ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 17/12/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


في ذكرى جبران غسان تويني

الاربعاء, 16 ديسيمبر 2009

رندة تقي الدين

الحياة

يوم 12 كانون الأول (ديسمبر) قبل أربع سنوات نالت يد الغدر في لبنان من الزميل العزيز جبران غسان تويني، وفقدت صحيفة «النهار» ابنها الجريء الى حد الجنون والذي كان كثيراً ما يرغب في المجازفة بحياته. وكانت «النهار» فقدت صحافياً عزيزاً آخر بالطريقة نفسها هو الشهيد سمير قصير الذي فُخخت سيارته ليلاً وهو في منزله وقتلته يد الغدر لإسكات صوته.

فمهما حدث في لبنان من تطورات سياسية ومصالحات ووحدة وطنية وتقبّل للأمر الواقع الإقليمي، فالصديق الذي فقد زملاءه الذين عملوا معه في المكتب نفسه في باريس لا ينسى. لا ينسى لأنه لا يمكن تقبل الوحشية والتفجير والقتل لإسكات الصوت البريء الذي نادى بالاستقلال والحرية والحقيقة. ولا ينسى أيضاً لأنه معرّض لمثل هذا الخطر لو كتب قناعاته. صحيح أن السياسي في إمكانه أن يطوي الصفحة في سبيل بقاء وطنه، ولكن الإنسان العادي لا يستطيع أن يقبل طي صفحة جرائم متعددة بدأت بمحاولة قتل الوزير مروان حمادة ثم فجرت رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري ثم تسلسلت الجرائم العديدة وغيّرت حياة الزميلة مي شدياق التي أصابتها أيضاً يد الغدر ولكنها والحمد لله استطاعت أن تبقى حية على رغم إصابتها الأليمة والمفجعة.

فغير صحيح أن الصحافي يمكنه طي صفحة جريمة استهدفت زملاء مثله كانوا يعملون في المكتب نفسه في باريس مثلما في إمكان السياسي طي صفحة الجرائم في سبيل هدوء الأوضاع في وطنه وفي سبيل مصلحة بلده.

فجبران وسمير كانا يعملان من مكتب «النهار» الذي هو الآن مكتب «الحياة» في باريس. وخلال مدة عملهما في باريس تحت راية الأستاذ الكبير غسان تويني كانت مكاتب «الحياة» مع «النهار» في باريس. كان جبران جريئاً حتى المجازفة وكان رافضاً لأي نصيحة بالتروي والسكوت، وكان دائماً يسأل: هل المطالبة بالاستقلال والحرية مجازفة؟ هل هي خطيئة أن نطالب بحقوقنا كمواطنين لبنانيين؟ أما سمير فكان بطل الدفاع عن الديموقراطية وحقوق الإنسان بقلمه اللاذع والذكي، وكان ثائراً على الظلم والقمع وقد قتل لهذا السبب.

فكيف ننسى ظلم قتل الأبرياء الذين أرادوا تحسين الحياة، إن كان رئيس الوزراء الشهيد رفيق الحريري أو الصحافيين الأعزاء أو الشباب مثل الوزير بيار أمين الجميل. فلا يمكن طي الصفحة مهما كانت الأوضاع السياسية والإقليمية تفرض ذلك. ففي العمق جرائم قتل الأبرياء لا يمكن أن تغتفر مهما كان السبب بالنسبة الى الإنسان العادي.

أما بالنسبة الى السياسي فهذا موضوع آخر. يظهر أن النهج السياسي يتطلب طي الصفحة وغض النظر. وكثيرة هي الجرائم التي غُفر لمرتكبيها وتم نسيانها حتى في إطار محاكم دولية. فصحيح أن المدعي العام للمحكمة الدولية دانيال بلمار سيكشف الحقيقة لأنه جدي ويعمل على أسس قضائية متينة، وعندما سيصدر القرار الظني سيكون بمثابة تطوّر بالغ الإيجابية لأنه سيظهر الحقيقة. ولكن هذا لا يعني أن القتلة قد يعاقبون على جريمتهم في شكل صارم. فالقرار الظني في يد بلمار ولكن المحاكمة والعقوبة تعود الى القضاء الدولي والمحكمة. وهنا السؤال: هل ستكون محاكمة قتلة الحريري وتويني وقصير والجميل وجميع القتلى الشهداء على نمط محاكمة المتورطين في تفجير لوكربي وطائرة UTA الفرنسية التي أسقطت في صحراء النيجر، أي أن تتم محاكمة المجرمين، بينما صاحب قرار التفجير والقتل يبقى صامداً وجميع الدول الكبرى تفرش له خيمته أينما أراد حتى في القصور التاريخية في أوروبا لأنه دفع الأموال للتغطية على الجرائم؟ إذا كان هذا مصير القرار الظني ومحاكمة قتلة الحريري ورفاقه والجرائم الأخرى، فاليأس عميق إزاء النيل من أصحاب القرار وراء هذه الجرائم، لأن السياسة تقضي في أوطاننا طي الصفحة والمضي قدماً لتجنب المزيد من المآسي. هكذا يريد الغرب والديموقراطيات التي ترغب في حل المشاكل على طريقتها!

============================

التوزيع الاجتماعي لعوائد الإنتاج في رأس أسباب الأزمة المالية والاقتصادية

الاربعاء, 16 ديسيمبر 2009

الحياة

ميشال أغلييتا *

أصيب نمط النمو الاقتصادي السائد غداة الحرب الثانية بأزمة، في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن العشرين. والسبب الأول في الأزمة هو قصور الإنتاجية عن الوفاء بتوزيع العوائد والمداخيل توزيعاً مجزياً. فتوترت الخلافات والمنازعات الاجتماعية على التوزيع. وكانت النقابات تضطلع بدور راجح في التوسط بين أصحاب العمل وبين العمال المستخدمين، وفي المفاوضات الجماعية. وتعاظم التضخم وخرج عن السيطرة والضبط في إطار التنظيم النقدي يومذاك. وفي الأثناء، ارتفعت أسعار النفط العالمية. وأعقبت الزيادة تسارع النمو في أوائل السبعينات، والطلب مع النمو. ولم يتأخر التضخم عن الاستفادة من عاملين: الموارد غير المتجددة ونمط الإنتاج.

وتولى بول فولكر، رئيس صندوق الاحتياط الفيديرالي الأميركي، معالجة التضخم من طريق سياسة كانت الأيديولوجية النقدية من ثمراتها طوال السبعينات. وبلورت سياسة فولكر فكرة الاستباقات العقلانية، وسلطت نقداً حاداً للدولة الكينزية. والإجراء المركزي في معالجة فولكر مسألة التضخم هو زيادة الفائدة ضعفين، في تشرين الأول (أوكتوبر) 1979، مرة واحدة ومن غير تمهيد، وأدى رفع الفائدة على هذا النحو الى تغيير عميق في إدارة الشركات نجم عن اضطرار هذه الى مواجهة تعاظم سعر رأس المال ومشكلة هذا التعاظم.

وشدّ الإجراء على الدول باب التعويل على ضمور قيمة ديونها تحت وطأة خسارة المبالغ الإسمية جزءاً من قيمتها. فاضطرت الى الاستدانة من الأسواق الإلزامية. وتوسعت الأسواق هذه غداة 1980، ولجأت اليها الدول النامية وسددت فاتوراتها النفطية بواسطتها.

وترتبت الليبرالية المالية مباشرة على الإجراءات المتسلسلة هذه. وعوض مداراة التضخم، حُملت الأطراف الاقتصادية المتفرقة على الاحتماء من تذبذب الفوائد وجموحها. وترك شطر كبير من الأسر الاقتصار على استثمار مدخراته في حسابات مصرفية. ونشأت شركات الاستثمار وهيئاته عن الأطوار والحاجات المالية المستمدة. وطرأ انعطاف حاد على تدبير الشركات، وتنظيم علاقاتها الداخلية، أصاب علاقة الأجر. وذلك مع استيلاء القطب المالي على إدارة الشركات، وحلوله محل التدبير القائم على المساومة الاجتماعية، واقتسام ثمرة تعاظم الإنتاجية بواسطة مفاوضة جماعية. وحلّت رأسمالية القيمة السهمية محل الرأسمالية الإدارية أو رأسمالية التدبير التي سادت طوال 3 عقود غداة الحرب الثانية.

وبينما كانت الرأسمالية الإدارية ترعى إنتاج القيمة من طريق مراكمة تدفق القيمة المضافة، واحتساب الشركة الوقت المديد والمتصل، واقتسام الثمرات والمفاوضة على الاقتسام، تعمد الشركات في إطار الطور الجديد الى تعظيم القيمة السوقية للسهم في مبادلات البورصة. وحل محل التراكم على الأمد البعيد في إطار المساومة والمفاوضة الاجتماعيتين نموذج «وول ستريت». وتحسب العقيدة المحدثة أن الأسواق المالية المحررة (الليبرالية الجديدة) تتمتع بفاعلية وأثر مجزيين. وعلى هذا، فتعظيم قيمة السهم يتضمن المصالح الأخرى كلها، وتتعهد القيمة هذه وترعاها في سعر السوق المستقر.

والحق أن المنطق الليبرالي نفسه كان ينطوي على مثال آخر، أو وجهة تطور مختلفة. فالمساهمون كان يجوز أن يكونوا مستثمرين على أمد طويل، يسعون في تعزيز عائدهم المباشر في ضوء التزامات اجتماعية تحتسب في سعر الكلفة. وفي هذه الحال، كان التوازن المالي في متناول الشركات ومطالها، مع نسبة ربح ثابتة وتقليص معتدل لحصة الأجور. وعلى خلاف الوجهة المحتملة هذه، غلب تأويل القيمة السهمية نقل اليها ميزان قوة برز داخل القطب المالي. فالقطب المالي استحوذ عليه وسطاء الأسواق، أي مصارف الأعمال ثم جماعات مالية جديدة مثل صناديق التحوط. وهذه الجماعات قبلة سعيها تعظيم قيمة حيازاتها وأموالها وودائعها، وجني عوائد مرتفعة في وقت قصير. ومنذ أوائل التسعينات المنصرمة، حملت مصارف الأعمال الأسواق على طلب متوسط عائد يبلغ 15 في المئة أو 20 - 25 في المئة. ويفترض هذا كياناً مختلفاً للشركة المنتجة. فهي مجموعة أصول على وشك التصفية في أي وقت من الأوقات أو غب الطلب.

وعليه تدفقت أمواج الدمج والاستحواذ، أو نمو الحجم الخارجي، منذ منتصف الثمانينات، وأدت بدورها الى الاستدانة الهائلة. وانحرفت الاستدانة على ثلاثة أوجه: الأول هو إلزام الشركات بلوغ مستويات جدوى مالية لا تتفق مع مردود رأس المال الذاتي والتلقائي. ويدعو هذا الى تخفيض حجم رأس المال. والطريق الأيسر هو شراء الأسهم بواسطة الدَّيْن. والوجه الثاني هو تقليل الأجور وتقليصها. وشفع بهذا رفع الحواجز بين أجزاء سوق العمل العالمية. ففُكت أرباح الإنتاجية من مستوى الأجور، وحلت علاقة الأجور (أي زيادتها) بأرباح الإنتاجية. وأدى حل العلاقة بدوره الى ضمور الاستهلاك والدخل من طريق تخفيض الادخار وجراء زيادة الاستدانة على نحو فاق زيادة دخل الأسر منذ أوائل تسعينات القرن الماضي (وتحتسب زيادة دخل الأسر على أساس الثروة العقارية وزيادة أسعار العقارات).

والوجه الثالث لانحراف الاستدانة هو تعاظم الدَّين العام. ويترتب هذا على تخفيض الضرائب على رأس المال. فيؤدي إما الى هزال الدولة، فتكف هذه عن إنتاج سلع عامة جراء استحالة تمويلها، وإما الى مراكمة الدَّيْن العام.

وبلغ هذا الدين في أوروبا، في 2006، على رغم تباين الدول وأنظمتها السياسية والاجتماعية، 180 - 225 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وفاقم الاستدانة، في الجهة الغربية من العالم، تراكم المدخرات العالمية وتضافرها على الاحتفاظ بسعر استدانة متواضع جداً. وحفز السعر الضئيل التسليف، وجعل مجزياً جداً عدداً من العمليات المالية الطريفة. وهذه أوصلتنا الى الأزمة المعروفة والمشهودة.

وشهدت سنة 1998 ولادة أسواق التسليف المشتقة والمبتكرات هذه شديدة الانفجار، على قول بعضهم، أو القوة، والتسليفات التي كان على المصارف الاحتفاظ بها في موازنتها، جاز أو أمكن مذ ذاك إخراجها ونقلها الى أبواب ديون متفرقة. ومع الجواز هذا، عمت مالية السوق دوائر الاقتصاد كلها. وتولت الأسواق المشتقة تأطير نظام التسليف كله. وتعاظمت سلطة المصارف الاستثمارية على الأنشطة المالية الأخرى، غداة إنذار فقاعة الإنترنت الأولى، في 1999 - 2000، ونشأ جهاز تسليف يتيح نقل الدين من عاتق متعامل مالي الى عاتق متعامل آخر، الى حين انهيار 2007 - 2008.

