إطلاق الرصاص بفورت هوود  التزم أوباما الصمت على نحو غريب كما التزم بالتهدئة. ما الذي يثير غضب أوباما إذن؟ وما الذي يمكن أن يدفع أوباما إلى التضحية بشعبيته، وكبريائه ورئاسته؟

لقد كان أوباما في بعض الأحيان يتهم بأن لديه ضعف كارتر. ولكن في ما يتعلق بسمات الشخصية، فإن المقارنة التاريخية الأكثر ملاءمة هي مقارنته بالرئيس السابق وودرو ويلسون الذي كان عقلانيا وهادئا ومتحفظا على الأقل علانية. وتقديرا لذاته، كان يصف ويلسون نفسه بأنه «شخصية غامضة وميالة إلى الحدس، تميل إلى الآراء والانحياز الأكاديمي أكثر من الدوافع والأهواء الإنسانية».

ونظرا لأنه انتخب كإصلاحي تقدمي، دخل ويلسون الحرب العالمية الأولى بتردد ليبرالي عميق، ولكنه أصبح بعد ذلك قائدا لها. فقد قال في عام 1919: «أكرر»، «إن الأمهات اللاتي فقدن أولادهن في فرنسا أتين إلي وأخذن بيدي وهن يبكين قائلات «باركك الله، أيها الرئيس!» فما الذي يدفع المواطنين إلى الدعاء بالبركة لي؟ وأنا من نصح كونغرس الولايات المتحدة بخلق الموقف الذي أدى إلى موت أولادهم. وأنا من أرسل أولادهم إلى الخارج. وأنا من وافق على وضع أولادهم في أكثر المناطق خطورة في المعركة والتي بها يكون الموت محققا. فلماذا يبكون على يدي ويدعون لي بالبركة؟ لأنهم يؤمنون بأن أولادهم قد ماتوا من أجل شيء يتجاوز أي شيء حالي أو أي خسائر مادية. فهم يعتقدون، وهم على حق في ذلك؛ بأن أولادهم أنقذوا حرية العالم».

بمجرد اتخاذه قرارا بشأن أفغانستان، فسيحتاج أوباما إلى خطاب مماثل كما سيحتاج إلى قضية مشابهة. ففي أفغانستان وغيرها من الأماكن البعيدة، ينقذ أولاد وبنات أميركا حرية العالم.

===========================

الصحافي يحب الشفافية والمسؤول يكرهها

زين الشامي

الرأي العام

22-11-2009

منذ زمن طويل وأنا أسعى لفهم العلاقة الملتبسة بين الصحافي والمسؤول السياسي، أو دعونا نقل المسؤول بشكل عام مهما كان موقعة ومكانته، في الوقت ذاته لا يمكن نفي أن هذه العلاقة ضرورية لكليهما، ومن دونها يخسر كلاهما الكثير من وظيفته وفعاليته. هل هي علاقة قائمة على الرباط الإجباري؟ ربما.

الصحافي على سبيل المثال لا يمكنه أن يعيش ويكتب الأخبار، وربما المانشيتات العريضة، لولا معلومة مهمة حصل عليها من هذا المسؤول أو ذاك، صحيح أن ذلك بات يتطلب اليوم علاقة خاصة وثقة متبادلة بين الصحافي والمسؤول، لكن يجب أن نعترف أن هناك الكثير من اللقاءات والمقابلات الصحافية فيما «السبق الصحافي» قليل جداً، إذ غالباً ما يسعى المسؤول للتكتم الشديد على المعلومة، أو يسعى للاستفادة من الصحافي ووسيلته الإعلامية من أجل أن يصنع دعاية لنفسه، أو حزبه، أو حكومته، أو وزارته التي يعمل فيها، في الوقت نفسه الذي يسعى الصحافي للتنقيب بين كلمات المسؤول على معلومة مهمة وجديدة تهم القراء، أو المشاهدين، أو المستمعين عله يخرج بمادة صحافية مميزة يتفاخر بها أمام رئيسه المباشر وزملائه، وربما أمام زوجته، أو صديقته.

الصحافي يدرك أن المسؤول وهو في موقع المسؤولية، هو شخص بعيد كل البعد عن الشفافية، وهو ربما يكره هذه الكلمة، ويأتي ذلك من باب حرصه على موقعه، أو خوفاً من السؤال والتحقيق من المسؤول الأعلى، لذلك ليس غريباً أن يشعر الصحافي بالملل الشديد حين يستعرض المسؤول انجازات الحكومة، أو الوزارة، ويتحدث بإسهاب وبتزلف ونفاق عن «عبقرية القائد» وإبداعه، و«صواب السياسة الخارجية حيث اعترف العدو قبل الصديق بدقة ومصداقية مواقفنا».

