ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 22/12/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


إيران وحدود العراق!

طارق مصاروة

الرأي الاردنية

21-12-2009

هكذا بدأت الحرب العراقية /الإيرانية: اجتياحات حدودية صغيرة، إلقاء قنابل في جامعة المستنصرية!!. لكن دخول جنود إيرانيين إلى حقل ''الفكة'' النفطي، والمرابطة على أحد الآبار، ورفع العلم الإيراني عليه لن يؤدي إلى صدام عسكري لسبب بسيط هو أن العراق غير قادر على الدفاع عن حدوده كما كان عام 1979، كما ان الأميركيين لا يجدون أن من واجبهم الدفاع عنها، لأن الاحتلال انتهى رسميا، ولأن الجيش الأميركي أعلن عن موعد انسحابه من العراق!!.

 

لقد طلبت حكومة المالكي من طهران سحب جنودها من الحقل النفطي العراقي، وكما هو متوقع فإن حكومة طهران تنفي انها دخلت الأراضي العراقية. ومن الممكن ان يبقى الجنود الإيرانيون يتقدمون داخل الحقل النفطي حتى احتلاله بالكامل، وتبقى الحكومة العراقية تطالب إيران بالانسحاب، فيما تنفي طهران دخول أي جندي من جنودها إلى الأراضي العراقية.. وربما قدم العراق شكوى إلى مجلس الأمن لكن ذلك لن يغير الكثير، فهذا التحرش الإيراني هو تحرش سياسي بالولايات المتحدة ليس الهدف منه الصدام العسكري، فطهران معنية بالمعارك السياسية والإعلامية.

 

العراق غير قادر على الصدام. لا السياسي ولا الإعلامي ولا العسكري مع إيران. وهو لا يستطيع استقطاب القوى العربية بالطريقة التي استقطب بها صدام حسين امارات الخليج والسعودية واليمن والأردن. لأن المالكي ليس صداما، ولأن علاقات العراق بالدول العربية علاقات غير واضحة، ولا نظن أحدا منها يغامر بدخول حرب على دولة ليست معنية بالحرب!!.

 

كان من الممكن عدم إعلان بغداد على الاقتحام العسكري الإيراني لحدودها، ورفع العلم الإيراني على بئر نفط.. وإبقاء الأمر بين ''الأصدقاء'' لحل المشكل على السكت. لكن الذي يبدو ان الاقتحام الإيراني للحدود ليس الأول، وأن رفع العلم الإيراني على آبار نفط عراقية لم يحدث لأول مرة،، وكذلك خرج الصوت العالي من وزير الدولة العراقي لشؤون الأمن.. وأعلن عن اجتماع طارئ لمجلس الأمن الوطني الذي يضم وزراء الخارجية والدفاع والداخلية والمالية.. إلى جانب رئيس الوزراء.

 

أسوأ ما في الوضع العراقي هو ضعف جيشه، ووضعه الداخلي القلق غير المتماسك، وعلاقات إقليمية ودولية غير مرتبة. فالمفروض أن تكون إيران مدافعة عن الوضع العراقي، وعن حدود العراق وعن نفط العراق، بدل ان تنضم الى القوى التي تستهدف هدم دولة العراق بعد ان هدمها الأميركيون، وتهز أمنه بالعنف من الداخل!.

==========================

هل تقع الحرب ؟

الرأي الاردنية

21-12-2009

ايتان هابر

في بداية الثمانينيات، قبل نحو ثلاثين سنة، حاول غير قليل من رؤساء الليكود وآخرين ان يمنعوا، بكل ثمن ديمقراطي، تعيين ارئيل شارون وزيرا للدفاع. وكان واضحا للمعارضين بان تشكيلة بيغن كرئيس للوزراء، شارون كوزير للدفاع ورفائيل ايتان كرئيس للاركان هي صيغة فتاكة لحرب ستندلع بمبادرتهم. وهم لم يخطئوا: بعد نحو سنة اندلعت حرب لبنان الاولى، ''سلامة الجليل''، باسمها المغسول، والباقي تاريخ حزين. تكاد تكون ذات الظاهرة تتكرر اليوم: فهل نتنياهو، باراك واشكنازي (رئيس الاركان) يتحمسون مثل شارون ورفول لان يروا الايرانيين الوقحين بان اسرائيل ليست جبانة؟ الجواب شبه المؤكد هو: نعم. نتنياهو دخل مكتب رئيس الوزراء قبل نحو سنة وهو يلفه جو شبه مسيحاني: هو، تشرتشل، سينقذ البشرية من هتلر الجديد للقرن ال 21. كل حليبه ودمه، (تقريبا) كل ساعاته كرسها للنووي الايراني والسبل لمنع انتشاره (بكلمات مغسولة عن امكانية أن تلقي ايران قنبلة ذرية على دولة اسرائيل). نظرة على حكومته ستبين عددا كبيرا من الوزراء الذين ''سيدفعون'' نتنياهو الى عملية عسكرية ضد ايران. بل ان بعضهم تحدثوا علنا عن استعدادهم لرفع اياديهم ''مؤيدين''. الرأي يقول بان ''الثلاثية'' نتنياهو، باراك واشكنازي، العصبة ذات الثقة العالية بالنفس اكثر من المتوسط، بالفعل، ستصدر الامر والطائرات ستنطلق على الدرب.

لمسألة هي ''الثلاثية'' الحالية تشبه ''الثلاثية'' اياها (بيغن، شارون، رفول) الجواب صحيح حتى اليوم قاطع: لا، لا ولا. نتنياهو يعرف بانك تعرف متى وكيف تبدأ حربا، ولكنك لن تعرف ابدا متى وكيف تنتهي. ''النادلان'' اللذان يقدمان وصفة الوجبة الايرانية على الطاولة، باراك واشكنازي يكلفان نفسيهما عناء اطلاع من ينبغي له أن يعرف ما الذي تنطوي عليه مثل هذه العملية، اذا كان على الاطلاق ممكنا اخراجها الى حيز التنفيذ.

موشيه فيرد، زميل باحث في معهد بيغن - السادات في جامعة بار ايلان، نشر مؤخرا بحثا عن الحرب ضد ايران، مدتها وآثارها. بحثه يستند كثيرا الى الحرب التي سبق أن كانت - حرب ايران - العراق. ويرسم البحث صورة اسود من السواد، مثيرة للاكتئاب ويمكن القول وان لم يكن هذا مكتوبا فيها يكاد يكون من المتعذر ان يرد الجيش الاسرائيلي على ايران الصاع صاعين دون أن يبقي جيلنا حرب شبه خالدة لابنائنا واحفادنا. ويشير الكاتب الى ثماني سنوات الحرب الايرانية - العراقية، نصف مليون قتيل ومليون جريح ''فراتا'' بالنسبة للمتزمتين الشيعة. اليوم ايضا معظم الجمهور في اسرائيل يرون امكانية أن تندلع حرب بين ايران وبيننا كأمر خيالي. هم هناك ونحن هنا، بعيدون عنهم مئات عديدة من الكيلومترات. كيف؟ من؟ ماذا؟ اين؟ فيرد، في بحثه يقصر المسافات: وهو يشير الى ما نعرفه منذ الان جميعنا - الصواريخ الايرانية التي تجتاز مسافات واسعة بدقائق ويذكر لمن سبق أن نسي، بمبعوثي طهران على الارض: حزب الله في لبنان، حماس في غزة والسوريين في سوريا. وهنا نحن نصل الى الامر الاساس: الى مسألة كيف ستنتهي مثل هذه الحرب بين ايران واسرائيل، اذا ما اندلعت لا سمح الله.

في الماضي، في حربي لبنان الاولى والثانية، عانينا من مرض النهاية. في هذه الاثناء، ليس لاحد في اسرائيل جواب معقول على هذه المسألة الحرجة.

يوجد فقط تخمينات. وطالما يدور الحديث عن تخمينات فان الرأي يقول ان نتنياهو، باراك واشكنازي لن يرغبوا في تكرار الاخطاء المأساوية لاسلافهم. اثنان من ''الثلاثية''، باراك واشكنازي، عسكريان بوضوح، يقيسان كل شيء بميزان الجيش الاسرائيلي. تجربتهما الهائلة تقول لهما ان يفكرا 77 مرة، ان يزنا، ان يترددا جدا، قبل أن يخرجان الى حرب جوج وماجوج.

الثالث، نتنياهو، تعلم على جلدته ماذا حصل حين لا يتم التفكير ''حتى النهاية'' في اقرار حملة. يكاد يكون في كل ليلة يقفز له على شاشة التلفزيون احمد مشعل، اياه الذي حاول اغتياله ويذكره باقوال الحكماء: نهاية الفعل تأتي بالتفكير المسبق.

يديعوت

==========================

حزم ايران وعناد الغرب!

محمد صادق الحسيني

21/12/2009

القدس العربي

فيما ترسل طهران رئيس ديبلوماسيتها الى لبنان منوشهر متكي، لتهنئة رئيس حكومة الوفاق الوطني سعد رفيق الحريري، وتاليا تعزيز الروابط الثنائية بين ايران ولبنان القوي بعقيدة جيشه الوطنية الخالصة ومقاومة شعبه المسلحة، وبعد دعوة حازمة جازمة من الرئيس محمود احمدي نجاد للرئيس الامريكي لحصر نفوذ بلاده بحدودها الجغرافية كما اعلن انطلاقا من كوبنهاغن.

تطلق طهران في الوقت نفسه، من قاع ارضها العميقة الى عالم القوى الاستكبارية بالمقابل 'سجيل 2' المتطور ليفشل ما كانوا يعدون له من مخطط ضرب ايران من الثالثة فجرا حتى الثالثة عصرا كما روجت بعض تقاريرهم واقعا او ترهيبا، مخيبة بذلك ظنهم ان تكون ايران 'عراقا ثانيا' مع بعض التعديل!

لا تلتقطه شبكة راداراتهم لان قدرة تشويشه عليها اقوى، ولا تتمكن شبكة درعهم الصاروخية من رصده لانه اسرع من مبادرتهم، ويصيب دقيقا وبثقل كاف ليذكرهم بجرائمهم في الضاحية الجنوبية!

ثم انه قادر على الوصول الى نحو 70 قاعدة امريكية منتشرة في الاقليم، ستكون في مرماه اذا ما حصل اي عدوان على ايران، وبذلك تكون طهران قد احبطت ما كان يمكن ان يكون مفاجأة موسم الربيع المقبل!

هذا ما يقوله المختصون هنا في طهران حول تجربة صاروخ 'سجيل 2' المتطور، واعتباره واحدة من المفاجآت العديدة التي تحتفظ طهران باسرارها لضرورات استراتيجية الدفاع الوطني، تماما كما هو الحال مع حكاية منشأة 'فردو' القريبة من مدينة قم المقدسة والتي لم يعلن عنها الا عشية اجتماعات مجموعة العشرين ,حيث كان كل من ساركوزي واوباما يحضران مفاجأة الاعلان عنها باعتبارها منشأة سرية عسكرية اثبت تفتيش الوكالة الدولية بانها مدينة قيد الانشاء، لكنها في بطن الجبال بالطبع، وبالتالي فهي محصنة تجاه اي قصف او هجوم تقليدي!

يتحدثون عن 'العناد' الايراني ولا يملكون دليلا واحدا على ان ايران تريد ما فوق حقها او حصتها!

فايران من حقها وحسب معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية الموقعة عليها مبكرا، ان تخصب من اجل انتاج الوقود النووي بما يفعل ويشغل منشآتها النووية للاغراض السلمية وفي طليعتها الاغراض الطبية والزراعية في مفاعل طهران، والكهرباء من مفاعل بوشهر الشهير!

واذا كنتم غير مطمئنين بل ومشككين في نواياها هكذا ومن دون ادلة وفقط لانها دولة عالمثالثية تغرد خارج السرب او 'غير ديمقراطية على الطراز الذي نهضمه كما هي حال البرازيل او جنوب افريقيا مثلا، لذلك فانه غير مسموح لها ما هو مسموح للآخرين' كما كان يقول كولن باول!

فها هي قد تطوعت وعرضت عليكم تبادلا ليورانيوم مخصب بدرجة منخفضة مقابل يورانيوم مخصب بدرجة اعلى من اجل حالة واحدة محددة هي مفاعل طهران كمبادرة حسن نية ومن اجل تجسير الثقة، لكنها ولانها لا تثق بكم ولا بتعهداتكم وبادلة دامغة يشهد عليها حتى موظفي عهد الشاه البائد كما ظهر على لسان رئيس منظمة الطاقة الايرانية السيد اكبر اعتماد في مقابلة ال'بي بي سي' فقد عرضت عليكم آلية تبادل معقولة وضمانات متعارف عليها في كل العقود التجارية والاقتصادية، فإذا بكم تخبئون تحايلا وخديعة لسحب احتياطيها من المخزون الاستراتيجي القادرة لوحدها ان ترفع تخصيبه على اراضيها وستفعل ذلك وبأيد ايرانية لتكون مفاجأتها الجديدة لكم، على غرار المفاجآت السابقة!

انها 'الحرب' الاستخبارية اذن، والحرب خدعة كما تعلمون، فلماذا كل هذه الضجة وهذا الصراخ والعويل والضجيج الذي لا يتوقف حول نوايا ايران وعنادها وتعنتها وعدم امتثالها لقرارات الشرعية الدولية!

حتى في موضوع المنظومة الصاروخية، فان كافة المواثيق والاعراف الدولية تعطي الحق لايران للدفاع عن منشآتها الحيوية التي تتعرض لخطر التهديد الداهم من قبل دولة اسرائيل علنا، بكل ما تملك من وسائل الدفاع، والتي من بينها حماية هذه المنشآت سواء في انشاء المزيد منها في بطون الجبال او الدفاع عنها بشبكة درع صاروخية، او ان شبكات الدرع الصاروخية الدفاعية ماركة مسجلة باسم امريكا فقط في قوانين الامم المتحدة ومجموعة الشرائع والاعراف الدولية المعتبرة ؟!!

هل نسيتم انكم اقمتم الدنيا ولم تقعدوها بعد، وكدتم ان تعيدوا العالم الى زمن الحرب الباردة البائدة، بل وكدتم تدخلون في حرب محتملة مع روسيا بسبب شعور مجرد شعور لم يتم ضبطه في اي تصريح ناهيك عن فعل او ممارسة ايرانية تثبتون من خلالها بان ايران تهددكم او تهدد امنكم القومي؟!

