ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
في حربها على غزة..
اسرائيل تجاوزت الخطوط الحمر الانسانية والاخلاقية
والقانون الدولي والحكمة أشواق لغزة جدعون ليفي 29/12/2009 القدس العربي في ليل السبت الماضي هتف الهاتف في بيتي:
منير. لم نتحدث منذ بضعة شهور،
وكل حديث معه يثير فيَّ اشواقا
قوية. في الشهر الماضي تمت ثلاث
سنين منذ التقينا آخر مرة. أتذكر
ذلك جيدا: سافرنا معا الى روضة
اطفال انديرا غاندي وهي صاحبة
الروضة، التي سماها والداها
كذلك باسم الزعيمة الهندية، في
بيت لاهيا. قبل ذلك بيومين اطلق
الجيش الاسرائيلي صاروخا قرب
الحافلة الصغيرة التي اقلت صغار
الروضة، قتل طالبان وسابلة
ومربية الحضانة الشابة نجوى
خليف امام نظر الاطفال العشرين
الذين كانوا في طريقهم الى
الروضة. عندما قدمنا الى الروضة الجميلة، التي
اعتني بها بتبرع من المانيا،
أرتنا غاندي صورا رسمها اطفالها
الصغار: اولاد مطروحون في
الشارع ينزفون، ومربية حضانة
غارقة في دمها، وطائرة ودبابة
تمطرانهم بالصواريخ والقذائف.
هكذا نشأ اطفال روضة انديرا. هذه
آخر ذكرى لي من غزة. منذ ذلك
الحين لم يسمح لي بزيارتها. اسرائيل تمنع الصحفيين الاسرائيليين منذ
اكثر من ثلاث سنين من زيارة غزة،
ولا يتأثر أحد بهذا التعتيم
الاعلامي الفاضح. لم يكن هناك
صحفي اسرائيلي منذ اكثر من ثلاث
سنين، لكن لم يسمع صوت احتجاج من
اناس او وسائل الاعلام. فمن يريد
زيارة غزة؟ عندما هاتف منير ارتجف صوتي. أجل أنا
اشتاق منيرا ومشاهد غزة. يكاد
يكون من الصعب ان تكتب
للاسرائيليين عن الشوق الى غزة
التي هي في نظر اكثرهم 'وكر قتلة'.
ان من زارها مدة سنين فقط والذي
رأى غزة في جمالها وقبحها، وفي
عجز سكانها وقوتهم العجيبة
يستطيع أن يفهم الشوق الى غزة.
انا اشتاق غزة وناسها ومناظرها
وشاطئها وروائحها. انا اشتاق
منيرا وسعدا سائقي سيارة الاجرة
اللذين اخذاني الى اشد الازقة
ظلاما والى اكثر الشوارع خطرا،
والى ابعد المخيمات، الى بيوت
الثكل والدمار. سافرنا معا مدة
سنين لنوثق افاعيل اسرائيل. بعد سنتين من وداعنا بالاحتضان كالعادة،
ربما الى الابد هذه المرة، في
نفس نهاية الاسبوع قبل سنة
بالضبط انطلقت عملية 'الرصاص
المصبوب'. في يوم السبت السابع
والعشرين من كانون الاول 2008 بدأ
القصف الجوي الوحشي. في اليوم
الاول عد في غزة 225 قتيلا. كتبت من الغد في صحيفة 'هآرتس': 'خرجت
اسرائيل أمس الى حرب اخرى لا
داعي لها خاسرة... مرة اخرى
ردودها العنيفة حتى لو كان لها
تسويغ تتجاوز كل تناسب، وتقطع
كل خط احمر للانسانية والاخلاق
والقانون الدولي والحكمة...
الصور التي اغرقت امس الشاشات
في جميع انحاء العالم بينت
مسيرة جثث وجرحى يطرحون من
صناديق سيارات خاصة الى
المستشفى الوحيد في غزة، الذي
يستحق أن يسمى كذلك. ربما يجب
مرة اخرى أن نذكر بان الحديث عن
منطقة مضروبة بائسة، اكثر
سكانها من ابناء اللاجئين،
الذين اصابتهم نوائب غير
انسانية، وهم محبوسون يقاطعهم
العالم منذ سنتين ونصف السنة'. في الاسابيع التي تلت ذلك اكثرت الحديث
بالهاتف الى منير وسعد. كانت تلك
احاديث فظيعة، قطعت احيانا بسبب
القصف او انقطاع الكهرباء.
اصيبت سيارة اجرة سعيد التي
ركبناها معا الاف الكيلومترات
بصاروخ اسرائيلي. جلس منير في
البيت وارتجف خوفا على مصير
زوجته الحامل واولاده. عاد ورتل
في الهاتف مرة اخرى 'صلاة
التكفير'، التي حفظها عن ظهر قلب
عندما عمل قصابا في سوق هتكفا في
تل أبيب. لكنه لم يكن أي تكفير
لمعاناة سعد ومنير والمليون
ونصف المليون الاخرين من سكان
القطاع. في ليل السبت الاخير سمع منير مرة اخرى
كما كان من قبل. يحاول دائما ان
يصور صورة من غزة. سعد يشكو
ومنير يشجع، كان هذا تقاسم
الادوار بينهما دائما، السائق
الذي يرى التفاؤل والسائق الذي
يرى التطير. سعد في سيارة سكودا الجديدة نسبيا، ومنير
في سيارة مرسيدس القديمة جدا،
مع مليون الكيلومترات التي
قطعتها. لا يكادان يسافران
الان، فهما يجلسان في حاجز ايرز
وينتظران اياما افضل يشك في أن
تأتي. فالصحفيون الاجانب لا
يكادون يأتون الى غزة ايضا. تحدث منير في ليل السبت الاخير عن انقطاع
الكهرباء الدائم في بيته: نصف
يوم او يوم كامل في البرد والمطر.
ان قطع السيارات المهربة
بالانفاق ذات نوعية رديئة. يقول
منير لا يكاد ينقص شيء، لكن
اسعار المنتوجات المصرية
الفاسدة في السماء. كذلك لم يشكُ
عندما ملأ حاوية وقود سيارة
المرسيدس بزيت الطبخ. قال منير
دائما ان افضل ايامه كانت ايام
الاحتلال الاسرائيلي الكامل
لغزة، بلا حواجز وبلا فتح وبلا
حماس. والعمل في سوق هتكفا
والامل الكبير، والانفاق على
الاولاد والحرية النسبية، في
سيارة سكودا ومرسيدس، التي ساخت
مرة في رمل غزة عندما أتينا
لتوثيق اصابات قذائف البلاشت
الاسرائيلية، التي زرعت في
الاجساد والجدران آلاف
المسامير الحديدية. دفعنا مع
استاذ الجامعة اليهودي
الامريكي المتطرف نورمان
فينكلشتاين سيارة المرسيديس
القاتمة الى شارع آمن. خفنا
عندما رأينا آلاف المسامير
السوداء التي غرست في جدران
البيوت، شهادة دامغة على
استعمال البلاشت في تجمعات
سكنية خلافا للحظر. لم اسافر مرة واحدة فقط في غزة مع سعد
ومنير. كان ذلك في تشرين الثاني
1989. اخذني آنذاك وزير الصناعة
والتجارة اريئيل شارون في جولة
في غزة. اراد شارون ان يبرهن
بالعلامات والادلة على انه لا
يحل ابدا الانسحاب من غزة. تحدث
عن عودة عشرات آلاف من اللاجئين
من غزة ' الى الناصرة وعكا واللد
'كجزء من حل مشكلة اللاجئين. تم
استقبال كلامه بهدوء مطلق. الان
شارون في غيبوبة في شيبا،
وانفصلت اسرائيل عن غزة باشرافه
ولم يعد احد في اسرائيل يتحدث عن
العودة. قبل 'الرصاص المصبوب' بكثير، كانت المشاهد
في غزة اصعب من ان تحتمل. ففي
كانون الثاني 2005 التقينا في
مستشفى الشفاء اربعة اولاد قطعت
ارجلهم بقذيفة اسرائيلية على
حقول التوت في بيت لاهيا. اجلسوا
في كراسيهم المتحركة ازاء
النافذة ليروا العالم، وعلقوا
نظرة حزينة صامتة تمزق القلب
فيما يحدث. بعد ذلك بسنة
التقيتهم على العكاكيز ولم
يكونوا اقل ضياعا. فقد الفلاح
القصير القامة كامل وزوجته مريم
في حقول التوت عندهما ثلاثة
ابناء وابنا شقيق وحفيد. وطرح
ابن اخر لهما في مستشفى الشفاء
مقطوع الرجلين واليد، وقد اصيبت
عينه، تحت تنفس اصطناعي وتنويم. اين هو اليوم؟ هل بقي حيا؟ عندما أتينا
حقول التوت، كان أبوه ما زال
يحسب ان ابنه فقد رجلا واحدة فقط.
قتل آنذاك قبل تقرير غولدستون
بكثير 12 ولدا خرجوا في يوم
عطلتهم الاول لمساعدة الفلاحين
في قطف التوت. لم يجد ناطق الجيش
الاسرائيلي في رده التلقائي من
الصواب حتى ان يعبر عن أسف
لموتهم. 'ينبغي ان نذكر ان خلية
مخربين عملت من داخل منطقة
فلسطينية آهلة. يحقق الجيش
الاسرائيلي في الحادثة'، قال
الناطق. قبل غولدستون بكثير تعلقت نفسي بنفس
ماريا، التي فقدت مهندا اخاها،
ونعيمة أمها، وحنان جدتها وناهد
عمتها، بعد ان اصاب صاروخ اطلقه
طيار اسرائيلي سيارة البيجو،
التي اشتراها في ذلك اليوم
والدها حمدي. كان ذلك اول سفر
للعائلة. وقفت ماريا على ركبتي
امها في المقعد الخلفي وانشدت
اناشيد الاولاد قبل ان ينتهي كل
ذلك بلحظة. منذ ثلاث سنين ونصف السنة تسكن ماريا
وحمدي مستشفى ايلين في القدس.
تعالج بالتنفس الاصطناعي وهي
مشلولة الجسم كله، انها بنت
ساحرة تطعم ببغاء بملعقة صغيرة
مغروسة في فيها وتحرك كرسيها
المتحرك بذقنها، في حين يطعمها
أبوها بتفان لا ينتهي. تهدد
وزارة الدفاع مرة كل نصف سنة
بطردهما الى غزة؛ وتعمل جماعة
صغيرة من الاسرائيليين
المخلصين مرة كل نصف سنة في
الغاء هذا القضاء السيئ. سمع
حمدي في الاسابيع الاخيرة وهو
يائس اكثر من اي مرة مضت. في اول
مرة التقينا فيها، على رمل بيته
في غزة، عرج على رجله بسبب جرحه
وبدا مصدوما تماما في غضبه
وحزنه. كان ذلك بعد يومين من
الكارثة. لم تكن أقل صدمة كارثة دام العز حامد وهي
فتاة في الرابعة عشرة قتلت في
نومها، عندما وقع عليها جدار
اسمنتي اصابه صاروخ اسرائيلي.
عندما أتينا البيت المتواضع على
نحو مخيف، كانت الام مستلقية في
سريرها ولم تصدر عنها نأمة. كانت
دام ابنتها الوحيدة. وكانت
كارثة اسلام كبيرة ايضا، وهي
فتاة تلبس السواد التقيناها في
احد اسفارنا الاخيرة الى غزة في
تشرين الثاني (نوفمبر) 2006. جلست
في سوادها على الجدار الحجري في
مدخل بيتها المدمر في بيت
حانون، بعدما فقدت ما لا يقل عن
ثمانية من ابناء عائلتها، فيهم
أمها وجدتها عندما سقطت رشقة
قنابل على البلدة. 11 قذيفة في
قلب حي و22 قتيلا في لحظة. كان
السبب، بحسب بيان متحدث الجيش
الاسرائيلي، خللا في حاسوب
المدافع الالكتروني. صحبنا ايضا فاطمة البرغوث الشابة
الحسناء، التي انتشر السرطان في
جسمها وراكمت اسرائيل صعابا غير
انسانية امام دخولها للعلاج
الذي ينقذ الحياة في اسرائيل،
بل انها طردت مرة عن حاجز ايرز
بعد ان سبب بعض اجزاء جسمها صفير
مستكشف المعادن. لم تجد
التوسلات والتفسيرات وكان
الامر متأخرا جدا عندما سمح لها
بدخول اسرائيل. اخذتها قبل ايام
من موتها في غزة الى يوم متعة في
اسرائيل: السفاري في رمات غان،
ومتنزه اليركون في تل ابيب،
وازقة يافا القديمة،
والحيوانات البرية، وحقول
الاعشاب. لاول مرة واخرها في
حياتها القصيرة رأت اسرائيليين
غير مسلحين. لم نر دما فقط في غزة:
ففي بيت عائلة غزال، في حي
الدرج، احتفلنا مرة في عيد
الفطر: كانت هنالك سمكتان
مملحتان، بعشرة شواقل لثلاثة
عشر شخصا. لقد حملت الريح ابطال هذه التقارير
وغيرها. من منهم ما يزال حيا، من
نعش من كارثته ومن قتل في 'الرصاص
المصبوب'، في مثل هذا الاسبوع
قبل سنة لا اعلم. لم استطع ايضا
ان التقي ضحايا 'الرصاص المصبوب'
الكثيرين ومنعنا ان نبصق قصتهم.
فغزة مغلقة امام الصحفيين
الاسرائيليين ومن يهمه ذلك! =========================== من نقد السياسة إلى نقد
الواقع! ميشيل كيلو 29/12/2009 القدس العربي لم يتوقف العقل العربي المعاصر عن نقد
السياسة، منذ النهضة الأولى في
القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا.
