ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 16/12/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


القدس والجولان: السلام على السلام؟

ميشيل كيلو

15/12/2009

القدس العربي

أقر الكنيست الإسرائيلي بأغلبية 68 صوتا ربط انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من أي جزء من القدس والجولان باستفتاء شعبي يوافق خلاله ثمانون نائبا و80' من الإسرائيليين على الانسحاب.

وكان الكنيست قد قرر عام 1981 ضم الجولان إلى إسرائيل وإعطاء سكانها العرب السوريين الجنسية الإسرائيلية رغما عنهم، الأمر الذي أثار موجة عارمة من المقاومة الشعبية، السلمية والمسلحة، لهذا التدبير الاستعماري، قدم جولانيون كثيرون خلالها أرواحهم، وتعرضوا لأذى شديد أبقى بعض بناتهم وأبنائهم لفترة تقارب الثلاثين عاما في سجون العدو، لكن هذه المقاومة لم تجد ما يكفي من الرعاية والاهتمام فبقيت مجهولة، مع أنها بلورت أشكالا من النضال ما لبثت أن بلغت ذروتها بعد أعوام قليلة: في الانتفاضة الفلسطينية الشاملة، التي بدأت عام 1987.

صار الجولان، في القرار الأخير، في مرتبة تساوي مرتبة القدس في نظر الصهاينة .هكذا، بدل أن يقرب مرور الزمن والحق العربي العدو من السلام، الذي لطالما أعلن رغبته في تحقيقه وتحدى العرب أن يجاروه في طلبه، نراه يذهب اليوم، بعد نيف واثنين وأربعين عاما على احتلال القدس والجولان، إلى جعل السلام ضربا من المحال، فمن المستحيل أن يوافق 80 ' من قطعان التعصب والعدوان والدم على التخلي عن أرض يزعمون أن الله وهبها لهم، وأن صك ملكيتها الإلهي يفوق في قيمته أي صك آخر، خاصة صكوك التاريخ، التي تكذب ادعاءاتهم وتقوض مزاعمهم.

كنا في البدء أمام عدو يقول إنه لن يعيد الأرض كاملة، وها نحن ذا أمام العدو ذاته وهو يعلن جهارا نهارا وبأعلى صوت أنه لن يعيد ذرة تراب واحدة من القدس والجولان، وسيواصل الاستيلاء على الضفة الغربية، ويربط تنفيذ قرارات دولية تلزمه بالانسحاب من الأراضي المحتلة بإرادة مستوطنين يستولون يوميا على هذه الأراضي ويغيرون طبيعتها وهويتها، مخالفين بذلك الأعراف والقوانين الدولية، وضاربين عرض الحائط بحقيقة أنه لا يحق لهم أو لغيرهم وضع إرادتهم فوق إرادة الشرعية الدولية أو في محلها، وأنهم ليسوا جهة تقرر صلاحية هذه القرارات وقابليتها للتطبيق، خاصة وأن سلوكهم الاستعماري/الاستيطاني يضعهم خارج أية شرعية تعارف عليها البشر منذ تكونت الدولة الحديثة، وتبلور ما يصار يعرف بالحياة الدولية.

إلى هذا، يعطي القرار المستوطنين حق تقرير مصير غيرهم، مصير الفلسطينيين والسوريين، ويؤكد أن حكومة الصهاينة، التي رسمت هوامش عنصرية وفاشية واسعة جدا لسياساتها تجاه العرب، قررت قطع أي حوار معهم حول الجولان والقدس، واعتماد العنف والاستيطان وسيلة تخاطب معهم، واتخذت هذا القرار كي لا يكون هناك عودة عنه، في حال خسرت الانتخابات القادمة، فكأنها تنزع بواسطته مصير الاحتلال من يد الحكومات وتضعه في يد المستوطنين، وتفرض على العرب والعالم التعامل معهم باعتبارهم جهة مقررة، لن تتم تسوية أي شيء دون إرادتها. ينطلق موقف الحكومة الصهيونية، الذي يعني القضاء المبرم على فرص السلام، من معرفتها بالمدى الذي بلغته النزعات الفاشية والعنصرية لدى الإسرائيليين، وإدراكها أن وضع مصير القدس والجولان في أيدي هؤلاء يعني حتمية استمرار الاحتلال وتغيير خيارات المنطقة، التي لن تبقى من الآن فصاعدا خيارات بين الانسحاب أو استمرار الصراع العربي/الإسرائيلي، وإنما ستكون بين استمرار التوسع الاستيطاني حتى الالتهام الكامل للأرض العربية أو الحرب. ومن يراقب التصريحات اليومية لحكومة العدو يجد أنها ما انفكت ترفع بصورة يومية سيف الحرب فوق أعناق العرب، وتهدد بإطلاقها من عقالها في غزة وجنوب لبنان، وفي غيرهما!.

هل اتخذ القرار الصهيوني من أجل تفادي الضغوط الأمريكية، كما سيقول لسان عربي سائد؟. أعتقد أن امريكا لا تستطيع ولا تريد ممارسة ضغوط على إسرائيل، وأن حاجتها إليها، بعد مآزق العراق وأفغانستان وباكستان ومشكلاتها المتعثرة مع إيران، قد تزايدت بدل أن تتناقص، وأن قيمتها كحليف تعاظمت ولم تتضاءل، على عكس ما يعتقد عرب كثيرون يظنون أن خلافا سينفجر بين واشنطن وتل أبيب، سيكون البوابة إلى تحقيق السلام واستعادة الأرض وإجبار العدو على الانسحاب منها، مع ما سيترتب على ذلك من تغيرات جذرية في المناخ الاستراتيجي للمنطقة وللعالم. هذه أوهام تتعارض مع الحقائق من جهة، وتبعث في نفوس العرب آمالا كاذبة حول قرب السلام من جهة أخرى، بينما تقترب بالأحرى احتمالات الحرب والأعمال العدائية، التي يمكن أن تنشب في أي وقت ولأي سبب، ما دام العقل الصهيوني الذي أملى القرار، قد اتخذ جميع الترتيبات الضرورية للحرب الشاملة، ويقول على لسان قادته العسكريين في جبهة لبنان وسورية إنه سيعيد العرب إلى العصر الحجري، إذا ما نشبت الحرب!.

لماذا اتخذت إسرائيل قرارها الخطير، إن كانت لا تخشى الضغط الأمريكي؟. أعتقد أن أساس القرار كامن في الوضع العربي، الذي بلغ درجة من التمزق والتردي تجعل أي عدو أو خصم، بما في ذلك حكومة أرتيريا، يستهين بالعرب ويتطاول عليهم، والدليل : دور هذه الحكومة في الصومال واليمن. الوضع العربي شديد السوء، وهو يدخل في أيامنا منعطفا خطيرا يضاف إلى مصائبه الخطيرة الكثيرة، التي كنا نظن أنه بلغ من خلالها درجة من التردي صار من الصعب معها أن يتردى أكثر، لكنه يواصل انهياره وترديه حتى بلغ مرحلة نوعية سمتها الأساسية تفكك العلاقات العربية / العربية تفككا تاما، واستعصاء المصالحات بين حكومات ونظم العرب 'الشقيقة '، وبين الحكومات وشعوب'ها'، وحتى بين الشعوب ذاتها (مصر/الجزائر) (راقب الصهاينة الأزمة الجزائرية/المصرية باهتمام شديد، وأدلوا بتصريحات حولها كان يجب أن تثير قلق كل عربي، لو كان العرب ما زالوا قادرين على الشعور بالقلق!) بينما يسارع العرب إلى جوارهم القريب والبعيد يستعينون بدوله ضد بعضهم، ويحكّمونه في مصائرهم، ويربطون أنفسهم بخططه، كأنه لم يعد هناك مصالح ومشتركات عربية تلزم حكوماتهم، أو كأن مشروع الشرق الأوسط الكبير شرع يقوم بعرب وعربان جامعهم الوحيد هو العداوة والخصام والاقتتال!. في هذه الأجواء، التي تجعل من خطوة إسرائيل محاولة جديدة لإذلال العرب وإشعارهم أن إسرائيل تستطيع فعل أي شيء تريده، وأنهم أعجز من أن يفعلوا شيئا للدفاع عن أرضهم وحقوقهم، يطرح نفسه السؤال التالي : ترى، لماذا يجب على إسرائيل، وهي ليست مؤسسة خيرية بل كيانا عدوانيا/توسعيا/احتلالا، أن تمتنع عن الإفادة من الانهيار العربي؟. ولماذا لا تقرر إقامة شروط تجعل السلام مستحيلا مع عالم عربي لا يستحقه ولا يفعل شيئا لأجله، عالم عاجز عن فرضه بالقوة كما عن استجدائه بالضعف؟. وهل هناك ظرف أفضل للتوسع والاستيطان والحرب من الظرف العربي الراهن؟. إن إسرائيل ستخون نفسها ككيان عنصري توسعي عدواني إن هي أحجمت عن اغتنام الفرصة، وإعلام العرب والعالم بأن الأرض المحتلة صارت لها، خاصة وأن أوضاع العرب السيئة والتي تزداد سوءا تمكنها من ابتلاعها حتى آخر ذرة تراب!.

ليس ضعف العرب جديدا أو طارئا. إنه ضعف مزمن عجزت جميع أنماط النظم السياسية العربية عن مداواته، مع أنه أدى إلى قيام إسرائيل الأول عام 1948، وقيامها الثاني عام 1967(الكلمات ليست لي بل للجنرال موشي ديان وزير دفاع إسرائيل عام 1967!). لنحمد الله لأن اليهود لم يهاجروا بأعداد كافية إلى فلسطين. لو هاجروا، لكانت حدود إسرائيل اليوم على الفرات ومع جزيرة العرب ووادي النيل.

يا أمة ضحكت من عجزها الأمم!

' كاتب وسياسي من سورية

=========================

حرب دينية: درس تاريخي

افشالوم فيلان

15/12/2009

القدس العربي

ما تزال مبادرات السلام التي تثار صبح مساء منذ حرب الايام الستة تتحطم لأسفنا على صخرة الواقع الصعب للقدس. يكفي ان نذكر اسم المدينة من اجل احداث حريق على الفور بين المتطرفين اليهود او المسلمين، واذا لم يكن هذا كافيا فان المتطرفين اليهود حاولوا احراق مسجد، وهذه خطوة قد تزيد المواجهة حدة وتحولها من صراع قومي الى ديني.

كذلك عجز القادة ازاء الجماعات المتطرفة ليس ظاهرة العصر الاخير فقط. وعلى ذلك من المثير للاهتمام ان نتذكر على الخصوص القصة التاريخية من القرن الرابع الميلادي، في اواخر العصر الروماني، عن الزعيم اليهودي الذي فضل ابعاد مجموعة متطرفة من ابناء دينه عن القدس كي لا يمزق النسيج السياسي اللطيف فيها: تبدأ القصة مع القيصر يوليانوس ابن شقيق القيصر الروماني قسطنطين (الذي حاول ان يوحد جميع شعوب الامبراطورية الرومانية تحت المسيحية ومن ضمنهم اليهود في القدس).

عندما تولى يوليانوس الحكم كان عنده برنامج عمل يختلف تماما عن برنامج عمه. فيوليانوس ذلك الذي تربى على الثقافة اليونانية المستنيرة، اعتقد ان حرية العبادة ضرورية لاحراز استقرار سياسي، وسمح لكل جماعة باقامة دينها من اجل انشاء قوى سياسية يعادل بعضها بعضا ويصد بعضها بعضا. وقد اعلن من جملة ما اعلن بأنه يمكن لليهود ان يعودوا الى القدس وان يبنوا فيها هيكلهم من جديد.

بخلاف اليهود في الجلاء الروماني، الذين تلقوا النبأ بفرح وابتهاج، بينت السلطات اليهودية في البلاد عن تشكك كبير. فقد أشفق هلل الثاني من ان يفضي الامر الى ولادة الحركة الصدوقية من جديد، وهو شيء لن يمس فقط بالنسيج السياسي اللطيف في المدينة بل سيفضي ايضا الى السيطرة والى هدم أسس اليهودية الاخيرة التي بقيت في المملكة منذ خراب الهيكل، لهذا آخر الامر. قدر استطاعته الى ان اضطر اخر الامر للخضوع لقيصر وتأييد البناء.

لكنه ولحسن الحظ أنهى الزلزال الذي حدث في سنة 363، وموت القيصر يوليانوس بعد ذلك فكرة بناء الهيكل من جديد والنار السياسية الدينية التي كانت ستشتعل على اثر ذلك. ان رؤيا هلل، عن فصل الدين عن السياسة في القدس هي التي انتصرت.

اذا رجعنا الى ايامنا فان جماعات متطرفة تحاول مرة اخرى بدء ما يشبه حروبا دينية بحرق المساجد كما حدث نهاية الاسبوع، او بالتهديد ببناء الهيكل من جديد كما يحدث في المدة الاخيرة.

عندما تحاول مجموعات متطرفة املاء برنامج العمل فانها قد تعرض استقرار اسرائيل للخطر: بجعل المواجهة القومية المناطقية حربا دينية. مثلا ادرك موشيه دايان ادراكا جيدا مقدار خطر الجنون الكامن في محاولة السيطرة اليهودية الدينية وبناء الهيكل الثالث في جبل الهيكل ولهذا أبقى العلم الاردني هنالك ظاهرا، عن عمد.

يتبين ان القدس الشرقية ستكون عاصمة الدولة الفلسطينية (مع الحفاظ على الحقوق الدينية لليهود والمسيحيين في المدينة وعلى صلة تامة للطرف الشرقي بالمدينة الغربية مع السلامة البلدية) في كل تسوية في المستقبل، كذلك من الواضح ان الفصل فقط بين الموضوع السياسي والديني سيفضي الى تقدم ذي شأن في طريق احراز حل. في هذه الاثناء ينبغي ان نتوقع من قادتنا اظهار الحكمة السياسية التي اظهرها البطرك هلل.

