ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 12/12/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


المطلوب الآن عربيا

صالح القلاب

الرأي الاردنية

10-12-2009

لم يأت قرار وزراء خارجية دول الإتحاد الأوروبي الأخير كما كان متوقعا ووفقا للصيغة التي تقدمت بها السويد لكن ومع ذلك فإنه لابد من التعاطي مع هذا القرار ، فلسطينيا وعربيا ، بكل إيجابية فهو وفي كل الأحوال يعتبر تحولا هاما ويجب إلتقاطه والبناء عليه ومنع إسرائيل من أن تحوله إلى مجرد مادة أرشيفية على غرار ما إنتهت إليه الكثير من القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية .

 

أهم ما في هذا القرار أنه يمثل وجهة نظر سبع وعشرين دولة أوروبية من بينها دولتان عضويتهما دائمة في مجلس الأمن الدولي ، هما بريطانيا وفرنسا ، وأنه بإسم هذه الدول كلها رفض الإعتراف بأي تغيير على حدود العام 1967 بما في ذلك القدس ( الشرقية ) ودعا إلى أن تكون المدينة المقدسة ز عبر التفاوض ز العاصمة المستقبلية للدولة الفلسطينية والدولة الإسرائيلية .

 

وبالإضافة إلى هذا التطور الهام ، الذي لا يمكن التقليل من أهميته أنه جاء بالصيغة التي جاء بها كتراجع عن المشروع السويدي الأكثر وضوحا والأقل ضبابية ، فإن الإتحاد الأوروبي قد طالب إسرائيل بالكف عن كل أشكال المعاملة التمييزية ضد الفلسطينيين في القدس الشرقية وأنه وجه إنتقادات حاسمة لسياسة الإستيطان مؤكدا على أن المستوطنات والجدار العازل أقيما على أراض محتلة وأن هدم المنازل وطرد سكانها مخالفان للقانون الدولي ويشكلان عقبة أمام السلام ويهددان بجعل حل الدولتين مسألة مستحيلة .

 

إن هذا هو أحد الجوانب المهمة في هذا القرار أما الجانب الآخر فهو أنه سيشجع دول العالم التي لاتزال مترددة على أن تنفض عن نفسها غبار الخوف وأن تبادر إلى ترجمة عواطفها الجياشة تجاه الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية إلى إجراءات عملية لإلزام إسرائيل بالرضوخ للإرادة الدولية والكف عن هذه السياسات التي أقل ما يمكن أن يقال فيها هو أنها تشكل الحاضنة لكل التنظيمات المتطرفة والإرهابية في هذه المنطقة .

 

ثم وأنه على العرب أن يتعاملوا مع هذا التحول الهام والتاريخي بغير سياسة ز التثاؤب ز المعروفة وأن عليهم ألا يتركوه لإسرائيل ل « تنفسه» وتحوله إلى مجرد مادة أرشيفية وهذا يقتضي إستنفارا حقيقيا ويقتضي إستخدام لغة المصالح المشتركة مع دول الإتحاد الأوروبي كي تترجم قرارها هذا إلى خطوات عملية تساهم في توفير إمكانية قيام الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة وعاصمة القدس ( الشرقية ) خلال عامين على الأكثر .

 

وهذا يقتضي أن تتجاوز الدول العربية أو بعضها على الأقل ز روتين ز جامعتهم المعهود والإنطلاق برشاقة سياسية لإلتقاط هذه الخطوة التاريخية والذهاب بها إلى مجلس الأمن الدولي لإستصدار قرار جديد بأبعاد جديدة لقراره السابق رقم 1515 الذي كان قد نص وبكل وضوح على الإعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران ( يونيو ) 1967 .

 

كان هناك تقصير عربي بصورة عامة عشية إتخاذ دول الإتحاد الأوروبي هذا القرار الذي اتخذته والآن ولتلافي أن يستمر هذا التقصير فإنه على العرب أن يتحركوا بسرعة لتطوير هذا التحول الهام وتحويله إلى سياسات إجرائية وتنفيذية وبغطاء قرار من مجلس الأمن وبضمانات دولية لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ( الشرقية ) خلال فترة زمنية أقصاها العامين المقبلين .

====================

أوروبا والمآذن: حدود التسامح التنويري

د. بشير موسى نافع

10/12/2009

القدس العربي

قبل أيام قليلة، أرسل لي أكاديمي تركي صديق، درس لسنوات في الولايات المتحدة وتخرج من إحدى جامعاتها، مقالة له، نشرها في صحيفة إنكليزية تركية حول التصويت السويسري ضد بناء المآذن في سويسرا. كما عدد كبير من الأكاديميين المسلمين الذين تلقوا تعليمهم في جامعات أوروبية أو امريكية، عكست مقالة الصديق التركي شعوراً بالمفاجأة والمرارة وخيبة الأمل. العلاقات الإسلامية الغربية لم تكن على ما يرام طوال قرون، ولكنها بالتأكيد تشهد فترة عصيبة منذ سنوات.

ولكن حتى في أشد الكوابيس جموحاً لم يكن لأكاديمي أو مثقف مسلم درس التاريخ وتاريخ الفكر الأوروبي الحديث، ويقرأ الغارديان البريطانية، أو 'اللوموند' الفرنسية، أو 'النيويورك تايمز' الامريكية، أن يتصور أن تصوت أغلبية أوروبية على منع الجماعات المسلمة، التي اتخذت من الدولة الغربية موطناً لها، من بناء مآذن لمساجدها. ثمة من تذكر خلال الأسبوعين الماضيين أن جريمة الهولوكوست لم تنطلق فجأة ومرة واحدة من قاعات التخطيط النازية في ذروة الحرب العالمية الثانية، بل سبقتها سنوات من الدعاية والسياسات الصغرى. عندما وقعت أحداث ال 'كريستال ناخت'، أو ليلة تكسير نوافذ المحال اليهودية، لم تكن هناك مجزرة، ولا حرب عالمية، ولا مخطط نازي للتخلص من يهود القارة الأوروبية. ولكننا نعرف اليوم أن الهولوكوست ما كانت لتقع بدون ال 'كريستال ناخت'.

ومن الصحيح أيضاً أن التصويت السويسري لم يفاجىء المسلمين وحسب، بل وفاجأ قطاعات واسعة من الرأي العام الأوروبي، بما في ذلك دوائر سويسرية سياسية وغير سياسية. ونحن نعرف، بالطبع، أن لا الحكومة السويسرية مسؤولة عن هذا التصويت، ولا أياً من الأحزاب الحاكمة؛ فالنظام السويسري يقوم على الديمقراطية المباشرة، ويمكن للقوانين أن تسن كلية خارج القاعة البرلمانية، في حال عرض مشروع قانون ما على التصويت الشعبي المباشر، وحصل على أكثرية أصوات المقترعين. وهذا ما حدث في حالة منع بناء المآذن، الذي طرح من قبل حزب عنصري، بعد أن استطاع توفير العدد الضروري من الموافقين على تقديم مشروع القانون للتصويت المباشر. ولأن هذا التصويت أقرب للاستفتاء، بمعنى أنه تصويت بنعم أو لا، ويفتقد إلى مفاوضات ومساومات المشرعين البرلمانيين، التي تبحث عادة في مساحة الظلال المتعددة بين النعم واللا وهي تصيغ مشاريع القوانين، فإن النتائج عادة ما تكون صارخة. وقد قيل، إضافة إلى ذلك، أن الحكومة السويسرية، كما الأحزاب المعارضة للمقترح العنصري، لم تكن تتوقع أن يمرر المقترعون السويسريون مشروع القانون؛ ولذا فإن جهداً جاداً لم يبذل لإقناع الرأي العام السويسري بمخاطر مثل هذا القانون ودلالاته.

بيد أن المسألة التي لا يمكن تجاهلها في النهاية أن أغلبية المقترعين السويسريين قد صوتت بالفعل مع مقترح عنصري واضح، ومع مقترح يمس حياة أقلية من سكان سويسرا (زهاء الأربعمئة ألف مسلم في بلد يصل تعداده إلى زهاء ثمانية ملايين)، وفي بلد أقيم أصلاً من مجموعات قومية مختلفة، اختارت أن لا تكون طرفاً في صراعات القارة الأوروبية الدموية الطويلة، القومية والدينية. والمسألة التي لا تقل وطأة أن استطلاعات رأي أخرى تفيد بأن هذه الاغلبية السويسرية ليست معزولة، وأن هناك أكثريات مثيلة لها في بعض الدول الأوروبية، ترغب هي أيضاً في منع المسلمين من بناء مآذن إضافية في الفضاء الأوروبي. وحتى بعد أيام قليلة من التصويت السويسري على المقترح العنصري، طلع رئيس حزب سويسري آخر يدعو إلى عدم السماح بوجود مقابر يهودية ومسلمة في سويسرا، قبل أن يتراجع ويعتذر أمام ردود الفعل واسعة النطاق التي أثارتها تصريحاته.

التصويت السويسري هو أقرب إلى مزاج أوروبي عام، وهو مزاج لا يعبر عن توجهات علمانية راديكالية، كما يظن البعض؛ فالأكثرية التي حازها مشروع القانون السويسري لا يمكن أن يحوزها مقترح يدعو إلى منع بناء أبراج الكنائس، مثلاً. وهو مزاج ليس من المستبعد، إن سمحت ظروف ما بتصاعده، أن يعود إلى المس بالوجود اليهودي في أوروبا. وهذا، ربما، ما دفع أصواتاً يهودية دينية وغير دينية إلى شجب التصويت السويسري والتحذير من عواقبه.

أوروبا، التي لا يخفي قادتها الألمان والفرنسيون، في معرض توكيدهم على رفض منح تركيا عضوية الاتحاد الأوروبي، أنها ناد مسيحي، في ثقافته، إن لم يكن في بنيته السياسية، تصل الآن كما يبدو إلى أقصى حدود التسامح. وهذه هي المسألة التي تغيب عن الجدل الذي أثاره التصويت السويسري في الدوائر الإسلامية وغير الإسلامية. باعتباره واحداً من أبرز مفاهيم التنوير الأوروبي، يعتبر التسامح تطوراً حديثاً، وهاماً بلا شك، في الفكر والاجتماع الأوروبيين.

المسيحية الأوروبية، كما يقول كولن بيرد، لم تكن في أغلب تاريخها متسامحة، لا على مستوى النظرية ولا الممارسة. وقد ولد مفهوم التسامح بمعناه الحديث بعد سلسلة من الحروب التي فجرها الانشقاق البروتستانتي في القرن السادس عشر، مروراً بحرب الثلاثين عاماً في القرن السابع عشر، ومن ثم حروب الثورة الإنكليزية الطويلة. التسامح في فكر التنوير الأوروبي، لدى لوك، والفلاسفة الفرنسيين بعد ذلك، أصبح الوسيلة المتبقية لإنقاذ الذات الأوروبية من الانتحار، من العالم الكابوسي المرعب، الذي لا حد له ولا نهاية، الذي تصوره هوبس للمصير الإنساني. أسس التسامح التنويري، الذي كان في الحقيقة انعكاساً لواقع موضوعي، لسرديات وقيم فرعية أخرى، من الاعتراف بالتعددية الدينية والسياسية، وصولاً إلى النظام الديمقراطي والتداول السلمي على السلطة في القرن العشرين.

بيد أن ذلك كان وجهاً واحداً للصورة؛ فخلال القرنين التاليين للثورة الإنكليزية لم تتوقف القارة الأوروبية عن محاربة ذاتها. انتهت الحروب الدينية، بالطبع، ولكن الحروب الأوروبية لم تنته؛ فقد بدأ عصر جديد من الحروب القومية، الحروب على حدود الأمم السياسية والثقافية والعرقية، الثورات الدموية، وحروب التوسعات الإمبراطورية. وحتى في القرن العشرين، بعد أن وصلت أوروبا إلى مستويات من التفوق والرخاء، أعلى نسبياً من معظم أنحاء العالم الأخرى، خاضت أوروبا حربين شاملتين، بالغتي الدمار، شهدت واحدة منهما مجزرة مليوينة ليهود القارة.

وجدت أوروبا، بمعنى آخر، مبررات جديدة لحروبها، مبررات لم تنجح قيم التسامح التنويرية في إطفائها. وفي خارج الفضاء الأوروبي، كانت الأساطيل ووكالات الشركات والجيوش الأوروبية تنطلق، وفي ذروة عصر التنوير، في تجل لم يعرف له التاريخ مثيلاً لآلة الحرب، لرسم صورة أخرى وكلية للعالم.

اقتلعت أمم بأكملها من مواطن سكنها، وأبيدت أمم أخرى؛ قوضت حضارات وأنظمة حكم، وفرضت على العالم أنظمة جديدة من الإنتاج والتوزيع والتجارة والاستهلاك. بكلمة أخرى، كانت ولادة قيم التسامح التنويرية منعطفاً كبيراً في تصور القارة لذاتها وأنماط اجتماعها؛ ولكن التسامح الأوروبي كان من البداية أفقاً بحدود، وفضاء بسقف.

في أغلب الحاضرات الإسلامية، تنتصب الكنائس المسيحية (وبعض الكنس اليهودية، أحياناً) جزءاً أصيلاً من فضاء المدينة، من تاريخها وخارطة اجتماعها. هذا لا يعني بالطبع أن الوجود المسيحي واليهودي، جماعات وأنماط حياة وعبادة، لم يستشعر في مراحل تاريخية معينة وطأة الأغلبية المسلمة. في مؤسسات الحكم الإسلامية المتتالية، وفي المجتمع المسلم، وجدت دائماً توجهات للتضييق على الجماعات الدينية غير الإسلامية، أو تلك التي اعتبرت خارجة عن الدائرة الإسلامية. ولكن الأصل، كما يقول برنارد لويس (لا غير)، أن وجود غير المسلمين في المجتمعات الإسلامية لم يكن شأناً يرتبط بتسامح المسلمين ومؤسسات حكمهم، بل بما قررته الشريعة الإسلامية أصلاً، بما هو ثابت من القانون الإسلامي. بمعنى أن ما نظم علاقات المسلمين بغيرهم لا تقرره قيم التسامح، والحدود التي تضعها السياقات التاريخية لفاعلية ومدى هذه القيم، بل شرائع الدين. وهذا، ربما، ما يسم الجدل الإسلامي حول تصويت المآذن السويسري بالارتباك. فبغض النظر عن مدى إدراك المسلمين، متخصصين أو رأياً عاماً، لأسس علاقة المسلمين بغيرهم، وبالميراث التاريخي لهذه العلاقة، فإن عموم المسلمين، الذي يعيش مئات الملايين منهم في ظل الكنائس، يجدون مجرد عقد التصويت السويسري أمراً غريباً ومستهجناً.

أحداً، بالتأكيد، لا يجب أن يغفل أحداث السنوات منذ الحادي عشر من ايلول/سبتمبر 2001 في تأثيرها على العلاقات الإسلامية  الغربية، وعلى رؤية كل من الطرفين للآخر، ولمن يبدو أحياناً أنه يمثل هذا الآخر.

ثمة دماء غزيرة سفكت في مجرى هذه العلاقة خلال هذا العقد ثقيل الوطأة من القرن الحادي والعشرين، ليس في واشنطن ونيويورك ولندن ومدريد وحسب، بل وفي بغداد والموصل والحلة وكابل وجلال آباد وبيروت وغزة، كذلك. وربما يصعب الفصل بين هذا السياق الشائك لزماننا والتصويت السويسري من أجل منع بناء المآذن. ولكن من السذاجة أيضاً تجاهل أن التسامح الأوروبي كان دائماً تسامحاً بحدود وبسقف. هذه العلاقة بالغة الاشتباك والتعقيد بين الإسلام والغرب تتطلب أكثر من الجدل وردود الفعل السريعة حول التصويت السويسري.

' كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

====================

حتى تزول الطائفية وتتأصل الديموقراطية في لبنان

الخميس, 10 ديسيمبر 2009

رغيد الصلح

الحياة *

رغم الاهمية الكبرى التي اسبغت خلال الاسابيع المنصرمة على الجلسات التي عقدها البرلمان اللبناني لمناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس الحريري، فقد استأثر باهتمام الجسم السياسي حدثان آخران طال انتظارهما او ترقبهما: الاول هو اعلان الرئيس نبيه بري، بصفته رئيساً لمجلس النواب اللبناني، عن نيته تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية. الحدث الثاني كان اعلان «حزب الله» عن الوثيقة السياسية التي لخصت مواقفه من ابرز واهم القضايا المطروحة على الساحة السياسية اللبنانية. وفي الحدثين، سعى كل من الرئيس نبيه بري، والسيد حسن نصر الله، الامين العام ل «حزب الله» الى الاجابة عن سؤالين يحتلان مركز الصدارة وسط المناقشات المتعلقة بمستقبل النظام السياسي ومصير الديموقراطية في لبنان.

في تحريكه لمسألة تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية، بدا بري وكأنه يجيب عن السؤال الأبدي الأزلي حول المعضلة الرئيسية للنظام السياسي في لبنان. بدا رئيس المجلس يقول: نعم الطائفية السياسية هي علّة العلل وهي مصدر الخلل واساس الازمات المتلاحقة التي يعاني منها لبنان واللبنانيون. الطائفية السياسية هي الحاجز الذي يحول دون قيام دولة القانون في لبنان، وهي العقبة امام حمايته من التحديات والاعتداءات الخارجية، وهي القيد الرئيسي الذي يمنع اقتصاده من الانطلاق ما دامت تشيع اجواء عدم الاستقرار والتوتر في لبنان. الغاء الطائفية السياسية هو الكفيل بفتح الطريق امام الاصلاح الحقيقي على كل صعيد وبنقل لبنان من واقعه الراهن الى عالم القرن الواحد والعشرين.

واستباقاً لكل انتقاد، فقد أكد بري ان الاصل في هذه المبادرة ليس خياراً شخصياً او فئوياً او حركياً، وانما هو خيار اللبنانيين الذي بلوره ميثاق الطائف، وعمّده الدستور. فالنص على ضرورة تشكيل الهيئة كان الطبق الرئيسي الذي قدمه مؤتمر البرلمانيين اللبنانيين الذي انعقد في الطائف عام 1989 والدستور الجديد الى الشعب اللبناني. اذا تخلى اللبنانيون عن هذا النص، فانهم يتخلون عن اثمن ما جاء في الميثاق واهم ما جاء في الدستور. اذاً ما من لوم ولا حرج على الرئيس بري اذا حرك مسألة تشكيل الهيئة. واذا كان هناك من داعٍ الى المساءلة هنا، فإنها ينبغي ان تنصب على نقد التأخر المريع في تشكيل هذه الهيئة.

واذ رمى الرئيس بري بقفاز تشكيل اللجنة في وجه الذين يتمسكون بالدستور من جهة، ويعارضون الغاء الطائفية السياسية من جهة اخرى، فانه يملك مسوغات كثيرة للمضي في السير بالتحرك الذي اعلن عنه، وباستطاعته التسلح بالدستور في العديد من الخطوات التي يخطوها ولكن ليس دوماً. سيكون رئيس المجلس النيابي مسيّراً عند سعيه الى تشكيل الهيئة. ولكنه سيكون مخيراً عندما يحدد الغاية من دعوتها والهدف الذي ستعمل الهيئة على تحقيقه. فهل ستعمل الهيئة على الغاء الطائفية السياسية فحسب، ام انها ستعمل على الغاء الطائفية برمتها؟ اساساً، هل من المستطاع الغاء الطائفية السياسية من دون الغاء الطائفية؟

الدستور لا يقدم اجابات شافية على هذه المسألة. فهناك في ميثاق الطائف وفي الدستور اشارات واضحة الى الامرين معاً، اي الى ضرورة الغاء الطائفية السياسية والى الغاء الطائفية. ولكن، بين هذا وذاك فرق كبير. فإلغاء الطائفية السياسية يعني الغاء طائفية المناصب والوظائف والحصص، وانحيازاً من قبل الدولة، عندما تسن قوانين الاحزاب والجمعيات والانتخابات والمجالس التمثيلية، الى جانب الاحزاب والحركات والتكتلات العابرة للطوائف على حساب الكيانات الطائفية. هذا امر بالغ الصعوبة في لبنان، ولكن الاصعب منه هو الغاء الطائفية وهو يقتضي تعقبها ومطاردتها في سائر كيانات المجتمع الاهلي سواء في المحاكم الروحية او في ميادين التربية والتعليم او العمل الخيري. وبديهي ان عملاً بهذا الحجم، اي الغاء الطائفية السياسية او الطائفية، سينعكس بالضرورة على تشكيل الهيئة وعلى اختيار اعضائها. وهنا ايضاً تقع على عاتق رئيس المجلس النيابي اللبناني مهمة الاختيار الا اذا شكل هيئة بقصد وضع اسس تشكيل الهيئة المرتجاة والتي ينتظرها اللبنانيون منذ اكثر من عقدين من الزمن.

في الوثيقة السياسية ل «حزب الله»، سعى الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله الى الاجابة عن السؤال التالي: اي ديموقراطية تناسب لبنان وتتماشى مع احواله؟ وأعلن بوضوح ان الديموقراطية التوافقية هي افضل انواع الديموقراطية لمجتمع مثل لبنان تتعدد طوائفه وتتنوع جماعاته الثقافية والاثنية. هذا التبني لا يغير كثيراً في الواقع اللبناني، ولا يضيف جديداً الى النظريات السياسية المتعلقة بلبنان. بالعكس انه تعبير عن اقرار بهذا وذاك. وعلينا ان نذكر هنا ان واضعي الدستور اللبناني عام 1926 هم الذين ادخلوا المواد الدستورية التي شكلت اساساً للديموقراطية التوافقية، اي قبل ستة عقود من تأسيس «حزب الله». وعلينا ان نذكر ايضاً ان ارندت ليبهارت، عالم السياسة الهولندي الاصل، هو الذي بلور نموذج الديموقراطية التوافقية واعتبر النظام السياسي اللبناني واحداً من اهم الامثلة على هذا النموذج وليس قادة «حزب الله». فضلاً عن هذا وذاك فإن ادخال فكرة الديموقراطية التوافقية في الادب السياسي اللبناني لم يكن من صنع «حزب الله» او من صنع البيئة السياسية او الفكرية التي خرج منها بل من صنع الآخرين. ولكن الوثيقة اعلنت موافقة «حزب الله» على هذا النمط من الديموقراطية من باب القبول بواقع السياسة اللبنانية والرغبة في التآلف معه.

في هذا النهج الواقعي خطا السيد حسن نصر الله خطوة مهمة على طريق تطوير حزب اسلامي. اهمية هذه الخطوة لا تكمن في تبني الحزب لفكرة التوافق لان هذه الفكرة تنسجم مع المنظور الاسلامي القائل بوحدة الامة، ولكن الجديد هنا هو في تبني الحزب للنظام الديموقراطي الذي يقوم على امرين: الاول هو وضع السلطة في يد الشعب، وقد نقلت الديموقراطية حيثما كانت، السلطة من يد الحاكم المطلق الى يد المواطنين العاديين. الامر الثاني، هو التأكيد على فكرة التنافس وهي تنطلق من الاقتناع بالنسبية في الفكر والاخلاق والسياسة. فهل تنهض الديموقراطية التوافقية التي يتبناها «حزب الله» على هذه الاسس؟

يأخذ «حزب الله» بالديموقراطية التوافقية على اساس انها تشكل صيغة ملائمة «لمشاركة الجميع وطمأنة مكونات الوطن وفتح الابواب امام قيام دولة الاطمئنان والعدل في لبنان». هذا كله يشكل مسوغاً لأي حزب للأخذ بالديموقراطية اللبنانية. ولكن «حزب الله» ليس اي حزب. انه حزب اسلامي يعمل في منطقة تشهد جدلاً كبيراً ومناقشات مهمة حول العلاقة بين الديموقراطية والاسلام. هذه المناقشات لا تتوقف عند الموقف «السياسي» للحزب الديني / الاسلامي تجاه الديموقراطية، بل تتخطى ذلك الى ولوج حيز الفكر والممارسات الاسلامية كأساس للدمقرطة.

بتعبير آخر، فانه لا يمكن الفصل - بخاصة في ظروفنا الراهنة - بين القبول السياسي بالديموقراطية والتأصيل الديني لها. ولا يمكن الفصل، كما فعل الامين العام ل «حزب الله» عندما اشهر الوثيقة السياسية بين الجوانب السياسية، من جهة، وبين الجوانب العقائدية او الايديولوجية والفكرية، من جهة اخرى. ان العقيدة، اي منظومة القيم، هي اساس في تفسير الواقع وفي العمل على اصلاحه وهي تلعب دوراً لا جدال في اهميته في توجيه الاستراتيجيات السياسية وفي صوغ المواقف القريبة والبعيدة المدى وفي صوغ البرامج. وبمقدار ما هي كذلك، فإن ارجاع الديموقراطية، توافقية كانت ام غير توافقية، الى جذورها الدينية والاسلامية هو امر بالغ الاهمية عند اللبنانيين والعرب والمسلمين. بمقدار ما يتقدم «حزب الله» على هذا الطريق، يطمئن مكونات المجتمع اللبناني، وبمقدار ما يبقي الدمقرطة في حدودها «السياسية» يبارح الاطمئنان نفوس اللبنانيين بخاصة عندما تشتد الازمات السياسية وتعصف الطائفية بامنهم واستقرارهم ووحدة بلدهم.

* كاتب لبناني

====================

مصدرو الفساد .. الشركات المفسدة مثالا

رمضان جربوع

10/12/2009

القدس العربي

ظهر الفساد في البر والبحر وكان لابد أن يلج بلاد العرب، دخل إلينا، ونبتته أصلا عندنا، ترعرت في ظل غياب دولة المؤسسات وارتوت تحت تسلط أولي الأمر الوجلين أبدا، وأينعت بغياب المحاسبة والمساءلة، الفساد كان استثناءّ، وبفضل العولمة وروائح نفطنا (أو زفتنا) صار القاعدة.

 

عن العولمة والتنمية يحدثونك

العولمة والتعاون الدولي عنوان مثير لا غبار عليه كمحرر لقيود التجارة والاستثمار والازدهار المشترك، إلا أن ما نالت منه دول النفط في معظمها ليس سوى صور باهتة تحاكي الحداثة في بناء الأبراج والفنادق بل وحتى في المأكل والملبس والطرب، كل ذلك يتم بمسمّى 'التنمية' وكأنها صرح يمكن تلزيمه لشركات 'عولمة' تقوم به عوضا عن أبناء البلد، الذين لم 'ينموا' بعد، بل إن كل ما تم إنجازه قبل حقبة النفط، على قلّته، انهار وحل محله مشاريع إعمار وبنية تحتية مهولة الأرقام ركيكة البنيان، وتناسى الكل أن التنمية لا تنطلق إلا من تنمية الإنسان... ليس بمنظور العلم والإدارة ولكن بتربية وطنية تعرفه بحقوقه وواجباته وتعلمه كيف يطالب بها ويقوم بما عليه في ظل حريات مكفولة ومحاسبة ومساءلة تنطلق من القاع وصولا للقمة لا يخشى فيه الفرد شيئا على نفسه أو ماله بمساواة مطلقة ولا تميز بعلاقة أو قرابة. .. هذا لم يحدث، خشية تغير الأحوال أو زوال السلطان، فكان الحكم في هذه البلدان واقعا ضمن 'الدائرة' الخاصة وما يتبعها من أقارب وأصدقاء و'عمال' أمن وسياسة، والباعث لذلك الاطمئنان والاستقرار والدوام.

الشركات المفسدة

ولما كان المال كثيرا، تغيرت مواصفات الإنشاءات المطلوبة وأصبحت تجاري وتتفوق على نظيرتها في الغرب، هذا صار عرفا، فالأموال الطائلة التي يدفعها الغرب لنفطه لابد لها أن ترجع من حيث أتت أصلا عن طريق الشركات، الشركات التي تنفذ على طريقة 'تسليم مفتاح'! أو التي تورد التجهيزات والعدد والسلاح، السلاح الذي غالبا ما يصدأ في انتظار من يتدرب عليه ويصونه ليستعمله عند الحاجة.

والمال كالسكر للذباب، يجذبه من كل حد وصوب، تتكالب الشركات الأجنبية على العطاءات للمشاريع 'الطنانة' ولما كانت دولة المؤسسات والشفافية مفهوم لم يصدّروه لنا بعد، ونبتة الفساد الصغيرة ترعرت في غياب المساءلة والمحاسبة، فلابد لراغب الفوز بقصب، من 'وكلاء' يعينه على تسويق بضاعته، وترسيم العطاء صار رهنا لمكالمات هاتفية أو أوامر خفية، أصبحت مهنة 'الوكالة' حكرا على المتنفذين وذوي السلطان، والدائرة التي تحدثنا معها، صارت متشعبة ومتعددة الأجنحة، ارتفعت قيمة 'العمولة' لتصل أحيانا في بعض البلدان إلى ما يتجاوز النصف حتى تستطيع سد الحاجات للمسهلين من ذوي الجشع والشهية بينما المعتاد حسب أصول المهنة في عقود الملايين، لا تتجاوز العمولة النصف في واحد بالمئة.

عادة إذا كانت 'الشركة' محترمة، فهي لن تقبل لأن لديها سمعة محترمة على مستوى العالم بل وصارت تخشى من تهمة 'غسيل الأموال' والتحويلات المشبوهة، وبالتالي حل محل الشركات 'المحترمة' شركات أخرى غير محترمة، التي يملكها في الغالب أفراد مغامرون لا يزعهم وازع ولا تهمهم سمعة أو صيت. بلدانهم الأصلية لن يهمها كثيرا أمرهم وما يفعلون، فأرباحهم سترجع للبلاد وسيوفرون وظائف وينعشون اقتصادها.

أما البلد الذي تنفق أمواله بهذا الأسلوب، عبر الشركات 'المفسدة' فسيتحمل شعبه، المالك لثروته الشرعي، عبء الخسارة الناجمة عن مضاعفة الأسعار ورداءة نوعية العمل المنفذ والتعطيل، ولن يجرؤ أحد على مساءلة تلك الشركات، لأن الذي لديه الصلاحية بذلك قد قبض مقدما، بل وسيلزم لذات الشركة أشغال أخرى . هكذا تتكون لدينا طبقة متسلقة جديدة تقضي على الطبقة المتوسطة، أس التقدم والنمو، ويستمر الحال في إدارة دفة شؤون الدولة عن طريق الإملاء من عل، وينتعش الفساد ويزدهر، ونكون في وضعية الذي 'استورد' الفساد على أصول العولمة، هؤلاء 'الوكلاء' من ذوي النفوذ والقربى والشراكة، يسهل التعرف عليهم، يكفي زيارة الفنادق الفاخرة في عاصمة عربية لتراهم!

 

ودول الحراسة

الدول التي لا نفط لها، أصبحت تعتمد على القادمين من وراء البحار، أكلا وشربا وملبسا وإنشاءات وغيرها، بل لقد صاروا مرتهنين للسائح الأجنبي وإعانة الأجنبي واستثماراته، التي تنفذ وفق ما يملي وما يوافقه فكان لابد لاستمرار الدعم- أن تتقلص مساحة 'الاستقلال' فتحولت إلى رقم من الأرقام، ولما كان الأجنبي وصديقه 'المحلي' مصدر الرزق الجديد، فكان من الطبيعي أن يلتف حوله 'دائرة' أخرى شبيهة بالأولى في بلدان النفط، وتتكرر المأساة ويعم الفساد، إلا أن الفساد في هذه الدول له نتيجة مباشرة ألا وهي الاستغراق في الفقر والتخلف ناهيك عن ضياع القيم ومفهوم الوطن .. الذي تحول في بعض البلدان إلى 'ماخور' ملذات أو مصرف غسيل أموال، في بعض البدان صار غسيل الأموال مخصصا لساسة ومتنفذي الغرب الذين يقدمون العون ويعرضون الصداقة والعون، حتى وإن كان هو المستعمر السابق. ساسة الغرب هؤلاء أصاب بعضهم 'فيروس' الفساد المعرب، فلقد شاهدنا مارغريت ثاتشر وزوجها وابنها وكذلك برودي إيطاليا وتوني بلير وساركوزي وجيسكار ديستان وغيرهم كثر، يجوبون الآفاق لتسويق شركات بلادهم ومصالحها، حسب واجبات وظائفهم، إلا أنهم في بعض الأحوال لا يستنكفون من تناول 'الغطيسة'!