وقد انصب نقده على نظم الحكم،
والنظم الأيديولوجية التي
تسوغها أو تساندها. كما غاص في
التاريخ فتتبع مسار الحكم
وسيرورات تشكله وقارن حاضره
بماضيه، وعرض آراءه فيه، وآراء
أسلافه من المفكرين، نقادا
وفلاسفة وأيديولوجيين. ودرس
جوانب شرعيته وشروطها، ودافع
عنه أو صب جام غضبه عليه. وحمّله
مسؤولية الاحتجاز والتأخر
التاريخي، الذي يعيد إنتاج نفسه
بصور حديثة وبراقة في واقع
العرب الراهن، ويتكيف مع ظروف
عصر رأسمالي يفكك الأمم
ويقوضها، فيبعث هويات ما قبل
وطنية وقومية هي الأكثر تقليدية
ومحافظة ورجعية، ويغيب الدولة
الحديثة، فلا يبقى لمجتمعات
العرب، وهي لم تعرفها بعد،
روابط تشدها بعضها إلى بعض،
فتتناثر وتدخل في المجهول،
بينما تغتب عن نظم حكمها منظومة
مفاهيم وأفكار تنتفي السياسة
الحديثة بغيابها، ولا يقع
بدونها تقدم أو تنوير أو نهوض،
فرديا كان أم وطنيا، قوميا أم
إنسانيا. ناقش العقل العربي المعاصر نظم الفكر
أيضا، في تاريخنا وعند الغرب،
وتابع تطورها ومراحلها، وعرض
حقائقها وأباطيلها، وتتبع
معاركها وخلافاتها، وقدم
تفسيرات متنوعة لما قالته حول
المسائل المختلفة التي عالجتها.
واتبع في الحالتين نهج المقارنة
والمقايسة، فعاب عليها بعض
النقص هنا وبعض التزيد هناك،
وتلمس نظامه البديل عبر مقارنة
فوضى الحاضر بانتظام الماضي، أو
فوات الماضي وركوده التكراري
بالمقارنة مع ديناميكية الحاضر
وثوريته، وأقام مشروعه السياسي
عبر نقد ما هو قائم إما في ضوء
الإسلام الأول أو على هدي
مفردات ومفاهيم بلورها الواقع
الأوروبي. فالنظم الجديدة، في
النظرة الأولى، يمكن أن تكون
استنساخا للنظم القديمة، إن
تخلصت من عيوب حداثية شابتها،
وهي، بالمقابل، قابلة لاستنساخ
حداثي، إن قلدت النماذج
الأوروبية. بدوره، لن يكون
العقل الحديث مختلفا عن العقل
القديم، إن تمت تنقيته من عناصر
تغريبية، أو أعيد إنتاجه في
حاضنة الأصالة. إلى هذا، لم يقلع
عقلنا عن مقارنة نظم الفكر
الأوروبي بما كان عندنا من نظم،
انطلاقا من رؤية ترى في الأولى
نموذجا يظهر عيوب الثانية،
فقارن بينهما وقايس وقلد ونسخ ...
الخ، رغبة منه في بلوغ النظام
الأمثل. نقد العقل السياسي عقل السياسة وأنظمتها
قديما وحديثا، عندنا وعند غيرنا.
ومع أنه ليس من الخطأ اعتبار
عقلنا السياسي تعبيرا خاصا عن
واقعنا، في الماضي والحاضر، فإن
من الخطأ النظر إليه باعتباره
الواقع عينه؛ خطأ تصعّب خروجنا
منه سيطرة الأيديولوجيا على
فكرنا، وما نتج عنها من خلط بين
الفكر والواقع، وجهل بأن الفكر
مهما بلغ من دقة الوصف ومن
التطابق مع موضوعاته، فإنه لا
يزيل مسافة ما بينه وبينها،
وغربة ما عنها، وأنها تبقى
مستقلة عن تعبيراتها وخارج
متناولها. وتبلغ الهوة بين
الفكر والواقع أبعادا هائلة،
عندما نقرأ مجتمعاتنا في ضوء
فكر كان موضوعه مجتمعات أخرى،
أو نقارن مجتمعاتنا بنموذج ما
نعتبره كاملا، فيسد فكرنا، خلال
المقارنة، نواقص واقعنا بعون من
النموذج الكامل، متجاهلين أنه
نموذج، ووضع لمجتمعات مختلفة
عنا، يجعلها النموذج تجريدية،
ليس لها وجود حقيقي. أوقعنا منهج المقارنة والمقايسة في
محظورين: إما اعتبار مجتمعاتنا
الحديثة تكرارا عصريا
لمجتمعاتنا القديمة، يتطلب
الإكمال والإضافة، أو افتراض
وجود طبيعة واحدة تخترق
المجتمعات جميعها وتحتم سيرها
في خط تطور واحد / تكراري، قطع
بعضها شوطه إلى آخره فنضج
واكتمل (أوروبا)، بينما سار
بعضها الآخر على دروبه بهذا
القدر أو ذاك من النقص. في
الحالة الأولى، يشخص عقلنا
ويتلمس ما يجب اقتباسه،
استنساخه، من الماضي، وفي
الثانية من النموذج الكامل،
فيشبه ذاته الأصلية أو يكتمل
بدوره. في هذا النمط من النظر،
إلى مجمعاتنا التاريخية وإلى
الآخر، يقبل الفكر افتراضا غير
عقلاني يزعم أن المجتمع يمكن أن
يوجد مرتين على صورة واحدة، أو
يستطيع بلوغ الكمال، وأن الفكر
يمكن أن يضع يده على نموذج معرفي
/ نظري بوسعه إحياء الماضي كما
كان أو في جوهره الأصيل، أو أن
يكون كاملا بدوره، وأن هذا
الفكر الكامل والنهائي يمكن أن
يتطابق مع نموذج واقعي 'للمجتمع'،
كامل ونهائي، فيبلغ هو والواقع
نهاية تطورهما ويتخذان شكلهما
النهائي والخالص. هاتان
النظرتان، التقليدية والمقلدة
تتحملان مسؤولية كبيرة عن فشلنا
الفكري والعملي، وهما سبب قصور
مزدوج نعاني منه في النظرية
والواقع، وكانتا سببا مباشرا
ورئيسا في نهاية مأساوية آلت
إليها تجربة آمنت باستعادة
الماضي عبر استحضاره أو الرجوع
إليه، كما آمنت بكمال الحديث،
واعتقدت أن نظريتها الكاملة
أنتجت نموذج مجتمع يماثلها في
كماله، فكان هذا النقص والتشوه
سببا رئيسا لانهيار الاشتراكية
السوفييتية. ليس نقد السياسة بالمسألة القليلة
الأهمية. لكن أهميته حتما
تتضاءل بمرور الزمن، إن هو اخفق
في الانتقال إلى نقد الواقع.
وكما هو معلوم، هناك دوما هوة
بين السياسة والواقع، لم ولن
ينجح أي فكر سياسي في تجاوزها،
ما دام يعبر عن واقع لا يتخلق
دفعة واحدة، بل تظهر منه جوانب
اكتملت شروط ظهورها، بينما يبقى
غيرها مستترا، فتقتصر المعرفة
بالضرورة على الجوانب الظاهرة،
ويبقى الواقع في كليته أغنى من
الفكر الواقع أغنى من احتمالاته
كما كان يقول الفيلسوف الألماني
هيغل - وخارج متناوله. ثمة في كل سياسة جانب من الواقع، لكن
الواقع في مجمله يتجاوز
السياسة، خاصة منها الجزئية
والعابرة، التي كان المفكر
الراحل ياسين الحافظ يسميها 'السياسوية'،
أو سياسات الأحزاب والقوى
الاجتماعية والسياسية الآفلة.
يرجع ذلك إلى حركية الواقع وما
تنتجه من أوجه وجوانب جديدة
ومتجددة على الدوام، في حين
تعبر السياسة عن الحاضر وحده
وتراه من جوانب محددة وحسب،
علما بأن التطور لا يفتأ يحوله
إلى ماض، دون أن يعي السياسيون
ذلك دوما وفي الوقت المناسب. لا
تستحق السياسة اسمها، عندما
تتجاهل حركية الواقع وتتوهم
أنها تعبر عنه تعبيرا يتطابق مع
حقيقته، مع واقعيته، المستقلة
عن أية سياسة وأي فكر سياسي. استمر نقد السياسة لفترة طويلة جدا، لم
يلعب خلالها دورا يذكر في وقف
تراجع وتدهور الواقع العربي.
ولم يسهم نقد السياسة في إنتاج
معرفة تساعد على تلمس آليات
تطور واقعنا ومضمراته، وتجعله
واقعا لنا. تقدم نقد السياسة،
لكن الواقع تراجع وتدهور بصورة
حثيثة. هذه المفارقة تسم حياتنا
المعاصرة على الصعيدين الفكري/الايديولوجي
والسياسي/العملي، وتؤكد حاجتنا
إلى الانتقال من نقد السياسة
إلى نقد الواقع، نقد المجال ما
قبل السياسي وغير السياسي، ومن
أدلجة الواقع إلى معرفته. ومع أن
هناك من يتوهم أننا أشبعنا
واقعنا دراسة وأبحاثا، فإن
تراجع واقعنا وتهافته يمثلان
تحديا جديا لعقلنا السياسي،
الذي لا شك في أنه أسهم فيهما
بسهم وافر. قطع العقل العربي المعاصر أشواطا على
طريق نقد السياسة، انتهت به إلى
الدوران في حلقة مفرغة، حالت
بينه وبين ممارسة تأثير جدي على
الواقع ونظمه السياسية
القائمة، فبدا وكأنه يتحدث مع
نفسه، وبقي بعيدا عن موضوعه، أو
بقي هذا بمنأى عن منظوراته
ونقده. للخروج من هذا الاحتجاز،
الذي يحول كلام العقل وخطابه
إلى ما يشبه ثرثرة نخب عاجزة عن
الفعل المؤثر، تمس حاجتنا إلى
الانتقال من نقد السياسة إلى
نقد الواقع، كي نصفه ونتلمس
خصوصياته وملامحه، ونقدم
مقاربة حوله تخدم سعينا إلى
تحسينه وتغييره، وتربط وعيه
النظري بالمعرفة من جهة،
وبحراكه العملي من جهة أخرى،
حتى لا ينقطع تواصلهما
وتداخلهما وينتميا إلى دائرتين
متباعدتين تخرجان الواقع من
السياسة وتجعلانها غريبة عنه. طالت أزمنة نقد السياسة. فلتكن أوليتنا من
الآن فصاعدا نقد واقعنا، بما في
ذلك السياسي منه، عسى أن يسهم
نقده في كشف أسباب تهاويه
السريع، الذي يأخذ السياسة
ونخبها، المعارضة منها
والموالية، إلى حال من العجز
والضعف، قد لا ينفع معه في زمن
غير بعيد أي فكر أو عمل! ' كاتب وسياسي من سورية =========================== في ذكرى الحرب على غزة..
عندما يصبح الدفاع الشرعي
ذريعة للعدوان د. إدريس لكريني 29/12/2009 القدس العربي قبل ظهور الأمم المتحدة كان اللجوء إلى
القوة العسكرية أمرا معهودا في
الساحة الدولية كمدخل لتنفيذ
سياسات الدول القومية وللحسم
فيما يثور بينها من خلافات؛ وهو
ما جعلها القوة
- تحظى بأدوار حاسمة على مستوى
تدبير النزاعات والخلافات
الدولية؛ رغم بعض الجهود
الدولية التي تمت في إطار
اتفاقية (دراكو بورتر) لسنة 1907
التي أكدت على تحريم استعمال
القوة لاسترداد الديون
المستحقة، وكذا عهد عصبة الأمم
الذي ميز بين الحروب المشروعة
وغير المشروعة، ثم ميثاق (بريان
كيلوج) لسنة 1928 الذي حاول دون
جدوى التضييق على استعمال القوة
في العلاقات الدولية. غير أن
اندلاع الحرب العالمية الثانية
كشف قصور وهشاشة هذه الجهود
والمحاولات؛ ولعل هذا ما حدا
بهيئة الأمم المتحدة لأن تجعل
من أهم أولوياتها الملحة مكافحة
القوة والعنف في العلاقات
الدولية. وفي هذا الإطار نصت المادة الثانية من
الميثاق في فقرتها الرابعة على
أنه: 'يمتنع أعضاء الهيئة جميعا
في علاقاتهم الدولية عن التهديد
باستعمال القوة أو استخدامها ضد
سلامة الأراضي أو الاستقلال
السياسي لأية دولة أو على أي وجه
آخر لا يتفق ومقاصد الأمم
المتحدة.'؛ فبموجب هذه المادة
يتبين أن الميثاق لم يكتف
بتحريم اللجوء إلى القوة فقط،
وإنما حرم حتى مجرد التهديد
باستعمالها، كما أنه لم يهتم
بالأسباب المادية لهذا اللجوء
للقوة ولا بوجود سبب يبرره؛ ما
عدا في الحالات الاستثنائية
المشروعة والمنصوص عليها صراحة
في الميثاق وهي حالة الدفاع
الشرعي الفردي أو الجماعي(المادة
51 من الميثاق) وحالة تدخل الأمم
المتحدة لمواجهة تهديد السلم
والأمن الدوليين أو الإخلال
بهما أو وقوع أعمال العدوان في
إطار ما يعرف بنظام الأمن
الجماعي (المادتين 41 و42 من
الميثاق). وبالرغم من ذلك؛ فإن الممارسة الدولية
تحفل بحالات كثيرة من استثمار
للقوة بكل أشكالها في تدبير
المنازعات والخلافات؛ بذريعة
ممارسة حق الدفاع الشرعي. والدفاع الشرعي هو إمكانية وقائية
واحترازية تتيحها القوانين
الداخلية كما الدولية للدفاع عن
النفس؛ عندما يصعب أو يستحيل
الاستعانة بالقانون في رد
الاعتداءات والأخطار الداهمة
وحماية الحقوق. وهو يندرج ضمن
الحقوق الطبيعية التي يملكها
الفرد والتي تسمح له بالقيام
بكل ما يراه نافعا لنفسه،
وكفيلا بضمان بقائه
واستمراريته. وحرصا على ضمان
تطبيق هذه الإمكانية القانونية
على وجه سليم وبعيد عن كل
انحراف؛ حرص المشرع والفقه
المحليين كما الدوليين على
تطويقها بمجموعة من الشروط.