اسرائيل اليوم 14/12/2009

=========================

توني بلير إذ يمعن في استخفافه بالعرب والمسلمين * ياسر الزعاترة

الدستور

15-12-2009

كان توني بلير في حاجة إلى كثير من الوقاحة والغطرسة لكي يعلن حقيقة نواياه حيال الحرب على العراق ، بدل المضي في نهج الإنكار الذي اتبعه طوال الوقت ، ذلك أن أحدا لم يكن بوسعه أن يفرض عليه الاعتراف بالحقيقة التي اعترف بها صراحة في حديثه إلى البي بي سي حين قال إن أسلحة الدمار الشامل كانت مجرد حجة ، وأن عدم توفرها كان يعني "استخدام ونشر حجج مختلفة".

 

هذه الحقيقة هي ما كنا نؤمن به طوال الوقت ، وقد قلنا مئات المرات إن غزو العراق في عقل جورج بوش والمحافظين الجدد ، ومعهم حليفهم الأبرز (بلير) كان محطة أساسية لخدمة البرنامج الصهيوني بعد وصول مشروع أوسلو إلى جدار مسدود في قمة كامب ديفيد صيف العام 2000 ، ومن ثم اندلاع انتفاضة الأقصى ، وأن الأساطير الدينية التي حركت بوش لم تكن بعيدة عن قناعات بلير (بالمناسبة كان الأخير يتحدث مع محررة البرنامج الديني في البي بي سي) ، وإن غلب عليه البعد السياسي ممثلا في تكريس التحالف التاريخي مع الولايات المتحدة.

 

جورج تينيت ، رئيس السي آي إيه قال إن جورج بوش قد دخل البيت الأبيض وقرار غزو العراق في جيبه ، ما يؤكد أن لا صلة للغزو: لا بأسلحة الدمار الشامل ، ولا حتى بهجمات الحادي عشر من أيلول في الولايات المتحدة.

 

إنها الحقيقة التي جاء بلير بعد سنوات طويلة لكي يفضحها ، وعلينا اليوم أن ننتظر كلام صديقه بوش لكي يدلي باعترافاته ، ويتحدث عن قناعاته الدينية التي ضخها في عقله قساوسة الكنائس المعمدانية الجنوبية حول أسطورة هرمجدون ، التي ستكون مقدمة لمجيء المسيح المخلص بعد أن يتجمع كل اليهود في أرض الميعاد.

 

الأرجح أن بوش لن يعترف بكل الحقيقة ، ربما لأنها تنطوي على أبعاد "لاسامية" على اعتبار أن تكملة الأسطورة تقول إن اليهودي بعد المعركة إياها ، إما أن يدخل في المسيحية أو يقتل ، وهو ما يعرفه اليهود تماما ، لكنهم يقولون بالكثير من الانتهازية "دعونا نتمتع بدعم هؤلاء ، وعندما يأتي موعد المعركة إياها ، سيكون لكل حادث حديث"،،.

 

بعد أيام لا أكثر من نهاية الغزو ، وبقدر لافت من غرور القوة وزهو الانتصار جاء بلير إلى العراق لكي يقول على مسمع العالم أجمع ، إن نتيجة المعركة ستحدد ملامح القرن الجديد ، وهو ذاته ما كان يقوله سادة المحافظين الجدد ، تحديدا الصهاينة منهم الذين أقنعوا بوش بأن غزو العراق سيعني تكريس الولايات المتحدة زعيمة للقرن الحادي والعشرين.

 

بكثير من الجهل ، معطوفا على غرور القوة والغطرسة نسي هؤلاء أن في هذه البلاد أمة من نوع مختلف ، قد تهزم ، لكنها لا تستسلم للهزيمة ، ففيما كان بلير يبشر بالتحول الجديد ، كنا ومن دون تردد نبشر بالمقاومة التي ستفشل مشروع الغزو ، والتي أضاءت فلسطين ومقاومتها الإسلامية شعلتها في المنطقة ، وهو ما كان على نحو أذهل الغزاة والعالم أجمع ، فما هي سوى أيام حتى كان العراقيون الشرفاء ، ومعهم أناس قدموا من خارج العراق يشرعون في تفجير الألغام في دروب المشروع وجنوده وأحلامه.

 

لم يفرح بلير بانتصاره ، بل ظلت لعنة ذلك "الانتصار" تلاحقه حتى أخرجته مذموما مدحورا من "عشرة داوننغ ستريت" ، فيما ترك حزبه يتخبط بخسارات متوالية رغم الإنجازات الاقتصادية الجيدة التي تحققت في عهده ، وصار مثل صاحبه جورج بوش عنوانا لجنون الإمبريالية في أسوأ طبعاتها ، لا سيما بعد توالي فضائح الغزاة من "أبو غريب" إلى الفلوجة وسواها.

 

بعد فشله في خدمة المشروع الصهيوني في غزو العراق ، بدأ بلير ، وبترتيب مع صاحبه بوش في البحث عن مسار آخر ، فكانت قصة مندوب الرباعية في فلسطين ، وها إنه يعمل بشكل يومي على إعادة تشكيل الحياة والناس في الضفة (إلى جانب الجنرال دايتون في المسار الأمني) من أجل تثبيت واقع الدولة المؤقتة ، أو السلام الاقتصادي الذي يريده نتنياهو ، وهي مهمة بالغة السوء ، ينبغي أن يدركها الفلسطينيون ، بدل أن يخرج من بينهم من يحتج بصفاقة على صراخ شاب فلسطيني في وجهه (وجه بلير) ، بينما كان الأصل أن يرشقه بمئة حذاء.

 

واثقون أن روح المقاومة التي دمرت أحلام بوش وبلير في العراق ، ستدمرها ها هنا في فلسطين التي لن يبيع شعبها كرامته ومقدساته من أجل عطايا المانحين واستثماراتهم ، حتى لو وجد من أبنائها من يصفق لبلير ويمدح إنجازاته ، ومعه الجنرال دايتون.

=========================

تركيا.. والأصابع الإسرائيلية

صالح القلاب

الرأي الاردنية

15-12-2009

ما كان يجب أن يدفع أكراد تركيا حكومة عبدالله غول ورجب طيب أردوغان دفعا لإتخاذ خطوة حل حزب التجمع الديموقراطي الكردي ووضع اليد على ممتلكاته المالية والعينية وإسقاط عضوية البرلمان عن زعيميه أحمد ترك وإيسال طوغلوك فهذا موقف خاطىء وهذا وضع أسلحة في أيدي جنرالات الجيش التركي كي يحبطوا مساعي حكومة حزب العدالة والتنمية التي هي مساع جدية وحقيقية لحل القضية الكردية بالوسائل السلمية.

 

لم يشهد تاريخ تركيا الحديث والقديم أيضا تفهما للقضية الكردية كتفهم هذه الحكومة العقلانية والسموحة والمتسامحة التي يقودها هذا الثنائي عبدالله غول وطيب رجب أردوغان لهذه القضية المزمنة والقديمة والمستعصية وهذا كان يجب أن يدفع عقلاء أكراد تركيا إلى التحلي بالمزيد من المسؤولية وأن يدفعهم لضبط شغب المتطرفين من بني قومهم لإفساح الطريق أمام هذا الإعتدال إزاء قضيتهم ليأخذ أبعاده المتوقعة.

 

كان المفترض أن يسقط أكراد تركيا ظاهرة عبدالله أوجلان وحزبه من برامجهم ومن حساباتهم نهائيا فهي ولدت في رحم الحرب الباردة وانقسام المعسكرات وهي تسلحت بالقضية الكردية لحساب صراع إقليمي لم يعد موجودا وهي على هذا الأساس باتت تلفظ أنفاسها الأخيرة ولم يعد يراهن عليها إلا اليمين التركي المتطرف الذي يقاوم مسيرة حزب العدالة والتنمية وعودة هذه الدولة المركزية الهامة في عهده إلى الإنفتاح على محيطها الإقليمي والتعامل بيد ناعمة مع القضية الكردية.

 

قبل أيام وقبل هذا التطور الأخير نفذت بقايا مجموعات حزب العمال الكردستاني التركي حزب عبدالله أوجلان، الذي أستخدم كأداة في صراعات الحرب الباردة والذي انتهت مهمته مع نهاية هذه الحرب، عملية إرهابية سقط خلالها أكثر من عشرة من جنود الجيش التركي وكان على زعماء أكراد تركيا أن يشجبوا هذه العملية التي ستثبت الأيام أنها مشبوهة وأن هدفها زعزعة الاستقرار وإضعاف هذه الحكومة التركية المتسامحة والمعتدلة.

 

وبصراحة فإن الاعتقاد الذي يرتقي إلى مستوى اليقين هو أن الأصابع الإسرائيلية غير بعيدة عن إنعاش حزب العمال الكردستاني التركي ودفعه لاستئناف عمله العسكري واستخدامه مرة أخرى كبندقية للإيجار لاستهداف هذه الحكومة التركية التي وجهت إلى إسرائيل أكثر من لكمة موجعة وبخاصة في الآونة الأخيرة.

 

مع أن قضيتهم عادلة إن في تركيا وإن في العراق وإن في إيران فإن الأكراد بقوا يستخدمون وعلى حساب قضيتهم كأدوات في الصراعات الإقليمية في هذه المنطقة والآن فإنه غير مستبعد أن إسرائيل قد دخلت على هذا الخط وأنها لجأت لافتعال مشكلة كردية متفجرة في تركيا نكاية بحكومة حزب العدالة والتنمية ولدفع بعض جنرالات الجيش التركي، الذين يعتبرون أن عهد عبدالله غول ورجب طيب أردوغان يشكل خروجا على المسيرة التي رسمها مصطفى كمال ( أتاتورك )، لمحاولة استعادة زمام الأمور وإعادة هذا البلد إلى وضعية إدارة الظهر لعمقه العربي والعودة إلى علاقاته السابقة مع الدولة الإسرائيلية.

=========================

اللقاء السنوي الإسرائيلي الأميركي في مركز سابان

الرأي الاردنية

15-12-2009

الشأن الاسرائيلي

ضم اللقاء السنوي الأميركي الإسرائيلي والذي عقد في الرابع عشر وحتى السادس عشر من الشهر الماضي في مركز سابان في معهد بروكينغز من الجانب الأميركي: بيل كلينتون ونائب وزيرة الخارجية جيم ستينبيرغ وحاكم كاليفورنيا ارنولد شوارزنيغر والسناتور جوزيف ليبرمان والسناتور الجمهوري المتشدد لينزي غراهام ورئيس اللجنة الخارجية في الكونغرس هاوراد بريمان ومارتن ايندك وآخرون.

أما عن الجانب الإسرائيلي فحضر رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع باراك ووزير الخارجية ليبرمان وايهود أولمرت وتسيبي ليفني ورئيس الاستخبارات العسكرية الجنرال عاموس يالدين ورئيس الشاباك يوفال ديسكين ومحافظ بنك إسرائيل.

وكجزء من الحوار قام المتحاورون بزيارة سلام فياض في رام الله كما التقوا مع صائب عريقات. أحد المشاركين، مارتن أيندك، كتب تقريرا ملخصا عن مجمل ما جرى ونشر على موقع بروكينغز. والتقرير المنشور يدور حول عدد من المحاور والقضايا التي تهم طرفي الحوار الأميركي والإسرائيلي.

الموضوع الإيراني كان محور النقاش، ويقول مارتن إيندك أنه كان هناك إجماع مفاجئ بين الأميركان والإسرائيليين بأن المقاربة التي ينتهجها الرئيس أوباما يجب أن تعطى فرصتها، وأنه في حال عدم استجابة إيران بشكل ايجابي مع الرئيس أوباما عندها فقط يمكن الذهاب إلى خطوة إضافية تتمثل في عقوبات ولكن ليس الخيار العسكري مع أن الخيار العسكري يجب أن يبقى دائما على الطاولة. فالجانب الإسرائيلي يبدي رضا عن الطريقة التي يتصرف بها الرئيس أوباما حيال الأمر كما أن الأمر ينطبق على المجتمع الدولي الذي يراقب عن كثب المشهد الإيراني وبرنامج طهران النووي. ويشير مارتن إيندك أن مصدر الرضا الإسرائيلي ربما نتيجة معلومات استخبارية تتحدث عن مشاكل فنية كبيرة يواجهها البرنامج النووي الإيراني.

ويتفق الجانبان الإسرائيلي والأميركي على انه بالرغم من مقاربة الرئيس أوباما فإنه من غير المرجح أن يستجيب النظام في طهران ايجابيا، وعليه فبات مطلوبا التحضير للذهاب لمجلس الأمن من أجل تشديد العقوبات على طهران إذ يعتقد الجانبان أن ثمة ما يشير إلى إمكانية تعاون موسكو في مجلس الأمن. واتفق الجانبان أيضا على أن الصين قد لا تتعاون بهذا الشأن. لا يوجد في التقرير الكثير ما يمكن الإشارة إليه بشأن الموضوع الإيراني لأن اللقاءات تمت على طريقة تشاتم هاوس (أي أن لا ينسب أي شيء لأي قائل). أما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية فقد تبين من اللقاء أن هناك أراء مختلفة حتى بين أعضاء الوفد الإسرائيلي نفسه حول كيف يمكن التعامل مع القضية برمتها. فالبعض يرى أنه لا سبيل للتوصل إلى تسوية سلمية وأن أفضل ما يمكن تحقيقه في ظل الظروف القائمة هو التوصل إلى تفاهم مع الفلسطينيين يستند على تحسين أحوالهم في الضفة الغربية مع إعطاء الفلسطينيين القوت الكافي لحسم أمورهم السياسية.

من جانب آخر، هناك من جادل وعلى خلفية تجارب سابقة بأنه هناك ما زال مجالا لتحقيق حل الدولتين مع القيادة الفلسطينية الحالية. وأحد المشاركين الإسرائيليين والذي شارك في مفاوضات ومحادثات سابقة يقول أنه وعلى العكس من الحكمة التقليدية في إسرائيل فإن الرئيس محمود عباس لم يرفض عرض أولمرت المتمثل بتقديم 95% من الأرض في الضفة الغربية وكامل قطاع غزة. البعض الآخر فضل أن يسمح للفلسطينيين أن يعلنوا عن دولة في حدود مؤقتة يمكن التفاوض عليها مع إسرائيل، غير أن أحد المؤيدين لهذه الفكرة أشار بوضوح بأن الفلسطينيين غير معنيين بفكرة من هذا النوع.

رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي تكلم وطلب عدم التكتم عن اسمه قال أنه راغب بالبدء في مباشرة في مفاوضات الحل النهائي واعدا بأنه سيقوم التحرك بشكل مفاجئ وسريع وجوهري في هذا السياق، للكنه لم يعطي تفاصيل محددة عما يقصد بما ذهب إليه. لكنه في الوقت ذاته قال محذرا بأنه في حال قيام الفلسطينيين باتخاذ خطوات أحادية وأعلنوا دولة فلسطينية عندها ستعرف إسرائيل بما ستقوم به وكيف سترد.

إسرائيلي آخر قال أن على الحكومة الإسرائيلية أن تقوم باتخاذ قرار استراتيجي يتعلق فيما إذا كانت تريد إنقاذ الرئيس الفلسطيني أم لا، وهنا يتحدث المشارك الإسرائيلي بأن إسرائيل وصلت إلى لحظة الحقيقة التي عليها أن تقرر فيها. والطريقة الوحيدة لإنقاذه تتمثل في البدء فورا بمفاوضات جدية مع الجانب الفلسطيني للتوصل إلى حل شامل وكامل للصراع. فإذا ما ترك الرئيس محمود عباس لوحده فإنه عندها سيكون هناك فراغ في القيادة، وهو ما يمهد لصراع قوى قد تنتصر فيه حماس على فتح. وبهذا الصدد أشار مسؤول أمني إسرائيل كان ضمن الوفد إلى أن إتمام صفقة تبادل الأسرى من شأنها فقط رفع مكانة حركة حماس على حساب فتح، وبالتالي على قادة إسرائيل أن ينظروا إلى القرار بإتمام صفقة الأسرى كقرار استراتيجي لأنه لن يمضي وقت طويل حتى تقوم إسرائيل بإعادة الدخول إلى غزة. وهنا يأتي رأي أحد الفلسطينيين الذين قابلهم الوفد إذ يقول أنه وبعد مضي ستة عشر عاما على مفاوضات دون نتيجة، فإن الرئيس الفلسطيني قد يأس من أن يتمكن من تحقيق أي شيء مع القيادة الإسرائيلية الحالية. لم يذكر مارتن إيندك في التقرير كيف كان الرد الأميركي وبخاصة وأن بيل كلينتون كان له تجربة سيئة مع كل من نتنياهو وباراك في السابق.

المفاوضات الإسرائيلية السورية نالت من النقاش جانبا. فأحد المفاوضين الإسرائيليين وأحد الخبراء في الموضوع السوري قال أن الثمن للسلام مع سوريا بادي للعيان: انسحاب إسرائيلي كامل من الجولان. ونصح أن لا يدخل أي قائد إسرائيل مفاوضات مع سوريا إن لم يكن مستعدا للانسحاب الكامل من الجولان السوري، وبالفعل أكد على هذه النقطة أحد الأميركان الحاضرين والمشتبكين مع الموضوع السوري. وأشار الحضور إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد يتفهم جيدا أن ثمن السلام مع إسرائيل هو سيأتي على حساب العلاقة مع حزب الله ومع إيران وحماس. زلا يعرف أحد فيما إذا كان الرئيس السوري مستعدا لمثل هذه القطيعة وهو أمر يمكن تفحصه فقط من خلال المفاوضات.

أحد المشاركين الإسرائيليين لم يتفق مع هذا الطرح، وقال أنه في حال بقاء الدعم الإيراني كما هو فإنه من غير الممكن لسوريا أن تقوم بخطوة من هذا النوع، ومن ثم من المستحسن أن تقوم إسرائيل بالتخلي عن فكرة كبيرة على أن تلجأ لاتفاق جزئي، والتي بموجبه ستنسحب إسرائيل من أرض أقل وتتمكن سوريا من الاحتفاظ بعلاقاتها وروابطها مع إيران.

الانطباع السائد بين المشاركين كان أن الرئيس بشار الأسد يتبع مسارين: واحد نهاري يتكلم فيه عن السلام ويجني ثمار ذلك على شكل انتباه دولي له، أما الآخر فهو ليلي وهو قائم على توثيق العلاقة مع طهران وتزويد حزب الله بالسلاح، كما أنه سمح بوجود إيراني في سوريا وهو أمر لم يكن والده ليسمح به لو كان على قيد الحياة.

وفي غياب مفاوضات سورية إسرائيلية يبدو من الصعب أن تتقدم العلاقات الأميركية السورية بالرغم من التحسن في الآونة الأخيرة والتعاون لمنع المتسللين من سوريا إلى العراق. ولكن الأمر واضح، فمن غير تغير في السلوك السوري فيما يتعلق بالعلاقة مع حماس وحزب الله (وهو تغير يأتي نتاج لعلمية سلام ناجحة) لا يمكن أن نرى تغيرا جذريا في العلاقة الأميركية السورية.

في نهاية اللقاء السنوي نقاش الحضور العلاقات الثنائية الأميركية الإسرائيلية. وقد أشار أحد الحضور الأميركان أن هناك تفاهما كبيرا بين أوباما ونتنياهو بشأن الموقف من إيران في حين هناك خلاف كبير في الموقف من القضية الفلسطينية. وقال أحد الإسرائيليين أن الرئيس أوباما ظهر للعالم كرئيس ضعيف وغير فعال، وهو مقلق للغابة بالنسبة للإسرائيليين بسبب اعتمادية الإسرائيليين على واشنطن لإبراز قوة في التعامل مع الآخرين. غير أن المشاركين الأميركان اختلفوا مع هذا الرأي معللين سلوك أوباما بأنه يحاول مقاربة آخري بعد الفشل الذريع للرئيس بوش في المنطقة وأنه من المبكر جدا إطلاق إحكام حول فيما إذا أخفقت مقاربة أوباما أم لا. وفي هذا السياق طلب الرئيس كلينتون من الجانب الإسرائيلي التفهم بأنهم يرتكبون خطأ كبيرا إن اعتقدوا أن الرئيس أوباما هو ضدهم لكونه يسعى لتحسين علاقاته مع العرب، فالرئيس ووزيرة الخارجية هما ملتزمان بمساعدة إسرائيل التوصل إلى سلام آمن مع جيرانها العرب. وأكد الرئيس كلينتون أنه لم يقطع الأمل في حل الدولتين وأنه ما زال هناك مجالا لتحقيق هذا الحل. وختم بالقول أن على الإسرائيليين أن يختاروا التقدم للأمام بعملية سلام أو يسمحوا لمخاوفهم وشكوكهم بأن تقودهم!

=========================

حرب الأديان على الأبواب

المستقبل - الثلاثاء 15 كانون الأول 2009

العدد 3512 - رأي و فكر - صفحة 22

دان كسبي

(بروفيسور محاضر في قسم الإعلام بجامعة بن غوريون)

إحراق المسجد في قرية ياسوف قرب نابلس، مظاهر الرفض التي يبديها الجنود القادمون من المدارس الدينية وتمرد الحاخامات ضد سياسة التجميد، تنضم إلى تصريح وزير العدل يعقوب نئمان، الذي أعرب عن أمنيته استبدال قوانين إسرائيل بقانون التوراة، تنتج معا صورة مثيرة للقلق: إسرائيل تتطرف، ومع جيش إسرائيلي أكثر تدينا تسير نحو حرب دينية على مستوى المنطقة كلها.

ليس من قبيل الصدفة أيضا أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وجد أنه من الصحيح تهدئة الخواطر بشأن الحرم القدسي قبل عدة أسابيع. صحيح أن الكلام الذي قيل في جلسة الحكومة كان موجها إلى العرب من مواطني إسرائيل، لكن هدف الكلام الحقيقي يجب أن يكون أوسع- العرب الفلسطينيين واليهود على حد سواء.

من يشعر بالقلق جراء المشروع النووي الإيراني يمكنه أن يهدأ. فثمة تهديد أكبر على دولة إسرائيل ينطلق من تدهور الصراع مع الفلسطينيين والدول العربية نحو حرب دينية شاملة. فالحرب الدينية كانت دوما أكثر الحروب في العالم وحشية وفتكا. فالأرض في الشرق الأوسط امتصت دماء المؤمنين الذين أتوا إليها خلال الحملات الصليبية الطويلة لإنقاذ الأرض المقدسة من الكفار. ولا يوجد دين توحيدي قدر على تحمل المؤمنين من دين آخر. وعندما يشتعل الإيمان في عظام المؤمنين يُشل المنطق والعقل والتفكير السليم.

هذا ما حصل في الماضي، وعلى ما يبدو هذا ما يحصل أمام ناظرينا الآن. طوال عشرات السنين، جرى الصراع مع الدول العربية ومع الفلسطينيين بشكل خاص، على المستوى البراغماتي، وفي أغلب الأحيان حول تقسيم البلاد. القيم الدينية وحق الآباء رفدت سائر الاعتبارات. صحيح أنه كان هناك دوما أقلية دينية ومتعصبة شدت الصراع إلى جانبها، لكن في كل مرة أمكن عزل هذه الأقلية وعدم الانجرار وراءها. ففي كل طرف من أطراف الصراع أدركوا أن تحويل الصراع التاريخي إلى صراع ديني هو أمر مدمر ويقود إلى الانفجار. ف"أجهزة الطرد المركزية" في المساجد والكُنس من شأنها تخصيب اللهيب الديني وأن تفضي إلى كارثة.

يبدو أن الوضع الراهن الدقيق في إدارة الصراع المعقد قد تشوش في السنين الأخيرة. فالموجة العالمية للأصولية الدينية اجتاحت المنطقة أيضا. وهي لم تجرف الدول الاسلامية فقط، بل جرفت إسرائيل أيضا. ففي الظروف الجديدة تتركز القيم الدينية وتنجح أقلية دينية متعصبة في جر المعسكر كله معها. فالموجة المتعاظمة ل" المسيح الآن" تصل من وراء الخط الأخضر وتهدد بإغراق الجمهور اليهودي كله.

لماذا يحصل هذا؟

أولا، لقد وفر الدين دوما وأبدا جوابا شاملا للحياة المعقدة، وهكذا بالنسبة للصراع مع الخصوم. المطلوب فقط التمسك بالمعتقد والإيمان من أجل الانتصار على العدو.

ثانيا، الجمهور العلماني وقادته غرقوا في فضائل الوفرة الاقتصادية، في نوع من الهروب من الواقع إلى عالم الخيال المليء بالملذات، وفشلوا في صياغة بديل مقنع لإدارة الصراع وحله.

وفي النهاية، القدرة المحدودة على إدارة الصراع بصورة براغماتية ومحتملة ترتبط بالأزمة المستمرة على مستوى القيادة السياسية. ومع غياب الآباء المؤسسين، كانت الحلبة السياسية بمثابة خيار الضرورة بالنسبة لأشخاص من المستويات المتوسطة الذين لم يجدوا مكانهم في أوساط ومستويات أُخرى. ويبرز أكثر من الجميع أولئك العسكريون الذين انتقلوا إلى السياسية وانكشفوا بكامل ضحالتهم الفكرية. وبغية أن يتم استيعابهم وبقاؤهم في الحلبة السياسية، تبنى رؤساء الأركان وكبار الضباط من أمثالهم، وبحكم الضرورة مباني فكرية تقليدية، تضم قيما دينية تؤمن بها الأقلية المتعصبة.

ما هو الأمر الأكثر سطحية وراحة من تجنيد تأييد جماهيري من خلال الكلام الغرائزي والحماسي؟ هذا هو جوهر وخلاصة أزمة الزعامة، والفارق بين الزعيم وبين السياسي: الزعيم قادر على بلورة آراء الجمهور وقيادته في طرق جديدة وغير تقليدية، فيما السياسي يبقى منقادا على يد الجمهور وأسير غرائزه ونزواته.

لقد استند دوما الصراع البائس في هذه المنطقة على برميل بارود على وشك الانفجار في كل لحظة. الفتيل النووي جديد بالفعل. لكن السؤال كان ولا زال كيف نُبعده مع الفتيل الديني عن الأيدي غير المسؤولة. فامتحان الزعامة الحقيقي يتطلب حكمة لكبح جماح المتعصبين الدينيين من جانبي المتراس، لعزل الأقلية المتعصبة وإعادة إدارة الصراع مع العالم العربي إلى المسارات البراغماتية والمنطقية.

=========================

الصعود التركي ليس معجزة

السفير

15-12-2009

فهمي هويدي

الشق السهل في المسألة أن نتحلى بقليل من التواضع وكثير من التجرد لكي نفسر الصعود التركي الذي خطف الأبصار وأسر القلوب، أما الشق الصعب حقا فهو أن نتعلم منه.

1

حين كتب زميلنا غسان شربل رئيس تحرير صحيفة «الحياة» اللندنية مقالة تحت عنوان «لا تتركنا أوغلو» «عدد 2/11/2009» فإنه عبّر عن الإحباط الذي ينتاب المثقف العربي إزاء الفشل في التعامل مع مختلف الملفات المطروحة في الساحة العربية. وقتذاك كان الدكتور أحمد داود أوغلو وزير الخارجية التركي في زيارة أربيل عاصمة كردستان العراق، وقد وصل إليها قادماً من الموصل حيث افتتح قنصليتين في المنطقتين العربية والكردية. فكتب صاحبنا موجهاً إليه كلامه قائلا: «قتلتني الغيرة حين شاهدت صورتك مع بارزاني. منذ شهور ونحن نتحرق لنرى وداً مشابهاً في صورة تجمع محمود عباس وخالد مشعل». تحدث أيضا عن أزمة لبنان التي كان تشكيل حكومته متعثراً منذ خمسة أشهر، ثم ختم مناشداً الدكتور أغلو أن يتدخل لإنقاذ الموقف استناداً إلى مهارته في حل الخلافات، وإلى كون تركيا أصبحت ذات كلمة مسموعة في الإقليم.