 

الفساد طريق الهلاك

من نتائج الفساد غير المباشرة هو تحول معظم الحكومات إلى أدوات لكبح جماح المواطنين ولجم تطلعهم لحقوق إنسان لم تعد في بلداننا سوى أنشودة نتغنى بها جميعا، بما في ذلك الذين ينتهكونها. باختصار صار النخبة الحاكمة في عدد من بلداننا، عبارة عن حراس محليين للمنطقة ومواردها، وهؤلاء في جميع الأحوال أقل كلفة من الاستعمار المباشر

ويحق لنا أن نتساءل: هل نحن مستقلون فعلا؟

الفساد معيق للتنمية، لأنه وكما قلنا؛ التنمية التي لا ترتكز على الإنسان الفرد، لن تؤتي ثمرا، فإنسان لا يعي ما يدور في بلده وحوله ولا يكاد يجد الوقت لسد رمقه، هو إنسان عطب، وبلده يسكنه معطبين، سيزداد عطبا لا محالة، وعندما يعم العطب ستنهار الدولة، وسيضيع الاطمئنان والاستقرار ولو بعد حين، ولن تجد 'دوائر' السلطان والأمير من سبيل سوى الاستزادة من نفوذ الأجنبي وتدخله المباشر حفاظا على 'السلام' ربما خشية من عملية 'استبدال' كما حدث في العراق، ولعلنا نجد في مطالبة رئيس وزراء الصومال الأخيرة بتدخل أجنبي مسلح لضبط الأمور في بلاده نذيرا بما قد يحدث في بقية بلداننا التي في مجملها معرضة للغزو والاحتلال، ولن يهم المحتل أو الغازي إدارة شؤونها، فيكفيه تأمين المنطقة من الناحية الجيوسياسية والنفطية فقط، أما زعزعة الوطن ونشوب نزاعات وحروب أهلية، فقد يقول .. يا مرحى!

 

هل من حل؟

الصورة ليست كاملة القتامة، ما يزال لدينا فرص القضاء على الفساد، والقيام بإصلاح اداري وسياسي، من حيث آليات اتخاذ القرار، كل القرارات السياسية والإدارية وصولا للاقتصادي، والفرصة متاحة في اعتماد مبدأ الشفافية والمساءلة والمحاسبة بفتح الأبواب مشرعة لحرية إعلام ومؤسسات مجتمع مدني وفق المعايير الدولية، تتكون مؤسساته بمجرد إبداء الرغبة ولا ترتهن بموافقة 'وزارة'، مؤسسات المجتمع المدني يجب أن يتاح لها العمل في أي مجال تختاره، بما في ذلك السياسة، التي هي خلف كل شيء، وتختلف مؤسسة المجتمع المدني، حتى وإن عملت في السياسة، عن الحزب السياسي بكونها وبطبيعتها لا تسعى للسلطة. هذه مطالب طبيعية نعتقد بعدم جدوى أي إصلاح ما لم يطلق العنان غير المقيد لمجتمع مدني ولإعلام حر وإعمال للقانون ومساءلة ومحاسبة، ليس فقط فيما سيأتي بل وأيضا، لكي يصدق الناس، فيما مضى!

' كاتب ليبي

ramadanjarbou@yahoo.com

====================

لا علاج لأفغانستان من دون باكستان أوّلاً!

المستقبل - الخميس 10 كانون الأول 2009

العدد 3507 - رأي و فكر - صفحة 21

خيرالله خيرالله

أخيرا وبعد تفكير طويل واستشارات استغرقت اسابيع عدة، رضخ الرئيس باراك اوباما، ولو جزئيا، لرغبات المؤسسة العسكرية وقرر ارسال ثلاثين الف جندي اضافي إلى افغانستان. لم تمض ايام على اعلان اوباما قراره بتعزيز الوجود العسكري الأميركي في افغانستان، حتى جاء الهجوم الذي شنه اربعة انتحاريين على مسجد في مدينة روالباندي الباكستانية.

كان الرد الطالباني في باكستان بدل ان يكون في افغانستان. جاء الهجوم الذي حصل يوم الجمعة الماضي وادى إلى سقوط نحو خمسة وثلاثين قتيلا بينهم عدد من كبار الضباط الباكستانيين، وكأنه تذكير للرئيس الأميركي بأن ليس في الأمكان الفصل بين باكستان وافغانستان وان اساس المشكلة في باكستان نفسها نظرا إلى انها تحولت إلى ما يشبه مصنعا ينتج "طلابا" اقرب إلى قنابل موقوتة من اي شيء آخر. هذا المصنع اسمه المدارس الدينية التي عددها بالآلاف. انتشرت المدارس في عهد الرئيس الراحل الجنرال ضياء الحق. عمل ضياء الحق منذ استيلائه على السلطة في اواخر السبعينات، عن طريق انقلاب عسكري بدعم اميركي وغير اميركي، على نشر التطرف في المجتمع الباكستاني. اصرَ، بعدما قوي عود نظامه، على اعدام ذو الفقار علي بوتو الذي كان رجلا عصريا، عمل من موقعه كرئيس للوزراء على تحقيق اصلاحات حقيقية لمصلحة الطبقة الفقيرة بغية ابعادها عن التطرف، خصوصا التطرف الديني.

لا يمكن عمل شيء بالنسبة إلى الوضع في افغانستان من دون التصدي للوضع الباكستاني بشكل جدي أوّلا. لقد اعلنت "طالبان" مسؤوليتها عن الهجوم على المسجد القريب من مقر للقيادة العسكرية ومن منازل ومقرات تابعة لضباط كبار في الأستخبارات والأمن في روالباندي. يدل ذلك على ان المؤسسات الرسمية الباكستانية مخترقة من "طالبان" وان الحركة تمتلك مؤيدين لها داخل المؤسسة العسكرية الباكستانية يسهلون لانتحارييها الاقتراب من المواقع الحساسة المطلوب تفجيرها. لم يعد السؤال هل في الامكان معالجة الوضع الأفغاني من دون الذهاب إلى جذور المشكلة، اي إلى باكستان نفسها. بات السؤال هل تعي الادارة الأميركية ان كل الجهود التي تبذلها مع المتضامنين معها، على رأس هؤلاء الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، ستبقى من دون جدوى في غياب استراتيجية واضحة تركز على باكستان قبل افغانستان...

قبل عامين تقريبا، نشرت مجلة "تايم" الأميركية موضوعا افردت له غلافها. فحوى ما ورد في المقال الطويل ان البلد الذي يشكل الخطورة الأكبر في العالم هو باكستان وليس العراق. عددت الأسباب التي تجعل باكستان اخطر بكثير من افغانستان. وركزت في الوقت ذاته على الأضرار التي خلفتها المدارس الدينية التي كانت في اساس نشوء"طالبان". أن طلاب هذه المدارس هم الذين كانوا يتوجهون إلى افغانستان بعد تدريبهم على السلاح. وكان هؤلاء وراء تمكين "طالبان" من السيطرة على افغانستان بعد الانسحاب السوفياتي منها وبعد انتشار الفوضى في كل مكان بسبب الخلافات التي نشأت بين زعماء "المجاهدين".

لم تكن الولايات المتحدة نفسها بعيدة عن نشوء "طالبان" وانتشار نفوذها بدعم واضح ومكشوف من جهاز الأستخبارات العسكرية الباكستاني في مرحلة كانت الأولوية فيها إلى استخدام الأراضي الأفغانية لتمرير انابيب النفط المستخرج من الجمهوريات الاسلامية التي كانت في ما مضى جزءا من الاحاد السوفياتي. غض الأميركيون الطرف على كل ما كانت "طالبان" ترتكبه في افغانستان. لم يكن هناك كلام عن الديموقراطية ولا عن حقوق الانسان ولا عن تعليم المرأة ولا عن اضطهاد الأقليات، خصوصا الأقلية الشيعية، التي عانت الأمرين من التزمت الطالباني.

في المستقبل القريب، سيصل ثلاثون ألف جندي اميركي اضافي إلى افغانستان. كذلك، سيصل نحو سبعة آلاف جندي من الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي. ربما تكون السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية على حق عندما اعتبرت لدى اجتماعها بوزراء الدفاع في دول الأطلسي قبل ايام في بروكسيل ان"الانتصار على التمرد الذي تقوده طالبان في افغانستان امتحان حاسم للحلف". نعم انه امتحان حاسم للحلف. اكثر من ذلك، يتوقف مستقبل الحلف ودوره على النجاح في افغانستان. ولكن، مرة اخرى، لا مفر من الذهاب إلى النبع بدل التلهي بالسواقي. ان النبع الذي تتغذى منه "طالبان" هو باكستان. باكستان هي الحديقة الخلفية لأفغانستان. كيف السبيل إلى معالجة الوضع الباكستاني وتجفيف النبع الذي يخرج منه طالبانيون بالآلاف المؤلفة؟ إلى الآن، ليس ما يشير إلى اقتناع الادارة الأميركية بمدى الاختراق الطالباني للمجتمع الباكستاني على غرار ما حصل في افغانستان بالأستناد خصوصا إلى العامل القبلي. فقبائل البشتون المنتشرة في باكستان وافغانستان والتي يجمع الانتماء اليها بين عناصر "طالبان" لا تعترف بالحدود بين باكستان وافغانستان. ولذلك، تستطيع هذه القبائل تأمين الحماية لأسامة بن لادن و"القاعدة" في الأراضي الأفغانية او الباكستانية لا فارق.

هل لا يزال في الامكان معالجة الوضع الباكستاني؟ ذلك هو السؤال الكبير. اذا لم يعالج هذا الوضع لا فائدة من مليون جندي اميركي اضافي في افغانستان. ثمة حاجة إلى تغيير جذري في توجه السياسة الباكستانية والتفكير الذي في اساس هذا التوجه. بكلام اوضح، ثمة حاجة إلى التوقف عن اعتبار الهند العدو الأول وان لا بدّ من حشد معظم فرق الجيش الباكستاني على حدودها. العدو الأول لباكستان هو المد الطالباني على كل المستويات افقيا وعموديا. هل لا يزال في الامكان وقف المد؟ اذا لم تتمكن الادارة الأميركية من الذهاب إلى النبع، اي إلى المصنع الباكستاني الذي ينتج انتحاريين ويصدرهم إلى باكستان نفسها وإلى افغانستان، ليس مستبعدا ان يصدق الذين يحذرون من ان افغانستان ستكون فيتنام اخرى للولايات المتحدة!

====================

الاتفاق التركي  الأرميني: آفاق وتداعيات

المستقبل - الخميس 10 كانون الأول 2009

العدد 3507 - رأي و فكر - صفحة 21

حمزة سعد

تركيا وارمينيا على ابواب مرحلة جديدة من تاريخ العلاقات بينهما، ففي العاشر من شهر تشرين الاول 2009 وقع ممثلا البلدين في زيورخ، برعاية وحضور دولي لافت، على وثيقتين لتطبيع العلاقات بينهما. وكما بات معروفا فهي تتضمن بروتوكولا لتطوير العلاقات المتبادلة، وآخر لاقامة العلاقات الديبلوماسية. فهل يعني ذلك طي صفحة العداء التاريخي التي دامت زهاء قرن من الزمن؟ تخللها اغلاق للحدود، وقطع للعلاقات الديبلوماسية، وجدال تاريخي على خلفية المجازر التي تعرض لها الشعب الارمني عام 1915، وساهمت في نشوب واطالة امد النزاع الدائر حول ناغورني كاراباخ.

ان ما تم الاتفاق عليه بين البلدين المجاورين ليس مجرد خطوة متقدمة على طريق المصالحة بينهما، وبخلاف اعلان النوايا، او خارطة الطريق، فهو يرتب على الطرفين التزامات سياسية وقانونية واجبة التنفيذ خلال فترة زمنية محددة، بعد ان يتم التصديق على تلك البروتوكولات من قبل السلطات التشريعية في كلا البلدين، وفقا للاصول الدستورية المتبعة. فالبروتوكول الاول الخاص بتطوير العلاقات المتبادلة بين البلدين ينص على فتح الحدود المشتركة في غضون شهرين من تاريخ وضع الاتفاق موضع التنفيذ. اما بروتوكول اقامة العلاقات الديبلوماسية فينص على اقامتها وفقا لاتفاقية فينا الدولية للعام 1961، اعتبارا من اليوم الاول للشهر الذي يلي تبادل وثائق التصديق. وهنا يشار الى ان تصديق الاتفاقيات من قبل برلمانات البلدين لن يشكل عقبة، خاصة في ارمينيا، كاحدى دول الاتحاد السوفياتي السابق، التي لا يعدو البرلمان فيها اكثر من مؤسسة لتشريع اعمال السلطة التنفيذية.

وبالرغم من ان تاريخ العلاقات الدولية، لا سيما الحديث منه، حافل باتفاقيات اقامة علاقات ديبلوماسية مشابهة بين اعداء تاريخيين، نذكر منها مثلا، العلاقات بين كل من تركيا واليونان، تركيا وبلغاريا، بولندا واوكرانيا، روسيا والمانيا، فرنسا والمانيا واسرائيل والمانيا. فان الاتفاقية الحالية تشكل سابقة في تاريخ العلاقات الدولية حيث الاتفاق على اقامة العلاقات الديبلوماسية يتطلب تصديقا من قبل البرلمان قبل وضعه موضع التنفيذ.

يجمع المراقبون على ان تطبيع العلاقات بين تركيا وارمينيا سيؤدي الى تغيير جذري في المناخ الامني لمنطقة القوقاز من البحر الاسود الى بحر قزوين. الامر الذي حظي بتأييد الاطراف الاقليمية والدولية ومن ضمنها روسيا، التي شاركت الى جانب الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الاوروبي في الضغط على الطرفين ودفعهما الى المضي قدما نحو الاتفاق، نظرا لتقاطع مصالحها الجيوسياسية في المنطقة، بالاضافة الى رغبة الطرفين في وضع حد لنزاع تاريخي استنزف الكثير من إمكانياتهما في الماضي، بخاصة ارمينيا، ويحول في الوقت الراهن دون تحقيق فرص قد تكون تاريخية.

فارمينيا مثلا تنتظر من الصلح مع تركيا تحقيق جملة اهداف مهمة تتمثل بفتح الحدود المشتركة بينهما، ما يفتح امامها الطريق الى اوروبا اقتصاديا، ويخرجها من عزلتها، ومن ارتهانها للحدود الضيقة مع كل من ايران وجورجيا، والمهددة دائما بسبب عدم الاستقرار في تلك الدول، بالاضافة الى سعيها للعب دور فعال في مجال نقل الطاقة عبر القوقاز، واخذ مكان جورجيا، مع بعض التعديلات التقنية، على خط نقل الغاز نابوكو نظرا لموقعها الجغرافي الواصل بين تركيا واذربيجان. اما سياسيا فان الصلح مع تركيا يخفف من حدة التوجه الروسي، ويتيح لها اقامة علاقات متوازنة سياسيا مع الغرب.

في المقابل، فان تطبيع العلاقات مع ارمينيا يعزز المكانة الجيوسياسية لتركيا، ويعكس نجاحها في اعتماد سياسة القوة الناعمة لحل النزاعات بالمقارنة مع السلوك الحربي الروسي في القوقاز، الامر الذي يؤثر ايجابا في دورها كدولة عظمى اقليميا، وكمحور جذب، ومصدر للاستقرار والامن في منطقة ذات اهمية استراتيجية بالنسبة الى اوروبا. ويعزز بالتالي رصيدها في حسابات عملية الانضمام الى الاتحاد الاوروبي. واخيرا فان فريقا من المراقبين يدرج الخطوة التركية في اطار مشروع استراتيجي شامل للمنطقة، يهدف الى تقليص النفوذ الروسي في القوقاز، وذلك من خلال اقامة كونفدرالية تضم دول القوقاز الجنوبي (اذربيجان- ارمينيا- جورجيا) تحت وصاية ورعاية الاخ الاكبر.