فالخطر موضوع الدفاع ينبغي أن
يكون داهما وحقيقيا، مع استحالة
اللجوء إلى السلطات الأمنية
والقضائية لدفع الخطر وتجاوزه،
وأن يكون الرد آنيا؛ ويتناسب مع
حجم الخطر ولا يتجاوزه. وعلى الصعيد الدولي تعتبر المادة 51 من
الميثاق الأمامي بمثابة المرجع
القانوني لإعمال وتنظيم هذا
الحق، فهي تنص على أنه: 'ليس في
هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص
الحق الطبيعي للدول؛ فرادى
وجماعات في الدفاع عن أنفسهم
إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد
أعضاء 'الأمم المتحدة'، وذلك إلى
أن يتخذ مجلس الأمن التدابير
اللازمة لحفظ السلم والأمن
الدولي...'. ويبدو من خلال هذه
المادة أن الميثاق أطر استعمال
هذا الحق(الدفاع الشرعي)
بمجموعة من الضوابط والشروط؛
حتى لا يكون ذريعة ومطية لترهيب
الدول والاعتداء على الشعوب
وتحقيق المصالح الضيقة. وخلال عملياتها العسكرية الأخيرة في غزة(لسنة
2009)؛ حاولت إسرائيل أن تروج بأن
هذه العمليات تندرج ضمن 'الحق
المشروع الذي تمارسه في سياق
الدفاع عن نفسها' بموجب المادة 51
من ميثاق الأمم المتحدة؛ في
مواجهة الصواريخ التي تقصف بها
حركة حماس مناطق في العمق
الإسرائيلي. وباستحضار مقتضيات هذه المادة؛ فالحق في
الدفاع الشرعي مشروط بوقوع
عدوان مسلح؛ وقد اعتبرت إسرائيل
أن إطلاق الصواريخ من غزة
بمثابة عمل عسكري حقيقي؛ وهو ما
لا ينطبق على الأعمال الدفاعية
التي تقوم بها المقاومة
الفلسطينية في غزة كرد على
الحصار وإغلاق المعابر..؛ طالما
أنها في وضعية رد الاحتلال
ومقاومته؛ الأمر الذي أكدته
المادة السابعة من توصية
الجمعية العامة رقم 3314 المرتبطة
بتعريف العدوان والصادرة
بتاريخ 14 كانون الاول/ديسمبر من
سنة 1974؛ التي نصت على أن تعريف
العدوان لا يمكن أن يمس على أي
نحو بما هو مستقى من الميثاق من
حق في تقرير المصير والحرية
والاستقلال للشعوب المحرومة من
هذا الحق بالقوة.. كما أن الأعمال التي باشرتها المقاومة في
غزة تنتفي فيها 'عتبة الخطورة'،
التي تعد معيارا رئيسيا للتمييز
بين العدوان وبين أعمال القوة
الأخرى؛ فهي لا تصل من حيث
الخطورة إلى الدرجة التي تسمح
بمباشرة هذا الحق؛ شأنها شأن
حوادث الحدود؛ وهذا ما تم
التأكيد عليه في المادتين 2 و3 من
توصية الجمعية العامة المرتبطة
بتعريف العدوان. و يشترط في الهجوم أيضا أن يحمل قدرا من
الفجائية؛ التي تجعل تلافي
مخاطره بالسبل القانونية أمرا
مستحيلا؛ بينما نجد أن رد
المقاومة في فلسطين كان متوقعا؛
كما أنه جاء كرد فعل على
الاحتلال وعلى إغلاق المعابر
والحصار الذي باشرته إسرائيل..
وكان بالإمكان تلافي هذا الرد
عبر اتخاذ تدابير وقائية أخرى
يسمح بها القانون الدولي
كاللجوء إلى مجلس الأمن أو عقد
اتفاقات هدنة ورفع الحصار.. ومن جانب آخر؛ فاستعمال هذا الحق ينبغي أن
يتم بشكل احتياطي ومحدود وبعد
إبلاغ مجلس الأمن بالأمر؛ حتى
يتسنى له التدخل والقيام بما
تمليه عليه مهامه وواجباته في
هذا الشأن؛ باعتباره المسؤول
الرئيسي عن حفظ السلم والأمن
الدوليين؛ ولكي لا يتحول رد
الفعل إلى عمل انتقامي. غير أن
المجلس لم يتحمل مسؤولياته في
إيقاف هذه العمليات عبر اتخاذ
ما يسمح به الميثاق من إجراءات
وتدابير في هذا الشأن؛ وهو ما
أسهم في إعطاء فرصة كافية للجيش
الإسرائيلي لتنفيذ عملياته
العسكرية في غزة. وقد أكد القانون والقضاء الدوليين كما
الفقه على شرط التناسبية في
ممارسة حق الدفاع الشرعي؛ ذلك
أن حجم رد الفعل ينبغي أن يكون
ملائما ومتناسبا مع الفعل ولا
يفوقه خطورة؛ وهو ما ينتفي أيضا
في العمل العسكري الإسرائيلي
على غزة؛ الذي استعملت فيه
الطائرات والقنابل والدبابات
ومختلف الأسلحة المحرمة دوليا..
في مواجهة صواريخ محدودة
التأثير تأتي في سياق مواجهة
الاحتلال وممارساته؛ كما طال
المدنيين العزل واستمر لمدة
طويلة تجاوزت ثلاثة أسابيع. وبناء على هذه المعطيات؛ فالعمليات
العسكرية ضد غزة والتي حاولت
إسرائيل تسويقها كعمل يندرج ضمن
ممارسة حق الدفاع الشرعي؛
تتنافى بصورة لا لبس فيها مع
مضمون وأهداف المادة 51 من
الميثاق الأممي؛ بل هي عدوان
واضح المعالم وتندرج ضمن
الأعمال الانتقامية التي
يحرمها القانون الدولي؛ وما
تصاعد الاحتجاجات الدولية
والتنديد بهذه العمليات
والمطالبة بعرض المسؤولين عن
اقترافها أمام المحكمة
الجنائية الدولية؛ إلا دليل آخر
على اقتناع المجتمع الدولي بعدم
مشروعيتها. وجدير بالذكر أن تنامي التحايل على
استعمال هذه الإمكانية(حق
الدفاع الشرعي) بغير حق أو
مشروعية؛ يسهم في تكريس الفوضى
في العلاقات الدولية؛ ويشجع بعض
الدول على ارتكاب اساليب
انتقامية وعلى الاعتداء على دول
أخرى بتهم وذرائع مختلفة؛ مما
يسهم في تكريس اللجوء إلى القوة
العسكرية لتسوية الخلافات
بالشكل الذي سيؤدي حتما إلى
تهميش السبل الدبلوماسية
لتسوية المنازعات وإدارة
الأزمات ويحد من دور الأمم
المتحدة في تدبير النزاعات
والأزمات الدولية ويشجع على
التدخل في شؤون الدول الضعيفة
دون حدود أو ضوابط. ' كاتب وباحث مغربي أستاذ الحياة السياسية
والعلاقات الدولية في كلية الحقوق بمراكش =========================== ماذا بعد الفشل في بناء
الدولة الوطنية الحديثة؟ المستقبل - الثلاثاء 29 كانون
الأول 2009 العدد 3523 - رأي و فكر - صفحة 22 فيصل علوش باتت الشواهد أكثر من أن تحصى على فشل
السلطات التي عرفتها البلدان
العربية منذ مرحلة ما بعد
الاستقلال الوطني، في بناء أسس
ومرتكزات الدولة الوطنية
الحديثة، كإطار جامع لأبناء
المجتمع بمختلف إثنياتهم
وطوائفهم ومذاهبهم، يعمل
موضوعياً وإرادوياً، على
تحويلهم وتخليقهم كمواطنين
متساويين أمام القانون ومؤسسات
الدولة كافة، وشركاء في السياسة
وصناعة القرارات المتصلة
بمصيرهم، للإسهام في انعتاقهم
من أسر الولاءات والعصبيات، ما
قبل الوطنية، واندراجهم في بنى
وأنساق المجتمع المدني
الحديثة، التي تسود فيها قيم
الاختلاف والتعددية والعدالة
والحرية والتسامح والمساواة
والشفافية.. إلخ. فبدلاً من قيام سلطات ترعى الحريات
والحقوق السياسية والثقافية،
الفردية والعامة، كتمهيد وممر
نحو المضي في عملية بناء الدولة
الوطنية الحديثة، "نجح"
العرب في بناء سلطات شمولية،
يتفشى فيها القمع وكبت الحريات،
وتختزل فيها إرادة المجتمع
بإرادة فئة قليلة منتفعة أو "حزب
قائد"، وفي نهاية المطاف فرد
واحد أوحد، يتزيا بصفات الآلهة،
ويتحكم بمجموع الأجهزة
البيروقراطية والعسكرية
والأمنية التي تمسك بتلابيب
المجتمع، وتحتكر الفضاء
السياسي والثقافي العام، وتلغي
أي مظهر من مظاهر التعددية
الحقيقية. من أبرز مظاهر الفشل آنف الذكر، عجز العرب
عن مواجهة أغلب المشكلات
الاقتصادية والاجتماعية
والسياسية والعسكرية التي
واجهتهم، فتركت حتى استفحلت
وتفاقمت على نحو بات يتعذر
حلها، أو ربما يستحيل، ولا يعود
هذا إلى قصور في إدراك ووعي تلك
المشكلات، بقدر ما يعود إلى
الكيفية والآليات التي يجري من
خلالها التعامل مع هذه
المشكلات، وخصوصاً عدم الإصغاء
إلى صوت الناس (الرأي العام)،
المتمثل بنخب وكفاءات المجتمع
السياسية والثقافية، إضافة إلى
النزوع المتأصل لدى السلطات (التي
تحتكر وحدها التعاطي مع تلك
المشكلات) على الهروب منها،
وعدم امتلاكها الجرأة الكافية
على الاعتراف بها، ومواجهتها
بشكل جدي وصادق، وهكذا "ازدهرت"
في أغلب بلدان العالم العربي،
البطالة وجيوش العاطلين،
والطامحين إلى مغادرة البلد أو
الهروب منه، وخصوصاً من
الكفاءات وأصحاب الشهادات
العليا، وتنامى التضخم والدين
العام، وتصاعد الفائض البشري
وفائض العنف، وشاعت شتى صنوف
النهب وسرقة المال العام، وتفشى
الفساد على نحو سرطاني وشبه
ممنهج ومشروع، وانحدرت القيم
والأخلاق... إلخ. ويمكن إيراد الكثير الكثير
من الأمثلة، بيد أن من أبرز
وأخطر مظاهر الفشل، هو فشل
الدول العربية في توحيد
مجتمعاتها الداخلية، وبناء
وحدات وطنية تتوافر على الحد
الأدنى من التماسك وعدم
القابلية للتفتت والانقسام،
وهو ما حصل وتكشف في غير مكان،
وشاعت معه ظواهر ومصطلحات "اللبننة"
و"الصوملة" و"العرقنة"،
ويخشى أن يكون الآتي أعظم في
السودان واليمن، فضلاً عن
الانقسام العميق الذي تشهده
الحالة الفلسطينية.. عناصر الفشل العربية الكثيرة تضافرت
جميعها وساهمت في تحويل العالم
العربي إلى شبه ساحة شاغرة،
تغري وتجذب أولئك الساعين إلى
ملء الفراغ والتدخل وامتلاك
النفوذ، من هنا أو هناك، على نحو
صرنا نشهد معه وجود جماعات
وحالات، داخل هذه الدولة أو
تلك، تدافع عن شرعية هذا التدخل
والنفوذ الإقليمي أو الدولي،
تحت هذا المسوغ أو ذاك، وبرزت
"جيوب" داخل بعض الدول،
باتت تتمنع على الدولة ولا تقبل
الانضواء تحت جناحها، بل وتكون
أحياناً أقوى من الدولة ذاتها،
مستمدة قوتها ودعمها من خارج
الحدود، ومشهرة سيف التهديد
بالحرب الأهلية، أو الانسلاخ
النهائي عن جسد الدولة. وعليه، فالسؤال المطروح، ماذا بعد الفشل
في بناء الدولة الوطنية الحديثة
في العالم العربي؟ هل نستسلم جميعاً، دولاً ومجتمعات، إلى
ما يجري، وحال الاستنقاع
السياسي والفكري، ومناخات
الخوف والترهيب، وتوالي
الإحباطات والخيبات وانسداد
الآفاق أمام أي احتمالات
للتغيير، مرددين معاً "ليس
بالإمكان أبدع مما كان"؟!. هل
يصح تحميل المسؤولية عن هذا كله
إلى العوامل الخارجية وحدها،
إسرائيل والاستعمار وأطماع
الغرب في منطقتنا ومواردنا؟ أم
نحمل المسؤولية إلى الأنساق
الثقافية والمجتمعية، ضاربة
الأعماق والجذور، التي تعوق
دخول العرب في عصر الحداثة (وليس
التحديث)، وتهيئ القابلية
لذوبان الفرد بالجماعة،
العشيرة والقبيلة والطائفة،
وتحكم شيخ الجماعة أو زعيمها
برقاب ومصائر الجميع، وصولاً
إلى رأس السلطة والصلاحيات شبه
المطلقة التي يحوزها، ويورثها
من بعده إلى أبنائه؟. وهو ما
عمّق الهوة الفاصلة بين النخب
الثقافية الداعية إلى الحداثة،
والتي لا تردد أو تدافع عن
الخطاب الإعلامي والثقافي
الرسمي، وبين الجمهور العام،
فباتت أشبه بفرسان القرون
الوسطى، أو "دونكيشوتات"
تحارب طواحين هواء. أم نعاود طرح أسئلة العقلانية والتنوير
التي طرحها، رواد النهضة
والإصلاح في القرن التاسع عشر
وبدايات القرن العشرين، ونقتنع
بأن مرحلة الانتقال إلى الدولة
الحديثة وتجاوز البنى
التقليدية العتيقة في
مجتمعاتنا سيستغرق وقتاً
طويلاً، قد يمتد قروناً وليس
مجرد عقود فحسب، وقد نشهد
خلالها حروباً كثيرة، أهلية
وخارجية، مثلما حصل في أوروبا
القرون الوسطى، قبل أن نصل إلى
اليقين الأكيد بضرورة استخدام
السبل والآليات التي طرحها علم
الاجتماع السياسي الحديث
لتنظيم شؤون الدولة
والمجتمعات؟!. =========================== القضية الإيرانية: نعي
مبكر لإمكانية التوصل إلى
اتفاق مع إيران الرأي الاردنية 29-12-2009 لم يعد خافيا على أحد أن هناك الكثيرين
ممن بدأوا يدقون طبول فرض مزيد
من العقوبات على إيران بعد
النعي المبكر لإمكانية التوصل
إلى صفقة مع إيران بشأن
برنامجها النووي. ولم يعد الأمر
في نطاق التحريض الذي برع فيه
اليمين الإسرائيلي واليمين
الأميركي بل أصبح متداولا حتى
بين من يمكن تسميتهم بالعقلاء. وبهذا الصدد أعد توني كارون تقريرا نشرته
مجلة تايم الأميركية حمل عنوان:
كيف فشل نهج أوباما؟ ، تناول فيه
الأمر مشيرا إلى أنه ولمواجهة
فشل المساعي الأمريكية
الدبلوماسية لإثناء إيران عن
طموحها النووي، باتت إدارة
الرئيس أوباما تركز خلال
الأسابيع القليلة المتبقية من
عام 2009 على حشد التأييد المحلي
والدولي لفرض عقوبات جديدة على
إيران. فامتناع إيران عن مواصلة إتمام الصفقة (التي
تتيح الفرصة لتحويل معظم
المخزون الإيراني من
اليورانيوم إلى وقود نووي صالح
فقط للاستخدامات المدنية) التي
قدمتها الوكالة الدولية للطاقة
الذرية بدعم من واشنطن دفع
بالرئيس أوباما إلى العودة إلى
النهج الذي اتبعته إدارة بوش في
التعامل مع النظام الإيراني
الحاكم في الفترة السابقة.