نقول ربما يشعر الصحافي بالملل الشديد، أو ربما يتثاءب أو يضحك في نفسه لأنه يعرف تماماً المآسي التي يعيشها المواطن العادي، ويعرف حجم الفقر والبطالة وكم من الشباب الذين يقفون كل يوم على أبواب السفارات بحثاً عن فرصة للعمل في الخارج بعدما ضاقت بهم السبل في بلدانهم وسدت كل الأبواب في وجوههم.

أقول كل ذلك بمناسبة لقاء جمعني بمسؤول أخيراً، حيث راح يحدثني كيف أن «العالم جميعه اعترف بحكمة القائد وبصوابية مواقفنا في السياسة الخارجية، وكيف أن دولاً أوروبية وغربية، وحتى الولايات المتحدة قد غيرت من مواقفها وسياستها السابقة القائمة على الإملاء والعنجهية لتحل محلها سياسة جديدة وندية قائمة على الاعتراف بمكانتنا ودورنا العربي والإقليمي والدولي.»

قلت لهذا المسؤول ان تقريراً صدر منذ أيام عن منظمة «الشفافية الدولية»، وهو تقريرها السنوي للعام 2009 وقد حلت فيه دولتنا في المرتبة 126 من أصل 180 دولة، ما يعني أن هناك الكثير من الفساد وانعدام الشفافية وصعوبة الحصول على المعلومة وغيرها من المشاكل. فما كان من المسؤول إلا أن سب وشتم على التقرير والمنظمة التي وضعته، وعلى كلمة الشفافية نفسها، واعتبر ذلك جزءا من مؤامرة «صهيونية غربية» تستهدف «وحدتنا الداخلية ومواقفنا القومية».

أنا لا أعتقد أن المسؤول يعي تماماً معنى كلمة الشفافية، لأنه وخلال الحديث شتم على الديموقراطية أيضاً معتبراً أنها «كلمة حق يراد بها باطل، وهي كمن يدس السم في الدسم»... هذا المسؤول أذكر أنه سب وشتم كثيراً على «المجتمع المدني» قبل أعوام عدة لمجرد أن هناك بعض الناشطين الذين دعوا إلى إحياء دور المجتمع وإخراجه من سلبيته ليشارك في الشأن العام ويخفف قليلاً عن كاهل الحكومة. وقتها السلطة والحزب الحاكم اعتبرا أن «جماعة المجتمع المدني» مجرد أدوات عملية للغرب، وقتها كان يعتقد ذلك المسؤول أن «المجتمع المدني هو حزب سياسي معارض»؟!

لكن أود هنا أن أذكّر ذلك المسؤول بما ورد في ذلك التقرير الذي صدر عن منظمة «الشفافية الدولية» لأني لم أستطع أن أكمل أسئلتي حيث منعني سبابه المتواصل ورذاذ البصاق الذي كان يخرج من فمه خلال شتمه «للشفافية» من أن أكمل ما رحت من أجله.

جاء في التقرير أن سورية حلت في المرتبة 126 من أصل 180 دولة، وهي مرتبة متأخرة جداً تدل على حجم انتشار الفساد وضعف البنى المؤسساتية، أو عطبها. المنظمة قالت ان هناك حاجة إلى اعتماد الشفافية في صرف الميزانيات العامة وتوفر فضاء مستقل للإعلام لكي يؤدي دوره، وأن انتشار الفساد يؤدي أيضاً إلى انحسار ثقة أفراد الشعب في مؤسسات الدولة والحكومات الناشئة التي يُفترض أنها تحمي استمرار الدولة واستقرارها.

الفرق بين هذا التقرير وكلام المسؤول، أن التقرير يقدم أرقاماً ويفيدنا في كشف مواقع الخلل والتقصير، ويكشف حقيقة تقدمنا وموقعنا على الخارطة العالمية والإقليمية والعربية، وهل نحن فعلاً دولة قوية وسياستها «حكيمة» أم لا. أما كلام المسؤول، فهو مجرد صوت عال ممزوج برذاذ البصاق، بسببه ومع استمراره ربما نصل يوماً إلى المرتبة 180... وإن غداً لناظره قريب.