بالإضافة الى ذلك، ان الاتفاق التركي الارمني يضم طرفا ثالثا خفيا، الا وهو أذربيجان، وقضية ناغورني كاراباخ بالتحديد. فبالرغم من ان البروتوكولات الموقعة لا تربط بين تطبيع العلاقات والنزاع بشأن الإقليم الانفصالي، الا انه ليس سرا ان أنقرة تراهن على تحقيق تقدم ملحوظ باتجاه تسويته، وبخاصة لجهة انسحاب ارمينيا من المناطق السبع المحيطة بالإقليم والمعروفة باسم حزام الأمان لناغورني كارباخ، قبل تقديم البروتوكولات للتصديق في مجلس النواب التركي. وهذا ما اشار اليه اردوغان في معرض رده على نفي القيادة الارمنية لوجود أي رابط بين الاتفاقية وأذربيجان والنزاع معها.

بهذا الصدد يجدر التوقف عند وجهة النظر التي تقول بان الحكومة التركية من خلال سعيها لتحسين علاقتها بجيرانها لتعزيز مكانتها وتأثيرها في القوقاز، تضع نفسها رهينة لإرادة دول خارجة عن سيطرتها. ففي حال توصل كل من اذربيجان وارمينيا، في الوقت القريب الى تسوية بشأن ناغورني كارباخ، يمكن الحديث عن تطور الأمور ايجابيا، وتصبح بنود خارطة الطريق التي وضعها الاتراك والارمن قابلة للتنفيذ. في حين ان عدم الاتفاق بين ارمينيا واذربيجان، وهو امر محتمل، يضع انقرة بين خيارين، اما التراجع عن التطبيع مع ارمينيا، او تتدهور علاقتها باذربيجان، الأمر الذي يوثر سلبا في مكانة تركيا ودورها في المنطقة.

====================

عنصريتان

حظر المآذن في سويسرا

السفير

10-12-2009

صقر ابو فخر

قرر السويسريون حظر بناء المآذن في بلادهم في استفتاء أجري في 29/11/2009. وجاءت ردات الفعل من الهيئات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان وحرية العبادة غاضبة ومعارضة لهذا الاستفتاء ونتيجته باعتباره اعتداء على الحرية الدينية للأفراد والجماعات. واللافت أن أكثر الاحتجاجات شجاعة أطلقتها أوساط سياسية واقتصادية وثقافية سويسرية بالدرجة الأولى، وهؤلاء دعوا، بقوة، الى التصويت ضد مشروع حظر المآذن الذي دعا إليه اليمين الشعبوي، ورأوا فيه شأناً خطيراً يهدد السلام بين المجموعات الدينية في سويسرا، ويسيء الى صورة بلادهم. ولا ريب في أن موقف هؤلاء السويسريين، ومعهم فئات واسعة من الأوروبيين، هو موقف شريف ومعارض للعنصرية المتمادية في أوروبا، ليس ضد المسلمين وحدهم، بل ضد المهاجرين من البلدان المستعمرة سابقا، حتى لو كانوا مسيحيين. وما لا يدركه الأوروبيون، وبينهم السويسريون بالطبع، أن هذه الكراهية المنحطة، وتلك العنصرية البذيئة هي التي تؤسس للإرهاب الذي تشكو منه بعض الدول الأوروبية.

اللافت أن الغالبية العظمى التي صوتت على ذلك القانون هي التي تسكن في الكانتون الذي ليس فيه مسلمون أو جوامع، الأمر الذي يشير الى مدى تفاقم الأزمة الثقافية والفكرية في بلدان أوروبا التي عادت لتتلوث بالعنصرية المنفلتة من عقالها، والتي اعتقدنا أن أوروبا تخلصت منها غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية.

تأخرت الهيئات السياسية والدينية في بلاد العرب قليلاً كي تبدأ حملة الاعتراض على هذا القانون. لقد كانت أوروبا بمثقفيها الإنسانيين والمناهضين للعنصرية والمدافعين عن المهاجرين وعن حق الهجرة، ولا سيما لأبناء المستعمرات السابقة التي امتص البيض الأوروبيون نسغها وثروتها معاً، مثالاً يحتذى حقاً، ويخالف الوجه الآخر لليمين الأوروبي المتطرف المدرع بالكراهية. وهكذا كرّت سبحة المواقف العربية والإسلامية والدولية التي أدانت، في معظمها، موقف أغلبية السويسريين من هذه المسألة (58% وافقوا على حظر بناء مآذن جديدة).

سأحاول أن أتأمل، ما استطعت، في هذا الأمر، وأن أقلّب هذه القضية على وجوه اخرى غير ما اعتدنا أن نسمعه ونقرأه من أفواه المتعصبين في بلادنا العربية والإسلامية.

هل حقاً منعت حرية الاعتقاد لمسلمي سويسرا؟ وهل حظر بناء مآذن إضافية هو اعتداء فعلي على الحرية الدينية لجماعة المسلمين؟

أحسب أن حرية العبادة للمسلمين لم تمسّ. فالمسلمون في سويسرا، وفي النمسا والدنمارك والسويد والنرويج وهولندا وغيرها، ينعمون بحرية ممارسة شعائرهم الدينية وبحرية التعبير عن إيمانهم أكثر، بما لا يقاس، مما هو متاح لهم في بلدانهم الأصلية. أما الأمر الطارئ فهو منعهم من إقامة مآذن جديدة فحسب، وهذا الأمر مرتبط تقريره لا بالمسلمين وحدهم، بل ببقية السكان من الجماعات الأخرى التي طالما أزعجها ارتفاع صوت الأذان في الفجر في الأحياء المختلطة. أي إن حظر بناء مآذن إضافية هو، في أحد وجوهه، دفاع عن حق الآخرين من غير المسلمين (وربما بعض المسلمين أيضا) في النوم الهادئ عند الفجر، وحقهم في عدم إيقاظ أبنائهم التلاميذ قبل موعد وصول حافلات النقل المدرسي.

سيمط كثيرون شفاههم عجباً لكلامي هذا، لذا سأعيد التذكير بما جرى في طهران منذ سنوات عدة، فلعل البعض يتذكر ويتفكر بعقل نقدي وعيون صاحية، فقد طلب آية الله جلالي خميني، وهو ممثل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، من مساجد طهران ألا تسبب إزعاجاً للأهالي برفع أصوات مكبراتها الصوتية. وذكرت صحيفة «إيران دايلي» التي تصدر بالانكليزية أن جلالي خميني أوضح بعبارة صريحة «أن مكبرات الصوت في المساجد ينبغي ألا تتسبب في إزعاج سكان الجوار، وينبغي عدم رفعها إلا لدى الأذان» («السفير»، 15/7/1998). ويعرف كثيرون هنا في بيروت مقدار معاناة التلاميذ، والذين عليهم الاستيقاظ في السادسة صباحا على سبيل المثال، جراء تداخل أصوات عشر مآذن على الأقل في حي واحد متوسط الحجم، علاوة على الاحتفالات الدينية المتمادية طوال أيام الأسبوع. وصارت بعض المساجد لا تكتفي بمئذنتها العادية، بل راحت تمد مكبرات الصوت الى سطوح المباني البعيدة.

إذا كان قرار أغلبية الشعب السويسري، المتمرس بالديموقراطية والحريات وقضايا العدالة والمساواة تعتوره شبهة الاعتداء على الحريات الدينية، فنحن، بالتأكيد، ضد هذا القرار حتى لو أن غالبية الناس هي من اتخذته. لكنني أعتقد أن مثل هذا القرار قد يكون لمصلحة المسلمين في سويسرا، ولعلنا لا نريد، فعلاً، أن يسمع السويسريون بعض خطب الجمعة التي يتخللها الدعاء على النصارى واليهود. فهل يريد بعض المتعصبين منا حقا أن يستمع السويسريون الى الحض على الكراهية مثلما فعل الشيخ عدنان إبراهيم في النمسا، وهو إمام وخطيب مسجد الشورى في فيينا، عندما وصف المسيحيين واليهود ب«المشركين والزناة»، وطلب من المسلمين عدم الزواج من الكتابيات البتة، إلا إذا اضطر الى ذلك، فعليه، والحال هذه، عدم الإنجاب؟ (جريدة «السياسة» الكويتية، 5/1/2007). وهل من الملائم لنا أن يكتشف السويسريون بعض الخطب التي تعلّم المسلم كيف «يربي» زوجته بالضرب كما فعل الشيخ محمد كمال مصطفى إمام مسجد في إحدى مدن اسبانيا الذي كان ينصح مريديه «بعدم الضرب في حالة الغضب المفرط، بل توجيه الضربات الى اليدين والقدمين بقضيب ليس غليظاً جداً، بل بقضيب رفيع كل لا يترك جروحاً أو ندوباً أو أوراماً» («الشرق الأوسط»، 3/7/2003)؟

[ [ [

إحدى مشكلاتنا في هذا العصر المضطرب ليس اليمين الأوروبي المتطرف بنسخته السويسرية فقط، بل اليمين الديني الأعمى عندنا، وبالتحديد «جماعة حدثنا فلان فقال». والمدافعون عن حرية المسلمين في الغرب (وهو أمر مبدئي في أي حال) عليهم أن يدافعوا عن الحرية في الدول الإسلامية أولا كي يستقيم دفاعهم. والذين اعتقدوا أن الحرية باتت مهددة في فرنسا عندما جرى حظر إشهار الرموز الدينية في المدارس والمؤسسات الحكومية (كالصليب والنجمة السداسية والحجاب)، وتظاهروا احتجاجاً على هذا الحظر باعتباره يمس الحرية الفردية (وهذا أمر صحيح الى حد ما)، هؤلاء لم يتظاهروا ضد تركيا عندما أسقطت عضوية مروة القاوقجي من البرلمان لإصرارها على ارتداء غطاء الرأس. وهؤلاء الذين يحتجون اليوم على حظر بناء مآذن جديدة في سويسرا باعتبار ذلك عدواناً على الحرية، لماذا لا يدافعون عن حرية المرأة في بعض الدول الإسلامية التي تمنع عليها قيادة السيارة وحتى دروس الرياضة في المدارس؟

إن وقوف بعض هيئات الدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق المهاجرين والمنافحين عن حرية الاعتقاد ضد نتيجة الاستفتاء السويسري لهو أمر جدير فعلاً بالتقريظ والاحترام. لكن مواقف «جماعة حدثنا فلان فقال» تسيل منها رائحة الانتهازية والنفاق بصورة لافتة. فهؤلاء (بل بعضهم على الأحوط) رفضوا بناء كنيسة في قطر التي يقيم فيها 400 ألف مسيحي من جنسيات شتى. ومع أن هذه الكنيسة دشنت في 15/3/2008، إلا أننا ما زلنا نتذكر ما كتبه لحدان بن عيسى المهندي في صحيفة «العرب» القطرية فقال: «إن الكنائس في قطر أمر يثير الاشمئزاز»، وكيف رفض المهندس راشد السبيعي في رسالة الى صحيفة «الوطن» «إعطاء المسيحيين الحق في بناء دور عبادة»، وكيف اعترض نجيب محمد النعيمي وزير العدل القطري السابق (ومحامي صدام حسين) على بناء الكنيسة («النهار»، 7/2/2008). وعندما اكتشفت جماعات سلفية في الكويت سنة 2001 أن مجموعة من «السيخ» تلتقي في أحد المنازل في ضاحية سلوى للتعبد، ارتفعت الأصوات تطالب بإقفال المنزل، وطالب سعد العنزي بهدم هذا المعبد المستور والموجود منذ سنة 1985، ووافقه في ذلك محمد الطبطبائي، عميد كلية الشريعة بجامعة الكويت، والدكتور عبد الرؤوف الكمالي، الداعية الإسلامي المعروف بالقول: «لا يجوز إعطاء الحرية في العبادة لغير المسلمين في أرضهم» («الرأي العام»، 21/6/2001).

المشهور أن أي كنيسة غير موجودة في طول المملكة العربية السعودية وعرضها استناداً الى حديث منسوب لابن عباس يقول ان النبي أوصى عندما اشتد عليه وجعه ب«ألا يترك في جزيرة العرب دينين». والمعروف أيضا أن دخول مكة ممنوع على غير المسلم. الآن، ماذا لو منعت روما بناء أي مسجد فيها؟ وماذا لو اتخذ الفاتيكان قراراً بمنع المسلمين من التجول في شوارع هذه الدولة؟ أما كانت القيامة تقوم احتجاجاً على هذه العنصرية، وعلى المس بالحريات الدينية؟

نعم. لو أن روما أو الفاتيكان أو أي دولة أو عاصمة اتخذت ذلك القرار، لكان الأمر يشكل، بالفعل، اعتداء على الحرية، وعملاً عنصرياً منحطاً. لكن، ماذا عنا وعن سلوكنا حيال المسيحيين والجماعات الدينية الاخرى كالهندوس والسيخ والبوذيين؟ وسلام على من إذا زجر بالحق ازدجر، وإذا تأمل وتفكّر ونظر اعتبر.

====================

استقبال سوريا لعون فجأة في خانة رئيس الجمهورية ؟

الاستنابات القضائية أداة مقايضة حيال المحكمة

روزانا بومنصف

rosana.boumounsef@annahar.com.lb

النهار

10-12-2009

بين الاستنابات القضائية السورية عشية الزيارة التي كان مفترضا أن يقوم بها رئيس الوزراء سعد الحريري لدمشق بعد نيل الحكومة الثقة واستقبال الرئيس السوري بشار الاسد زعيم "التيار الوطني الحر" النائب ميشال عون قبل أيام من زيارة رئيس الجمهورية ميشال سليمان لواشنطن يبدو ان سوريا نشطت في خط توجيه الرسائل وأبعد من ذلك ايضا. فزيارة عون مفاجئة في توقيتها وحيثياتها وطبيعتها بحيث تبدو بالنسبة الى المعنيين انها في خانة رئيس الجمهورية اكثر منها في خانة الزيارة المرتقبة للحريري. فشكلية الزيارة التي تحاول ان ترفع من شأنها تتصل في جزء منها بزيارة سليمان لواشنطن وحصر جدول اعماله بما يشبه اللغة او الخطاب اليومي لسلفه الرئيس اميل لحود طوال تسع سنين اي "التوطين والمقاومة" اللذين حمل لواءهما العماد عون بعد عودته من فرنسا كما تتصل بمواقف لسليمان أخيرا لم ترتح اليها القيادة السورية وتتعلق بفترة تشكيل الحكومة على رغم محاولته دوزنة كل مواقفه التي لم تأت وفق ما انتظره المسؤولون السوريون على ما يبدو رغم بقائه على اتصال مستمر مع القيادة السورية الى حد بات يلقى انتقادات ديبلوماسية وتساؤلات من خارج. فكانت زيارته الاخيرة المفاجئة وشبه السرية لدمشق في 12 تشرين الثاني محاولة لتخفيف الاستياء السوري. لكن وعلى طريقة دمشق في التعاطي مع لبنان ومع مواقع المسؤولية فيه، فان تمتين موقع عون على انه المحاور والموقع البديل الى حد ما الموجود داخل الحكومة يشكل ضمانا اكبر لها، وربما البديل الى حد ما خصوصا ان لديه شعبية لدى المسيحيين، ويحول دون تحولات او تحالفات استراتيجية ربما بعد الخشية من التقارب الذي تردد الحديث عنه اخيرا بين عون والحريري.