وتراكم الدين على أمد طويل جداً راكم الاختلالات المالية. وعليه، علينا أن نتوقع مرحلة عصر دين القطاع الخاص وقتاً طويلاً وثقيلاً، ولكنه وقت لا غنى عنه. ويعلن المستطلعون، منذ اليوم، مجيء انكماش قد يدوم بعض الوقت. ولا يجوز توقع النمو من حوافز الموازنة. ويرجح أن يرتفع سعر الادخار عموماً، وعلى وجه الخصوص في البلدان التي هبط فيها اقترب من الصفر، ولا ريب في أن شطراً راجحاً من إجراءات الدول في خدمة تحفيز نشاط فاتر أو هزيل يتوقع أن تلتهمه بئر الادخار الخاص. ويجب ألا يحمل هذا الدول على قبض تحفزيها في وقت مبكر والتسبب في انهيار النشاط الاقتصادي، على ما حصل في اليابان (1998) والولايات المتحدة (1936).

وتوقيت استئناف النشاط والنمو يتعلق بتعريف النمو المستأنف. فإذا قصد به نمو متواضع، فالأرجح ألا يتأخر عن 2010، بعد الصحو الذي شهده العالم في النصف الثاني من 2009، جراء خطط التحفيز المالي. والولايات المتحدة استأنفت نمواً متواضعاً في الفصل الثالث من 2009، وينبغي أن تحذو أوروبا حذوه في الفصل الأول من 2010. واستعادة ذروة ما قبل الأزمة قد تتأخر الى 2011، وربما الى 2012. وأما عودة البطالة الى مستواها «الطبيعي» فقط تنتظر 2013 - 2014. وينبغي ألا يتوقع نمط نمو على المثال السابق. فالأسر تقلص دَيْنها واقتراضها. وفي ضوء ثمن الانهيار الاجتماعي للنظام المالي، لن يقيد تحفظ الشركات المالية الحكومات عن سن تشريعات تنظيمية ترفع سعر التسليف وتقلصه.

ولا يبعد حصول انفكاك المناطق الاقتصادية بعضها من بعض، واستقلالها الواحدة عن الأخرى. والدول الناشئة الكبيرة التي تتمتع بعدد سكان كبير، وأرست أركان طبقة وسطى متماسكة ومتينة، وفي وسع دولها تعبئة الموارد واستثمارها في مرافق عامة، في مستطاع هذه الدول استئناف النمو. وترتب هذه الحال، إذا صح التوقع، مراتب القوة بين الدول على مثال مختلف. ويلاحظ أن الصين تمول نموها من طريق مدخريها في الداخل، من طريق احتياط موازنتها التي انتقلت من الفائض الى عجز بلغ 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وينتظر خروج رساميل صينية تتولى تمويل شركاتها العالمية. والى هذا، وغيره مثله، يعود حلول مجموعة ال 20 محل مجموعة الدول السبع.

* أستاذ في جامعة غرب باريس ومستشار أعمال اقتصادي، عن «إسبري» الفرنسية، 11/2009، إعداد و. ش.

============================

السلاح غير الشرعي آفة لبنان...

خيرالله خيرالله

الرأي العام

16-12-2009

من حق رئيس مجلس النواب اللبناني السيد نبيه بري الدعوة إلى الغاء الطائفية. ما ليس من حقه استخدام الطائفية وضرورة التخلص منها، وهذا كلام حق، للتغطية على الباطل المتمثل بالآفة الكبرى التي يعاني منها لبنان. إنها آفة السلاح غير الشرعي. أكان هذا السلاح لدى ميليشيا «حزب الله» أو لدى غيره.

نص «اتفاق الطائف» بشكل صريح على ضرورة الغاء الطائفية في المرحلة النهائية من تنفيذ الاتفاق. ولكن هل طبق «اتفاق الطائف» بحذافيره حتى يأتي الوقت الذي يدعو فيه رئيس مجلس النواب إلى إلغاء الطائفية؟ لا يحتاج لبنان حالياً إلى الغاء الطائفية، علماً أن الطائف دعا إلى التمهيد لذلك عن طريق تنفيذ سلسلة من الخطوات الإصلاحية. المؤسف أن معظم الخطوات الاصلاحية التي يفترض أن تسبق إلغاء الطائفية تعثرت لأسباب يطول ذكرها. لعلّ أخطر ما في الأمر، أن الطائفية ترسخت أكثر في نفوس اللبنانيين في الأعوام القليلة الماضية. الأدهى من ذلك أن الانقسامات التي شهدها البلد حديثاً أخذت بُعداً مذهبياً أقل ما يمكن ان يوصف به أنه بغيض. من هنا لا مفر من المباشرة بالعمل الجدي من أجل إزالة الطائفية والمذهبية من النفوس أولاً. ماذا ينفع الكلام عن إلغاء الطائفية مادام اللبنانيون في أيامنا هذه طائفيين ومذهبيين أكثر من أي وقت؟

ما قد يحتاجه لبنان الآن يتمثل في العمل الجدي من أجل أن تكون هناك مساواة بين المواطنين من جهة وإخراجه من وضع «الساحة» التي تتصارع فيها القوى الإقليمية من جهة أخرى. لا مجال للمساواة بين المواطنين من دون إحياء لمؤسسات الدولة. ولا مجال لإخراج لبنان من وضع «الساحة» في غياب سلطة قوية تعبر عن تطلعات المواطنين وتعمل على تجسيدها على الأرض.

بدلاً من الدعوة إلى إلغاء الطائفية، يفترض في جميع السياسيين في هذا البلد الصغير التفكير في ما هو أهم من ذلك بكثير. بكلام أوضح، عليهم البحث جدياً في كيفية التخلص من أي سلاح غير شرعي بعيداً عن الشعارات التي لا تطعم خبزاً ولا تأتي بالكهرباء. والسلاح غير الشرعي ليس سلاح «حزب الله» فقط، بل السلاح الفلسطيني أيضاً. هناك على الأراضي اللبنانية قواعد فلسطينية خارج المخيمات. ما دور هذه القواعد في التصدي لإسرائيل واسترجاع الأرض؟ هل لها دور آخر غير تأكيد أن لبنان مجرد «ساحة» للآخرين وأن الجيش الوطني لا يسيطر على أراضي الجمهورية كلها؟

آن أوان طرح الأسئلة الحقيقية. من بين الأسئلة: كيف يمكن التوفيق بين القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في أغسطس من العام 2006 وبين وجود سلاح غير شرعي على الأراضي اللبنانية؟ إن كل فقرة في القرار 1701 تؤكد أن لا حاجة إلى سلاح غير سلاح القوى الشرعية اللبنانية في مقدمها الجيش الوطني الذي عاد إلى جنوب لبنان بعد غياب استمر ثلاثين عاماً. لماذا عاد الجيش إلى الجنوب؟ أوليست موازين القوى الإقليمية التي فرضها القرار 1701 هي التي أعادته إلى الأرض اللبنانية المحاذية لخط الهدنة مع إسرائيل بعدما كان مجرد الكلام عن ضرورة نشر الجيش في الجنوب بمثابة ارتكاب فعل خيانة؟

ربما كان الرئيس نبيه بري يتحدث عن إلغاء الطائفية في ضوء الحاجة إلى إخراج النظام اللبناني من أزمته. هناك أزمة نظام في لبنان. لا مفر من الاعتراف بذلك، خصوصاً في ضوء التطورات التي شهدها البلد منذ الانتخابات النيابية الأخيرة. أظهرت تلك التطورات أن نتائج الانتخابات لا تعني شيئاً مادام هناك سلاح لدى هذا الطرف أو ذاك. كشفت مرحلة ما بعد الانتخابات أنه يصعب على أي طرف معالجة هذه الأزمة في ظل وجود سلاح لدى فريق من الأفرقاء وفي ظل الانتشار الفلسطيني المسلح في الأراضي اللبنانية كلها.

ما العمل إذاً؟ الأكيد أن الكلام عن إلغاء الطائفية في ظل الظروف الراهنة يخيف قسماً لا بأس به من اللبنانيين. لكن الأكيد أيضاً أن التصدي للسلاح بالسلاح مستحيل وعمل عبثي، إلا إذا كان هناك من يريد العودة إلى الحرب وتهجير قسم من اللبنانيين، خصوصاً المسيحيين من البلد. وإلى اشعار آخر ليس هناك لبناني يتمنى العودة إلى العنف. أقصى ما يستطيع أن يفعله السياسيون الواعون في هذه الأيام هو الاكتفاء بالمحافظة على السلم الأهلي وعلى ما بقي من مؤسسات الدولة ومقاومة السلاح بالتأكيد يومياً أنه لا يخدم إلا العدو الإسرائيلي بشكل مباشر أو غير مباشر.

في الواقع، ليس أمام اللبنانيين سوى الرهان على الوقت من دون التنازل عن المبادئ التي يأتي على رأسها رفض السلاح غير الشرعي، أياً تكن الجهة التي تحمله وأياً تكن الشعارات التي تتلطى بها هذه الجهة. في النهاية، إن التصدي للسلاح بشكل سلمي يمثل المقاومة الحقيقية لإسرائيل وغير إسرائيل.

في النهاية أيضاً، سيكتشف جميع اللبنانيين، من الطوائف والمذاهب كلها أنه ليس لديهم مكان يلجأون إليه غير لبنان. ستثبت الأحداث التي ستشهدها المنطقة أن الصيغة اللبنانية، المبنية على العيش المشترك من دون الاستعانة بالسلاح، أقوى بكثير مما يعتقد وأن في الإمكان الاستعانة بالصيغة لتطوير النظام وحتى «اتفاق الطائف» وصولاً إلى إلغاء الطائفية. يظل الشرط الأول والأهم تفادي الإقدام على أي خطوة تحت ضغط السلاح. السلاح خطر على الجميع بما في ذلك على الذين سيتخدمونه. السلاح لا يبني وطناً. السلاح هو الطريق الأقصر إلى الحروب الداخلية. السلاح لا يطوّر نظاماً ولا يلغي الغرائز الطائفية والمذهبية، بل يخرج هذه الغرائز من عقالها. لذلك كان من الأفضل لو انتظر الرئيس بري قليلاً قبل أن يخرج بموقفه الأخير الذي أثار الكثير من الحساسيات التي لا شك أن لبنان واللبنانيين في غنى عنها....

بقلم: خيرالله خيرالله

كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن

============================

الحاجة أم الإرادة.. أم كلتاهما؟!

أنقرة

الافتتاحية

الأربعاء 16-12-2009م

بقلم رئيس التحرير أسعد عبود

الثورة

إلى أين تمضي العلاقات السورية التركية؟! كيف تعمل؟! وما الهدف؟!

بضعة أيام وتشهد دمشق لقاء آخر سورياً تركياً سيمثل ما اعتدنا توصيفه باللقاءات التاريخية.. في الثالث والعشرين من الحالي يعقد مجلس التعاون الاستراتيجي عالي المستوى بين البلدين اجتماعه الأول، ربما يمثل ذلك الخطوة الأحدث في سلسلة الخطوات التي تشير إلى علاقة استعانت فيها الإرادة القيادية السياسية في البلدين بعوامل التاريخ والجغرافيا والمصلحة المشتركة، لتعيد إنتاج خطوات العمل المشترك بما يشير إلى دينامية لافتة فعلاً.‏

تساؤلات كثيرة.. احتمالات كثيرة.. والهدف بعيد.. فهل تكفي الإرادة السياسية القيادية للمضي في بناء هذه العلاقة التي يريدها الكثيرون في البلدين علاقة شراكة؟!‏

رغم إعجاب الكثيرين بخطوة إلغاء التأشيرات وسمات التنقل عبر حدود البلدين لمواطنيهما.. إلا أن اجتماع دمشق القادم يستقطب الأنظار بحثاً عن جديد آخر.‏

على مختلف الأصعدة ومن عديد المواقع والقطاعات يمضي السوريون والأتراك في عمل يومي لتذليل كل الصعاب «وهي موجودة» التي تقف في وجه الوصول إلى الهدف.‏

ليس من السهل تحديد هذا الهدف لأنه بالأصل متحرك مع سيرورة الحياة والعمل المشترك.. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بحيث تضيء إجابته على الهدف هو:‏

- هل يرتبط هذا التطور اللافت في العلاقات السورية التركية الذي قاده التفاهم السياسي بين قيادتي البلدين.. بهذا التفاهم فقط؟!‏

يعني:‏

- في حالة أي تغيير سياسي في أحد البلدين، أو وقوع تطورات غير محسوبة في المنطقة.. هل يهدد ذلك هذا النمو المطرد في العلاقة السورية التركية؟!‏

في تركيا.. في أنقرة تحديداً ومن خلال جولتنا «الوفد الإعلامي السوري» التقينا «مبدئياً» شخصيات مهمة هي من الشخصيات التي تمهد لصناعة القرار.. وتساهم به بشكل مباشر وغير مباشر.. هي بشكل عام صاحبة قرار.. فبالاضافة للسيد بولاند أرنتش نائب رئيس الوزراء التركي وزير الدولة لشؤون الإعلام هناك أعضاء في البرلمان من حزب العدالة والتنمية.. ومن حزب الحركة القومية التركية «ثالث حزب وله 69 نائباً» وقيادات إعلامية وفكرية يتلمس المتتبع الرغبة والإرادة وبناء خطوات إلى الأمام.‏

لا تغيب الحماسة عن أي منهم.. ولا يريدونها أقل من شراكة كاملة.. ويعوّلون على لقاء دمشق القادم.. ويرى كثير منهم أنه لا بد من الإرادة السياسية من أجل استمرار تطوير العلاقات.. في حين يرى آخرون أن هذه العلاقات يجب أن تنتج عوامل حمايتها, لتستمر دائماً.‏

يعني: يجب أن تنتج المصلحة لأبناء البلدين والفعاليات فيهما بما يكفي لأن يؤدي الحرص على هذه المصلحة لحماية هذه العلاقة.‏

بتقديرنا إنه ليست هناك علاقات بين بلدين يمكن ألا تواجه معوقات خلال سيرورتها.. وفي العلاقات السورية التركية هناك عوامل قوة تُستمد من التاريخ والجغرافيا وتُستمد من المصلحة، أي من حاجة البلدين لبعضهما.‏

لكن... التاريخ... والجغرافيا.. وحاجة البلدين لبعضهما لم تحمِ العلاقات السورية التركية في الماضي.. إنما هي الإرادة السياسية التي بدأت منذ مطلع القرن على الطريق الصحيح، وبدأت تشهد دفعاً بعد زيارة السيد الرئيس بشار الأسد ولقائه القادة الأتراك. تنطلق سياسة البلدين من مجموعة من الاعتبارات والرؤى في مقدمتها الرغبة في أمن واستقرار المنطقة، والإيمان بأهمية دولها في حل مشكلاتها.‏

وأيضاً..‏

شعور البلدين بأهلية دول المنطقة لحل مشكلاتها، لقد شخص كل منهما في الماضي باتجاهات بعيدة في الشرق والغرب لكن..‏

كلا البلدين يعرف الآن أن الطريق إلى هنا أو هناك أبعد بكثير من الطريق من دمشق وحلب إلى أنقرة واستنبول.‏

a-abboud@scs-net.org

============================

المدينة المصلوبة

آخر تحديث:الأربعاء ,16/12/2009

الخليج

ميشيل كيلو

هذا عنوان عمل مسرحي قديم كتبه الأب إلياس زحلاوي (الدمشقي) بعد هزيمة يونيو/حزيران بفترة قصيرة، وأثار في حينه اهتماماً كبيراً في الأوساط الثقافية السورية والفلسطينية، لما بدا عليه من متانة الحبكة وقوة النص وراهنية الحوار وفاعلية الشخصيات وحيوية الطرح .