كاتب سوري

==========================

في البحث عن وسيط السلام

الوطن السورية

2009-11-22 |

يثير الحديث عن مبادرة فرنسية للسلام في الشرق الأوسط، إن جاءت بالتنسيق مع روسيا في إطار مؤتمر دولي، أو في إطار كلاسيكي معتاد ثلاثي الأطراف، تساؤلات متجددة عن «وسيط» السلام وحضوره ومكانته ودوره وقدراته على ضبط آليات التفاوض، وتذليل العقبات وتقديم البدائل والحلول، وفي النهاية العمل على إقرار النتائج التي يتم التوصل إليها بين الطرفين المتفاوضين.

أول هذه التساؤلات وأهمها هو: لماذا نشأت الحاجة، بالأصل، إلى «وسيط» السلام في سياق النزاع مع إسرائيل مادامت الأمم المتحدة ومجلس الأمن موجودين؟ وقد أصدرا من القرارات ما لا يحصى بصدد هذا النزاع، كان من شأن تطبيقها، افتراضاً، تذليل مختلف العقبات التي تحول دون الوصول إلى حالة السلام.

ما من شكّ في أن الجواب واضح في التمرد المعلن لإسرائيل على المنظمة الدولية، وفي امتناعها ورفضها لقراراتها بدعم واضح ومعلن من الولايات المتحدة الأميركية التي كان لاستخدامها حق الفيتو التأثير الحاسم في تحصين إسرائيل وحمايتها جراء تمردها.

يفترض المنطق الحقوقي الدولي أن يتم تطبيق موجبات الفصل السابع (تنفيذ القرارات بالقوة) على إسرائيل، إلا أن ذلك لم يحدث ولا مرة، بينما استبدلت الولايات المتحدة قرارات مجلس الأمن بإطلاق مبادرات متتالية منذ مبادرة روجرز عام 1970 إلى قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما بإنشاء لجنة ميتشيل عام 2009، وفي سياق هذه المبادرات جلست الولايات المتحدة في المكان الذي يفترض أنه ل«الوسيط» الذي هو بدل غائب إلا مجلس الأمن نفسه.

منذ إطلاق مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 حتى الآن ماذا فعل الوسيط الأميركي؟ والوصف من قبلنا مجازي لأن الولايات المتحدة لا تنطبق عليها أي صفة من صفات الوسيط المحايد، إزاء استعصاءات المفاوضات عند مسائل مثل المستوطنات التي لم يمض على طلب أوباما وقفها في القدس سوى يومين لتعلن إسرائيل إنشاء 900 وحدة جديدة في تحدٍ واضح لرغبته... ومثل الحل النهائي وحق العودة للاجئين... إلخ.

وأيضاً ماذا فعل الوسيط الذي يفترض أنه شاهد ومحايد ومؤتمن، إزاء إنكار وديعة رابين غير تجاهلها وإخراجها مع حقائب بيل كلينتون عند انتهاء ولايته. والآن ها هي لجنة ميتشيل يلفها غبار أعمال المستوطنات، بينما يتم إنكار النتائج التي تم التوصل إليها مع سورية، عبر الوسيط التركي في محادثات غير مباشرة أوقفتها سورية مع بداية العدوان الإسرائيلي المفتوح على غزة عام 2009.

وفي الوقت الذي حصد أوباما أولى خيباته الدبلوماسية بفشل مبادرته بسبب مباشر ووحيد هو الموقف الإسرائيلي، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحاول استكمال المواجهة التكتيكية معه عبر الإيحاء بقبوله لمحادثات سلام عبر فرنسا التي وجدت مكان الوسيط خالياً فتقدمت لملئه.

من جهتها، اشترطت سورية لاستئناف المحادثات إقرار إسرائيل بما تم التوصل إليه مع أولمرت عبر تركيا، وبأن تكون هذه الأخيرة في موقع الوسيط، ليس لمكانتها الإقليمية المتجددة وحسب، بل بكونها نجحت سابقاً في التوصل إلى نتائج متقدمة جداً.

من المؤكد أن الدبلوماسية الفرنسية النشطة الآن، في الشرق الأوسط ستحاول اختراق الوضع الراهن، وإن كان من غير المعروف ما إذا كانت ستنجح مع روسيا في إقناعها لإطلاق المؤتمر الدولي للسلام الذي هو في الأصل استكمال لمؤتمر أنابوليس 2007. على أنه وفي الحالات كلّها وإذا كانت إحدى مشكلات عملية السلام تكمن في دور الوسيط ومكانته وصفاته وقدراته، فإن هذه المشكلة ناتجة أساساً عن طبيعة علاقة هذا الوسيط مع كلا الطرفين، فكيف يمكن مثلاً مقارنة علاقة الولايات المتحدة «الوسيط» الدائم مع إسرائيل بعلاقتها مع سورية أو لبنان أو السلطة الفلسطينية؟

ذات مرة قال الرئيس جون- ف – كينيدي: «إن الانحياز الأميركي في النزاع العربي الإسرائيلي لا يهدد الولايات المتحدة فحسب، بل العالم الحر بأسره».

