ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 27/12/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


حلف الناتو بدون تركيا

ديفيد شينكر - "وول ستريت جورنال"

26-12-2009

الدستور

الاتحاد الأوروبي ناقش لفترة طويلة موضوع ميزات عضوية تركيا للاتحاد الأوروبي. ولكن الآن ، وبعد عقد تقريبا من تولي الاسلاميين للسلطة في أنقرة ، لم يعد السؤال المركزي فيما اذا كان يجب دمج تركيا في اقتصاد أوروبا وهيكلها السياسي ، بل ما اذا ما كان يجب الإبقاء على تركيا جزءا من هيكلية الدفاع الغربي.

 

التطورات الأخيرة تقول أنه في حين أن قيادة تركيا العسكرية تبقى ملتزمة بالتقاليد العلمانية للدولة ، فإن أنقرة تتبع سياسات متزمتة بشكل متزايد في الداخل ، مثلا مهاجمة وسائل الاعلام المستقلة ، والتحالف مع أنظمة عسكرتارية معادية للغرب في بلدان الشرق الأوسط وغيرها.

 

الاثبات الأخير لتغير السياسة التركية تمثل في الغاء مشاركة إسرائيل في مناورات حلف الناتو في تركيا ، والإعلان في نفس اليوم عن مناورات مشتركة وشيكة مع سوريا ، الدولة الموضوعة على قائمة الولايات المتحدة "للدول الداعمة للارهاب". هذه التطورات جاءت بعد أسابيع فقط من قيام أنقرة ودمشق بإنشاء "مجلس اعلى للتعاون الاستراتيجي". هذه التطورات قد تكون مؤشرا على بداية النهاية لعلاقات تركيا العسكرية والاقتصادية القوية مع الدولة اليهودية.

 

في أثناء ذلك ، تتحرك أنقرة باتجاه تقارب أكثر مع طهران بالرغم من تقويض الأخيرة للاستقرار في أفغانستان والعراق بتزويد المتمردين في كلا البلدين بالمتفجرات التي تقتل جنود الناتو والجنود الاميركيين. النظام الايراني يهدد أيضا بإبادة اسرائيل. وزيادة على ذلك قامت تركيا وايران بالتوقيع على عدة اتفاقيات تعاون أمني في السنوات القليلة الماضية ، كما ألمح ، رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ، إلى معارضته فرض عقوبات على ايران ، قائلا أنه "يعتقد بقوة أن قلق المجتمع الدولي حول برنامج ايران النووي يجب أن يهدأ".

 

التحول الدراماتيكي في سياسة أنقرة يبدو غير متوافق مع القيم الأساسية التي تشكل جزءا من اسس الحلف. شركاء الناتو محكومون بالمباديء الواردة بوضوح في وثيقة عام 1949 ، والتي تؤكد على "رغبة الدول الأعضاء بالعيش بسلام مع كل الشعوب والحكومات ... الالتزام بالحفاظ على الحرية ، والارث المشترك وحضارة شعوبها ، والمؤسسة على مباديء الديموقراطية ، والحرية الشخصية وحكم القانون". والدول الأعضاء ملتزمون أيضا "بتنمية الاستقرار ورفاهية منطقة شمال الأطلسي".

 

فيما تتحول سياسة أنقرة ، فإن استعداد تركيا للتصدي لصعاب سياسية تتعلق بمهام قد تضعف أيضا ، ما يجعل التزامها "بالدفاع الشامل" موضع تساؤل. وعلى الرغم من أن تركيا قامت بنشر قوات لبعثة الناتو في أفغانستان ، فإنه ليس واضحا أن أنقرة يمكن أن تدعم جهود الناتو لايقاف الضغط الروسي غربا باتجاه لاتفيا أو ليوثوانيا.

 

وعلى الرغم من أن سياسة أنقرة تغيرت ، فإن الجيش ذي النزعة المؤيدة للغرب لم يتغير. والجيش التركي لا يستطيع أن يراقب الجمهورية العلمانية ، الديموقراطية ، والموالية للغرب التي أنشأها مصطفى كمال أتاتورك في بداية القرن العشرين وهي تتقوض.

 

ورغم أنه من المبكر جدا شطب تركيا من حلف الناتو ، فإن الحلف سيصل يوما الى نقطة يجب أن يقرر معها. في العام 2014 سيتسلم الناتو الجيل الجديد من الطائرات الهجومية. ونظرا لاتجاه السياسات التركية ، أسئلة جدية يجب أن تطرح حول ما إذا كان يمكن الثقة بالحكومة الاسلامية في أنقرة بوجود أسلحة متطورة تكنولوجيا.

 

حان الوقت ليبدأ الناتو التفكير بسيناريو أسوأ الاحتمالات في تركيا. ذلك أنه حتى لو بقيت الدولة التي تزداد أسلمة شريكا في حلف الناتو ، فإنه يبدو أن تركيا لن تكون شريكا يعتمد عليه. منذ الثلاثينيات ، كانت البلد نموذجا للتحديث والاعتدال في الشرق الأوسط. ولكن في غياب تغير جذري ، سيبدو كما لو أن الغرب يخسر تركيا. وإذا ما حصل ذلك ، فإنه سيشكل أكثر التطورات دراماتيكية في المنطقة منذ الثورة الاسلامية في ايران في ,1979

============================

إفلات إسرائيل وحلفائها من العقوبة سيكون له ثمن

سويماس ميلن - "الغارديان"

الدستور

26-12-2009

عندما يتم تقديم أدلة تثبت ارتكاب جرائم حرب ، قد تتوقع أن تبدي الدول ، التي تدعي الدفاع عن سيادة القانون ، رغبة في إجراء تحقيق حول هذه الجرائم ومحاسبة الجناة. لكن الوضع مختلف كثيرا عما تتوقع. قرار أحد قضاة لندن إصدار مذكرة اعتقال بحق وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني ، بسبب وجود أدلة على انتهاكات خطيرة لقوانين الحرب في غزة ، أشعل غضبا رسميا في بريطانيا.

 

فقد صرح وزير الخارجية ، ديفيد ميليباند ، بأن تصرف المحكمة كان "مزعجا جدا". صحيفة التايمز وصفته "بالعمل البغيض". غوردون براون أكد البارحة لليفني أن إجراءات ستتخذ لضمان عدم حدوث أمر كهذا مرة أخرى.

 

ما حدث هو أن ليفني ألغت زيارتها وأن المذكرة سُحبت. ولكن بالنسبة للحكومة البريطانية ، لا يبدو أن الأدلة المقتضبة على جرائم الحرب خلال شلال الدم في غزة - بما فيها قتل مدنيين يلوحون بالرايات البيضاء ، استخدام الدروع البشرية وغارات الفسفور الأبيض على المدارس - تعتبر أمرا مزعجا. إن ما يزعجها هو محاولة استخدام مبدأ القضاء العالمي الذي تدعي بريطانيا تأييده لمحاسبة السياسيين الذين أمروا بالهجوم العنيف.

 

بالطبع ، كان منطقيا أكثر لو قامت إسرائيل بإجراء تحقيق مستقل حول سلوك جنودها في حرب غزة. هذا ما دعا إليه غولدستون كلا الجانبين في تقريره - بغض النظر عن الطرف المقصر ، دول أخرى كان يجب أن تبدأ بإجراء تحقيقاتها الخاصة. بدلا من ذلك ، إسرائيل تطالب بريطانيا بتغيير قوانينها على الفور ، والحكومة البريطانية تحاول التغطية على الموضوع والاعتذار.

 

لا شك أن بريطانيا والولايات المتحدة ، بسجلهما الخاص من جرائم الحرب في العراق وأفغانستان ، تخافان من أنه اذا جرى تطبيق القضاء العالمي على إسرائيل فإن الأمر يمكن أن يُطبق عليهما أيضا. من الواضح أن الغرض من هذا المبدأ كان يُطبق على دول تتحدى النفوذ الغربي أو على الدول الأفريقية ، وليس على "شريك استراتيجي" و"صديق مقرب" ، كما وصف ميليباند إسرائيل هذا الأسبوع.

 

لكن مزاعم إسرائيل بأن هناك تعمدا في توجيه اللوم لها يعد واهيا اذا ما تم تمحيصه: فما تقوله يشير إلى أنها تحاول أن تضع نفسها فوق متناول القانون الدولي. المحاولات لمحاسبة القادة الأميركيين أو البريطانيين بسبب حربي العراق وأفغانستان قد أُفشلت بقوة ، ولكن كان هناك تحقيقات رسمية وإدانات لمن هم في رتب متدنية في القيادة العسكرية العليا. في حرب غزة ، أدين جندي إسرائيلي وحيد بتهمة سرقته لبطاقة ائتمان.

 

مقولة أن مفاوضات السلام سوف تتقوض اذا لم يتمكن بعض الساسة الإسرائيليون من السفر للخارج ما كان يجب أن تغير القرار. وزراء الحكومة لديهم حصانة قانونية ، وبالتالي فهم لن يتأثروا. والتسوية القابلة للحياة في الشرق الأوسط لم تعد تعتمد على ترتيبات سفر رموز المعارضة الإسرائيلية أكثر من تلك الخاصة بقائد حماس خالد مشعل.

 

مع ذلك ، هي تعتمد على أن تبدأ الدول الغربية بتطبيق معايير عامة على كلا الجانبين في الصراع. القناعة بأن مثل هذه الخطوة غير متوقعة هو ما قاد مؤيدي النضال الفلسطيني ، القائم منذ ستة عقود سعيا وراء العدالة ، للبحث عن أي وسيلة وكل وسيلة لسد الفجوة: لهذا السبب جاءت زيارة عطلة الأسبوع الماضي الى محاكم لندن.

 

ليس من الصعب إدراك السبب الذي يجعلهم يشعرون على هذا النحو. فبعد عام من الهجوم على غزة - الذي وصفته ليفني بأنه إسرائيل "في قمة الحماس" لم يتغير شيء. الصواريخ التي يفترض أنها كانت المبرر لتدمير غزة توقفت فعليا طوال السنة ، كما كانت متوقفة معظم الوقت الأشهر الستة التي سبقت الهجوم ، وحماس هي من ضبطتها.

 

في الحقيقة ، المقاومة المسلحة في الأراضي الفلسطينية المحتلة محدودة جدا. لذا من الواضح أن هذا ليس العقبة في وجه تحقيق سلام عادل ، كما يُزعم غالبا. ولكن الحصار الهمجي لقطاع غزة ما زال مستمرا دون توقف ، تدعمه الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي ، ما يترك سبعين بالمائة من أهل غزة يعتاشون على أقل من دولار في اليوم ، دون مياه نظيفة أو وسائل لإعادة بناء 21 ألف منزل 280و مدرسة 16و مستشفى دمرت كليا أو جزئيا في كانون الأول وكانون الثاني الماضيين.

 

وبدلا من تشجيع تخفيف الحصار كمكافأة على وقف إطلاق النار ، أقنعت الولايات المتحدة مصر ببناء جدار جديد على حدودها مع غزة لمنع التهريب عبر الأنفاق الذي يحفظ الغزيين من الفقر المدقع.

 

في غضون ذلك ، المصادرة الإسرائيلية غير القانونية للأراضي وبناء المستوطنات يتواصل بسرعة في الضفة الغربية المحتلة ، وخاصة في القدس. مبادرة باراك أوباما للسلام ذهبت أدراج الرياح. وكونه أصر على التجميد الكامل للمستوطنات ، دفع برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الى أن يتحداه لتنفيذ ما يقوله ، الولايات المتحدة تحاول الآن خداع الرئيس الفلسطيني البائس محمود عباس بقبول فشل أوباما.

 

في الوقت نفسه ، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يمولان ويدربان ويديران جهاز أمن فلسطيني يقوم بشكل منظم باعتقال خصومه السياسيين دون محاكمة وتعذيبهم ، بالتواطؤ مع إسرائيل. بضع مئات من ناشطي حماس أُعتُقلوا خلال الأسبوعين الماضيين فقط. من المفهوم جيدا وعلى نطاق واسع أنه لا يمكن لتسوية سلام حقيقية أن تدوم دونما وحدة فلسطينية ، ولكن المطالبة بالتضييق على حماس بذريعة محاربة "الإرهاب" ، تجعل الولايات المتحدة وأوروبا من التسوية أمرا مستحيلا.

 

اذا أطلقت إسرائيل ، كما هو متوقع ، سراح المئات من السجناء الفلسطينيين مقابل إطلاق سراح جلعاد شاليط ، الجندي الإسرائيلي الأسير ، من المحتمل أن تتغير ديناميكية السياسة الفلسطينية ، ربما لمصلحة حماس. الثقة في مفاوضات إضافية تقود نحو تقدم حقيقي ، في أدنى مستوياتها. كما أخبرني جبريل الرجوب ، أحد قادة فتح المحنكين وحليف عباس ظاهريا: "لو كان الأميركيون جادين ، كانوا سيشجعون المصالحة الوطنية. ولكنهم ليسوا كذلك ، انهم يختلقون الأعذار".

 

يقول الرجوب: رغم أنه حدد بأنه لا يعني بالضرورة المقاومة المسلحة ، اذا استمر ذلك فسيضطر الفلسطينيون الى "التفكير في خيارات أخرى. ويجب أن يكون الاحتلال أمرا مؤلما بالنسبة للإسرائيليين ، لا يمكنهم التمتع بالاحتلال والأمن معا". ذلك أمر واضح أكثر بكثير بالنسبة لحماس ، التي من المؤكد أنها لن تواصل وقف إطلاق النار الذي لا تتلقى ردا عليه سوى الحصار والقمع العنيف.

 

هناك حديث عن انتفاضة أخرى اذا استمر التطور الحالي في الوضع. وكما ظهر هذا الأسبوع ، إسرائيل تتمتع بحصانة من طرف حلفائها الغربيين ، ولن تغير مسارها ما لم يصبح الثمن أعلى بشكل ملحوظ. ولا أهمية لشعور الغرب بالقلق أو الذنب حينما تأتي المتاعب التالية - أو القول :بأن ما فعلته إسرائيل غير شرعي ولا قانوني - إذا ما امتد أثره الى أبعد من الشرق الأوسط.

============================

إمارة غزَّة أولاً

المستقبل - السبت 26 كانون الأول 2009

العدد S1880 - رأي و فكر - صفحة 11

ميشيل كيلو

هل عبر ما وقع في غزة عام 2007 ضد "فتح" عن تبدل في سياسات حركة حماس تجاه القضية الفلسطينية والعدو ؟. اعتقد أن الإجابة يجب أن تكون بالنفي، فالحركة سعت منذ يومها الأول إلى تصدّر العمل الوطني الفلسطيني وانتزاع قيادته، وعملت بصمت لتهميش قوى المقاومة الأخرى، بما في ذلك الإسلامية منها، لاعتقادها أن أدوارها لن تكون مؤثرة في صراع ضار على فلسطين، سيطول دون أن يحل سلميا، وأن ما قد يتم بلوغه من حلول وتسويات سيكون عابرا ووقتيا، ما دام الصهاينة لن يتخلوا عن سياسات الاستيطان والتوسع والقضاء على شعب فلسطين، وبما أن هذا الشعب لن يتنازل، بالمقابل، عن حقه التاريخي في أرضه، ولن يقبل حلولا تعطيه جزءا صغيرا من أرضه الوطنية.

بهذا الاقتناع، كان من الضروري أن تظهر حماس بمظهر قوة تجمّع طاقات فلسطين ضد العدو من جهة، وأن تواصل التشكيك في شرعية وجود المنظمات الأخرى، بمقارنة نشاطها مع ما تحرزه هي من تقدم في ساحة القتال، وتحققه من إنجازات تنظيمية ونضالية تعزز الإيمان الشعبي بخطها، وتقنع الفلسطينيين بأنها القادر الوحيد على انتزاع حقوقهم من العدو، والمقاتل الذي لا يساوم عليها من جهة أخرى. وقد ساعدها على بلوغ هدفيها المرحليين هذين انسحاب العدو من قطاع غزة من دون شروط، وما عرفته " فتح " من فساد وترهل، وسيطر على عقلها من أوهام سلامية كاذبة، وتبنته من أساليب عمل أساءت إلى تاريخها كحركة تحرر وطني رائدة، وأوهمتها أنها صارت دولة، مع أنها لم تكن يوما غير سلطة منقوصة ومقيدة وتحت الاحتلال.