كثيرة هي الكتابات المماثلة التي تحدثت عن النجاحات التي حققتها السياسة الخارجية التركية، حتى أن بعضها تحدث عن دخول الشرق الأوسط إلى «العصر التركي» (بول سالم مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط ببيروت  الحياة 29/9). وقد لفت صاحب المقال الأنظار إلى التحولات الاستراتيجية المهمة في المنطقة التي أسهم فيها الموقف التركي. فأشار إلى أنه طيلة معظم القرن العشرين كانت إسرائيل وتركيا وإيران في معسكر واحد، لكن الثورة الإسلامية في إيران غيرت من تلك الحقيقة، وجاء الموقف التركي الأخير ليجعل إسرائيل خالية من أي تحالفات إقليمية للمرة الأولى منذ تأسيسها. في هذا المعنى سجل الصحافي التركي البارز جنكيز شاندار ملاحظة مهمة في مقالة نشرتها له صحيفة «راديكال» (عدد 22/10)، قال فيها إن تركيا سعت يوماً ما إلى استمالة أميركا عن طريق التقرب من إسرائيل، لكن الموقف اختلف الآن بحيث أصبحت إسرائيل تسعى إلى استمالة تركيا عن طريق وساطة واشنطن. وختم هذه النقطة قائلا إن «إسرائيل وواشنطن مدعوتان إلى إدراك أن من يحاول التقرب من إسرائيل لخطب ود واشنطن سيلقى مصير محمود عباس، أي إنه سيحكم على نفسه بالإعدام».

الذين يتابعون الشأن التركي من الخارج قدروا إنجازات حكومة حزب العدالة والتنمية على ذلك الصعيد، وهذا التقدير مستحق لا ريب، لكن كثيرين لا ينتبهون إلى أن إنجازات الخارج ما كان لها أن تتم إلا بعد اجتياز امتحان الداخل بدرجة عالية من النجاح. وهو ما يسوغ لي أن أقول إن ما تحقق في الداخل من نجاحات، كان الأساس الذي انطلقت منه واتكأت عليه الإنجازات المتلاحقة التي تحققت في الخارج.

2

في زيارتي الأخيرة لأنقرة تناولت الغداء مع أحد الأصدقاء في مطعم أقيم فوق تلة تطل على واد فسيح مليء بالخضرة التي توزعت على سلسلة من الحدائق البديعة المنظر. وحين وجدني الصديق مأخوذاً بالجو المحيط، بادر إلى القول إن ذلك الوادي الفسيح كان قبل سنوات قليلة «مقلباً» لقمامة العاصمة. ولكن يد البلدية امتدت إليه وأحدثت فيه ذلك الانقلاب، ضمن السياسة التي اتبعتها لمضاعفة مساحات الخضرة في المدينة، وتوفير فرص أوسع لتجميلها وللترويح عن السكان في الوقت ذاته. أضاف محدثي قائلا: إن البلدية حرصت على أن تخصص في كل حديقة ركناً متميزاً زودته بلعب الأطفال، بحيث أصبحت الأسر التركية ترتاد تلك الحدائق وهي مطمئنة إلى أن أطفالها سيجدون فيها ما يمتعهم طول الوقت.

قال الصديق الخبير إن قصة مقلب القمامة تعد رمزاً للانقلاب في ساحة الخدمات التي عرفتها الساحة التركية، وإن النجاح الحقيقي لحكومة حزب العدالة تمثل في أنها استطاعت أن تقنع الناس بأنها جاءت لتلبي احتياجاتهم وترفع مستوى الخدمات المقدمة إليهم. وهذه المهمة تتصدى لها بالدرجة الأولى 81 بلدية عامة في المحافظات، غير آلاف البلديات الفرعية بالأحياء السكنية والقرى. وهذه صلاحياتها تتجاوز الاهتمام بالمرافق العامة، لتشمل مختلف الأنشطة الأخرى الاجتماعية والتعليمية والثقافية والسياحية.

إننا إذا ضربنا مثلا ببلدية استنبول  الأكبر في تركيا  فسنجد أنها خلال 5 سنوات في الفترة ما بين عامي 2004 و2009 استثمرت مبلغ 22,6 مليار دولار في العديد من الأنشطة المتعلقة بخدمة الناس. منها على سبيل المثال: مد 28 كيلومترا لخطوط الترام والمترو (60 كم أخرى تحت الإنشاء)  شق عشرة أنفاق وإقامة مرائب (كراجات) تسع خمسة آلاف سيارة وإضافة 3278 كم لشبكة المجاري والصرف الصحي وألف كيلومتر لشبكة المياه، وزيادة 55٪ للمساحات الخضراء، وافتتاح 8 شواطئ صيفية، وتجميل 18 ميداناً عاماً، وجمع 15 مليون طن النفايات يومياً، وإسكان 30 ألف عائلة.

إضافة إلى هذا الجهد المتعلق بالمرافق، فإن بلدية استنبول أنجزت في الفترة ذاتها ما يلي:

أنشأت 18 مركزاً ثقافياً وقاعة للمؤتمرات، و11 مكتبة عامة، ورمّمت 81 آثراً تاريخياً.

كما أنشأت 32 مركزاً للدعاية الصحية والطبية و18 بيتاً للمسنين و17 مركزاً للتأهيل الصحي و17 مركزاً رياضياً و14 مركزاً اجتماعياً. علاوة على تزويد 220 حديقة عامة بالآلات الرياضية المجانية وبناء 120 مدرسة متنوعة ومشروع إنترنت مجانياً بالأماكن العامة. وأقامت معسكرات صيفية ل73 ألف شاب وفتاة، و146 مركزاً للتدريب والتثقيف المجاني. كما تولت توزيع 550 ألف أطلس جغرافي على الطلاب، وقدمت 187 منحة دراسية مجانية، للشباب، وتولت مساعدة 170 ألف أسرة فقيرة، وأنتجت 1,7 مليون رغيف خبز يومياً بسعر رخيص.

حين تقوم البلديات بمثل هذه الجهود المتنوعة، فلا بد أن تكسب ثقة الناس وتأييدهم. وبوسع الحكومة المنتخبة في هذه الحالة أن تتحرك في الخارج وهي مطمئنة إلى أنها مؤمنة الظهر وواقفة فوق أراض صلبة ومتماسكة.

3

الإنجاز في الداخل عنصر مهم في نجاح النموذج التركي، لكنه ليس العنصر الوحيد. ذلك أن هناك عناصر أخرى أسهمت بأدوار مختلفة في صناعة ذلك النموذج. فالمجتمع التركي يتمتع بحيوية خاصة جعلته حاضراً ومساهماً بفعالية في محاولات النهوض وصناعة التقدم في البلد. وكان لنظام الوقف الإسلامي دور المحرك لتلك الحيوية التي لازمت التاريخ التركي في مراحله الثلاث: السلجوقية والعثمانية والجمهورية، أي طوال القرون العشرة الأخيرة، إذ خلال تلك الفترات كانت الجماعات الأهلية التي ضمت خليطاً من القادة الروحيين والحرفيين والتجار لها مؤسساتها الوقفية التي تموّل أنشطتها، وظلت تلك هي الصيغة التي من خلالها أسهم المجتمع في تحقيق التنمية بصورة مستقلة عن الحكومة، وإن كانت مكملة ومعينة لها. وكان النجاح الذي حققه الوقف على ذلك الصعيد حافزاً للأوروبيين لكي يقتبسوا نظامه من الدولة العثمانية إلى بلادهم ويطوروه. تماما كما فعلوا مع نظام «الملل» الذي ابتدعه العثمانيون في تطبيقهم للشريعة، ونقل إلى الغرب ليكون أساساً لفكرة التعددية التي لم تكن معروفة لديهم من قبل.

في تركيا الآن ما بين 50 إلى 60 ألف جمعية خيرية تمولها الوقفيات (البعض يرتفع بالرقم إلى 90 ألفا) وهذه الجمعيات تغطي كل مجالات النشاط الإنساني، من الأنشطة الخيرية التقليدية إلى ميادين العلوم والفنون والبيئة وحقوق الإنسان ورجال الأعمال. وحسب فتحي جونجور رئيس اتحاد المنظمات الأهلية فإن ميزانية تلك الجمعيات بلغت 7 مليارات دولار في سنة 2007. بل إن جماعة النور التي أسسها الشيخ فتح الله غولن، قدر رأسمالها بخمسة مليارات دولار، وتدير مشروعات في داخل تركيا وخارجها تشمل المدارس والجامعات والشركات وتملك مجموعة صحف ومجلات ومحطات تلفزيونية وإذاعية. وقد أسست ألف مدرسة في 140 دولة خارج تركيا.

إنك إذا ضممت الدور الكبير الذي تقوم به المؤسسات الوقفية، إلى جانب الهمة العالية التي تعمل بها البلديات، فستجد أن الجهد كله يصب في وعاء عافية المجتمع ورصيد نهضته.

وإلى جانب تلك الخلفية ذات الجذور الضارية في عمق التاريخ التركي، فإننا لا نستطيع أن ننسب النجاح الراهن إلى جهود حكومة حزب العدالة وحدها التي تولت السلطة في العام 2002، ذلك أن الإنصاف يدعونا لأن نقرر أن قادة الحزب حققوا ما حققوه، حينما ساروا على الطريق الذي مهده لهم الرئيس الأسبق توركوت أوزال، مؤسس حزب الوطن الأمم، الذي تولى رئاسة الحكومة ثم رئاسة الجمهورية في الفترة ما بين 1983 و1993 (الشائع أنه مات مسموماً). وهو ما يدعونا إلى القول إنه إذا كان البروفيسور نجم الدين أربكان مؤسس حزب الرفاه ذي الخلفية الإسلامية هو الأب الروحي لقادة حزب العدالة والتنمية، فإن توركوت أوزال هو أستاذهم في مجال الإصلاح السياسي والاجتماعي. إذ يعزى إليه الفضل في إطلاق محاولات بناء الجمهورية التركية الثانية، المتحررة من هيمنة العسكر، والمنفتحة سياسياً واقتصادياً على الداخل والخارج.

4

هناك عاملان آخران لا نستطيع أن نتجاهل دورهما في نجاح النموذج التركي. الأول يتمثل في تطبيق النظام الديموقراطي، الذي ساعد على نمو دور المجتمع الأهلي وعلى إنضاج خبرات المشتغلين بالعمل السياسي، وأتاح فرصة إخضاع السلطة للحساب والتداول بناء على قرار الجماهير في الانتخابات العامة. وكان الالتزام بمبادئ الممارسة الديموقراطية وراء تقليص دور العسكر في القرار السياسي، الأمر الذي جعل إرادة الشعب هي المرجعية الأهم في صناعة ذلك القرار وحمايته.

البعض يحاول نسبة ذلك الإنجاز إلى العلمانية، وذلك فيه الكثير من التبسيط والتغليط.

ذلك أن التجارب أثبتت أن الربط ليس حتمياً بين الديموقراطية والعلمانية، علماً بأن أكثر النظم العلمانية في العالم العربي هي أقلها ديموقراطية، ثم إن العلمانية التي فرضها كمال أتاتورك في تركيا أخضعت البلاد لحكم العسكر وعرضتها لانقلاباتهم، وعمدت إلى سحق الأكراد، ولم يحسّن من صورتها سوى إصلاحات توركوت أوزال. وإذا كان النموذج التركي قد أثبت أن في العلمانية تطرفاً قمعياً وإقصائياً واعتدالاً ديموقراطياً ومتسامحاً مع الآخر، فإن ذلك ينفي فكرة «الحتمية» التي سبقت الإشارة إليها. فضلا عن أنه يضع العلمانية على قدم المساواة مع غيرها مع الأفكار المطروحة، التي يتوزع أنصارها أيضا بين جناحي التطرف والاعتدال.

العنصر الثاني المهم في نجاح النموذج التركي هو وضوح الرؤية الاستراتيجية لدى النخبة الحاكمة. وهذا الوضوح لم يكن من نصيب الأهداف فحسب، بل انسحب على الوسائل أيضا.

ولم يعد سراً أن منظّر هذه المرحلة من التاريخ التركي ومهندسها هو الدكتور أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية الحالي والمستشار السياسي الأول، الذي كان يحلم في مؤلفاته منذ كان أستاذا للعلوم السياسية بأن تصبح تركيا دولة محورية في المنطقة. وأدرك أنها لا تستطيع أن تقوم بذلك الدور إلا إذا نجحت في أمرين أساسين هما: تحويل تركيا إلى دولة قوية ومستقرة في الداخل، ومتصالحة مع كل محيطها في الخارج. ومن هذين المبدأين انطلقت سياسات تعزيز التصالح مع المجتمع بجميع فئاته، خصوصا الأكراد، والتقدم على طريق الإصلاح السياسي، والسعي الحثيث لتعزيز القدرة الاقتصادية. وفي ظل هذا المسعى الأخير أصبح الاقتصاد التركي يمثل المرتبة السابعة عشرة في العالم الصناعي. وهم يتطلعون إلى إيصاله إلى المرتبة العاشرة في عام 2022، في ذكرى مرور مئة سنة على تأسيس الجمهورية. وكانت تلك هي الرؤية التي تبنت سياسة «زيرو» مشاكل، التي بمقتضاها حلت تركيا مشكلاتها مع كل جيرانها حتى أوصلتها إلى درجة الصفر، الأمر الذي فتح لها الطريق لكي تنتقل من دول «الجسر» الهامشية في المنطقة، لتصبح دولة مركزية مؤهلة للعب دور محوري في الساحتين الإقليمية والدولية.

ليس في كل ذلك سر، ولكنه بمقدور كل أحد، إذا أخذ بالأسباب واستوفى شروط اللياقة والجدارة، وأولها توافر الإرادة المستقلة التي أصبحنا في العالم العربي نفتقدها ونسمع عنها فقط، تماما كالغول والعنقاء والخل الوفي، التي تحدث عنها بعض شعراء العرب.

=========================

أي خط أحمر خَطِر تخطّاه رجب طيّب أردوغان ؟

جهاد الزين

(اسطنبول)

jihad.elzein@annahar.com.lb

النهار

15-12-2009

خلافاً لما يعتقده عدد من السياسيين والمثقفين العرب المؤيدين بل المتحمسين للسياسة التركية، المنفتحة على المشرق العربي وخصوصا سوريا وفلسطين، والمتوازنة في الصراع السعودي الايراني، فان قادة "حزب العدالة والتنمية" الحاكم في انقرة لا يحبون سماع دعوات انخراطهم في حلف سوري – ايراني – تركي – عراقي.