نعم قد تاخذون على ايران دعمها لحركات التحرر ومقاومة المحتل وفي طليعتها المقاومتان الفلسطينية واللبنانية، لكن هذا مرة اخرى ما هو منصوص عليه في شرعة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة وكافة الشرائع السماوية والارضية الاخرى، وبينما تعمل بها ايران نصا وروحا فانكم تقوضونها يوميا من خلال دعمكم ومساندتكم غير المبررة وغير المرضي عليها حتى من قبل بعض حلفائكم واصدقائكم، ناهيك عن كونها مخالفة صريحة لشرعة الامم المتحدة المناهضة لحروب الابادة والتمييز العنصري الشاذ الذي ظن العالم بانه انتهى مع نهاية مأساة جنوب افريقيا وتسامح اهلها الاصليين وقادتها، فاذا بكم تحيون هذا السلوك من جديد، بل وتفاوضون سرا ومن تحت الطاولة بما فيها الدولة الايرانية على ذلك مقابل اعطائها ما تشاء، اي الاعتراف بالاحتلال الاسرائيلي وتقديم الضمانات على ذلك ووقف دعم المظلومين والمعتدى عليهم، بل والمشاركة في قمعهم من خلال برنامج ما تسمونه مكافحة الارهاب!

اليست هذه هي كلمة السر وجوهر ما تطلبونه من ايران في كل رزم مقترحاتكم الغربية 'الاغرائية' منذ نحو ست سنوات حتى الآن؟!

لماذا لا تقولون الحقيقة للعالم كما هي ودون رتوش؟!

ان ايران مصممة على اكتساب كل معارف العصر وفنونه وتقنياته بما فيها التقنية النووية لانه السلاح الامضى والذي لا يمكن قصفه باي سلاح كان كما كرر محمد البرادعي مرارا، اليس كذلك؟!

ثم ان ايران، وهذا ما ينبغي ان يعرفه الغرب جيدا واظن ان غالبية بلدانه تعرف ذلك، ليست العراق ولا ليبيا ولا كوريا الشمالية ولن تكون، فايران هي ايران المصممة على الدفاع عن استقلالها والمصممة على نيل حقوقها كاملة وبالطرق القانونية المعروفة والمتبعة في العلاقات الدولية، ولكنها مصممة ايضا على الدفاع عن كل ذلك بكل ما تملك من وسائل الدفاع التي تكفلها لها شرعة حقوق الانسان وكافة الشرائع السماوية والارضية، ومن لا يعجبه ذلك فانه هو المعاند وهو المتعنت وهو الخارج على القانون الدولي ولا يريد الامتثال للقوانين الدولية المعتبرة!

==========================

اوباما: بعد سنة

عوزي برعام

21/12/2009

القدس العربي

مرة اخرى عدت من نيويورك، ومرة اخرى التقيت هناك بمجموعة من الاصدقاء الذين يشكلون بالنسبة لي نوعا من الاستطلاع الشخصي لما يجري في امريكا، بعضهم صحافيون في الماضي والحاضر، بعضهم سياسيون وبعضهم رجال اعمال.

في السنة الماضية وقف في مركز تجربتهم الاعجاب بأوباما قبل انتخابه. فقد توقعوا العظائم لامريكا تحت قيادته ورأوا فيه الجانب الايجابي من جورج بوش 'غير المناسب'. هذه المرة جئت الى الولايات المتحدة حيث ان رجلا اسود اخر، تايغر فداس، 'يسرق' من اوباما العناوين الرئيسة. لا يمكن وصف حجم خيبة الامل التي الحقها فداس بالامريكي العادي الذي رأى فيه رمزا للرياضة الطاهرة والرجل المستقيم، الذي يبث عبر الشاشة التواضع والمصداقية.

من دون صلة به، هذه المرة بات اصدقائي اكثر تحفظا من اوباما. فهو مثابة امل لم يتحقق بعد. بعضهم يعزون له الانتعاش في سوق الاسهم على خلفية التدخل الحكومي الذي جاء خلافا للمواقف التقليدية للحزبين. اخرون، ولاسيما رجال الاعمال، تحدثوا بالذات عن الدين الهائل الذي سدد في الميزانية الامريكية. بالنسبة لهم، الازمة لا تزال في ذروتها ومؤشراتها ستظهر في المستقبل. هؤلاء واولئك على حد سواء يفترضون ان الاقتصاد الامريكي وحده هو الذي سيحسم مصير اوباما، سلبا كان ام ايجابا.

بالنسبة للسياسة الخارجية، سمعت رأيا مشوقا. مع ان اوباما مقبول في اوروبا وفي العالم الواسع، الا ان الولايات المتحدة، تحت قيادته، تفقد تفوقها بل وتأثيرها السياسي الشامل على العالم. تعلق الولايات المتحدة بالاسواق الخارجية كبير، ولاسيما عندما يدور الحديث عن الصين الحمراء. ورغم محاولات التمويه، فان بعضهم خائب الامل من قدرة اوباما على القيادة والتوجيه، ولكن اخرين يعتقدون أن 'حتى ادراج تشرشل، كنيدي وكلينتون ما كان ليجدي اكثر حين تبدأ الولاية مع مثل هذه الازمة العالمية على رأسك'.

بالنسبة للشرق الاوسط، الجميع يفكرون بأن على اوباما ان يتدخل في المسيرة لان برميل البارود مهدد جدا. برأيهم، الرئيس يدير سياسة متوازنة جدا تجاه اسرائيل. لقد سبق ان سمعت في الماضي انتقادات لاسرائيل في الولايات المتحدة، ولكن مؤخرا بات هذا الانتقاد اكثر غضبا. احتلال المناطق والاحتفاظ بها يصبحان انتقادا صريحا. الجدال داخل اسرائيل مفهوم لديهم، ولكنهم يدعون بأنه مطلوب حكومة قوية وشجاعة يمكنها ان تتوصل الى تسوية. لا يوجد هناك عطف على العرب ويوجد نفور من الانظمة في السعودية، في سوريا وحتى في مصر. اما للفلسطينيين فمحفوظة لديهم لهم زاوية حارة وسياستنا تجاههم تحظى بالانتقاد.

تقدير اضافي بلورته هو ان اوباما يبني تأييدا في اوساط الجمهور الهسباني، الجمهور الذي لم يكن ابدا في جيب الحزب الديمقراطي. وهو يطور العلاقات معهم ويحاول ايضا تحسين مكانة بلاده في امريكا اللاتينية. تأييد هسباني كفيل بأن يرجح الكفة في صالحه في كل حملة انتخابية مستقبلية. اليهود كعنصر انتخابي مهمون، ولكنهم ليسوا حاسمين. وهم يتخذون اكثر فاكثر صورة العنصر المالي في مساهمتهم في الحملات الانتخابية.

السنة القريبة القادمة ستكون سنة اختبار لاوباما. ارسال الجنود الى افغانستان يستقبل كخطوة ضرورية ولكنها عديمة الاحتمال بالتغيير الدراماتيكي للوضع هناك. الاقتصاد لا يزال يراوح في المكان وانعدام الامان الاقتصادي يقف في تناقض مطلق مع الثقة النسبية للاسرائيليين باقتصادهم.

الرئيس الاسود لا يزال غرسة غريبة في التجربة الامريكية. اختراق اوباما يبدو خارقا واثار حماسة شديدة، الى جانب انتقاد واحباط. في المستقبل فقط سيثبت اذا كان سيندرج في القصة القومية لعظام الرؤساء ام سيكون رئيس امبراطورية متدهورة 'آخر'.

اسرائيل اليوم 20/12/2009

==========================

من يبيع عقارات الكنيسة في القدس ؟

المستقبل - الاثنين 21 كانون الأول 2009

العدد 3517 - رأي و فكر - صفحة 20

محمد السمّاك

في عام 1517 زار السلطان العثماني سليم الأول مدينة القدس. كان في استقباله البطريرك الارثوذكسي عطالله. أعادت الزيارة والاستقبال ذكرى دخول الخليفة عمر بن الخطاب للمدينة في عام 636 واستقباله من قبل البطريرك الأرثوذكسي صفرونيوس. يومها أصدر الخليفة عمر ما يُعرف بالعهدة العُمرية، والتي أعطت "الأمان للمسيحيين ولكنائسهم وصلبانهم سقيمها وبريئها وسائر ملتها انه لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم ولا يُنتقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم ولا يُكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم ولا يسكن بإيليا (القدس) معهم أحد من اليهود".

جدّد السلطان سليم التزامه بهذه العهدة ومنح البطريرك عطالله صلاحيات واسعة بالارادة السلطانية (الخط الهمايوني)، وفي عام 1530 أصدر أمراً سلطانياً بإطلاق يد البطريرك عطالله في ادارة أملاك دير مار الياس ودير ما سابا . كما أطلق يد الرهبان الأرثوذكس في استثمارحقولهم وبساتينهم باعتبارها وقفاً للكنيسة.

كان هذا في الماضي. أما اليوم ، فان البطريرك ايرينيوس  وهو يوناني  الذي جلس على كرسي البطريرك العربي عطالله، باع اسرائيل قطعة واسعة من الأرض الكنسية في القدس تُعرف باسم ساحة عمر بن الخطاب وهي تضمّ فندقين و 27 مخزناً، وتقع في مدينة القدس القديمة عند باب الخليل، أي انه باع لاسرائيل المنطقة من القدس التي سُميت باسم الخليفة تقديراً من الكنيسة لموقفه منها ومن أوقافها. ومن سوء الحظ ان البطريرك الحالي ، وهو يوناني ايضاً كسابقه، وقّع في شهر ابريل  نيسان الماضي مع شركة عقارات اسرائيلية عقداً جديداً منح بموجبه الشركة ولمدة 99 عاماً حق استثمار قطعة اخرى من الأرض الوقفية تبلغ مساحتها 40 دونماً.

وتقع هذه الأرض في منطقة "تلبيوت" المحاذية لخط الهدنة لعام 1948. وتنوي الشركة الاسرائيلية بناء مجمعات سكنية لليهود عليها مما يكمل عملية تطويق مدينة القدس بالمستوطنات .. ولكن هذه المرة فان البناء سيجري فوق أرض عربية تملكها كنيسة عربية بطريركها يوناني .

ليست هذه المرة الأولى التي تحصل فيها اسرائيل على حق استثمار أراضٍ تابعة لوقف الكنيسة الأرثوذكسية في القدس. فقد سبق لاسرائيل أن صادرت موقعاً للكنيسة حوّلته الى فندق هو "فندق مار الياس"، وهو جزء من أملاك دير مار الياس الذي سبق للسلطان سليم الأول أن أقرّ للبطريرك عطالله حقّ ادارتها.

كما أقامت مجموعة سكنية في أرض اخرى قرب باب الخليل.

لقد فجّرت تصرفات البطريرك السابق ايرينيوس، غضب المسيحيين الأرثوذكس العرب بعد أن باع مساحات واسعة من أوقاف الكنيسة، وأدّى غضبهم الى عزله في عام 2007. وكان يفترض أن يحترم خلَفه البطريرك الجديد نيوفيلوس التعهدات التي حصل عليها المسيحيون العرب بعدم التصرّف بأملاك الكنيسة والالتزام بالموقف العربي المبدأي بعدم التخلّي عن أي شبر من أرض القدس بيعاً أو استثماراً لاسرائيل . ولكن الصفقة التي عقدها مع الشركة الاسرائيلية " جعفات تلبيوت" تشير الى العكس تماماً.

وقد جدّد هذا الأمر الخطير احتجاجات المسيحيين الأرثوذكس العرب، وخاصة في القدس والضفة الغربية والأردن، ورفعوا الصوت عالياً مطالبين بإلغاء الصفقة وبصيانة أملاك الكنيسة بعدم التخلي عنها أو بيعها لاسرائيل.

ولكن البطريرك أعلن الأمر الواقع ، وهو انه وقّّع العقد في الشركة الاسرائيلية وبذلك أصبح للشركة الآن حق استثمار هذه الأرض لمدة 99 عاماً . اما الإغراء الذي حصل عليه البطريرك حتى وافق على عقد الصفقة وهو يعرف ردّ فعل المسيحيين العرب، فهو تحويل الأرض من "أرض خضراء" الى أرض للبناء.

وتعبير الأرض الخضراء هو تعبير رمزي تطلقه اسرائيل على الأراضي التي تمنع استثمارها عقارياً. وغالباً ما يطلق ذلك الى أراضي الأوقاف المسيحية والاسلامية العربية التي يتعذر على اسرائيل مصادرتها تحت ذريعة أملاك الغائب. وذلك بهدف منع استثمارها أو البناء عليها. ولكن يكفي أن تتحوّل الملكية الى شركة اسرائيلية حتى يسقط هذا التصنيف وحتى تصبح الأرض صالحة للبناء.. أي لبناء المستوطنات اليهودية !!.

وكانت الشركة الاسرائيلية قد غرّرت بالبطريرك اليوناني المؤتمَن على الأراضي الكنسية الأرثوكسية في القدس الغربية، فوعدته بإعادة قطعة أرض متاخمة سبق أن صادرتها اسرائيل منذ عدة سنوات وتبلغ مساحتها 17 دونماً. فقد تعهدت الشركة بأعادة هذا الجزء مع الأرض الجديدة المستثمرة بعد انتهاء عقد الاستثمار، بحيث تصبح مساحة الأرض المستعادة الى الكنيسة (؟) 60 دونماً. وفي الواقع فان البطريرك وقع في فخ التضليل الاسرائيلي فتخلى عن 43 دونماً على أن يحصل على ستين دونماً بعد مائة عام.

يحدث ذلك في الوقت الذي يتعرّض فيه عرب القدس من المسلمين والمسيحيين معاً الى أشدّ أنواع الاضطهاد على يد السلطات الاسرائيلية المحتلة، بمصادرة أملاكهم، وتهديم بيوتهم، وتهجيرهم منها، ومنعهم من البناء فوق أراضيهم أو حتى استثمار أراضيهم الزراعية أو ضخّ المياه منها للشرب وللاستعمال المنزلي، لحثّهم على الهجرة ؛ والهدف من وراء ذلك واضح وهو استكمال مشروع تهويد المدينة.