هكذا، تشددت حماس ضد العدو، في المرحلة الأولى من كفاحها، إلى أقصى حدود التشدد، وكسبت قطاعات وازنة من شعب مظلوم أوصلته ألاعيب التسوية السلمية وإخفاقاتها إلى حافة اليأس، وأشعرته أن تضحياته تضيع، وأن العائد الوطني من استشهاد وموت مئات آلاف الفلسطينيات والفلسطينيين كان صفريا أو قريبا من الصفر، وأن فساد وتراخي قياداته الفتحاوية يضيعان مكاسب وثمار تضحياته الهائلة، ويهددان بطي صفحة نضال ما بعد عام 1965، وبإضافتها إلى صفحات نضالية سابقة، انتهت بدورها إلى لا شيء.

تشدد ضد العدو وتراخ حيال الصديق، أعقبه في مرحلة تالية ومع تعاظم قوة الحركة، مواقف معاكسة تمثلت في تشدد حيال الصديق السابق، أخرجه بالقوة من قطاع غزة، وتراخ تجاه العدو لتفادي معركة كسر عظم معه، أملاه أساسا سببان:

- إدراك قادة الحركة أن قدرتهم على إيذاء إسرائيل،المنسحبة من القطاع، محدودة، وقدرة إسرائيل على إنزال الأذى بهم لا حدود لها. بعد تهديدات متكررة بسحق جيش العدو، عرفتها الحقبة الأولى، حقبة القتال الجدي ضد الاحتلال، آثرت حماس مواصلة لغة التهديد والوعيد، وفي الوقت نفسه، تجنب مواجهة مكلفة معه خلال غزو غزة نهاية عام 2008، كي لا تضعف نفسها وتقوض دورها. ذلك، جعل ممكنا مرابطة كتيبة دبابات إسرائيلية كاملة طيلة أيام خمسة في حديقة برشلونة وسط غزة، ومغادرة المكان دون أن تطلق عليها النار، مع أن الزعيم خالد مشعل كان قد هدد بجعل أطفال غزة يلعبون بأشلاء دبابات العدو وجنوده، وكرر تهديده مرات عديدة قبيل الغزو. واليوم أيضا، تريد حماس الحفاظ على قواها، الكافية للسيطرة على القطاع ولمنع " فتح " من العودة إليه، وغير الكافية لخوض معركة عالية الشدة مع إسرائيل، التي تعلق من جانبها آمالها على الانقسام الفلسطيني، ولا ترى نفعا من رفع يد حماس عن القطاع، بما أن سيطرتها عليه تلعب دورا مهما في تقويض الوحدة الوطنية الفلسطينية، وتشق فلسطين إلى إمارتين متنافستين متصارعتين لا قيمة قتالية أو نضالية حقيقية لأي منهما، وتعطيها دورا كبيرا في تعزيز السلطة وتعضيد جهودها، الهادفة إلى منع حماس من السيطرة على الضفة الغربية، لأن هذه السيطرة توحد فلسطين من جديد، وتغير لمصلحتها تغييرا ملائما علاقات القوة بينها وبين الاحتلال.

- قطعت حماس شوطا واسعا في وضع يدها على قضية فلسطين، وهي اليوم بحاجة إلى تهدئة ظرفية تمكنها من تسليح نفسها بصورة مناسبة، تعوضها عن أدائها المخيب خلال الغزو، وتعزز تأثير إعلاناتها الكلامية المتشددة، المربحة بسبب إصرار السلطة على مواصلة مفاوضات عبثية لا عائد وطني لها، وفشل جهودها في الحد من توسع الاحتلال الاستيطاني أو إقناعه باستئناف التفاوض معها على أسس مقبولة، أو إيقاف ملاحقة وقتل حتى أنصارها في الضفة الغربية. التهدئة مطلوبة اليوم، لكنها قد تستمر لفترة غير قصيرة، فمن الضروري اتخاذ موقف متشدد لفظيا معتدل عمليا، يكسب الحركة الوقت، ويوطد قبضتها على القطاع ويحسّن مواقعها في الضفة، بانتظار المزيد من فساد فتح وإخفاقات سلطتها. هذه التهدئة تتطلب التفاوض مع فتح حول مصالحة وطنية، على أن لا تلغي بأي حال أو شكل تفردها بغزة، الذي يندرج في عمل يتجاوز فلسطين ويتصل بالحراك الإسلامي العام في المنطقة العربية وجوارها، وحقق منجزا فلسطينيا مهما هو تحرير غزة من إسرائيل وفتح، ووطد مكانة حماس كحركة مقاومة نزيهة لا تساوم، وأبرز برنامجها المقاوم كبرنامج مضاد لبرامج المستسلمين للعدو. ليس حراك حماس عابرا. إنه حراك طويل الأمد، وجزء من حراك عام، يتخطى غزة وفلسطين، لن ينجح إن هو تركز في مكان واحد، أو فشل في التنقل بين البلدان العربية والإسلامية، محرزا تقدما هنا بينما هو مجمد هناك، ومتوطدا في هذا البلد قبل نقله إلى ساحته التالية في مناطق أخرى، ضمن حركة دائبة لا تفتأ دوائرها تتسع، رافعة سوية التحدي الإسلامي للغرب وإسرائيل وبعض نظم المنطقة إلى درجة جديدة مع كل دورة. ومن يتابع ما يجري في اليمن والمغرب العربي وفلسطين والصومال والعراق وموريتانيا... يلمس وجود هذا الحراك المتشعب والمتعدد الأذرع، الذي ما أن يهدأ في بلد حتى يتحرك في آخر، علما بأن تجميده وتحريكه يستجيب لاستراتيجية واسعة تغطي الإقليم العربي وبلدان إسلامية كثيرة، وتركز على فلسطين لما لقضيتها من دور تعبوي مؤثر على علاقات شعوب المنطقة بنظمها وحكوماتها، ولأن فلسطين يجب أن تحظى بمعاملة خاصة، بصفتها الحلقة الحاسمة في الصراع مع أعداء الإسلام وخصومه، مهما كانت أسماؤهم.

في منظور هذا الصراع الواسع، ثمة مسألتان مهمتان:

- الصراع على فلسطين هو في الجوهر صراع إسلامي يتخطاها، من غير الجائز أن يكون قصير الأمد أو مرتبطا بقضية فلسطين وحدها، أو أن يتوقف نتيجة تسوية سلمية، مهما كان نوعها، فلا بد من خوضه بطريقة تطيله وتديمه من جهة، وتبرز طابعه الإسلامي من جهة أخرى.

- الصراع ديني، طرفاه الإسلام واليهودية، فلا يجوز السماح باستيلاء جهة غير إسلامية عليه، ولا يجوز لأحد البحث عن أية تسوية سلمية له، ما دام حله النهائي يرتبط بانتصار المشروع الإسلامي، الذي تعد القضية الفلسطينية رافعته الأكثر رمزية وخطورة، لكنها ليست بنده الوحيد، فعليها، إذن، الاتصال بباقي بنوده والخضوع لحسابات الربح والخسارة في مجاله الأوسع.

والخلاصة: ليست المصالحة الوطنية الفلسطينية أولية استراتيجية. إنها قضية تكتيكية الطابع، فإن تمت، فيجب أن تتم لفترة محدودة ولإغراض وأهداف تخدم المسائل الاستراتيجية. وليست الهدنة مع العدو دائمة. أنها تفرض نفسها الآن، لكنها لن تبقى غدا، حين يأتي الدور من جديد، في الحراك الإسلامي الواسع، على حماس. ومن غير الجائز بعد اليوم ربط الصراع على فلسطين بالصراع العربي/ الإسرائيلي، الأصح ربطه بالصراع بين الإسلام وعدوه الحقيقي: الغرب عامة وأميركا خاصة، وإن أخذ صورة صراع مباشر مع إسرائيل : فرعها الشرق أوسطي.

ليست إمارة غزة مكسبا عاديا: إنها قاعدة إسلامية محررة وحاضنة فلسطين الإسلامية، التي لا يحق للحركة التفريط فيها، وإلا خانت، هي والحركات الإسلامية الأخرى، دينها. ستتمسك حماس بالإمارة، ولن تتخلى عنها لأي كان، بمصالحة أم بغير مصالحة، لاعتقادها أن فلسطين استعادت في غزة بعض ثوبها الإسلامي الأصلي، وأنها ستعود، بفضل الحركة، إلى هويتها الإسلامية الكاملة والحقيقية، التي ستتكفل بتحريرها من البحر إلى ما وراء النهر، طال الزمن أو قصر!.

============================

المشكل التنموي العربي والإدارة السياسية

الرأي الاردنية

26-12-2009

رضوان السيد

كان من نتائج القمة الاقتصادية بالكويت، تكليف الجامعة العربية بتقديم تقارير في القطاعات المختلفة عن الأوضاع التنموية في البلدان العربية، وبالتعاون مع الدول العربية لجهات إرسال المعلومات للجامعة، ومتابعة الأسئلة والاستشكالات والاستفسارات. وقد استمع مجلس الجامعة مؤخرا إلى تقرير مبدئي (أعد بالتعاون مع وكالة التنمية بالأمم المتحدة) أثار سخط كثرة من أعضاء المجلس، من ممثلي الدول بالجامعة؛ ولعدة جوانب: أرقام البطالة، ومسائل الفقر، ومسائل الأمية، ومسائل تعليم النساء، والنمو الاقتصادي العام. ورغم مبدئية التقرير وقابليته للمراجعة والتنقيح والتصحيح؛ فإن الأرقام جاءت مخيفة في الكثير من الجوانب المبحوثة أو المستطلعة. ففي قضية البطالة بين الشباب على سبيل المثال، ما وقعت عند نسبة ال50,6 غير دولة الإمارات العربية. وهذا فضلا عن ارتفاع نسبة الفقر والبطالة في بعض الدول العربية بحيث تزيد على ال50 من عدد السكان في بعض البلدان. وقد احتج بعض ممثلي الدول بالجامعة على نقص المعلومات، أو على خطئها، أو على تجاهل الظواهر الإيجابية والاكتفاء بذكر السلبيات. وقد يكون شيء من بعض ذلك أو كله صحيحا ويستحق التعديل والتطوير. لكن المسألة أكبر من ذلك وأبعد مدى. فما ورد في التقرير المبدئي سبق أن ورد مثله في أربعة تقارير كتبها مثقفون واقتصاديون عرب، ورعتها وكالة التنمية بالأمم المتحدة. كما سبق ورود بعض الوقائع والإحداثيات في عشرات التقارير الصادرة عن جهات إقليمية أو أوروبية أو عربية: لدينا مشكلات أساسية في التنمية البشرية أو الإنسانية تتجلى في الفقر والبطالة وارتفاع نسبة الأمية، وتراجع مستويات التعليم، وضعف المشاركة في النمو العالمي، وضعف مؤسسات الخدمات العامة، وضعف مفاهيم المواطنة وتطبيقاتها. وقد ركز المثقفون من كتبة التقارير السابقة على الضعف الثقافي والعلمي العربي؛ من حيث عدد القراء، والكتب المترجمة إلى اللغة العربية من اللغات العالمية الحية، وضعف مشاركة المرأة، وسريان الالتباس والاختلال إلى مفاهيم الهوية والانتماء، والتشققات الاجتماعية والانفصامات ذات الأصول الإثنية والمذهبية. وما كانت هناك رغم الاحتجاجات واتهامات التحيز من جانب ممثلي الدول إجابة رقمية أو تقديرية عن أساب هذا التردي. وقد أساء إلى بعض تلك التقارير تظاهر إدارة بوش - التي كانت تشن حملات عسكرية وديمقراطية على سائر الأنظمة العربية - بدعمها؛ كأنما كانت حالات العجز والقصور والضعف التي تعاني منها الأنظمة؛ مبررا للهجمات الأميركية للهدم والتخريب.

وبالفعل فإن بعض المثقفين الليبراليين الجدد تشجعوا بالهجمة الأميركية وراحوا يعقدون الاجتماعات، ويصدرون البيانات حول التغيير الديمقراطي المنشود. ثم انقضت تلك الموجة كما بدأت بذهاب إدارة بوش وتغير السياسات الأميركية تجاه المنطقة في الإدارة الجديدة من جهة، وانصراف الأنظمة والمثقفين عن الدعوة للديمقراطية بعد أن لم يعد أحد يطالب بها! على أن التقارير المقدمة إلى قمة الكويت الاقتصادية - كما إلى قمم عربية أخرى كثيرة - عن ضرورات ومشروعات التعاون المشترك، والمتابعة السالفة الذكر بالجامعة العربية، لا علاقة لها بالتسييس أو التحيز أو الحملة على الأنظمة. بل إنها تأتي من ضمن مؤسسات النظام العربي، وبغرض ترميمه وتقويته. فما يقوله التقرير إحصائيات مجردة أو عارية، وما تدعو إليه ضرورات من أجل الاستقرار والاستمرار، تكاد تفقأ العين بظهورها ووضوحها. فلا يفيد فيها الإنكار والمكابرة. بل هي تدعو ذوي العقول والإحساس بالمسؤولية إلى متابعة هذه الظواهر السلبية الهائلة، بما يليق بها من الاهتمام، لتأثيراتها الفاجعة على حاضر العرب ومستقبلهم. والواقع أن الدول العربية لا تخلو أي منها من وجوه نجاح أو بروز وإن لم يتحول ذلك إلى ظاهرة في أي منها. ثم إن بعض هذه الظواهر عالمي ولا يختص به العرب أو بعض دولهم. لكن ليس في أي من هذين العاملين تعزية من أي نوع. ولذلك يكون علينا أن نتتبع الظواهر المصاحبة أو التي تقع ضمن مشكلات الفقر والعوز، والبطالة، وتدني مستويات التعليم، وتوسط نسب النمو أو انخفاضها. وأقصد بالظواهر المصاحبة ما يمكن اعتبار الإدارة السياسية سببا رئيسيا فيه؛ وإن لم تكن السبب الوحيد.

والظواهر المصاحبة للحالة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية المتفاقمة، تنحصر على وجه التقريب في خمس: التشققات ووجوه الانقسام التي تشهدها المجتمعات العربية. وهذه مسائل قديمة نسبيا، لكن الجديد فيها النواحي الدينية والمذهبية. وثاني تلك الأمور: تعطل التداول على السلطة في أكثر أقطار الوطن العربي. وثالث تلك الأمور طرائق إدارة الشأن العام أيضا في أكثر أقطار الوطن العربي. ورابع تلك الأمور: علائق الدول العربية فيما بينها، وفي الإقليم ومع العالم.