اما الاشارات السورية في الاستنابات القضائية فقد تناقضت جدا بين الايجابية والسلبية وتعددت دلائلها وتفسيراتها، لكنها قطعا ادت الى غياب اي كلام على الزيارة المفترضة التي سيقوم بها الحريري لدمشق بعد نيل الحكومة الثقة على الاقل في انتظار جلاء هذا الموضوع. ذلك ان هذه الاستنابات لا يمكن ان" تكون دعوى شخصية امام القضاء السوري وان لا علاقة لنا بها" كما قالت المستشارة السياسية في الرئاسة السورية بثينة شعبان. فهذه الاستنابات، حتى لو سلمنا جدلا بان القضاء السوري مستقل، وهو ليس كذلك، سياسية، وتنطوي على رسالة في توقيتها ورمزيتها ومضمونها وهي وصلت الى وزارة الخارجية اي الى مؤسسة رسمية ومرت عبر الاجهزة السورية. وحتى في القانون فان مثل هذه الامور توضع في الدرج اذا كانت في زيارة الحريري مصلحة للبلدين، وعدم وضعها في الدرج يعني ان هناك جانبا سياسيا وليس فقط قانونيا لهذه المسألة، باعتبار ان الخطوات التي لجأ اليها القضاء السوري هي خطوات سياسية تطال مواطنين في بلد آخر، وتاليا فان هذا الامر لا يتحرك من دون سلطة سياسية. أما الهدف السياسي على ما فهم، هو السعي الى زرع شيء منذ الان يتعلق باقامة نوع من المقايضة في الموضوع القانوني مع المحكمة الدولية. ذلك ان هذه المحكمة الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه ستستدعي شهودا واشخاصا وربما متهمين سوريين. فاذا رفض لبنان ارسال الشهود وفق الاستنابات السورية التي تطال مسؤولين وسياسيين وصحافيين من محيط رئيس الحكومة مباشرة فان ذلك سيعطي سوريا مبررا لرفض التجاوب مع استنابات المحكمة الدولية، وعدم ارسال شهود سوريين متذرعة على الارجح بان القضاء لديها يتحرك بموجب اتفاق بين لبنان وسوريا له قوة اتفاق دولي شأنه شأن المحكمة الخاصة باغتيال الحريري. ذلك ان هذا التفسير للتصرف السوري وتوقيته أربك حلفاء سوريا في لبنان الذين حاول بعضهم اما التخفيف منه او توضيح اجابات سورية ليست مقنعة حتى لهم. في حين ان الاتصالات مستمرة على اكثر من مستوى وفي اتجاهات مختلفة لاستطلاع حقيقة مآل الامور. اذ انه في انتظار بعض الاجابات والتوضيحات، فانه، الى الهدف السابق لنية سوريا المقايضة في موضوع الشهود للمحكمة، ثمة من يعتقد ان سوريا اطلقت الاستنابات بمثابة بالون اختبار من اجل معرفة المدى التي يمكنها ان تدفع نحوه الامور، وما هي ردود الفعل المحتملة وما هي نوعيتها. وهي تحتفظ بحق العودة عن كل ذلك فيما لو رأت ان الامور تتجه أبعد مما توقعته.

فما هو متوقع إذاً على هذا الخط؟

يغيب الكلام في الدرجة الاولى عن الزيارة في الايام المقبلة ولكن لفترة قصيرة جدا في انتظار اتضاح الامور. لكن الاجوبة الرسمية السورية وفقا لما قالته شعبان ليست واضحة ويمكن أن تعوق زيارة الحريري لدمشق بالتأكيد، وكثر ممن تشملهم الاستنابات هم الى جانب الحريري ويمكن ان يكونوا في عداد وفده للعاصمة السورية. فهذا يكون عرقلة للزيارة وتعطيلا لها ولا يعتقد حتى الان ان سوريا قد تكون في هذا الوارد، او ان تصل الى هذه الدرجة لاعتبار اساسي وجوهري مهم جدا هو ان الفائدة التي تجنيها سوريا وقيادتها من الزيارة التي يقوم بها الرئيس الحريري أهم بكثير من تعطيلها لها ثم ان كل الاجواء السابقة لا تصب في هذا الاتجاه بل على العكس من ذلك باعتبار ان الاجواء هي اجواء مصالحات. فضلا عن ان العرقلة في حال قصدتها سوريا، باعتبار انها تحظى حتى الان بفائدة الشك، لن تتوقف عند هذا الحد ولن يكون ذلك من دون ثمن تعرف سوريا ما معناه، خصوصا ان مناقشات النواب للبيان الوزاري لم تأت على ذكر سوريا حتى في مسائل حيوية للبنان كترسيم الحدود ونزع السلاح خارج المخيمات . اذ ان هذه الاجواء يمكن ان تتغير سريعا من حيث اعادة العلاقات الثنائية الى الوراء.

لكن من الواضح ان الكرة هي في الملعب السوري لجهة ما اذا كانت سوريا ترغب في ان تحصل زيارة الحريري لها ام لا، وكيف ستعالج هذا الامر او كيف ستتراجع عنه لان الزيارة لن تحصل في هذه الظروف والاستهدافات من دون ان يعني ذلك ان الامر لا يأخذ حجمه لبنانيا ايضا انما بعيدا من الاضواء؟ وهذا يحصل على صعيد دراسة الجانب القانوني القضائي لجهة ان الدعوى مقامة من شخص لبناني امام محكمة خارجية تستدعي لبنانيين امامها بصفة مدعى عليهم، الى جانب البعد السياسي ايضا. ويبدو ان اتصالات يتولاها كثر من اجل فرز الاشارات الايجابية عن الاشارات السلبية واعادة تصويب الامور. فهل ينجحون ام ان لسوريا اهدافا غير واضحة حتى الان؟

====================

عودة العراق إلى العراق

الافتتاحية

الخميس 10-12-2009م

بقلم رئيس التحرير أسعد عبود

الثورة

في الطريق الذي اختاروه للعراق منذ 2003 وحتى اليوم هل بقي ما يمكن أن يراهنوا عليه؟!..

الشوارع المصبوغة بالدم.. والخراب في كل مكان.. وملايين المهجرين. أما من شيء نفعله إلا إحصاء الضحايا أرقاماً لا نعرف أسماءها وبيانات إدانة واتهام.‏

على ماذا يمكن أن نراهن؟!‏

هما مفهومان مترابطان.. العراق بوحدته.. والشعب العراقي بمكوناته..‏

ذاك هو الرهان..‏

يعود العراق عراقاً.. وتعود وحدة شعبه وأرضه واستقلاله.. ليعتبر أنها سنون عجاف بدأت عندما فرض على العراق أن يخرج من ذاته.. من عروبته وبيئته الإقليمية..وعلى الشعب العراقي أن يوجد فيه من يرى أن ثمة ما هو أولى من كونه الشعب العراقي الواحد..‏

الدم الذي يهدر في العراق بشكل شبه يومي.. بجرائم لا يعرف الإرهاب ما هو أكثر إرهاباً منها.. هذا الدم.. هو دمنا.. أمننا واستقرارنا..‏

ومخطئ كل من يعتقد في دول المنطقة، أنه بعيد عما يجري في شوارع العراق.‏

فإلى أين نمضي؟!‏

مباشرة نقول: فليمض العراق إلى حيث هو في الجغرافيا والتاريخ.. إلى محيطه وهويته مبتعداً عن احتمالات ما سيرد من وراء البحار..‏

المن والسلوى في العراق.. ولن يأتي عبر المحيطات البعيدة..‏

إن ما تستطيع علاقات استراتيجية مدروسة وجادة مع دول جوار العراق ومنطقته تحقيقه أهم بكثير وأعرض مما تستطيع أن تحققه المراهنات على عواصم الغرب، وشركات الحماية الأمنية المرتزقة، التي هي إحدى صور ومظاهر الخراب المستورد من أميركا والغرب.. لم تكن يوماً معروفة في العراق ولا في أي من دول المنطقة.. ولانبرئها مما يحصل..‏

على كل حال.. ليست قضيتنا هنا هذه الشركات السوداء كلها مياهاً وتراباً.. بل قضيتنا هي وضع العراق الذي لم يعد يتحمل أن يستمر هكذا..‏

إن ما يجري في العراق هو تحد لنا جميعاً.. لكل شعوب المنطقة ودولها.. إذ هو يشكل مصدر القلق الدائم.. وأحد أبرز عناوين تراجع الأمن والاستقرار في منطقتنا.‏

وحده العراق يمكنه أن يتجه برؤى استراتيجية إلى محيط منطقته التي أظهرت دائماً أنها تمد له يد العون ومستعدة لتقديم كل ما من شأنه أن يبدد هذا الكابوس..‏

ما يجري في العراق لا يمكن السكوت عنه.‏

هذا ليس تحدياً للعراق وحده.. بل تحد للمنطقة.. وتحد للعرب.. وتحد للإنسانية..‏

ما يجري في العراق يحتاج إلى جهود كبيرة كثيرة.. يستبعد أن تكون موجودة لدى طرف واحدة في منطقتنا.. لكنها بالتأكيد غير موجودة عبر البحار..‏

فليرجع العراق إلى أهله وأرضه وشعبه نظيفاً من كل الخدع والاحتمالات التي طال أمدها.‏

a-abboud@scs-net.org

====================

عيون وآذان (... وغداً يوم الجمعة)

الخميس, 10 ديسيمبر 2009

جهاد الخازن

الحياة

غداً الجمعة وتظاهرة أخرى ينظمها سكان قرية بلعين، قرب رام الله وفي ظل جدار الفصل العنصري، في مواجهة من دون عنف مع الاحتلال أصبحت بين الأطول في العالم، فقد بدأت قبل حوالى خمس سنوات، أي إن السكان نظموا حتى الآن 250 تظاهرة أو نحوها من دون كلل أوملل، وبسلام كان سيفاخر به غاندي لو شهده.

بلعين سكانها لا يتجاوزون 1600 فلسطيني يعيشون على الزراعة، خصوصاً الزيتون، وكان الاحتلال استولى على ثلثي أراضي القرية، وبنيت ست مستوطنات جرى توسيعها باستمرار لتتشابك وتؤلف مدينة باسم مودعين ايليت.

وانتزع أهالي بلعين نصراً نادراً من المحكمة العليا الإسرائيلية قبل سنتين فهي أمرت بنقل جزء من الجدار الى داخل أراضي إسرائيل (أقول إنها فلسطين المحتلة) وعدم توسيع المستوطنات، إلا أن القرار لم ينفذ حتى الآن، وهناك حكومة إسرائيلية فاشستية تزيد الاستيطان وتبعد فرص السلام.

المقاومة من دون عنف اجتذبت الى بلعين دعاة السلام من كل بلد، وكان بين هؤلاء نشطون إسرائيليون ينضمون الى أهالي القرية كل يوم جمعة، ويجب أن يقدر لهم جهدهم ويشكروا عليه، ومنهم مردخاي فعنونو، الذي كشف برنامج إسرائيل النووي.

وكان نلسون مانديلا أسس جماعة الشيوخ، أو شيوخ السلام، فزار بلعين أركانها من الشخصيات العالمية البارزة، مثل جيمي كارتر وماري روبنسون، رئيسة إرلندا السابقة، ورؤساء دول وحكومات سابقون من البرازيل والنروج وكل بلد، مع أبرز رجال الأعمال مثل ريتشارد برانسون، رئيس مجموعة فيرجن، وجيف سكول رئيس اي باي.

القس دزموند توتو داعية السلام الفائز بجائزة نوبل زار بلعين وقال لأهلها: «كما أن رجلاً بسيطاً اسمه غاندي قاد كفاحاً ناجحاً من غير عنف، وكما أن أمثال روزا باركس ومارتن لوثر كنغ قادوا كفاح حركة التحرر المدني في أميركا، فإن الناس البسطاء هنا في بلعين يقودون كفاحاً من دون عنف بأمل أن يأتي لهم بالحرية».

أهالي بلعين لم يلجأوا الى السلاح أو المتفجرات، إلا أنهم استعملوا كل وسيلة أخرى من الهتاف والدق على الطبول وكل ما يمكن أن يصدر عنه صوت من على سطوح منازلهم، وهم ربطوا أنفسهم بسلاسل الى أشجار الزيتون لمنع جنود الاحتلال من اجتثاثها، وكتبوا رسائل الى الجنود الإسرائيليين يطالبونهم فيها بالتفكير قبل مهاجمتهم، ورفعوا في المناسبات أعلام كأس العالم، أو ارتدوا ملابس برتقالية اللون مثل المحكوم عليهم بالإعدام، ورفعوا صور جورج بوش وهو يُرمى بحذاء الزيدي، وحملوا لافتات تقول: «نريد أن نعيش» و «لا مداهمات ليلية» و «نريد السلام».

جيش الاحتلال رد بكل وسيلة متاحة لإحباط المقاومة السلمية، والجنود ضربوا دعاة سلام ربطوا أنفسهم الى جدار الفصل، وأصابوا بعض السكان ودعاة سلام أجانب بالرصاص المطاطي، وكان بين المصابين لويزا موغاتينيني، نائبة رئيس البرلمان الأوروبي ومابريد كوريغان، داعية السلام الإرلندية الفائزة بجائزة نوبل، والجنود وضعوا مرة أسلاكاً شائكة في شوارع القرية لمنع التنقل، كما إنهم اعتقلوا كثيرين من دعاة السلام الزائرين انتصاراً للقرية، واستعملوا دائماً الجرافات وخراطيم المياه والرصاص المطاطي، ومرة رصاصاً يطلق نوعاً من «الخردق» على شكل حب الحمّص. وهم أيضاً جربوا أخيراً ماء ممزوجاً بمادة كيماوية تركت رائحة كريهة، بل انهم خلطوا الماء بروث وفضلات بشرية، إلا أن أسلوبهم المفضل يبقى الرصاص المطاطي.

في آب (أغسطس) الماضي قالت «نيويورك تايمز» إن بلعين تمثل أفضل حركات المقاومة تنظيماً وأطولها، حتى أصبحت نموذجاً يحتذي به الآخرون.

وأنا فخور بأن مؤسسة الفكر العربي، بعد ثلاث جلسات لمجلس إدارتها ومستشاريها كان أولها في حزيران (يونيو) الماضي، اختارت بلعين لجائزة الإبداع المجتمعي ضمن جوائز الإبداع العربي السنوية التي تعلن أسماء الفائزين بها في المؤتمر السنوي العام، وهو الآن في الكويت، حيث أنا بصفتي عضواً في مجلس الإدارة.

لا أقول سوى أننا فخورون ببلعين وأهلها المناضلين، وغداً يوم الجمعة، وتظاهرة سلمية أخرى.

====================

وتعطل سحر أوباما

آخر تحديث:الخميس ,10/12/2009

الخليج

عبد الزهرة الركابي

في بداية عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أرجع بعض المحللين فوزه إلى أسباب وعوامل عدة، كان من بينها صفات شخصية، قامت على الجاذبية وسحر التصريحات التي كان يطلقها خلال حملته الانتخابية، والتي نفذت إلى قلوب الناخبين الذين رجحوا كفته في الانتخابات الرئاسية .

 

وقد كانت الاستدراكات في هذا الجانب لاتخفي قولها، إن تصريحات المرشح قد تختلف عندما يصل إلى سدة الحكم، وبعد ما لمس المراقبون طيلة الشهور التي أمضاها أوباما في البيت الأبيض، ليس من المستغرب القول في هذا الوقت، إن سحر أوباما قد تعطل ولم يعد يشتغل، وكلماته (المغرية) بدا ضعفها واضحاً، وبصريح العبارة لم يعد أوباما قادراً على تغيير شيء، وكل ما يقوله أشبه بمؤشرات تدعو إلى إعادة تقييمه، على الرغم من أن رئيس البلاد كما يُفترض هو وحدة القياس بالنسبة لحياة الناس الحقيقية، وغالباً يُنظر إلى الزعيم السياسي من قبل الناس على وعد حياتهم، وعملهم، وميزانيتهم البيتية، حيث يعيشون ويعانون، وأيضاً في آفاق الحرب على الإرهاب التي يقتلون فيها أحياناً .

 

إن الأحلام السياسية للناس في أمريكا، وشوقهم لرؤية مستقبل أفضل، بات شيئاً غائباً عن خيال الناس الذين كان أوباما في فترة ما يسيطر عليه من خلال إعجاب الملايين به، إن أوباما الآن أصبح ضعيفاً حتى في موهبة الخطابة التي تحلى بها في حملته الانتخابية التي أوصلته إلى الرئاسة عبر خيمات سماها (الأمل)، لكن الأمل الآن بدا متلاشياً تماماً في خطاباته الأخيرة، والتي قال في واحدة منها، (إرسال تعزيزات عسكرية إضافية إلى أفغانستان، يمثل مصلحة وطنية حيوية، وبعد 18 شهراً ستبدأ قواتنا في العودة إلى الديار) .