 

هناك راهبان في كنيسة (عيسى وإبراهيم) يتناقشان في السلوك الذي يجب اتخاذه من الاحتلال ومن القضية الفلسطينية، باعتبارهما حدين، يمثل أولهما الظلم وثانيهما العدل . يؤيد إبراهيم موقف الكنيسة التقليدي، الذي يقول إن الحب هو العلاج الوحيد لما قد ينشأ بين البشر من خلافات ومشكلات وحروب، بينما يسأل عيسى بحيرة: كيف يمكن بالحب وحده التصدي للاحتلال والجوع ولإذلال البشر واستباحة كرامتهم؟

 

يذكّر إبراهيم الأب المتمرد بأمرين: أولهما أن عيسى المسيح هو الذي عالج كل شيء بالحب، وأن مواقفه ستأخذه إلى خارج الكنيسة وعالمها، نتيجتها العنف والدم . يرد عيسى: إن المسيح لم يكن داعية حب قط، بل كان داعية حقيقة وحزم أيضاً، وقد أخرج التجار والكهنة من الهيكل بالسوط، ولو كان يعيش في أيامنا لما اكتفى بالسوط وحده . ثم أن المسيح ليس مجرد شخص، بل هو قضية ومبدأ وحق . إنه هذا الشعب المعذّب وكل شعب معذّب، وهو الكنيسة التي لا تقف جانباً والتي تدافع عن الإنسان، فليس من الصواب رؤيته في ضوء ضيّق وأحادي الجانب، ولا بد من الإيمان بشمول مواقفه وآرائه . يقول الأب عيسى: لا شك لدي في أن المسيح كان سينحاز إلى شعب فلسطين المظلوم، الذي بدفاعه عن نفسه يدافع عن كرامة البشر ويمثل كرامة الإنسان وقيمه الروحية، وتالياً المسيحية الحقة، مع أنه غير مسيحي . أخيراً، قال الأب عيسى: إن المصير الذي سألقاه هو جزء من الفداء، الجانب الآخر والأكثر أهمية من رسالة المسيح، والذي يعد معيار الحب ومرتبته الأكثر سمواً، فالفداء عند المسيح هو أعلى درجات الحب، وهو واجب كل مسيحي يرى الظلم، ولو كان المسيح بيننا لافتدى شعب فلسطين بروحه ودمه، ولاعتبر ذلك تجسيماً لمحبته للبشر ولابن الإنسان .

 

يدخل شاب فلسطيني اسمه أحمد وسط هذا الحوار، الذي يدور في عقل المسيحيين العرب وينعكس في حوارات الأبوين إبراهيم وعيسى على المسرح، ويدعو إلى تغيير مواقف الكنيسة من القضايا المطروحة، والتخلص من سلبيتها حيال العديد منها، والانخراط فيها بكل ما أوتيت من قوة، ومهما كلفها ذلك . يبلغ الشاب الأبوين أن “إسرائيل” قررت نسف منزلهم، وأنهم صاروا بلا مأوى . يقف الأب إبراهيم حائراً لا يدري ما يفعل، بينما يدعو الأب عيسى الأسرة إلى السكن في الكنيسة ريثما تجد مسكناً .

 

في هذه اللحظة يدخل مقدم في الجيش الصهيوني ليقبض على أحمد، لكنه لا يعثر عليه مع أنه كان أمامه، ذلك أن الشاب كان قد ارتدى جبة كاهن اعطاه إياها عيسى، ووقف إلى جانب الأبوين باعتباره الأب حنا . يسأل المقدم منذ متى يوجد ثلاثة آباء في الكنيسة، فيرد الأب عيسى: هذا الأسبوع هو أسبوع الآلام وفيه تكثر الخدمات الكنسية، فكان لا بد من الاستعانة بالأب حنا . يدور، عندئذ، حوار بين الأب عيسى والمقدم، يعرض مؤلف المسرحية فيه الموقف الذي يجب أن تعتمده الكنيسة حيال الصهاينة واليهود بوصفهم قتلة المسيح، ويعطي “الإسرائيلي” الكلمة فيقدم وجهة النظر اليهودية التقليدية، المعادية للمسيحية، التي تعتبر المسيح مجرد دجال مريض .

 

خلال الحوار، يسمع صوت انفجار . ما أن يعلن الضابط أن بيت أحمد قد نسف، حتى ينقض هذا عليه قبل أن يغادر المكان وهو يصرخ ألماً . تنكشف الحقيقة ويعرف الضابط أن الأب حنا هو أحمد، فيأمر الجند بإطلاق النار عليه . يستشهد أحمد في طريق درب الآلام، حيث كانت أسرته تسكن، فيدور حوار عنيف بين الأب والضابط ينضم إليه الأب إبراهيم بكلمات قوية تشير إلى تبدل في موقفه يقربه من موقف الأب عيسى . يغادر الضابط الكنيسة حانقاً، بعد أن ألقى بالأب إبراهيم أرضاً ورفسه وركله، وهدّد الأب عيسى بالويل والثبور وفظائع الأمور .

 

ينظم الأب عيسى مسيرة احتجاج ضد هدم بيت أبي أحمد وقتل أحمد، ينضم إليها عدد كبير من الشباب والشابات من الدينين الإسلامي والمسيحي، فيقرر الأب دفعهم إلى أعمال تتخطى المسيرات، بينما يعود الحوار بينه وبين الأب إبراهيم حول المسيحية ودورها، ويبدو أن الثاني صار يتفهم مواقفه وإن حذره من نتائج أفعاله، في حين يندفع الأب عيسى إلى نهاية الشوط، مسوغاً سلوكه ومواقفه بجمل من الإنجيل، وبمواقف المسيح وأقواله، التي تبدو في المسرحية وكأنها تنطبق انطباقاً تاماً على القضية الفلسطينية والصراع مع العدو، كما تبدو قوية لا تتفق والسلوك السلبي، الذي يظن مسيحيون كثر أنه موقف الكنيسة الصحيح من قضايا عصرها . في الموقف، الذي أعقب انكشاف هوية أحمد، يسأل الضابط “الإسرائيلي” ساخراً الأب عيسى عن “الأب أحمد”، وهو يستنكر الرابطة التي تشد مسيحياً إلى مسلم، فيجيبه الأب عيسى: أنا عربي وهو عربي وهذه الكنيسة عربية، ولن تتخلى عن صفتها هذه وعمّا يترتب عليها من واجبات . بعد قليل، يدخل شبان وشابات معهم صورة لأحمد يقدمونها للأب، فيضعها في حضن صليب كبير قائم في صدر الكنيسة، كأنه يريد القول: إن احمد الفدائي هو مسيح هذه الأيام وإنه الفادي الجديد .

 

بانخراط الأب عيسى في المقاومة، وانضمام الأب إبراهيم إلى آرائه وقبوله الدور الذي يلعبه، تنتهي المسرحية، التي تتضمن مشاهد مؤثرة جداً، وحوارات مهمة تتصل بدور وهوية المسيحية العربية وواجباتها، انطلاقاً من حالة مشخصة هي الحالة الفلسطينية، التي يرى الأب زحلاوي أن ما فيها من ظلم لا يترك أي مجال للحياد أو السلبية، ويطرح على الكنيسة أسئلة في غاية الأهمية حول ضرورة إعادة تعريف نفسها ودورها وتوطنها في عالم العرب ومشكلاته، فهي ليست كنيسة بإطلاق، بل كنيسة عربية تنتمي إلى شعب مظلوم ومحتل ومسفوح الدماء . بهذا الطرح، يمثل الأب زحلاوي حالة كنسية تجديدية بمعنى الكلمة، تشبه حالة الكنيسة في أمريكا اللاتينية، التي تحولت أعداد كثيرة منها إلى كنائس فقراء وثوريين، قدم آباؤها ضروبا من التضحية والفداء لا تقل رمزية وأهمية عن تضحيات الثوار المسلحين أنفسهم .

 

تستمد مسرحية “المدينة المصلوبة” قيمتها الفنية من نصها القوي وطرحها الصريح ومناقشاتها التي تتجاوز خطوطاً حمراء كنسية متنوعة . كما تستمد قيمتها من الإشكاليات الفكرية والدينية التي تطرحها على مسيحية طال تغربنها، وآن لها أن تعود إلى حاضنتها التي أنجبتها: المشرق، وإلى الحضارة التي ساجلتها وأثرتها ومكنتها من الحفاظ على نفسها: الحضارة العربية / الإسلامية .

============================

إعانات الشلل الدماغي...هل وصلت إلى مستحقيها؟

تحقيقات

الأربعاء 16-12-2009م

تحقيق: ميساء الجردي

الثورة

بعد مرور خمس سنوات على صدور التعليمات التنفيذية للقانون رقم 34 لعام 2004 الخاص بالمعوقين والذي قدم لهم تسهيلات ومساعدات مختلفة, منها وجوب تقديم إعانات مادية للأسر الفقيرة التي لديها أشخاص مصابون بالشلل الدماغي.

وأما الشكاوى الكثيرة والاستفسارات التي قدمها الأهالي, فكان السؤال ملحاً عن هذه الإعانات ولماذا لم تصل؟ وما سبب توقفها لأشهر طويلة؟ ولماذا الواقع مختلف عن الصورة المشرقة التي رسمها القانون على وجوه هذه الأسر, رغم أنهم يعتبرون من المحظوظين بالحصول على رواتب تعينهم في معالجة أطفالهم ودمجهم في المجتمع؟‏

 

حسب النص‏

يعتبر القانون 34 من أشمل القوانين التي تهتم بقضايا المعوقين وحقوقهم واحتياجاتهم والخدمات الواجب تقديمها لهم.. وحسب المادة 9 في مجال الإعفاءات والخدمات ينص القانون في الفقرة الرابعة أنه يجوز صرف إعانات مالية للأسر الفقيرة التي تتولى رعاية المعوقين الذين لديهم شلل دماغي ويحدد مقدار الإعانة بقرار من الوزير بعد موافقة وزير المالية.‏

وفي التعليمات التنفيذية في الفقرتين الرابعة والخامسة من المادة 14 تقوم الوزارة بوضع الأسس اللازمة لمنح الإعانات للأسر الفقيرة التي تتولى رعاية المعوقين وترسل لائحة سنوية تحدد فيها الإعانة المقترحة لكل أسرة إلى وزارة المالية للموافقة عليها.‏

دخلنا بيوتهم‏

الواقع مر, والمشكلة أكبر من أن نعبر عنها ببضعة أسطر, وما الطوابير التي احتشدت أمام مراكز الشؤون الاجتماعية والعمل إلا دليل آخر على الغريق الذي تعلق بقشة.‏

ربما أخطأ بعض الأهالي في تكرار الإنجاب لأطفال مصابين, بأمل أن يأتيهم طفل سليم ولإيمانهم أنه لا توجد في العائلة حالات إصابة, وحسب الواقع يبدو أن أكثر الإصابات ناتجة أثناء الحمل أو أثناء الولادة أو بعدها.‏

حالات‏

وممن التقيناهم، تقول أم مجدي:‏

إنها أصيبت بحمى شديدة خلال فترة الحمل وأكدت لها الطبيبة أن الطفل لن يتأثر ولكن أثناء الإنجاب كان طفلها بحاجة إلى أكسجين, لكن الأطباء اعتقدوا أنه لن يعيش بسبب شكله أثناء الولادة, فلم يعطوه الأكسجين وكانت النتيجة طفلاً مصاباً بالشلل الدماغي الرباعي, ورحلة طويلة مع المعالجات والبحث عن جمعيات ومعاهد رعاية أو معونة إلى أن وصلت إلى معهد النور.‏