ويرجح توني كارون ألا بفضي هذا
النهج إلى شيء يذكر مذكرا بما
حدث إبان حكم الرئيس بوش الذي
اخفق في ثني طهران عن مواصلة
العمل على تطوير برنامجها
النووي. ومع اقتراب نهاية الفترة التي منحها
الرئيس أوباما لإيران للرد
إيجابا أو رفضا على صفقة الوقود
النووي، تعمل الإدارة
الأميركية حاليا على حشد
التأييد الدولي لفرض مزيد من
العقوبات القاسية على إيران
لدفعها لتغيير موقفها. ولأن
طهران لم تتعاون كما يجب مع
الوكالة الدولية للطاقة
الذرية، فعلى الأرجح كما يعتقد
معد التقرير توني كارون أن تدعم
كافة الدول (بما في ذلك روسيا
والصين) محاولة دفع الأمم
المتحدة للمصادقة على فرض مزيد
من العقوبات على طهران. ويشير التقرير إلى أنه رغم احتمال دعم
روسيا والصين بعض الإجراءات
التي ستستهدف البرنامج النووي
الإيراني، إلى أنهما ستظلان على
موقفهما المعارض لفرض أي عقوبات
قد تصيب النظام الإيراني بأكمله
بالشلل. ومن الجدير بالذكر أن
معارضتهما لمثل تلك العقوبات
التي قد تلحق ضررا بالمواطن
الإيراني العادي يمكن أن تكون
مؤشرا على أن المساعي الأمريكية
التي تبذلها الإدارة قد لا تنجح
في توليد ما يكفي من الضغوط
لتغيير سلوك النظام في إيران.
ومؤخرا صادق الكونغرس الأميركي
على مشروع قانون يمنح إدارة
أوباما حرية التصرف لفرض عقوبات
على المؤسسات والأشخاص الذين
يزودون إيران بالنفط المكرر
لتضيق الخناق على النظام
الإيراني الحاكم. وهناك عوامل أخرى تضافرت بشكل عرقلت
المساعي الأمريكية الدبلوماسية
لإثناء طهران عن طموحها النووي:
الاضطرابات السياسية التي عصفت
بإيران خلال العام الماضي،
وإصرار الإدارة الأمريكية
الجديدة على إقناع إيران
بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم،
حتى وإن كان ذلك لأغراض سلمية.
وهناك طبعا روايات مختلفة إذ
تصر طهران على أنها لم ترفض
إتمام صفقة الوقود النووي، بل
أرادت تغيير بعض شروطها. وفي هذا
السياق صرح مؤخرا وزير الخارجية
منوشهر متكي قائلا إن إيران تود
إرسال شحنة تضم فقط ثلث كمية
اليورانيوم المتفق على إرسالها
إلى الخارج ثم إرسال الشحنة
الثانية والتي تضم الثلث الثاني
من تلك الكمية مع استلام قضبان
الوقود النووي للشحنة الأولى،
وهكذا مع الشحنة الثالثة.
فإيران ترفض إرسال كافة
اليورانيوم الخاص بها في شحنة
واحدة. هذا العذر الإيراني لم يحد أذان صاغية له
في واشنطن. وحول هذه النقطة
بالتحديد كتب كاوه افراسيابي،
مؤلف العديد من الكتب حول
سياسات إيران الخارجية
والنووية والمستشار السابق
لإيران في فريق التفاوض النووي،
مقالا نشرته صحيفة واشنطن تايمز
في الثاني والعشرين من الشهر
الجاري بعنوان: إنقاذ صفقة
اليورانيوم ، ذكر فيه أن عقارب
الساعة تدق لفرض عقوبات جديدة
على النظام الحاكم في طهران. وهو أمر يمكن تجنبه إن أبدى الجانبان
المرونة والاستعداد للتوصل إلى
تسوية بشأن البرنامج النووي
الإيراني. ويرى الكاتب أنه ما
زال هناك فرصة لإنقاذ الصفقة
التي عرضتها الوكالة الدولية
للطاقة الذرية والتي ستقوم
بمقتضاها إيران بإرسال معظم
مخزونها من اليورانيوم منخفض
التخصيب إلى الخارج ليتم إثراؤه
وتحويله إلى وقود نووي صالح
للاستخدام المدني والسلمي. وعلى الرغم من أن الجانب الإيراني قد
استغرق وقتا كبيرا للرد على تلك
الصفقة ? فقد كانت هناك العديد
من الأصوات المناهضة لإتمام مثل
تلك الصفقة، مثل علي لاريجاني،
رئيس البرلمان السابق وكبير
المفاوضين النوويين، غير أن
الأنباء الواردة من طهران تشير
إلى أن النقاش الذي احتدم في
إيران قد حسم لصالح أولئك الذين
يريدون إتمام الصفقة. وقد أبلغ
مؤخرا وزير الخارجية متكي وسائل
الإعلام الدولية بأن إيران
مستعدة لقبول المقترح مع
تعديلات في آلية العمل. ويرى
الكاتب أن التعديلات الإيرانية
في شروط الصفقة يمكن تلبيتها
لإتمام مثل تلك الصفقة التي
ستتيح تحويل معظم اليورانيوم
الإيراني إلى وقود نووي صالح
فقط للاستخدامات السلمية. ويرى
في إتمام مثل تلك الصفقة كثير من
المزايا، فمشاركة الولايات
المتحدة الأمريكية وفرنسا في
تلك الصفقة يقوض احتكار روسيا
للسوق النووية الإيرانية، كما
من شأنه تعزيز المناخ العام بين
إيران والمجتمع الدولي. وفي النهاية يحذر الكاتب من خطأ التوهم
بأن صفقة التبادل النووي ستؤدي
إلى حل كافة النزاعات المعلقة
بين الولايات المتحدة
الأمريكية وإيران. فعلى سبيل
المثال، تعد قضية الفلسطينيين
أحد أهم العوامل التي تؤثر بشدة
على طهران التي تدعم
الفلسطينيين منذ أمد بعيد. وفي
النهاية لا بد من الإشارة إلى
نشاط بعد الجماعات المطالبة
بفرض عقوبات على إيران بشكل قاس
وهي جماعات يهودية منظمة كما لا
يمكن تجاهل وجود جماعات منظمة
تعمل لصالح طهران في واشنطن.
باختصار، سيلجأ الرئيس أوباما
لفرض مزيد من العقوبات في نهاية
الأمر إن لم تستجب طهران لشروط
الإدارة بشأن تخصيب اليورانيوم. =========================== الرأي الاردنية 29-12-2009 باتريك سيل - هذا هو الوقت من العام الذي
يتم فيه اتخاذ القرارات
الجديدة، أو بمعنى آخر، هذا وقت
يتم فيه جرد حساب الماضي، ووضع
أهداف المستقبل. وآفاق العالم العربي الممزق بالصراعات،
والمكتظ بالسكان، والمنقسم،
تظل بعيدة عن الإشراق...
وبالنسبة للنخب العربية، ليس
هناك من شيء أكثر إلحاحا في
الوقت الراهن من النظر في
المستقبل، باستخدام أكثر وسائل
التنبؤ فعالية، من أجل ضمان
رفاهية الأجيال القادمة. ومن
أوائل الخطوات النافعة التي
يمكن للقادة العرب الإقدام
عليها، تشكيل لجنة تضم أفضل
العقول التي يمكن حشدها من
اقتصاديين، ورجال صناعة،
ومخططين اجتماعيين، ثم تكليفهم
بوضع برنامج تنمية لعصر ما بعد
النفط. ويجد البعض أنه من الصعب عليهم تصديق أن
عصر النفط الذي استمر لما يقرب
من قرن من الزمان الآن سينتهي في
بحر 20 أو 30 عاما. وهم يرون أن هذه
الفترة أقصر مما ينبغي للقيام
بصياغة خطة للمستقبل. بالنسبة لمنتجي النفط، سيشهد العقد
الجديد - بلا شك - رفاهية ورخاء
كبيرين... حيث تقدر وكالة الطاقة
الدولية أن الدول الأعضاء في
الأوبك سوف تحصل على ما يقرب من
24 تريليون دولار خلال الفترة
الواقعة بين الآن وعام 2030، وهو
ما يعادل أربع مرات المداخيل
التي حققتها من بيع النفط خلال
الفترة 1985 و2007. ولكن معظم الخبراء يتفقون على أن الطلب
العالمي على النفط والغاز،
اللذين يمثلان معا المصدر
الرئيسي للثروة العربية سيبدأ
في التقلص بشكل حاد في الفترة
التي تبدأ تقريبا من العام 2030
فما بعده. وهنا يطرح سؤال نفسه:
ما الذي سيفعله العرب حينئذ؟ أي
ما الذي سيعتمدون عليه للحصول
على الموارد اللازمة للإنفاق
على خطط التنمية وتسيير الحياة
في دولهم، التي لا بد وأن أعداد
سكانها سوف تزيد كثيرا عما هي
عليه الآن بالفعل؟ لا شك أن هذه
الأسئلة سوف تقود إلى إجابات لا
تخرج في مضمونها عن أن تلك الدول
يجب أن تخصص كل دولار تكسبه في
الوقت الراهن من أجل الإعداد
لمستقبل سوف تتناقص فيه
عائداتها من النفط إلى حد كبير. وهناك العديد من المؤشرات والدلائل التي
يراها الجميع. أولا، لم يعد
بمقدور أحد تجاهل الدلائل على
حدوث تغير مناخي. فخلال السنوات
القليلة الماضية عانت عشر دول
على الأقل من عواصف عنيفة
وفيضانات وقحط، بل إن الولايات
المتحدة تواجه هذا الشهر ظروفا
جوية تعتبر هي الأسوأ على
الإطلاق في تاريخها كله. قد لا تكون قمة المناخ التي أجريت في
العاصمة الدانمركية كوبنهاجن
قد أفرزت ذلك النمط من
الاتفاقيات والمعاهدات الملزمة
التي كان الكثيرون يتمنونها
ولكن الشيء الذي لا شك فيه أن
تخفيض الانبعاثات الكربونية،
قد باتت الآن على أجندة الجميع
كما أن شعارانقذوا الكوكب، قد
أصبح هو الآخر شعارا يتردد صداه
في أركان المعمورة الأربعة. بعبارات مبسطة يعني ذلك - تخفيض
الانبعاثات - استبدال النفط
والغاز بمصادر الطاقة المتجددة
مثل الطاقة النووية، وطاقة
الرياح، وطاقة الأمواج،
والطاقة الشمسية، وأي طاقة
نظيفة أخرى يمكن للعقل البشري
استنباطها من مصدر معين. وليس من
قبيل المبالغة القول إن الدول
الكبرى في العالم قد شرعت في
حملة محمومة للبحث عن مصادر
الطاقة البديلة. ومما يشار إليه
في هذا الصدد أن باراك أوباما
رئيس أكبر اقتصاد في العالم قد
تحدث مرارا وتكرارا عن أهمية
الحاجة لتحرير الولايات
المتحدة من الاعتماد على النفط
الخارجي. والتغير في التحول من
الطاقة الأحفورية إلى الطاقة
المتجددة قادم بأسرع مما كان
متوقعا بكثير، فعلى سبيل
المثال، سيتم بيع السيارات
الكهربائية من جميع الأنواع على
نطاق واسع في الصين، والولايات
المتحدة، وأوروبا خلال فترة
يقدر الخبراء أنها لن تزيد عن 12-
18 شهرا. يعني هذا أن ماكينة
الاحتراق الداخلي، التي تتسم
بالشراهة في استهلاك النفط
والتي نعرفها جميعا، والتي
عانينا منها جميعا، سوف يتم
الاستغناء عنها بشكل تدريجي
لصالح السيارات التي تعمل
بمصادر الطاقة المتجددة وأهمها
الطاقة الكهربائية. ليس هذا هو السبب الوحيد لقلق الدول
العربية. فخلال السنوات من 1970
إلى 2010 ارتفع عدد سكان الدول
العربية بنسبة 180 في المئة، أي
من 112 مليونا عام 1970 إلى 313
مليونا في الوقت الراهن.