وخامس تلك الأمور: القضية الفلسطينية في مرحلتها الجديدة، والتحديات التي تطرحها ومنها القديم المعروف، والجديد المتمثل في الانقسام الفلسطيني الداخلي. في الظاهرة الأولى المتعلقة بالانقسامات الاجتماعية المستجدة على المستوى الديني والمذهبي، نلاحظ أن الانقسامات المذكورة ظهرت في السنوات الأخيرة - إلى جانب الانقسامات الإثنية والجهوية - في عدة بلدان عربية ما عرفتها من قبل. وفي الوطن العربي تمايزات دينية ومذهبية تاريخية؛ لكنها ما صارت مشكلة سياسية إلا منذ نحو العقد أو العقدين. ويمكن أن نذكر هنا الإحياء الديني الإسلامي والوعي المختلف الذي نشره باعتباره عاملا مهما في الانقسام. كما يمكن أن نذكر التدخلات الإيرانية. لكن هذين العاملين ليسا كافيين؛ وبخاصة في بلدان مثل الصومال واليمن والسودان. ولذا لا بد في مثل هذه الحالات من البحث في مسؤولية الإدارة السياسية، والنظر في مسؤولية الإرادة السياسية حضورا وغيابا. أما الظاهرة الثانية المؤثرة في كل شيء تقريبا، فهي تعطل التداول على السلطة في الأنظمة الوراثية وغير الوراثية. والملاحظ أنه في الأنظمة غير الوراثية فإن هذا التعطل يسري من رأس النظام إلى أخمص قدميه. وقد كانت لذلك آثار مدمرة على المستوى الاجتماعي والمستوى السياسي. وأول تلك الآثار غياب المشاركة من جانب النخب أو ضعفها، والغربة بين الحاكم والجمهور لتضاؤل فكرة الشرعية أو احتقارها. وقد شهدت المرحلة الماضية أنظمة تحاول أن تصطنع لنفسها شرعية ثورية أو تغييرية؛ لكن هذه الأمور غابت منذ ثلاثة عقود. وبقي الحال على ما كان عليه دونما حجة غير القوة العارية. أما الظاهرة الثالثة المصاحبة لمشكلات الفقر والأمية وسوء الأحوال الصحية والتعليمية والثقافية فتتمثل في طرائق إدارة الشأن العام.

ويشمل الشأن العام بحسب ما هو معروف في الدول الحديثة أربع مسائل رئيسية: الحراك السياسي، وحكم القانون، وعمل مؤسسات الخدمة العامة، والتوجه الإنمائي. وكما يشمل الحراك السياسي مسألة التداول على السلطة، يشمل أيضا التكون الحزبي، وعمل مؤسسات المجتمع المدني، والانتخابات الحرة والمنتظمة. ويشمل حكم القانون مسائل العدالة القضائية، ومسائل الحقوق والواجبات وكيف يجري التعامل معها، بحيث يضفي ذلك على النظام مشروعية تقوم على الشراكة بين الدولة والمواطن.

أما عمل مؤسسات الخدمة العامة في الصحة والتعليم والبني الأساسية؛ فإنه لا يستقيم إلا بالتكوين المتطور، وحكم القانون، والمراقبة والمحاسبة. لكن كيف يستقيم ذلك ما دام الأصل الدستوري المتمثل في التداول على السلطة غائبا أو ضعيفا، وكذلك الأمر مع حكم القانون. وما دامت المؤسسات لا تعمل على مديات متطاولة فإن الإرادات الطيبة أو الفوقية يصعب أن تحدث تنمية وهذا إذا سعت حقا إليها. أما الظاهرة الرابعة في الحاضر الدولتي العربي فتتمثل في ضآلة العمل العربي المشترك، وضآلة الدور حتى عند البلدان العربية الكبيرة والتاريخية. وأعني بذلك ليس المسألة الاقتصادية الرافعة للتنمية وحسب؛ بل والجانب السياسي. ففي الجوانب الاقتصادية ما صار العرب تكتلا اقتصاديا يحدث تنمية مستدامة في أقطارهم ومحيطهم، وما صاروا قوة اقتصادية وسياسية وازنة تحول دون تكالب الأمم عليهم، وتحل المشكلات، وتدفع دول الجوار إلى التشارك الاستراتيجي معهم بدلا من محاولة ملء الفراغ الذي خلفه ضعفهم أو غيابهم. أما الظاهرة الخامسة فهي مترتبة على الرابعة، والمعني بها قضية فلسطين في المرحلة الحاضرة. وللقضية اليوم جانبان: جانب الانقسام الفلسطيني، وجانب التحدي الصهيوني المستمر. فقد عجز النظام العربي عن لأم الصدع الفلسطيني الكبير والمستمر منذ وفاة الرئيس عرفات عام 2004. وقد تفاقم باستيلاء حماس على غزة عام 2007. وقد امتدت المحادثات بين الطرفين المتصارعين لقرابة السنتين دونما فائدة. وما اهتم لها بالمعنى الإيجابي غير المملكة العربية السعودية ومصر. بيد أن شيئا جديا ما حصل حتى الآن؛ في حين تتوالى اتهامات التخوين من الطرفين يوميا تقريبا. وإذا كانت المشكلة في الأصل من صنع الفلسطينيين أنفسهم؛ فإن عجز النظام العربي عن التصدي لحلها له دلالاته الفاقعة. وفي الجانب الآخر هناك إرادة دولية فعلية للعودة للتفاوض والوصول إلى السلام.

بيد أن عنصر الحضور والضغط العربي ما وصل إلى الحدود التي ترغم الدول الكبرى على تطلب الحل العادل خشية الانفجار. لقد ركزت تقارير القمة الاقتصادية العربية بالكويت وملحقاتها ومتابعاتها على أمرين: المشكلات الاقتصادية والتنموية، والعمل العربي المشترك والضروري لمعالجتها. ونحن نعرف أن التجارب التنموية الكبرى في العالم المعاصر قادتها الدول وإداراتها. وقد حاولت هنا أن أقول إن ضعف النظام العربي وعجزه في مسائل التنمية الإنسانية، ناجم عن ضعف الوحدات المشاركة فيه ولأسباب تتعلق بالإدارة السياسية، والإرادة السياسية في ملفات رئيسية. كان الرئيس رفيق الحريري يقول: إن البشر إنما ينشئون دولا وأنظمة لسببين: صون مصالحهم الوطنية والقومية، وتحسين معيشتهم وأسلوب حياتهم وحياة أولادهم. وفي ضوء تقرير الجامعة العربية الأخير يحق لنا أن نتساءل: أين هي دول النظام العربي الحالي من تحقيق هذين الهدفين؟!

الشرق الاوسط

============================

لبنان وسورية: النظام العربي يلتقط انفاسه

د. بشير موسى نافع

26/12/2009

القدس العربي

لبنان، كما أشرت من قبل في هذا الموقع، ليس بلداً هاماً في حد ذاته. لا يتمتع لبنان بموقع استراتيجي حيوي، ولا بثقل سكاني كبير أو مصادر ثروة نادرة؛ ولم يكن بالتالي ضمن دائرة دول القرار العربي. ولكن لبنان مهم بالرغم من ذلك، وتنبع أهميته من اعتباره مرآة الوضع العربي، أو المؤشر الرمزي على هذا الوضع.

وليس العرب فقط هم من يرونه كذلك، بل القوى الغربية الرئيسية كذلك. ثمة أسباب عديدة أعطت لبنان هذا الموقع الرمزي. ففي مشرق رسمت حدوده القوى الإمبريالية في نهاية الحرب الأولى، يعتبر لبنان، مهما كانت الأساطير التي نسجها دعاة القومية اللبنانية، صناعة إمبريالية بامتياز، حدوداً ونظاماً طائفياً وهوية. ولعدة عقود، أصبح لبنان بوابة التحديث والتماس الرئيسة بين تيارات الثقافة الغربية والمجال العربي. ولأن لبنان أسير لتوازنات الجماعات والقوى والطوائف، ولأن هذه الجماعات والقوى والطوائف لا تستطيع البقاء بدون وشائج الحياة التي تربطها بالخارج، فقد عكست الساحة السياسية االلبنانية دائماً توازنات القوى الفاعلة في الإقليم، وأحياناً في نظام العلاقات الدولية.

خلال السنوات القليلة الماضية، ومنذ غزو العراق واحتلاله، على وجه الخصوص، تعرضت العلاقات العربية العربية للانهيار. لم تكن العلاقات العربية العربية، حتى في ذروة مراحل التفاهمات والتضامن العربي، صحية تماماً. يعيش الأشقاء العرب تناقضاً تاريخياً لم يستطيعوا حله منذ ولادة دولهم الحديثة؛ فطبقاتهم الحاكمة، من ناحية، تبذل جهدها، ثقافياً وسياسياً وأيديولوجياً، من أجل الحفاظ على نظام الدولة القطرية، ومن ناحية أخرى، يسكن العرب، شعوباً وحكاماً، شعور لا يمكن التحرر منه بأنهم أمة واحدة، وأن من حق أحدهم أن يتدخل في شأن الآخر. هذا، فوق أن نظام الدولة القطرية ترك العرب أسرى الاعتماد الاستراتيجي المتبادل، يسهل لأحدهم أن يشكل تهديداً جوهرياً للآخر. لم تكن العلاقات العربية العربية صحية دائماً، ولكنها وصلت خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مستوى من المرض والتشظي والعداء لم تعرفه منذ ما يعرف في دراسات الشرق الأوسط بالحرب العربية الباردة، التي دارت رحاها منذ نهاية الخمسينات وحتى منتصف الستينات من القرن الماضي.

بعض من أسباب تدهور العلاقات العربية  العربية نعرفه؛ والبعض الآخر لا بد أن يترك للمؤرخين. نعرف، مثلاً، أن غزو العراق واحتلاله تسببا في خلافات عربية داخلية حادة؛ وأن هذه الخلافات جرت في ذيلها خلافات لا تقل حدة حول الوضع السوري في لبنان، حول الموقف من المسألة الفلسطينية ومن تدافع القوى الفلسطينية السياسية، وحول الموقف من إيران واتساع النفوذ الإيراني في المنطقة العربية. وخلال سنوات الاختلاف والتدافع هذه كان لبنان أحد عوامل الاختلاف، والساحة التي انعكست فيها الصراعات العربية، في الوقت نفسه.

لمعاقبة سورية، كان لا بد من فرض انسحاب قواتها من لبنان، وأن تصبح محل اتهام واستهداف دوليين، وأن يمنع حلفاؤها من تعزيز مواقعهم في التوازنات اللبنانية. وفي دفاع سورية عن نفسها، كان لا بد أن تؤكد على دورها الحيوي في لبنان، أن تمنع لبنان من العودة إلى دور مصدر التهديد وعامل الضغط على سورية، وأن تؤكد على موقع حلفائها في الدولة والحكم والقرار اللبناني. وفي حمى اصطدام المصالح والقوى، اختلال التوازنات وإعادة بنائها، كان الثمن الذي دفعه العرب في لبنان باهظاً بلا شك، ناهيك عن الثمن الذي ما زالوا يدفعونه في العراق وفلسطين. دفعت دمشق إلى سحب قواتها من لبنان في شكل مهين، وكأنها كانت قوة احتلال؛ وانطلق السياسيون اللبنانيون يتبارون في هجاء دمشق وتوجيه الإهانة لقادتها، والتشجيع على إطاحة نظامها، حتى بات البعض ينتظر بفارغ الصبر أن يكرم لبنان باختياره ليقوم بالدور الذي قامت به الكويت بالنسبة للعراق. وخسر لبنان عدداً من قادته السياسيين، الواحد منهم تلو الآخر، إلى أن تعرضت عاصمته وشطره الجنوبي لاعتداء إسرائيلي مدمر.

اليوم، تبدأ حقبة جديدة في العلاقات السورية  اللبنانية، بزيارة رئيس الوزراء اللبناني، ورئيس كتلة المستقبل، وابن الرئيس المرحوم رفيق الحريري، إلى دمشق، لا يمكن لهذه العلاقة الخاصة والتاريخية بين البلدين إلا أن تكون بصدد انقلاب كبير، يضع نهاية لسنوات القلق والاضطراب وفقدان اليقين. على المستوى الإنساني، لا يمكن إغفال الشجاعة التي أهلت الحريري للقيام بمثل هذه الزيارة، ولا كرم النفس الذي جعل الأسد يوفر لضيفه مثل هذا الاستقبال. ولكن هذا الانقلاب لم يحدث فجأة، وقد مهدت له سلسلة من التحولات والتطورات. وربما يمكن القول إن الانتصار الذي حققه حزب الله في حرب صيف 2006، ومن ثم نجاح الحزب في إعادة بناء قدراته العسكرية، كانا لحظة البداية في تحول الموقف داخل جسم النظام العربي.

انتصار لبنان، الذي جاء عقب فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية؛ صمود غزة في مواجهة الغزو الإسرائيلي؛ وقبل ذلك وبعده، إخفاق المشروع الأمريكي في العراق، والتعثر الأمريكي المتفاقم في أفغانستان، كل ذلك أدى إلى تغير المناخين العالمي والإقليمي. سورية، باختصار، لم تتعرض للانهيار، ولا حتى لأي مستوى من عدم الاستقرار، وحلفاء سورية العرب والإسلاميون عززوا مواقعهم وأدوارهم.

وقد جاء الانفتاح الكبير والمتسارع في العلاقات السورية  التركية ليكسر جدار الحصار الذي عملت قوى عربية ودولية على فرضه على سورية. كانت السعودية، شريك التحالف العربي الثلاثي السابق، أول من استشعر حجم ودلالة المتغيرات المتعلقة بالوضع السوري، وقد بدأت بالتالي انفتاحاً بطيئاً وحذراَ باتجاه دمشق.

ثم جاءت النهاية غير الاحتفالية لإدارة جورج بوش الابن، وتولي باراك أوباما مقاليد الأمور في البيت الأبيض. كانت إدارة بوش، متبعة توصيات تقرير بيكر  هاملتون، هي من بدأت بتغيير المقاربة الأمريكية لسورية؛ ولكن عجلة هذا التغيير تسارعت منذ اللحظات الأولى لدخول أوباما البيت الأبيض. وعلى خلفية من هذه المتغيرات، وربما بسببها، تراجعت المراهنات على قيام المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس الحريري بتوجيه الاتهام لسورية أو لسوريين بارزين. في الساحة اللبنانية، انعكس الانفتاح السعودي والأمريكي على سورية في الانعقاد السلس للانتخابات اللبنانية، من جهة، وفي إشارات جنبلاط الواضحة لعزمه تغيير موقفه كلية من سورية وخروجه على التحالف الذي ضمه مع القوى المعادية لدمشق.

الحقيقة، أن تحالف ما يعرف ب 14 آذار لم تعد له من وظيفة ملموسة سوى التوصل إلى تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة.

وقد لعب التفاهم السوري  السعودي دوراً رئيساً في ولادة الحكومة التي يرأسها سعد الحريري. ولم يعد من المبرر، بالطبع، أن تبقى علاقات دمشق مع رئيس الحكومة اللبنانية الجديد، الذي يتمتع بعلاقات تحالفية وثيقة مع السعودية، وعلاقات صداقة وتفاهم مع واشنطن، على ما كانت عليه.

بيد أن ما يشهده المشرق العربي هو انقلاب في العلاقات اللبنانية السورية من جهة كون لبنان، بحد ذاته، عنصراً في التدافعات وتدهور العلاقات العربية العربية. الانقلاب في الصورة الرمزية التي يعكسها لبنان للعلاقات العربية العربية لم يقع بصورة كاملة بعد؛ ولكن الأرجح أن اكتمال هذه الصورة لن يستهلك زمناً طويلاً. التحسن الملموس في العلاقات السورية السعودية، صاحبه تحول إيجابي كبير في العلاقات السعودية  القطرية.

وقد سارع البلدان إلى دعم الموقف السعودي من الاختراقات الأمنية التي قام بها الحوثيون المسلحون في منطقة الحدود السعودية  اليمينة. وبالرغم من التدهور المفاجئ في العلاقات بين دمشق وبغداد، وبين القاهرة والجزائر، فإن الحالتين تتعلقان بسياقات خاصة جداً، وليس بالوضع العربي ككل. ولن يمر وقت طويل قبل أن يجد المصريون والجزائريون وسيلة لتجاوز المناخ المرضي الذي فجرته مباراة كرة قدم؛ والأرجح أن الانتخابات العراقية القادمة ستؤدي إلى تشكيل حكومة عراقية جديدة، لن تكون بالضرورة أسيرة لسياسة المالكي، متعددة الدوافع، تجاه سورية.