 

وهذه العودة مازالت تترى سواء من العراق أو من أفغانستان، على شكل نعوش تسير على إيقاع موسيقا الحزن والكآبة والمراسم العسكرية التي تضطلع بأدائها (فرق استقبال القتلى) في القواعد العسكرية الأمريكية في أوروبا وأمريكا نفسها أو على كراسي المعاقين ونقالات الجرحى، مثل ما شاهدناها على شاشات التلفاز، وهي مشاهد بقدر ماتعكس الورطة الأمريكية جراء خوض الدولة الأعظم حربين في آن، من دون رؤية أي أفق للانتصار فيهما، بقدر ماتعكس مأزق أوباما الذي عمد منذ بداية ولايته إلى اعتبار أن أفغانستان هي الجبهة المركزية للحرب على الإرهاب .

 

واللافت أن هذا المأزق راح يتعاظم بعدما ظهر بشكل جلي تردد الأطلسيين في إرسال قوات إضافية إلى أفغانستان، ناهيك عن قوات حلف الأطلسي التي تتألف أساساً أو معظمها من القوات الأمريكية، وهو واقع يؤكد أن الحلفاء الأوروبيين يأخذون جانب الحذر، كي لاينزلقوا كثيراً في ورطة أمريكا الأفغانية، وكان المخيّب أكثر بشأن مشروع أوباما في أفغانستان، هو الازدواجية الخطرة التي اكتنفت هذا المشروع، كما تجلت في خطابه الأخير، من واقع إن إرسال المزيد من الجنود يحوّل أفغانستان إلى فيتنام أخرى، في وقت يُبشر أوباما بعودتهم بعد 18 شهراً، ولكن مع سير الحرب بشكل سيئ وتضاؤل الدعم الشعبي للحملة يريد البيت الأبيض أن يؤكد للأمريكيين أن أوباما يصر أيضاً على استراتيجية خروج، مع التنويه إلى ان خطة أوباما التي أعلن عنها في بداية استلام منصبه كانت منصبة على تعزيز الجانب المدني للمهمة والتي تتضمن إنشاء الحكومة الإفغانية والبنية التحتية والاقتصاد مع الضغط على قرضاي للاهتمام بمكافحة الفساد .

 

 لاشك في أن الرئيس الأمريكي جعل الفوز بالحرب في أفغانستان واستئصال طالبان والقاعدة يأتي على رأس أولويات الأمن القومي لديه، كما أنه كان هدفاً رئيساً في حملته الانتخابية، وقد قال أوباما في وقت سابق إن هذا يظل هدفه بعدما اتهم سلفه بوش بإهمال الصراع في أفغانستان .

 

 وعلى كل حال، إن انغماس أوباما في الحرب الأفغانية وموافقته على إرسال المزيد من القوات، سيجعل إدارة أوباما مضطرة في المستقبل إلى التراجع عن الكثير من خططها ووعودها المعلنة، بما في ذلك إجراء بعض التغييرات، وهذا يعني اضطرار أوباما للجوء إلى الجنرالات الذين عارضوا الهياج العسكري لبوش، أو ربما إلى العسكريين النادمين التائبين من أمثال كولن باول، وهو أمر ستظهر ملامحه في العام ،2011 إذا ما أراد أوباما خروج قواته من هناك بأي وجه كان .

===================

تحالف البشتون وباكستان سيقوض أجندة أوباما في أفغانستان

أوليفيير روي

الشرق الاوسط

10-12-2009

حسبما أعلن مؤخرا، من الواضح أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يراهن على أن إرساله 30.000 جندي إضافي إلى أفغانستان من شأنه إحداث تغيير سريع في توازن القوى داخل ميدان القتال، وتقليص الدعم المحلي لجماعة طالبان، وتعزيز خصومها المحليين، ومنح مساحة لالتقاط الأنفاس أمام حكومة كابل كي تتمكن من تطهير صفوفها، والسماح للمساعدات الإنسانية والتنموية بالوصول إلى المناطق الريفية وربما اجتذاب بعض عناصر طالبان ممن أنهكتهم الحرب إلى طاولة التفاوض. وبذلك، يحرم تنظيم القاعدة من أي ملاذ، الأمر الذي سيسمح بإنجاز المهمة الأميركية.

بصورة رئيسة، أعلن الرئيس الأميركي تعزيز القوات الأميركية في أفغانستان لفترة قصيرة بهدف تمهيد الساحة لتنفيذ أجندة سياسية طويلة الأمد، والتي أقرت للمرة الأولى من قبل إدارة بوش عام 2002، والتي تركز على الحكم الرشيد ومحاربة الفساد وتدريب قوة شرطية مهنية وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ونظرا لفشل المشروع السياسي طوال الأعوام الثمانية الماضية، يرى المنطق السائد في الإدارة الحالية أن القوة العسكرية وحدها هي القادرة على إحياء الظروف الملائمة لإنجاح هذا المشروع. وعليه، فإن الأمور برمتها تعتمد على إحراز تقدم عسكري على صعيد مكافحة التمرد.

وتبقى الحقيقة بالفعل أنه في وقت لا تزال فيه طالبان مستمرة في تقدمها، وتجسد حكومة كابل أكثر من أي وقت مضى دولة منهارة، فإنه ليس هناك ما يمكن صنعه من دون تعزيز القوات العسكرية. حاليا، يراود طالبان شعور بقرب النصر، مما يجعلها غير آبهة بالدخول في مفاوضات. وعليه، بات الخيار الوحيد القائم إما الانسحاب أو تصعيد القتال.

لكن التساؤل الذي يفرض نفسه بقوة الآن: هل ستنجح جهود مكافحة التمرد الجديدة؟

على ما يبدو، تدور الفكرة القائمة الآن حول استخدام الأساليب التي سبق أن أثبتت نجاحها شمال العراق، المعتمدة على تقليب الزعامات القبلية التقليدية ضد طالبان الراديكالية، وعرض حوافز عليهم، على أمل أن ينقلب القطاع العريض من الشعب ممن لا يشاركون «القاعدة» أجندتها ضد الجماعة.

في إطار وجهة النظر تلك، تشكل حكومة كابل الفاسدة وغير الجديرة بالثقة ثقلا أكثر منها أصلا مفيدا، مما يعني أنه سيتعين على القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) المشاركة سياسيا على المستويات المحلية، بدلا من تسليم مسؤولية التعامل مع الشؤون الداخلية إلى كابل بمجرد تمهيد الساحة وإخلائها من المتمردين.

من أجل نجاح مثل هذه السياسة، يتحتم تفهم طبيعة العصيان المسلح الذي تنفذه طالبان على نحو صحيح، ويجب كذلك، على الأقل، تحييد النفوذ الباكستاني في أفغانستان، ودفعه باتجاه إيجابي.

يعد عصيان طالبان المسلح حركة عرقية واجتماعية في آن واحد، حيث تجسد هذه الجماعة اعتناق البشتون لمبدأ «التحريرية الوحدوية» والتحول باتجاه نظام قبلي تقليدي. الملاحظ أن حركة التمرد مقتصرة على المناطق أو الجيوب التي يقطنها بشتون، في الجنوب والشمال وباغلان وقندوز وبالك وبادغيس، التي تقع أعمال التمرد بها في الغالب على يد «الحزب الإسلامي» بزعامة قلب الدين حكمتيار. أيضا في باكستان ينتمي جميع سكان «المناطق الإسلامية المحررة» إلى البشتون. أما المسلحون الإسلاميون من غير البشتون فيختارون سبلا أخرى للعمل.

من جانبها، لم تغفل القوى الغربية قضية الإحباط الذي يسيطر على البشتون جراء إقصائهم عن السلطة. وقد ساندت هذه القوى تفكيك قوات «التحالف الشمالي» غير البشتونية التي سيطرت على كابل في نوفمبر (تشرين الثاني) 2001، الأمر الذي شكل مهمة يسيرة نسبيا في أعقاب اغتيال زعيمهم ذي الشخصية الكاريزمية، أحمد شاه مسعود.

بيد أنه اليوم لم يعد في متناول غير البشتون داخل أفغانستان أدوات عسكرية يمكنهم حماية أنفسهم من خلالها في مواجهة عودة دموية ممكنة لطالبان، وليس بإمكانهم الاعتماد على جيش وطني أفغاني. وعليه، فإن المعضلة القائمة تكمن في كيفية تهدئة البشتون من دون إلحاق مزيد من الضعف بالمجموعات العرقية الأخرى التي تجعل منهم مخاوفهم من عودة طالبان حلفاء مثاليين لقوات «الناتو».

يذكر أن السبب الأكبر وراء تعيين الرئيس حميد كرزاي يعود إلى قدرته على تجسيد هوية بشتونية تقليدية. عندما تولى السلطة، جلب كرزاي معه كثيرين من البشتون من الشتات الأفغاني. وعمد إلى تعيين محافظين من البشتون واستغلال التقاليد البشتونية بما يخدم مصالحه. إلا أن جهوده لم تُجد نظرا لأن الطبقة الأرستقراطية القبلية التي يمثلها فقدت جذورها داخل المناطق القبلية.

في شمال العراق، استجاب القادة القبليون التقليديون برضا لمحاولات الجنرال ديفيد بيترايوس التقرب إليهم بهدف التخلص من تهديد مقاتلي «القاعدة» من غير العراقيين الذين تجاهلوهم أو حاولوا قمعهم. إلا أنه عند النظر إلى الوضع في أفغانستان وباكستان، نجد أن القيادات القبلية من مثل هذا النمط تكاد تكون اختفت، وحل محلها نخبة جديدة من أعضاء طالبان الشباب من خريجي المدارس الدينية، والذين يتسمون بارتباط أكبر بباكستان والخليج من ارتباطهم بالغرب.

والتساؤل الآن، ما الدور الذي يمكن لباكستان الاضطلاع به؟ إذا ما عثرت طالبان على ملاذ في باكستان، سيصبح بمقدورها بسهولة الفرار من الوطأة العظمى لجهود التعزيز العسكري على مدار العامين المقبلين. ومن المنطقي أن تتوقع الجماعة عجز الولايات المتحدة عن تعزيز قوة مضادة داخل الحزام القبلي الأفغاني أو تعزيز حكومة كابل. وعليه، فإنه ليس عليها سوى الانتظار. من ناحية أخرى، فإن الضغوط من الخارج على باكستان لا تؤتي سوى بنتائج ضئيلة تتمثل في إلقاء القبض على أو قتل بعض زعماء طالبان أو كوادر «القاعدة». حتى الآن، استغل الجيش الباكستاني كلا من طالبان ومسلحين إسلاميين كأداتين تعمل بالوكالة لصالحه لتنفيذ سياسة إقليمية تقوم على فكرة «العمق الاستراتيجي» في مواجهة الهند. ولا يزال الجيش الباكستاني يرغب في وجود حكومة إسلامية بشتونية في كابل.

وقد اعتمد هذا التعاون المعقد والخطير بين الجيش وطالبان على اتفاق مفاده أن طالبان، سواء الأفغانية أو الباكستانية، بمقدورها دفع أجندتها في أفغانستان أو المناطق الواقعة شمال غربي باكستان، لكن لا ينبغي أن تناوئ قيادة الجيش الباكستاني. وقد نقضت طالبان هذا الاتفاق عندما شنت غارة من معقلها في وادي سوات عبر منطقة بنر في اتجاه إسلام آباد. وعليه، لم يكن أمام الجيش من خيار سوى شن هجوم مضاد. لكن الجيش الباكستاني لا يرمي إلى تدمير طالبان، وإنما إجبارها على الإذعان له بعد تجاوزها الخط الأحمر المرسوم أمامها.

وطالما أن الجيش الباكستاني لا ينظر إلى حملته ضد طالبان باعتبارها مسألة حياة أو موت في حد ذاتها، فإنه لن يساعد بأي صورة جادة في تنفيذ أجندة واشنطن و«الناتو» داخل أفغانستان. يذكر أن باكستان ظلت تقاتل داخل أفغانستان عبر جماعات تعمل بالوكالة على امتداد أكثر من 30 عاما. وبمقدورها الانتظار حتى رحيل القوات الأميركية وقوات «الناتو» عن المنطقة.

حسب وجهة نظري، من المتعذر تحقيق أي تغيير جوهري في الأوضاع في أفغانستان إلا من خلال إيجاد سبيل للتخفيف من مشاعر الإحباط التي تغمر البشتون في أفغانستان، ودفع باكستان للتخلي عن سياستها المستمرة لعقود طويلة القائمة على دعم الإسلاميين أصحاب النفوذ في أفغانستان. من دون صياغة سياسة أوسع وأكثر تناغما تتضمن هذه العناصر، فإن الجنود ال30.000 الإضافيين القادمين من الولايات المتحدة وأقرانهم من «الناتو» لن يخلقوا أي اختلاف حقيقي.

*مؤلف كتاب «الإسلام المتعولم: البحث عن أمة جديدة».

*خدمة «غلوبال فيوبوينت».

====================

حالات التسمم في حلب..اتهام المرتديلا يكشف خطورة حبة الغاز القاتلة..!..أكثر من 75 وفاة سببتها حبة الغاز

تحقيقات

الخميس 10-12-2009م

تحقيق: فؤاد العجيلي وهلال عون

«حبة الغاز» المعروفة علمياً باسم /فوسفيد الألمنيوم/ تمتاز بصغر حجمها، ولكن لها تأثير قاتل للقوارض والجراثيم، هذه هي الغاية التي وجدت من أجلها هذه المادة،

ولكن أصبحنا نجد لها هذه الأيام استخدامات خاطئة كالانتحار والتسمم نتيجة الجهل وعدم قيام الجهات المعنية بتطبيق القوانين والأنظمة النافذة «اللهم إلا بشكل نظري وكأنه على مبدأ فض عتب».‏

ونتيجة ذلك الجهل وهذا الإهمال فقد أصبحنا نسمع بين الفينة والأخرى ببعض حالات التسمم الناتج غالباً عن الجهل بوظيفة ودور تلك الحبة العجيبة، وماحصل في بداية الشهر العاشر من العام الجاري في منطقة الباب بريف محافظة حلب من حالات تسمم ووفيات ضمن عائلة واحدة كان بمثابة صافرة إنذار لتحرك الجهات المعنية لمعرفة أسباب التسمم والوفاة وخاصة بعد أن تباينت الآراء في سبب ذلك فمنهم من عزا السبب إلى التسمم الغذائي بالمرتديلا، ومنهم من عزا السبب إلى التسمم بحبة الغاز، ولكل من الفريقين حججه، وما يهمنا في هذا الموضوع هو الوقوف على الحقائق بشكل موضوعي.‏

حبة الغاز‏

لابد لنا من معرفة هذه الحبة ودورها العملي والوظيفة التي صنعت من أجلها، حيث تشير المصادر العلمية إلى أن هذه المادة هي عبارة عن مجموعة حبوب عادية تحفظ في علبة معدنية اسطوانية ومختومة، والحبة الواحدة سوداء اللون ذات شكل مستدير، تتكون من فوسفيد الهيدروجين PH3، والمسمى أيضاً PHOSPHINE وأحياناً تسمى فوستوكسين PHOSTOXIN..‏

وتنتج المكونات الغازية في تلك الحبة من مزج كربونات الأمونيوم مع فوسفيد الألمنيوم على شكل أقراص صغيرة الحجم، ويبدأ عمل تلك الحبة وتأثيرها بعد تعرضها للحرارة والرطوبة حيث ونتيجة ذلك تتحلل وتنبعث منها العديد من الغازات ومنها: غازم الأمونيا NH3، غاز ثاني أكسيد الكربون CO2، غاز فوسفيد الهيدروجين PH3، وهذا الغاز الأخير قابل للاشتعال وله رائحة تشبه رائحة الثوم، وهو أثقل من الهواء ويمتاز بشدة سميته، ويؤدي إلى إتلاف الكبد والقلب والكليتين...‏

للاستخدام الزراعي فقط..‏

تشير مصادر مديرية الزراعة بحلب إلى أنه يتم استخدام فوسفيد الألمنيوم «حبة الغاز» لمكافحة فأر الحقل من خلال وضعها في الجحور وإغلاق فتحاتها حيث يؤدي انتشار الغاز إلى قتل الفئران إضافة إلى دورها في تعقيم مخازن الحبوب..‏