منذ كيندي كان مؤشر الانحياز الأميركي لإسرائيل في ازدياد إلى الحدود التي وصل فيها إلى حد غير مسبوق مع جورج دبليو بوش.

الآن يحاول أوباما إعادة ترتيب مكان «الوسيط» واستعادة مكانته دون جدوى، بينما تتطلع دول أخرى لملء هذا المكان، في الوقت الذي تستكمل فيه إسرائيل تدمير ما تبقى من مكانه ومكانته في آن.

بالمناسبة: من قتل جون كينيدي... ولماذا؟

========================

مستقبل الحوار الأمريكي - السوري وآفاقه

خليل حسين

(الخليج)

 الاحد 22 تشرين الثاني 2009

ربما تعتبر الرسالة الأقوى التي وجهها الرئيس السوري بشار الأسد إلى الولايات المتحدة، في بداية زيارته الأخيرة لباريس، بأن على فرنسا أن تتحرك سريعا في موضوع السلام في الشرق الأوسط، هي رسالة سورية واضحة الأبعاد والخلفيات، إذ أقرنها الرئيس السوري، بحالة الإحباط نتيجة السياسة الخارجية التي ينتهجها الرئيس الأمريكي باراك أوباما، منذ توليه الرئاسة.

 

صحيح أن الحوار الأمريكي - السوري قد انطلق،لكن يستلزم المزيد من الدفع، باعتبار أن العوامل المؤثرة فيه هي كثيرة ومعقدة، فالرئيس باراك أوباما الذي فتح كوة لافتة في كيفية التعاطي مع دمشق، عبر سياسة الحوار وتفكيك الألغام التي زرعها سلفه جورج بوش، لم تثمر حتى الآن سوى المزيد من الغموض رغم بعض النجاحات من هنا أو هناك ،إلا أن المعول عليه لم يظهر بعد، رغم السُلف السياسية التي قدمتها دمشق في غير ملف.

 

فخلال أقل من سنة زارت دمشق سبعة وفود أمريكية كان أبرزها زيارات جورج ميتشل المكلف بملف تخصيب عملية التسوية في الشرق الأوسط، إلا أن بمجملها لم تنتج أمراً يصرف في السياسة.فالتدقيق في مجمل التقاطعات الأمريكية - السورية تفيد أن ثمة تركيزاً أمريكياً على الملف العراقي الذي يعتبر أولوية أمريكية وسورية، وعلى الرغم من تحقيق الكثير الذي يمكن البناء عليه، إلا أن واشنطن لم تكتف بهذا الحد من الإنجازات، بل حاولت في فترة لاحقة إعادة خلط أوراق هذا الملف من بوابة تفجيرات بغداد التي ألصقت بدمشق والتي وصلت فيها الأمور بالمطالبة بإنشاء محكمة دولية لذلك، وكأنها محكمة موازية أو بديلة عن المحكمة الخاصة بلبنان التي أنشئت لأهداف وأغراض متشابهة.

 

ثمة قسم من الاستراتيجيين الأمريكيين، ذوي التأثير المهم في الإدارة الحالية، يرى أن سوريا تمثل الدولة المحور في دعم وتعزيز التأثير الإيراني في لبنان والأراضي الفلسطينية، وإحدى الآليات التي يطرحها هؤلاء تشجيع ودعم المفاوضات السورية - “الإسرائيلية” لإبعاد سوريا عن إيران، الأمر الذي سيؤدي إلى تهديد الوضع الإيراني في المنطقة، وما يحفز على تلك الرغبة التي يبديها الرئيس بشار الأسد في الانفتاح على الغرب والدول العربية المعتدلة عبر التسوية السلمية مع “إسرائيل”، لكن هل تكفي الرغبة وحدها لإنجاز التقارب مع أمريكا ووصول الحوار إلى أفق أفضل؟ من الواضح أن الإدارة الأمريكية تريد أكثر من الرغبة التي يجب أن ترافقها أمور عدة، أبرزها أن يرافق التسوية السلمية، الصعبة أساسًا، اصطفاف سوري واضح مع أمريكا و”إسرائيل” والغرب عمومًا في موقفهم الموحّد من إيران الحليف الاستراتيجي لسوريا.