في المقابل، ثمة اتصالات حثيثة بين القاهرة ودمشق، تستهدف وضع نهاية لمرحلة التوتر التي شابت علاقات العاصمتين، سيما أن النظام المصري يتعرض لضغوط كبيرة من الرأي العام، الذي لا يرى مبرراً لاستمرار هذا التوتر بعد أن تحسنت العلاقات بين الرياض ودمشق وأخذت أوضاع لبنان الداخلية في الاستقرار.

ما يجدر وضعه في الاعتبار بصورة تفوق الدوافع والمناخات الثنائية، أن دول النظام العربي، ذات الخبرة التي تحسد عليها في الحفاظ على الذات، لاحظت هي الأخرى انكسار الهجمة العاصفة التي قادتها إدارة بوش في المشرق العربي  الإسلامي، وانشغال إدارة أوباما في معالجة الميراث الكارثي لسلفه. الوضع الدولي، باختصار، لا يوفر نافذة لاستعادة بعض من التفاهم العربي، ولكنه يتطلب مثل هذا التفاهم، بعد أن تعثرت جهود السلام، وبدا أن المجال العربي استبيح كلية. خلف ذلك كله، على أية حال، يمكن ملاحظة أن علاقات المشاركة الاقتصادية ( شبكات الكهرباء، والغاز والنفط، مثلاً) بين الدول العربية، لم تتأثر سلباً بالتدهور في العلاقات العربية السياسية، بالرغم من أن التقدم على صعيد التكامل الاقتصادي العربي يظل بطيئاً ومتواضعاً. ولعل النافذة المتاحة الآن لتنقية أجواء العلاقات العربية العربية السياسية توفر فرصة أفضل لتعزيز مسيرة الاقتصاد والتجارة، بعد أن أصبحت هذه الأخيرة الأمل الوحيد المتبقي لبناء مجال عربي واحد.

' كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

============================

ما يجب أن يحكم العلاقة العربية الإيرانية

د. علي محمد فخرو

26/12/2009

القدس العربي

تجري في الساحات الإعلامية العربية وغير العربية نقاشات كثيرة حول مستقبل العلاقات العربية  الإيرانية. ولا يتحدث الناس عن المستقبل إلاً عندما يكون الحاضر مليئاً بالمشاكل والنواقص. وبالنسبة لعلاقات إيران بالعرب فان هناك العديد من الإشكالات التي تعكر صفو تلك العلاقة وتوترها وتهدد بحرفها نحو البذاءات التي لا تخدم إلا المشروع الامريكي  الصهيوني في هذه المنطقة العربية  الإسلامية.

وما من شك في وجود دوائر عربية وإيرانية موتورة ومرتبط بعضها بالحركة الصهيونية العالمية وببعض عواصم الدول التي يهمها إدخال الجانبين في جحيم صراعات هامشية وعبثية تنسيهما ساحة الصراع الأكبر والأهم والأقدس ضد الصهيونية والامبريالية المساندة لها، وهي دوائر تساهم في تأجيج الخلافات. في اعتقادي أننا إذا كنا، عرباً وايرانيين، جادين في حل إشكالات العلاقة الحالية المتوترة فان علينا التوجه الصريح المباشر نحو الملفات التالية:

أولاً  ملف التأجيج المفتعل لصراع سقيم مجنون بين مذهبي السنة والشيعة. هناك حاجة ملحة لإحياء جهود سابقة وتقوية وتوسعة جهود حالية من أجل قيام حوار هادئ وعميق ومستمر بين علماء ومفكري وفقهاء وإعلاميي مؤسسات أبحاث ودراسات الجهتين لرسم خطوط حمر، في مجالات الفقه والتاريخ والعلاقات الاستراتيجية، لا يتخطاها أحد ومنطلقة من حقيقة لاغمغمة فيها وهي أن الإسلام ليس هذا المذهب أو ذاك وانه يعلو فوق المذاهب التي تظل مدارس فقهية  إجتهادية لفهم الدين ولكنها لن تحل محله قط.

ومن هنا فان انتقال بعض من هذا المذهب إلى المذهب الآخر، وبالعكس، لا يكون خطراً على الدين نفسه، وأن الدموع التي يذرفها هذا الشخص أو ذاك لمجرد تشيع البعض أو تسنن البعض الآخر هي دموع تماسيح سياسية تدمر مبدأ الأخوة الإسلامية كسلاح أساسي في حل المشاكل بين الجهتين الإسلاميتين. فاذا دمرت الأخوة والوحدة الإسلامية فما الذي يبقى من أدوات لفض الخلافات وتحديد العلاقات؟

أيريد العرب والإيرانيون حقاً أن تكون الصراعات القومية هي أداة تحديد العلاقة بين دولهم ؟ أفلا ينسفون خمسة عشر قرناً من رسالة الإسلام؟

ثانياً  على ضوء النقطة الأولى تعالج الملفات الباقيه: فالحديث عن من يملأالفراغ الجيو  سياسي في الشرق الأوسط الحاصل بسبب السقوط المذهل للنظام الإقليمي القومي العربي يصبح سؤالاً ممجوجاً، فهناك حاجة وضرورة للأمة العربية ولايران ولتركيا ليتبوأ كل منها مكانه، بحيث يقومون بأدوار متناسقة ومتناغمة في وجه المحاولة الامريكية لجعل المنطقة العربية الإسلامية منطقة نفوذ وهيمنة صهيونية  استعمارية غربية.

والحديث عن الأخطاء السياسية والأمنية التي ترتكبها إيران في العراق أو تعززها برفض فتح ملف الخلاف حول احتلال الجزر الاماراتية تصبح بحاجة لمراجعة وتصحيح من قبل ايران. وستحتاج إيران إلى تذكيرها بأن تاريخ الشعوب المتجاورة، والتي لا تبني علاقاتها على أسس مبدئية صحيحة، ليس أكثر من تاريخ تبادل مستمر عبثي بين اليد العليا واليد السفلى. بدلاً من هذه القاعدة التي لعبها بعض العرب سابقاً ويلعبها الايرانيون حالياً لتكن الأخوة الإسلامية المتفق على محدداتها هي القاعدة.

والحديث عن المحاولة الايرانية لامتلاك القدرة النووية عند ذاك يقابله طرح سؤال مختلف: لماذا يحق للكيان الصهيوني أن يمتلك السلاح النووي ولا يحق لدولة إسلامية شقيقة امتلاكه؟ بل ألن تكون القدرة النووية عند اية دولة إسلامية، عربية وغير عربية، ومنها ايران، أصلاحاً لاختلال الميزان مع العدو الصهيوني المشترك؟ والحديث عن التغلغل الإيراني عن طريق دعم المقاومة العربية في جنوب لبنان وفي غزة سيكون حديثاً مشكوكاً في صدق نواياه. فأمام جهتي الاستيطان والإحتلال الصهيونية والامريكية هل هناك سبيل غير المقاومة الشاملة، بما فيها المقاومة المسلحة؟ وإذا كان الأمر كذلك، وعزفت أو عجزت دائرة الأنظمة السياسية العربية عن دعم المقاومات العربية الشرعية الباسلة، أليس المنطق أن تمتد الأيدي عند ذاك إلى الدائرة الإسلامية؟ أليس الموقف الإيراني في صالح الأمة العربية وموقف الأنظمة العربية في صالح أعداء الأمة؟

إذن دعنا نكون واضحين وصريحين: هل نود أن تكون العلاقة العربية  الإيرانية، بل اية علاقة عربية مع اية دولة إسلامية، على أسس المواجهات والتوازنات والمصالح القومية الضيقة، أم أننا نريدها على أسس الأخوة الإسلامية؟ أن تكون الأسس والمصالح والمشاعر القومية هي التي تحكم العلاقات بين الأقطار العربية، وإلى حين توحيدها، فهذا منطقي. أما أن يكون الأمر نفسه مع إيران وتركيا وبقية دول الإسلام فانه لن يكون إلا انتحاراً سياسياً ومخالفة صريحة لروح الإسلام الذي يدعي الكل بأنه يحكم حياتهم.

============================

من المسألة اليهودية .. إلى المسألة الصهيونية

السفير

26-12-2009

سمير كرم

عقد في إسرائيل مؤخرا مؤتمر حول العداء للسامية. أمر عادي ومتوقع في أي وقت في إسرائيل.

وكان المتحدث الرئيسي في المؤتمر أفيغدور ليبرمان وزير الخارجية الاسرائيلي. وهذا أيضا أمر عادي ومتوقع .. فليس في إسرائيل أصلح من ليبرمان لإطلاق المفاهيم المغلوطة والخاطئة ومتابعتها بإطلاق التحذيرات والإنذارات ضد «المعادين للسامية» ... وبصفة خاصة ضد اليهود الذين يعدون من وجهة نظر صهيونية بحتة يهوداً معادين للسامية.

إن المقصود بالعداء للسامية عندما يكون موضوعاً للنقاش أو البحث الرسمي في إسرائيل هو التجرؤ على انتقاد إسرائيل وسياساتها وقادتها وخططها وهجماتها، في أي مجال كان هذا النقد موجهاً.

كانت فرصة للوزير اليميني المتطرف ليعلن «أن نوعا جديدا من العداء للسامية موجه الآن الى إسرائيل بهدف تقويضها، وبالمثل بهدف بث العداء ضد الشعب اليهودي». وعزا ليبرمان ظهور هذا النوع الجديد من العداء للسامية الى عام 2001 وتحديدا الى مؤتمر ديربان (جنوب افريقيا) لمناهضة العنصرية. اذ كان المؤتمر قد أدان بعبارات واضحة صريحة إسرائيل «في ذروة صراع دموي بين إسرائيل والفلسطينيين». وأضاف ليبرمان انه «لا أمة مستقلة أخرى في العالم يوضع حقها في الوجود بصفة مستمرة موضع الشك مثلما يوضع حق إسرائيل».

وبينما لم يشر ليبرمان الى دور جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في حربها على غزة كسبب لظهور العداء للسامية في صورته الجديدة، فإنه زاد جرعة المبالغة ليقول «إن الناس الذين يقفون وراء هذا الهجوم العالمي ضد إسرائيل قد تجاوزوا الحدود. إنهم يسعون الى تدمير الدولة اليهودية ونزع حق الشعب اليهودي في أن يعرّف نفسه».

لا يستطيع المرء أن يعرف اذا كان ليبرمان يصدق نفسه في ما يقول، وهو الذي يرأس وزارة الخارجية في دولة تتولى في هذا الوقت بالذات تجريد الشعب الفلسطيني من هويته ومن حقه في الوجود وفي دولة مستقلة ذات سيادة وقادرة على البقاء ... بل حقه في أن يعيش على أرضه في سلام، حيث يجد الموطن والمأوى والحرية وحيث يؤسس النظام السياسي الذي يريد.

لا يستطيع المرء أن يعرف اذا كان ليبرمان يصدق نفسه حين يردد هذه الأكاذيب القديمة وهو الذي يدرك تماما أن اليهود في إسرائيل أو حيثما كانوا ليسوا معرضين لأي نوع من الظلم أو الضغط أو سلب الحقوق ... فهم ينعمون بقوانين في كثير من بلدان العالم تُجرّم إظهار أية مشاعر كراهية ضدهم.

إنما أراد الوزير الإسرائيلي أن يستخدم هذا المؤتمر سلاح العداء للسامية في بث مجموعة من الأكاذيب والإنذارات. فهذا السلاح لا يزال موجوداً وتريد إسرائيل أن يبقى وأن يستخدم حتى وإن كانت القضية التي من أجلها كان قد صنع اختفت من الوجود.

لقد عاشت «المسألة اليهودية» لأكثر من ألفي سنة، من العصر القديم منذ أيام هزيمة مملكة إسرائيل على أيدي الإمبراطورية الرومانية ... ولكنها اختفت بقيام دولة إسرائيل. ولم يبق إلا سلاح العداء للسامية يبرر لإسرائيل وأنصارها في العالم كل ما تفعله وترغبه، بما في ذلك ارتكاب جرائم الحرب بحق الفلسطينيين.

لكن لا بد أن الوزير الإسرائيلي يتحدث عن شيء ما له وجود في الواقع حين يسمح لنفسه بأن يذكر حق الشعب اليهودي وحق إسرائيل في الوجود؟ يتساءل المرء.

إنه في الحقيقة يتحدث عن «المسألة الصهيونية» لا عن «المسألة اليهودية». وأقصى ما تتمناه إسرائيل وأنصارها اليوم هو أن لا يعي العالم أبدا وجود أي فرق بين المسألة اليهودية والمسألة الصهيونية.. بين العداء للسامية والعداء للصهيونية. ذلك أن الوجه الحقيقي للعقيدة الصهيونية يتضح أكثر فأكثر أمام العالم باعتبار هذه النزعة العنصرية التي أرادت أن تكون دولة إسرائيل دولة للصهيونية تعادي كل من يمكن أن تتعارض عقائده أو مفاهيمه أو مصالحه مع هذه الدولة حتى وهي تتبنى أسوأ أساليب الفاشية ضد الفلسطينيين.

إن أحداً من المسؤولين الصهاينة لم يجب بعد عن السؤال الذي طرحه المفكرون اليساريون أول ما طرح، وبعد ذلك في أوروبا ثم على نطاق عالمي: لماذا سكت اليهود في العالم لأكثر من ألفي سنة ليعلنوا أن عقيدتهم الدينية منحتهم فلسطين وطناً ليقيموا فيها دولتهم؟ لماذا لم يصبح هذا هدف الباحثين عن حل للمسألة اليهودية إلا بعد أن تبلورت العقيدة الصهيونية وأصبحت لها مؤتمرات وقرارات واتصالات دولية وعصابات مسلحة؟ لماذا لم تظهر على مدى ألفي سنة أي محاولة من أي جماعة يهودية للهجرة الى فلسطين باعتبارها أرض الميعاد؟

ليس من إجابة لهذا السؤال سوى أن ظروف القرن التاسع عشر هي التي أتاحت نشأة الحركة الصهيونية في حضن الاستعمار البريطاني. حينما كانت الدولة العثمانية صاحبة الحكم على فلسطين والبلاد العربية المحيطة بها في مرحلة أفول لا تستطيع أن تحافظ على ممتلكاتها في وجه الهيمنة الاستعمارية البريطانية وبعد ذلك في وجه هيمنة القوة الأميركية.

منذ ذلك الوقت جرت مياه كثيرة في أنهار فلسطين والمنطقة العربية وأوروبا وأميركا، لكن الحركة الصهيونية لجأت الى كل السبل لنيل مطالبها من خلال المناورات الدبلوماسية والقدرات المالية الفائقة وبعدها بواسطة عصابات القوة المسلحة. وفيما كانت المسألة اليهودية تبلغ ذروتها بصعود النازية، لم تتورع الحركة الصهيونية عن التحالف مع النازيين دون أن تخفف من وطأة شكاواها من عنف النازية ضد اليهود تحت سلطتها. بل لم تتورع الحركة الصهيونية عن البوح باغتباطها بكل إجراءات النازيين والفاشيين وغيرهم ضد اليهود.

لم يكن العداء للسامية  في أي وقت  نقمة في نظر الحركة الصهيونية طالما كان يحقق للحركة خطوات نحو هدفها الأول والأكبر: دولة صهيونية في فلسطين. وفيما كانت المسألة اليهودية قد حققت  على يد الحركة الصهيونية  وعد بلفور في عام 1917، استطاعت الحركة أن تأخذ من هذا الوعد ما وعدها به وألقت بعيدا بل محت الشرط الذي حدده وزير الخارجية البريطاني بلفور في رسالته الى الرأسمالي الكبير والزعيم الصهيوني روتشيلد، وهو الشرط الذي نص على: «أن يكون مفهوماً بوضوح أن شيئاً لن يتخذ ويكون من شأنه الافتئات على الحقوق المدنية والدينية للجماعات غير اليهودية القائمة في فلسطين».