وذكر المهندس سمير وتار رئيس دائرة وقاية النبات في مديرية الزراعة أنه توجد تعليمات صارمة بهذا الخصوص بمنع بيع تلك المبيدات إلا عن طريق المحلات المرخصة لبيع اللوازم الزراعية، والمعروفة باسم /الصيدليات الزراعية/ حيث تباع بموجب جداول اسمية لمن يشتريها أما بالنسبة لتوفرها في أماكن غير الصيدلية الزراعية فتعتبر مخالفة وفي حال ضبطها تصادر ويغلق المصدر الذي يبيعها وتوجد لدينا لجنة دائمة للتحقيق في هذه القضايا والعمل على حلها.‏

وبالنسبة للإخوة الفلاحين فإنه يتم تقديمها لهم مجاناً لاستخدامها في الأرض، حيث لا يتم تسليمها إلا لصاحب العلاقة في الحقل والإشراف على استخدامها.‏

استخدامها الخاطئ‏

وتشير مصادر طبية إلى أن هذه المادة تعمل آلياً على منع الخلايا من الاستفادة من الأوكسجين أي بمعنى آخر خلق هذه الخلية وبالتالي فإنها تسبب لمتناولها صدمة دورانية غير معكوسة تؤدي إلى وقف القلب والتنفس، وللعلم، فإن ابتلاع الحبة يؤدي إلى الموت السريع حيث يؤكد الأطباء أنه لا يمكن إنقاذ حياة أي شخص يبتلع الحبة أو جزءاً منها سواء من خلال غسيل المعدة أو أي وسيلة أخرى.‏

فعندما تدخل الحبة إلى المعدة وبمجرد تماسها مع السائل المعدي يتحرر منها غاز فوسفين السام، وهذا الغاز يخترق المعدة والأمعاء ويدخل إلى الدم ويصل إلى الدماغ خلال دقائق من بداية تناول الحبة وعندها يؤدي إلى تخريب نهائي بالنسيج الدماغي.‏

حالات تسمم‏

وقد أكدت الدكتورة ميريلا حلبي مسؤولة التسممات في محافظة حلب أنه ونتيجة لانتشار تلك الحبوب في المحال العامة والبقاليات وبيعها خارج إطار القانون وبعيداً عن أعين الرقابة فقد شهدت حلب ارتفاعاً في حالات التسمم بالمبيدات ومنها مادة فوسفيد الألمنيوم وبحسب الإحصائيات الرسمية لدينا - والكلام للدكتورة ميريلا - فقد بلغ عدد حالات التسمم بهذه الحبة في محافظة حلب منذ بداية عام 2005 ولغاية تاريخه من العام الحالي 94 حالة تسمم، منها 75 حالة وفاة.‏

وهذه الحالات بدأت بالتزايد حسب ما بينته الإحصائية وهي موزعة كالتالي:‏

العام 2005 حالات التسمم 14 الوفيات 11.‏

العام 2006 حالات التسمم 15 الوفيات 10.‏

العام 2007 حالات التسمم 15 الوفيات 12.‏

العام 2008 حالات التسمم 20 الوفيات 14.‏

العام 2009 حالات التسمم 30 الوفيات 27.‏

5 سنوات 94 حالة تسمم 75 حالة وفاة.‏

ويمكن القول والكلام للدكتورة حلبي إنه إذا لم تتخذ إجراءات رادعة وصارمة من قبل الجهات المعنية بهذا الخصوص فنحن أمام زيادات كبيرة في حالات التسمم وخاصة أنه تمت مخاطبة وزارتي الصحة والزراعة أكثر من مرة بهذا الخصوص.‏

وفي الباب السبب حبة الغاز‏

وفيما يخص حالات التسمم والوفيات التي شهدتها مدينة الباب في ريف محافظة حلب أوضحت الدكتورة ميريلا أن الحالة التي أصابت تلك العائلة ناتجة عن التسمم بحبة الغاز /فوسفيد الألمنيوم/ مشيرة إلى أن السير السريري الذي سار فيه التسمم والذي أدى إلى الوفاة في المرة الأولى يتماشى مع فوسفيد الألمنيوم لأن التسمم الغذائي لا يتماشى وفق هذا السير السريري.‏

مضيفة أن ما عزاه البعض أن هذا التسمم الحاصل هو مطثية وشيقية وهو الذي أدى إلى وفاة الطفلة وأخيها في المرة الأولى غير صحيح لأن أبواغ المطثية الوشيقية لا تفرز بالحليب، ولا يمكن أن تنتقل من الأم للطفلة عن طريق الحليب وأعراضها تبدأ بإقياء وإمساك وارتخاء بالرأس بينما الطفلة وحسب مشاهدات مشفى الباب أصيبت بإقياء وإسهال، ثم دخلت في الزرقة والاختلاج، فالسير السريري لا يتوافق مع التسمم الوشيقي،‏

والتسمم الوشيقي يسبب تسممات عند الجميع والتسمم الوشيقي يحصل نتيجة العلب المنفوخة، أما الجراثيم الأخرى فلا تسبب الوفيات ولا توجد جرثومة تسبب هذه الوفاة السريعة علماً أن العينة التي تناولتها العائلة وتم تحليلها في مخبر التموين كانت سليمة.‏

محافظ حلب يطلب التقيد بالتعليمات‏

المهندس علي منصورة محافظ حلب وبعد أن حصل ما حصل في منطقة الباب وبتاريخ 12/10/2009 أصدر تعميماً برقم 1209 ص.ح موجهاً إلى مديرية الزراعة، ونقابة المهندسين الزراعيين، وغرفة زراعة حلب.. طلب فيه التقيد بمنع بيع أقراص فوسفيد الألمنيوم /أقراص تعقيم الحبوب/ إلا من قبل الصيدليات الزراعية حصراً وأخذ تعهد من المشتري بحفظ المادة بعيداً عن الأطفال دون سن الرشد..‏

إجراءات مديرية الزراعة‏

نعود إلى مديرية الزراعة وبالتحديد إلى دائرة الوقاية حيث يؤكد رئيس الدائرة المهندس سمير وتار أنه تم اعتماد تعهد خطي يوزع على الصيدليات الزراعية، يتعهد بموجبه المهندس الزراعي صاحب المحل المعد لبيع وتداول المواد الزراعية بالعديد من التعليمات ومن بينها كما هو وارد في الفقرة /3/: عدم بيع أقراص فوسفيد الألمنيوم المخصص لتعقيم الحبوب إلا بعد أخذ تعهد من المشتري بحفظ المادة بعيداً عن الأطفال دون سن الرشد.‏

نقابة المهندسين الزراعيين تؤكد سميّة المادة‏

المهندس الزراعي كامل عبد الله رئيس فرع نقابة المهندسين الزراعيين بحلب أشار بدوره إلى أنه ونظراً لخطورة تلك المادة نتيجة استخداماتها في تعقيم مستودعات الحبوب، فإنه يجب أن تكون تلك المستودعات بعيدة بعداً كافياً وآمناً عن التجمعات السكنية، إضافة على أن المستودع يجب أن يكون محكم الإغلاق، مشيراً إلى أنه يمكن أن يتسرب الغاز من الجدران الإسمنتية إذا كانت هناك أي فتحات.‏

وطالب المهندس عبد الله أن تكون هنالك عقوبات رادعة بحق من لم يلتزم ببيع تلك المادة وفق الأنظمة والقوانين النافذة، حيث يتوجب على صاحب المحل عدم بيع حبة الغاز إلا بموجب وصفة زراعية صادرة عن مصلحة الزراعة والوحدات الإرشادية.‏

مستودعات الباب نصفها مرخص‏

المهندس عبد الله الحمد رئيس مجلس مدينة الباب، أكد أنه يوجد ضمن مدينة الباب أكثر من 100 مستودع، نصفها مرخص لوضع الحبوب، والبعض الآخر غير مرخص أما استعمالها كمعقمة فهو غير مرخص، مشيراً إلى أن المحل الذي جرى فيه التعقيم فهو غير مرخص كمستودع وهو عبارة عن دكان ضمن دار عربي يقع في منطقة أسواق تصنيفها تجاري وسكني..‏

وماذا عن المرتديلا؟‏

ما حصل في مدينة الباب في بداية الشهر العاشر من حالات تسمم ووفيات ضمن عائلة واحدة أثار العديد من إشارات الاستفهام، حيث كانت المرتديلا هي السبب - كما أشار الطبيب الشرعي في الباب الدكتور محمد علي عابو - حيث اعتمد على كلام أطباء المشفى الوطني بالباب، الذين أشاروا إلى أن التسمم الغذائي هو المتسبب في حالة الوفاة التي أصابت الطفل بينما أخته الصغيرة حديثة الولادة ذات العشرين يوماً لم تسجل وفاتها ولا إسعافها في قيود المشفى..‏

بينما نجد أنه في المرة الثانية وفي نفس العائلة حصلت حالات تسمم جديدة وبحسب الكشوفات في مشفى زاهي أزرق فإن السبب هو التسمم بحبة الغاز، وهو ما توصلت إليه كما أسلفنا الدكتورة ميريلا حلبي مسؤولة التسممات في محافظة حلب..‏

مشاهدات من الواقع‏

وحتى نكون أكثر دقة كان لابد من زيارة مدينة الباب، والاطلاع على المنزل الذي تقطن فيه عائلة كسار التي أصيب أفراد أسرتها بالتسمم والبعض بالوفاة، حيث وجدنا أن المستودع هو عبارة عن دكان ضمن ذلك المنزل له باب خارجي، ويتصل بالغرفة التي يجلس فيها أفراد الأسرة بجدار إسمنتي، وكان صاحب المحل يستخدم الدكان كمستودع للحبوب.‏

والد الطفلين المتوفين عماد كسار قال: إن صاحب المحل قام بتعقيم المستودع بتاريخ يوم الاثنين 19/10/2009 وفي اليوم التالي حصلت لي ولزوجتي وولدي قصي البالغ من العمر سنتان حالات تسمم نقلنا على إثرها إلى مشفى زاهي أزرق، وقد أشرفت علينا الدكتورة ميريلا حلبي، وتم تقديم العلاجات اللازمة والإسعافات الأولية حتى تماثلنا للشفاء والحمد لله..‏

ويتابع كسار: كانت أسرتي قد تعرضت بتاريخ 1/10/2009 لحالة تسمم وظننا حينها أن التسمم ناتج عن المرتديلا التي تناولتها عائلتي، وهذا ما أكده أطباء المشفى الوطني بالباب حينما قمت بإسعاف أولادي، حيث توفيت ابنتي الرضيعة خديجة البالغة من العمر 40 يوماً وبعدها ولدي محمد البالغ من العمر 3 سنوات.‏

مخابر التموين تحلل‏

فور وقع حادثة التسمم في المرة الأولى تمت مصادرة المرتديلا من المحل الذي تم منه شراء العلبة التي تناولتها العائلة، وكما أشارت مصادر مديرية التجارة الداخلية وبموجب ضبط رسمي قامت النيابة العامة في الباب بإحالة عينة مؤلفة من 6 علب مرتديلا هنا ممهورة بالشمع الأحمر إلى مديرية التجارة الداخلية بحلب وذلك بتاريخ 11/10/2009 من أجل تحليلها وفحص محتوياتها حيث تم القيام باختبار جرثومي هوائي ولا هوائي في ظروف مختلفة وجاءت نتيجة التحليل أن العينة المرسلة هي سليمة وصالحة للاستهلاك البشري وفق المواصفات القياسية السورية 2179 لعام 2007.‏

وبحسب شهادة تحليل العينة رقم 4450 تاريخ 18/10/2009 كانت نتيجة التحاليل التي تم إجراؤها في مخابر مديرية التجارة الداخلية وفق التالي:‏

- التعداد العام للجراثيم الهوائية في 1 غرام مقبول مطابقة.‏

- الجراثيم الهوائية عند الدرجة 37 س في 1 غرام خالية مطابقة.‏

- جراثيم لا هوائية عند الدرجة 37 س خالية مطابقة.‏

- جراثيم لا هوائية عند الدرجة 55 س خالية مطابقة.‏

- التحضين بالدرجة 55 مئوية لمدة خمسة أيام لا يوجد انتفاخ بالعبوة مطابقة.‏

- الجراثيم الهوائية عند الدرجة 55 س خالية مطابقة.‏

والصحية تطلب عدم خلط الأمور‏

مدير الشؤون الصحية في مجلس مدينة حلب الدكتور مازن بكباشي أكد أن العينات التي تمت مصادرتها من قبل عناصر الشؤون الصحية لا علاقة لها بما حدث في مدينة الباب من تسممات ووفيات لأن المصادرة تمت قبل حادثة التسمم الأولى وكذلك فإن مهام المديرية هي الكشف ضمن نطاق وحدود مدينة حلب فقط ولا علاقة لها بالريف..ويتساءل: لماذا يتم خلط الأمور ببعضها؟‏

وتصادر وتحلل‏

يتابع بكباشي أنه ونتيجة شكاوى المواطنين تمت مصادرة نحو خمسة آلاف عبوة من أصناف مرتديلا هنا من مستودع وكيل الشركة ومن أسواق مدينة حلب و نتيجة الشك فيها تم إرسال عينات عشوائية إلى مخبر الجامعة لتحليلها جرثومياً وكيميائياً، حيث بين الفحص المخبري احتواء العلب على ديدان لا ترى بالعين المجردة وعلى جرثومة خطرة تدعى بوتوليزم علماً أن تاريخ انتاج العلب قريب جداً ومدون عليها أنها صالحة للعام 2010.‏

التموين تؤكد سلامة المنتج‏

ويوم الثلاثاء 8/12/2009 وحين إعداد التحقيق بصيغته النهائية أفادنا مصدر مطلع في مديرية التجارة الداخلية بحلب أنه ومن أجل معرفة الحقائق أكثر وفي الثلث الأخير من الشهر الماضي فقد تم أخذ عينات من الكميات المصادرة والمحجوزة في مستودعات مديرية الشؤون الصحية بحلب وإرسالها للتحليل في مخابر الوزارة، حيث صدرت نتائج التحليل يوم الاثنين 7/12/2009 وكانت سليمة وصالحة للاستهلاك البشري ومؤيدة لما توصلنا إليه في تحليل العينات المصادرة من مدينة الباب.‏

وهنا لابد أن نضع مجموعة من الأسئلة أمام السيد وزير الصحة:‏

< لماذا لا تتوفر لديكم مخابر وتحاليل تبين نوع التسمم وسببه، أم أن التسمم كلمة عامة، ولا توجد لها أنواع وتشعبات؟!‏

< على أي شيء اعتمد الطبيب الشرعي في بيان سبب الوفاة بأنه تسمم غذائي؟!‏

< لماذا لم يتم تسجيل دخول الطفلة في مشفى الباب وحين توفيت تم اخراجها دون مشاهدات الأطباء؟!‏

< متى ستكون مشافينا في الريف مجهزة بكافة المستلزمات حتى لا نرهق مواطننا المقيم في الريف بالقدوم إلى المدينة، وهناك أسئلة أخرى بهذا الخصوص والمتعلقة بمشافي الريف والتي ستكون موضوع تحقيق مستقل؟!‏

ولابد أن نضع أمام السيد وزير الزراعة السؤال حول بيع حبة الغاز ضمن الصيدليات الزراعية لأنه على ما يبدو أن أصحاب المحال والصيدليات لا يتقيدون بسجل البيع المعمم من قبل مديرياتكم وبذلك لا تعطى هذه المادة إلا لمن هو بحاجة إليها.‏

ولابد أيضاً من وضع أسئلة أمام السيد وزير الإدارة المحلية:‏

هل يعقل أنه يكون في مدينة الباب أكثر من 100 مستودع للحبوب نصفها غير مرخص ومعظمها في الأحياء السكنية، وأين الرقابة على منظومة البناء في تلك البلدة وغيرها ولماذا لا يتم إغلاق المستودعات غير المرخصة، ولماذا لا يتم تطوير العمل في مديرية الشؤون الصحية التابعة لمجلس مدينة حلب وتزويدها بآليات تتناسب وطبيعة عملها أم لماذا لا يتم تحويل المصادرات لتحليلها في مخابر التجارة الداخلية كونها المعنية ضمن هذا المجال.‏