أما ما يخص إعانات الشؤون فتقول:‏

أخذت مبلغ 3000 ل.س على مدار شهرين فقط, ومنذ ثلاث سنوات حتى الآن, راجعت الوزارة مرات عديدة بسبب الوضع المادي السيئ الذي نعانيه, حيث إن زوجي عامل نسيج في إحدى الورش وأجرته بالكاد تؤمن جزءاً من الضروريات, وكانت إجابتهم أنه لم يأت دورنا بعد.‏

وحالة الطفلة جنان ليست أفضل فقد أصيبت بالشلل الدماغي بعد ولادتها بسبب اليرقان الذي وصلت نسبته إلى 25%، ما أدى إلى تلف جزء من العصب الحركي والعصب السمعي, أكدت والدتها أنها لم تهتد إلى مايسمى بطاقة معوق إلا منذ عامين ومع ذلك هي لم تأخذ إعانات سوى مرة واحدة.‏

 

التنسيق والإحصائيات‏

بعد صدور قرار الإعانات, ظهرت أعداد كبيرة من مرضى الشلل الدماغي وبدأت الأسر تتحرك لإظهار المعوقين الذين كانوا خلف الأبواب المغلقة، ومن الواضح أن أغلبية الأسر لم تحصل على إعانات أو أنها أخذت لمرة واحدة, أو مرتين خلال السنوات الأربع لتنفيذ القرار.‏

هذا بالنسبة للمسجلين, إذ يوجد الكثير من المعوقين بأرقام مجهولة الزمان والمكان وحتى الآن لم تصل المسوحات إليهم, والدليل على ذلك ما وصل إليه عدد المصابين بالشلل الدماغي في دير الزور خلال الكشوفات الأخيرة، حيث بلغ عددهم 1000 حالة بعد أن كان التصريح عن 40 حالة وفي السويداء وصل عدد المسجلين للإعانات إلى 2504 حالات, جزء منهم حصل على الإعانات لمرتين، وآخرون لم يصل إليهم الدور.‏

وحسب ما أكده لنا محاسب ريف دمشق (مديرية الشؤون) أنه خلال عام 2009 تم التوزيع على 1526 مصاباً بقيمة 3000 ل.س وعلى 142 مصاباً بقيمة 1500 ل.س و14 مصاباً حصلوا على قيمة ال 1000 ل.س وذلك خلال (شهري كانون الثاني وشباط) وحتى الآن لم يأخذ أحد شيئاً، هذا يضعنا من جديد أمام التساؤلات عن التنسيق والإحصائيات التي يعتمد عليها في توزيع الإعانات.‏

 

الأعداد كبيرة والمبلغ لا يكفي‏

توضح السيدة ملكي من مالية وزارة الشؤون: إن أعداد المصابين بالشلل الدماغي كبير جداً فمثلاً في الحسكة ودير الزور والرقة توجد قرى بأكملها تقريباً لكل أسرة مصاب أو ثلاثة أو أربعة.. وتقول مع أننا نعطي من كل أسرة حالة واحدة ومع ذلك المبلغ المرصد لا يكفي, وعند التوزيع نلاحظ أن البعض لم يستكمل أضبارته, فترك قسماً من المرصد حتى تكتمل جميع الأضابير.‏

ونجد أن أعداد من لهم أضابير فقط يفوق ال 15 ألف مصاب وطبعا هذا العدد غير فعلي, وبالتالي نحن نوزع عن شهرين أو ثلاثة في العام كله وقد طلبنا من وزارة المالية مبلغاً يعادل 420 مليوناً لعام 2010, ولكن ليس هو المبلغ الفعلي الذي ترفدنا به.‏

ليس راتباً شهرياً‏

تابعنا هذا الموضوع مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل, وقد أفادتنا السيدة فادية خضرة من قسم الخدمات أن معظم الأسر التي أطفالها معاقون فهمت الموضوع على أنها إعانات ورواتب شهرية ولكن حسب القانون 34 والتعليمات التنفيذية هي معونات تقدم وفق الاعتمادات وليست مساعدات شهرية, مع أنه في البداية تم الالتزام بها, ولكن عندما ظهرت الأعداد الكبيرة, لم يكن لدى الوزارة رصيد يغطي الجميع.‏

وقد تم التوزيع بحسب بطاقات الإعاقة التي توضح بيانات حول من يستحق المعونة وبالتنسيق مع وزارة الصحة يوجد كتاب لتصنيف نسبة الإعاقة والمبالغ المستحقة، حيث حدد مبلغ 300 ل.س للشلل الرباعي, و1500 ل.س للشلل النصفي, و1000 ل.س للشلل النصفي وحيد الطرف.‏

وقد كان عدد المستحقين حسب المحافظات، حيث وزعت الوزارة في عام 2009 حوالي 212 مليون ل.س وفي عام 2008 حوالي 240 مليون ل.س وحاليا تطلب من وزارة المالية زيادة الاعتمادات المخصصة لعام 2010 نظرا لتزايد الأعداد من المصابين ممن تتوفر فيهم شروط منح الإعانات.‏

وفي سؤالنا عن قيمة الإعانات للأسرة التي فيها أكثر من شخص مصاب بالشلل الدماغي أجابت: إن المعونة تقدم للأسرة وليست حسب عدد المصابين ونحن نعطي نسباً ولا نستطيع تغطية جميع الأعداد.‏

 

في معهد الشلل الدماغي‏

في جولة على بعض الجمعيات والمعاهد التي تعنى بهذا النوع من الاعاقة نقف على طبيعة وحاجات المصابين بالشلل الدماغي والخدمات المتوفرة لهم.‏

تقول السيدة ندى أبو الشامات مديرة معهدي النور والزهور: إن المعهد والذي هو برعاية الوزارة وشراكتها حيث تقدم المكان والتجهيزات والأثاث والكادر التعليمي والعلاجي التأهيلي مع المرافقين والسائقين افتتح منذ عام 1984 وهو أول معهد يختص بالشلل الدماغي وحالياً لدينا 63 طالباً بالإضافة إلى 75 طالباً يأتون عن طريق التدخل، أي يأخذون العلاج والتنمية الفكرية، ونظراً للأعداد الكبيرة التي تراجع المعهد هم بحاجة إلى مكان أكبر وهذه الأسر تحتاج لتسجيل أطفالها المصابين، وليس لدينا استيعاب ومكان يكفي لجميع المراجعين، ونحن نرسل البعض منهم إلى قسم التأهيل في ابن النفيس، وأغلبية الأسر تطالب بسكن داخلي لأطفالهم رغم أن أطفال الشلل الدماغي هم أطفال حساسون جداً ويحتاجون لحنان أسرهم إذ لديهم ذكاء عاطفي، ولهذا فإن المعهد والجمعية يغنيان هذا الجانب عن طريق الزيارات المنزلية للأهل وتدريبهم على كيفية التعامل مع طفلهم المصاب.‏

الأسباب متعددة والإعاقة مختلطة‏

أغلب الأذيات الدماغية تصنف بالشلل الدماغي وهي اصابات تتعلق بفترة الحمل وحسب ما أكدته لنا السيدة وفاء الزعبي المشرفة في المعهد ومن خلال تجربتها الطويلة في العمل مع أطفال الشلل الدماغي أن هذه الاعاقة تكون مختلطة ما بين سمعي، ذهني، بصري، هي إصابة متعددة حيث تكون الإصابة حركية ويرافقها إعاقة ذهنية، نطقية، بصرية، أما الأسباب فتحدث إما خلال فترة الحمل بسبب سخونة أو أمراض أخرى تصيب الأم، أو أثناء الولادة بسبب نقص الأكسجين، أو بعد الولادة بسبب تعرض الطفل لوقوع شديد على الرأس، أو سخونة (حمى شديدة) ما يؤدي إلى أذية دماغية. ورغم الحالات التي تراجعنا من وجود طفلين أو ثلاثة وأكثر أحياناً في أسرة واحدة إلا أن الأبحاث حتى الآن لم تثبت دور الوراثة أو العامل الوراثي وإنما هناك دور كبير لزواج الأقارب، والأطباء يتحدثون عن أسباب تتعلق بالجهل وخلل بالجينات، فرغم نصائح الأطباء بعدم الاستمرار في الإنجاب، إلا أن الكثيرين لا يهتمون بهذه النصائح.‏

حاجاتهم تفوق الإمكانيات‏

حسب إحصائية أقرها آخر مؤتمر للمعوقين أن 3٪ من المعاقين هم من الشلل الدماغي وهذا يعني نسبة كبيرة وحاجات كثيرة وبحسب الأمر الواقع وما تأكده السيدة الزعبي أن هؤلاء بحاجة للأدوية بشكل مستمر، وأجهزة مساعدة على الحركة، ومعينات بصرية ومعينات سمعية وسنية وعلاجهم يتطلب المتابعة المستمرة وخصوصاً أن بعضهم يصاب بنوبات الصرع ومنهم يعاني من مشكلات سنية وبصرية بالإضافة للمعالجة الفيزيائية والتنمية الفكرية.. وأغلبهم يحتاج لعمليات عصبية، عظمية هذا مع طبيعة غذاء وأطعمة معينة.‏

هذه الحاجيات صعبة جداً على الأسرة وخاصة إذا كانت فقيرة أو حالها وسط، والجمعية تخفف هذا الضغط عن الأهالي وتقدم الأدوية والمعالجة الفيزيائية بشكل مجاني، ولدينا أطباء عصبية وعظمية داخل الجمعية بالاضافة إلى تحويل المحتاجين منهم إلى عمل جراحي إلى المشافي مع تقديم الأجهزة وغيرها. وامكانيات المعهد جيدة لكننا بحاجة لدعم خارجي.‏

أما خصوصية هذه الاعاقة التي تشكل هماً كبيراً على الأهل، أنه لا شفاء منها وجميع هذه الاعانات تقدم لمساعدة الطفل على الحركة والاستمرار والنطق.‏

تكاليف المعالجة الفيزيائية‏

ينظر أهالي المعوقين إلى الاعانات التي أقرها القانون بالكثير من التفاؤل لأن أغلبيتهم يعيش بين نارين إما ترك أطفالهم المصابين يضمرون أمام أعينهم لعدم قدرتهم على تكاليف المعالجة وبخاصة الأدوية الغالية الثمن والحاجة إلى المعالجة الفيزيائية بشكل مستمر، ونتيجة قلة الجمعيات التي تستقطب هؤلاء هم يلجؤون إلى الخاص وجلسات المعالجة الفيزيائية تتراوح بين 500-1000 ل.س لكل جلسة.‏

وحسب ما أوضحته لنا المعالجة الفيزيائية فينوس نادر أن أطفال الشلل الدماغي بحاجة إلى التدخل المبكر من عمر أشهر حتى خمس سنوات، وقالت: نحن في الجمعية نعمل بشكل طوعي مجاني ونبدأ مع الطفل منذ بداية الاصابة بتمارين لتقوية العضلات ووضعيات لمنع حدوث تشوهات بالمفاصل ووضعيات تعكس الأنماط الخاطئة التي تصيب الطفل بسبب التشنجات الدماغية، ونحن نقوم بهذه الجلسات مع وجود الأم لكي نعلمها كيفية التعامل مع طفلها في المنزل لأنه يجب الاستمرار بالعلاج الفيزيائي بشكل يومي حتى عمر خمس سنوات وأكثر، فمنهم يأخذ العلاج الفيزيائي حتى عمر 13 سنة وهو عمر تخرجه من المعهد، ويختلف ذلك بحسب درجة الإصابة.‏

الجمعيات لا تكفي‏

من جانبها تؤكد الاختصاصية الاجتماعية والاعلامية أليسار فندي الناشطة مع جمعية الشلل الدماغي للكبار: الدور الخدمي والانساني الذي تقدمه الجمعية من حيث التوعية الوقائية والتوعية المجتمعية وما تنظمه من شرائح مختلفة من الفعاليات والمساعدات في الكشف عن هذه الحالات وتقييمها والاعاقات التي تنتج عنها من اعاقة عقلية، تحديد نسبة الذكاء ومن ثمة تقديم المعونة في مجال العلاج الجماعي وتأمين المستلزمات والأجهزة الحركية.‏

وعن سؤالنا إن كانت هذه الجمعيات تكفي لأعداد المصابين؟ تقول: إن الجمعيات المنتشرة في القطر والمسماة بتسميات خدمية مختلفة وهي مع فروعها في المحافظات السورية لا تكفي للغرض المطلوب، فمثلاً لابد من المساعدات العينية والمادية لكي تستطيع هذه الجمعيات أن تسبر الشارع السوري من هذه الاعاقات «الشلل الدماغي» والتي نسبتها عالمياً ومحلياً كبيرة جداً.‏

ولهذا فإن هذه الجمعيات بحاجة إلى مساعدات فنية من كوادر اجتماعية ونفسية مؤهلة لتقوم بالتدريب والتأهيل مع كوادر العلاج الفيزيائي التي لها دور كبير في تحسين أداء هذه الاعاقات وأيضاً لتعاون المؤسسات التربوية في سبيل قبول أطفال الاعاقات العقلية في فصول خاصة في مدارسها مع جعل نظام خاص تواصلي بين وزارة الشؤون الاجتماعية وهذه الجمعيات بما يخدم ويساعد هذه الأسر على استيعاب هذه الإعاقة.‏

***‏

حقائق‏

< 3% من المعوقين مصابون بشلل دماغي‏

< هم متعددو الإعاقة وتلبية احتياجاتهم تصعب على الأسر‏

< الجمعيات لا تخدم سوى جزء بسيط من الواقع‏

< توجد مسؤولية كبيرة على الأهل في حال تكرر الإنجاب لأطفال مصابين‏

< من أهم أسبابها نقص الوعي الاجتماعي والصحي وزواج الأقارب في المقدمة.‏

============================

أوباما.. المحارب رغم أنفه

بقلم :فلاديمير سادافوي

البيان

2009-12-16

من المعروف أن لكل رئيس أميركي حربا لا بد أن يخوضها، شاء أم لم يشأ، ويبدو أن أفغانستان التي أشعلها بوش الابن هي «حرب أوباما»، رغم أن من المؤكد أن أوباما لا يرغب في ذلك على الإطلاق. كما يبدو أن الرئيس الأميركي الذي جاء للحكم بحلم كبير في السلام، الذي نال جائزته قبل أن يخطو نحوه خطوة واحدة، قد فشل في تحدي العسكر وخضع لقرارات الجنرال ستانلي ماكريستال، الذي كان يبدو أنه لا يعيره هو وآراءه أي اهتمام!