كان هذا أول خرق صهيوني واضح لحقوق غير اليهود في فلسطين، وكان في الوقت نفسه أول تواطؤ واضح من الاستعمار البريطاني مع الحركة الصهيونية. ولم يلبث هذان الطرفان أن دخلا بعد ثمانية أعوام فقط من تأسيس إسرائيل في تواطؤ عسكري ضد العرب في حرب السويس عام 1956، وانضمت الامبريالية الأميركية الى هذا التواطؤ في حرب عام 1967.

من وقتها أصبح واضحا أن المسألة اليهودية قد تلاشت وأن المسألة الصهيونية أصبحت لها الأولوية. لم يعد اليهود مضطهدين. أصبحت لهم دولتهم، وأثبتت أنها بدعم أميركا أساسا قادرة على شن الهجمات على محيطها والخروج بمكاسب إقليمية. واذا اعتبرنا أن الوضع الراهن في الشرق الأوسط هو نتيجة لحرب 1967 أكثر مما هو نتيجة لحرب 1973  وهو كذلك بالفعل  نستطيع أن نفهم كيف أن المسألة اليهودية ما عاد لها وجود.

من وقتها ارتكزت الحركة الصهيونية  بالأحرى الحكومة الصهيونية التي تحكم إسرائيل  على أربع خرافات أساسية شكلت جوانب العقيدة الصهيونية في التطبيق السياسي والاستراتيجي: أرض بلا شعب (فلسطين) لشعب بلا أرض (اليهود)  الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط (إسرائيل)  الأمن هو القوة المحركة لسياسة إسرائيل الخارجية ولا بد أن تبقى القوة العسكرية الأولى في الشرق الأوسط والرابعة في العالم  الصهيونية هي الوريث الأخلاقي لضحايا المحرقة (الهولوكوست).

بذلت إسرائيل  حكومة وراء اخرى  كل الجهود الممكنة لتطبيق هذه الخرافات الأربع، ولكن تصميم الشعب الفلسطيني ومقاومته وانتفاضاته أكدت وجود هذا الشعب وحقوقه الإنسانية والوطنية على مدى السنوات منذ منتصف الستينيات من القرن الماضي حتى الآن. ولكن شيئا فشيئا بدأت الصهيونية تتكشف للعالم كحركة استيطانية تعتمد على القوة المسلحة لدولة إسرائيل. لهذا تتشبث بالاعتراف بإسرائيل «دولة يهودية» لا دولة صهيونية.

وأخذ يبدو بوضوح أن إسرائيل لا تستطيع أن تستمر في الاعتماد على عقدة الذنب الأوروبية التي أفلحت الصهيونية في تغذيتها في الضمير الغربي. وأخذ يبدو بوضوح أن هناك بين اليهود من ليسوا صهاينة، بل هم مناهضون للصهيونية بالعقيدة والسياسة. وكما يقول الان هارت المعلق الأميركي المعني بالقضية الفلسطينية: «إن السبب الحقيقي وراء ازدياد صورة إسرائيل سوءاً في العالم هو الشعور الاستثنائي لدى زعمائها بأنهم على حق دائما، واحتقارهم للقانون الدولي وسياستهم التي يمارسونها في الوقت الحاضر والتي تبلغ مستوى استكمال التطهير العرقي لفلسطين باستخدام الطائرات الحربية (الأميركية). ان مزيدا ومزيدا من الناس يرون إسرائيل على حقيقتها: عقبة في طريق السلام».

وصل الأمر الى حد أن أصبحت هناك خشية  حتى لدى أولئك الذين يناهضون الصهيونية  من أن تؤدي السياسات الصهيونية العدوانية التي ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لتنفيذ أهدافها، الى «انفجار موجة عداء لليهود تبدأ بأميركا». وفي هذه الحالة لن تكون مقاومة هذه الموجة بقبول ما تقدم عليه إسرائيل، بل بجعل الأميركيين والأوروبيين والغربيين عموما يعون الاختلاف بين اليهودية كديانة والصهيونية، على حد تعبير الدكتور دانييل غورديس النائب الأول لرئيس «مركز شاليم» في القدس، وهو مركز يعد بمثابة معهد للبحوث والتربية.

الآن تحل المسألة الصهيونية محل المسألة اليهودية.

لم تعد القضية قضية دفاع عن حقوق الإنسان ليهود العالم والوقوف معهم ضد أشكال الاضطهاد والعزلة، بل هي قضية الوقوف بوجه الصهيونية  كما تمارسها حكومات إسرائيل المتعاقبة  والتي لا تهتم كثيرا إذا كانت تجر العالم كله جرا نحو الكارثة بادعاء طموح نووي إيراني يهدد إسرائيل بكارثة نووية (...)

وفي مرحلة المسألة الصهيونية أصبح الاختيار أمام إسرائيل بين حرب أهلية طرفاها اليهود الصهاينة واليهود المناهضون للصهيونية ... أو نهاية الصهيونية.

============================

التحرك السوري في كل اتجاه يتم بمعزل عن إيران أم بالتنسيق معها؟

الأشهر القليلة المقبلة تكشف حقيقة المواقف

اميل خوري

emile.khoury@annahar.com.lb

النهار

26-12-2009

السؤال الذي تختلف الأجوبة عنه هو: هل تحرّك سوريا في كل اتجاه عربي واقليمي ودولي بعد الخروج من عزلتها يتم بالتنسيق والتفاهم مع حليفتها ايران، أم بمعزل عنها وهو ما يجعل مواقفهما من بعض القضايا المطروحة متمايزة، بحيث انه قد يحدث في المدى القريب أو البعيد تباعد ثم فتور وجفاء؟ وهل يتكرر بين سوريا وايران ما حصل في الماضي بين الرئيس حافظ الاسد ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات على الساحة اللبنانية عندما انقسم اللبنانيون وقادتهم بين من هم مع الرئيس الاسد ومن هم مع عرفات بسبب الصراع حول من يمسك منهما بالقرار اللبناني، وبعدما أفلتت من يد الرئيس السوري الورقة الفلسطينية؟ وقد انتهى هذا الصراع بفوز الرئيس الاسد على عرفات بعدما بدأ بوقوف سوريا مع المرشح الياس سركيس للرئاسة الاولى وذلك بتأمين النصاب لانتخابه برغم القصف المدفعي على فيلا منصور، المقر الموقت لمجلس النواب، وهو قصف تولته تنظيمات فلسطينية بهدف تعطيل هذا النصاب. وانتهى هذا الصراع بإخراج أبو عمار مع الفلسطينيين المسلحين من لبنان الى تونس عندما دخلت القوات السورية الى لبنان، ودفع سياسيون لبنانيون وقفوا مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ثمن ذلك...

فهل ينقسم اللبنانيون وقادتهم مرة أخرى بين من هم مع ايران ومن هم مع سوريا في حال حصول تباعد بينهما ليس على الساحة اللبنانية فحسب بل على الساحة العربية والساحة الدولية بسبب تمايز مواقفهما من الاوضاع في العراق واليمن وباكستان وافغانستان وتالياً من السلاح النووي والسلام مع اسرائيل؟

ثمة من يعتقد أن سوريا البارعة في اللعب على حبال السياسة وعلى التناقضات والخبرة في ممارسة الازدواجية في مواقفها، لن تغامر وهي تتحرك في كل اتجاه ما لم تكن على تفاهم وتنسيق مع حليفتها القوية ايران التي لا يضيرها شيء اذا ما نجحت سوريا في العودة سياسياً الى لبنان أو في عودة لبنان اليها بفعل تبدل الظروف والمعطيات، لأنها عودة مفيدة لكل من سوريا وايران وتجعلهما يتقاسمان النفوذ فيه. فايران ترتاح الى بقاء السلاح في يد "حزب الله" وسوريا تطمئن الى وجود حكم فيه ترتاح اليه وترى في حكومة الوحدة الوطنية الحالية ضماناً لعدم صدور قرارات لا ترضيها في المواضيع المهمة. ولا يضير ايران شيء اذا ما باتت سوريا قريبة من السعودية ومن دول الخليج ومن دول الاتحاد الاوروبي وحتى من الولايات المتحدة الاميركية، لأن ما يفيد سوريا يفيد ايران ويؤهلها للقيام بدور يجنب المنطقة خطر المواجهة العسكرية. ولا شيء يضير ايران ايضاً اذا ما توصلت سوريا الى اتفاق مع اسرائيل تستعيد به الجولان، أو الى اتفاق مع السلطة الفلسطينية على حل الدولتين، بحيث يعم السلام الشامل المنطقة، ولا تعود دول فيها قلقة من عدوان اسرائيلي أو من توسع ايراني، ومع حلول هذا السلام لا تعود بحاجة الى امتلاك صواريخ بعيدة المدى ولا الى سلاح نووي. كما لا تعود الحاجة الى سلاح تحتفظ به التنظيمات والمجموعات والاحزاب في لبنان وفي فلسطين وفي أي دولة في المنطقة.

وثمة من يرى خلاف ذلك ويعتقد ان تسهيل عودة سوريا سياسياً الى لبنان وتمكينها من استعادة الجولان والاكتفاء ربما بمعرفة من اغتالوا الرئيس الحريري ورفاقه ونفذوا اغتيالات أخرى من دون معرفة من كانوا وراءهم مدبرين ومخططين، أمور مهمة قد لا تعطى لسوريا مجاناً وبدون أي مقابل. لذا يعتقد أصحاب هذا الرأي ان سوريا مطلوب منها أن تعطي في لبنان ما يعزز سيادته واستقلاله وقراره الوطني الحر، ويرسخ الأمن والاستقرار فيه، وأن يكون لبنان شريكاً معها في مرحلة من مراحل المفاوضات مع اسرائيل لكي يستعيد ما تبقى من أراضيه المحتلة، وأن تكون علاقاتها من دولة الى دولة، ولا تظل تقيم علاقات مع أحزاب وسياسيين في لبنان هم على خصومة مع الدولة اللبنانية، وان لا يبقى سلاح غير سلاح هذه الدولة ولا سلطة غير سلطتها ولا قانون غير قانونها كي يصح عندئذ القول بقيام الدولة القوية القادرة في لبنان، وأن تحدد سوريا خياراتها بين ايران والدول العربية اذا ما استمرت المواجهة السياسية التي قد تتحول مواجهة عسكرية مع ايران اذا ما ظلت مصرة على تخصيب الاورانيوم للحصول على سلاح نووي يخل بالتوازن في المنطقة، وان على سوريا في هذه الحال أن تختار موقعها وتحدد موقفها، كما فعل الرئيس حافظ الاسد من قبل، عندما وقف ضد عراق صدام حسين في حرب الخليج، وكان له دور في لبنان والمنطقة حدده له اتفاق الطائف، فدخلت قوات سورية واوقفت الاقتتال فيه وحققت الأمن والاستقرار وإن على طريقتها، وظل لبنان في حاجة الى بقاء هذه القوات أكثر من 15 سنة وليس لمدة سنتين كما نص اتفاق الطائف.

لذلك، فإن الاشهر القليلة المقبلة هي التي تعطي جواباً واضحاً وربما حاسماً بالنسبة الى موقف سوريا بين ايران والعرب إذا ما تطورت الامور نحو الاسوأ ولم يقتصر الامر على انزال عقوبات قاسية بها ولم تكن كافية لردعها عن مواصلة العمل على تخصيب الاورانيوم، بل كان لا بد من مواجهة عسكرية تضع سوريا في موقف حرج كما تضع لبنان ايضاً اذا ما تحرك "حزب الله" لمساندة ايران في هذه المواجهة. فإذا قررت سوريا الوقوف ضد ايران او حتى الوقوف على الحياد، فإن هذا الموقف يحتاج الى ترجمة في لبنان اذا ما تحرك "حزب الله" ودخل طرفاً مع ايران، أو قررت سوريا منع مرور الاسلحة اليه، عبر حدودها أو العكس، لتصبح طرفاً في المواجهة.

الواقع ان المنطقة تشهد حالياً فترة ترقّب وانتظار ما ستنتهي اليه الصراعات والتجاذبات بين الغرب وايران. وبين العرب وايران، فإما تنتهي الى تسوية او صفقة تدخل معها المنطقة مرحلة هدوء واستقرار تمهد لتحقيق سلام شامل مع اسرائيل، او تنتهي بصفعة لا يعرف أحد حجم تداعياتها ليس على دول المنطقة فحسب بل على دول أخرى. وكما انقسمت الدول العربية ودول الغرب في الحرب على العراق وكان ما كان من نتائجها، فإن انقساماً أشد وأخطر قد يحصل إذا ما تقررت الحرب على ايران. فهل تشتد الازمة مع ايران لتنفرج ويتم التوصل الى صفقة عادلة تجنباً لصفعة تفجّر المنطقة ولا ينجو منها أحد؟

============================

"سوريا تريد التخلّص من المحكمة"!

سركيس نعوم

sarkis.naoum@annahar.com.lb

النهار

26-12-2009

علّق المسؤول الاميركي الرفيع السابق الذي لا يزال يتعاطى الشأن العام من خلال اهتمامه بالشرق الأوسط وأزمته الكبرى وقضاياه على رأيي في مواقف سوريا من لبنان، قال: "نحن أحياناً نتدخل في شؤون المكسيك". علّقت: حسناً. هذا النوع من التدخل يحصل في كل دول العالم. لكن غير مقبول ان تحكم دولة دولة أخرى مباشرة أو بالواسطة. أنت تعرف ان المشكلات كلها في المنطقة مترابطة من ايران الى سوريا الى العراق الى فلسطين الى اسرائيل الى مصر الى الارهاب. وتعرف ان لبنان هو ساحة لذلك وان شعوبه أدوات. فهل يمكن ان يكون المستفيدون من الساحة رقباء عليها أو حاكمين لها؟ أجاب: "انت محق. لكن اعيدك الى استراتيجيتي. لا خطوة خطوة. بل رؤية واستراتيجيا شاملة وتنفيذ ثابت وسليم لهما". سأل بعد ذلك كثيراً عن الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط وعن المسيحيين. فاعطيت رأيي. ثم حكى عن اميركا، قال: "انا جمهوري. لكني لا أمثل اليمين الجمهوري المتشدد الذي يسعى الى احباط الرئيس الديموقراطي باراك اوباما بكل الوسائل التي يملك. انا أريد أن ينجح أوباما لأنني أريد ان تنجح اميركا. سيبقى هذا الرئيس في موقعه مدة طويلة". ثم تطرق الى "مراكز القوة" داخل دمشق والى المحكمة الخاصة بلبنان (الدولية) فقال انها "ستوجه الاتهامات ربما الى شخصيات. واذذاك يمكن سوريا ان تقرر ما تريد". علَّقت: قد لا تصل المحكمة "الدولية" الى الحقيقة وقد لا توفر العدالة. رد: "سوريا تريد التخلص من المحكمة. لكنني لا أحب كلمة "تسييسها" التي يستعملها البعض". قلت: سوريا ضرورية لقيام لبنان الدولة الآمنة وضرورية للسلام في المنطقة ومع اسرائيل. وهذا أكثر أهمية لأميركا وغيرها من لبنان. قد تبقى المحكمة في رأيي سيفاً مصلتاً، من غير ان يسحب من غمده. سأل: "كيف؟". اجبت: أولاً، اللبنانيون ينتظرون عبثاً صدور تقرير ظني او اتهامي عن النائب العام في المحكمة "الدولية". علماً انهم وعدوا به سواء من نيويورك أو من بيروت. لم يصدر التقرير ولم ينفذ الوعد على الأقل حتى الآن. وقد يتأخر تنفيذه أكثر. ثانياً، تبلغ مدة ولاية المحكمة ثلاث سنوات، عند انتهائها تتوقف اذا لم يجدد لها مجلس الأمن. ماذا يحصل اذا عارضت روسيا او الصين مالكتا حق "الفيتو" هذا التجديد؟ تشعب الحديث بعد ذلك فتناول مقتل القيادي البارز في "حزب الله" عماد مغنية. والحزب نفسه وامينه العام حسن نصر الله والسيد محمد حسين فضل الله. فشرحت الفارق بين الاثنين. ثم انتقل الى اسرائيل قال "انها في مرحلة من المراحل وفي حال فشل الحوار بين واشنطن وطهران او عدم اكتماله أو عدم بدئه وفي حال ازدياد الخطر عليها أو شعورها هي به قد توجه ضربة عسكرية الى ايران". واشار الى ان "الرد قد يكون على النفط السعودي وعلى الوجود الاميركي مباشرة في الخليج". وتساءل: "ماذا يحصل في حال كهذه؟". أجبت: ذلك ممكن. لكن ألا تعتقد ان رد ايران على اسرائيل هو اسهل من ردها على اميركا لأن ذلك يجنبها دخول مواجهة شاملة ونهائية مع اميركا وعربها اي العالم السني؟ فضلاً عن انها ليست في حاجة الى استعداء اميركا نهائياً. علماً ان قدرة اميركا على خوض حرب حاسمة مع ايران في ظل تطورات المنطقة وأوضاعها فيها (أي أميركا) وتحديداً منذ 2001 ليست جيدة. ردّ: "ماذا تفعل ايران اذاً؟ تسكت؟" أجبت: كلا. قد ترد لاحقاً بعمليات نوعية أو مباشرة بواسطة حلفاء لها من غير الدول في المنطقة مثل "حزب الله". علّق: "في هذه الحال تدمّر اسرائيل لبنان". رددت: تدمّره. لكنها لن تهزم "حزب الله". علّق: "في أحوال كهذه وعندما تسد الابواب في وجه الاسرائيليين فإنهم ينكفئون ويتراجعون ويخططون ويحضّرون للانتقام. وينتقمون".