ولا يفرّق هذا المشروع الاسرائيلي بين مسلم ومسيحي، ولا بين أوقاف اسلامية وأوقاف مسيحية. وهو لا يراعي حرمة لمسجد، وخاصة للمسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، ولا لكنيسة (كنيسة المهد)، فالكل عنده سيان . وهو وجوب اخضاعهم واخضاع ممتلكاتهم للتهويد.

في عام 1968، أي بعد عام واحد على احتلال اسرائيل للقدس، صدر عن مجلس الأمن الدولي قرار (رقم 252) يقول:" يعتبر ان جميع الاجراءات الادارية والتشريعية، وجميع الأعمال التي قامت بها اسرائيل بما في ذلك مصادرة الأراضي والأملاك التي من شأنها أن تؤدي الى تغيير في الوضع القانوني للقدس، هي اجراءات باطلة، ولا يمكن أن تغيّر في وضع القدس ".

وفي عام 1980 صدر عن المجلس قرار آخر (رقم 465)، يقول:

" يقرّر ان كافة التدابير التي اتخذتها اسرائيل لتغيير المعالم المادية والتركيب البشري وهيكلية المؤسسات في الأراضي الفلسطينية وغيرها من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس ، أو أي جزء منها ليس لها أي مستند قانوني ، وان سياسة اسرائيل وأعمالها لتوطين قسم من سكانها ومن المهاجرين الجدد في هذه الأراضي تشكل خرقاً فاضحاً لاتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب، كما تشكل عقبة جديدة أمام تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط".

ورغم صدور قرارات عديدة اخرى عن مجلس الأمن الدولي، وعن منظمة الأونسكو، فان اسرائيل تواصل انتهاك حرمة القدس وشرعيتها، وتعمل على تغيير هويتها ومقوماتها الدينية والبشرية، ليس فقط من خلال مصادرة الأراضي المحتلة، ولكن وهذا الأسوأ والأخطر، من خلال شراء أو استثمار لعقود طويلة (عشرة عقود) أراضٍ عربية محتلة تملكها الكنيسة الأرثوذكسية التي يقف على رأسها بطريرك يوناني.

لقد أدّت احتجاجات المسيحيين العرب الى عزل البطريرك السابق . وكان الأمل بتعيين بطريرك عربي مكانه، الا ان ذلك لم يحدث. فالبطريرك الأرثوذكسي الجديد في القدس هو يوناني أيضاً، وهو البطريرك الوحيد غير العربي. حتى بطريرك الكنيسة الكاثوليكية اللاتينية اختير من العرب. وحدها اليونان تصرّ على استبعاد البطريرك العربي وعلى التمسك بيونانية البطريرك الأرثوذكسي.

وما كان للمسيحيين الأرثوذكس العرب أي ضير في ذلك لو انه يحترم حقوقهم ومشاعرهم بعدم بيع اسرائيل عقارات وقفية تابعة للكنيسة. فالمشكلة بالنسبة اليهم ليست في جنسيته ولكن في عدم مراعاته مشاعر الأرثوذكس العرب الذين يعتبرون أنفسهم عن حق "خميرة" النضال القومي الفلسطيني.

وكما اعترضوا في السابق ونجحوا .. فانهم يعترضون اليوم أيضاً ، فهل ينجحون ؟. الواقع انه حتى اذا نجحوا في اقصاء البطريرك ثيوفيلوس، فان ذلك لا يعني ان مسلسل التخلي لاسرائيل عن العقارات الكنسية الارثوذكسية سوف يتوقف . فالمسيحيون الأرثوذكس العرب واثقون من ان الضمان الوحيد للمحافظة على هذه العقارات من التهويد. هو ان يكون على رأس الكنيسة بطريرك عربي.

==========================

بيروت إلى دمشق ودمشق في سوريا!

السفير

21-12-2009

نصري الصايغ

سعد الحريري في دمشق. إذاً، تعود الأمور إلى نصابها الطبيعي. حال العداء إلى أفول. عهد «صداقة» يبدأ! بيروت عادت إلى دمشق. وليس من الضروري أن تعود دمشق إلى بيروت. دمشق أقوى، عندما تبقى في مكان إقامتها. خمس سنوات كانت كافية لإعادة قراءة العلاقات، بين شقيقين، محكومين بمشقة اللقاء والالتقاء والاختلاف والتنابذ... ومحكومين دائماً، بأن يكونا معاً، ولو على نقيض مؤقت، أو تفاهم ضروري، أو حلف ثابت.

لا مفر لبيروت من دمشق. بيروت، نافذة سوريا الدولية. بها تكون قوية، ومن دونها تكون محاصرة أو مهددة. وعليه، فلبنان يستعيد وحدته، ليس من خلال توافقه الداخلي، بل من خلال التوافق الإقليمي على دوره الطبيعي، بأن يكون مع سوريا. إرث كبير من العداء، لم تشهده العاصمتان في تاريخهما. خروج سوري مذل. اتهام بالاغتيالات. محكمة دولية تهدد. استدعاء خارجي للدعم. استحضار الكراهية والعنصرية. تأليب مذهبي فتنوي. توقع إطاحة النظام. محاولة توظيف متعددة الأطراف، للانتقام من دمشق.

انفجر لبنان، وكاد يذهب إلى حروب أهلية دامية، بعد مراودة الحرب أزقته وشوارعه ومناطق التماس فيه مراراً. توزعت القيادات بين حلفين متناقضين: واحد ممانع خجول، وآخر «معتدل» هجومي. ورهانات اللبنانيين، كانت سدى. كل فريق سعى إلى تغليب الانتصار على «الشريك».

تغير كل شيء، في خلال خمس سنوات، باستثناء أمر واحد: المعركة مع دمشق أم ضد دمشق؟ بعد هذه المسيرة الصعبة والدامية، يجدر باللبنانيين أن يسألوا: لماذا حصل ذلك، هذا إذا كان لا بد من الاعتبار مما حصل؟

هل كان العداء نتيجة الوصاية القاسية، أم بسبب التدخل الدائم لسراياه الأمنية، أم لأن السوريين انحازوا في الصراعات الداخلية إلى طرف، أم لأن «النزعة الاستقلالية» تبلورت عند فريق من اللبنانيين، أم مئات الأسئلة الأخرى؟

كل الأخطاء الواردة في الأسئلة، لم تكن من العوامل الحاسمة، في تكبيد سوريا خروجاً مذلاً من لبنان. فلتتذكر. ففي الذكرى عبرة.

بدأت معركة إخراج سوريا من لبنان، بعد تحرير معظم الجنوب، من خلال مطلب شريحة لبنانية مؤيدة تأييداً مبرماً من الولايات المتحدة الأميركية. واشتد «ساعد محاسبة سوريا»، بعد 11 أيلول، ووضعت دمشق في رأس «محور الشر» بوش يرغي ويزبد. شارون يعيد احتلال الضفة والقطاع. يدمر فلسطين ومقارّ السلطة فيها. يطوّق عرفات، ويحيله جثتين: واحدة سياسية وأخرى مقتولة. والقوات الأميركية تدخل العراق، والبعض ينتظر استكمال زحفها لإسقاط دمشق بعد بغداد.

انعكس ذلك على مسيرة شريحة لبنانية ازدادت قوة ونفوذاً، وتشكلت قوى جديدة تضغط علناً وسراً، باتجاه إرباك سوريا حتى كان القرار 1559... وتوالت فصول الدم وسقوط القيادات، وسوق الاتهامات... ووصلت دمشق مع بيروت إلى نقطة اللاعودة.

خرجت دمشق... مدماة سياسياً، فيما كانت قيادات لبنانية تعيش يومها بيومها. لأن الغد غير مضمون. كان بعضهم يعيش كأنه شهيد في اليوم التالي.

خمس سنوات انتهت بعودة بيروت إلى دمشق. حدث مثل هذا، في العام 1958. نصف اللبنانيين مع دمشق، ونصفهم الآخر ضد دمشق، مع مشروع ايزنهاور، والأسطول السادس الأميركي. ومع ذلك، ربحت دمشق، وربح فؤاد شهاب. يومها وضع شهاب حصيلة خبرته الاستراتيجية: «تستطيع أن تكون مختلفاً مع سوريا، في الاقتصاد، في النظام السياسي، في الإعلام، في التجارة، في الزراعة... ولكنك لا تستطيع أن تختلف معها في السياسة الخارجية». وكان من نتيجة هذا الدرس أن حكم شهاب في الداخل، وسار في سياسة خارجية، لا تعادي دمشق أو القاهرة. سلام لبنان الداخلي من سلام خياراته الإقليمية، والتوحد حولها.

وللتذكير أيضا: عندما حاول شارل مالك أن يأخذ لبنان إلى مشروع ايزنهاور، حذره فيليب تقلا في داخل مجلس النواب: «سياسة لبنان الخارجية لا ترسم في دوائر الخارجية أو القصر الجمهوري، بل في الشارع اللبناني». وللشارع اللبناني كلمته الحاسمة في خيارات لبنان الخارجية.

سعد الحريري في دمشق: إذاً، أول الاتفاق سيكون حول سياسة لبنان الخارجية، وما يحمي هذه السياسة، أمناً وإعلاماً ودبلوماسية. وكل ما عدا ذلك، يمكن علاجه بالعقاقير السورية  اللبنانية، المعروفة من زمن نشوء الكيان اللبناني.

غداً سيختلف جذرياً عن الأمس.

سيتعافى لبنان سياسياً. لن يخاف اللبنانيون على الأمن. ستكون بندقية المقاومة خارج التداول الجدي. وسيعود النظام اللبناني إلى ممارسة المحاصصة، بكل الفساد المصاحب، لهذه «العقيدة اللبنانية» المحروسة، من قياداته المرحبة بعودة العلاقات مع دمشق، وتلك المحرجة بها، وتلك التي تفضل بقاء عينيها مغمضتين إلى الأبد، كي لا ترى دمشق، لا في دمشق، ولا في أي موقع على الخريطة.

==========================

"كيف يقبل لبنان "موقعاً" رفضته السعودية" ؟

سركيس نعوم

sarkis.naoum@annahar.com.lb

النهار

21-12-2009

- 8 -

بدأ الموظف السابق والباحث النشط الحالي حديثه بمصر قال: "ذهبت اليها قبل مدة بدعوة من الحزب الوطني الحاكم اثناء انعقاد مؤتمره. الدعوة وجهت الى 15 اميركياً. لكنني وحدي لبّيت الدعوة. احاطونا برعاية كاملة وتولوا تأمين تنقلاتنا ربما كي لا نحتك أو نتصل بجهات مصرية اخرى أو بشخصيات مصرية لنا بها معرفة. الحال في مصر صعبة. "الاخوان المسلمون" همّ كبير. لكنهم ممسوكون من السلطة، على الأقل حتى الآن. اذا ترشح حسني مبارك مرة جديدة لرئاسة الجمهورية فإن الناس سينتخبونه في اعتقادي. لكنهم لن ينتخبوا اي شخص آخر يرشحه الحزب الحاكم. يقول "الاخوان" انهم حققوا رغم كل الضغوط أهدافهم، اذ كانت نسبة النساء والفتيات المحجبات في مصر لا تتجاوز عشرة في المئة في السابق، أما الآن فهي في حدود تسعين في المئة. الحكم عسكري في مصر. وسيبقى كذلك في كل الاحوال". ماذا عن فلسطين واسرائيل؟ سألت. أجاب: "لا حلول في الافق. يقول بعض الاسرائيليين ان سلام فياض رئيس الحكومة هو افضل من يحل مكان رئيس السلطة محمود عباس، اذا استقال هذا الاخير فعلاً من منصبه، وهذا أمر غير ممكن لأن فياض ليس عضواً في "فتح" ولأنه ليس محبوباً من جهات فيها الأمر الذي لن يمكّنه من انجاز أي شيء. طبعاً يعتبر هذا البعض ان مشروع فياض جيد وهو اعلان دولة من دون حدود خلال سنتين. لكنني اتساءل: ماذا ستفعل "حماس" في حال كهذه؟ المستقبل ربما يكون ل"حماس". ماذا عن مروان البرغوثي القيادي الفتحاوي المعتقل في اسرائيل؟ ماذا عن شخصيته وشعبيته؟". أجبت: لو اطلقت اسرائيل سراحه من زمان لربما كان مفيداً. أما الآن فانني اشك ان يحقق اطلاقه اي فائدة. هناك شارع فلسطيني "حمساوي" و"فتحاوي" غاضب والتعامل معه ليس سهلاً. وهناك اسرائيل التي تعقِّد الأمور والتي صارت بسبب سياساتها امام احتمالين: الأول هو دولة واحدة على كل اراضي فلسطين لا بد ان يصبح اليهود اقلية فيها بعد عقود قليلة، والآخر هو دولة فلسطينية بديلة في الاردن. علّق: "الاحتمال الاول انتحار فعلي بعد نحو 25 سنة. والثاني، انتحار فعلي بعد نحو 50 سنة لأن الدولة "البديلة" على حدودها ستكون خطيرة وخصوصاً اذا ازيح الهاشميون عن قيادتها".