ينشأ الالتباس في ذهن المؤيدين العرب الجدد للسياسة التركية في السنوات الاخيرة من اعتبارهم ان هذه التوجهات بقيادة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان تعني جاهزية تركيا لقيام نوع من حلف مشرقي اكثر مسافة نقدية تجاه الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين كما أكثر ابتعاداً عن دول أخرى في المنطقة كمصر والسعودية. وهذا بالضبط مكمن سوء الفهم الذي يقع فيه مراقبون ومعلقون ومتابعون عرب، وليس الحكومات المعنية التي تعرف الفارق، سواء من موقع علاقتها الوثيقة المتنامية بل المتطورة مع تركيا، كالحكومة السورية او من موقع علاقتها الطبيعية والعادية مع تركيا كالحكومة المصرية حتى لو كانت النخبة المصرية الحاكمة غير مرتاحة ضمنا الى هذا النوع من تنامي الدور التركي في المنطقة، وتعتبره غير قادر على ايجاد حلول فعالة لعدد من مشكلات هذه المنطقة. لكن هذه النخبة نفسها تبدو أكثر اصراراً على تجاهل المعضلات العميقة ل"العجز" المصري.

كان من المفيد للمشاركين في ندوة "الفعالية الديبلوماسية الجديدة لتركيا في الشرق الاوسط" التي عقدت طيلة يوم السبت المنصرم في اسطنبول بدعوة وتنظيم من "المؤسسة التركية للدراسات الاقتصادية والاجتماعية" (TESEV) بالتعاون مع "مؤسسة فريدريش ايبرت" الالمانية وضمت مجموعة من الخبراء العرب والاتراك وبعضهم بين العرب على صلة بمراكز صنع القرار في بلدانهم... كان من المفيد لنا كمشاركين ان نجد انفسنا وسط هذه "الالتباسات" التي فتحت على مناقشات بين العرب انفسهم كما بين الاتراك ولكن بنسبة اقل لدى الاخيرين، وان كان بعض المشاركين الاتراك انتقدوا بشكل قوي ما اعتبرته احداهن – وهي معلقة سياسية واستاذة جامعية معروفة - "انحراف" الديبلوماسية التركية بقيادة رجب طيب اردوغان نحو التحول الى "ايران" اخرى في المنطقة.

هذه النقاشات دفعتني الى التفكير في سؤال ربما للمرة الاولى كمراقب متابع ومؤيد (بل ومراهن على) توجهات السياسة التركية منذ تسعينات القرن المنصرم، كسياسة تملك قدرا جديا من القدرة على اتخاذ قرارات مستقلة رغم انخراطها الاطلسي ورهانها الاوروبي وتستند الى بنية حديثة في الاقتصاد تجعلها "نمرا" اقتصاديا اقليميا مهما في محيطها الاوروبي والآسيوي والقوقازي، كما الى نظام ديموقراطي برلماني صاعد في محاولة تجاوزه للعديد من معوقاته الجادة.

هذا السؤال هو:

ماذا لو كان صحيحا ما يقوله المتضررون في اسرائيل وواشنطن وبعض العواصم الاوروبية من ان رجب طيب اردوغان – ومعه "حزب العدالة والتنمية" بما فيه رئيس الجمهورية عبدالله غول – قد ذهب بعيدا في التحولات الديبلوماسية في الشرق الاوسط بما يجعله متخطيا لخطوط حمر سيظهر ان تركيا ليست قادرة ولا يجب اصلا ان تتخطاها حتى لا يؤدي الامر الى انعكاسات تهدد "التجربة" الجديدة برمتها بالانهيار؟

اطرح السؤال هنا من موقع الحرص الذي لدى كثيرين في العالم العربي على استمرار هذه التوجهات التركية كنموذج تحديثي ديموقراطي وكدور ديبلوماسي فاعل ومتوازن (ومتزن) في صراعات المنطقة واخطرها الحساسية السنية – الشيعية التي يؤطرها التنافس السعودي – الايراني. وهذه كلها عناصر "قوة ناعمة" تركية لا يهددها كما قالت باحثة تركية اخرى سوى ظهور تركيا في موقع عاجز عن حل مشاكلها الداخلية والمتعلقة تحديدا بمدى المصداقية الديموقراطية للنظام.

اذاً، السؤال: هل تجاوز رجب طيب أردوغان الخطوط الحمر بما يهدد تجربته كلها في المجال الديبلوماسي او يحملها ما لا طاقة لها على احتماله؟ هو سؤال مختلف عن منطلقات عدد من التقييمات التي صدرت في اسرائيل وبعض مراكز الابحاث في واشنطن والتي ذهبت بدرجة ليس فقط من التسرع بل حتى من السطحية التي تلامس السخافة – الى القول ان تركيا "غادرت موقعها الغربي" كما كتب بعض معلقي "معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى".

من باب التكرار التأكيد على وجهة النظر التي تشير الى ان مواقف رجب طيب اردوغان، بما فيها "نظرية" وزير خارجيته الجديد حول "تصفير الازمات" التركية مع المحيط تأتي في زمن تحولات لا تجعلها يتيمة او استثنائية. فالموقف التركي الرافض للسياسة الاسرائيلية المدمرة لفرص السلام يأتي في زمن خطاب الرئيس الاميركي باراك اوباما الرافض لاستمرار سياسة الاستيطان الاسرائيلية وفي زمن ولادة تيار جدي جدا (ولو انه ليس الاكثرية) داخل اوساط اليهود الاميركيين ينتقد سياسة الاستيطان الاسرائيلية من موقع تأييد اسرائيل اي اللوبي الجديد المعروف باسم "جاي ستريت" وفي زمن صدور تقرير غولدستون عن مجلس حقوق الانسان العالمي الذي ادان الممارسات الاسرائيلية في حرب غزة، كما في زمن الاقتراح السويدي من موقع رئاسة الاتحاد الاوروبي لجعل القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية والذي تبنى منه الاتحاد الاوروبي صيغة غير مباشرة، ولكن جريئة، تؤيد تقسيم القدس عاصمة للدولتين... اذاً، ظاهرة سياسة رجب طيب أردوغان تأتي في سياق كهذا، مما يعني في سياق تحولات سياسية دولية ضد اسرائيل تجعلها "معزولة اخلاقيا" على الاقل في العالم كما يعترف الاسرائيليون انفسهم.

كما ان تركيا المنفتحة على سوريا، فهي تنفتح عليها في سياق تعزيز التوجه السوري نحو تسوية الصراع العربي – الاسرائيلي وليس في سياق تحول راديكالي للموقف السوري... فالقيادة السورية الحالية – خلافا لظروف قيادة الرئيس حافظ الاسد – اتخذت القرار الاستراتيجي بانجاز عملية السلام مع اسرائيل على قاعدة الحد الادنى الذي لا يمكن التنازل عنه من زاوية المصالح الوطنية السورية وهو تحرير كامل الجولان مقابل تحمل المسؤولية الكاملة لكلفة هذا السلام.

ينطبق الامر نفسه، ولو في ظروف اكثر تعقيدا، على علاقة تركيا بحركة "حماس" والمسؤولية في عدم تعزيز الجانب التسووي لدى "حماس"، على الاقل منذ فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006، تتحملها السياسة الاميركية ورفضها المتواصل أي حوار مع هذه الحركة.

اذاً، السؤال لا يعيد النظر بهذه المنطلقات، اقصد سؤال ما اذا كان رجب طيب أردوغان قد تخطى الخطوط الحمر؟ وانما ب"مقاييس" لم تأخذ بعد الحجم من الاهمية الذي تستحقه سواء في مجال المعلومات او التحليل.

فمثلا – وهذا ليس مجرد مثال – لم نفهم بعد ظروف عدم لقاء رئيس الوزراء التركي بأي من قادة اليهود الاميركيين خلال زيارته لواشنطن الاسبوع الماضي. وحاولت ان افهم في اسطنبول هل عدم حصول اللقاء مع هذه البيئة التقليدية الاساسية – اعني اليهود الاميركيين – في التحالف التركي – الاميركي منذ الخمسينات من القرن الماضي، هو نتيجة عدم رغبة اردوغان، كما اشيع في بعض وسائل الاعلام، ام نتيجة عدم رغبة قيادات الجماعة اليهودية الاميركية؟ لم احصل على الجواب "الشافي" خلال وجودي في ندوة اسطنبول وفيها اشخاص مطلعون عادة على اجواء كهذه. لذلك السؤال هنا: هل اهتزت الآن احدى ركائز رئيسية في السياسة التركية وهي العلاقة الوثيقة مع اليهود الاميركيين، بل مع "اللوبي الاسرائيلي" والاميركي نفسه منذ دخول تركيا في عضوية الحلف الاطلسي المبكرة في زمن "الحرب الباردة" الاميركية – السوفياتية؟

هل يشكل هذا الاهتزاز في واشنطن "مقياسا" جديا ل"خط احمر" فعلي يمكن ان تظهر نتائجه لاحقا على دور اردوغان نفسه؟ هل كان بالامكان لأردوغان ان يفصل بين مواقفه الضاغطة على اسرائيل – وهذا امر له صداه بل مداه في البيت الابيض والحزب الديموقراطي والجماعات اليهودية نفسها الآن – وبين قطيعة ما مع البيئة اليهودية؟ ومن اين اتت القطيعة وما هي حدودها، هل انطلاقا من حسابات "حزب العدالة" عن تضاؤل الحاجة الى "اللوبي اليهودي" مع تحسن العلاقات التركية اليونانية ونسبيا التركية الارمينية؟ ام ان المسؤولية لا يتحملها أردوغان الذي ينتمي الى بلد ليست لديه عقدة اضطهاد تاريخية لليهود؟

وهل يمكن المجازفة بالقول هنا، ان مسألة – صامتة كهذه – هي اكثر حساسية حاليا من حتى القرار الذي اتخذته المحكمة العليا بالغاء ترخيص الحزب الكردي الرئيسي في البرلمان... والذي على الارجح، اي قرار الالغاء، لن يمس "المنطقة" الخطرة من علاقة "حزب العدالة" بالمؤسسة العسكرية؟...

=========================

فتاوى القتل وتخصيب الكراهية

إضاءات

الإثنين 14-12-2009

خلف علي المفتاح

الثورة

لا جديد إذا قلنا إن الكيان الصهيوني كيان مؤسس على دعامتين أساسيتين، هما الاستيطان والقتل ، فهما مركز الثقل في الايديولوجية الصهيونية وهذا يعني أن توقف تلك الدعامتين او إحداهما يعني بداية النهاية له،

لذلك كله نجد أن منابع المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية هي المدارس الدينية المتطرفة في ذلك الكيان، حيث التدريس الديني مكون أساسي من مكونات البنية التربوية التي تقوم بعملية صهر ثقافي لإنتاج عجينة اجتماعية وثقافية وسياسية منسجمة ومتماسكة تكون معبأة ومحقونة بالحقد والكراهية تجاه الفلسطينيين والعرب والمسلمين عموماً، ولعل أقرب مؤشر على ذلك هو الكتاب الذي صدر في مستعمرة «يتسهار» في فلسطين المحتلة عن حاخامين يهوديين عنوانه «عقيدة الملك » ويتركز مضمون الكتاب حول المبررات التي تبيح لليهود قتل غير اليهود وهم من يطلق عليهم الغوييم أو الاغيار، وهم في السردية الدينية اليهودية أقل مرتبة من البشر، وقد حظي الكتاب المذكور باهتمام كبير في الأوساط الاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية داخل الكيان، وحظي بتأييد كبار الحاخامات ومنهم يعقوب يوسف عوفاديا من حزب شاس المتطرف والممثل في الحكومة العنصرية، ودوف ليثور من الاتحاد الوطني واسحاق جينسبورغ ونحميا غولدبيرغ من ما يسمى اغودات اسرائيل ويعتبر مؤلفا الكتاب من أهم الشخصيات الدينية في الكيان وهما اسحاق شابيرا وهو رئيس المدرسة الدينية المسماة «يوسف مازال حياً» ومعاونه يوسي اليتسور ويعتبران من تلامذة الحاخام المتطرف مائير كاهانا الذي قتل في نيويورك منذ عدة سنوات، وتتركز مضامين الكتاب الى شرعنة حالات القتل لغير اليهود استناداً الى النصوص الدينية اليهودية بدءاً من عدم التزامهم بالشعائر الدينية اليهودية المتركزة حول سبع فرائض، حيث يجيز ذلك قتلهم شرعاً وصولاً الى خطر الأغيار على اليهود وهنا مكمن الخطورة في تلك الفتاوى، إذ تبيح قتل الغرباء وهم هنا الفلسطينيون والعرب والمسلمون عموماً، لأنهم أولاً لا يلتزمون بالفرائض اليهودية و ثانياً يشكل وجودهم خطراً على اليهود، والأكثر من ذلك أن مؤلفي الكتاب يشرعان قتل كل من يساعد ويتعاون مع من يشكل خطراً على اليهود ويدعوان أيضاً الى قتل كل مدني يساعد من يقاتل الإسرائيلي ويعتبرانه مطارداً ويحللان قتل كل من يعبر عن ارتياحه لقتل الاسرائيلي أو يحاول إضعاف ما يسميانه زوراً «مملكة اسرائيل».‏‏

وإمعاناً في عنصريتهم وتخصيبهم للحقد والكراهية و القتل يدعو الكاتبان علانية الى قتل الاطفال لأنهم بزعمهم يشكلون عقبة في وجه ما يسميانه صراط النجاة عندما يكبرون ويصبحون خطراً على «اسرائيل».‏‏

وفي فصل بعنوان «قتل الأبرياء» يدعو المؤلفان الى قتل المدنيين الأبرياء لأن الأعداء هم المطاردون دوماً وكل من ينتمي الى المطاردين- وهم هنا الفلسطينيون ومن يقف معهم أو يدعمهم أو يفرح لأعمالهم- يجب قتله لأنه ولأجل الانتصار على الأشرار يجب التعامل معهم بطريقة القتل والثأر والانتقام والإبادة حتى يعيش ما يسمى «شعب إسرائيل بأمان».‏‏

إن من يقرأ ويطلع على بعض مضامين ذلك الكتاب وما أثاره من حوارات داخل الكيان، خاصة ما ساقه المؤلفان من أسانيد دينية في نصوص واضحة واردة في «توراتهم وتلمودهم» تؤيد ما خلصا إليه من فتاوى، لا يحتاج الى عناء جهد لتفسير السلوك العنصري لقادة الكيان الصهيوني وممارساتهم اللاإنسانية بحق الشعب الفلسطيني ورفضهم لمتطلبات عملية السلام ويدرك أكثر من ذلك أن القتل مكون أساسي في البنية التربوية والنفسية لذلك التجمع الهلامي، وما واجهته السياسة إلا انعكاس طبيعي لتلك البنية العنصرية الحاقدة على البشريةعموماً وهي بذلك بعيدة كل البعد عن معاني السلام وثقافة السلام وعن كل المعاني الانسانية والقيم الحقيقية التي جاءت بها الشرائع السماوية ذات المصدر الإلهي الواحد والتي تهدف الى الارتقاء بإنسانية الإنسان وتخليصه من كل أشكال الحقد والكراهية تجاه أ خيه الانسان.‏‏

khalaf-almuftah@hotmail.com ‏‏

=========================

بلير والحرب والكذب مرة أخرى

الثلاثاء, 15 ديسيمبر 2009

مصطفى زين

الحياة

أخيراً اعترف توني بلير، في مقابلة تلفزيونية، بأن قراره المشاركة في الحرب على العراق لم يكن مرتبطاً بأسلحة الدمار الشامل. وقال: «لو لم تكن هذه الحجة موجودة لبحثنا عن أسباب وحجج أخرى نظراً إلى طبيعة التهديد» الذي كان يشكله النظام العراقي.