وفي حديث مع مسؤول اميركي رفيع سابق آخر كان على صلة مباشرة بكل ما يتعلق بالمنطقة وعلى أعلى المستويات وباحث حالي سألني وبعد استماعه الى رأيي في اوضاع لبنان وفي عودة القوة الى 8 آذار والمحور الاقليمي الداعم له عن "اسباب فوز 14 آذار في الانتخابات النيابية الاخيرة اذا كان ما تقوله صحيحا؟". أجبت لأن الاحتقان السني والتعبئة السنية بلغا الذروة ولأن الاحتقان عند مسيحيي 14 آذار بلغ الذروة وكذلك التعبئة. ولأن "الفلوس" لعبت دوراً مهماً عند كل اطراف الصراع في لبنان وفي مقدمهم 8 آذار و14 آذار. سأل: "ماذا كان يمكن ان نفعل نحن أي أميركا؟" اجبت: لا شيء. قبل 2004 كنتم مُلَزِّمين لبنان لسوريا. بدأتم مساعدته جدياً في أواخر 2004. قمتم بالكثير لأجله. بعد 2006 (حرب اسرائيل واخفاقها في مواجهة "حزب الله") وبعد تراجعكم في المنطقة لم يعد في استطاعتكم القيام بأي شيء للبنان او تقديم مساعدة فعلية له وخصوصاً انكم لم تعودوا قادرين على خوض حرب جديدة قبل ان تنهوا حروبكم الدائرة. علّق: "ذلك مزعج. أعلن الرئيس أوباما سياسة الحوار (Engagement) ويريد ان ينجح في تطبيقها. واجتماعات جنيف بين مجموعة 5 + 1 مع ايران سارت على نحو جيد وكذلك الاجتماع الثنائي الاميركي – الايراني خلالها. الأمل الا تكون ال"لا" الايرانية نهائية لكي يبقى هناك مجال للبحث. يريد اوباما ان يستمر الحوار سنة أو سنة ونصف سنة أو سنتين اذ ربما يؤدي الى تفاهم. واذا لم يحصل ذلك تكون على طاولة اميركا خيارات اخرى. لكن هذا الأمر أو "الأمل" تبدد. على ال5+1 ان تبحث في العقوبات وخصوصاً اميركا وأوروبا. روسيا صارت اقرب الى الموقف الاميركي. هناك شكوك في موقف الصين. ربما تشارك السعودية والامارات العربية المتحدة في العقوبات. ما رأيك؟".

بماذا أجبت؟

============================

روسيا و«البراغماتية» مع الناتو

بقلم : د. إينا ميخائيلوفنا

البيان

26-12-2009

يدفع الوضع المتفاقم في أفغانستان حلف شمال الأطلسي إلى تطوير العلاقات مع موسكو. وزيارة الأمين العام للحلف فوغ راسموسن لروسيا منتصف ديسمبر لها أهمية خاصة، لأنه حمل اقتراحات ملموسة، تخص بالدرجة الأولى دعم وجود الناتو المتزايد في أفغانستان، وأيضا أجهزة الأمن في حكومة كابول.

 

إدارة حلف الناتو في بروكسل كانت تعلم أن اللقاءات في موسكو لن تتمخض عن توقيع وثائق عمل، حيث إن مستوى العلاقات بين روسيا وحلف الناتو لم يصل بعد إلى توقيع اتفاقات، فما زالت نقاط الخلاف كثيرة، سواء في أفغانستان أو في مناطق أخرى، ولا بد أولا من تهيئة الخلفية السياسية الملائمة لعمل الدبلوماسيين والعسكريين من الطرفين مستقبلا.

 

بعد وقوع الأزمة الجورجية في السنة الماضية، وانتخاب الرئيس الأميركي الجديد، واستبدال الأمين العام للناتو، حلت مرحلة أطلق عليها الرئيس الأميركي أوباما تسمية «إعادة التشغيل». أو البداية الجديدة في العلاقات بين روسيا والغرب، على حد تعبير راسموسن، والذي أعلن في سبتمبر الماضي أنه «لا ينبغي إضاعة الوقت في محاولات الاتفاق مع روسيا في مسائل يستحيل الاتفاق عليها، كما لا ينبغي التنازل أمامها في مسائل مبدئية، بما في ذلك توسيع الناتو وتقديم المعونات العسكرية لجورجيا. لكن يجب التعاون معها بنشاط في المسائل التي تهم الجانبين». هذا المنطق البراغماتي البحت من أمين عام حلف الناتو، لا تقبله دولة كبيرة مثل روسيا، التي لا تتجزأ استراتيجيتها إلى أشياء متناقضة. فما هي مصلحة روسيا في التعاون مع الحلف في أفغانستان، إذا كان الحلف لا يراعي مصالح روسيا عند حدودها وفي إطار أمنها القومي؟

 

كل أمين عام جديد لحلف شمال الأطلسي، يعلن لدى توليه منصبه أنه حان الوقت لإنشاء الشراكة الاستراتيجية مع روسيا، ثم يقوم الحلف بعد ذلك بأفعال تغضب روسيا وتصل بالعلاقات حتى نقطة التجمد!

 

هل هناك مؤشرات تؤكد أن هذه المرة ستشهد شيئا آخر؟ هناك قضايا مشتركة بين روسيا وحلف الناتو تستوجب التعاون بينهما، مثل أفغانستان والإرهاب والقرصنة البحرية، وانتشار أسلحة الدمار الشامل ووسائل نقلها، والكوارث الطبيعية والتكنولوجية. ولكن ما يهم الناتو بين هذه القضايا هو قضية أفغانستان، وهي أهم وأعقد قضية أمام الحلف الذي يعول على تطوير التعاون مع روسيا في موضوع الترانزيت إلى أفغانستان، ويقول قادة الحلف إن أهمية ترانزيت المعدات الحربية تزداد بقدر ما يزداد تعداد قوات التحالف في أفغانستان، ولا سبيل لهذا الترانزيت إلا من الشمال من جهة روسيا، حيث إن الجنوب من جهة باكستان ليس آمناً، كما أن الناتو ينتظر أن تقوم روسيا بتقديم مساعدة كبيرة في تطوير الآليات الحربية السوفييتية الصنع، المتوفرة في جيوش الدول الأعضاء في الناتو والجيش الأفغاني. وثمة حاجة إلى بنادق «كلاشنيكوف» الآلية بالنسبة لأجهزة الأمن الأفغانية، بالإضافة إلى المروحيات السوفييتية الصنع، التي أظهرت مواصفاتها الجيدة خلال مرابطة القوات السوفييتية في أفغانستان، في ثمانينات القرن الماضي.

 

من البديهي أن موسكو لا ترغب في هزيمة الغرب في أفغانستان، لأن ذلك ستنجم عنه مشاكل كبيرة لأمنها، ولكن في نفس الوقت لا تنظر روسيا إلى الناتو كحليف لها. ولو مني الناتو بهزيمة في أفغانستان فسيضعف وتتراجع قوته وهيبته، وسينخفض اهتمامه بخطط توسيعه على الساحة السوفييتية السابقة، وبالدرجة الأولى في أوكرانيا ومنطقة ما وراء القوقاز، وهذا من مصلحة روسيا.

 

من هنا يظهر لغز العلاقات بين الناتو وروسيا وتعاونهما في أفغانستان، أي خيار تريده روسيا، هزيمة الحلف أم انتصاره؟

 

أغلب الظن أن روسيا التي استوعبت درس الحرب في أفغانستان من قبل، لن تقبل هزيمة حلف الناتو هناك، وستسعى جاهدة لمساعدته للقضاء على الإرهاب، وستترك باقي الخلافات مع الحلف للمستقبل.

رئيسة المركز الروسي الحديث لاستطلاعات الرأي

============================

الحريري في دمشق.. من الصراع إلى الحفاوة

بقلم :حسين العودات

البيان

26-12-2009

بعد أن نضجت الظروف السياسية اللبنانية والسورية والعربية والدولية، طويت صفحة الخلاف السوري  اللبناني، وعلى التحديد الخلاف السوري مع الأكثرية البرلمانية اللبنانية، وبدأ البلدان يسيران معاً خطوات في طريق التفهم المتبادل والعقلانية والندية، واعتراف كل منهما باستقلال الآخر وسيادته، وإنهاء التوتر، بل والصراع الذي دام قرابة خمس سنوات، وتبادل فيه كل من الطرفين أبشع التهم الشخصية والسياسية، ومختلف أنواع التهديدات، بل وبذل كل منهما أقصى جهوده لإدانة الآخر وإضعافه، وربما لإسقاطه.

 

إن الأمر الملاحظ (والمثير للاهتمام) خلال زيارة سعد الحريري، رئيس الحكومة اللبنانية لسوريا هو الحفاوة البالغة التي استقبله بها الرئيس السوري بشار الأسد، وكانت من الناحية البروتوكولية أقرب إلى استقبال رؤساء الدول، فلاقاه على مدخل الباب الخارجي للقصر الجمهوري، وأقام في القصر نفسه، وتبادل الرئيسان القبل، ثم أصر الرئيس السوري على عقد اجتماع ثنائي دام ثلاث ساعات وربع الساعة، فور وصول الحريري وقبل عقد اجتماع الوفدين. وأخيراً تناول الرئيسان عشاءً ثنائياً في أحد مطاعم دمشق القديمة، حيث قاد الرئيس الأسد بنفسه السيارة التي أقلتهما.

 

وبدا للمراقبين سياسيين وصحافيين أن صفحة الخلافات والتوتر بين البلدين بدأت تنطوي، وأنهما على أعتاب مرحلة جديدة من التفاهم والتعاون وربما أكثر من ذلك، وأن «حرب داحس والغبراء» بينهما التي دامت خمس سنوات إلا قليلاً، انتهت أو كادت.

 

ما هي الشروط الموضوعية التي نضجت، وأدت إلى أن يطوي الطرفان خلافات شديدة ومديدة خلال بضع ساعات؟ وقبل ذلك ما هي جذور الخلاف؟

 

كان رد الفعل اللبناني عنيفاً على اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري، وقد خرج مئات الآلاف منهم في تشييعه، وهتفوا ضد سوريا واعتبروا أن الحكومة السورية مسؤولة عن الاغتيال، سواء بشكل مباشر أم بشكل غير مباشر، بسبب وجود جيشها في لبنان وممارستها ما سموه «الوصاية عليه» وطالبوا بمحاكمة المتهمين، بل رفعوا سقف مطالبهم فنادوا بخروج القوات السورية من لبنان و«إنهاء الوصاية»، وتبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين حيث لم يتبادلاه من قبل وترسيم الحدود بينهما، وإعادة النظر في الاتفاقات المعقودة بين سوريا ولبنان مفترضين أنها مجحفة بحق لبنان.

 

وتبلورت هذه المطالب في الاجتماع الجماهيري الذي زاد عدده عن المليون، والذي عقد بعد شهر في 14 مارس، ردا على اجتماع سبقه بأسبوع عقد في 8 آذار لأنصار سوريا.

 

ومنذ ذلك الوقت انقسمت الأحزاب والتيارات اللبنانية قسمة حادة إلى قسمين، أحدهما «قوى 14 آذار»، والأخرى «قوى 8 آذار»، ضمت الأولى الأحزاب والتيارات السنية والمسيحية والدرزية، بما فيها الحزب التقدمي بقيادة وليد جنبلاط، وضمت الثانية حزب الله وحركة أمل (حزبان شيعيان)، وانضمت إليهما فيما بعد كتلة الجنرال ميشيل عون وقد سُميت هذه الكتلة بالمعارضة.

 

وبقي التيار الأول يضم أكثرية نيابية ربحها بالانتخابات التي جرت منتصف عام 2005، والأخرى التي جرت منتصف العام الحالي. لكن هذه الأكثرية لم تساعد هذا التيار على تشكيل حكومة (بدون الشيعة)، بسبب رفض الحزبين الشيعيين المشاركة فيها، أو بانتخاب رئيس جمهورية، أو تفعيل المؤسسات التشريعية ومؤسسات الدولة، إلا إذا شاركت المعارضة في الحكومة وكان لها رأي في اختيار رئيس الجمهورية.

 

وتعطلت الحياة السياسية والاقتصادية اللبنانية، ثم عقد مؤتمر الدوحة وساهمت فيه قوى إقليمية ودولية فضلاً عن اللبنانية، وتم التفاهم إقليمياً ودولياً على انتخاب رئيس لبناني جديد وتشكيل حكومة وفاق وطني، وهذا ما حصل.

 

أمام الضغوط الأميركية والفرنسية (في عهد شيراك)، والعربية (وخاصة السعودية والمصرية) واللبنانية، ثم الحوار الذي بدأه ساركوزي، تحولت السياسة السورية إلى سياسة معتدلة في لبنان، فتبادلت التمثيل الدبلوماسي معه وعينت سفيراً لها هناك، وكانت قد سحبت قواتها من لبنان، ووافقت على تشكيل لجان لترسيم الحدود، وساهمت في تسهيل انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة، وأصبحت هذه المواقف السورية الإيجابية واضحة، ثم تدخلت السعودية، واتفق الرئيس الأسد والملك عبد الله على تسهيل تشكيل الحكومة وتفعيل المؤسسات اللبنانية.

 

خاصة وأن مجلس الأمن استكمل تشكيل المحكمة الدولية المكلفة بمحاكمة المتهمين باغتيال الحريري ورصدت لها الموازنة، وبدأت عملها منذ مطلع العام الحالي وهي في انتظار صدور القرار الظني من النائب العام. وهكذا لم يعد لمناوئي السياسة السورية في لبنان أي حجة لعدم إجراء المصالحة بين البلدين.

 

خاصة وأن سوريا هي الحدود البرية الوحيدة مع لبنان (إذا استثنينا إسرائيل)، وأنه يستحيل تجاهل العلاقات التاريخية والجغرافية والاجتماعية والاقتصادية بينهما، في الوقت الذي يتعذر فيه على حكومة الحريري أن تنجز أي شيء بدون «المعارضة» المتحالفة مع سوريا (والتي باتت شريكة في الحكم)، فضلاً عن أن وليد جنبلاط الحليف الرئيس للحريري، بدأ يتبع خطاً مختلفاً وعقد مصالحة مع حزب الله، فكان لا بد للحريري، لهذا كله، من التوجه إلى زيارة سوريا، حرصاً على نجاح حكومته وتحقيق مصالح بلاده، واستجابة للطلب السعودي.