ماذا عن الرئيس باراك اوباما؟ سألت. أجاب: "احبه وأتمنى ان يحقق نجاحاً في الداخل الاميركي، لأنه لم يحقق حتى الآن أي نجاح في الخارج. يبدو لي متردداً. في الموضوع الفلسطيني قال شيئاً رفضه نتنياهو فتراجع عنه عملياً. اخشى ان يكون رئيس ولاية واحدة. علماً ان الوقت لا يزال مبكراً لتوقعات كهذه". ماذا عن لبنان؟ سألت. أجاب: "ربح فريق 8 آذار. في رأيي ان رئيس الجمهورية اللبناني ميشال سليمان ضعيف. هل تعرف كيف عُيّن قائداً للجيش"؟ أجبت: كلا. واضاف: "اطلعني وليد جنبلاط على هذه الخبرية وسترى حين اطلعك عليها انني محق في رأيي". علّقت: حقيقة لا أعرف هذه الخبرية. على كل وليد بك اعلم مني بهذه الامور. ما اعرفه هو انه كانت لسوريا كلمة اساسية في تعيينه. سأل: "ماذا عن لبنان وعضويته غير الدائمة في مجلس الأمن والتي ستبدأ مطلع السنة المقبلة؟" واضاف من دون ان ينتظر جواباً: "ألا يفكر اللبنانيون، ألا يفكر رئيس الجمهورية بعمق في هذه الأمور؟ الا يحاول معرفة انعكاساتها على لبنان، واذا كانت سلبية أم ايجابية؟ هل يعتقد ان لبنان دولة فعلية قادرة على اتخاذ قرارات في القضايا المهمة التي قد تعرض على مجلس الأمن؟ هل يستطيع لبنان ان يصوت ضد ايران في هذا المجلس مثلاً أو ضد سوريا او ضد اي قضية تهمهما؟ وهل يستطيع ان يصوت مع قضايا تهم اميركا وحلفاءها ولسوريا وايران وحلفائهما مواقف سلبية منها؟ ألم يعمل رئيس الجمهورية حساباً لأمرين: الأول هو ان الوضع داخل لبنان لا بد ان يتأثر بطريقة تصويته في مجلس الأمن، والثاني هو ان علاقته بأميركا قد تسوء وكذلك علاقة بلاده بها؟ هل يستغني لبنان عن العلاقة مع اميركا؟ ماذا عن الاسلحة التي تقدمها اليه؟ وماذا عن المساعدات المالية التي تقدمها اليه ايضاً؟ ان اميركا لا تطلب المستحيل منه ومن لبنان. لكن عليه ان يجنّب نفسه المواقف المحرجة التي لا يستطيع لبنان ان يتحمل عواقبها. على كل حال مَنْ أكبر وأضخم وأهم واكثر تأثيراً: لبنان أم السعودية؟ عُرِضَت العضوية الموقتة في مجلس الأمن على السعودية فرفضتها لأنها قد تضطر الى اتخاذ مواقف مناقضة لايران أو الدفاع عنها، وهي ليست مستعدة لذلك. فضلاً عن انها متحفظة دائماً وتمارس سياسات معينة ولكن من دون ان تعلنها. فلماذا قَبِلَ لبنان هذا الاختبار الصعب؟ على كل كان في الامكان انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان بنصف عدد اعضاء مجلس النواب زائد واحداً، ومن 14 آذار، لكن البطريرك الماروني لم يوافق على هذا الأمر. سألنا سعد الحريري زعيم الاكثرية في واشنطن اذا كان يقبل انتخاباً كهذا. فاجاب: هل تعالجون جدياً موضوع العنف في لبنان في حال حصوله رداً على ذلك؟".

ماذا في جعبة موظف سابق "تمرس" بشؤون "السلام" الفلسطيني – الاسرائيلي من خلال عمله كباحث وأكاديمي في تعاطي الشأن العام؟

==========================

لن يصحّ إلا الصحيح

الافتتاحية

الاثنين 21-12-2009م

بقلم رئيس التحرير: أسعد عبود

إن كان حقيقياً أننا قبرنا الاستعمار – ثمة الكثير مما يكذّب ذلك – فمن الضروري أن نتذكر أن المقولات التي استخدمها هذا الميت الحي، هي حِكَم وظّفها في خدمته.. وما زالت صالحة لأن يعمل عليها.

كثيرون من الأحياء العرب ما زالوا يتذكرون عبارة «فرّق تسد».. كانت كثيرة الاستخدام لدرجة الملل!! فنسيناها أو تناسيناها.. التكرار المقرون بالشعاراتية أخرج العبارة من التداول.. لكن.. لا يمكن أن تخرج دلالاتها..‏

ما زالت محاولات لنفخ الحياة في جثة الاستعمار قائمة.. وما زال العمل بمقتضى «فرّق تسد» في التداول.‏

كل ما يثير الفرقة بين شعوب المنطقة والدول العربية ولأي سبب.. أكان دينياً.. أم طائفياً.. أم عرقياً.. أم قومياً.. أي شيء، تجد جنوداً جاهزين لقرع الطبول والنفخ في النار.‏

كل الاحتمالات والأسباب المباشرة وغير المباشرة، التاريخية والجغرافية تسقط من البحث ليقوم الفهم فقط على أسس تصنيع الفرقة..‏

لاحظ مثلاً الشرح الإعلامي «الذكي» من قبل الإعلام «الماهر الرائج» لأحداث تاريخية صعبة إلى درجة الفظاعة، وضع العراق مثلاً وتطوره، الحرب في اليمن، التوتر على الحدود العراقية الإيرانية.. وحتى أحداث فلسطين ذات الجرح العميق الذي لا يسلم منه أي جسد عربي أو إسلامي!!.‏

كلها سهلة الشرح، إذ تحمَّل على الاختلاف المذهبي أو العقائدي.. وكلها صعبة الفهم إن اتجهت إلى الفهم الواقعي العلمي الدقيق لكل ما يجري..‏

ولأنه عصر السرعة يختارون السهل.. ويبدؤون النفخ في النار..‏

هو ليس خياراً للسهل فحسب.. بل إن خيار تشجيع الفرقة.. هو خيار للدمار..‏

تصوروا مثلاً إن حدث اللقاء السوري اللبناني يصبح حدثاً دراماتيكياً فريداً تهتز له قنوات الإعلام والتحليل والاستنتاج في كل الدنيا تقريباً... ليس ذلك فحسب بل تتجه الأفواه للنفخ في النار التي يحولها اللقاء إلى رماد..‏

برأينا:‏

إن اللقاء السوري اللبناني هو العودة إلى الطبيعة واقتراب من حقائق العلم والتاريخ والجغرافيا.‏

ما كان خلال الحقبة الماضية في علاقة البلدين هو الطارئ غير الطبيعي.. غير المنطقي.. وقد قام على الفرقة والتفريق.. حتى أصبح القادم من خلف البحار يقرؤنا على شاشة حاسوبه طوائف ومذاهب وشيعاً وأحزاباً، معلناً نفسه أنه أقرب لبيروت من دمشق!!‏

أما أن تفتح دمشق صدرها وقلبها للبنان فهي الحقيقة التي عجزوا عن تزييفها.. رغم ثقل ما رموه من مبيدات بين البلدين.‏

لن يصحّ إلا الصحيح..‏

والصحيح أننا سورية وأنه لبنان.. وأننا الشعب الواحد في بلدين حرين مستقلين بوجودهما وقرارهما، ويؤكد ذاك.. انتماؤهما المشترك للعروبة.‏

a-abboud@scs-net.org

==========================

مؤتمر كوبنهاغن.. بين الحقائق والتسييس

واشنطن بوست

ترجمة

الأثنين 21-12-2009م

ترجمة : ريما الرفاعي

بقلم : سارة بالين ‏

مرشحة الرئاسة الأميركية عام 2008 وحاكمة ولاية الاسكا سابقا‏

تقف حركة البيئة الراديكالية عند مفترق حاسم. فالكشف عن الأفعال السيئة التي يقوم بها ما يسمى بخبراء البيئة، يتيح للشعب الأميركي أن يفهم مجمل همومنا بشأن موضوع التغير المناخي.

والرسائل الإلكترونية التي أرسلها أحد مراكز الأبحاث المناخية في بريطانيا تحت عنوان «المناخ -البوابة» وغيرها من الوثائق المرسلة من وحدة الأبحاث المناخية التابعة لجامعة «إيست أنجليا»، تفضح تماماً مركزاً علمياً على قدر كبير من التسييس. وهذه الطروحات التي يتم الدفع بها حالياً في كوبنهاغن وتقف خلفها دوافع سياسية، لن تؤدي إلى تغيير المناخ فحسب، بل ستدفع اقتصادنا كله نحو الأسوأ. وتكشف هذه الرسائل أن هناك خبراء مناخ كباراً، أتلفوا عمداً سجلات، وتلاعبوا ببيانات، لإخفاء الحقائق المتعلقة بانخفاض درجة الحرارة في العالم، وأنهم حاولوا أيضاً إسكات منتقديهم من خلال منعهم من الكتابة والنشر في المجلات العلمية التي تتبنى آراء مخالفة لآرائهم. وتكشف تلك الوثيقة أيضاً عن خلافات بين العاملين في وحدة الأبحاث المناخية، حيث لدى بعضهم ريبة شديدة بشأن دقة التقديرات المتعلقة بدرجات الحرارة في القرون الماضية، وهي التقديرات التي تستند عليها الادعاءات القائلة إن درجات الحرارة ترتفع بوتيرة تدعو للهلع.‏

وهذه الفضائح تستدعي التدقيق في الاقتراحات التي يجري الدفع بها في كوبنهاغن ولا زلت أرى أن السياسات يجب أن تقوم على مبادئ العلم فقط ، وليس على المناورات والاعتبارات السياسية. وعندما كنت حاكمة لولاية آلاسكا، كان لي موقف صارم ضد تسييس العلم، وذلك عندما قاضيت الحكومة الفيدرالية بشأن قرارها إدراج الدب القطبي ضمن الأجناس المعرضة لخطر الانقراض، رغم حقيقة أن عدد الدببة القطبية في العالم تضاعف تقريباً. وتعرضت لانتقادات من جماعات حماية البيئة الراديكالية في مختلف أنحاء العالم، لكنني لم أكترث بذلك، وتمسكت برأيي بأن إضافة أنواع حيوانات إلى الأجناس المهددة بخطر الانقراض، تحت زعم تأثيرات التغير المناخي، خلافاً للحقيقة، هو إساءة استخدام وانتهاك صريح لقانون حماية الأجناس المعرضة لخطر الانقراض، فضلاً عن أنه سيؤدي في نهاية المطاف إلى إحداث أضرار وخيمة على اقتصاد آلاسكا، واقتصاد الولايات المتحدة كلها.‏

ينبغي على ممثلينا في كوبنهاغن أن يتذكروا أن صياغة سياسات سليمة للمحافظة على البيئة أمر يتصل بحسابات الربح والخسارة، وتقدير المزايا والعيوب، ولا يتعلق أبداً باتباع سياسات معينة أو إخضاع العلم لاعتبارات السياسة ولا يعني ذلك بأي حال إنني أنكر حدوث تغيرات معينة في المناخ، لأنني رأيت بنفسي آثار التغييرات المناخية عندما كنت أعمل حاكمة لولايتنا القطبية الوحيدة. ويشرفني القول إنني كنت من أوائل حكام الولايات الذين شكلوا مجلس وزراء مصغراً للتعامل مع هذه القضية.‏

وفي الوقت الذي نعترف فيه بهذه الاتجاهات المناخية الطبيعية، لا نستطيع القول إن أنشطة الإنسان هي التي تتسبب في التغير المناخي. لكننا نستطيع القول إن أي منافع محتملة لسياسات خفض الانبعاثات الغازية، هي ذات أهمية متدنية، فضلاً عن كلفتها الاقتصادية الباهظة . وخلافاً للاقتراحات التي قدمتها الصين والهند قبل قمة كوبنهاغن، والتي تسمح لهما بزيادة انبعاثاتهما الغازية، نجد أن الاقتراح الذي يطرحه أوباما يدعو إلى إجراءات خفض جدي في انبعاثاتنا الكربونية على المدى الطويل. والوفاء بهذه الأهداف يتطلب من الكونغرس تمرير الخطط المعروفة بوضع حد أعلى للانبعاثات والمتاجرة بالكربون، وهو ما سيؤدي إلى فقدان العديد من الوظائف وارتفاع نفقات الطاقة (كما اعترف أوباما نفسه خلال حملته الانتخابية) وليس هذا تحديداً ما يطمح إليه الأميركيون حالياً. وفي حين تواصل المعارضة الشعبية تعطيل إقرار الكونغرس لتلك الخطط، يخطط البيروقراطيون في وكالة الحماية البيئية لتنظيم الانبعاثات الكربونية بأنفسهم، وهو ما يعد نوعاً من الالتفاف على الشعب الأميركي.‏

وطبعاً، لا تتم مناقشة مشروعات التغير المناخي في الولايات المتحدة وحدها. ففي الاتحاد الأوروبي ارتفعت أسعار الطاقة بشكل جنوني بعد بدء تطبيق برنامج فرض حد أعلى للانبعاثات والمتاجرة في الكربون المشار إليها. وقد نجح البرلمان في استراليا مؤخراً رد مثل هذا البرنامج. ولا شك أن دولاً أخرى سوف تحذو حذو أستراليا بينما لا تزال تفاصيل فضيحة الرسائل الإلكترونية المناخية تتكشف تدريجياً.‏

ومع وجود العديد من المخاطر التي تحيط بنا، فإنني أطالب الأميركيين بتوخي الحذر إزاء ما يمكن أن ينتج عن هذا المؤتمر المسيس في كوبنهاغن.‏

==========================

تسيبي ليفني: القبض على تقصير عربي

آخر تحديث:الاثنين ,21/12/2009

الخليج

محمود الريماوي

يسترعي الانتباه أن الأمر القضائي البريطاني باعتقال الوزيرة السابقة تسيبي ليفني، قد مر دون ردود فعل عربية تذكر . نستذكر هنا أنه في اثناء الحرب على غزة قبل عامين تعالت أصوات عربية بعضها رسمي، تطالب بمحاكمة مجرمي الحرب . الجامعة العربية تبنت هذه الدعوة في حينه وشكلت لهذا الغرض ما يشبه خلية عمل، فلما طرأ تطور مهم مثل الأمر القضائي بإلقاء القبض على الوزيرة الفخورة بالحرب على غزة، والتي دارت في أثناء توليها حقيبة الخارجية تحت رئاسة ايهود اولمرت، فقد تم تجاهل هذا الحدث . . فهل المقصود بهذا التجاهل، أن الجامعة مثلاً وأطرافاً عربية أخرى ممانعة وغير ممانعة، تريد أن تتولى بنفسها أمر هذه المحاكمة، وأنه لا يعنيها أو يكفيها أن تنبري جهة قضائية ما في عالمنا بأداء هذه المهمة؟ .