والأنباء الطيبة في هذا السياق،
هو أن معدل النمو السكاني ينخفض
الآن وأنه خلال السنوات
الأربعين القادمة - من 2010 إلى 2050
سوف ينمو السكان في البلاد
العربية بنسبة 62 فقط، أي أقل من
ثلث نسبة النمو خلال السنوات 1970
-2010. ولكن هذا سيعني أيضا شيئا آخر: سيعني أن
نسبة الشباب إلى إجمالي عدد
السكان ستقل لتصبح 25 في المئة
عام 2050 مقارنة بنسبة تتراوح ما
بين 35 إلى 50 في المئة في الوقت
الراهن. وخلال تلك الفترة
سيزداد عدد كبار السن كثيرا جدا
مقارنة بما هو عليه الآن.. وتشير
الإحصائيات أن 43 مليون عربي فوق
70 عاما سيكونون بحاجة إلى
الرعاية الصحية بحلول 2050. في اجتماعهم الذي عقد في العاصمة المصرية
القاهرة في العشرين من ديسمبر
الجاري اطلع وزراء التنمية
والشؤون الاجتماعية العرب على
وثيقة صادمة أعدها البرنامج
الإنمائي للأمم المتحدة
بالتعاون مع جامعة الدول
العربية. وهذه الوثيقة تطالب
حسبما جاء في نصها بشيء لا يقل
عن عقد اجتماعي جديد بين منتجي
النفط والدول الأقل تنمية من
أجل القضاء على الفقر في
المنطقة. في الوقت الراهن توجد فجوة فاضحة في
الحقيقة بين الدول الغنية
والدول الفقيرة في المنطقة
العربية. فدخل الفرد من الناتج
القومي الإجمالي في دولة مثل
الكويت يصل إلى 54 ألف دولار، في
حين لا يزيد في السودان عن 200,2
ألفين ومئتي دولار، وفي قطر،
يصل هذا المعدل إلى 76 ألف دولار
مقارنة بما يزيد بقليل عن 000,1
دولار في فلسطين. وفي دول مثل
المغرب واليمن وسوريا تزداد
معدلات عدم المساواة تفاقما في
الوقت الذي تكافح فيه مصر من أجل
إطعام 80 مليون نسمة. جاء في تقرير البرنامج الإنمائي للأمم
المتحدة - الجامعة العربية، أن
معدل بطالة الشباب في العالم
العربي قد وصل إلى7 .25 في المئة
وهو معدل يفوق مثيله في أي منطقة
أخرى من مناطق العالم. ومن أجل
الحيلولة دون تفاقم هذا الوضع
أكثر مما هو عليه الآن بالفعل
سوف تكون هناك حاجة لخلق 51 مليون
وظيفة خلال العشر سنوات القادمة
وهو احتمال مخيف للفعل يتجاوز
بكثير إمكانيات معظم الدول
العربية. الأكثر من ذلك أن
تقريرا صادرا مناليونسكو، يشير
إلى أن 40 في المئة من العرب فوق
سن 15 عاما هم من الأميين، وأن
ستة ملايين طفل في سن الدراسة لا
يجدون مدارس يذهبون إليها. بينما تلوح بشائر العام الجديد في الأفق،
فإن القادة العرب يجدون أمامهم
قدرا كبيرا من الموضوعات
والمشكلات التي يمكن أن تثير
قلقهم. الاتحاد =========================== النهار 29-12-2009 لا ينقص لبنان ليتشبّه بدول الرأي الواحد
سوى إقرار هدنة سياسية إعلامية.
عندها يكتمل المشهد: حكومة تضم
ربع مجلس النواب تقريباً،
وتتمثل فيها كل الكتل النيابية
بمنطق 8 و14 آذار، يظللها ترهيب
بارتدادات لا ديموقراطية لأي
رأي يناقض رؤية أهل السلاح،
وحملات غسل دماغ بمفردات تحرّف
الواقع وتربط مصير البلد
باستراتيجيات إقليمية تعادي
عروبة المحيط ومصالحه، وأخيراً
تتويج كل ذلك بكم الأفواه تحت
عنوان الهدنة لسنة. لكن الدعوة في ذاتها تشكيك في جدوى الوفاق
الراهن من جهة، وإشارة إلى رفض
قبول الرأي المناقض من جهة أخرى:
ما يريد اللبنانيون فهمه من
الوفاق على حكومة الاتحاد
الوطني هو أن الجميع سلّم بأن
سقف أي خلاف في الرؤية أو صراع
في السياسة هو تسليم الجميع
بالقانون من ناحية، واعتمادهم
الحوار للوصول إلى رأي مشترك من
ناحية أخرى. والأمران يعززان
حرية الرأي التي يُدمنها
اللبنانيون، سواء أصابوا أو
أخطأوا في ما يعبّرون عنه. أخطر ما في الدعوة إلى هدنة السنة، أنها
ببساطة تقترح منع الاطلاع
والكلام، في حين أن ما يدفع إلى
هذا الكلام لن يتم التراجع عنه،
وهو ليس حل مشكلة الكهرباء، أو
المياه، ولا الاصلاح الإداري،
ولا حتى أزمة السير التي تمسّ
يومياً كل لبناني. هو بالطبع
قضية سلاح "حزب الله" التي
لم تلقَ إجماعاً لبنانياً، برغم
تكرار زعم ذلك. فما يلقى إجماعاً
هو مقاومة العدو الإسرائيلي
وليس فئوية السلاح نفسه.
والحال، أن الحزب لا يريد
التراجع عن منطقه، ولا تريد
الأكثرية التسليم بهذا المنطق.
وهذه تصرّ على نقاش أمره في إطار
الاستراتيجية الدفاعية، على
طاولة الحوار، فيما هو يحاول
التملّص بالإيحاء أن في ذلك
خضوعاً لاسرائيل وتفوقها. وكيف تستوي الهدنة ومصلحة البلاد، إذا
كان الداعي لها لم يتحمل لجوء
حزب الكتائب إلى الديموقراطية
للطعن بالبند السادس من البيان
الوزاري، بمراجعة القضاء، إذ رد
بالإتهام بالاستفزاز، ولوّح
بمصير مسيحيي العراق، الذين "لم
يُقدم لهم 150 ألف جندي أميركي
الحماية" (؟!). "في السابق كانوا يهاجمون سوريا
ويهاجمون المقاومة واليوم لا
يستطيعون" يقولها الأمين
العام ل"حزب الله" قبل أن
يستطرد: "الحمد لله دخلنا في
مرحلة جديدة من العلاقات. شيء
صعب أن يهاجموا المعارضة ككل.
لأن وزراء المعارضة والموالاة
موجودون في حكومة واحدة. إذاً،
بقي لهم المقاومة وسلاح
المقاومة". بعد حكومة الاتحاد الوطني ل"حماية
المقاومة" تأتي "الهدنة
الوطنية" إذاً من أجل الهدف
نفسه. وكما اتهم مناقشو تركيبة
الحكومة (مجرد نقاش) بالخيانة،
سيتهم رافضو منطق الهدنة بها. لعل الهدنة المقترحة كانت مفيدة لأهلها
لو أنها بدأت يوم السبت. إذ كان
انفجار مرأب "حماس" في
الضاحية مرّ في الاعلام بوصفه
إنفجار قارورة غاز، ولكان عدم
السماح للقوى الأمنية
بالاقتراب، والحؤول دون وصول
المحقق العسكري إلى مسرح
الجريمة، خبراً لم نكن لنكتشفه
إلا على صفحات الانترنت على
طريقة الأسرار والفضائح أو عبر
وسائل إعلام دولية. عندها كان من
سيعرف سيتهم بالخيانة والعمالة. عند الهدنة، تقف الوقائع العامة عند ما
عُرِفَ منها لحظة الاتفاق عليها.
هذا ما سيوهَم به الرأي العام.
أما ما سيجري تحت مظلتها فسيكون
ممنوعاً نقاشه، وان يفعل أحد
ذلك، يكون مشبوهاً وعميلاً
وخائناً. لو تم "تجميد" النقاش الداخلي بقوة
الهدنة المقترحة، يكون المشهد
السياسي كالآتي: وقف "إطلاق"
كل كلام على سلاح "حزب الله"،
وطي طاولة الحوار دونه. يصير
تناوله خيانة إن خرج عن أدبيات
أهله: يبقى السلاح ما دامت
إسرائيل موجودة، ولا تعود هويته
أمراً للنقاش، ولا دوره. له
الدفاع عن الوطن وللجيش أمن
المواطن، كما قالت وثيقة "حزب
الله". الطريق إلى جمهورية الصمت تبدأ بهدنة. =========================== نتنياهو في القاهرة : هل
يستأنف المفاوضون نشاطهم؟ ياسر الزعاترة الدستور 29-12-2009 اليوم الثلاثاء سيقوم رئيس وزراء الكيان
الصهيوني بزيارة القاهرة للقاء
الرئيس المصري ، فيما كان مدير
المخابرات المصرية الوزير عمر
سليمان قد أنهى قبل أيام زيارة
للدولة العبرية لم يعلن الكثير
من حيثياتها. من الواضح أن القاهرة ، تسعى إلى مجاملة
الولايات المتحدة التي يتحرك
قلبها على إيقاع الرضا
الإسرائيلي ، الأمر الذي لم
يتغير قيد أنملة بعد مجيء
أوباما. لا خلاف على أن المشهد الفلسطيني لا يحتمل
العيش بدون مفاوضات ، وهو
البُعد الذي تُجمع عليه الأوساط
الأمريكية والأوروبية ، فضلا عن
بعض الدول العربية المنخرطة في
محور "الاعتدال" ، والسبب
هو الخوف من حالة الفراغ
القائمة ، والتي يمكن أن تؤدي
إلى عودة "دوامة العنف" من
جديد بحسب تعبير جماعة "الحياة
مفاوضات" ، وما جرى في نابلس
مجرد مؤشر على ذلك. صحيح أن عملية إعادة الصياغة التي يتعرض
لها المجتمع الفلسطيني في الضفة
الغربية ، بتوقيع الجنرال
دايتون أمنيا ، وتوني بلير
اقتصاديا لا تبدو سهلة التأثير
، لكن الشعب الفلسطيني لن يركن
إلى معادلة الطعام والرواتب
مقابل الأمن للإسرائيليين ، هو
الذي لم يقبلها في يوم من الأيام
، رغم أنها كانت معروضة عليه
طوال عقود ، مع العلم أن قبولها
من قبل قطاع من الناس لا يعني
الكثير ، إذ يكفي أن تتمرد فئات
محدودة حتى تدبّ الحياة في
المجتمع ويحتضن المقاومة من
جديد. الآن تتطلب اللعبة استئناف المفاوضات ،
في حين يعلم الجميع أنه لم يعد
بوسع السلطة العودة عن شرط وقف
الاستيطان رغم أنه لم يكن شرطها
(كان شرط أوباما الذي عاد وتراجع
عنه) ، بينما لن يكون من السهل
على نتنياهو أن ينكسر مرة أخرى
خلال أقل من عام (المرة الأولى
تمثلت بقبوله حل الدولتين) ،
ولذلك يبدو أن مهمة القاهرة هي
توفير سلم له ولمحمود عباس كي
يتمكنا من النزول عن الشجرة ، أو
الدفع في هذا الاتجاه ، لا سيما
أن المسار الآخر (مسار دايتون -
بلير) يمضي دون توقف ، الأمر
الذي يشرف عليه بنفسه ويسميه
"السلام الاقتصادي" ،
بينما يأمل ومعه محمود عباس في
أن يفضي إلى ترتيب أوضاع السلطة
على نحو يعيدها خلال عام وبعض
عام إلى ما كانت عليه قبل اندلاع
انتفاضة الأقصى نهاية أيلول من
العام ,2000 لا نعرف كيف سيُخرجون لعبة العودة إلى
المفاوضات ، لكن الحديث
المتداول هو قيام نتنياهو
بتجميد الاستيطان على نحو غير
معلن ، وذلك لمدة محدودة تعود
المفاوضات خلالها على أمل
التوصل إلى اتفاق ، لا سيما أن
رئيس السلطة لا يكفّ عن الحديث
عن إمكانية التوصل إلى اتفاق في
غضون ستة أشهر ، الأمر الذي يبدو
مثيرا في واقع الحال لأن ثلاث
سنوات من التفاوض مع أولمرت
وقبلها سنوات أوسلو السبعة لم
تنته باتفاق ، فكيف سيحدث ذلك مع
نتنياهو في ظل الشروط التي
يطرحها للدولة الفلسطينية
العتيدة؟،. هناك من يتحدث عن كتابي ضمانات من
الولايات المتحدة سيقدمهما
جورج ميتشيل قريبا لكل من
السلطة ونتنياهو كي تجد السلطة
مبررا للعودة إلى المفاوضات ،
وقد يشمل الكتاب الموجه إلى
السلطة بند التجميد العملي
للاستيطان. بالطبع لسنا من القائلين باستحالة التوصل
إلى اتفاق في ظل العروض السخية
التي قدمتها السلطة لأولمرت ،
مع عروض أخرى أكثر سخاء قد تتوفر
لاحقا ، فنتنياهو اليوم هو "ملك
إسرائيل" بحسب تعبير أحد
المحللين الإسرائيليين ، وإذا
تمكن من ضم كاديما إلى ائتلافه
الحكومي ، فهذا يعني قدرته على
فرض أي اتفاق يريد ، بصرف النظر
عن رأي اليمين المتطرف. في هذا السياق تتبدى خطورة المسار القادم
من حيث إمكانية التوصل إلى
اتفاق بروحية وثيقة جنيف
وملحقها الأمني بين السلطة
ونتنياهو ، ما يضع الوضع
الفلسطيني برمته أمام تحد خطير
، لاسيما أن فتح اليوم ومنظمة
التحرير والسلطة في رام الله
كلها تحت ولاية الخط المعروف ،
والذي لا شيء لديه غير التفاوض
وتكريس وضع (السلطة - الدولة)
القائم في الضفة بصرف النظر عن
نتيجة التفاوض. خلاصة القول أن معضلة القضية اليوم هي في
قيادة السلطة وفتح ، وكذلك في
المرجعية المصرية ، لكن شطب هذه
القضية لن يكون ممكنا بأي حال ،
حتى لو أدخلتها مغامرات البعض
في متاهات تطول أو تقصر. =========================== بقلم :فيكتور دافيز هانسون البيان 29-12-2009 ثمة حرب طبقية تدور رحاها في الولايات
المتحدة، لكنها ليست ضد الثراء
الفاحش، بل ضد الأثرياء الجدد،
أو الذين يحاولون أن يكونوا
أثرياء. فقد أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما
أن الأميركيين الذين يزيد دخلهم
السنوي على 200 ألف دولار، سوف
يدفعون ضرائب دخل أكبر. ومن
المفترض أن يتم رفع سقف ضرائب
الرواتب، كما سيُرفع بالنسبة
للطبقة العليا. وسوف تقتطع ضرائب العقارات ما نسبته 45% من
قيمة التركة الفردية التي تزيد
قيمتها على 5, 3 ملايين دولار. وقد
زاد العديد من الولايات
الأميركية ضرائبها المفروضة
على الفئات العليا من المجتمع. ومعظم المستهدفين بالضرائب لم يكونوا
أغنياء، كوارن بيفت وبيل غيتس،
لكنهم ملايين ممن يتمنون الغنى.