 

من طرف آخر، وجد الجانب السوري نفسه بحاجة لمثل هذه «المصالحة»، خاصة وأن سوريا وافقت على مطالب مناوئيها في لبنان، وتعبت من الضغوط الأميركية والأوروبية والعربية، وينبغي عليها تنفيذ ما التزمت به سعودياً وعربياً، وأخيراً فإن لبنان يبقى خاصرة سوريا الرخوة تجاه إسرائيل التي لا بد من ضمانها، ولهذا رحب المسؤولون السوريون بالزيارة.

 

وأخيرا، ينبغي كي تعود العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها «المميزة والودية»، أن يقوم البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير، والنائب وليد جنبلاط بزيارة سوريا في أقرب وقت، وهذا ما يأمله الجميع.

كاتب سوري

============================

هل تنقذ روسيا الغرب؟

آخر تحديث:السبت ,26/12/2009

الخليج

سيرجي كاراجانوف

إن التغيرات السريعة الطارئة على الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية في ازدياد مستمر، وهو ما يشكل مرة أخرى قضية داخلية بالنسبة لروسيا: علاقة البلاد بأوروبا، والمنطقة الأوروبية الأطلسية ككل . إن روسيا بطبيعة الحال تنتمي جزئياً إلى هذه المنطقة . ولكنها رغم ذلك غير قادرة وغير راغبة في الانضمام إلى الغرب بإخلاص أو ليس بعد على الأقل . وفي الوقت نفسه، يبدو هذا الخيار الآن مختلفاً تمام الاختلاف مقارنة بما كانت عليه الحال منذ بضع سنين فقط .

 

لقد بات من الواضح أن العالم الأوروبي الأطلسي، والذي بدا نموذجه الاقتصادي والسياسي منتصراً قبل عشرين عاماً، متأخر الآن بعض الشيء خلف الصين وغيرها من بلدان آسيا . وكذلك روسيا، حيث على الرغم من تشجيع الحديث عن التنمية القائمة على الإبداع، إلا أن الاقتصاد ما زال مستمراً في الابتعاد عن التحديث بسبب السماح للفساد بالتفشي كالسرطان ومع اعتماد البلاد على نحو متزايد على ثروتها من الموارد الطبيعية . ولقد تبين أن آسيا في واقع الأمر كانت هي الفائز الحقيقي في الحرب الباردة .

 

إن هذه القوى الصاعدة تثير المشاكل في ما يتعلق بالخيارات الجغرافية الاستراتيجية المتاحة أمام روسيا . فللمرة الأولى منذ عقود من الزمان، تبدو فجوة القيم بين روسيا والاتحاد الأوروبي في ازدياد . فقد بدأت أوروبا في التغلب على قومية الدولة، في حين تبني روسيا دولة قومية . أما الأوروبيون الذين كسرهم التاريخ ولا يرغبون في تخريب أوطانهم مرة أخرى بسبب الحرب، فقد تبنوا الحلول الوسط وتخلوا عن الاستخدام المباشر للقوة في العلاقات الدولية .

 

ويؤكد الروس من ناحية أخرى على “قوتهم الصارمة”، بما في ذلك القوة العسكرية، وذلك لأنهم يدركون أنهم يعيشون في عالم خطر وليس لديهم من يختبئون خلفه . ولأن روسيا تفتقر إلى “القوة الناعمة” نسبياً عوامل الجذب الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية فهي على استعداد لاستخدام ميزتها التنافسية النسبية (ثرواتها من الموارد الطبيعية) المتاحة لها . وتعمل التطورات السياسية الداخلية في روسيا أيضاً على دفع البلاد في اتجاه مختلف عن الغرب . والمسألة ببساطة أن الروس يتحركون بعيداً عن الديمقراطية .

 

وهذه الفجوة الناشئة في القيم لا تشكل عقبة كأداء تحول دون التقارب الجغرافي الاستراتيجي . ولكن في ظل محاولات التهييج المتبادلة، والتي تتسم بالقوة بشكل خاص في روسيا، أصبح سد هذه الفجوة أمراً أكثر صعوبة . ففي حين لم يعترف أهل النخبة في روسيا قط بهزيمتهم في الحرب الباردة، يتعامل الغرب مع روسيا في الأساس باعتبارها بلداً منهزماً وهو الموقف الذي يرمز إليه توسع حلف شمال الأطلسي نحو الشرق، والذي ساعد في إرساء أساس عميق للتوتر المستمر . ولم يتوقف توسع حلف شمال الأطلسي إلا بعد أن واجه الغرب عصياناً مسلحاً في أوسيتيا الجنوبية . ولكن الحلف لم يتخل رغم ذلك عن خططه الرامية إلى المزيد من التوسع .

 

إن توسع حلف شمال الأطلسي لا يشكل أكثر من امتداد لمنطقة نفوذه وفي المجال السياسي العسكري الأشد حساسية . ورغم ذلك فإن عدم استعداد الغرب للتخلي عن هذه الجهود يقترن بالرفض المتكرر للاعتراف بحق روسيا في أن تنشئ لنفسها منطقة اهتمام خاص .

 

وهذا يعني أن توسع حلف شمال الأطلسي يجعل الحرب الباردة تبدو وكأنها لم تنته بعد . صحيح أن المواجهات الأيديولوجية والعسكرية التي استندت إليها الحرب قد ولت وذهبت لحال سبيلها، ولكن المنافسة الجغرافية السياسية التي انطوت عليها عادت الآن إلى الواجهة . وهذا يعني أن العقلية القديمة ما زالت باقية على الجانبين .

 

وتشكل محادثات الطاقة مثالاً آخر لهذا . حيث يتعين على أوروبا غير الروسية أن تشكر الرب لأنه وهبها روسيا الغنية بالطاقة على حدودها، في حين يتعين على روسيا أن تكون شاكرة لوجود مثل هؤلاء العملاء الأثرياء . ولكن التضارب الطبيعي بين مصالح مستهلكي الطاقة ومنتجيها سلك منعطفاً سياسياً أمنياً وتشهد على ذلك المناقشات الدائرة بشأن إنشاء “حلف الطاقة الشمال أطلنطي” .

 

وفي مواجهة استحالة الانضمام إلى المؤسسات الأوروبية الأطلسية والانتفاع بها، فإن روسيا تنجرف بسرعة نحو الانحياز إلى الصين “الشقيقة الصغرى” المحترمة . إن “الخيار الآسيوي” الذي تبنته روسيا اليوم لا يشبه الخيار الأوراسي في الماضي . فهو على السطح يبدو وكأنه خيار يصب في مصلحة حضارة سريعة النهوض . ولكن القطيعة الحالية مع أوروبا مهد الحضارة الروسية وحداثة روسيا تهدد هوية روسيا ومن شأنها أن تزيد من المخاطر الجغرافية الاستراتيجية التي قد تواجهها في المستقبل .

 

وأوروبا أيضاً لا تستفيد من هذا الجفاء والقطيعة . فهي سوف تستمر في التوجه نحو الاضمحلال البطيء الهادئ . والولايات المتحدة أيضاً سوف تخسر . فمن دون روسيا التي سوف تظل القوة العالمية العظمى الثالثة في المستقبل المنظور، سوف يكون من المستحيل التوصل إلى حلول للمشاكل الرئيسية التي تهدد الأمن الدولي .

 

إن فكرة تأسيس “اتحاد أوروبا” بين روسيا والاتحاد الأوروبي لا بد أن توضع على الأجندة طويلة الأجل . ولا بد أن يقوم هذا الاتحاد على مساحة إنسانية اقتصادية مشتركة، بما في ذلك مساحة خاصة لمسألة الطاقة . والواقع أن الجمع بين اتخاذ ترتيبات أمنية جديدة من أجل المجتمع الأوروبي الأطلسي وتأسيس اتحاد أوروبا من شأنه أن يوقف انحدار الثِقَل الدولي للغرب .

عميد كلية الاقتصاد الدولي والعلاقات الخارجية بجامعة البحوث الروسية كلية الاقتصاد العليا . والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت”

============================

سورية تبعث «سياسة الخيمة» مع لبنان

السبت, 26 ديسيمبر 2009

سليم نصار *

الحياة

خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، سئل الرئيس السوري بشار الأسد عن احتمال زيارته لبنان رداً على الزيارات المتكررة التي قام بها رئيس الجمهورية ميشال سليمان!

وأجاب الأسد بالإيجاب، مع التحفظ بأن الزيارة المرتقبة ستتم في الوقت المناسب، وبعد أن توجه له دعوة رسمية.

وكان هذا الجواب مثار تعليقات في الصحف اللبنانية لأن رئيس الحكومة سعد الحريري زار دمشق من دون أن يتلقى دعوة رسمية. وبدلاً من أن يستقبله رئيس الحكومة السورية ناجي عطري، كُلف بهذه المهمة وزير شؤون رئاسة الجمهورية السوري منصور عزام.

ومع أن الاستقبال الاستثنائي الذي أعده الأسد لضيفه خفف من وقع الانتقادات، إلا أن صفة الاستعجال التي تمت بها الزيارة واجهت اعتراضات المعترضين على الأسلوب كأن الحريري تسلل الى سورية. وحجة هؤلاء أن التحضيرات التي تترافق مع هذه العملية السياسية، لم تقنع الشرائح الشعبية – مسيحية كانت أم سنيّة – بإخراجها المرتجل. ومن قبيل المزايدات، استحضر المعترضون وقائع الزيارة التي قام بها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط لدمشق، وكيف استشار المشايخ والحزب قبل إقدامه على هذه الخطوة.

ويتذكر اللبنانيون حالات الضيق والتردد التي عاناها وليد جنبلاط عقب اغتيال والده (16 آذار 1977) وكيف هيأ لزيارة دمشق عبر الهيئات النافذة سياسياً وطائفياً. ففي المرحلة الأولى أعلنت الجمعية العمومية التنظيمية للحزب التقدمي الاشتراكي، عن موافقتها على الزيارة، معللة ذلك بخدمة القضايا القومية المشتركة، وضرورة التعالي على الجراحات. وفي مرحلة ثانية، صدر بيان عن مشايخ الطائفة الدرزية يدعم هذا الخيار ويبرر لوريث الزعامة، كل المواقف التي تساند سلامة الطائفة ودورها الريادي. وهكذا توجه وليد جنبلاط الى دمشق متسلحاً بالتغطية المطلوبة.

صحيح أن القاعدة الشعبية ل 14 آذار لا تسمح لسعد الحريري بالتحرك المريح كما حدث مع وليد جنبلاط... ولكن الصحيح أيضاً أنه كان بمقدوره الحصول على دعم عدد كبير من السياسيين ورجال الدين، الأمر الذي يخفف من وقع الصدمة على الذين أيدوه وانتخبوه. وبسبب تجاهل رأي الجمهور، فُسرت عملية مقتل عامل سوري في شمال لبنان، بأنها تعبير عن استياء من تصرف سعد الحريري.

ومن الأحداث التي تجاهلتها الدولة اللبنانية عن قصد، كانت حادثة تمزيق صورة الرئيسين الأسد والحريري وهما يتصافحان بحرارة. ويبدو أن أحد أنصار الحريري اختار هذه «اللقطة» كي يرفعها فوق محله في طرابلس، الأمر الذي قوبل بالرفض من قبل أنصار تابعين لتيار 14 آذار. ومن خلال هذه الحادثة يمكن فهم حالات الخلاف في وجهات النظر بين جماعة الفريق الواحد. ومثل هذا التصرف ينبئ عن دنو تفكّك هذه الجبهة بسبب ضياع الهدف الذي كان يجمع مليون نسمة في التظاهرات الكبرى. ولم يكن السجال الذي حدث بين وزير الأشغال غازي العريضي وسعد الحريري سوى عيّنة من عينات انفراط عقد هذه الكتلة التي جمعتها وحدة الفواجع والاغتيالات. مع العلم أن العريضي كان يثير مسألة بالغة الأهمية تتعلق بمخالفة دستورية يصعب تجاوزها إلا بقرار صادر عن مجلس الوزراء ومجلس النواب.

في خطابه الأخير حدد السيد حسن نصرالله للحكومة الجديدة مواصفات المرحلة المقبلة، وطلب منها حصر اهتماماتها بالمشاكل التي تشغل بال المواطنين كأزمة السير والبطالة والطبابة وما الى ذلك من شجون. وحذر من المخاطر الإقليمية والدولية، منبهاً الحكومة الى تحاشي المطبات والألغام. وكان بهذه المؤشرات يرسم خريطة الطريق لسلام الشرق الأوسط أو حربه.

في ضوء هذه الاعتبارات يمكن رسم صورة سريعة للمتغيرات التي ستحدث في لبنان من جراء المصالحة التي تمت في دمشق يوم السبت الماضي.

أول فريق متضرر من عودة العلاقات السورية – اللبنانية، هو الفريق الذي يتخذ من الإسلام السياسي حجة لبث دعوته. ومع أن تواجده محصور في مناطق معينة مثل الضنية وطرابلس ومجدل عنجر والبقاع، إلا أن نفوذه منتشر في غالبية المدن والقرى ذات الكثافة السنية. وقد استغلته «القاعدة» في بعض المراحل لنسف العلاقات اللبنانية – السورية عملاً بمبدأ مقاومة كل تقارب عربي – عربي.

المتضرر الآخر هو التيار الماروني الذي يقوده الدكتور سمير جعجع في معركة الصدام ضد العماد ميشال عون وكل ما يمثله من تعاطف مع «حزب الله» وسورية وايران. وهو بالتأكيد سيعتمد على عباءة البطريرك صفير في صد الغارات السياسية والإعلامية التي تستهدفه من الآن فصاعداً. ومع انخفاض في درجة العداء لهذا التحول، تقف «كتائب» آل الجميّل على مسافة غير بعيدة من سورية، على أمل الحصول على مكاسب سياسية في الوزارات والدوائر الرسمية.

أما بالنسبة للفريق الماروني المستقل مثل الوزير بطرس حرب، فإن التعاطي معه سيكون بحجم القوة الانتخابية التي يمثلها. ومعنى هذا أن قيمته الذاتية هي التي تحدد دوره داخل الكيانات السياسية الجديدة.

ويرى المراقبون أن الدور القيادي الذي اضطلع به سعد الحريري منذ اغتيال والده، ستتضاءل قوته وتتوزع روافده على الطامحين للعب دور رئيس الوزراء من أمثال نجيب الميقاتي ومحمد الصفدي.

بقي السؤال المتعلق بأداء سورية في المرحلة المقبلة، وما إذا كانت ستنتقم من خصومها، أم أنها ستعمل بوحي خطاب الرئيس بشار الأسد الذي اعترف ببعض الأخطاء طوال حضور قوات بلاده في لبنان مدة 29 سنة؟!

للجواب على هذا السؤال يمكن العودة الى التعليق الذي أدلى به عبدالحليم خدام عقب مهاجمة المنطقة الشرقية من بيروت آخر السبعينات. قال: «إن سورية تعامل خصومها في لبنان مثل معاملتها خصومها داخل سورية». وهذا معناه الرجوع الى اعتماد منطق «الأمن القومي» الذي يحلل استخدام كل الوسائل في سبيل حماية النظام.

ولكن إعلان الرئيس الأسد عن انسحابه العسكري من لبنان، وعن موافقته على تفعيل المؤسسات بين البلدين، يقدّم الضمانات السياسية بأن لبنان في عهد الرئيس ميشال سليمان لن تعامله مثل لبنان في عهدي الرئيس الياس الهراوي واميل لحود. ومثل هذا التموضع يقتضي العودة الى اتباع سياسة التعاون التي أرسى دعائمها جمال عبدالناصر وفؤاد شهاب، والتي عرفت ب «سياسة الخيمة». أي التنسيق المتواصل على المستويات الأمنية والاستخباراتية والدفاعية والخارجية. وربما ينضم «حزب الله» الى التنسيق الجديد بعد إدخال إيران في منظومة الشرق الأوسط.