 

تل أبيب التي لا تعرف لغة الشجب والاستنكار، سارعت إلى الطلب من لندن الاعتذار وتعديل نظامها القضائي .تحقق أكثر من نصف هذين المطلبين، فقد عمد رئيس الحكومة البريطانية غوردون براون للاعتذار إلى ليفني شخصياً (رغم أنها لا تحمل صفة رسمية حالياً)، فيما أكد الرجل للوزيرة التي أصيب “كبرياؤها” بمقتل، أنه عازم على تغيير النظام القضائي في بلاده، وهو أمر يرقى إلى تسييس القضاء في إحدى أعرق الديمقراطيات الغربية، خاصة أن السيدة المتهمة لا تتمتع بحصانة كونها لا تتقلد منصباً رسمياً . وقد شهدت بلجيكا قبل سنوات حدثاً مماثلاً في دعوى بإلقاء القبض على شارون رفعها عليه بعض جرحى وذوي ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا، فقد كان شارون في تلك الأثناء قبل أكثر من ست سنوات رئيساً للوزراء . لكن بروكسل رضخت في النتيجة لضغوط صهيونية وقامت بتعديل نظامها القضائي، بحيث لا يشمل الجرائم التي ترتكب ضد غير البلجيكيين وممن لا يقيمون في بلجيكا .

 

أكاديمي أردني مختص بالقانون الدولي (عيسى الدباح) عبّر في ندوة حول القدس في رابطة الكتاب الأردنية الأربعاء الماضي، عن خشيته بأن يكون القصد من أمر الاعتقال بحق الوزيرة الصهيونية، هو فتح الباب لتعديل النظام القضائي . وبصرف النظر عن النوايا في هذا المقام، فلم يرشح بعد مضي أسبوع على إصدار هذا الأمر بأنه قد تم طيه، فظلت مفاعيله القانونية سارية في حال قامت المتهمة بزيارة المملكة المتحدة، وهو ما أثار ثائرة زعماء في تل أبيب منهم رئيس دولتهم بطل مجزرة قانا شيمون بيريز، الذي وصف القرار القضائي بأنه من “الخطايا الكبرى لبريطانيا” . ولما كانت الجرائم تلاحق أركان الكيان من سياسيين وعسكريين، فإنه يمكن فهم درجة الحنق العالية لهؤلاء إزاء هذه التطورات القضائية، ذات المفعول السياسي والمعنوي الفوري، وذلك بما تنطوي عليه من تذكير الرأي العام الأوروبي بالجرائم المرتكبة وبهوية مرتكبيها .

 

وباستثناء الاهتمام الذي أولته القليل من وسائل الإعلام العربية لذلك الحدث، فقد مر من دون أصداء تذكر في العالم العربي، رغم أن الجرائم موضع توجيه الاتهام وقعت في أراضٍ عربية وضد عرب مدنيين . وكان وما زال يتعين التعامل مع مثل هذه التطورات بما يخدم المواجهة السياسية والأخلاقية مع دولة الاحتلال . علماً أن مبادرة جهات قضائية أوروبية بتوجيه الاتهام إلى أركان الكيان، يزكي في الأساس المطالبات العربية بمحاكمة مجرمي الحرب .

 

والتقصير هنا لا يتوقف عند الجهات الرسمية (وبعض هذه الجهات لا يزال يستقبل مسؤولين من “إسرائيل”، فلا ينتظر أحد أن يتم تحرك في الاتجاه المعاكس لهذه الجهات)، إذ إن التقصير يشمل هيئات ذات طابع قانوني مثل اتحاد المحامين العرب، الذي ينشط في عقد مؤتمرات خطابية موسمية، لكنه يتقاعس عن خوض مواجهات قضائية هي من صميم مسؤولياته، وكذلك العشرات من منظمات حقوق الانسان المبثوثة في أرجاء العالم العربي، التي لا تنبري لخوض مواجهات منسقة ومديدة مع عتاة الغزاة، وفي المحصلة فإن المبادرات القضائية الأوروبية إذ تتعرض لهجوم كاسح ومنظم من الدوائر الصهيونية، فإنها لا تجد إلا القليل من رجع الصدى الإعلامي العربي، ولكن مع افتقاد حاضنة قانونية وسياسية من مؤسسات وهيئات عربية، بما يسمح بأن تبلغ تلك المبادرات غايتها في جلب الجناة إلى قفص العدالة .

 

خلال العقد الأخير جرت أكثر من محاكمة رمزية لمجرمي الحرب، بتنظيم من اتحادات محامين وبالذات في القاهرة، لكن هناك خشية من أن فرصة إجراء محاكمة فعلية على أرض غير عربية باتت مهدة بالتبدد، وبعض المسؤولية عن ذلك تقع على أطراف عربية في مقدمها الطرف المعني مباشرة وهو الطرف الفلسطيني، نتيجة تقاعسها وجهلها بآليات دعم دعاوى قضائية في دول غربية، وركونها إلى الخطابة السياسية العاطفية، أو الاستغراق بالتمتع بمحاكمة رمزية وصورية تؤدي حسب مصطلح النقد المسرحي إلى الشعور بالتطهير والإشباع النفسي الإيجابي، ولو أن مجرمي الحرب ما زالوا طليقين، يرتكبون الجرائم ويهددون باقتراف المزيد منها

==========================

المسلمون في أوروبا

بقلم :علي حرب

البيان

21-12-2009

 من القضايا الراهنة التي تستثير النقاش العمومي على نطاق واسع، مسألة علاقة الدين ببقية مجالات الحياة وميادين الاجتماع. يشهد على ذلك السجال المحتدم، عربياً وعالمياً، حول ارتداء البرقع وبناء المآذن في أوروبا. والسؤال المركزي في القضية هو: هل بإمكان المسلم الملتزم أن يجمع بين الدين وما عداه، كالدولة والمواطنة والحرية والديمقراطية؟

 

وأنا أقصد بالمسلم الملتزم في هذا السياق، المسلم الأصولي بنوع خاص، وأعني بالأصولي صاحب المنظومة العقائدية والبرنامج السياسي لإعادة بناء المجتمع على أساس تعاليم الشريعة وأحكامها، بحيث يحيا الواحد حياته كما عاشها وصاغها السلف الأول في زمن النبي وصدر الإسلام.

 

فهل هذا ممكن اليوم؟ هل في وسع المسلم المتشدد أن يكون مسلماً ومواطناً أو مسلماً وديمقراطياً؟ هل في وسعه أن يجمع بين انتمائه الديني وانتمائه الوطني، بحيث يكون مسلماً ومصرياً أو لبنانياً أو فرنسياً أو سويسرياً؟

 

أنا أميل إلى الجواب على السؤال بالنفي، لأن النموذج الأصولي العقائدي يشتغل أصلاً بمنطق النفي والاستئصال، بقدر ما يتعامل مع هويته كمتراس لشن الحرب على الآخر في الداخل والخارج، بصورة رمزية أو مادية.

 

طبعاً هناك من يدعي غير ذلك. وأنا قرأت مقال طارق رمضان المسلم السويسري (من أصل مصري) والأستاذ الجامعي، الذي يعرّف نفسه بوصفه مواطناً يحتج على أهل بلده سويسرا، لأنهم اقترعوا بغالبيتهم ضد بناء المآذن على الأرض السويسرية.

 

ولكن، لو كان طارق رمضان يفكر كجدّه حسن البنّا مؤسس حزب «الإخوان المسلمين»، أو كالمرشد الحالي للإخوان مهدي عاكف، لاستحال عليه أن يكون مسلماً ومواطناً. أليس هذا ما عبّر عنه الشيخ مهدي عاكف، من على الشاشة، بملء فيه دفاعاً عن مبدأ الخلافة؛ إذ هو عندما سُئل إذا كانت الخلافة تعني أن يحكم مصر أُناس من خارجها، قال قوله المشهور، ومفاده أن الخلافة هي عنده أولى من الدول والأوطان.

 

هذا بخصوص المواطنة، وأما بخصوص الحرية، فإن المسلمين الأصوليين يطالبون بها لأنفسهم فقط، ومنعها عن غيرهم. فهم، وعلى سبيل المثال، مع حرية المسلمة في ارتداء الحجاب في أوروبا، ولكنهم ضد حرية المرأة التي لا ترغب في ارتداء الحجاب، في البلاد الإسلامية التي تقع تحت قبضتهم، أكانت مسلمة أم غير مسلمة.

 

هكذا هم مع إلغاء الحريات، حيث أمكنهم ذلك، لأن شعارهم الأصلي هو الحاكمية الإلهية أو الحكومة الإسلامية، ولأنهم يمارسون السلطة بعقلية التهمة والإدانة. ولا غرابة، فمن يفكر بعقل أحادي، اصطفائي، مغلق، يعتبر نفسه الأحق والأصدق والأفضل. ولذا، فهو لا يعترف بحقوق الآخرين، إلا على سبيل الالتفاف والمداورة والخداع، أو على سبيل التساهل الذي يبنى على الانتقاص من شأن الغير وكرامته.

 

من هنا لا مصداقية ولا مشروعية للأصوليين الإسلاميين، من دعاة وساسة ومنظمات، في ما يطالبون به أوروبا من احترام حقوقهم والسماح لهم بممارسة فرائضهم بحرية، لأنهم لا يعترفون، أصلاً، بحقوق بعضهم البعض، في بلدانهم الأصلية، كما تشهد الفتن المذهبية وحروب الجوامع والمراقد، في غير بلدٍ عربي. فكيف يعترفون بحقوق الفرنسي أو السويسري أو الأوروبي عامة؟ الأرجح أنهم لو حكموا لأطاحوا بكل المكتسبات الحديثة.

 

ومن المعلوم أن الكنيسة في أوروبا، سيما في فرنسا، لم تعد هي المشروعية المهيمنة أو الأولى، بعد ثورة 1789، وبعد تجريدها من وصايتها القانونية على المجتمع عام 1905، بل أصبحت إحدى المشروعيات المجتمعية لا غير. وإذا كان المسلم الأصولي الأوروبي يتعامل مع إسلامه بوصفه المشروعية الأولى والعليا، فمعنى ذلك أنه لن يندمج أو يتكيّف مع مجتمعه الجديد، مقدماً بذلك الولاء للإسلام والشريعة والفتوى، على الولاء للوطن والجمهورية والقوانين والشراكة الوطنية.

 

لا يعني ذلك أن على المسلم الأوروبي أن يتجرد من تراثه وهويته الثقافية، وإنما يعني أنه ليس في وسعه أن ينغلق على ثوابته، إذ المُجدي والحيوي أن يتفاعل مع بيئته الجديدة على سبيل التحويل الخلاّق والإثراء المتبادل، فيغني ثقافته ويسهم في صناعة الحياة في البلد الذي ينتقل إليه.

 

وإلا ما الداعي لأن يهجر بلده الأصلي نحو بلدٍ أوروبي، لو لم يجد في هذا الأخير ما ينفعه أو يجذبه ويغريه من القيَم وأنماط العيش وأساليب المعاملة؟ وهذا ما يفعله مسلمون كثر في أوروبا، ممن ينفتحون على الآخر والحدث والعالم، لكي يمارسوا هويتهم بوصفها متعددة الأبعاد، وعلى نحو يتيح التوليف البنّاء بين الإرث الديني والتجديد الحداثي، أو بين الهوية الوطنية والمدى العالمي.

 

وهذا أيضاً شأن المسلم الذي يعيش في البلاد العربية: يستحيل عليه أن يواجه المتغيرات والتحديات بعقلية تقليدية تراثية، بدعوى المماهاة مع الأصول. فهو سوف يتغيّر لا محالة، إما بصورة سلبية كما يفعل أصحاب العقليات الأصولية المغلقة؛ أو بصورة إيجابية وبناءة، راهنة وعالمية، كما يفعل ذوو الهويات المرنة والمفتوحة. وهؤلاء يمارسون عالميتهم، ليس رجوعاً إلى الوراء، على أساس نظام الخلافة، بل بالمساهمة في صناعة الحياة المعاصرة على أساس مبادئ المواطنة ومفاهيم الحداثة وقواعد الشراكة الكونية.

 

أخلص من ذلك إلى القول إن ممارسة الدين بوصفه أسلمة شاملة للحياة، بمختلف وجوهها ودوائرها وأنشطتها، مآله تقويض الحريات، وابتلاع المؤمن للمواطن، وتحويل الجماعات الدينية إلى ألغام موقوتة داخل المجتمعات، فضلاً عن المآزق التي تقود إليها المشاريع الأصولية.

 

الأجدى إعادة الأمور إلى نصابها، بالتعامل مع الدين كمجال من مجالات الحياة، كمشروعية بين مشروعيات عديدة، كفاعلية تشترك مع بقية القوى والفاعليات في أعمال الإصلاح والتحديث والإنماء.

 

بهذا المعنى لا يجري التعامل مع الدين كحكومة أو دولة أو نظام سياسي أو برنامج اقتصادي، ولا حتى كهوية ثقافية، وإنما يعامل كرصيد خلقي أو كرأسمال رمزي، يحمل الواحد على ممارسة التقى في علاقته بسواه، بحيث يمكنه الانخراط في بناء حياة مشتركة مع نظرائه، بصورة سويةٍ، متوازنة، مدنية، سلمية، آمنة، وسط كل هذا الفحش في العنف والاستهلاك والنهب والتبديد للثروات والموارد.

كاتب ومفكر لبناني

==========================

دمشق.. وبيروت.. حفلة زفاف سياسية!!

الرياض – السعودية

21-12-2009

في زيارة الحريري لدمشق العديد من الفوائد ليس لصالح البلدين فقط، وإنما للمنطقة برمتها، فنحن نعلم أن الفاصل الحدودي مصطنع أمام حقائق التاريخ والواقع إذ تجمع البلدين تقاليد ومصاهرات وماضٍ مشترك في كل شيء، ويبقى الخلاف أمراً استثنائياً ربما جاء من مواريث متعددة حين كان العالم الثالث لعبة العالم الأول..

 

فسورية ليست البلد الذي يمكن أن يهمَّش، أو يوضع خارج مسارات الأحداث في المنطقة وخارجها، وعندما خطت سورية لفتح الحدود مع تركيا، وهي الحليف الرئيسي لأمريكا، والصديق لإسرائيل، لم تنظر لهذه الاعتبارات من زاوية الحرب الباردة، بل جاء تفكيرها منصباً على المكاسب التي ستجنيها من مصالحة ارتفعت إلى المشاركة، وقد تكون القنطرة لفتح الحدود مع كل الوطن العربي..