قد يكونوا حققوا دخولا سنوية
أكثر من المتوسط، لكنهم ليسوا
من المليونيرات الكثيرين
المضاربين في «وول ستريت»،
والذين حطموا الاقتصاد
الأميركي تقريبا، بحثا عن
الفوائد والمكافآت المالية
الضخمة. وعوضاً عن ذلك، معظمهم
من المهنيين وأصحاب الشركات
الصغيرة، الذين يتحملون
المخاطر الكبيرة على أمل تحسين
مستوى معيشتهم، ويورثون
أموالهم إلى أبنائهم. والغريب أن الذين يلقون معظم الخطب
الشعبية التي تدور حول الحاجة
لكبح الأثرياء الجدد، هم من
الأشخاص فاحشي الثراء، الذين لا
يهتمون لقيمة الضرائب المفروضة
عليهم، نظراً لثرواتهم الطائلة.
لو أخذنا بيل غيتس الأب، مثلا، الذي يثير
ضجة متواصلة، ويطالب بفرض ضرائب
أملاك أعلى على الورثة، فإنه
يدافع عن مطالبه بسهولة بالغة،
فهو على أي حال والد أثرى رجل في
العالم، ومن الواضح أنه لا
يحتاج إلى تركة. وغالبا ما ينشئ الملياديرات المؤسسات
الخيرية، لضمان توزيع أملاكهم
بحسب أهوائهم، بدلا من أن تنتقل
ببساطة إلى الخزانة الأميركية
المعوزة. وعلى النقيض من ذلك، فإن المزارعين
وأصحاب الشركات معتدلي الثراء،
غالبا ما يتركون أملاكاً كافية
للورثة لكي يدفعوا ضرائب
التركات، لكنهم لا يتركون مبالغ
مالية كافية لإنشاء المؤسسات
الخيرية المعفية من الضرائب. ويطالب وارن بيفت كذلك، بفرض ضرائب دخل
أعلى على الأثرياء. واعترف ذات
مرة بأنه بفضل سقط المتاع الذي
يمتلكه، فإنه لم يدفع سوى 17% من
دخله الإجمالي، على شكل ضرائب
فيدرالية، وهو مستوى من الضرائب
أقل بكثير من مستوى العديد من
موظفي مكتبه. غير أن بيفت، مثل بيل غيتس، يمتلك مليارات
الدولارات. وفي الواقع لديه
مبالغ طائلة، لدرجة أن الضرائب
لا تؤثر على ثروته، مهما ارتفعت
نسبتها. وحتى لو التهمت الضرائب
60% من دخله السنوي، فستتبقى له
ملايين الدولارات. غير أن
النسبة نفسها قد تشل صاحب شركة
يحقق دخلا سنويا قدره 300 ألف
دولار. وغالبا ما تدعي الحكومة الأميركية أن
مقترحات الضرائب المرتفعة
تستهدف الأثرياء، كدليل على
نكران الذات لديهم. وقد أعلن
الرئيس أوباما على سبيل المثال،
أن الأغنياء أمثاله بإمكانهم
دفع مزيد من الضرائب. ولكن بعكس السياسيين في واشنطن، لا يتلقى
معظم الأميركيين الذين لديهم
شركات خاصة، عقب تقدمهم في
السن، مخصصات حكومية مجانية
إضافية ومعاشات تقاعدية سخية،
ولا تتوفر لهم ضمانات بالحصول
على مصادر دخل مريحة. ويزداد تركيز الضرائب على الذين يتمكنون
في بعض السنوات من تحقيق دخل
يتراوح بين 200 و500 ألف دولار
سنوياً، وهذا يبدو لا معنى له
وسط كساد اقتصادي كاسح مستمر
لمواسم عدة. وهم ليسوا من
المضاربين الذين أحدثوا الذعر
في عام 2008، كما أنهم ليسوا من
سياسيي واشنطن الذين تسببوا في
إفلاس أميركا. بل إن معظمهم من أصحاب الشركات الذين
يوظفون النسبة الساحقة من
الأميركيين لديهم، ولكن عند
مواجهتهم بالأحاديث عن رفع
الضرائب، وفرض مزيد من
التشريعات، وبالخطب النارية
العدوانية، فإنهم يظلون مشوشين
ومقتصدين جداً في مصاريفهم بدلا
من زيادتها. ومع مستوى الضرائب الجديد المقترح فرضه
على الرواتب والرعاية الصحية
والدخل الفردي، علاوة على ضرائب
الولايات الأميركية، والضرائب
المحلية المتزايدة، يخشى كثير
من أصحاب الشركات من ذهاب ما بين
60 إلى 70% من دخلهم إلى الحكومة.
ولا تبدو هذه وسيلة جيدة لإقناع
الشركات الصغيرة بتوظيف مزيد من
العمال، على أمل الحصول على
أرباح أكبر. والدخل الفردي ليس هو المقياس الوحيد
للثراء، فمثلاً يبدو مبلغ 200 ألف
دولار دخلا سنويا ضخماً جداً في
كانساس، لكنه لا يبدو كذلك في
سان جوزيه، حيث المنازل
المتواضعة تكلف في الغالب أكثر
من نصف مليون دولار. أما الأشخاص
الذين ليس لديهم أبناء مؤهلون
لمنح دراسية خاصة بالفقراء، فإن
تعليمهم يكلف أكثر من 200 ألف
دولار للفرد. إذن، لماذا يتم شن هذه الحرب ضد الطبقات
الاجتماعية المنتجة في
الولايات المتحدة التي ترغب في
الثراء؟ ربما يكون السبب أن أعدادهم محدودة، بعكس
أمثالهم من أبناء الطبقة الوسطى.
وربما يعود السبب لكونهم لا
يكسبون التعاطف الذي يحظى به
الفقراء على وجه الخصوص. وحتماً يفتقرون للمنزلة العالية
والوساطات الداخلية التي يحظى
بها ذوو الثراء الفاحش. ومع
مواصلة معاقبتهم وتصويرهم
كشياطين، فستتوقف عجلة
الاقتصاد الأميركي، كما نرى
الآن. أستاذ الدراسات الكلاسيكية
والتاريخية في جامعة ستانفورد ========================== تسوية فلسطينية موقتة
في انتظار تطورات إقليمية الثلاثاء, 29 ديسيمبر 2009 ماجد كيالي * الحياة ثمة نزعتان متناقضتان، على الصعيد
الدولي، في التعامل مع القضية
الفلسطينية. الأولى، وتتصرف على
أساس أن هذه القضية تتآكل مع
الزمن، وأن العالم ملّها، وتعب
منها. وتتغذّى هذه النزعة من
انحراف هذه القضية (لاستغراقها
بالرموز الدينية والتفاصيل «العقارية»
وشؤون الحياة اليومية)، ومن
انقسام الفلسطينيين، وتخبطهم
في إدارتهم لأوضاعهم كما
لصراعهم مع عدوهم، ومن ضعف
فاعلية العالم العربي في
التعامل معها. كذلك فإن هذه
النزعة تتغذى من انشغال العالم
بأزمات ومشكلات أخرى كبيرة
وخطيرة، كالأزمة الاقتصادية
العالمية، ومشكلات البيئة، إلى
المخاطر الناجمة عن صعود القوى
المتطرفة، في أفغانستان
وباكستان، إلى جانب صعود نفوذ
إيران (التي تسعى لحيازة طاقة
نووية) في الشرق الأوسط عموماً
والعراق خصوصاً، وتحديداً
بالقرب من مصادر النفط العالمية. وكان تيار «المحافظين الجدد» اشتغل على
تنمية هذه النزعة، في عهد إدارة
بوش المنصرفة، بادعاء أن لا
علاقة لقضية فلسطين (وبالتالي
وجود إسرائيل) بأزمات المنطقة،
وأنه ينبغي للعالم ألا ينشغل
بها. وهذا ما كرره اخيراً
افيغدور ليبرمان (وزير خارجية
إسرائيل وزعيم حزب إسرائيل
بيتنا)، بقوله: «لماذا علينا أن
نقبل بما يروجه آخرون وكأن
مشاكل العالم محصورة فينا؟
التفجير والقتل يعمّان بقاع
الأرض. ما هذا الانشغال
بالمفاوضات مع سورية؟ لماذا
نستعجل الأمور؟ هناك مشاكل أكثر
خطراً وحدّةً في العالم... علينا
أن نقول لكل هؤلاء الذين
يحاولون أن يعلمونا ما يجب أن
نفعل وكيف يتحقق السلام، اذهبوا
وحققوا السلام في أماكن أخرى في
العالم»! (تصريح للإذاعة
الإسرائيلية 9/12) النزعة الثانية، تناقض الأولى، وتتصرف
على أساس أن أزمات المنطقة،
وضمنها ضعف الاستقرار الدولي
والمجتمعي في كثير من البلدان
العربية (مثلاً، السودان واليمن
والصومال والعراق ولبنان)،
وتزايد التهديد الإيراني،
وصعود الإسلام السياسي فيها،
إنما تتغذى من الصراع العربي -
الإسرائيلي، وأن حل هذا الصراع
ربما يساهم في تخفيف بؤر التوتر
هذه ويجففها؛ لأن العكس يمكن أن
يؤدي إلى تقويض استقرار الكثير
من الأنظمة العربية، ويضع منابع
النفط في دائرة الخطر، كما يضفي
غموضاً سلبياً على مستقبل
العراق؛ إضافة إلى انه يعزز من
وضع إيران. ومن وجهة نظر أصحاب هذه النزعة (الدوليين
والإقليميين)، فإن إسرائيل (في
ظل حكومة نتانياهو اليمينية) لا
تلقى اهتماماً مناسباً لهذه
التهديدات، ولا تنظر إليها بعين
الخطورة، ومثال ذلك محاولتها
ربط عميلة التسوية باستفتاء
جمهورها (متجاهلة القرارات
الدولية في شأن عدم جواز
احتلالها أراضي الغير بالقوة)،
وكأن التسوية تجرى بين
الإسرائيليين، وليس مع الأطراف
العرب الآخرين. ودليل ذلك أيضاً
رفض إسرائيل مجرد تجميد موقت
للاستيطان، وتسعيرها عمليات
تهويد القدس وهدم بيوت
المقدسيين، والسكوت عن تصرفات
المتطرفين من المستوطنين
والمتدينيين، والتي وصلت حد حرق
مسجد ياسوف؛ ما يهدد بتحويل
الصراع من الدائرة السياسية إلى
الدائرة الدينية، لا سيما في ظل
إصرار حكومة نتانياهو على
اعتراف الفلسطينيين بيهودية
إسرائيل. وعلى ما يبدو، فإن هذه النزعة في طريقها
الى التغلب على الأولى، في
الأجندة الدولية والإقليمية
للمنطقة، وهذا ما يفسر الضغط
الدولي (المباشر وغير المباشر)
على إسرائيل. ومن مظاهر ذلك موقف
الاتحاد الأوروبي في شأن إقامة
دولة فلسطينية في حدود العام 1967،
واعتبار القدس عاصمة لدولتين،
وتقرير غولدستون، والمقاطعة
الأكاديمية البريطانية
لإسرائيل، ومقاطعة بضائع
المستوطنات، والتحول في الرأي
العام الأوروبي، وظهور منظمة «جي
ستريت» (كلوبي موازٍ لمنظمة «ايبالك»)
في الولايات المتحدة، وضجر
إدارة البيت الأبيض من المواقف
والتملصات الإسرائيلية، في ما
بات يعرف عند الإسرائيليين
بمسار نزع الشرعية عن دولتهم. وثمة ما يؤيد ما ذهبنا إليه، بتصريح ميغل
انخيل موراتينوس (وزير الخارجية
الإسباني)، الذي ستتولى بلاده
رئاسة الاتحاد الأوروبي، والذي
قال فيه (قبل أيام)، «انه سيعمل
على قيام دولة فلسطينية عام 2010
تعيش بجوار إسرائيل... هذا ما
سنكافح من أجله... الدولة ضرورية
والأفضل ان تقوم في اقرب وقت
ممكن». لكن المشكلة أن هذه التطورات تفتقد
مفاعليها المحلية، فلسطينياً
وعربياً، فالقوى المعنية ضعيفة
ومشتتة، والتضامن العربي هش
جداً، وثمة دول عربية لا تتحدث
مع بعضها بعضاً، والوضع
الفلسطيني منقسم على ذاته،
والرئيس الفلسطيني يهدد
بالاستقالة، بعد أن أفلس طريق
المفاوضة. إزاء ذلك ثمة ما يرجح أن الدول الكبرى
باتت مقتنعة ومعنية بالبحث عن
مخرج مناسب عبر التدخل الفعال
لاستعادة زمام المبادرة، في
قيادة التطورات الشرق أوسطية،
وحمل إسرائيل، بطريقة أو بأخرى،
على التجاوب مع عملية التسوية. ولعل هذا يفسر تركيز الأطراف الدولية
والإقليمية المعنية على إقامة
دولة للفلسطينيين، لدرجة إبداء
الاستعداد لتقديم ضمانات
سياسية وعسكرية (ضمنها وجود
قوات دولية في الضفة الغربية).