 

ويبدو كذلك أن الثلاثين ألف جندي الذين قرر أوباما إرسالهم لأفغانستان، ليسوا هم نهاية المطاف، بل سيتبعهم آلاف آخرون حسبما يريد ماكريستال والقادة العسكريون.

 

لقد تم إرسال 20 ألف جندي إلى أفغانستان في شهر إبريل الماضي، و30 ألف جندي إضافي في نوفمبر، ليبلغ مجموع الجنود الذين تم إرسالهم في فترة أوباما 50 ألف جندي. وسيصل هؤلاء الجنود جميعهم إلى أفغانستان في الربيع، ليشكلوا بذلك 50% من إجمالي عدد الجنود الأجانب الموجودين في أفغانستان، ليتساوى أوباما مع بوش في أفغانستان.

 

وفي الواقع لم يكن أمام أوباما خيار آخر سوى أن يعزز الحضور العسكري الأميركي في البلاد، حيث فشلت بريطانيا في القرن التاسع عشر والاتحاد السوفييتي في الثمانينيات من القرن الماضي. ويصعب التنبؤ بما قد يحدث هذه المرة في أفغانستان، ولكن قوات حلف الناتو، بلا مبالغة، تعيش كارثة عسكرية هناك.

 

وتشير البيانات الصادرة عن وزارة الدفاع البريطانية، إلى أن عدد القتلى في قوات التحالف هو نفس عدد القتلى في صفوف طالبان، ويصعب تحقيق النصر في حالة تساوي عدد الضحايا بهذه الصورة. ولا يوجد خبير عسكري بوسعه أن يعلل سبب إرسال 30 ألفا بالتحديد، حيث يتفق أغلب الخبراء على أن هذه القوات الإضافية لن تسمح أيضا بتحقيق النصر على طالبان.

 

ولن يشهد عام 2011 انسحابا كليا للقوات من أفغانستان كما تقول واشنطن، لأن هذا يعني سقوط نظام كرزاي بعد مرور أقل من شهر على الانسحاب. وعلى ما يبدو فإن إدارة أوباما قد تراجعت عن وعودها بسحب القوات من أفغانستان بعد 18 شهرا، أي في صيف 2011.

 

وتمكن المقارنة بين ما يقوم به أوباما في أفغانستان، وما قام به ميخائيل غورباتشوف بعد أن وصل إلى الحكم في عام 1985، حيث أنه بعد مرور عام واحد على تنصيبه بلغ عدد الجنود السوفيت في أفغانستان 140 ألفا، ومن الطريف أن عدد قوات حلف الناتو سيصل إلى نفس الرقم تقريبا بعد وصول القوات الإضافية! وقد تم منح مهلة مقدارها عام واحد للجنرالات السوفيت لتحقيق النصر الذي لم يتم كما يعلم الجميع، وإنما بلغت الخسائر في الأرواح 7 آلاف من القتلى، وذلك في الفترة من وقت زيادة عدد القوات وحتى خروجها في عام 1989.

 

ويبدو أن تحديد موعد الانسحاب في صيف 2011 ليس لأسباب عسكرية، بل إنه مرتبط بحملة انتخابات الرئاسة الأميركية القادمة، التي ستجرى في نوفمبر 2012 وتبدأ حملتها قبل هذا الموعد بعام.

 

إذن يستعد أوباما لمجيئه الثاني إلى البيت الأبيض، ويريد أن يقدم النصر في أفغانستان للشعب الأميركي لينتخبه. ولكن أوباما يغفل عن شيء هام للغاية، وهو أن بوش الابن عندما تولى الحكم لولايتين متتاليتين، لم تكن الولايات المتحدة تواجه أزمة مالية واقتصادية مثل التي تواجهها الآن، وبالتالي كان بوش يطلق حروبه وهو على ثقة من توافر المال الذي سيغطيها.

 

والحرب في أفغانستان تختلف عنها في العراق، حيث يوجد النفط والتعمير والبناء، أما أفغانستان فالإنفاق العسكري فيها بلا عائد وبلا تعويض، الأمر الذي سيصعب مهمة أوباما كثيرا أمام الكونغرس عند طلب تمويل الحرب في أفغانستان. إلى أي مدى يمكن أن يتحمل أوباما الاستمرار في هذه المأساة المجبر عليها والتي يرفضها بداخله؟

كاتب أوكراني

============================

جيش موحّد لأوروبا... ظاهرة جديدة

نوفوستي

ترجمة

الأربعاء 16-12-2009م

ترجمة د. ابراهيم زعير

الثورة

تجري نقاشات واسعة اليوم داخل حلف الناتو حول موضوعة إنشاء جيش موحد للاتحاد الأوروبي، وهذه الفكرة ليست جديدة، ولكنها تحولت اليوم إلى قضية حيوية راهنة من وجهة نظر العديد من الخبراء الاستراتيجيين الأوروبيين،

وخاصة بعد تصريح وزير خارجية إيطاليا فرانكو فراتيني، الذي تحدث عن ضرورة إنشاء مثل هذا الجيش الموحد لأوروبا، بعد القلق الذي ينتاب الاتحاد الأوروبي من التقارب الأميركي الصيني، الذي فيما إذا وصل إلى تحالف وطيد بين عملاقي العالم، فإن أوروبا ستجد نفسها مهمشة دون أن يكون لها دور محوري في الساحة الدولية.‏

صحيح أن تأسيس حلف أميركي صيني جديد مازال مجرد فكرة ولكنها تلوح في الأفق القريب بقوة أرعبت أوروبا المتخوفة من تخلي حلفيها الأميركي عنها وتقربه من العملاق الصيني الآسيوي، الذي بات حقيقة واقعة، وهذا التقارب الأميركي الصيني، أرغم الأوروبيين على التفكير ملياً حول إنشاء الجيش الأوروبي على الموحد، وموضوعة القوة الأوروبية العسكرية الموحدة ظهرت على جدول أعمال الاتحاد الأوروبي منذ عام 1970 من القرن الماضي، أي منذ أن تحسست أوروبا المخاطر العسكرية للولايات المتحدة التي تتصرف بالعالم وفق مصالحها الخاصة دون الأخذ بعين الاعتبار مصلحة حتى أقرب حلفائها، ولاسيما الحليف الأوروبي.‏

وإذا لم نجد لغة مشتركة أعلن فراتيني فإن أوروبا ستقذف إلى مكانة ثانوية في الحياة السياسية والعسكرية الدولية، وفي حال تأسيس القوتين العظميين الولايات المتحدة والصين لمحور جديد، أخذ البعض يطلق عليها محور المحيط الهادي فإن المحور الأطلسي سيكون في طي النسيان، لذلك يقول وزير الخارجية الإيطالي: علينا إظهار إرادة سياسية موحدة وقوية، وتحمل المسؤولية وإلا فإن الشعوب الأوروبية ستصاب بخيبة أمل، فالأوروبيون ينتظرون منا الكثير، فبعد قمة لشبونة والاتفاقية التي تمخضت عنها، لم يعد لدينا أي مبرر للتقاعس بهذا الاتجاه.‏

وهذه التخوفات التي أبداها فراتيني، تدفع الاتحاد الأوروبي للعمل لإيجاد صيغ جديدة للتنسيق بين قواتنا المسلحة والقيام بعمليات مشتركة، وعدم الاكتفاء بما هو قائم اليوم من أعمال متفرقة لكل جيش أوروبي ولو كان لدينا قيادة موحدة فالوضع الراهن لايلزم أي جيش أوروبي بالعمل المشترك، بينما المطلوب النشاط المشترك وبالتنسيق الكامل في أي عمل تجد أوروبا نفسها مضطرة للقيام به عسكرياً وبغض النظر عن رأي الحليف الأميركي، الذي يبحث عن حلفاء آخرين وفي مناطق بعيدة عن أوروبا، وعلى سبيل المثال ساق فراتيني مثال أفغانستان حيث تشارك في العمليات العسكرية هناك العديد من قوات الدول الأوروبية ولكن مايجب التوصل إليه هو أن تصبح قوتنا موحدة إن كان في مجال القوة الجوية أو البرية، وهذا ما يسمح لأوروبا أن تتحكم بكل مايتعلق بأمنها القومي وتصبح هي القوة المفتاحية بكل مايخص المصالح الأوروبية.‏

وحسب رأي الوزير الإيطالي، إن مثل هذه القوة العسكرية الموحدة لأوروبا قلصت النفقات العسكرية لدى الاتحاد الأوروبي وفي الواقع إذا ما استند هذا الرأي على ضرورة تقليص النفقات على التسلح والعمليات العسكرية، فإن هذه الفكرة عميقة وجدية بما فيه الكفاية، لأن الكثير من النفقات العسكرية لاتعود ريعيتها في نهاية المطاف لمصلحة أوروبا بل لمصلحة أميركا تحديداً إن كان في أفغانستان أو العراق أو غيرهما من المناطق التي تتدخل فيها القوات الأميركية بمساندة قوات أوروبية تابعة لعدد من دول أوروبا.‏

ومن الواضح اليوم أن الولايات المتحدة هي المهيمنة على حلف الناتو وهي التي تقرر توجهاته وعملياته العسكرية في أي بقعة من العالم دون أن يكون للدول الأوروبية كحليف لأميركا أي رأي في ذلك وهذا ما يقلل من قيمة ورأي أوروبا في الأحداث العالمية.‏

ويكفي القول إن قيادة حلف الناتو وضباطه الرئيسيين هم من الأميركيين، لدرجة أنه عندما نتحدث عن حلف الناتو وكأننا نتحدث عن القوات الأميركية وحسب.‏

وفي حال تأسيس جيش أوروبي موحد، فإن التفرد الأميركي بقيادة الحلف سيكون أكثر صعوبة بكثير، وسيكون لأوروبا كلمة مسموعة ومؤثرة كحليف حقيقي في الناتو، وبالتالي ستضمن مصالحها الاستراتيجية في العالم، حتى الآن لايمكن التعويل على الانتقال إلى هذا المستوى من التأثير في حلف الناتو، إلا إذا وحدت الدول الرئيسة في أوروبا - فرنسا - ألمانيا - إيطاليا، قواتها المسلحة، والمعضلة إنه حتى الآن لايوجد اتفاق تام بهذا الشأن بين هذه الدول، بينما جميع الأعضاء الجدد في الناتو هم حلفاء للولايات المتحدة وليس حلفاء لأوروبا العجوز.‏