 

أما مع لبنان فالأمر لا يتعلق بعلاقات شكلية عندما نرى التحدي الإسرائيلي يهدد وجود البلدين وأن التنمية في اشتراطاتها الحديثة تفترض أن يعاد تأسيسها على فهم متطور حيث لبنان مركز مالي وسياحي، بينما سورية طاقة إنتاج وممر حدودي للبنان باتجاه الوطن العربي المشرقي، وهذه الفرضيات الجغرافية والاقتصادية ، وديناميكية الشعبين تجعل الأهداف متحققة إذا ما أخذ كلّ من البلدين تصورات المستقبل، وقراءة ما جرى طيلة السنوات الماضية..

 

صحيحٌ أن لبنان ذهب في مراحل ماضية لأنْ يكون بؤرة هددت الأمن العربي وانتهت بحرب أهلية واحتلال إسرائيلي، ومع التجارب يبدو أن الدروس جاءت مفيدة للجميع بأن الناتج من تلك التوترات كلّف لبنان الكثير، وأن حكم الطائفة الواحدة أياً كان موقعها والتأييد الخارجي لها، هو تفكير يقفز على حواجز تكوين الوطن والدولة وحتى التوجه العام..

 

الخطوة تباركها كل الدول العربية، لأننا لم نجنِ من الماضي القريب ، حين تحول الصراع من خارج الوطن العربي لداخله، إلاّ ضعف الجبهة العربية أمام الخصوم جميعاً، والدليل أن ما يجري على جبهات فلسطين، والعراق، والسودان وغيرها كان من أسباب انشقاق الوضع العربي وترديه عندما يدّعي كل طرف الحق، وفرض الرأي على الآخر، في وقت شهدنا كيف صارت مراسم الاحتلال والتدخل في الشأن الداخلي العربي، والذي يعد من صميم صلاحية الدولة ممارسته، وحتى عندما عشنا على استجداء غيرنا بالتأييد والتحالفات، جاءت خسائرنا مضاعفة .

 

وهزائمنا مذلة، لأن من يدّعي حمايته من قوة خارجية يراهن على سيادة وطنه، ولعل القيمة الأساسية من عودة العلاقات السورية - اللبنانية إلى طبيعتها، أنها تعتبر ثمرة سياسية واقعية، ورؤية بعيدة المدى في قراءة شأن البلدين، وجميع المؤثرات عليهما سواء من جنى المكاسب من تلك الخلافات أو من أوصلها إلى القطيعة..

 

الظرف الراهن يحتاج إلى تحليل عميق لكل الشأن العربي، إذا ماعلمنا أن لدينا الإمكانات التي تعزز نهوضنا، وتبقي الإرادة السياسية الأهم، لأن خلافاتنا، بالدرجة الأولى، سياسية عطلت خلفها المشاركات الاقتصادية والأمنية وغلق الحدود لأسباب غير وجيهة، وهو المطلب القومي بأن تعاد القراءة الصحيحة لجميع شؤوننا حتى نصل إلى العامل المشترك الذي يجمعنا..

الرياض

==========================

أكبر من نافذة

الإثنين, 21 ديسيمبر 2009

غسان شربل

في النهاية تجد الدول المتجاورة نفسها أمام خيار وحيد هو التطلع الى المستقبل. على رغم وطأة بعض محطات الماضي. وأحداثها. وقسوتها. وعلى رغم الجروح. والحساسيات. والوقائع. والاتهامات. والمرارات.

لا تستطيع الدول التهرب طويلاً من قدرها الجغرافي. ولا الاستقالة منه. شرايين المصالح. انتقال الأفراد والبضائع. بوابات التجارة. وبوابات الاستقرار. لا تبنى السياسات على معاندة القدر الجغرافي. ولا تبنى على الاستسلام له. تبنى على فهمه واستيعابه واحتوائه بشبكة من المصالح العليا للمقيمين على جانبي الحدود الدولية.

القدر الجغرافي لا يعطي الجانب الأقوى تفويضاً بإدارة مصير الجانب الأضعف. لا يعطي الجانب الأضعف تبريراً لتحيّن كل سانحة للانقلاب على الطرف الأقوى. ثمة مكان اسمه منتصف الطريق. أو قرب منتصف الطريق.

لا نتحدث هنا عن التاريخ. قصته مختلفة. التعامل معه أسهل. يمكن انتقاء روايات وتجاهل أخرى. يمكن بتر روايات والتحايل على روايات. الاستسلام للتاريخ مكلف ومحفوف بالأخطار. خيار السباحة الدائمة ضده ينتمي الى القماشة نفسها. يمكن اخضاع التاريخ لجراحات تجميلية. الجغرافيا لا تتسع لهذا النوع من الاجتهادات. يمكن التشاطر على محكمة التاريخ. أحكام محكمة الجغرافيا مبرمة. حكمت المحكمة.

تسقط الدول المتجاورة أحياناً، ولأسباب كثيرة، في فخ التصادم. تبني الجدران. وتوزع الأسلاك الشائكة. وتذهب أحياناً أبعد من ذلك. يحاول طرف شطب الآخر أو تغيير لونه أو يحاول ترويضه. ويحاول الطرف الآخر إقلاق جاره أو ارباك قراره أو زعزعة استقراره. وفي النهاية تتغلب حسابات المصالح. مصالح الناس ومستقبلهم. يكفي تاريخ العلاقات الفرنسية - الألمانية لشرح قصة الجغرافيا والتاريخ معاً. أقوى العلاقات هي المبنية على الأرقام واحترام القانون الدولي والحدود الدولية. العلاقات التي توفر فرص عمل واتصال وفرص ازدهار واستقرار.

تذكرت قصة التاريخ والجغرافيا وأنا أشاهد، عبر الشاشات، الرئيس السوري بشار الأسد يستقبل رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري. كان واضحاً أن الأسد استقبل ضيفه بلفتات هي ثمرة قرار بطيّ صفحة الماضي والتطلع الى المستقبل. وكان واضحاً أن الحريري ذهب الى دمشق استناداً الى قرار شجاع اتخذه بطيّ صفحة الماضي والتطلع الى المستقبل. والطي الكامل لصفحة الماضي يحتاج احياناً الى طبيب اسمه الوقت.

ولا غرابة في حصول اللقاء الذي كان هناك من يعتقده مستحيلاً أو بالغ الصعوبة. شعور الأسد أن بلاده استطاعت جبه العواصف التي هبّت عليها أو قربها في السنوات الأخيرة الماضية يعطيه قدرة عالية على المرونة والاعتدال. فالمصالحات العربية - العربية تبقى ناقصة من دون مصالحة سورية - لبنانية. ومن غير المنطقي مثلاً أن تكون علاقة دمشق بأنقرة ممتازة واستراتيجية وتكون علاقتها مع بيروت مضطربة وشائكة. إن سورية التي استعادت دورها العربي والاقليمي البارز وانفتاحها الأوروبي قادرة على بناء علاقة متوازنة مع لبنان تعزز دورها وتحفظ حقوقه ومصالحه.

في المقابل يمكن القول إن الحريري يملك من القوة ما يمكنه من اتخاذ قرارات صعبة. هناك نتائج الانتخابات النيابية. وزعامته المعتدلة وغير المنازعة لطائفته. وتخطي هذه الزعامة حدود الطائفة. وترسانة علاقاته العربية والدولية. وتفرده بين الأقطاب اللبنانيين بالقدرة على إثارة الأمل لدى المواطن العادي بالاستقرار والازدهار. ويعرف الحريري ما يعرفه اللبناني العادي وهو أن العلاقات «الصريحة والصادقة» مع سورية شرط للاستقرار اللبناني.

ما قاله الحريري، ومن السفارة اللبنانية في دمشق، يوحي بأن نافذة جدية قد فتحت وبإرادة مشتركة. لا بد من حماية هذه النافذة على قاعدة التطلع الى المستقبل واستخلاص عبر الماضي. فتح النوافذ بعد سنوات شائكة يحتاج الى شجاعة. صيانة النوافذ تحتاج الى الحكمة والواقعية واحترام المصالح.

==========================

لا أخشى قنبلة إيران ... ولكن أخشى أطماع إيران

الإثنين, 21 ديسيمبر 2009

جهاد الخازن

الحياة

كان جحا يجلس على عتبة باب بيته والناس يروحون ويجيئون أمامه وقد تملّكه الملل. وقرر بعض التسلية فهتف ببعض المارة أمامه أن يعجّلوا لأن هناك حفلة زفاف ووليمة كبرى عند طرف القرية. وأسرع المارة الى حيث أشار جحا، وسمع آخرون كلامهم فأسرعوا وراءهم، ورأى جحا الناس في الطريق والكل يركض الى حيث أشار، وقال في نفسه إنه ربما كان هناك زفاف ووليمة في آخر القرية وركض وراءهم وقد صدق كذبته.

ومن جحا الى اسرائيل، فهي الكذبة الأصلية التي صدقها أصحابها حتى أصبحوا يتحدثون عن بلد من النيل الى الفرات، مع أن اسرائيل القديمة لم توجد حتى في الضفة الغربية، أو اليهودية والسامرة عندهم، ولم تقم أي مملكة يهودية في أي مكان من فلسطين، وإنما كانت هناك قبائل صغيرة، الأرجح أنها من أصول كنعانية، والرومان اضطهدوا الجميع إلا أنهم لم يطردوا اليهود من القدس سنة 70 ميلادية ولم يهدموا هيكل سليمان، فالنبي هذا بصيغته التوراتية اختراع مثل داود قبله، وهما غير الأنبياء الوارد ذكرهم في القرآن الكريم الذي نعرف جميعاً أن الوحي فيه يصحح الرواية اليهودية.

هل يعقل أنه بعد 60 سنة من احتلال فلسطين وبعد عقود من البحث قبل ذلك في ظل الانتداب البريطاني لم يعثر اليهود على أي أثر تاريخي، بمعنى آثار، عن تلك الممالك القديمة أو الهيكل المزعوم؟ واليهود حفروا فعلاً تحت الحرم الشريف ووجدوا آثاراً أمويّة، ولم يكفوا عن الكذب.

ثمة آثار محدودة ولكنها عن قبائل عابرة، مثلها مئات مرت في المنطقة، ومقابر ولكن لا ممالك.

استرسلت وما سبق مقدمة، فبعد الكذبة القديمة اختصر التاريخ الى آخر كذبة، وهي القنبلة النووية الإيرانية.

إيران لا تملك هذه القنبلة، ولن تملكها في سنة أو خمس، والمعلومات متوافرة لمن يريد أن يعرف، وهي أن أنابيب الطرد المركزي استطاعت تخصيب اليورانيوم حتى خمسة في المئة، وتشغيل مفاعل مدني، كالموجود قرب طهران لإجراء تجارب طبية، يحتاج الى يورانيوم مخصب حتى 19.75 في المئة، لذلك كان الاتفاق في جنيف ثم فيينا الذي تراجعت عنه إيران ونص على أن تسلم روسيا 75 في المئة من مخزونها من اليورانيوم، أو حوالى 1200 كيلوغرام، وتتولى روسيا التخصيب حتى 19.75 في المئة وتتبعها فرنسا بتحويل اليورانيوم هذا، وهو في حوالى 120 كيلوغراماً، الى صفائح تستعمل في المفاعل المدني.

المعلومات تقول أيضاً إن القنبلة النووية تحتاج الى يورانيوم مخصب أكثر من 90 في المئة، وهذا ما يستحيل أن تفعل إيران، حتى لو بنت عشرة مفاعلات جديدة كما وعد محمود أحمدي نجاد، لأن الأساس أنابيب الطرد المركزي، وهذه يجب أن تكون محركاتها بسرعة هائلة للتخصيب الحربي، أو الى مستوى 90 في المئة أو أكثر.

يا ناس اسألوا الدكتور محمد البرادعي عن الموضوع، ثم اقرأوا تقارير الجمعيات العلمية والخبراء النوويين، وستجدون أن كل ما عند إيران اليوم هو معرفة انتاج قنبلة نووية لا وسائل انتاجها فعلاً، وهي معرفة متوافرة على الإنترنت لمن يرغب.

ثم اقرأ في الصحف الغربية نقلاً عن تقارير استخبارات أن إيران طورت «كبسولة» نيوترون، المستعملة في تفجير القنبلة النووية.

تقارير استخبارات مسرّبة يعني إعلاماً أسود، وراءه الموساد حتى لو كان التسريب من لندن أو باريس أو واشنطن. ولو افترضنا أنه صحيح، فإيران تملك «الكبسولة»، إلا أنها لا تملك الرصاصة النووية، أي أن بيت النار فارغ إلا من «كبسولة» مزعومة.

عندما لا يكون التسريب مشبوهاً لمصدره وموضوعه، يتبرع أحمدي نجاد بأخبار من عنده، لذلك سمعنا عن تجربة إيرانية لإطلاق صاروخ متطور يصل مداه الى اسرائيل. إذا افترضنا أن هذا صحيحاً، فماذا سيضع أحمدي نجاد في رأس الصاروخ؟ ثلاثة من الباسيج أو عشرة؟

اليهود الذين صدقوا الكذبة الأولى عن اسرائيل التوراتية، صدقوا كذبتهم الأخيرة عن قنبلة إيران، مع أن الموضوع ببساطة هو أن إدارة بوش في آخر سنة لها، وإدارة أوباما في أول سنة تحدثتا عن حل القضية الفلسطينية، فقالت اسرائيل: إيران.

لعل في اسرائيل اليوم من يصدق أن إيران في سبيل امتلاك قنبلة نووية إن لم تكن تملكها فعلاً، كما أن بين المستوطنين من يبني في أراضي الفلسطينيين، وقد صدق الكذبة السابقة عن أرض الميعاد، وكما صدق جحا بين هذا وذاك كذبته عن وليمة في آخر القرية.

لا أخشى قنبلة إيران لأنها غير موجودة، ولكن أخشى أطماع إيران في الخليج لأنها موجودة، ثم أخشى أن تجر اسرائيل أميركا وأوروبا الى مواجهة عسكرية مع إيران، بعد قرار عقوبات رابع في مجلس الأمن، وندفع نحن الثمن، فنحن ذلك اليتيم الخرافي على مأدبة اللئام، ولا أقول سوى ربّنا يستر.