كما يفسر ذلك تزايد الحديث عن
صيغة تسوية موقتة، تركز بداية
على ترسيم حدود إسرائيل، بدعوى
أن ذلك يمكن أن يحلّ ثلاث قضايا (من
قضايا الحل النهائي)، هي الحدود
والمستوطنات والترتيبات
الأمنية والمائية (وفق حدود 67،
مع تبادل أراض وفق معايير كمية
ونوعية مناسبة). وثمة طموح بين الأطراف الدوليين
المعنيين، لترقية هذه الصيغة
إلى توافقات عامة، حول قضيتي
القدس واللاجئين (إن أمكن)،
بفترة زمنية محددة، بحيث تقسم
القدس الى عاصمتين على أساس
ديموغرافي؛ مع مكانة خاصة للحرم
القدسي (بحيث تديره هيئة دولية
تشارك فيها خمس دول عربية). أما
قضية اللاجئين الفلسطينيين،
فيجري مجرد اعتراف إسرائيل
بمعاناتهم، من دون أن تتحمل
مسؤولية ذلك؛ مع إمكان
استيعابها لبضعة آلاف منهم؛ ما
يعني أن حق العودة مستبعد
تماماً في الإطار التفاوضي
السائد، وأن هذا الحق يمكن أن
يمارس فقط في الأراضي
الفلسطينية. وهذا المشروع يتقاطع مع مقترحات التسوية
التي طرحها اخيراً شمعون بيريز
رئيس الدولة، وإيهود باراك (وزير
الدفاع وزعيم حزب العمل)،
وإيهود اولمرت (رئيس الحكومة
السابق)، وليفني (زعيمة كاديما)
وشاؤول موفاز (نائب رئيس حزب
كاديما)، على أساس أن ذلك يجنّب
إسرائيل خطر الدولة الثنائية
القومية، ويحفظ يهوديتها،
ويحسن صورتها الدولية، ويعزز
مكانتها لدى الولايات المتحدة (ويساعد
سياستها في الشرق الأوسط)؛ وهي
ليست بعيدة من تصورات نتانياهو. يبقى القول ان هذه التسوية (على علاتها)
مرهونة بحسم إدارة اوباما
لأمرها في شأن الضغط على
إسرائيل، وتقديم الضمانات (السياسية
والأمنية والمالية) لها، مثلما
هي مرهونة (ربما في شكل أكبر)،
بمتطلبات التسوية الإقليمية،
التي يفترض أن تستوعب سورية (بالاستجابة
لمطالبها في شأن استرجاع
أراضيها المحتلة)، وأيضاً، أن
تتجاوب، مع مطالب إسرائيل،
المتعلقة بالتطبيع مع الدول
العربية، وتقديم ضمانات لها، في
شأن تحجيم نفوذ إيران، والحؤول
دون تحولها دولة نووية؛ وعدا
ذلك من الصعب الحديث عن تسوية
فلسطينية أو إقليمية، في
المعطيات الحالية. * كاتب فلسطيني =========================== آخر تحديث:الثلاثاء ,29/12/2009 الخليج سليم الحص قضية فلسطين تدنو أكثر فأكثر يومياً من
الهاوية فيما القادة العرب
يلتزمون الصمت الرهيب . “إسرائيل”
ماضية قدماً في قضم القدس
الشرقية وتهدد وجود المقدسات
الإسلامية والمسيحية، ولا صوت
احتجاج يسمع في الجانب العربي
اللهم إلا بعض الإشارات
والتعليقات الصحافية . أين أنتم
يا عرب . أين أنتم أيها
المسؤولون في المملكة العربية
السعودية وجمهورية مصر العربية
والمملكة الأردنية الهاشمية،
وسوريا؟ لا ملامة يمكن أن توجّه
إلى بلدان تعاني من أزمات
داخلية تهدد وحدتها، مثل اليمن
والسودان والعراق . ولكن ما
عذركم أيها المسؤولون في ليبيا
وتونس والجزائر والمغرب وعُمان
والكويت؟ أين أنتم أيها العرب واللاجىء الفلسطيني
يكاد يكفر بانتمائه العربي تحت
وطأة التشرّد والحرمان
والتمييز شبه العنصري الذي
يتعرض له حيث يقيم في بلدان
شقيقة؟ أين أنتم أيها العرب
والقدس يكاد العدو الصهيوني
يلتهمها كلياً، ولم يعد يرعوي
ما دام المسؤولون العرب في سبات
عميق؟ والأدهى إذا كان صمتهم
ليس بسبب سباتهم وإنما بسبب
ارتماء بعض المسؤولين العرب في
أحضان السياسة الأمريكية
المتمادية في انحيازها السافر
إلى العدو “الإسرائيلي” في كل
ما يتصل بقضية العرب القومية،
قضيتهم المركزية في فلسطين . ما بالكم أيها العرب لا تطلقون الصوت
عالياً في الاحتجاج والاستنكار
والرفض في وجه “إسرائيل”، ومن
ورائها الإدارة الأمريكية
والسلطة البريطانية والسلطة
الفرنسية؟ أين الأسلحة التي
تتحصّنون بها؟ أين سلاح النفط
والغاز؟ أين سلاح العلاقات مع
الدول الكبرى الفاعلة؟ أين هو
صوتكم في هيئة الأمم المتحدة
وبالأخص في مجلس الأمن الدولي؟
أين هو سلاح علاقاتكم مع الدول
الإسلامية وسائر الدول النامية
تشهرونه في المحافل الدولية
انتصاراً لفلسطين؟ أين هو سلاح
تجارتكم مع الدول الفاعلة
فتشدون الحبل معها أو ترخونه
وفق ما تمليه قضية فلسطين؟ اين أنتم أيها القادة العرب؟ إن من حقنا
أن نخاطب المسؤولين العرب
لتصويب المسار العام . أما
الشعوب فإننا نرى أنها لم تنسَ
فلسطين ولن تنساها ما دامت
القضية عالقة بتجاذبات الأهواء
الدولية في غير مصلحة مصير
القضية وبالتالي مصير الأمة
العربية . فالشعوب العربية
عاجزة إلى حد بعيد عن التعبير عن
لواعجها وآلامها وحتى عن آمالها
بوجودها وسط أجواء استبدادية
أبعد ما تكون من الحرية
والديمقراطية، تتلقى لسعات سوط
الجلاّد الذي يسمّى مسؤولاً . ما
بال البرلمانات لا تبدي حراكاً
حيث وجدت، وأين صحة الانتخابات
الديمقراطية الحرّة في ظل حكم
يتحكّم بتفاصيل الحياة العامة
ويملي إرادته على قرار المجتمع؟
وأين هي إرادة الشعب في مجتمعات
يحرّم على المواطن فيها أن يسمع
غير صوت الإعلام الرسمي؟ أين هو
صوت الحق في مجتمعات أعدمت فيها
المعارضة، فلا صوت يعلو فوق صوت
السلطة؟ أين أنتم أيها العرب ولم يعد يجمع بينكم
جامع في ظل أنظمة لا يهمّها إلا
مصالحها في الحكم والبقاء؟ أين
صوتكم أيها العرب في نصرة قضية
فلسطين التي عهدناها قضية العرب
المركزية بلا منازع؟ نحن ندرك
أن صوتكم ملجوم بقوة من يتحكم
بشرايين الحياة في بلدانكم ومن
لا مصلحة له في أن ينطلق صوت حر
تهتز له عروش . صوتكم أيها
الأخوة مكبوت فيما صوت قادتكم
مغيّب بفعل ارتهان قادتكم إلى
توجهات القوى الكبرى التي ترى
مصالحها الذاتية في مصالح
الصهيونية العالمية؟ نحن نعلم
أيها الأخوة في شتى أرجاء الوطن
العربي أن إرادتكم كانت ولا
تزال محكومة بقضية فلسطين قلباً
وقالباً، ولكن لا سبيل للتعبير
عنها ولا سبيل لإملائها على من
يستأثر بالقرار في مجتمعاتكم .
لذا فنحن نتوجه بخطابنا إلى
القادة العرب عسى أن يستعيدوا
شيئاً من التبني الحيوي لقضية
العرب المركزية . إن الوضع العربي العام يصبّ في خدمة العدو
الصهيوني الغاشم . من هنا هذا
التشتت الذي يهيمن على العلاقات
العربية . كانت الأقطار العربية
متراصّة في المشاعر والمواقف
يوم كانت النظرة واحدة حيال
فلسطين، وتاهت النظرة العربية
إلى فلسطين مع تبعثر مواقف
الأقطار العربية وولاءاتها
دولياً . أكثر المسؤولين العرب
يلتزمون خطّ التحالف مع الدولة
العظمى، أمريكا، والدولة
العظمى تلتزم سياسة، لا بل
استراتيجية، تمالىء “إسرائيل”
كلياً، فماذا ينتظر من دول
عربية تنظر إلى فلسطين بمنظار
أمريكا؟ هذا هو على ما يبدو سرّ
الإهمال الذي أصاب القضية
العربية من جانب الدول العربية .
لا حيلة لنا والحال هذه إلا مناشدة
الأنظمة العربية الاستفاقة إلى
المصلحة العربية العليا، لا بل
إلى مقتضيات صون المصير العربي .
إننا نناشد القادة العرب ان
يرصّوا صفوفهم في مواجهة الخطر
الماثل بتصعيد الصهاينة
تحدياتهم للمصير العربي . إننا
نناشد العرب أن يتوحّدوا في
تصديهم للأزمة التي تمثل أمام
الأمة بإصرار العدو الصهيوني
على التهام القدس الشريف وعلى
زرع المستوطنات في كل مكان من
فلسطين بلا وازع ولا رادع .
بالله عليكم إيها الأخوة العرب
نناشدكم في عليائكم أن ترصّوا
صفوفكم في جبه العدوان الصهيوني
المستفحل . إن اللحظة الحاضرة هي
اللحظة المناسبة لشهر ما في
ترسانتكم من أسلحة سياسية ماضية
لحماية المصير العربي . إننا
نناشد القادة العرب الحرص على
أن تكون السياسات
والاستراتيجيات التي ينتهجونها
متطابقة مع إملاءات إرادة
شعوبهم الحقيقية . وإرادة
الشعوب لا تتبلور إلا عبر
ممارسة ديمقراطية سليمة .
وأخيراً هل سيكون للعرب
مقاومتهم الشعبية الجامعة؟
هكذا نطمئن إلى سلامة المصير
القومي . إننا نتمنى أن تعقد قمة عربية عاجلة تخصص
للتباحث في تطورات الوضع على
صعيد فلسطين، ونتمنى أن يصدر
عنها مواقف حاسمة . =========================== تشارلز كروثمر الشرق الاوسط 29-12-2009 لم يكتف الرئيس الإيراني محمود أحمدي
نجاد برفض الموعد النهائي
العقيم الذي حدده الرئيس باراك
أوباما لإيران، بشأن برنامجها
النووي، لكنه أدار ظهره إليه،
معلنا استمرار بلاده في
المقاومة حتى تتخلص الولايات
المتحدة من الرؤوس النووية التي
تمتلكها، والتي تقدر ب 8,000 رأس
نووي. ومن ثم فقد انقضى عام 2009، عام الحوار
واليد الممدودة والاعتذار غير
المبرر، فيما لا تزال أجهزة
الطرد المركزي تدور، وبرنامج
تطوير الصواريخ ماض في طريقه
ومنشأة تخصيب اليورانيوم
السرية تجعل إيران أكثر قربا
تجاه إنتاج السلاح النووي. خسرنا عاما لكنه لم يكن كأي عام، لقد كان
عام الفرصة الضائعة. ففي إيران
كان العام الذي أوشك على
الأفول، عام الثورة التي بدأت
مع إعلان نتائج الانتخابات،
وبلغت ذروتها مع المظاهرات
الضخمة التي صاحبت تشييع جثمان
عالم الدين آية الله العظمى
حسين علي منتظري، والتي تغيرت
مطالبها من إعادة فرز الأصوات
في الانتخابات المسروقة إلى
الإطاحة بالدكتاتورية الدينية.
وكان رد أوباما على ذلك النأي
بنفسه عن المخاض الجديد للحرية،
بدأ أولا بصمت مخز، ثم تلاه ببعض
الكلمات التي تعبر عن
الاستنكار، ثم أعقبتها محاولات
حثيثة للتواصل مع النظام الوحشي.
ومع العرض تلو العرض والإيماءة
تلو الإيماءة
ليس لإيران بل إلى
الجمهورية الإسلامية الإيرانية
كما يحلو للرئيس أوباما دائما
أن يخاطب باحترام الطغمة
المتعصبة الحاكمة
منحت الولايات المتحدة
الشرعية لنظام يحاول يائسا
استعادة شرعيته داخل دولته. ما مدى أهمية ذلك؟ لأن الثورات تنجح في
لحظة فريدة وانعطافة تاريخية
دقيقة، عندما يدرك الأفراد،
وبخاصة أولئك القائمون في
السلطة، أن النظام فقد التفويض
الإلهي. ومع هذا الضعف الذي حل
بهذا النظام الاستبدادي الذي
يسعى إلى تأكيد ذاته مرة أخرى،
فلماذا تقوم الولايات المتحدة
على الدوام بتقديم هذه
التأكيدات؟ وبغض النظر عن نبذ ونفي الصيغة القانونية
عن تلك الزمرة من رجال
العصابات، ينبغي علينا تشجيع
ودعم هؤلاء المتظاهرين، وذلك
ليس بالأمر التافه. فعندما
يتعرض هؤلاء المعارضون
للملاحقة والضرب والاعتقال
والسجن ربما يستسلمون للشعور
باليأس والعزلة. ويعترف ناتان
شارانسكي بالأثر الكهربي لخطبة
«إمبراطورية الشر» لرونالد
ريغان على رفع الروح المعنوية
للمعتقلين، حيث انتشرت الأنباء
من زنزانة إلى أخرى بشفرة سرية
على الجدران، فقد علموا أنهم
ليسوا بمفردهم وأن أميركا تناصر
قضاياهم. لكن هل كان أوباما كذلك في يوم كراهية
أميركا (الرابع من نوفمبر (تشرين
الثاني) الذي يوافق ذكرى احتلال
السفارة الأميركية في طهران)،
عندما غنى المتظاهرون المؤيدون
للولايات المتحدة: «أوباما،
أوباما إما أنك معنا أو معهم»،
في إشارة إلى النظام القمعي. مثل تلك اللامبالاة الهادئة أكثر من مجرد
خيانة لقيمنا، بل هي خطأ فاضح في
المقام الأول. وبغض النظر عن قضايا حقوق الإنسان،
لنفترض أنك لا تهتم إلا بالقضية
النووية فقط، فكيف يمكنك إبطال
فتيل القنبلة؟ فالمفاوضات لا
تصل إلى حل جذري، ومهما كانت
العقوبات التي ستفرضها الأمم
المتحدة فلن تؤثر على موقف
طهران، من ثم فإن الأمل الوحيد
هو في تغيير النظام. وقد أصدر
العالم الديني الكبير الذي يحظى
بشعبية كبيرة فتوى ضد الأسلحة
النووية. وحتى وإن تصرفت حكومة تالية على عكس
الحكومة الحالية فسيظل التهديد
النووي واهنا، إلى حد بعيد، لأن
النظام هو الذي يشكل مكمن الخطر.