 

وتتأتى هذه الحقيقة من نظرة أمريكا نفسها لموقفها في الحوار، فهي لا تراه من زاوية خسارتها للمواجهة في الشرق الأوسط، وبالتالي بات يتطلب منها تقديم تنازلات لأطراف معينة، بل يعتقد فريق مهم في إدارة أوباما، أن على دمشق أن تقدم تنازلات معينة ليصار إلى انخراطها وقبولها في المجتمع الدولي.

 

في المقابل سوريا في مرحلة الترقّب وجمع الأوراق في انتظار المآل الذي ستصل إليه المنطقة في المرحلة القادمة، وإذا كانت دمشق تنظر بكلتا عينيها إلى البيت الأبيض ومستقبل العلاقات السورية - الأمريكية، فإنها تمسك بكلتا يديها أوراق القوى التي جمعتها والتي أتاحت لها فرصة الخروج من الحصار الذي فُرِضَ عليها بعد احتلال العراق واغتيال الحريري إلى الانفتاح على الإقليم وبعض المراكز الدولية.

 

إن مفارقة العلاقات الأمريكية - السورية أنها لم تأخذ شكلاً مستقراً أو واضحاً يمكن الركون أو الاعتماد عليه في تفسير الكثير من المسائل الملحة ذات الصلة بجوهر ما يتقاطع أو يتباين بينهما. ومع ذلك لم تتمكن واشنطن من عدم الاعتراف بالدور المركزي الذي يمكن أن تلعبه سوريا في الكثير من الملفات الشائكة في المنطقة. ففي أكثر الفترات حراجة بين الدولتين ظلّت واشنطن تواقة للإبقاء على خيوط ولو دقيقة للبناء عليها،في المقابل أتقنت دمشق الاستفادة من سياسة حفة الهاوية وسياسة هضم المراحل في محاولة لتحسين ظروف التفاوض في ملفات تعتبرها استراتيجية بالنسبة إليها.

 

ثمة لقاءان رئاسيان جمعا سوريا والولايات المتحدة، ولم يكونا في واشنطن، الأول في جنيف والثاني في دمشق، فهل سيكسر الرئيس السوري بشار الأسد هذه السابقة التي كرّسها والده في طبيعة العلاقة وحدودها؟ أم أن ظروفاً كثيرة قد تغيرت؟ الواضح أن الانفتاح السوري غربا ومن البوابة الفرنسية تحديداً لا ينبئ بجديد في مستوى الحوار أو العلاقات بين البلدين، إذ إن اختيار الرئيس بشار الأسد باريس لإطلاق ما يشبه صفارة الإنذار وبالتحديد ملفات السلام في المنطقة لهو دليل واضح على أن الإحباط السوري من المواقف الأمريكية قد بدا يأخذ منحى آخر. فمستقبل العلاقة بين البلدين مرهون بملفات استراتيجية كبيرة ومعقدة عمرها من عمر الكيانات السياسية في المنطقة، ومن الصعب الاعتقاد أن الإدارة الأمريكية الحالية ستسهم بشكل واضح في تحسين ظروف وشروط تطوير وتحسين العلاقات بين البلدين.

=============================

السياحة في سورية بين النظرية والتطبيق

بقلم : صلاح الدين الهبل

سورية نيوز

22-11-2009

(دعوة لثقافة سياحية شاملة)

أقطن في مدينة دبي منذ ما يزيد عن ثمانية أعوام، وبحكم عملي فقد سافرت في بلاد الله شرقاً وغرباً، وشاهدت واختبرت كثيراً من تجارب البلدان الأخرى في مجال السياحة وكذلك في بلدي سورية، وتدافعت المقارنات أمام عينيّ ما جعل المشاعر تجيش في صدري عن واقع السياحة في سورية ما بين النظرية والتطبيق.

 

 

في بلد يعيش 60% من سكانها ذوي مليار النسمة بأقل من دولار واحد يومياً، ترى في الهند كل رعاية واهتمام لمجرد كونك سائحاً، ويتسابق العوام في إرشادك إلى أوابد مدنهم ومتاحفها، وأفضل الأماكن التي ترى منها مدنهم بأبهى حلّة، ويرشدونك إلى المبنى الذي خصصته الحكومة لتشتري منه تذكاراتك الأصيلة التي تكفلها الدولة بشهادة ممهورة بخاتمها وتشعر السلطات في المنافذ الحدودية بعدم تقاضي رسوم جمركية عمّا اشتريت من تذكارات.