الحرب كانت مقررة إذاً. لم تكن المبررات مهمة إلا بقدر ما تقنع المؤسسة الحاكمة والبرلمان. أما الرأي العام فليست له أي قيمة. نزل إلى شوارع لندن والعواصم الأوروبية الأخرى ملايين المتظاهرين ضد الحرب. لم يكن لشعاراتهم أي صدى في آذان صانعي القرار. طبول الحرب كانت اقوى بكثير. كانت أصواتها قادمة من عمق الإيمان الديني. المؤمن لا يسمع سوى صوت الحقيقة (صوت بوش). ولا يلتفت إلى الصغائر مثل قتل الملايين وتشريدهم وتدمير البلدان. ألا يتقنع الإرهاب بهذا البعد الديني، مبرراً تفجير المدنيين والآمنين من أجل الخلاص، بالمعنى الإيماني للكلمة؟

يؤكد هذا التحليل أن التهديد الذي زُعم أن نظام صدام حسين كان يشكله على جيرانه والعالم أيضاً، كان أسوأ كذبة عرفتها آلة الدعاوة للحرب. بعد 13 سنة من الحصار، وانفصال الشمال عن بغداد، وتكديس الأسلحة في الخليج، وإتاحة الفرصة أمام إيران لاستعادة ترسانتها، وبوجود تركيا الأطلسية، وقبل ذلك وبعده امتلاك إسرائيل أسلحة نووية، أصبح العراق في تلك المرحلة أضعف دولة في المنطقة، وأقلها خطراً على السلام الإقليمي والعالمي.

هدف الحرب لم يكن التخلص من أسلحة الدمار الشامل لأنها غير موجودة، بشهادة المفتشين الدوليين قبل الغزو. كان بلير، فضلاً عن رئيسه جورج بوش، يعلم ذلك. لكنه وقف قبل الحرب، مؤكداً أن باستطاعة صدام حسين تفاديها إذا تراجع (عمَ يتراجع؟) والتزم تطبيق القرارات الدولية. كان يكذب. الحرب شنت من دون موافقة الأمم المتحدة، وبمن حضر من المحاربين، سيلفيو بيرلسكوني وخوسيه ماريا إثنار وبعض من زعماء أوروبا الشرقية، أو من أطلق عليهم تعبير «الراغبين».

كذب بلير كُشف قبل تصريحاته الأخيرة بكثير. كشف عندما أعلن وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول (ماذا كان يفعل هذا المحارب الملون وسط الجنرالات والمسؤولين البيض؟) أنه لم يحرج في حياته مثلما أحرج عندما كلف ترويج كذبة أسلحة الدمار الشامل في مجلس الأمن، وعندما تحول سبب غزو العراق من التخلص من هذه الأسلحة إلى إطاحة النظام.

بلير أقر بكذبه. لكنه لم يندم. قال إن العالم بعد صدام حسين أصبح أكثر أمناً. ما زال ممعناً في الترويج لفضيلة القتل والإرهاب. بعد حرب العراق شنت إسرائيل حرباً على لبنان، وأخرى على غزة، وهو رئيس للرباعية الدولية. لم نسمع منه إدانة واحدة. وبعد الغزو غرق العراق في دماء أبنائه يقتلهم المؤمنون منا ومنهم.

سيكرر بلير تصريحاته أمام لجنة التحقيق في أسباب مشاركة بريطانيا في الحرب (لجنة تشيلكوت). سيكون أكثر اطمئناناً لأنها لم تستدع رئيس المفتشين الدوليين هانس بليكس وليست لها صفة الادعاء. هي مجرد لجنة لاستخلاص العبر من أجل المستقبل. مستقبل المؤسسات البريطانية، وليس مستقبل العراق أو أي بلد يمكن أن يتعرض شعبه للإبادة.

=========================

أوباما في أفغانستان

الثلاثاء, 15 ديسيمبر 2009

حازم صاغيّة

الحياة

قد يكون صحيحاً تمام الصحّة نقد الحرب الأميركيّة والأطلسيّة في أفغانستان، والذي تجدّد بعد قرار باراك أوباما إرسال ثلاثين ألف جنديّ إليها يضافون إلى جنوده هناك. وربّما كان صحيحاً كذلك قول القائلين إنّ الفشل سيكون حليف هذه الحملة تماماً كما كان حليف حملات سابقة استهدفت ذاك البلد العصيّ على الخارج. ما ليس صحيحاً إطراء الصمود الأفغانيّ في مواجهة «الإستعمار» وفي مقاومة ذاك الخارج لأنّه، في الوقت عينه، صمود في مواجهة الحضارة والتقدّم. وهذا ما يقوله تاريخ أفغانستان الحديث منذ نشأتها في 1747 على يد أحمد شاه دورّاني، كما يقوله واقعها العنيد والمتكرّر.

فباستثناء فترة عابرة امتدّت من 1919 إلى 1923 حاول فيها الحاكم المستنير أمان الله خان تحديث بلده، وأنتج لهذا الغرض دستور 1923، ظلّ تاريخ ذاك البلد صنيع طبيعته الخام. ولئن نجحت بريطانيا في «جرّ الهند من شَعرها إلى الحضارة»، والتعبير لكارل ماركس، فإن أفغانستان التي أجبرت أمان الله على الاستقالة لم تنشدّ، فبقيتْ «كما خلقتَني يا ربّ».

وغنيّ عن القول إنّ نقص الاستعمار، لا الاستعمار، هو ما طغى على صدر البلد المذكور، الموصد عن البحر والمحاط ببلدان، هي الصين وإيران وباكستان وتركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان، لا تملك من طاقات التقدّم ما يفيض عنها إلى سواها.

هكذا، وفي القرن التاسع عشر، بقيت أفغانستان دولة عازلة في «اللعبة الكبرى» الشهيرة بين الإمبراطوريّتين الروسيّة والبريطانيّة، فاستطاعت الاثنتان أن تتقاسماها من خارجها بوصفها مناطق نفوذ، لكنّهما عجزتا عن اختراق صلبها وتكييفها من داخلها. ومثلما استعصى التحديث «اليمينيّ»، استعصى التحديث «اليساريّ» الذي افتتحه انقلاب 1978 والغزو السوفياتيّ في العام التالي. ولئن نجحت القوّات الأميركيّة في 2001 في تقويض النظام الطالبانيّ، فإنّها لم تنجح في استخلاص فئة سياسيّة حاكمة تجتمع فيها الشعبيّة والشفافيّة، فلاح فساد كارزاي بديلاً أوحد من تخلّف «الطالبان».

هكذا يمكن القول إنّ المناعة في وجه الخارج كانت دائماً تعبّر عن مناعة في وجه إنشاء سلطة مركزيّة حديثة وفعّالة، إن لم يكن في وجه قيامها أصلاً. فما أن هُزم الشيوعيّون بعدما سحب ميخائيل غورباتشوف القوّات الروسيّة، أواسط الثمانينات، حتّى وقعت البلاد في حرب أهليّة طاحنة بين قوى «المجاهدين» أنفسهم. وما إن سقط حكم هؤلاء حتّى أمسك بالسلطة «الطالبان» بوصفهم عصارة النزعة الاستقلاليّة القصوى التي تضمّ إلى عدائها السياسيّ للغريب عداءها الثقافيّ المتمكّن له. ودائماً ظلّ الانقسام إلى باشتون وطاجيك وأوزبك وهازارا وإثنيّات أصغر، يقود كلاًّ منهم أمير حرب أو أكثر، أقوى، بلا قياس، من إنشاء دولة أفغانيّة تتولاّها هيئات سياسيّة منتخبة.

وبدورها بقيت حريّة الدين والإصلاح الزراعيّ، وخصوصاً تعليم المرأة وعملها، القضايا الأساسيّة الثلاث التي تشقّ الأفغانيّين ما بين كثرة «الوطنيّين الأصلاء» الذين لا يريدون شيئاً من هذا كلّه، وقلّة «العملاء للأجنبيّ» الذين يسعون إلى استيراد نموذجه في التعامل مع القضايا تلك.

وفعلاً قد تتكشّف «حرب أوباما» عن حماقة أميركيّة أخرى، وعن هزيمة أميركيّة جديدة. إلاّ أنّ الهزيمة الأكبر ستطال أفغانستان نفسها. ذاك أنّ التقدّم وحبّ الشعب، أقلّه في ذاك البلد التعيس، ليسا مساويين ل»مناهضة الاستعمار». هنا تبدو المحفوظات البسيطة بسيطة جدّاً.

 

=========================

أوروبا والسعي لتحجيم روسيا

بقلم :ليونيد ألكسندروفتش

البيان

15-12-2009

أثارت نتائج لقاء روسيا والاتحاد الأوروبي تساؤلات حول حقيقة النوايا الأوروبية تجاه روسيا، ومصداقية الخطاب الأوروبي الداعي لتطوير التعاون مع موسكو وتنويع مجالاته. إذ لم تتمكن قمة روسيا  الاتحاد الأوروبي من إنهاء الأزمة المزمنة، والتي تفجرت منذ عامين مع نهاية مفعول اتفاق الشراكة الاستراتيجية.

 

فلم يتمكن الطرفان من توقيع معاهدة جديدة بسبب اعتراضات بولندا على ذلك، باعتبار انها تضررت اقتصاديا من القرارات الاقتصادية الروسية.

 

واقتصرت القمة على النوايا الطيبة، اذ أعرب الرئيس الروسي ديمتري مدفيدف، عن أمله في أن يتم توقيع اتفاقية أساسية جديدة حول الشراكة بين روسيا والاتحاد الأوروبي في أقرب فرصة، واشار إلى انه يجري العمل على تنسيق نصوص بنود الوثيقة بشكل تفصيلي، ويمكن أن يتوصل الطرفان تدريجيا خلال الفترة القادمة للاتفاق على النص النهائي بالكامل، وذلك بعد ست جولات من المحادثات بين الجانبين حول إعداد الوثيقة الجديدة.

 

وقد اختلفت اللهجة الأوروبية عن الموقف الروسي، وتضمنت انتقادات لموقف موسكو وتعاملها مع المدافعين عن حقوق الإنسان في روسيا، وطالب رئيس الاتحاد ورئيس وزراء السويد، فريدريك راينفيلدت، روسيا بتنفيذ التزاماتها التي قطعتها بعد نزاع القوقاز عام 2008.

 

وبدا الأمر لأول وهلة أنه ليس أكثر من تثبيت مواقف اوروبا، وظهرت قناعة لدى روسيا أن بداية جديدة لاستئناف التعاون يمكن أن تتم خلال الفترة القادمة. إلا ان الخطوة الجديدة التي أقدم عليها الاتحاد الأوروبي في مشروع «الشراكة الشرقية»، وجهت الأنظار نحو عدم حرص الأوروبيين على علاقات التعاون بينهم وبين روسيا، إذ عقد الاتحاد الأوروبي اجتماعا لوضع اللمسات الأخيرة.

 

ويبدو واضحا أن مشروع «الشراكة الشرقية»، يهدف إلى تفكيك «رابطة الدول المستقلة» التي يُعتقد أنها تقع تحت سيطرة روسيا، إذ إن أوروبا تعرض الشراكة على كافة بلدان الفراغ السوفييتي السابق باستثناء روسيا. وتستغل أوروبا رغبة النخب الحاكمة في هذه البلدان ومساعيها للاندماج مع البيت الأوروبي.

 

ويمكن القول إن أوروبا لا تسعى إلى الشراكة «المتكافئة» مع بلدان الفراغ السوفييتي، وإنما تريد الحصول على اليد العاملة الرخيصة من هذه البلدان، والسيطرة على الثروات الطبيعية فيها، وتحويل البلدان الواقعة في الفراغ السوفييتي إلى أسواق لمنتجاتهم.

 

والأغلب أن مدى «الشراكة الشرقية» يتوقف على مدى استعداد البلدان المستهدفة لتكون صديقا يساعد الاتحاد الأوروبي في محاصرة روسيا. بل وتخطط لإقامة منطقة عازلة حول روسيا، ما سيؤدي إلى اشتداد المنافسة بين روسيا وأوروبا للسيطرة على الساحة السوفييتية السابقة.

 

وقد وفر فشل رابطة الدول المستقلة في أن تكون منظمة إقليمية ذات نفوذ سياسي واقتصادي، الإمكانية للأوروبيين في فصل البلدان الكائنة في الساحة السوفييتية عن روسيا، ويبدو انه يسهل لهم تحقيق هدفهم، خاصة أن المبادرات الروسية فشلت في ملء الفراغ، مثل دولة الوحدة بين روسيا وبيلاروسيا، أو تكوين التحالف الاقتصادي المسمى «المجموعة الاقتصادية الاوراسية»، أو إنشاء منظمة التعاون الأمني (منظمة الأمن الجماعي)، أو تكوين الاتحاد الجمركي بين روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان، وإن كانت قد أبطأت هذه المبادرات وتيرة تفكك رابطة الدول المستقلة.