============================

ماذا بعد زيارات الرؤساء اللبنانيين لواشنطن ودمشق؟

باسم الجسر

الشرق الاوسط

21-12-2009

لم يكن جديدا على الرئيس الأميركي ما سمعه من رئيس الجمهورية اللبنانية في زيارته الأخيرة إلى واشنطن. ولا كان ما سمعه الرئيس سليمان من الرئيس أوباما والمسؤولين الأميركيين، بجديد عليه. ولن تغير هذه الزيارة شيئا في موقف واشنطن من لبنان، ولا من موقف لبنان من واشنطن وطهران ودمشق والرياض والقاهرة، ومن السياسة العربية والخارجية التي التزمت بها الحكومة اللبنانية في البيان الوزاري. فلماذا، إذن، اندلع الجدل في لبنان حول هذه الزيارة؟ لماذا ارتفعت الأصوات، من هنا وهناك، مؤيدة أو منتقدة أو متحفظة؟ ولماذا كانت تلك «الاستنابات القضائية السورية»، قبيل زيارة الرئيس الحريري إلى دمشق، وهي، مهما قيل في تبريرها، لا يمكن أن تفسر بأنها بادرة إيجابية من «القضاء والقدر» السوري.

صحيح أن خطاب حزب الله بات أقل عنفا وتحديا لفريق 14 آذار، وأن الجنرال عون المعتبر نفسه منتصرا في معركة تأليف الحكومة الائتلافية، بات يتكلم ويتصرف متعاليا على الجميع. وأن انفصال وليد جنبلاط عن فريق 14 آذار أضعف هذا الأخير وقوى فريق 8 آذار. وأن الرئيس الحريري مضطر إلى العض على الجراح وتقديم مصلحة الدولة والوحدة الوطنية على المصالح التي رفع شعارها وهو خارج الحكم. وأن واشنطن وباريس والرياض والقاهرة والاتحاد الأوروبي لم ولن تتخلى عن لبنان، ولا عن دعمها لكيانه واستقلاله وسيادته وديمقراطيته، لا سيما في الظروف الإقليمية والدولية الراهنة. كل هذا صحيح وراهن ومعروف. فلماذا، إذن، كل هذا الجدل العقيم واللف والدوران حول قضايا يعرف الجميع أنها ممنوعة من الحل؟

إن واشنطن - وغيرها من الدول الكبرى - سوف تمد لبنان بالسلاح والعتاد اللذين يحتاجهما لتعزيز جيشه. ولكن السؤال يبقى مطروحا: إلى أي درجة من «التعزيز»؟ طبعا، لا ينتظر من واشنطن أن تعطي لبنان صواريخ باتريوت أو ستايغر أو طائرات حربية متطورة يتمكن بواسطتها منع إسرائيل من التحليق فوق أراضيه. كما أن الطائرات الحربية النفاثة الروسية الموعودة لن تستطيع الطيران إلا فوق البحر الأبيض المتوسط نظرا لقصر المسافة بين بيروت والحدود الإسرائيلية أو السورية. ولكن التعزيز، كما ذكر، هدفه تمكين الجيش من حفظ الأمن ومقاومة الإرهاب. ولكن: أي إرهاب؟ المقصود بالإرهاب هنا: القاعدة وفتح الإسلام وما شابهها من تنظيمات. وليس حزب الله المشارك في الحكم (الذي لا تحبه الولايات المتحدة، على حد قول السفير فيلدمان، أخيرا)، والذي تركت قضية سلاحه معلقة فوق طاولة الحوار. وهو حوار قد يمتد سنوات، أو إلى «أن يعود الفلسطينيون إلى فلسطين»، كما صرح الجنرال عون، نيابة عن حزب الله. أما تنفيذ القرار 1701، فإن الموقف الرسمي اللبناني منه، كما جاء على لسان رؤسائه، هو احترامه وتنفيذه. رغم أن واشنطن والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن تعتبر أن هذا القرار لم ينفذ ما دام أن السلاح لا يزال يتدفق من الخارج على حزب الله.

السؤال الجديد المطروح، اليوم وغدا، هو: هل تستطيع الحكومة اللبنانية الائتلافية الجديدة، أن تقود عربة الحكم التي يجرها حصانان، كل منهما يندفع في اتجاه معاكس للآخر؟ نعم، يقول البعض، إذ ليس أمام الحكم سوى الاحتفاظ بالجوادين، والحؤول دون انفصالهما وتعريض عربة الحكم للتحطم. وكلا، يقول آخرون، لأن الثقة مفقودة بين الفريقين، ولأن أي أزمة حادة تقع في المنطقة أو الجوار، من شأنها أن تنسف الائتلاف الحكومي.

قيل، قديما، إن «قوة لبنان هي في ضعفه». ولكن هذه المعادلة سقطت في الحرب الأهلية، وربما استبدلت بمعادلة أخرى هي «أن ضعف لبنان هو في وجود قوة عسكرية في داخله أقوى من الدولة». صحيح أن البعض يعتبر سلاح حزب الله الصاروخي وقدراته وخبرته في المقاومة رادعا لإسرائيل. ربما، ولكن هذا السلاح يضغط سياسيا على كل القوى السياسية في لبنان، ولا يرتاح له المجتمع الدولي، وقد يشكل، يوما ما، ذريعة لعدوان إسرائيلي على لبنان. وقد تكون الذريعة مفتعلة من إسرائيل.

إن زيارة الرئيس سليمان إلى واشنطن كانت مفيدة رغم التشويشات الخفيفة التي تعرضت لها. كذلك زيارة الرئيس الحريري إلى دمشق. بل وكل الزيارات التي يقوم بها المسؤولون اللبنانيون إلى الرياض والقاهرة وأوروبا وطهران وأنقرة. ولكن الزيارات الأجدى والأنفع قد تكون تلك التي يتبادلها خصوم الأمس من الزعماء والقادة الذين جمعت الحكومة الائتلافية بينهم، من أجل بعث الثقة المتبادلة بينهم، وتعاونهم في تحقيق ما يمكن تحقيقه من مطالب وأماني اللبنانيين. وهي كثيرة جدا. أما القضايا المصيرية ونصف - المصيرية، فليتركوها.. للقضاء والقدر.

==========================

حكومات وشعوب

بثينة شعبان

الشرق الاوسط

21-12-2009

في أجمل ردّ فعل أوروبي على النتيجة المشينة للاستفتاء السويسري (29 تشرين الثاني 2009)، الذي قضى بحظر بناء المآذن في سويسرا، يقوم الشباب الأوروبي في فيينا وسويسرا عموما، باستخدام صور للمآذن كأساس للزينة المستخدمة في أعياد الميلاد. فقد أخذ هؤلاء الشبان الذين يعتبرون التصويت بحدّ ذاته منافيا لحريّة العبادة، والتي هي حقّ أساسي من حقوق الإنسان، في توزيع ملصقات ملوّنة وبأحجام مختلفة لمآذن على شكل بطاقات معايدة، بالإضافة إلى بناء مجسّمات على أشكال مساجد صغيرة تعلوها مآذن مزخرفة وبأشكال وألوان متنوعة تتدلّى من سقوف حجراتهم وصالات تجمعاتهم وكأنها ثريات، رافعين معها شعار «فلتزيّن سقفي مئذنة». كما أصبح عدد من الشباب السويسريين من أشدّ المتحمسين لفكرة المآذن، ليس فقط كزينة لأعياد الميلاد، بل بما في ذلك صنعها كحلويات من الشيكولاته ومخبوزات تدخل في صنعها المكسرات وجوز الهند، وتفوح منها النكهات الشرقية، بدلا من تلك الصور التي نشرها العنصريون المتطرفون، حيث تبدو المآذن صواريخ حربية على وشك الانطلاق، خلال الاستفتاء السويسري على حرمان المسلمين من حق من حقوق الإنسان، وهذا أغرب استفتاء. إذ كيف لأي حكومة أوروبية أن تستفتي على حرمان فئة دينية أو عرقية حقا من حقوقها؟

علّ هذا الاستفتاء وغيره من القرارات الحكومية بمنع الحجاب أو بناء المساجد، أحدث الأمثلة على أن الحكومات الغربية لا تقدّر حجم الألم والمعاناة التي تسببها للأقليات والشعوب المسلمة، فهذه السياسات والإجراءات تؤشر للطغيان وليس للديمقراطية، والتعصّب الديني وليس للعلمانية.

وفي خضم تنفيذ مثل هذه السياسات التي لا تعبّر عن أي إحساس حقيقي بالعدالة، ولا تنسجم مع قيم الديمقراطية المترسخة في الضمير الشعبي في الغرب، نجد أنّ فئات واسعة من الشعوب الغربية نفسها تبتعد شيئا فشيئا عن مثل هذه الخطط المتشددة، والمقولات المتعصّبة والسياسات التي تذكرنا بالأبارتايد التي تتبناها حكوماتها، إلى درجة يمكن أن نتحدث فيها عن أزمة مصداقية جوهرية تسود العلاقة بين الشعوب والحكومات في العالم الغربي.

وعلّ أحدث مثال على الفجوة الأخلاقية بين الشعوب وحكوماتها، هو ما حدث لتسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة المتورطة بجرائم الاغتيال وهدم المنازل والتعذيب، والتي ما زالت تفاخر حتى اليوم بدورها في قتل أكثر من 1400 من النساء والأطفال والمدنيين وهم نيام في منازلهم التي دمّرتها الطائرات الإسرائيلية على رؤوسهم في غزة.

فقد تمكّنت مجموعات حقوقية، من استصدار أمر قضائي من المحاكم البريطانية لإلقاء القبض على ليفني باعتبارها متورّطة في جرائم حرب ضد المدنيين.

إننا نستذكر أن شامير الذي أصبح رئيسا لوزراء إسرائيل كان قد عمّمت صورته كإرهابي وتحتها عبارة «مطلوب»، وذلك لدوره في قتل المبعوث الدولي الكونت بيرنادوت وغيره من المدنيين، ولكن الحكومات الغربية كانت تستقبله بحفاوة كرئيس حكومة وتمنحه الحصانة من المحاكمة على الجرائم التي ارتكبها بيديه.

ولكن ومهما يكن من أمر، فإن بعض الساسة البريطانيين بدأوا بتقديم الاعتذارات المشينة إلى ليفني المتورطة بجرائم حرب واغتيال، والتأكيد لها بأنها «شخص مرحّب به لدى الحكومة البريطانية». وحملت الأنباء عزم هذه الحكومة على «تغيير القوانين» كي لا يتم اعتقال مسؤولين إسرائيليين متّهمين بارتكاب جرائم حرب، بينما تستمر جمعيات حقوق الإنسان ونقابات حقوقية ومجموعات مؤيدة للعدالة، بالمطالبة الحثيثة والنشاط الإعلامي كي يتم القبض على مجرمي الحرب وقاتلي الأطفال.

هنا تظهر فجوة حقيقية بين حكومات ما زالت تحاول ممالأة مجرمي الحرب الإسرائيليين، غير مدركين أن حس العدالة يملأ عقول وقلوب البشر في كل مكان، خاصة بعد أن شاهد العالم بأمّ عينه جرائم حكام إسرائيل في مجزرة قانا الأولى في لبنان عام 1996، ومجزرة قانا الثانية في عام 2006، اللتين راح ضحيتهما أطفال ونساء، كما شاهدت الشعوب الجرائم التي ارتكبها حكّام إسرائيل ضد المدنيين ومنازلهم ومدارسهم وجسورهم في لبنان عام 2006، وتكررّ المشهد الإجرامي الدّامي في غزة، ولم يعد أحد قادرا اليوم على إنكار حقيقة جرائم الحرب الإسرائيلية التي يفلت فيها من العقاب، المجرمون من السياسيين العسكريين الإسرائيليين، ولذلك يكرّرون ارتكاب هذه الجرائم. ولكنّ الشعوب ما زالت تبحث عن الأسلوب الأنجع لوضع حدّ لهذه الجرائم، فيما تسعى الحكومات الغربية، لأسبابها الخاصة، إلى التغطية على المجرمين، بل وممالأتهم وتزويدهم بأحدث القنابل الفوسفورية والعنقودية وبترسانة نووية وصاروخية وجوية لارتكاب جرائم الحرب ضد المدنيين. فها هي أيضا مجموعات بريطانية نشطة تستصدر قرارا تُلزم فيه محلات البيع بالتمييز بين البضائع الإسرائيلية القادمة من المستوطنات وغيرها، كما أثار عدد من اليهود المؤيدين للحق الفلسطيني وغيرهم من المسيحيين والمسلمين في الجامعات البريطانية منذ فترة بداية حملة لمقاطعة البضائع الإسرائيلية من أجل إرغام إسرائيل للانصياع لمتطلبات السلام. وقد اعتبرت الصحف الإسرائيلية في حينه أن هذه الحملة غير مسبوقة ويجب مناهضتها بشتى السبل، وأن الحديث عن المقاطعة يجب أن يكون من المحرمات.

على الحكومات الغربية الكف عن استخدام عبارات «الحضّ» و«الانتقاد» و«التشجيع» التي لا يسمعها حكام إسرائيل والسماح لشعوبها بمحاسبة الطغاة.

لا شك أن الجرائم التي يرتكبها حكام إسرائيل، مثل ليفني ونتنياهو، يوميا ضد المدنيين الفلسطينيين من خلال هدم المنازل، والقتل، والتعذيب، والحصار القاتل، الذي ما زالوا يفرضونه بالتعاون مع حلفائهم على مليون من المدنيين العزّل في غزة، ورغم التعتيم الإعلامي الذي يتبعونه واغتيال الإعلاميين والتنكيل بهم، قد بدأت تصل إلى ضمائر الشعوب، ولذلك فإن المتوقع هو أن تزداد البيانات القضائية لإلقاء القبض على مجرمي الحرب الإسرائيليين حيثما توجهوا، ولن تتمكن حتى الحكومات المتواطئة مع هؤلاء المجرمين من إخماد صوت شعوبهم.