============================

في لبنان انتهى الأمر لسوريا... وايران

سركيس نعوم

sarkis.naoum@annahar.com.lb

النهار

16-12-2009

 - 5 -

بدأ مسؤول اميركي سابق ورفيع – كانت له ادوار مهمة ولا يزال يتعاطى وإن على نحو غير رسمي الشأن العام بالتعاون مع المسؤولين الكبار في بلاده - حديثه معي عن الاردن، قال: "هناك تغيير قريب للحكومة في الاردن (وقد حصل ذلك). وهناك 280 ضابطاً سُرِّحوا من الجيش الاردني قبل مدة على الارجح بسبب توافر شكوك في ولائهم للسلطة والعرش الهاشمي". تحدثنا معاً في السابق اكثر من مرة عن خيار الاردن دولة بديلة من فلسطين واعتبرتَ حصوله الاكثر ترجيحاً من بين الخيارات الاخرى. قلت. سأل: "ما هو؟"، اجبت: حلّ السلطة الوطنية الفلسطينية نتيجة الخيبة الفلسطينية من ادارة اوباما والتخلي عن حل الدولتين واعتبار الفلسطينيين أنفسهم رعايا في اراض تحتلها اسرائيل. ولا بد من ان يؤدي ذلك مع الوقت الى توسيع دولة اسرائيل والى نشوء دولة واحدة تضم الاسرائيليين والفلسطينيين، ولا بد تالياً من ان يشكل هذا الامر خطراً على اسرائيل بسبب توقع النمو الديموغرافي الكبير للشعب الفلسطيني بخلاف الشعب الاسرائيلي. علّق: "الاردن هو الدولة الفلسطينية. ليس هناك حل آخر". هل سيأخذ ذلك وقتاً طويلاً؟ سألت. اجاب: "ليس وقتاً طويلاً جداً (Not too long). جورج ميتشل موفد الرئيس الى الشرق الاوسط وجماعته لن ينجحوا في مهمة اقامة السلام بين اسرائيل والفلسطينيين او التمهيد الجدي والنهائي له. وقد يعود واعضاء فريقه ادراجهم من دون اي نتيجة". ماذا عن سوريا واسرائيل؟ سألت. رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بدأ يتحدث عن احتمالات حوار معها. اجاب: "نتنياهو يحكي عن سوريا والجولان وعن المفاوضات معها عندما يكون محشوراً. اتى ايهود باراك وزير الدفاع الى اميركا أخيراً. قابلته. قال لي إن نتنياهو تغيّر. لم اقتنع لأنني اعتقد ان تغيّره سيكون الى الاسوأ اذا تغيّر. هل ترى حلاً للمشكلة الفلسطينية؟" سأل. اجبت: كلا. ليس في حياتنا على الاقل. علّق: "هذا رأيي ايضاً. اعود الى الموضوع السوري لأقول إن الجولان ليس مهماً لاسرائيل من الناحية السياسية. فحدودها مع سوريا آمنة. والاتفاقات الموقعة بينها وبين سوريا (فك الاشتباك) والتفاهمات الشفهية المباشرة او غير المباشرة مطبقة حرفياً. ولا تمتلك سوريا اي امكان لشن حرب استنزاف على اسرائيل. فضلاً عن ان اعادة اسرائيل الجولان الى سوريا الآن يقتضي اصطفافاً جديداً لسوريا يؤدي في المحصلة الى فصلها عن الجمهورية الاسلامية الايرانية. ونحن نعرف وانت تعرف ان السعودية تعمل لتحقيق هذا الفصل. وقد اكد لي ذلك احد كبار الامراء المسؤولين في المملكة. نجح امير قطر حمد بن خليفة في جمع الرئيس السوري بشار الاسد مع الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز على عشاء عنده. مشي الحال وتطبعت العلاقة بين الزعيمين العربيين، لكن الحكي، اي الحوار بينهما على العشاء كان عاماً". ماذا عن سوريا وايران ومحاولات الفصل بينهما؟ هل تدرك اميركا ان سوريا لا تستطيع "ترك" ايران حتى لو ارادت ذلك؟ سألت. اجاب بسؤال: "لماذا؟"، عددت العوامل وابرزها القوة السياسية والمعنوية التي وفرتها ايران لسوريا وخصوصاً بعد شعورها بالاستهداف نظاماً واستراتيجية في السنوات الماضية وامدادات النفط المدعوم وامدادات السلاح والمساعدات الاقتصادية والمالية والاستثمارات الضخمة وتدريب وحدات عسكرية مهمة. علّق: "ايضاً لا يستطيع احد ان يقدّم لسوريا العرض الذي لا تستطيع رفضه او بالأحرى لا يرغب احد في ذلك. لا في اميركا ولا في اسرائيل. في اميركا واداراتها أناس بل اختصاصيون جيدون يفهمون تاريخ المنطقة وكل ما يجري فيها. لكنهم بمعظمهم يكتفون بذلك ولا يبحثون خلف الزوايا كما نقول (Behind the corner) وعليهم ان يستمعوا اكثر الى الخبراء في المنطقة الذين هم من ابنائها". قلت: في اعتقادي ووفق خبرتي وتجربتي لا تقبل سوريا شريكاً لها في لبنان وإن حليفاً استراتيجياً مثل ايران. كيف سينعكس ذلك على لبنان حيث صارت ايران شريكاً لسوريا بل الشريك الاكبر؟ سألت. وجهت هذا السؤال الى كثيرين في عاصمتكم ولم الق جوابا. اجاب: "لبنان خلاص. انتهى الامر لسوريا فيه بحكم الامر الواقع (Defacto). وهي تفعل فيه ما تريد. ومعها ايران طبعا. "المحكمة" ماتت. فريق 8 آذار صار في موقع افضل داخل السلطة علماً انه قوي خارجها. والشيعة صار وضعهم قوياً. المسيحيون صاروا واجهة (Façade). ليس لاميركا اهتمام بلبنان. انتهى هذا الامر. هي تعرف ذلك. وسوريا تعرف ذلك. ماذا عن حكومتكم الحديثة الولادة؟" سأل. اجبت: وجود حكومة لبنانية افضل من بقاء لبنان بلا حكومة رغم التعقيدات المعروفة والانقسامات السائدة داخله ورغم الالغام الموجودة داخلها. لبنان في مرحلة هدنة الآن اقليميا وداخلياً. هذا يعني ان المشكلات والازمات وخصوصاً المفتوحة على العنف قد تكون مستبعدة حالياً الا اذا حصلت تطورات سلبية مفاجئة. وربما يعني ذلك امكان بدء حوار وإن خجول وغير منتج في الوقت الراهن. وهذه الهدنة تنتهي اذا ساء الوضع الاقليمي وعادت المواجهة الحادة بين الجهات الاقليمية والدولية المتناحرة باعتبار ان لبنان احدى ابرز ساحاتها. وتتعزز اذا لم يسؤ او اذا تحسن". سأل: "ما هي علاقة فرنسا بلبنان؟".

============================

إسرائيل: تعددت الخطط والهدف واحد!

المستقبل - الاربعاء 16 كانون الأول 2009

العدد 3513 - رأي و فكر - صفحة 19

ماجد عزام()

هروب منهجي إلى الأمام، هكذا يمكن توصيف وفهم الخطط الإسرائيلية المتكاثرة، في الفترة الأخيرة، سواء أكانت صغيرة أم كبيرة، الانطباع العام، الناتج عن الغبار الكثيف للتصريحات الإسرائيلية خادع ووهمى، لا تهدف الخطط، إلى إعادة إحياء عملية التسوية، أو الوصول إلى السلام بأي حال من الأحوال، بل تسعى أساساً، إلى كسب الوقت لفرض الأمر الواقع، من خلال الخطوات الأحادية الجانب على الارض، ومن ثم اجبار الفلسطينيين، على القبول والخضوع لها، عبر التفاوض او ما يبدو انه كذلك.

لنبدأ مثلا بالخطة الصغرى، التى اعلنها نتنياهو منذ ايام، وكانت معاريف اشارت اليها الخميس 19/11/2009 وتتضمن تقليص مؤقت للاستيطان، لمدة عشر شهور، لا يشمل القدس التي ليست مستوطنة بل عاصمة إسرائيل أبدية - ولا يشمل ايضا الوحدات الاستيطانية قيد الإنشاء 3000 وحدة استيطانية على الأقل، كذلك المباني العامة والمؤسسات، علماً أن الرقم مرشح للتزايد، في ظل حالة التسارع غير المسبوق، للبناء في المستوطنات خلال الفترة الأخيرة، للافلات من التقليص المؤقت المزعوم، هذا الأمر يتيح كما قال السيد صائب عريقات، زيادة الاستيطان بنسبة 28% فى الحد الادنى، لأن معظم العمل الاستيطانى انما يتم في القدس ومحيطها - القدس الكبرى والموسعة - التى تريد اسرائيل من العالم ان يتعرف بها كعاصمة ابدية لها.

عوضاً عن الأهداف السياسية والإعلامية، عبر ذر الرماد في العيون، ونفى تهمة ومسوؤلية تعثر التسوية عن الجانب الإسرائيلي، وبالمقابل إظهار الجانب الفلسطيني، بمظهر المتطرف الرافض للتفاوض، وبالتالى تخفيف الضغط الدولي عن كاهل الدولة العبرية، تهدف الخطة أساساً إلى إكمال، أو إنهاء الأهداف الإستراتيجية للشروع بالاستيطان، تهويد القدس وقضم نصف الضفة الغربية تقريباً - عبر تسمين ما يوصف بالكتل الاستيطانية الكبرى الثلاث -ارئيل ومعاليه ادوميم وغوش عتصيون - والتي تتركز أعمال البناء فيها إلى جانب القدس طبعا، أي فرض أمر واقع أحادي على الأرض، ثم الطلب من الفلسطينيين القبول بذلك، عبر الحوار او التفاوض الامر الذى عبر عنه جيدا الرئيس محمود عباس فى الارجنتين منذ ايام عندما قال "مفهوم الحكومة الاسرائيلية الحالية للتفاوض هو انها تستطيع ان تفعل ما تشاء على الارض واننا يمكننا الحديث بما نشاء على طاولة التفاوض وهذا ما لا يمكننا القبول به".

الخطة الصغرى هي مجرد مقدمة او تمهيد وتوطئة للخطة الكبرى، وربما الحصول على إقرار فلسطيني بمفاعيلها وتداعياتها على الأرض، وتتضمن دولة فلسطينية بحدود مؤقتة على نصف أراضي الضفة الغربية تقريبا، بدون القدس والكتل الاستيطانية الكبرى التى يستمر البناء فيها وفق الخطة الصغرى، وتأجيل القضايا الشائكة، مثل الحدود والقدس واللاجئين لسنة ونصف الى سنتين بحد أقصى، مع حصول الطرفين على سلة ضمانات متساوية من الراعي الأميركي، واحدة للفلسطينيين تشمل الحصول على مساحة أراضي مساوية - ليس من طبيعة الأرض نفسها بالضرورة - لتلك التي احتلت عام 1967، مع عدم تحوّل الحدود المؤقتة إلى دائمة، واخرى لإسرائيل بالإقرار بطابعها اليهودي وان لا يشكل الكيان الفلسطيني المنزوع السلاح اى خطر على امنها.

ملغومة هى الخطط ومفخخة بكبيرها وصغيرها، وتسعى فى الجوهر الى إفراغ التفاوض من محتواه، لان الإقرار بالطابع اليهودي للدولة العبرية، يعنى إسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين، واستمرار البناء الاستيطانى في القدس ومحيطها، لا يترك فى الحقيقة أي مجال لتحويلها إلى عاصمة للدولة الفلسطينية الموعودة، ناهيك عن شطر هذه الاخيرة الى كانتونات معزولة عن بعضها البعض بالجدار الفاصل والمستوطنات وطرقها الالتفافية.

خطط للعلاقات العامة، والاستهلاك السياسي والإعلامي، وفك العزلة عن إسرائيل وتخفيف الضغوط عنها، وفى الوقت نفسه ارتداء قناع السلام الزائف، والرد عليها فلسطينياً لا بد أن يتمحور حول التشبث بالحد الأدنى على الاقل، عدم التفاوض إلا بعد التجميد التام للاستيطان، وتحديد مرجعيات التفاوض والسقف الزمني، وتحديد بداية ونهاية الطريق التفاوضى وليس النهاية فقط، والأهم الإقتناع بانسداد أفق التسوية ككل، واستغلال هذا المعطى، اضافة الى التهدئة غير المعلنة فى غزة ومحيطها، لاعطاء الاولوية للوحدة الوطنية عبر انهاء الانقسام، وترتيب البيت الفلسطينى، والانكباب على ورشة عمل داخلية، تشمل ملفات عدة، مثل إعادة الأعمار ورفع الحصار، وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وإعادة بناء منظمة التحرير وفق اسس ديموقراطية شفافة ونزيهة، لكى تأخذ على عاتقها إدارة الصراع مع إسرائيل، وفق آليات ووسائل جديدة تماماً، تأخذ في الاعتبار الواقع المستجد ليس في فلسطين وإنما في العالم أيضاً حيث بالامكان تجريم اسرائيل ليس قانونيا فقط وانما سياسيا واعلاميا واقتصاديا ايضاً.

() مدير مركز شرق المتوسط للاعلام.

============================

الاستفتاءات الاسرائيلية .. هروب. مماطلة.. تهويد وتأبيد للاحتلال!

نواف الزرو

الدستور

16-12-2009

يمكن لنا ان نكثف مصادقة الكنيست الاسرائيلي الاربعاء الماضي على مشروع قانون الاستفتاء حول الجولان ومعها القدس وغيرها من الاراضي المحتلة بعبارة واحدة: انها تشريعات بغطاء حربي ، بل انها بمثابة اعلان حرب مفتوحة على العرب...،.

 

اذ بمصادقة الكنيست وبغالبية كبيرة على القانون الذي يربط اعادة اي مناطق محتلة خاضعة ل"السيادة" الاسرائيلية باستفتاء شعبي عام ، تكون حكومة نتنياهو اتخذت خطوة جديدة على طريق ليس فقط اغلاق الآفاق السياسية للتسوية مع سوريا والفلسطينيين تماما ، وانما تكون قد خطت خطوة حقيقية خطيرة على طريق حرب اخرى في المنطقة ، في الوقت الذي تكون فيه قد انتهكت القرارات والمواثيق الدولية التي تعتبر هذه المناطق محتلة ، ولا يجوز للاحتلال فرض سيادته عليها...،.

 

فاذ يرهن هذا القانون الذي ايده نتنياهو وحكومته اليمينية المتشددة اي انسحاب من الاراضي العربية التي احتلتها اسرائيل في حرب حزيران 1967 ، وخصوصاً القدس والجولان ، بموافقة الرأي العام الاسرائيلي عبر استفتاء شعبي ، فان النوايا تغدو واضحة ، فتلك الحكومة لا تنوي ولا تخطط ابدا لاي مفاوضات حقيقية قد يتمخض عنها تسوية تلزم تلك الدولة بالانسحاب.

 

وفي اطار التشريعات الاسرائيلية المزيفة المتعلقة بالاراضي المحتلة ، كان الكنيست الإسرائيلي اقر بتاريخ 14 12 1981 قانون تطبيق القانون الإسرائيلي على الجولان ، وسمي القانون آنذاك ب"قانون الجولان" الذي رفضته الأمم المتحدة واعتبرته قانوناً غير شرعي وأصدرت القرار رقم 497 بتاريخ 17 12 1981 الذي يدين تطبيق القوانين الإسرائيلية على الجولان المحتل ويعتبر القرار الإسرائيلي لاغيا.

 

وكانت سبقت اقرار ذلك القانون مجموعة احداث اشرت الى ذلك التصعيد الاسرائيلي منها: - ففي 16 1 1980 ، 750 ألف إسرائيلي طالبوا بتطبيق السيادة الإسرائيلية على الجولان من خلال عريضة تم تسليمها إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي الاسبق" مناحيم بيغن" ، ومن بين الموقعين 71 من أعضاء الكنيست في المعارضة والائتلاف اليميني الحاكم بزعامة حزب الليكود.