 

لقد تمكنت روسيا من تجاوز ذروة الأزمة المالية، وبدأت تستعيد نمو اقتصادها وانتقلت من مرحلة الركض على ابواب الغرب إلى مرحلة إعادة بناء قدراتها الذاتية، واستعادة دورها ونفوذها الدولي، مستخدمة قدراتها الاقتصادية والعسكرية، وهو ما ادى لتنامي الثقة بالنفس لدى موسكو، وهذا الوضع لن يدفع الكرملين لتقديم تنازلات للغرب، بصرف النظر عن الضغوط الغربية.

 

ويسود اعتقاد في الأوساط السياسية الروسية، بأنه بعد فشل المواجهات التي وقعت بين روسيا وأوروبا بإيعاز من الولايات المتحدة، لجأت وشنطن للتأثير على حكومات اوروبا القديمة التي كانت قد بدأت في بناء علاقات تحالفية متميزة مع موسكو، ما أدى لأن تفقد روسيا إمكانية التوصل لتسويات مع الأوروبيين تراعي مصالحها ومصالح بقية الأطراف.

 

كل ذلك أدى لإحياء نظرية المثلث الاستراتيجي كقطب عالمي، وبدأت روسيا تتجه إلى بناء حلف تكتيكي أو استراتيجي مع بلدان مثل الصين والهند، وفي الوقت نفسه يسعى الكثيرون في أوروبا لتوطيد الصداقة مع الولايات المتحدة.

 

ويمكن أن يؤدي ذلك إلى أن تصبح أوروبا جزءا من شرق الولايات المتحدة، بينما «ترحل» روسيا إلى آسيا، حيث يمكن أن تنشئ أوراسيا جديدة بالتعاون مع الصين.

كاتب روسي

=========================

هل تغيرت الحرب حقاً؟

بقلم :فيكتور ديفيز هانسون

البيان

15-12-2009

هل أعيد ابتكار الحرب في العراق وأفغانستان؟ يبدو الأمر كذلك في بعض الأحيان، في ضوء الفوضى التي حلت بعد التوصل إلى الاتصال الفوري عبر الإنترنت ومواقع الشبكة مثل يوتيوب والتلفزيون المفتوح على الأقمار الصناعية، جنبا إلى جنب مع التقنيات الحديثة المتعلقة بالتدمير الدقيق عبر أسلحة متطورة تقنيا، مثل الطائرات الموجهة عن بعد.

 

وفي العراق وأفغانستان لا يختفي الجنود تماما في مسارح العمليات هناك، وإنما يمكنهم أن يتصلوا بأقاربهم هاتفيا أو بالبريد الإلكتروني عبر نصف الكرة الأرضية، وغالبا ما يكون ذلك قبل المعارك أو بعدها. ويمكن لشائعة زائفة تنتشر عبر الانترنت، أن تؤجج مشاعر الآلاف في لحظات قليلة.

 

ومع اتجاه الشباب في الغرب إلى الاسترخاء والاستمتاع بأوقاتهم، فقد تزايدت صعوبة أن نطلب من أبنائنا في الغرب أن يخاطروا بحياتهم في حروب نائية ومثيرة للجدل غالبا. فمن ذا الذي يتمنى أن يترك ضواحينا المريحة ليقاتل في منطقة مهجورة ونائية، مثل هندكوش والفلوجة، ضد أناس أصبحوا معتادين على العنف ويعيشون في ظل الفقر؟

 

إن الغرب لا يزال يتمتع بالتفوق التقني في الحرب، ولكن بفضل العولمة والانترنت وتوافر المصادر، فان هناك الكثيرين على امتداد العالم يمكنهم الوصول إلى الأسلحة، أو على الأقل إلى التعليمات التي تمكنهم من صنعها، الأمر الذي غالبا ما يبرهن على أنه قاتل بالنسبة للقوات الأميركية وقوات «الناتو».

 

وعلى الرغم من هذا، فإن الكثير من القواعد يطبق وسط الضباب الكثيف للحرب، ففي نهاية المطاف لا تتغير الطبيعة البشرية. ومنذ بداية الحضارة، فإن جوهر الحرب هو أن يقوم كل طرف من خلال استخدام القوة، بإجبار طرف آخر على الانصياع لإرادته السياسية.

 

وينبغي علينا أن نتذكر ذلك وان نعود إلى القواعد الأساسية في أفغانستان، وعلى قادتنا أن يذكرونا بأن الحرب تقوم على الدوام على خيارين فقط: السيئ أو الأسوأ. ومن المؤكد أنه كان بإمكان الأميركيين مغادرة أفغانستان، وهذا من شأنه أن يسمح لطالبان بالعودة إلى السلطة وحشد المزيد من العناصر المتطرفة، أو بإمكاننا أن نواصل القيام بالمهمة المقيتة المتمثلة في محاولة تحقيق الاستقرار للحكومة الأفغانية، وكلا هذين الأمرين هو مشروع خطر. فالانسحاب له مخاطر بعيدة المدى، والبقاء يمكن أن يكون جحيما في المدى القصير.

 

ويتعين علينا كذلك أن نحدد بعناية من هو العدو، ومن على وجه الدقة الذي نحاربه في أفغانستان؟ هل هم الأفغان؟ هل هم العرب؟ هل هم المسلمون المتطرفون؟ هل هم الإرهابيون؟

 

إن معظم الرأي العام لا يزال بعيدا عن اليقين فيما يتعلق بالرد على هذه الأسئلة، بعد حرب استمرت ثماني سنوات. ومن المؤكد أن هناك من يماثلون متطرفي طالبان على امتداد العالم الذين غالبا ما نتجاهلهم. ولكن ما جعل المتطرفين الأفغان شيئا مهما بالنسبة للولايات المتحدة، هو استعدادهم لمساعدة غيرهم في التصدي للأميركيين على مستوى العالم.

 

إن ما يجمع تنظيم القاعدة وحركة طالبان، هو ايديولوجية متطرفة ومعادية للولايات المتحدة. والرئيس الأميركي لا بد له أن يوضح ما الذي يعنيه النصر في افغانستان. فهل نحن موجودون هناك إلى أن نقضي على الوضع البارز لطالبان ومن يتحالفون معها، وذلك من خلال دعم حكومة منتخبة ستكفل الأمن في البلاد بالفعل؟

أستاذ الدراسات الكلاسيكية والتاريخية في جامعة ستانفورد

=========================

تركيا والمأزق الكردي المستدام

آخر تحديث:الثلاثاء ,15/12/2009

الخليج

محمد نور الدين

كيفما نظرنا إلى قرار اغلاق حزب المجتمع الديمقراطي الكردي في تركيا فهو يشكل ضربة قوية جدا للمسار الديمقراطي في تركيا ولحزب العدالة والتنمية بالذات .

 

ويمكن القول إن المسؤول الأول عن قرار الإغلاق هو توقف الإصلاح الذي بدأه حزب العدالة والتنمية منذ وصوله إلى السلطة نهاية العام 2002 . بل يمكن القول إن هذا الإصلاح لم يستغرق أكثر من ثلاث سنوات، بدأت بعده مفاوضات العضوية مع الاتحاد الأوروبي ومن بعدها . . . الطوفان .

 

انتهى العالم وانتهى الإصلاح منذ تلك اللحظة . منذ أن بدأ حزب العدالة والتنمية يعير الحسابات المحلية الضيقة أولوية عشية الانتخابات النيابية والبلدية . فارتفع الخطاب القومي لدى الحزب وسارع رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان إلى تفويض الجيش الدخول إلى شمال العراق ونسّق ذلك مع الرئيس الامريكي “الموحى اليه من الله” جورج دبليو بوش في لقائهما الشهير في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 2007 والذي لا نعلم حتى الآن مدى جدواه .

 

وحينها وبسحر ساحر نام في أدراج انعدام البصيرة واحد من أهم مشاريع الاصلاح في تركيا، وهو مسودة أول دستور مدني وديمقراطي في تاريخ تركيا . ولا ندري أيضاً حتى الآن أسباب ذلك التنويم .

 

بادر “حزب العدالة والتنمية” بعد ذلك ولا سيما بعد تراجعه الكبير في الانتخابات البلدية في المناطق الكردية على الخصوص إلى إطلاق ما يسمى بالانفتاح الكردي، ولاحقاً صحح التسمية وأطلق مصطلح “الانفتاح الديمقراطي” تهرباً من التركيز على الواقع الكردي .

 

ولن ننكر أن في المبادرة الجديدة تجاه الأكراد عناصر إيجابية مشجعة، لكنها تبقى قاصرة عن ملامسة جوهر المشكلة الكردية في تركيا التي تختصر في عنوانين: المطالب الكردية ومن هو ممثل الأكراد في أية عملية تفاوضية .

 

في المسألة الأولى تختصر المطالب الكردية في عنوان الهوية .الهوية اللغوية والثقافية والسياسية . وحتى الآن لم تصل تقديمات الحكومة إلى درجة كافية تطمئن الأكراد إلى أنهم لن يعانوا من تجاهل هويتهم . وفي رأس هذه المطالب حق التعلم والتعليم باللغة الأم في المدارس والجامعات . وما دام 15 مليون كردي محرومين من هذا الحق الطبيعي فلن ينتظر أحد من الأكراد أن يخضعوا لإرادة من وصفوهم ذات يوم في الثلاثينات من أنهم خلقوا من أجل أن يكونوا عبيداً للأتراك .

 

أما المطلب الثاني الأساسي فهو هوية ممثلي الأكراد في أية نقاشات حول مطالبهم .

 

والمعلوم أن الممثل الحصري والرئيسي للأكراد على امتداد الأعوام الثلاثين الماضية كان حزب العمال الكردستاني . وسواء وافقنا أسلوبه في العمل أم لا، فإن غالبية الأكراد في تركيا تؤيد حزب العمال الكردستاني أو الأحزاب التي تؤيد حزب العمال الكردستاني . ورغم اعتقال زعيمه عبدالله أوجلان منذ العام 1999 لا يزال معظم الأكراد ونوابهم في الداخل يرفعون صور أوجلان ويدعون ليكون هو المخاطب تجاه الدولة التركية .

 

في هذه النقطة أيضاً لم يستطع أحد أن يتجاوز هذه العقدة، لا الحكومات السابقة ولا حكومة “حزب العدالة والتنمية” .

 

فإذا كان أوجلان وحزبه أرهابيين، وإذا كان حزب المجتمع الديمقراطي مصيره الحظر، هو الممثل في البرلمان بواحد وعشرين نائباً، فما الذي أبقته السلطات التركية من طرق مفتوحة؟ هل تحاور نفسها؟ هل تضع هي نفسها بدلاً من ممثلي الأكراد محاوراً؟

 

لقد اتخذت المحكمة الدستورية قرار الحظر، لكن المسؤول الفعلي عن هذا القرار هو حكومة “حزب العدالة والتنمية” التي لم تستأنف الإصلاح لمنع حظر الأحزاب . ولم تستأنف الاصلاح لوضح حد لإنكار الهوية الكردية . وهذا يسري على ملفات الاصلاح الأخرى والتي لا تقل تعقيداً عن الملف الكردي .

 

تركيا الكبيرة في الخارج لا يمكن أن تبقى كذلك من دون أن تكون كبيرة في الداخل . وإغلاق حزب المجتمع الديمقراطي بعد سبع سنوات من بدء مسيرة الاصلاح في تركيا هو لطخة كبيرة على وجه تركيا لن يمحوها إلا استئناف المسيرة

بصورة شاملة وعبر دستور جديد يعطي الأكراد وغير الأكراد حقوقهم الكاملة، وإلا فإن البديل واحد من اثنين: الفوضى أو النموذج الكردي في العراق .

=========================

إسرائيل والصهيونية بين السنّة والشيعة

عبد الرؤوف الريدي

الشرق الاوسط

15-12-2009

هل يمكن أن يتصور قادة إسرائيل الجدد أنه من الممكن لهم فعلا أن يقيموا حلفا إقليميا يضم إسرائيل والدول العربية السنّية ضد إيران، وأن هذه الدول يمكن أن تنضم إلى مثل هذا الحلف مع بقاء سياسات إسرائيل التوسعية والعنصرية على ما هي عليه؟.. هذا تحديدا ما يدعو إليه الآن نائب وزير خارجية إسرائيل في خطابه المفتوح الموجه إلى العالم العربي.

يرى السيد داني أيالون نائب الوزير الإسرائيلي أن ثمة ما يجمع إسرائيل والدول العربية المجاورة، وهي دول سنّية ضد إيران الشيعية التي تسعى  في رأيه  إلى السيطرة على المنطقة بأسرها وشغل أهلها بصراعات تُنظَّم وتُدار من طهران مثل ما يحدث في المغرب والعراق واليمن، أما إسرائيل  في رأيه  فهي تسعى للسلام والتعايش السلمي والتفاوض مع الفلسطينيين والتواصل مع العالم العربي، وهو يدعو إلى ظهور قادة عرب شجعان يفعلون مثلما فعل الرئيس السادات الذي زار القدس عام 1977 وبدأ مسيرة السلام مع إسرائيل.

ومن أجل مزيد من الترويج لهذا الفكر «الثوري» يذكر نائب الوزير الإسرائيلي أن مبادرة السلام العربية تمثل وثيقة هامة، وهي موضع ترحيب من جانب إسرائيل، وإن كان قد تمنى لو أنها لم تتضمن شروطا للدخول في عملية سلام مع إسرائيل، وهو بطبيعة الحال يقصد هنا الشروط التي تتحدث عن الانسحاب الكامل من الأراضي العربية حتى يكون هناك تطبيع كامل في العلاقات بين إسرائيل والدول العربية.

لم يأبه نائب الوزير الإسرائيلي وهو يدعو الدول العربية السنّية إلى التحالف مع إسرائيل بأن يقول كلمة واحدة من شأنها أن تطمئن هذه الدول على أيٍّ من قضاياها الحيوية.. لم يقل شيئا يُفهَم منه استعداد إسرائيل للانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، أو التخلي عن سياسة الاستيطان، أو التخلي عن مطالبة العرب بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، أو بأن إسرائيل تقبل عودة اللاجئين الفلسطينيين، أو بأن إسرائيل تقبل الانضمام إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، هو يقول فقط للدول العربية السنّية: تعالوا وضعوا أيديكم في أيدينا وتحالفوا معنا ضد هذا النظام الإيراني الشيعي البغيض، ولا تطلبوا مقابلا للدخول معنا في هذا الحلف، يكفي أننا وإياكم سنحمي المنطقة من تطرف الشيعة الإيرانيين.