عقب توقيع 49 اتفاقاً لتعزيز العلاقات الثنائية مع سورية، أعلن رجب طيب أردوغان أن الموقع الجغرافي للبلدين يؤهلهما للقيام بدور بوابتين للدول المجاورة. وكان بهذا الكلام يذكّر بسلسلة المصالحات التي أجراها مع أرمينيا وغيرها من الدول المجاورة قبل أن يعلن سياسة الباب المفتوح مع سورية. وفي هذا السياق يمكن تفسير الزيارة المفاجئة التي قام بها رئيس مجلس الشورى (البرلمان) الإيراني، علي لاريجاني للقاهرة، والتي خلفت لديه انطباعات إيجابية تبشر بالانفراج بين البلدين. كما تفسر معنى الزيارة التي قام بها الرئيس حسني مبارك للسعودية والإمارات والكويت. ويؤكد الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى أن المسافة الزمنية التي تفصل المنطقة عن القمة العربية المقررة في ليبيا (27 و 28 آذار) ستكون ملأى بالنشاطات السياسية وكل ما يعزز فرص التعاون بين أعضاء أسرة الشرق الأوسط الجديد.

ويرى المحللون أن الوساطة التي تقوم بها سورية مع ايران في شأن تمرد الحوثيين قد تتطور الى وضع مستقر كما يقول الرئيس اليمني علي عبدالله صالح. ويتوقع هؤلاء أن تشمل المصالحات مختلف الدول العربية بحيث تكوّن المنطلقات لتكامل اقتصادي يتسع لأكثر من ثلاثين دولة.

وماذا عن اسرائيل؟

وضع بن غوريون لبلاده قاعدة ثابتة على صعيد السياسة الخارجية، مفادها أن اتحاد الدول العربية أخطر على اسرائيل من القنبلة النووية. لذلك تجب مقاومتها ولو بالحرب. وفي ضوء هذه القاعدة يتوقع المراقبون في واشنطن أن تتحرك اسرائيل ضمن خيارين ملزمين: أو شن حرب مفاجئة في موقع حساس ينسف كل المساعي التي تقوم بها تركيا وسورية... أم القبول بالعرض التركي والتقدم باتجاه السلام مع سورية أو الفلسطينيين. ومثل هذا الخيار الصعب يحتاج الى دليل واقعي تمكن ترجمته بالإفراج عن القائد «الفتحاوي» مروان البرغوثي، والأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات وقادة الجناح العسكري لحركة «حماس» ابراهيم حامد وعبدالله البرغوثي وعباس السيد وجمال أبو الهيجا وحسن سلامة.

والى أن يحسم بنيامين نتنياهو هذا الأمر، فإن ولادة المنظومة الشرق أوسطية الجديدة، ستظل مجرد مشروع لم تكتمل مقوماته بعد.

* كاتب وصحافي لبناني

===========================

خطآن فادحان يمكن أوباما تفاديهما

الجمعة, 25 ديسيمبر 2009

باتريك سيل

الحياة

يواجه الرئيس باراك أوباما خطر ارتكاب خطأين فادحين وجدّيين في السياسة الخارجية، الأمر الذي ينذر بملازمته طوال الفترة المتبقية من ولايته وبصرف انتباهه عن الهدف الذي أعلنه والقاضي ببناء الجسور مع العالم العربي والإسلامي. يمكن لأوباما تفادي ارتكاب هذين الخطأين غير أن الوقت قصير ويجب أن يتحرك فوراً حتى لا يقع في شرك الصقور المحليين والضغوط المستمرّة جرّاء الأحداث التي سبق وأعدّ لها.

لا شكّ في أن القرّاء أدركوا أنني أعني المبادرات التي أطلقها أوباما تجاه إيران وتلك المتعلقة بساحة الحرب الأفغانية - الباكستانية. فهاتان المنطقتان، إلى جانب النزاع العربي - الإسرائيلي، تقعان في قلب الأزمة العالمية. وسيكون للطريقة التي سيختار فيها أوباما معالجة هذه المسائل وقعاً عميقاً على الولايات المتحدة وعلى دول الشرق الأوسط، من أصدقاء وأعداء على حدّ سواء.

قام أوباما في بداية ولايته منذ سنة، بمدّ يد الصداقة إلى طهران في إطار خطوة بارزة لإنهاء ثلاثين سنة من العدائية العقيمة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

إلا أن إيران التي شكّلت موضوع حديث الولايات المتحدة على مدى سنوات حول «تغيير نظامها» تشكّك بالدوافع الأميركية. فضلاً عن ذلك، يواجه الزعماء الإيرانيون كالرئيس محمود أحمدي نجاد والمرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية السيد علي خامنئي تحديات تفرضها حركة احتجاج محلية واسعة لا يسبق لها مثيل. فقد فجّرت الانتخابات الإيرانية المزوّرة التي أجريت في شهر حزيران (يونيو) الماضي ثورةً بركانية تمثّلت بانتفاضة شباب غاضبين جمعوا قواهم من دون إثارة انتباه أحد. ولم يتمّ قمع موجة الاحتجاج هذه. فلا يزال النضال من أجل رسم مستقبل الجمهورية الإسلامية في أوجه، ما أجّج أكثر مخاوف الزعماء.

في هذه الظروف المشحونة، ليس من السهل على إيران التفكير في صفقة خطرة من الناحية السياسية مع الولايات المتحدة إلا في حال كانت أكيدة من أنها ستجلب لها في المقابل فوائد كبيرة. لكن عوضاً عن التزام واشنطن بوعودها كما كان يجب عليها فعله، انتقلت إلى الحديث عن فرض عقوبات تصيب إيران بالشلل. فقد وافق مجلس النواب الأميركي بأكثريته في الشهر الجاري على قانون قدّمه نائب ديموقراطي موال لإسرائيل هو هوارد بيرمان يقضي بفرض عقوبات على الشركات الأجنبية التي تساهم في تزويد إيران بالوقود. وفي حال وافق مجلس الشيوخ عليه، سيصعب على البيت الأبيض ألا يحذو حذوه.

وضاعفت إسرائيل في هذا الوقت جهودها لحشد الرأي العام الدولي ضد إيران. والمثال البسيط على ذلك تبلور في عمود كتبه وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون في صحيفة عربية بارزة هذا الأسبوع جاء فيه ما يأتي:

«ليست إسرائيل عدو الشعب اللبناني بل «حزب الله»، وليست هي عدو الشعب الفلسطيني بل حركة «حماس»، وليست هي عدو الشعب المصري بل المجموعات الإسلامية المتمردة. تتلقى كل هذه المجموعات الأوامر من إيران التي تسعى إلى السيطرة على المنطقة بأكملها. وفي حال تمكنت إيران من حيازة الأسلحة النووية فسيزداد الوضع سوءاً. وبالتالي لا يسعنا مواجهة هذا الخطر والقضاء عليه إلا إن وحّدنا جهودنا».

قد لا تقنع هذه الدعاية عدداً كبيراً من العرب إلا أنها تدلّ على طريقة التفكير الإسرائيلية. فلماذا تشعر إسرائيل بقلق شديد في شأن «الخطر الإيراني»؟ يكمن الجواب على ذلك في أن حيازة إيران القنبلة أو حتى إحراز تقدّم نحو حيازة القدرة النووية قد يحدّ من حرية تصرّف إسرائيل. فلن تتمكن من ضرب الدول المجاورة لها متى شاءت ومن دون أخذ عواقب ذلك في الاعتبار. كما قد تتقوّض الهيمنة العسكرية التي حظيت بها إسرائيل في المنطقة في منتصف العقد الأخير وهو أمر صمّمت إسرائيل على تفاديه.

يعتبر معظم المراقبين المستقلين ومن بينهم كاتب هذا المقال أن إيران لن تتخلى عن حقّها في تخصيب اليورانيوم وأنه من غير المرجح أن تجبرها العقوبات على القيام بذلك، لا سيما أن الصين وروسيا لن تشاركا في هذه الخطوة وأن شنّ هجوم عسكري ضد إيران هو تصرف متهوّر إلى أقصى الحدود.

يجب أن يقوم هدف ديبلوماسية أوباما الفوري على إقناع إيران بوقف برنامجها النووي العسكري في حال كانت تملك واحداً عند «العتبة النووية» أي بالتوقف عن إنتاج السلاح النووي أو اختباره. وبالطبع سترغب إيران في المحافظة على قدرتها على القيام بذلك في وقت قصير في حال تمّ الاستمرار بتهديدها.

يفرض هذا الهدف المحدود على الولايات المتحدة التعامل مع إيران عوضاً عن الضغط عليها من خلال تهديدها بفرض عقوبات عليها أو بشنّ ضربات عسكرية ضدها. ويعني التعامل مع إيران إبداء الاستعداد لفتح نقاش معها على أساس الاحترام المتبادل حول مجموعة واسعة من المسائل أبعد من المسألة النووية بما فيها دور إيران الإقليمي الشرعي وحاجتها إلى الحصول على ضمانات بعدم تدميرها أو شنّ هجوم عليها. كما يجب بذل جهد جدّي لإدخال إيران في البنية الأمنية الإقليمية في الشرق الأوسط. يجب أن يختار أوباما ما بين تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وبالتالي استعادة سلطة أميركا المتراجعة أو المساهمة في الدفع نحو الحرب.

يكمن خطأ أوباما الثاني في ممارسة ضغوط قوية على باكستان لمهاجمة ملاذات حركة طالبان في المناطق القبلية ذات الإدارة الفيديرالية في باكستان، لا سيما بهدف سحق المقاتلين التابعين لجلال الدين حقاني في شمال وزيرستان الذين كانوا يهاجمون قوات حلف شمال الأطلسي على جانب الحدود في شرق أفغانستان. وتسيطر قبائل البشتون الإثنية على القبائل السبعة الموجودة في المنطقة القبلية ذات الإدارة الفيديرالية على الحدود الأفغانية علماً أن الشيوخ المحليين التابعين لها كانوا يحظون منذ زمن المستعمرين البريطانيين ولغاية اليوم بحكم ذاتي. وقد يؤدي السعي إلى إخضاع هذه القبائل بالقوة إلى متاعب كبيرة.

تساهم الحرب ضد حركة طالبان إلى جانب الاعتداءات التي تنفذها الطائرات من دون طيار الأميركية بالإخلال باستقرار الدولة الباكستانية الهشة. كما أنها توشك على دفع الجيش ووكالات الاستخبارات الباكستانية إلى إطلاق ثورة ضد السياسة الأميركية علماً أنهم يعتمدون على المجموعات المحلية التابعة لحركة طالبان من أجل الحدّ من التأثير الهندي في أفغانستان.

وعوضاً عن السعي وراء تحقيق انتصار عسكري وهمي في أفغانستان يجب أن يبحث أوباما في شكل طارئ عن حلّ سياسي، مما يعني إجراء مفاوضات مع حركة طالبان ومع قبائل البشتون التي تقدّم إليها جنوداً تابعين لها. وعوضاً عن الضغط على باكستان من أجل شنّ حرب على طالبان، يجب أن تشجع الولايات المتحدة باكستان على تقريب القبائل منها على الحدود، لأن باكستان وحدها قادرة على جلب حركة طالبان إلى طاولة المفاوضات.

قد يكون فات الأوان ليغيّر أوباما مجرى الأحداث في إيران وعلى الساحة الأفغانية - الباكستانية. فقد تكون الضغوط التي يمارسها عليه الصقور في الداخل والحلفاء مثل إسرائيل كبيرة للغاية. إلا أن دفع الأمور نحو الحرب قد يتسبب بتبديد الموارد النادرة وباحتلالات عسكرية خطرة وإراقة دماء وذرف دموع والقضاء على كل الآمال بإرساء علاقات أفضل مع العالم الإسلامي.

* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط

=============================

أردنا سورية.. فجاءت إيران!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

26-12-2009

المشهد السياسي بمنطقتنا كالتالي: أطلق القناص رصاصته لاصطياد الصقر من فوق الشجرة.. ويا للمفاجأة، سقط دب ضخم! فعندما تحركت الدبلوماسية السعودية، تحديداً، تجاه المصالحة العربية، وتحت يافطة ترتيب البيت العربي، ورأينا بعدها الملك السعودي بدمشق، بعد أن رأينا الرئيس السوري بالرياض، ثم رأينا الأسد والحريري وجهاً لوجه بدمشق، بعد أن ظننا أن لا تلاقيا، جاءت إيران مهرولة للعرب، وأيضاً بدافع الضغط الغربي بالطبع، لتبحث عن تحالف إسلامي استراتيجي، ولنسمِ الأشياء بأسمائها، تحالف سعودي – مصري – تركي - إيراني. ولذا نقول كان الصياد يتحين الصقر، سورية، فسقط الدب، إيران!

ففي القاهرة، وأمام الصحافيين بالجامعة العربية، قال لاريجاني إن بلاده «حريصة على علاقة الصداقة مع دول الجوار من منطلق استراتيجية تركز على ضرورة الوحدة بين الدول الإسلامية من دون تفريق بين السنة والشيعة». قاصداً تحالفاً عربياً تركياً إيرانياً. وأشار لاريجاني إلى أن علاقة بلاده طيبة مع الدول العربية «مثل اليمن والإمارات ومصر والمغرب والعراق والسعودية وفلسطين»، مضيفاً أنه قد تبرز خلافات في وجهات النظر إلا أن إيران وتلك الدول متفقون بالنسبة لفلسطين على حق المقاومة، «ورغم ذلك فتعاملنا أخوي مع جميع الدول». والملاحظ هنا هو عدم ذكر لاريجاني لسورية، كما أن جميع من سماهم من الدول لديهم مشاكل حقيقية مع إيران!

الأمر الآخر المهم هو زيارة متقي للبنان، وأبرز ما قيل هناك أن بلاده تريد علاقة جيدة مع لبنان، لكن على أن تكون علاقة مباشرة، دون وسطاء، وبحسب أحد اللبنانيين المطلعين جيداً، فإن ما فهمه الساسة اللبنانيون من وزير خارجية إيران مفاده «تواصلوا معنا دون الحاجة للجوء إلى السوريين»!

وبناء على هذه المعطيات فإن الواضح هو أن الإيرانيين بدأوا يشعرون بالعزلة العربية، ويريدون تحييد العرب قبل استحقاق المدة المشارفة على النهاية بالتفاوض مع الغرب، ويريدون أمرين رئيسيين هما: إما كسر العزلة وتحييد الساسة العرب من الوقوف مع المجتمع الدولي في حال فرضت عقوبات على طهران، أو أن طهران تريد تحسين صورتها أمام الرأي العام العربي تحسباً لأي مواجهة مع المجتمع الدولي، أو عقوبات، ومن أجل تسهيل استخدام ورقة حماس وحزب الله. وكلا الأمرين يعنيان أن طهران لا تريد التقليل من التقارب الذي حدث مع سورية، عربياً، وحسب، بل تريد تهميشه من خلال تقارب أكبر بين السعودية وتركيا ومصر وإيران.

إلا أن السؤال هو: هل تَصدُق طهران؟ أشك! وأبسط دليل أن لاريجاني ينفي علاقة بلاده بالحوثيين، ثم يعرض إمكانية «التصدي لهذه القضية»، فكيف بوسعه الوساطة طالما أن لا علاقة له بالحوثيين! الواضح أن طهران تريد حماية الحوثيين بعد أن كسر السعوديون شوكتهم، وتريد فك العزلة، والتقليل من الانفتاح العربي مع دمشق من خلال اتفاق أكبر يضيع فيه الثقل السوري، وتفوت على الغرب ورقة العرب تحسباً لأي خطوة غربية قادمة بسبب مفاوضات الملف النووي!

ما تريده إيران هو اصطياد عصافير بحجر واحد، وليس طمأنة العرب.

tariq@asharqalawsat.com

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