 وفي اليابان يعاملونك بأدب جمٍّ واحترام كبيرين مع عدم معرفتهم لغتك أو حتى اللغة الإنكليزية عموماً ويظلّون يحيّونك بلغتهم وابتسامتهم رغم علمهم عدم فهمك لكلمة واحدة مما يقولون، ولكنها القلوب التي تتواصل وليست الألسن، وفي بلدان أوروبا فإن الإحصاءات تحدّث عن أعداد الزوار والسائحين وكفى بها شاهداً، وتبقى دبي كمدينة متفوقة في مجال سياحتها على نظيراتها من الدول العربية الضاربة في العراقة لجهة التاريخ والثقافة والتراث والطبيعة، رغم عدم إمتلاك الأولى أياً من تلك المقوّمات وكذلك عدم تواجد الثروة النفطية بها والتي يسهل التذرع بها عند ذكر دول الخليج.

القاسم المشترك الذي شاهدته في كل تلك البلدان الناجحة سياحياً هو المواطن، نعم المواطن العادي الذي جرى تثقيفه ليكون سفيراً لبلده في بلده، وليكون مثالاً لما هي عليه بلده من أصالة وثقافة وتراث، وليكون بشخصه دليلاً سياحياً مفوّهاً يحكي قصة بلده بفخر وكبرياء، وليعامل الزوّار من منصبه برقيّ وأدب جمّ، وليشرح بلغته وابتسامته قضايا وطنه بسلاسة وذكاء، وليكافح من مكانه مظاهر العشوائية والتردّي الثقافي والأخلاقي وكل ما هو منكر ومذموم إنسانياً.

جرى تثقيف المواطن العادي ليكون واجهة البلد الذي تزوره، وأن لا يستغلّ الزائر مادياّ أو معنوياً ويريه من الأخلاق العامة في بلده ما يكره، أن تكون حصيلته الثقافية مليئة بكل ما هو شائق لجهة إهتمام الزائر ولفت انتباهه، وأن تكون جعبته الأخلاقية زاخرة بما يسرّ من حسن المعاملة والأدب والرفض للمظاهر الكريهة من تصرفات الرعاع.

لكي نقارب بين النظرية والتطبيق في واقع السياحة السورية، أدعو إلى القيام بحملة شاملة لتثقيف كل مواطن سياحياً وتعريفه ببلده إبتداءًً بطلبة المدارس والجامعات وانتهاءً بالمواطن العادي الذي يجوب أطراف مدينته كل نهار، لا أتكلّم عن النخب الثقافية فليست هي المقصودة بهذه الحملة، حيث إن السائح لا يلتقيها أبداً ولدرجة أنه لا يعلم بوجودها أصلاً، أو أنها خارج دائرة إهتمام الزائر الذي يريد أن يشاهد بلاد الله لا أن يحضر في مراكزها وصالوناتها الثقافية.

يجب أن يتعلم المواطن محتويات منشورات وزارة السياحة قبل نشرها خارجاً والتي تصف بلاده بإسهاب بأنها الجنة على الأرض وأن يعرف مواقع متاحف ومشاهد مدينته على الأقل، أن يتحلّى بأخلاق المضيفين والكرماء لا السماسرة والمستغلّين، أن يتخلّى عن التربّح الآني ويفكّر بتربية قاعدة من الزوار/الزبائن يعودون إلى بلادنا كل عام بدل أن تكون زيارتهم لنا أولى وأخيرة، ويجب في المقابل أن تصف المنشورات السياحية تلك وصفاً صادقاً ما سيراه الزائر في بلادنا من مشاهد ومظاهر، بدل أن تكون في انتظاره مفاجآت غير سارّة تغضبه، فيقوم الزائر حينها بنشر دعاية مضادة لإعلاناتنا يدحض من خلال وسائل إعلامه المختلفة ما نروّج له في بلادنا وندفع في سبيل نشره التكاليف الباهظة.

ليكن زائرنا هو الشاهد والمعلن عما تحتويه بلادنا من أسرار وخبايا، ليكن هو المروّج لثقافتنا وتراثنا، والمدافع عن قضايانا ومطالبنا عندما يرانا على جانب الحق ونستحقّ الدعم والمساندة. وحتى يكون كذلك يجب أن نكون بدورنا أهلاً لتلك المساندة والشهادة والترويج.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