هكذا يفكر قادة إسرائيل الحاليون الذين يمثلون أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفا وانغماسا في الفكر الصهيوني الذي ينظر إلى الضفة الغربية على أنها جزء من أرض إسرائيل، أما القدس فهي العاصمة الأبدية والتي يجري العمل على قدم وساق لتهويدها، أما الفلسطينيون المقيمون داخل الخط الأخضر فعليهم بدورهم أن يقبلوا العيش كمواطنين من الدرجة الثانية، وتبقى إسرائيل التوسعية العنصرية مالكة لترسانة الأسلحة النووية تهدد بها شعوب المنطقة، هكذا تأتي دعوة داني أيالون نائب وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان صاحب التصريحات المتهورة التي هدد فيها بضرب السد العالي الكائن في أكبر الدول العربية السنّية التي يدعوها اليوم للتحالف معه ضد دولة إسلامية هي إيران.

تأتي دعوة أيالون في وقت يحتدم فيه صراع بين الدول الإقليمية على بلاد المشرق العربي، إن لم يكن على الوطن العربي ككل، وأطراف هذا الصراع هي دول ثلاث.. إيران وإسرائيل وتركيا. تسعى كل من هذه الدول الثلاث مع اختلاف الوسائل والغايات إلى أن يكون لها النفوذ الأكبر في المنطقة العربية ذات الموارد البترولية الهائلة والكثافة السكانية الكبيرة والموقع الهام في الاستراتيجية العالمية.. هذه الدول الثلاث على طموحاتها المتباينة يغريها ما تراه من أحوال العرب وتآكل فكرة العروبة التي كانت ذات يوم من الأيام تملأ فضاء هذه المنطقة وتستولي على قلوب أهلها وعقولهم.

وهكذا تقود نظرية ملء الفراغ التي سادت في حقبة الخمسينات عندما أراد الغرب ملء الفراغ في المنطقة من خلال إقامة حلف بغداد وما تلاه من محاولات مثل إقامة الحلف المركزي.. آنذاك لم يكن هناك من يجرؤ على تصور إمكان دخول إسرائيل في أية ترتيبات إقليمية في المنطقة.. كان كل ما يأمل فيه الغرب هو إقامة ترتيبات تضمن وجود إسرائيل ما قبل حرب 1967.. أما إيران وتركيا اللاعبان الكبيران اليوم فلم يكونا سوى دولتين شرق أوسطيتين على تخوم المنطقة العربية، وبالمناسبة وفي هذه الأثناء كانت إسرائيل حليفا لإيران الشيعية تحت حكم الشاه شاهنشاه.

ماذا كان رد العرب آنذاك على الدعوة الغربية للانضمام إلى حلف بغداد؟ كان الرد هو أن الاتحاد السوفياتي ليس هو العدو الذي شرد شعب فلسطين ويشن الهجوم تلو الآخر ضد الدول العربية، أما الخطر على المنطقة آنذاك، وكما هو حتى اليوم، فيبقى متمثلا في سياسات إسرائيل التوسعية والاستيطانية والعنصرية. كان ذلك هو موقف العرب آنذاك فسقط حلف بغداد وانهار الحلف المركزي.. وانهزم الاستعمار في السويس والجزائر وغيرهما من مواقع العرب الكبرى في خمسينات القرن الماضي، إلا أنه منذ ذلك الحين حتى اليوم جرت مياه كثيرة تحت الكباري.. تغير النظام في إيران الشيعية.. وأصبحت إيران تناصر قضايا العرب.. رغم اختلافنا الأساسي معها في أمور جوهرية كبيرة، ويبقى التناقض الرئيسي لا بين المسلمين السنّة والمسلمين الشيعة، ولكن بين المسلمين جميعا سنّة وشيعة وبين إسرائيل إلى أن تتخلى عن سياساتها العنصرية والتوسعية. أما تركيا فلقد جرى تحول كبير في سياساتها وأصبح دورها الآن دورا مساندا للكفاح من أجل تحقيق السلام في المنطقة.

والواقع أن التعاون العربي التركي الإيراني هو الذي يمكن أن يقدم فرصة حقيقية لإقامة ترتيبات إقليمية تقوم على احترام سيادة الدول على أراضيها، وحل الخلافات بين الدول بالطرق السلمية وإرساء مبادئ التعايش السلمي.

أما إسرائيل فإن طموحها للاندماج وإقامة علاقات طبيعية مع الدول العربية حسب ما نصت عليه المبادرة العربية، فليس أمامها لتحقيق هذا الطموح سوى طريق واحد، وهو أن تقبل العيش كغيرها من الدول.. وتتخلى عن سياسات الهيمنة وتقبل بوجود دولة فلسطينية على كافة الأراضي التي احتلت عام 1967، وتكف عن المطالبة بالاعتراف بها كدولة يهودية، وتنضم إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل..

ذلك هو طريق إسرائيل للاندماج في منطقة الشرق الأوسط، وإلى أن تعلن استعدادها لذلك فإن على العرب وتركيا وإيران أن يدخلوا في مباحثات جادة لإقامة نظام شرق أوسطي قابل للحياة.

=========================

خطاب مفتوح إلى العالم العربي

داني أيالون

الشرق الاوسط

15-12-2009

منذ إنشاء دولتنا سعى قادة إسرائيل إلى السلام مع جيرانهم العرب، وكان إعلاننا الاستقلال وثيقة تأسيس إسرائيل التي عبرت عن أحلامنا وآمالنا، و«أننا نبسط أيدينا لكل الدول المجاورة ولشعوبها نعرض عليهم السلام والجيرة الحسنة، ونطلب منهم إرساء أواصر التعاون المشترك» تلك الكلمات تعبير عن الحقيقة اليوم كما كتبت منذ عام 1948. ومن المثير للأسى أن تنقضي ستون عاما ولم تقبل سوى دولتين الى الآن هما الأردن ومصر بتلك المبادئ فتقيما سلاما مع الدولة اليهودية.

وخلال الآونة الأخيرة، اتخذت الحكومة الإسرائيلية خطوات كبيرة تجاه إعادة بدء المفاوضات مع الفلسطينيين والوصول إلى العالم العربي، حيث أعلن بوضوح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال كلمته التي ألقاها في بار إيلان في يونيو (حزيران) الماضي قبوله قيام دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب في سلام وأمن مع دولة إسرائيل. وقد أزالت حكومتي المئات من الحواجز لتحسين حركة الفلسطينيين وساعدت في تسهيل التنمية الاقتصادية في الضفة الغربية عبر التعاون الوثيق مع الأطراف الدولية للتسهيل في إقامة المشروعات والخروج من عنق الزجاجة.

أخيرا وربما الأكثر أهمية هو إعلان الحكومة اليمينية، في خطوة غير مسبوقة، وقف بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية وإذا ما نظرنا إلى كل تلك الخطوات مجتمعة لأظهرت بقوة رغبة إسرائيل في السلام، وأن الحكومة الإسرائيلية ملتزمة بمد يدها لكل الدول العربية المجاورة قادة ومواطنين للتوحد معا لمواجهة التحديات الرئيسة التي تواجهنا خلال السنوات المقبلة.

وللمرة الأولى خلال سنوات عدة نجد أنفسنا على جبهة واحدة نسعى فيها إلى هزيمة قوى التطرف والتدمير في المنطقة. ففي الوقت الذي يرى فيه الكثيرون التهديد الإيراني موجها إلى إسرائيل وحدها، نرى نحن سكان المنطقة غير ذلك، فنحن ندرك جميعا مدى التهديد الذي يمثله النظام المتطرف في طهران، الذي يسعى إلى تصدير أيديولوجية التطرف عبر المنطقة وما وراءها، من خلال تسليح المنظمات الإرهابية التي تسعى إلى زعزعة استقرار الأنظمة السنية المعتدلة، ويستهدف السيطرة والهيمنة على الشرق الأوسط وما وراءه.

يملك النظام الإيراني العديد من العملاء الذين ينتشرون في المنطقة بأسرها، ينشرون الدمار واليأس بين الناس، ومن ثم فإن إسرائيل ليست عدوا للشعب اللبناني بل العدو هو حزب الله. وإسرائيل ليست عدوا للفلسطينيين بل حماس هي العدو. كما أن إسرائيل ليست عدوا للشعب المصري بل عدوهم الجماعات الإسلامية المعارضة المسلحة. كل هذه المجموعات والكثير من الجماعات الأخرى تتلقى أوامرها من إيران الراغبة في السيطرة وقمع أي تطلعات للمنطقة نحو الحرية والتقدم.

تسعى إيران إلى السيطرة على المنطقة بأسرها وشعبها أيضا وشغل المنطقة بصراعات تنظم وتدار من طهران، ومن أجل ذلك عمدت إلى التدخل في سيادة الدول العربية في المغرب أو العراق أو اليمن من أجل مصالحها الخاصة. ولذا فإسرائيل وجيرانها من السنة موجودون تحت نظر خامنئي وأحمدي نجاد وعملائهما.

وإذا ما تمكنت إيران من امتلاك أسلحة نووية فسوف يزداد الموقف سوءا. وقد أوضح النظام الإيراني أنه إذا ما أحس بقدرته على السيطرة على منطقتنا فإن المظلة النووية ستشجع عملاءه على العمل دون قيود للقضاء علينا جميعا، ولذا لن نتمكن من مواجهة هذا الخطر وإزالته إلا إذا اتحدنا سويا.

تأتي بعد ذلك قضية التغير المناخي التي تستلزم تعاونا سياسيا للتغلب على أخطارها في منطقتنا، فقد أشارت العديد من التقارير والمنظمات إلى الشرق الأوسط كمنطقة يمكن أن تعاني بشدة إذا ما انخفض معدل سقوط الأمطار وارتفعت درجات الحرارة.

وقد التقى علماء دوليون متخصصون في التغير المناخي في كوبنهاغن، أخيرا، وأصدروا تقريرا مهما حول القضية، زعموا فيه بأن التغير المناخي سيثير نزاعات ويزيد من التوترات والعنف بين المجموعات المتنافسة. ونحن نرى بالفعل قضايا مثل حقوق المياه وتنامي التصحر أسبابا كامنة لتنامي الصراعات في المنطقة.

كما كان «اعمار الصحراء» مكونا رئيسيا للروح الصهيونية تمثلت في تحقيق نجاحات عبر عقود. فقد تمكنت إسرائيل من تحويل الصحراء إلى أرض منزرعة والصحارى القاحلة إلى غابات. وقد عمدنا على الدوام إلى مشاركة معجزاتنا الزراعية مع أصدقائنا في أفريقيا وآسيا، ولهذا السبب سعت العديد من الدول النامية إلى عقد شراكات مع إسرائيل للتعامل مع التحديات الزراعية التي تواجهها.

بيد أنه كما كتب الأب المؤسس لإسرائيل عام 1948 أن إسرائيل مستعدة للقيام بنصيبها في الجهد المشترك لتقدم المنطقة بأسرها. إن شركاءنا في السلام في المنطقة من مصر والأردن، وخاصة السلطة الفلسطينية تقف شاهدة على جهودنا في هذا الاتجاه. وقد تعاونت إسرائيل بفاعلية مع مصر في «مشروع مبارك» لإنشاء نظام الري في النوبارية، ويتدرب سنويا مئات الأردنيين على وسائل الزراعة الصديقة للبيئة الدائمة في إسرائيل.

ولكي نتمكن من مواجهة هذه التحديات والعديد من التحديات الأخرى، فنحن بحاجة إلى رفض أفكار الماضي، فالشعب اليهودي هنا بسبب حقوقه التاريخية والقانونية والوطنية.

إن أولئك الرافضين الذين لا يقبلون بالوجود السياسي اليهودي في المنطقة سيحكمون علينا بعقود عديدة من الصراع وعدم الاستقرار. لكن الوقت قد حان أن يبرز قادة شجعان من العالم العربي، كما فعل الرئيس المصري السابق أنور السادات في عام 1979 والملك حسين ملك الأردن الراحل في عام 1994 ليدركوا أن التعايش السلمي أفضل بالنسبة لشعوب المنطقة من معاناة العنف والعداوة.

ونحن نرى أن مبادرة السلام العربية وثيقة مهمة وموضع ترحيب من جانب إسرائيل كصدع في حاجز عدم اعتراف العرب بإسرائيل، بيد أنها مثل السلطة الفلسطينية تملي على إسرائيل شروطا لعملية السلام ومن ثم ظلت مجمدة منذ عام 1993.

ومنذ المصافحة التاريخية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق رابين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات في فناء البيت الأبيض اتخذت إسرائيل خطوات رئيسة سواء على الجانب السياسي أو الاستراتيجي تجاه الموقف الفلسطيني.

وقد قدم رؤساء وزراء إسرائيل سواء في كامب ديفيد عام 2000 أو خلال مؤتمر أنابوليس عام 2007 للفلسطينيين كل ما هو متاح من أجل السلام في كلتا المناسبتين، لكن القادة الفلسطينيين رفضوا تلك العروض، إذا لا تزال السلطة الفلسطينية كمبادرة السلام العربية متمسكة بمواقفها المتشددة ولم تتحرك بوصة واحدة تجاه إسرائيل منذ عام 1993. تلك المواقف لا تسعى تجاه السلام وتعكس وجهة نظر عالمية تتجاهل إشارات إسرائيل الواضحة، وتسعى إلى فرض حلول تعني نهاية الدولة اليهودية. وقد أكدت التصريحات الفلسطينية والأخرى الصادرة من الجامعة العربية على وجهة النظر تلك.

من المؤكد أن الوقت قد حان من أجل التطلع إلى المستقبل ورفض المواقف المتشددة السابقة وخلق مستقبل أفضل لشعوب المنطقة. وقد طرقت إسرائيل كل منحى وهي على استعداد للقيام بواجباتها، لكن يجب أن نقابل بشريك تتوافر لديه الرغبة في ذلك. وبدون ذلك سيكتب على المنطقة معاناة المزيد من النزاعات وسوف ترفض وحدة الهدف في الشرق الأوسط الضروري لمواجهة التحديات المتزايدة سواء من خارجه أو داخله.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