الكثير من شرفاء العالم قد تفوّقوا على بعض العرب في مواقفهم النبيلة دفاعا عن حق الشعب الفلسطيني في الحريّة، فقد أصبحت قضية فلسطين قضية عدالة للعالم، وسوف ينضم إليها عاجلا أو آجلا، كل شرفاء العالم، وسوف ينتهي الأمر بحصول الشعب الفلسطيني على حريّته وعلى حقوقه العادلة، تماما كما انتهى الأمر بنصرة شعب جنوب أفريقيا بعد عقود من القهر العنصري البغيض. ما يفعله إذن بعض حكام العالم الغربي بممالأتهم مجرمي الحرب، رغم انكشاف حقيقتهم للجميع، هو أنهم يطيلون أمد الصراع والمعاناة والألم ولا يكسبون سوى عار التواطؤ مع مجرمي حرب وطغاة دمويين يفخرون علنا، كما فعلت ليفني أخيرا، بقتل مئات الأطفال والنساء.

لنقرأ ما كتبه رئيس الوزراء الهولندي السابق دريس فان آخت، الذي أسس مع وزيري الخارجية السابقين هانس فان وم برويك، وهانس فان ميرلو، مجموعة للدفاع عن حقوق الفلسطينيين: «لفترة طويلة اعتقدت أن إسرائيل لا يمكنها أن ترتكب خطأ وكان هذا فشلي، والحقيقة مختلفة تماما». يكتشف آخت وغيره من الغربيين أن قيام إسرائيل يمثل كارثة بالنسبة للملايين من الفلسطينيين الذين يعانون منذ ستين عاما من القهر والقتل والاضطهاد العنصري.

لقد بدأ الأحرار بالاهتمام بعمق المعاناة الإنسانية في فلسطين، وأخذت شعوب العالم تطلع على حقيقة هذه المعاناة، وتأخذ مواقفها المؤيدة لعدالة هذه القضية لا فرق في ذلك بين مسلم ومسيحي ويهودي. وكانت مجموعات الضغط الصهيونية نجحت حتى أخيرا، عبر تمويل الحملات الانتخابية للسياسيين الغربيين وكسب الانتهازيين منهم، والتعتيم على الحقائق وتشويهها، في تضليل الرأي العام الغربي عن حقيقة هذا الصراع، ولكن لا مستقبل لهذا التضليل، ولا لمن يؤيدونه خوفا أو ممالأة أو عنصرية. ولن تتمكن كل الجدران العنصرية، وكل أساليب الحصار الظالمة من أن تمنع صرخات أطفال فلسطين المظلومين والمقهورين من الوصول إلى قلوب البشر، كيف لا وفلسطين هي أرض المسيح وعذاباته، وسيشهد العالم نهاية عذابات أهل فلسطين مهما تجبّر مجرمو الحرب والمتواطئون معهم، ولكن وفي هذه الأثناء يكتشف العالم أزمة حكم، وأزمة ديمقراطية، وأزمة قيم، وأزمة مصداقية بين القول والفعل، وبين من يدّعي تمثيل الشعوب من جهة، وبين حقيقة مشاعر وقناعات وطموحات هذه الشعوب.

=======================

عقبات الحوار العربي التركي الإيراني

جريدة السبيل

د. إبراهيم البيومي غانم

12/12/2009

سيتغير وجه الشرق، وستأخذ قضايا العرب والمسلمين مساراً مختلفاً وإيجابياً؛ فقط عندما تجتمع القوى الثلاث الرئيسية: العرب والأتراك والإيرانيون. ولكن ثمة عقبات كثيرة تحول دون اجتماع هذه القوى ناهيك عن تعاونها. وأول خطوات إزالة تلك العقبات هو "الحوار" على مستويات متعددة بين النخب الفكرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والأمنية والعسكرية في الأطراف الثلاثة.

 

قبل عدة سنوات، وفي ندوة عقدها "مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات" بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية/جامعة القاهرة، ومنتدى أبانت لحوار الثقافات باسطنبول(ديسمبر 2007) دعونا إلى ضرورة إجراء حوار عربي/تركي / إيراني بشكل منتظم ووفق منهجية واضحة، وأن يتولى تنظيم وتسيير أعمال هذا الحوار هيئة مؤسسية باسم "المنتدى الدائم للحوار العربي التركي الإيراني". واستندت الفكرة الرئيسية لهذا المقترح على حقائق الواقع السياسي والاستراتيجي التي لا فكاك منها بالنسبة لأي من الأطراف الثلاثة، وفي مقدمتها أن أي قضية كبيرة تشهدها المنطقة تلقي بآثارها على القوى الإقليمية الكبرى وخاصة تركيا ومصر وإيران. وأن أي أزمة تنشب هنا أو هناك سرعان ما تزداد تعقيداً بسبب انعدام الحوار والتفاهم المتبادل؛ ليس فقط على المستوى السياسي الرسمي بين قادة هذه القوى الإقليمية، وإنما أيضاً بين مختلف المستويات الثقافية والعلمية والأكاديمية والإعلامية في بلدان المنطقة.

 

اليوم أضحى تأسيس هذا المنتدى الدائم أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، وخاصة في ضوء تصاعد الدور الإقليمي لتركيا، مع احتدام المواجهة بين إيران والغرب بشأن ملفها النووي، وكذلك في ضوء تفاوت ردود الفعل العربية تجاه التحركات التركية وتجاه قضية الملف النووي الإيراني. هذا التفاوت يتراوح بين الترحيب والتشكيك في نوايا هذا الطرف أو ذاك وفي أهدافه، إلى حد التخويف من أن له طموحات في إحياء النزعة التوسعية العثمانية، أو الفارسية في ثوب جديد.

 

الطريق إلى ممارسة حوار دائم (عربي تركي إيراني) ليس ممهداً، بل هو مليء بالعقبات والتحديات، ومسكون بكثير من الهواجس والصور النمطية السلبية المتبادلة بين مختلف الأطراف.

 

صحيح أن العلاقات العربية التركية تشهد "حراكاً" إيجابياً متعدد الجوانب منذ عدة سنوات، وعلى عدة مستويات. ولكن رغم التحسن النسبي الذي أحدثه هذا الحراك في مستوياته المتعددة بين العرب والأتراك عموماً؛ إلا أن مجمل الأوضاع والقضايا الإقليمية التي يتقاسمها الطرفان تشير إلى أن الرواسب السلبية للحقبة السابقة لا تزال قائمة، وأن القوى الأجنبية عن المنطقة تجد أن من مصلحتها استمرار هذه الرواسب السلبية وتغذيتها، وخاصة ما يتعلق بالتوترات السياسية التي تحول دون التقاء مثلث القوى الإقليمية الكبرى وهي: مصر وإيران وتركيا.

 

صحيح كذلك أن الضلع العربي التركي من هذا المثلث قد تجاوز حالة التوتر والصراع ـ الذي كاد أن ينزلق إلى مواجهة عسكرية بين سوريا وتركيا سنة 1998ـ وانتقل إلى حالة الاستقرار والتعاون الاستراتيجي كما في الحالة التركية السورية، والتركية العراقية، والتركية الخليجية؛ إلا أن هذا الوضع الإيجابي لا يزال يعاني من مشكلتين أساسيتين تعرقلان جهود تطوير العلاقات العربية التركية ورفعها إلى مستوى تعاوني أكثر عمقاً، وأعظم فائدة لجميع الأطراف.

 

العقبة الأولى هي غياب رؤية عربية مشتركة تجاه تركيا. فجامعة الدول العربية ـ مثلاً ـ لا تشهد اجتماعاتها أية مناقشات جادة حول كيفية بناء رؤية عربية للعلاقات مع تركيا، لا في الجوانب الاقتصادية والمصالح المتنامية للشركات التركية في مختلف البلدان العربية، ولا في الجوانب السياسية والأمنية التي تنخرط تركيا من خلالها في كثير من القضايا العربية وعلى رأسها قضية العراق، وقضية فلسطين، وقضية الصراع/السلام مع الكيان الصهيوني. والحاصل هو أن أغلب المبادرات تأتي من الجانب التركي، ومع كل دولة على حدة، دون التشاور أو التنسيق مع دول عربية أخرى، والاستثناء الوحيد هنا هو حالة العلاقات التركية مع دول مجلس التعاون الخليجي.

 

ليس العيب في توجهات السياسة التركية، أو اعتمادها نمط العلاقات الثنائية مع العالم العربي، وإنما العيب كامن في حالة التشرذم العربي، وضعف مستويات العمل المشترك بين حكومات الدول العربية، ناهيك عن التعاون الاستراتيجي فيما بينها. والواقع يقول إن سياسة المحاور(غير المعلنة) وما تؤدي إليه من استقطابات سلبية في السياسة العربية/العربية لا تزال هي السائدة، ولا تزال المصلحة العربية المشتركة هي الغائبة. وفي ظل هذه الحالة فإن تركيا هي الرابح الأكبر من مجمل التحولات الإيجابية في العلاقات العربية معها؛ سياسياً بتحسين صورة تركيا في الشارع العربي، واقتصادياً بميل الميزان التجاري لصالح الجانب التركي. والذنب هنا ليس ذنب الأتراك، بقدر ما هو ذنب العرب.

 

العقبة الثانية هي بطء ـ وأحياناً تردد ـ خطوات التقارب التركي/المصري. ولهذا البطء وذاك التردد أسباب متنوعة، بعضها نابع من طبيعة الانقسامات العربية/ العربية، وأهمها الانقسام بين دول ممانعة وأخرى معتدلة من منظور المواجهة مع الكيان الصهيوني والمشروع الأمريكي للهيمنة على المنطقة. ولما كانت السياسة الخارجية التركية تعتمد مبدأ الانفتاح على الجميع، وعدم الوقوف مع أحدهم على حساب الآخر، فإن خطواتها للتقارب مع أحد الأطراف العربية من محور الممانعة كسوريا مثلاً، تعتبر خطوة تباعد في نظر طرف عربي آخر من محور الاعتدال كمصر مثلاً، والعكس قد يكون صحيحاً أيضاً.

 

وهذا هو ما يفسر حالة التردد والبطء في تطور العلاقات المصرية التركية رغم إدراك جميع الأطراف أنها لا غنى عنها لتطوير مجمل العلاقات العربية التركية. فكل المعطيات السياسة، والجيو/سياسية تؤكد على أن "مصر" عندما تغيب عن موقع القلب من هذه العلاقات، تختل جميع العلاقات العربية، وخاصة مع القوى الإقليمية الكبرى وعلى رأسها كل من إيران وتركيا. ويدرك صناع القرار في حكومة العدالة والتنمية التركية هذه الحقيقة تمام الإدراك، ويعبرون في كل مناسبة عن تقديرهم الكبير لمصر ومكانتها الإقليمية الكبرى.

 

وقد أتاحت محنة غزة التي تعرضت لها أثناء تعرضها للعدوان الإسرائيلي الإجرامي نهاية العام الماضي ومطلع هذا العام، فرصة نادرة لتطوير العلاقات المصرية التركية باتجاه تطوير شامل للعلاقات العربية التركية على قاعدة "القضية الفلسطينية"؛ المفترض أنها القضية المركزية للعالمين العربي والإسلامي.

 

أثناء أزمة العدوان على غزة قطع الطرفان التركي والمصري بعض الخطوات الإيجابية باتجاه توثيق وتنسيق العلاقات بينهما، ولكن تعقيدات القضية وكثافة الضغوط الإقليمية والدولية سرعان ما أدت إلى حجز جهود مصر عن المضي أكثر في هذا المسار، وتوقفت المساعي بين البلدين عند مستوى العلاقات الثنائية، بل وثارت بعض الهواجس لدى الجانب المصري من أن يكون الدور التركي ينوي الحلول محل الدور المصري؛ وهو ما نفته الخارجية التركية في حينه بعبارات قوية وصريحة.

 

كانت محصلة درس غزة هو أن صناع القرار في السياسة المصرية لم ينجحوا في استثمار تلك الفرصة التي لاحت باتجاه تعميق العلاقات التركية المصرية من جهة، وإحداث نقلة نوعية في مجمل العلاقات العربية التركية انطلاقاً من دور مصر القيادي من جهة أخرى. وكان للحساسيات العربية/المصرية، والمصرية/الإسرائيلية دور كبير في عرقلة هذا المسار.

 

العقبة الثالثة هي وجود توتر شبه دائم في العلاقات الإيرانية مع كل من مصر والسعودية. هذا التوتر ليس له مبرر ولا يحكمه منطق المصلحة المشتركة لا العربية ولا الإسلامية. وتؤكد كل الأزمات التي شهدتها المنطقة، وآخرها أزمة العدوان الإجرامي الإسرائيلي على غزة، على أن هذا التوتر المستمر مع إيران هو أحد أهم أسباب ضعف مواقف الأطراف الإقليمية الثلاثة(مصر ـ إيران ـ تركيا)، وهو سبب رئيسي في تشتيت قواها بعيداً عن خدمة المصالح الإقليمية المشتركة.

 

وليس جديداً أن نقول إن قوى الهيمنة الأوروبية والأمريكية حريصة كل الحرص على الإبقاء على التوتر العربي الإيراني، والتخويف من"خطر إيراني" محدق بدول الخليج وبغيرها من البلدان العربية، والآن بات التخويف يشمل تركيا أيضاً. فمثل هذا الحرص مفهوم ومعروف ومنسجم مع أعراف السياسة الاستعمارية (فرق تسد) تجاه العالم الإسلامي، ولكن غير المفهوم وغير المقبول هو أن تستسلم القوى الإقليمية ذاتها لهذا المنطق، وأن تبقى في حالة تبادل الشكوك والاتهامات؛ بدلاً من تبادل الرأي والحوار المباشر دون المرور بالرؤى والتصورات التي تبثها وسائل الإعلام الأمريكية والصهيونية.

 

تركيا من جانبها قامت بتصحيح علاقاتها مع كل من العرب وإيران وفق رؤية إستراتيجية جديدة ومعلنة وباتت معروفة للجميع. بقي أن تنهض إيران ومصر والسعودية معاً لتصحيح مسار علاقاتها المتبادلة وفق رؤية تستجيب لتطلعات شعوب المنطقة ومصالحها، وتكون أكثر قدرة في الوقت نفسه على التخلص من أسر الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة وحلفاؤها على كل طرف على حدة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