 

- وفي 2 8 1980 طالب وزير الزراعة الإسرائيلي آنذاك" ارييل شارون" بضم الجولان إلى دولة إسرائيل.

 

- في 4 2 1980 - عمل خمسة عشر عضوا من أعضاء الكنيست الإسرائيلي من اجل صياغة قانون جديد ينص على تطبيق القانون الإسرائيلي على الجولان.

 

- وفي 18 8 1980 قام ثلاثون عضوا في الكنيست الإسرائيلي بجولة في الجولان مطالبين بسن قانون ضم الجولان.

 

- وفي 20 8 1980 اعلن نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية سيمحا ارليخ" إن إسرائيل لا تستطيع إعادة الجولان الى سوريا وان تعيين حدود وسط الجولان سيكون اصطناعيا" .

 

- وفي 8 5 1981 اقسم مناحيم بيغن أمام 30 الف مستوطن في مستوطنة ارييل في الضفة الغربية انه طالما بقى يمارس مهامه فانه" لن يتنازل عن أي قسم في الجولان" وقال: "أنا ابن زئيف وهاسيا اقسم أنني لن أتنازل عن جزء من الجولان طالما بقيت في منصبي".

 

- وفي 14 12 1981 اقر الكنيست الإسرائيلي مشروع قانون ضم الجولان في ثلاثة قراءات متتالية.

 

الى ذلك.. وفي مسالة الاستفتاءات الباطلة ، كان الجنرال باراك قد تعهد بدوره في خطابه السياسي وخطوطه الحمراء وخطوطه العريضة للحكومة الائتلافية التي شكلها في عهده عام 1998 ، بالعودة إلى "الاستفتاء الشعبي الإسرائيلي" لدى التوصل إلى اي تسوية سياسية مع الفلسطينيين او مع السوريين ، وقد واصل بذلك طريق استاذه رابين الذي كان اول من فجر في منتصف كانون الثاني 1994 قنبلة "الاستفتاء الشعبي" ففاجأ الجميع آنذاك ، إذ أعلن "أنه سيلجأ إلى الاستفتاء الشعبي إذا ما كان الثمن الذي سيطلب منه في الجولان كبيراً".

 

وكان اسحق رابين يعلن"كلما دق الكوز بالجرة"ولأسباب أمنية أو انتخابية أو تكتيكية تفاوضية بأنه سيعرض أي صفقة حل يتم التوصل إليها مع سوريا حول مصير الجولان لاستفتاء الرأي العام الإسرائيلي .

 

ولم يتأخر عنه بيريز ، بل تفوق عليه لاحقاً في بيانه الانتخابي عام 1996 وعمم مسألة الاستفتاء الشعبي لتشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة ومستقبلها .

 

وفقا لقراءة الخريطة السياسية والايديولوجية الاسرائيلية تجاه القدس والجولان والاراضي المحتلة ، فان نتائج اي استفتاء اسرائيلي حول مصير هذه المناطق مقروءة سلفا.

 

على اية حال ، لم يكن هذا القانون ليمر لولا ذلك الاجماع السياسي الاسرائيلي الى حد كبير على التمسك بالسيادة والسيطرة الاسرائيلية على الجولان وغيرها ، حتى لو كان الثمن المزيد من الحروب وتأبيد الصراع.

 

فمن بن غوريون وشاريت ، الى مناحيم بيغن ، ثم الى غولدا مئير فرابين فبيريز ، وصولا الى شامير وشارون ، ثم الى نتنياهو وباراك ، كلهم يعتبرون الجولان جزءا من "ارض اسرائيل" وثروة استراتيجية لهم ، ويعتبرون القدس مدينة الآباء والاجداد وعاصمة اسرائيل الموحدة الى الابد...،. وبهذا التواصل والاجماع ما بين رؤساء الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة يغدو واضحا أن اللجوء الإسرائيلي إلى قصة"الاستفتاء الشعبي"هو تعبير عن حقيقة استراتيجيتهم تجاه الجولان والقدس ، وهو لعبة للهروب من الاستحقاق الرسمي الذي يجب على الحكومة الإسرائيلية أن تدفعه ، وهو محاولة في الوقت ذاته للمماطلة والتأجيل والتعطيل ، خاصة إذا ما علمنا بأن صقور"إسرائيل"من الليكود واليمين المتطرف وأصحاب نظرية"أرض إسرائيل"كلهم طالبوا سابقاً ويطالبون اليوم كذلك بالعودة إلى "الاستفتاء الشعبي الإسرائيلي" قبل التوقيع على أي اتفاقية على أي مسار كان.

في القرارات والمواثيق الاممية يعتبر مثل هذا الاستفتاء من قبل دولة محتلة على اراض محتلة باطلا من الاساس ، وهو يعطى لمن ليس له أي حق في التصويت على مصير هذه الاراضي المحتلة التي تعود هنا للعرب ، وليس من حق الحكومة الإسرائيلية او الرأي العام الإسرائيلي التصويت عليها فيما إذا كانت من حق العرب أم لا ، وفيما اذا كان على الاحتلال ان يرحل عنها ام لا...؟،.

ما يثير السؤال الاستراتيجي المزمن دائما على الاجندات الفلسطينية والعربية: كيف لهم ان ينسحبوا من اي منطقة محتلة طالما لا تتوافر عناصر الضغط والاجبار ...؟!.

============================

ليفني وابتزاز بريطانيا

عبد الباري عطوان

16/12/2009

القدس العربي

من سخريات هذا الزمن الرديء ان تهدد اسرائيل بريطانيا بعدم إشراكها في 'عملية السلام' اذا لم تتخذ اجراءات لمنع ملاحقة مسؤولين اسرائيليين امام محاكمها، بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين والعرب عموما في الاراضي المحتلة ولبنان، وكأن عملية السلام تسير على قدم وساق، وكأن بريطانيا ستصبح جمهورية موز اذا نفذت اسرائيل تهديداتها.

فاسرائيل التي تدين بوجودها واستمرارها الى التواطؤ البريطاني باتت تتطاول على اليد التي اطعمتها وانشأتها، وتفرض عليها ما يجب، او ما لا يجب ان تفعله، وتتدخل بصلافة في نظامها القضائي واحكامه، وهي الخاسر الأكبر من حملة الابتزاز التي تشنها حاليا ضد بريطانيا، فوجود الاخيرة طرفا في عملية السلام كان دائما لمصلحة اسرائيل وضد العرب. كما أنها المستفيد الاكبر اقتصاديا من العلاقة معها، لانها تعتبر واحدة من أكبر أسواق بضائعها.

تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الاسرائيلية السابقة وزعيمة حزب كاديما ارتكبت جرائم حرب ضد الانسانية في قطاع غزة، واذنت لجيشها باستخدام قنابل الفوسفور الابيض، وافتى حاخام الجيش الاسرائيلي بقتل العرب دون اي رحمة او شفقة.

ادانة ليفني وجميع جنرالاتها وكل مسؤول اسرائيلي شارك في العدوان على قطاع غزة، جاءت في تقرير ريتشارد غولدستون القاضي اليهودي الجنوب افريقي، الذي كان في اعتقادنا رحيما بالدولة العبرية ومجرميها، وكان يجب ان يكون اكثر شدة في اتهاماته لهم بارتكاب جرائم حرب، فقد شاهد العالم بأسره الاجرام الاسرائيلي في ابشع صوره بالصوت والصورة عبر شاشات التلفزة العالمية.

القوانين البريطانية التي استند اليها القاضي البريطاني اثناء اصداره مذكرة اعتقال في حق ليفني اصدرها اليهود انفسهم، وفرضوها على جميع الدول الاوروبية بعد الحرب العالمية لحماية بني جلدتهم، ولملاحقة مجرمي الحرب النازيين الذين شاركوا في المحرقة (الهولوكوست) والانتقام منهم.

لم يخطر في بال هؤلاء وقادة الدولة الاسرائيلية انهم سيشربون من الكأس نفسه، ويواجهون العدالة نفسها، وبالتهم نفسها، وفي الدول نفسها، لانهم ارتكبوا جرائم وحشية، ترتقي الى مستوى جرائم النازية في حق اناس ابرياء عزل، سرقوا ارضهم وشردوهم في المنافي ومخيمات اللجوء، ثم لاحقوهم بقنابل الفوسفور الابيض، بعد ان فرضوا عليهم حصارا تجويعيا بموافقة 'العالم المتحضر' ومساندته.

' ' '

الخارجية الاسرائيلية، التي تمثل الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، حسب تصنيفات الحكومة البريطانية ونظيراتها الاوروبية، استدعت السفير البريطاني في تل ابيب للاحتجاج على اجراء قانوني صرف، واصدرت بيانا قالت فيه انها ترفض الاجراءات القضائية 'المغرضة' التي اتخذتها محكمة بريطانية ضد تسيبي ليفني بمبادرة من عناصر 'متطرفة'.

سبحان الله.. هذه الخارجية التي تمثل دولة خارجة على القانون، لا يزيد عمرها عن ستين عاما، تشكك بقانون بريطاني تمتد جذوره الى اكثر من ستمئة عام على الاقل، وترفض الالتزام بأحكامه، وهي التي استفادت منه ومن اجراءاته حتى قبل قيامها.

والاكثر من ذلك ان متحدثا باسم الخارجية الاسرائيلية استغرب هذه الاجراءات القانونية البريطانية، لان الدولتين، اي بريطانيا واسرائيل، تخوضان حربا مشتركة ضد الارهاب، ولا نعرف ارهابا اكثر شراسة ودموية من الارهاب الاسرائيلي، وحتى لو كان قول المتحدث الاسرائيلي صحيحا، فهل هذا يعني ان تعطل الحكومة البريطانية جميع دساتيرها وقوانيها واعرافها من اجل سلامة مجرمي الحرب الاسرائيليين؟

الاسرائيليون، مجرمي حرب كانوا او اناسا عاديين، يعتقدون انهم من نسل الآلهة، يتصرفون وكأنهم فوق جميع القوانين الوضعية والسماوية، يقتلون ويدمرون ويستوطنون ويستخدمون الاسلحة المحرمة دوليا، وهم مطمئنون الى الدعم الغربي غير المحدود لهم، وهذا وضع يجب ان يتوقف، لان الكيل قد طفح خطرا وارهابا وتهديا لمصالح الغرب الاقتصادية والامنية، علاوة على كونه موقفا غير اخلاقي.

الجنرالات الاسرائيليون الذين تزدحم صدورهم بالنياشين والأوسمة التي حصلوا عليها بفضل قتل الابرياء والعزل، واستخدام الاطفال والشيوخ كدروع بشرية في مقدمة دباباتهم، باتوا في حال رعب، لا يستطيعون ان يتجولوا في العواصم الاوروبية بحرية وأمن، والفضل في ذلك يعود الى مجموعة من النشطاء العرب والمسلمين الذين قرروا ان يتعاملوا مع الغرب بلغته وقوانينه، وبعيدا عن مساعدة الانظمة العربية الفاسدة والدكتاتورية.

فإذا كان من حق اليهود والاسرائيليين ان يقيموا 'مركز روزنتال' لمطاردة مجرمي الحرب النازيين ويقدموهم الى العدالة، وينفذوا فيهم احكاما بالشنق (ايخمان عام 1961) حتى لو تجاوز بعضهم الثمانين عاما (جون ديمانيوك الذي يحاكم حاليا في المانيا)، فانه من حق العرب والمسلمين، وكل انصار العدالة في العالم ان يطاردوا مجرمي الحرب الاسرائيليين، سياسيين كانوا او جنرالات، وتقديمهم الى العدالة، وتلقي جزاء شرورهم وجرائمهم.

' ' '

نعترف ان مصيبتنا في حكوماتنا، فبينما يستطيع النشطاء المناصرون للعدالة وحقوق الانسان رفع دعاوى ضد ليفني وباراك وموفاز امام محاكم اوروبية، فإنهم لا يستطيعون فعل الشيء نفسه في عواصم عربية، ليس لان معظمها يفتقد الى النظام القضائي المستقل، وتحكم من قبل قوانين الطوارئ، وانما لان هذه الحكومات تخاف من ليفني وشركائها اكثر مما تخاف ضميرها او خالقها او شعوبها.

فبينما يرفض اللاعب المغربي مروان الشماخ مشاركة فريقه في مباراة ضد فريق اسرائيلي في حيفا، ويقول انه انسان مسلم لا يطاوعه ضميره ان يلعب في بلد يقتل جيشها اشقاءه الفلسطينيين، نشاهد ابن وزير خارجية بلاده يدعو تسيبي ليفني للمشاركة في ندوة سياسية في طنجة، ويفرش لها السجاد الاحمر. والاكثر من ذلك ان الدكتور رفيق الحسيني مدير مكتب الرئيس محمود عباس في رام الله، المشارك في الندوة نفسها، يعانقها بحرارة شديدة امام عدسات الصحافيين والمشاركين الآخرين دون خجل او حياء.

اللوبي الاسرائيلي سيحرك كل اسلحته ضد الحكومة البريطانية، من اجل تعديل النظام القضائي، ووقف مطاردة مجرمي الحرب الاسرائيليين واعتقالهم، وهذا التعديل يتطلب موافقة مجلس العموم اولا، ومجلس اللوردات ثانيا، مما يعني اننا امام معركة سياسية قضائية طويلة ومعقدة، تتطلب تحركا مضادا من قبل العرب والمسلمين وكل انصار حقوق الانسان في العالم.