عود على بدء‏

في عودة إلى موضوع مرتديلا هنا وبعد التحليل الذي أجرته مديرية التجارة الداخلية بحلب والذي أظهر أن العينات العشوائية التي تم تحليلها سليمة ومطابقة للمواصفات والمقاييس قامت مديرية الشؤون الصحية في حلب بزيارة وكيل (مرتديلا هنا) بحلب وأخذت عدداً من العينات المرتجعة وغير المعدة للبيع أو التداول بسبب ما تعرضت له من سوء التخزين أو التحميل والتي تسرب إليها الهواء وانتفخت قامت بتحليل تلك العينات الفاسدة وكانت نتيجة التحليل عدم صلاحيتها للاستهلاك الآدمي.‏

ما الذي جرى بعد ذلك؟‏

قام المخبر المركزي بدمشق ومخبر وزارة الصحة بسحب عينات من الدفعات الانتاجية (الطبخات) التي قامت مديرية الشؤون الصحية بمجلس مدينة حلب بأخذ العينات المرتجعة منها وتم تحليلها فأثبتت نتائج التحاليل جميعها أن جميع العبوات التي تحمل ذات تاريخ الانتاج وذات رقم دفعة الانتاج مطابقة للمواصفات والمقاييس السورية.‏

وبتاريخ 2/11/2009 قامت مديرية الصناعة بريف دمشق بتوجيه من وزير الصناعة بالكشف الحسي على منشأة الشركة مع مندوبين من مركز الاختبارات والأبحاث الصناعية -دون إعلام مسبق للشركة- وجرى سحب عينات من خط الانتاج والمستودع من قبل مندوبي الاختبارات والأبحاث الصناعية إضافة إلى شراء ثلاث عشرة عينة من مرتديلا هنا من السوق بشكل عشوائي فماذا كانت النتائج؟‏

جميع التحاليل الموثقة والممهورة من قبل الجهات المذكورة ولجميع العينات من خط الانتاج والمستودعات داخل الشركة والمشتراة من السوق مطابقة للمواصفات والمقاييس، وتم رفع تقارير بذلك إلى السيد وزير الصناعة.‏

أخيراً‏

يذكر أخيراً أن الجهات المعنية كانت قد صادرت خمسة آلاف عبوة من مرتديلا هنا من أسواق حلب، وهي عملية سحب لهذا المنتج من السوق في حلب خشية أن تكون المرتديلا وراء تسمم الطفلين محمد وخديجة كسار.‏

وقد أعادت الجهات المعنية الكميات المصادرة كاملة إلى السوق بعد اجراء التحاليل المناسبة.‏

=======================

دعوة إلى توبة شاملة

بقلم أ. عصام العطار

مجلـة الـرائــد ، العدد رقـم 269

ذو الحجة 1430 ، كانون الأول / ديسمبر  2009

التوبةُ في الإسلامِ نقدٌ ذاتيٌّ بصيرٌ أمين ، وتجاوزٌ دائمٌ للسلبيات ، وتصحيحٌ مستمرٌ للمسار ، وصُعودٌ بلا حدودٍ في مدارجِ الكمال ؛ فأنتَ تتوبُ من كلِّ ذنبٍ أو خَطَأٍ كبيرٍ أو صغير : ترجعُ عنه ، وتندمُ عليه ، وتعزمُ على عدمِ العودةِ إليه ، وتُصْلِحُ آثارَه السيئة

وأنتَ تتوبُ من قصورِك في أداءِ ما أوجبَ اللَّهُ عليكَ لدينِكَ ونفسِك وأُسْرَتِك ومجتمعِك ، وللإنسانيةِ والإنسان

وأنتَ تتوبُ عن الكسلِ والجبنِ والبخل ، وإضاعةِ الوقت ، وسائرِ الحالاتِ والصفاتِ والأخلاقِ التي تحولُ بينَك وبين أداءِ الواجب ، أو تجعلُك تقصّر فيه ، أو تقفُ عندَه فلا تزيدُ عليهِ ما لا يَتَوَجَّبُ عليكَ من الفضائلِ والكمالات

وأنتَ تتوبُ إلى ربك أَنَّكَ لا تؤدِّي حقَّه وحقَّ نِعَمِهِ السابغةِ عليك

(... وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ )[إبراهيم  : 34]

وقد طلبَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ هذه التوبةَ إلى المؤمنين جميعاً دونَ استثناء ، وقَرَنَ بها الفلاحَ في الدنيا والآخرة فقال : (... وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[النور : 31]

وقال : (... وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )[الحجرات : 11]

وهكذا ، من لم يكن تائباً كان ظالماً : ظالماً لنفسهَ وغيره ، وظالماً للحقِّ والواجبِ وسائرِ القيمِ العليا

وقد رأينا عَجَباً في هذا الأمرِ من قولِ نبيّنا وأسوتِنا صلى الله عليه وسلم وفعلِه ؛ فقد روى البخاريُّ في صحيحهِ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال : سمعتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول :

« وَاللَّهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً »

وروى مسلم في صحيحه عن الأَغَرِّ بن يسارٍ المُزَنيِّ رضي الله عنه قال : قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ »

وما صلّى رسولُ اللَّهِ - كما روى ذلك البخاريُّ في صحيحه - صلاةً قطُّ ، بعدَ أن أُنْزِلَتْ عليه : إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ إلى آخرها .. إلاّ قال فيها : «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي »

والتوبةُ تحتاجُ عِلماً ووعياً لِتَكُون : عِلْماً بالإسلامِ وعلماً بما يُمارسُه المسلمُ من عَمَل ، ويتحركُ فيهِ من مجال ، وإلاّ فكيفَ يعلمُ المسلمُ بأنّ هذا العملَ حلالٌ أو حرام، نافعٌ أم ضار ، ذَنْبٌ يِرْجِعُ عنه أم خيرٌ يستكثِرُ منه ..

وهذا العلمُ يتفاوتُ كَمّاً وكَيْفاً ، سَعَةً وضيقاً ، بتفاوتِ الناسِ في حاجاتِهم ، وفي مواقعِهم ومهمّاتِهم ، والمجالاتِ التي يتحركونَ فيها ، فهنالكَ العاميُّ البسيطُ الذي يُمارسُ عملاً بسيطاً محدوداً ، ويتحركُ في مجالً محدود ، ويسألُ أهلَ العلمِ والخبرةِ فيما يَعْرِضُ له من الأمر ، وهنالك العلماء ، وهنالك القادةُ والزعماء ، وهنالك أصحابُ الرأيِ والتوجيهِ والتأثير ، وهؤلاءِ يحتاجون مع المعرفةِ بالإسلام إلى معرفةٍ بالواقع ، ومعرفةٍ بالعالمِ والعصرِ حتى يتبينوا في مجالاتِ تخصُّصاتِهم وأعمالِهم التربويةِ أو الاجتماعيةِ أو الاقتصاديةِ أو السياسيةِ وغيرِها ، ما هو صوابٌ أو خطأ ، وما هو واجبٌ يجبُ أن ينهضوا به أو ضارٌ يجبُ أن يُقْلِعوا عنه ، فالجهلُ والخطأ ، أو التفريطُ والانحراف ، في بعضِ هذه المجالاتِ ، في بعضِ الأوقاتِ ، إثمٌ عظيمٌ قد يوردُ أمّةً بكامِلها مواردَ الهلاك ، والتوبةُ منه والرجوعُ عنه من أوجبِ الواجبات

ولا بدَّ في التوبةِ المطلوبةِ مِنَ الصدقِ والأمانةِ حتى لا يخدعَ الإنسانُ نفسَه عن الحقيقةِ والواقع ، ومنَ الشجاعةِ والإرادةِ حتى يعترفَ بالخطأ والذنب ولا يُمَارِيَ ولا يُعاند ، وحتى ينتصرَ على المعوِّقات ،  وعلى دوافعِ الذنوبِ والأخطاءِ في نفسِه ومجتمعه

وبعد ؛ فأنا أدعو نفسي وسائرَ المسلمينَ إلى توبةٍ شاملةٍ نَصوحٍ في سِرِّنا وفي عَلَنِنَا ، وفي مختلفِ جوانبِ حياتنا ، توبةٍ تنتظِمُنا أفراداً وجماعاتٍ ومؤسسات ، توبةٍ متجدّدةٍ تتجدّدُ بها حياتُنا ، وتنمحي أوزارُنا ومُعَوِّقاتُنا ، ويستقيمُ بها نظرُنا ومسارُنا ، ونتقدّمُ بها ونتقدّم ، ونبلغُ ما يشاءُ اللَّهُ لنا أن نبلغَه من أداءِ رسالتنا ، ومن خيرٍ لنا ، وللإنسانيةِ والإنسانِ ، في الدنيا والآخرة

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )[التحريم : 8]

=======================

ورطة المسلمين في أوروبا

مراد زروق*

مما لا شك فيه أن المسلمين في بعض الدول الأوروبية يمرون هذه الأيام بورطة حقيقية، سببها الأساسي هو استعمال جهات مختلفة لوجودهم الثقافي والديني في القارة العجوز لتحقيق أهداف مختلفة.

لقد كانت مرحلة ما بعد اعتداءات 11 سبتمبر ملائمة لأهداف اليمين المتطرف الأوروبي، الذي أصبح فكره حاضراً بقوة في الأوساط اليمينية التقليدية، فقوض بالتدريج قواعد الخطاب السياسي اللائق، وأخذ في عزل الأقليات المسلمة، وربط وجودها بأوروبا بكل الأخطار التي تتهدد الأوروبيين، أمنيةً كانت أو اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية.

مسلمو أوروبا ليسوا ضحايا اليمين فقط، بل هم ضحايا بعض البلدان العربية التي تحاول أن يكون لها تأثير داخل الجاليات المسلمة عن طريق استمالة ممثليها وأئمة مساجدها والمتنفعين من أعضائها. مسلمو أوروبا ضحايا الفشل والتخلف المستورد من بلدانهم الأصلية أيضا، وهم كذلك الضحية غير المعلنة لتنظيم القاعدة والجماعات التي تدور في فلكه. أزمة اليوم ما هي في الحقيقة إلا تراكم لمجموعة من المشاكل التي انتعشت وتغولت في ظل الفراغ المخيف وضعف التمثيل داخل الجاليات الإسلامية.

ما فعله الحزب الشعبي اليميني في سويسراً يجب أن يشكل بداية نقاش جدي وعميق داخل أوساط الجالية المسلمة في أوروبا، لأن تنظيم استفتاء شعبي بسبب أربع مآذن لا تستعمل أصلا لرفع الآذان في بلد يعيش فيه أقل من نصف مليون مسلم أمر لا يجب أن يمر عليه مسلمو سويسرا وأوروبا مر الكرام.

ليس الإشكال أن تكون للمسجد صومعة أو لا تكون، فالاستغناء عنها ممكن ووارد، لكن الحملة العنصرية التحريضية التي شنها الحزب الشعبي اليميني واتهامه لمسلمي سويسرا بمحاولة أسلمة البلاد ونجاحه في مسعاه يجب أن يؤخذ مأخذ الجد داخل أوساط الجالية، وليس خارجها، لأنه بالتجربة كلما تدخلت جهات أخرى غير أوروبية لمساعدة مسلمي أوروبا عادت عليهم هذه المبادرة بالضرر.

لقد اتضحت الرؤية الآن أكثر من أي وقت مضى، ثماني سنوات من الحرب على الإرهاب على طريقة الإدارة الأميركية السابقة كانت كافية لتعصف بسنوات من التعايش بين مسلمي أوروبا وغيرهم من المواطنين. كان الجميع يتابع باهتمام تغير نظام الحكم في أفغانستان والعراق وتصرفات أسوأ إدارة أميركية في تاريخ الولايات المتحدة، كان العالم يستيقظ من حين لآخر على أخبار تفجيرات طالت مدريد ولندن والرياض والدار البيضاء. كنا نعرف إلى حد ما ضحايا كل مرحلة على حدة، لكننا نسينا مسلمي أوروبا الذين جاء دورهم ليدفعوا الثمن بالتدريج، ثمن كل ما جرى منذ عام 2001، لكن خصوصا ثمن تشدد بعض أبناء الجالية وانسياقهم وراء تنظيم القاعدة وتهديدهم مباشرة لأمن الدول الأوروبية.

بعد أن تسبب تنظيم القاعدة في مآس لا حصر لها، خصوصاً ضياع أفغانستان والعراق وما لحق شعبي هذين البلدين من أضرار جسيمة، يمكنه أن يضيف إلى "إنجازاته العظيمة" مأساة مسلمي أوروبا الذين قد يتعذر عليهم أداء الصلاة جماعة عما قريب إذا بقيت الأمور على ما هي عليه.

في بحر هذا الأسبوع ومباشرة بعد أن قرر السويسريون اقتلاع المآذن، ألقي القبض في مدينة ميلانو الإيطالية على مواطنين مغربيين يشتبه في أنهما كانا بصدد التحضير لمجموعة من الاعتداءات، فلم يتردد حزب رابطة الشمال العنصري في تقديم طلب للبرلمان الإيطالي لتجميد بناء المساجد والمراكز الثقافية الإسلامية، وقد علل وزير الداخلية الإيطالي روبرتو ماروني وهو عضو في هذا الحزب هذا القرار بتنامي "الإرهاب الإسلامي" في إيطاليا، وقال أيضا: "ليس من السهل أن نفرق بين أماكن العبادة وبعض الجمعيات التي تقوم بكل أنواع الأنشطة في بعض المساجد، حيث يتم إطعام الناس وتقام الصلاة ويجند الإرهابيون وتمول العمليات الإرهابية". ما قاله وزير الداخلية الإيطالي خطير جدا، لأنه يضع المسلمين الذين يواظبون على أداء الصلاة في المساجد في خانة الإرهاب، لكنه في الوقت نفسه لم يكذب عندما تحدث عن توظيف بعض المساجد من أجل استقطاب إرهابيين جدد ونشر الفكر الانفجاري والقتل بالجملة ومناطحة أميركا وما إلى ذلك من الترهات التي أدى مسلمو العالم ثمناً غالياً بسببها. لقد قال وزير الداخلية الإيطالي كلمة حق أراد بها الباطل بعينه، واستغل حزبه هذا السياق المليء بالملابسات الغامضة لمحاولة إحراز مكسب تجميد بناء المساجد التي يستعملها مليون ونصف المليون مسلم الذين يعيشون في إيطاليا.

أما فرنسا الآن فهي منشغلة بالحديث عن النقاب بعد منع الحجاب في الأماكن العمومية. لا أدري إن كان عدد المنقبات في فرنسا يتجاوز العشرين أو الثلاثين امرأة، إلا أن الرئيس قرر أن يصبح النقاب موضوع نقاش في البرلمان. كان بإمكان وزارة الداخلية الفرنسية أن تصدر قراراً بمنع النقاب دون حاجة إلى كل هذا الأخذ والرد بحكم أن الأغلبية الساحقة من مسلمي فرنسا لا يؤيدونه ولا يدافعون عنه باستثناء عدد قليل من الحنابلة والسلفيين، وهم لا ثقل لهم في الساحة. إلا أن الرئيس ساركوزي المتدنية شعبيته يحتاج إلى الجلبة والضوضاء، وسيكون له ذلك إذا تهور مسلمو فرنسا وتعاطفوا مع قضية النقاب من باب رفع التحدي أو الهوية أو أية مصيبة أخرى!!

لا أحد يعلم ما ستلده الأيام المقبلة من مفاجآت، لكن أصبح لزاماً على مسلمي أوروبا تنظيف البيت من الداخل بطرد المتطرفين جملة وتفصيلا وفك الارتباط نهائيا بالسفارات العربية ودفع الوافدين العرب إلى التخلي عن مراكز القيادة داخل جمعيات وتمثيليات الجالية ليتسلم المسؤولية الجيل الذي اعتنق الإسلام أو أبناء المهاجرين الذين ولدوا في أوروبا، لأنهم خير محاور للسلطات الأوروبية. أما من يجتر معه حسرات ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وفشل الجماعات الإسلامية في شتى البلاد العربية وفقه الجمود، فليعلم أن الساحة الإسلامية في أوروبا ليست مكانا للانبعاث ولا لتدارك ما فات، لأن التحدي أكبر من أن يواجه بعقلية شرقية قديمة، وإن أمر الإسلام في أوروبا يجب أن يترك للأوروبيين المسلمين، أما الوافدون بمن فيهم من جنس، فإن طاب لهم المقام بقوا وإلا فأرض الله واسعة.

• أستاذ بجامعة غرناطة

zarmourad@gmail.com

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