أملنا الكبير في ابناء الجاليات العربية والاسلامية، والخبرات الوطنية والانسانية العريقة في اوساطها، للتصدي لهذا اللوبي الاسرائيلي، مثلما تصدوا له في الجامعات البريطانية، حيث نجحوا في فرض المقاطعة الاكاديمية للجامعات الاسرائيلية، ومثلما نجحوا في فرض مقاطعة أشد على بضائع المستوطنات الاسرائيلية وفي عدم اعفائها من اي تسهيلات ضريبية.

في جميع الاحوال، يمكن القول، وباطمئنان شديد، ان حملات التضليل والخداع الاسرائيلية للرأي العام الغربي لم تعد تحقق النجاحات الآلية، مثلما كان عليه الحال في السابق، ليس بسبب الاجيال الجديدة من المهاجرين من ذوي العقليات المنفتحة والعلمية، وانما ايضا بسبب ادراك الغرب للخطر الذي تشكله اسرائيل على أمنه واستقراره، بفعل جرائمها في حق الانسانية، وجره الى حروب لا يمكن كسبها، علاوة على تكاليفها الباهظة ماديا وبشريا.

========================

قرار أوباما الأحادي

روبرت كاغان

الشرق الاوسط

16-12-2009

خلال أقل من ثلاث سنوات، خالف رئيسان الاعتقاد السائد والرأي العام، وقررا أنهما لا يرغبان خسارة حرب، مما دفعهما إلى اتخاذ قرارات أحادية.

هناك عقيدة جديدة يبدو أنها تحظى بقبول بين مفكري السياسة الخارجية تتبنى خوض الحرب حتى يستعر أوارها ثم الرحيل، ويبدو أن جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي، هو من يقود هذه الطريقة، على الرغم من دعمه حرب العراق عندما كان عضوا في لجنة العلاقات الخارجية، حيث أمضى عددا قليلا من السنوات بعد عام 2003 يطلب من الرئيس بوش إرسال المزيد من القوات. بيد أن بوش عندما تخلص من الاستراتيجيات الكارثية لدونالد رامسفيلد أعلن بايدن أن الموقف ميؤوس منه، وطالب بتقسيم العراق إلى ثلاثة أقسام، ثم مضى بعد ذلك يعارض زيادة عدد القوات التي حارب من أجلها بشجاعة فترة طويلة. وبطبيعة الحال عندما يعارض بايدن زيادة عدد القوات فكل مؤسسة السياسة الخارجية ستقف إلى صفه، ممثلة في لجنة بيكر هاميلتون.

ويبدو لي أن أوباما يستحق المزيد من الثقة على الشجاعة التي أبداها أكثر من بوش لأنه جازف بالكثير والكثير. ففي الوقت الذي قرر فيه بوش دعم زيادة عدد القوات في العراق في بداية عام 2007، كانت فترة ولايته قد انتهت، ولم يحظ القرار بالمصداقية، فقد رفض في السابق إرسال الأعداد المطلوبة من القوات في أعوام 2003 و2004 و2005 أو 2006، وكان على أوباما أن يتخذ هذا القرار في الوقت الذي كانت فيه فترة رئاسته لا تزال في مهدها. لم يكن لدى بوش ما يخسره، أما أوباما فكان من الممكن أن يخسر كل شيء.

إذن ما الذي يفسر قرار الرئيسين اللذين لا يختلفان كثيرا في اتخاذهما قرارا أحاديا؟ أعتقد أن ذلك راجع إلى أنهما، وهما فقط، يجب عليهما تحمل مسؤولية الخسارة. فالكونغرس ذكي في عدم تولي المسؤولية، وقد صوت أعضاؤه على الدوام لصالح الحرب قبل أن ينقلبوا ضدها في فيتنام والعراق وأفغانستان. مؤسسة السياسة الخارجية وجمهور المفكرين تبنوا النهج نفسه، فدعموا التدخل الأميركي في أفغانستان بشكل كامل، ثم دعموا الحرب على العراق بصورة كبيرة، ثم دعموا الحرب في أفغانستان بصورة كاملة، حتى استعرت الحرب أو باتت محرجة ويصعب الدفاع عنها، ثم حاولوا بعد ذلك التنصل مما قاموا به في بداية الأمر وعرضوا تصورات تؤكد كيفية الخسارة التي يمكن أن تقع. وبطريقة أو بأخرى لم يذكروا أبدا المروحيات تقلع من أسطح السفارات الأميركية المعزولة بعد هزيمة الأفغان أو العراقيين أو الفيتناميين الذين اقترفوا خطأ تصديق كلمة الولايات المتحدة أو انهيار سمعة الولايات المتحدة كقوة عالمية جادة.

ومنذ أن اضطر القادة العسكريون للرئيسين إلى تحمل مسؤولية الخسارة، كانوا أقل رغبة من الكونغرس وصناع السياسة في صبغ الخسارة بلون وردي.

لذا حمدا لله على أن المقاومة تتوقف عند حد ما، وأن الأشخاص الذين ننتخبهم للرئاسة مهما كانت زلاتهم لا يرغبون في تولي رئاسة ولايات متحدة مهزومة في معركة. ولا شك في أنهم يمتلكون فهما كبيرا بأنهم في الوقت الذي قد يؤيدون فيه الخسارة في المنتديات السياسية في واشنطن في ونيويورك فإن الرأي العام الأميركي لن يتقبل الأمر بسهولة. ولعل ذلك هو السبب وراء عدم قلقي كبعض أقراني حول تحديد الرئيس أوباما يوليو (تموز) 2011 لبداية الانسحاب الأميركي، وإذا ما نجحنا نحن وحلفاؤنا الأفغان في هذه النقطة فربما يكون التوقيت ذا مغزى. ولن يكون سهلا لأوباما أن يتقبل الهزيمة في 18 شهرا أكثر مما هي عليه الآن. ربما يعمل ذلك الرفض الأميركي العميق في قبول الخسارة بلباقة على اختبار مسارعة مؤسسة السياسة الخارجية على قبول الانسحاب الأميركي. إن صفوف إدارة أوباما تغص بالأفراد الجدد القادمين من الأكاديميات والمؤسسات البحثية والذين يتحدثون عن الحاجة إلى إدارة التراجع الأميركي. بل وحتى إنهم يتباهون بأنهم أكثر حنكة مما كانت عليه إدارة بوش في هذا الشأن. غير أنهم يقولون ذلك خارج الإطار الرسمي، ربما يعلمون أن الكثير من الأميركيين لن يصفقوا لهم بسبب حنكتهم، ودعونا نأمل في أن يكون ذلك الشخص الموجود في المكتب البيضاوي مدركا لذلك أيضا.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص ب«الشرق الأوسط»

=====================

بين الشَرَّيْن!

مرح البقاعي

جريدة أوان الكويتية

تسلّم الرئيس الأميركي باراك أوباما جائزة نوبل للسلام في أوسلو في خضم موجة عارمة من التشكّك! هذا التشكّك حول أحقيّته في نيل هذه الجائزة الدولية للسلام مقارنة بالمناضلين وصنّاع السلام المخضرمين من أمثال نيلسون مانديلا، والأم تيريزا، وشيرين عبادي، والقس ديزمون توتو، لم ينج منه أوباما نفسه، هو الذي لم يمض على رئاسته أكثر من أحد عشر شهرا،  ذيّلها بإعلانه عن إرسال ثلاثين ألف جندي أميركي إضافي إلى أفغانستان لتعزيز القوات الأميركية هناك في حربها على صفوف مقاتلي القاعدة وحلفائهم الطالبانيين، مبررا حربه بقوله" إننا نفقد أنفسنا عندما نعرّض للخطر المُثُلَ العليا ذاتها التي نحارب من أجل الدفاع عنها".

وقد ألقى الرئيس الأميركي في مبنى بلدية أوسلو كلمة مطوّلة ومعمقة لرؤيته السياسية بشقيّها في الحرب وضروارتها، والسلام ومستحقاته، وذلك خلال مراسيم تسلمه جائزة نوبل للسلام التي حضرها كبار صنّاع السلام في العالم. وقد تمحورت كلمة أوباما حول مفهومه للسلام العادل الذي لا يتحقق إلا بدفع أثمان باهظة "في نزاع لم تسعَ إليه أميركا"! واعترف بفداحة وطأة قراره في إرسال خيرة الشباب الأميركي إلى أرض مقبرة الامبراطوريات ليواجهوا مصيرهم هناك بين نزق قاتل و نزف قتيل حين قال: " أنا مسؤول عن نشر آلاف من الأميركيين الشبان في ساحات الوغى في بلاد نائية. . بعضهم سيَقتُلون وبعضهم سيُقتَلون".

وأشار أوباما في كلمته أنّ العالم بحاجة إلى مؤسسات "تمنع اندلاع حرب عالمية ثالثة مع إطلالة العصر النووي"، وأنه، وبالرغم من ترجيحه لخيار الحرب حين تتهدد مصالح البشرية عامة، والأمة الأميركية بخاصة، فإنه يميّز بين حربه "الأخلاقية" وحرب الآخرين الذين تقاتلهم الولايات المتحدة، والذين لا يفرّقون بين مدني أوعسكري، بين أخضر أو يباب، ولا يلتزمون بـ "معايير سلوك الحرب" الذي عاهد نفسه عل الالتزام بها، فحَظَر التعذيب وأغلق سجن غوانتانامو وشدّد على ضرورة التزام الولايات المتحدة باتفاقيات جنيف.

وبموازاة السلام العادل، طرح أوباما مشروع "الحرب العادلة" التي لا بد أن تشنها الدول من أجل حماية النفس البشرية جمعاء . وأفاد أن 42 دولة، بما فيهم النرويج التي يقف على أرضها متلقفا جائزة سلامها، تشترك في هذه الحرب التي ستجنّب المدنية أخطار أعداء المدنية. واستطرد إلى أنه مع تقديره العالي لعقيدة المهاتما غاندي ومارتن لوثر كينغ السلمية إلا أنه يرى أن الحركات اللاعنفية المناهضة للاستبداد لم توقف جحافل هتلر عن تقدمها باتجاه دمار أوروبا الشامل، بل هي الحرب، مستطردا: "فلا يخطئن أحد في أنّ الشرَّ موجودٌ فعلاً في العالم"!

يعيدنا أوباما العتيد اليوم إلى نقطة الصفر حيث "محور شر" الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش الذي قاده إلى شنّ حربه الاستباقية باسم السلام أيضا. وفي حين استبدلت إدارة أوباما المصطحات البوشية اليمينية وعلى رأسها Terrorism (الإرهاب) بمصطلح  Man Caused Disasters(شخص يسبب الكوارث)،  فإن الإدارتين ستشتركان معا في فعل الحرب مهما اختلفت مسمياتها، وكلٌٌّ سيقود حربه بمصطلحاته الخاصة بمنظومته الفكرية. فكلاهما - أي بوش وأوباما - يتوجّسان "شرا" كامنا في العالم، الأول حدد مواقعه في العراق، وكانت له صولاته وجولاته في أرض الرافدين، والثاني يتابع بحثه الحثيث عن مدبّري الكوارث في أوكار العنف والتطرف من مغاور قندهار!

أوباما يرى أنّ "الإرهاب، وإن ظل تكتيكا لزمن طويل، إلا أن التكنولوجيا الحديثة ستتيح لحفنة من الرجال يستبد بهم الغضب أن يقتلوا الأبرياء على نطاق مروّع". وهو يوائم هنا ، ومن جديد، بين حربه العادلة التي أعلنها في أفغانستان، وبين ملاحقة الإرهاب أينما حلّ، غاضّا البصر والبصيرة عن تلك البؤرة الموتورة التي تضمر الكوارث ، والتي ملاليها هم أوّل من سعّر شعارات التطرف الديني الذي تغذيه السياسات الراديكالية في منطقة من العالم  تفور أصلا بالردّات العقائدية ، طائفية كانت، أم عرقية، أم دينية.

خرج رجل الحرب المعزول (بوش) من حربه مودعا بحذاء عراقيّ، بينما دخل رجل السلام المخلِّص (أوباما) سلامه مظللا بأشباح حرب مقاتلوها هم أشباح أيضا! هكذا تختلط الأوراق السياسية بين إدارتين هما على حافتي نقيض، هكذا تسقط ورقة التوت الأخيرة عن عورة السلام المفقوءة، وهكذا يدخل أوباما حربا "أخلاقية" يدافع عنها ملوّحا بوهم السلام المرتقب، ويقول" هناك أوقات تجد الدول ـ منفردة أو مجتمعة ـ أن استخدام القوة ليس ضرورة وحسب،  بل له ما يبرره أخلاقيا".

لم ينسَ أوباما في كلمته أن يحملنا إلى قمة التناقضات على طريقة العبث السينمائي الفيليني حين استشهد بنظرية الرئيس الراحل كيندي في قوله الشهير "السلام لا يكون عمليا أو قابلا للتحقق على أساس ثورة مفاجئة في الطبيعة الإنسانية، وإنما مستندا على التطور التدريجي للمؤسسات الإنسانية"!

آسيةً، أتابع بقسوة العارف مراسيم اختطاف السلام المرتجى على يد صانع السلام المفترض! وبدا جليا اليوم أن ما دمرته الدوغمائية البوشية في حربها لن يجد شفيعَه على يد جابر عثرات كرام البيت الأبيض!

أي لغط وتشويش هذا؟ وأي اغتيال جماعي لأفراخ السكينة في أعشاش الجمجمة المنكّسة؟!

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