(ولننظر إلى الهند أو بريطانيا
على سبيل المثال)، فأي تخصيب
نووي قد يمثل مشكلة، لكن
استبدال النظام الحاكم بنظام
غير معاد للغرب سيغير المعادلة
الاستراتيجية تماما، ويجعل
التهديد في أقل درجة ممكنة
ويسهل إدارته. إذا ما الذي ينبغي علينا فعله؟ أولا الضغط
الخارجي قطع
إمدادات البنزين على سبيل
المثال وثانيا
تعزيز الضغوط من الداخل بحيث لا
يكون الهدف من ورائها تغيير
استراتيجية النظام الحالي
النووية بل
المساعدة في تغيير النظام ذاته. وبإمكاننا، على سبيل المثال، أن نقدم
الدعم لاتصالات المعارضة
للتحايل على الرقابة كما فعلنا
مع حركة التضامن في بولندا،
خلال حقبة الثمانينات (في تلك
الأيام كانت تلك المساعدات
تتمثل في معدات بث إذاعي
وماكينات طباعة). لكن ما يأتي
على أهمية مساوية هو الخطب
الحماسية والدعم الدبلوماسي من
القادة السياسيين، كالشجب
الكامل لوحشية النظام
والملاحقات الأمنية. وبعض
القضايا البارزة بنفس الصورة
التي تبنى بها القادة الغربيون
قضايا شارانسكي وأندري ساخروف،
خلال انتفاضة حركة المعارضة
التي ساعدت في سقوط
الإمبراطورية السوفياتية. هل ستنجح الثورة؟ ربما تكون النتائج
بعيدة، لكن الحوافز سريعة
ونتائجها المتدفقة ستمتد من
أفغانستان إلى العراق (في كلا
النزاعين تدعم إيران المتمردين
الذي يقتلون الجنود الأميركيين
وحلفائهم) إلى لبنان وغزة حيث
يوجد عملاء إيران متمثلين في
حزب الله وحماس الذين تمدهم
بالسلاح من أجل الحرب. وبصورة أو بأخرى ستهيمن إيران في عام 2010،
وإما إن تشن إسرائيل ضربة جوية
أو أن تتمكن إيران من الوصول إلى
القنبلة الذرية، ما لم تتدخل
الثورة وهو ما يجعل عدم تقديمنا
لكل الدعم الممكن لكل شيء في
قوتنا لدعم هذه الثورة الشعبية
أمرا لا يغتفر. =========================== نظام مدرسي جديد في
سوريا... مشروع تجريبي يصطدم
بمحدودية الكفاءات الكاتبة: عفراء محمد دويتشه فيله 29-12-2009 يشهد نظام التعليم المدرسي في سوريا
إصلاحات جوهرية تتمثل أبرز
محاورها في تجديد محتويات
المقررات الدراسية بشكل دوري،
غير أن هذه الجهود تواجه عددا من
المشاكل كضعف إتقان اللغات
الأجنبية والخبرات في مجال
استخدام الكومبيوتر. يشهد نظام التعليم المدرسي في سوريا
إصلاحات جوهرية منذ بضع سنوات
وتتمثل أبرز محاورها في تجديد
محتويات المقررات الدراسية
بشكل دوري وكيفية إعطائها
للطلاب. على صعيد المحتويات
ينبغي أن يعاد النظر فيها كل
سنتين حسب ما ذكره بعض المعلمين
السوريين. ومن بين التعديلات
أيضا إدخال اللغة الإنجليزية
إلى التعليم منذ الصف الأول
الابتدائي، بينما أضحت اللغة
الفرنسية تعلم مع بدء المرحلة
الإعدادية. كما تم البدء بتطبيق
مشروع "وورد لينكس" الخاص
بالمنطقة العربية بهدف فتح آفاق
جديدة للطلاب من خلال استخدام
الإنترنت في التعليم تحت إشراف
معلميهم. المعلم لإدارة النقاش بدلا من تلقين
الدروس تميز نظام التعليم المدرسي في سوريا حتى
الآن بالمركزية حيث يتلقى
الطلاب نفس المقررات المدرسية
بشكل يعتمد على التلقين والحفظ،
الأمر الذي يضعف روح الإبداع
والمبادرة لديهم. بيد أنه من
المقرر أن يتغير هذا الوضع مع
إدراج الإصلاحات الجديدة التي
تعطي للمدارس حريات أوسع فيما
يتعلق بتدريس محتويات المواد
المقررة كما هو عليه الحال في
دول أوروبية مثل ألمانيا. ومما
يعنيه ذلك وضع خطوط عامة
للمنهاج الدراسي، على أن تقوم
المدارس نفسها بتناول تفاصيلها
بشكل يعتمد على مشاركة الطلاب
وتشجيع روح المبادرة والعمل
الجماعي لديهم. وفي هذا الإطار يتم تشجيع المجموعات في
إطار ورش عمل تقوم بحل المهام
المعطاة لها. أما دور المعلم
الأساسي فيتمثل في توزيع المهام
وإدارة جلسات النقاش لتصحيح
مسارها كما تقول داليا صباغ،
مدرسة لغة فرنسية، في إعدادية
كفرنايا النموذجية للبنات.
وتقول داليا في هذا السياق "أقوم
بالتدخل عن الضرورة بعيدا عن
أسلوب التلقين السائد للتصحيح،
وأساعد الطلاب على توفير مصادر
المعلومات من مصادر مطبوعة وعبر
الإنترنت على أن يقوموا بالبحث
عن الحلول وإيجادها ومناقشتها
تحت إشرافي". مدارس نموذجية وقبل تعميم
النظام المدرسي الجديد الذي
سينجم عن الإصلاحات الجديدة،
يوجد مشروع تجريبي يشمل عشرة
مدارس في كل محافظة سورية على أن
تكون نموذجية في أسلوب تدريسها.
وعن هذه التجربة يقول صالح
لطوف، مدير مدرسة كفر نايا
النموذجية للبنات: "نحاول من
خلال هذه التجربة جعل الطلاب
يكتسبون مهارات وخبرات
مختلفة،على أساس وضع مناهج
وخبرات تتناسب مع قدرات الطالب
وإمكاناته". ويضيف بالقول "المنهاج
القديم يحتوي على معلومات لا
تخدم محاولة الطالب لتوسيع
ثقافته، بينما المنهاج الحديث
يعتمد الكثير من المعلومات
المفيدة للطالب، غير أن الطريقة
الجديدة غزيرة وفي بعض الأحيان
تتجاوز طاقته". تحديات اللغات الأجنبية واستخدام
الكومبيوتر غير أن أبرز المشاكل التي تواجه تطبيق
الإصلاحات الجديدة ضعف خبرات
الأساتذة والطلاب في إتقان
اللغة الإنجليزية والتعامل مع
الكومبيوتر وعدم توفره في
المدارس للجميع، ناهيك عن ضعف
شبكة الإنترنت وبطئها في معظم
المناطق. "حتى طلاب المرحلة
الثانوية لا يعرفون استخدام
الكومبيوتر"، كما تقول ريم
سعود، مدرسة لغة عربية وتضيف
قائلة "المنهاج الجديد لا
يراعي الفروق الفردية بين
الطلاب، لدينا مستويات طلاب
متدنية، وهذا المنهاج الحالي
يحتاج إلى طالب لديه أساس
بالكمبيوتر واللغة والثقافة
العامة". وهناك مشكلة أخرى
تتمثل أيضا في وجود معلمين ليس
لديهم رغبة في تطوير أنفسهم من
خلال تعلم اللغات الأجنبية
والتعامل مع شبكة الإنترنت
واستخدام الحاسوب كما يقول
المدرب رامي جديد. الأمر الذي
يعني أيضا ضعف مواكبة الأساتذة
لمواد المقررات الدراسية
لاسيما التي تحتاج إلى البحث
الذاتي. ومن أجل تحسين قدرات المعلمين يتم
إخضاعهم لدورات خاصة على مدى
سنتين وعلى أساس أربع مراحل مدة
كل منها 40 ساعة. وتهدف الدورات
إلى تعريف المعلم على كيفية
توظيف التكنولوجيا الفاعل في
دعم علميتي التعلم والتعليم.
كما قامت وزارة التربية السورية
بإنشاء موقع إلكتروني يقوم
بتوثيق عمل المدرسين السوريين
في مدارسهم، وإطلاعهم على خبرات
زملائهم والاستفادة منها في
مدارسهم. كما يتم تشكيل مجموعات
بريدية هدفها تبادل المعلومات
بين الأساتذة حول مصادر
المعلومات وتقديم المساعدات
المتبادلة. انتعاش سوق الدروس الخصوصية وفي ضوء الصعوبات التي تواجه طلاب
المدارس في التعامل مع الواسئل
التعليمية الجديدة كالحاسوب،
بدأ الطلاب يلجئون إلى أخذ دروس
خصوصية لدى أساتذة أو لدى مراكز
كومبيوتر ومعاهد متخصصة كما
يقول بديع غازي الراعي، أب لديه
أولاد في المرحلتين الإعدادية
والثانوية. وحسب رأيه فإن
الكثير من العائلات لا تستطيع
تحمل النفقات الناجمة عن ذلك. من جهة أخرى، يرى الكثير من الطلاب أن
المناهج الجديدة تضم مواداً لا
تتناسب مع أعمارهم وقدراتهم على
الاستيعاب، ذلك ما تراه فاطمة
العبو، الطالبة في الصف الثامن
الإعدادي. أما شهد المحمد،
الطالبة في الصف العاشر بمدرسة
دير جمال النموذجية، فترى أن من
أوجه الصعوبة أن يطلب من الطالب
لعب دور لم يتعود عليه في الصفوف
المدرسية الأولى كالبحث بمفرده
عن المعلومات وتبويبها
وتقديمها لزملائه وكأنه هو
المعلم. وتقول في هذا الإطار "من
قبل كان المعلم يقوم بكل شيء،
أما نحن فكنا نركز على حفظ ما
يقوله أو ما هو مكتوب في الكتاب"،
وتضيف قائلة "أما اليوم فيجب
علينا شرح الدروس في الوقت الذي
يقف فيه المدرس لإدارة النقاش
والتدخل لتصحيح مساره". =========================== حتى لا يصل جدار غزة إلى
المحكمة الجنائية الدولية الحياة الأحد, 27 ديسيمبر 2009 خالد الحروب لا يمكن دفن الرؤوس في الرمل: قضية بناء
جدار على الحدود الغزية المصرية
ساخنة وحساسة ومثيرة للعواطف
والاتهامات. النقاش حولها
يتصاعد في كل المواقع الإخبارية
في العالم. وأنتقل الآن إلى
دوائر منظمات حقوق الإنسان
والقانون الدولي. تُحسن الحكومة
المصرية صنعاً عبر مواجهة
القضية مباشرة بإعادة النظر في
كل الفكرة، عوض إضاعة الجهد في
محاولة دفنها تحت السطح، أو
التهرب منها، أو التظاهر بأنها
غير موجودة. لقد انقضى منذ عهد
بعيد زمن التستر على خبر ما أو
دفن موقف معين وحجبه عن الرأي
العام. ففي عالم الفضاء
الألكتروني المفتوح ما عاد في
إمكان أحد التعامي عن أي خبر
وموقف. الأحكم والأكثر احتراماً
للذات والآخرين هو المواجهة
والصراحة، وليس السقوط في حبائل
التفكير الرغبوي بأن «يمر
الموضوع» بأقل زوبعة ممكنة.
خلال السنوات الثلاث الماضية
تراكمت قناعة قانونية لدى
الكثير من منظمات حقوق الإنسان
العالمية بأن هناك جريمة جنائية
دولية اسمها الحصار على قطاع
غزة، وفي الإمكان بناء قضية
قانونية ضد المتسببين بها
والمشاركين فيها. إذا تم بناء
الجدار الفولاذي المقترح في
الوقت نفسه الذي يتواصل فيه خنق
القطاع عبر المعابر الأساسية،
رفح مع مصر وأيريز مع الضفة
الغربية، ستصبح الأرضية
الحقوقية لرفع مثل تلك القضية
قوية. وعندها ستكون ورطة الجميع
فعلاً كبيرة لأن انفتاح
المرافعة القانونية على أكبر
مدى ممكن من المتورطين
المُحتملين في جريمة الحصار
سيشمل الكثيرين. بناء جدار يضرب في عمق الأرض بهدف سد
شريان الحياة الوحيد للغزيين
وإغلاق كل الأنفاق التي عبرها
يمر قوت الفلسطينيين في غزة هو،
وبكل ضبط الأعصاب الممكن، إجراء
يدمر موقف وسمعة مصر: أخلاقياً
وقيمياً وإنسانياً وسياسياً
واستراتيجياً، قبل أن يدمر حياة
مليون ونصف مليون من البشر في
قطاع غزة. لا يمكن تبرير إحكام
الحصار المفروض على
الفلسطينيين هناك منذ أكثر من
ثلاث سنوات ونصف بأي مسوغات
مهما حاولت أن تكون «مُبدعة».
ليس فقط الرأي العام العربي هو
من يرى في الجدار الفولاذي الذي
يريد أن يُطبق على غزة
استكمالاً لجريمة حصار وصفها
الرئيس الأميركي الأسبق جيمي
كارتر ب «أنها أبشع جريمة ضد
الإنسانية يشهدها ويصادق عليها
العالم المتحضر اليوم». بل إن
جمعيات النشطاء السياسيين
وشرائح واسعة من الرأي العام
الغربي ومنظمات حقوق الإنسان
والقانون ترى أيضاً الرؤية
نفسها، وبعضها اتخذ فوق ذلك
مواقف أقوى وأشد حتى من كل
المواقف العربية ضد الجدار
المُفترض. لن تكرر هذه السطور ما
بات معروفاً وما كتب بوجه حق في
نقد هذا الجدار من منظور آثاره
التدميرية على حياة الناس في
قطاع غزة. لكنها ستناقش موقعه
وأثره في سياق الصراع على
النفوذ الإقليمي وعلى قيادة
المنطقة العربية ومصر تقع في
قلب هذا الصراع، وكيف يستنزف
الفولاذ الذي سيستخدم في بناء
الجدار الفولاذ المطلوب وجوده
في موقف وموقع مصر الإقليمي. ضمن
تأمل آليات وأطراف ذلك الصراع
وعلاقة مصر به وأثر الجدار
عليه، من المطلوب أن تدرك دوائر
صنع القرار في القاهرة الأمور
التالية: أولاً: قضية فلسطين واستمرار الاحتلال
والغطرسة الإسرائيليين هي
بوصلة القيادة الإقليمية. شئنا
أم أبينا، مللنا من القضية أم لم
نمل، طالت أم قصرت، برزت قضايا
وحروب أخرى «تنافس» على ترؤس
الأجندة الإقليمية أم لم تبرز،
تظل قضية فلسطين (طالما لم تحل)
هي الباروميتر الذي يحكم من
خلاله الرأي العام وغيره على
أهلية ودور وموقع هذا البلد أم
ذاك. هناك بطبيعة الحال كان وما
زال استثمار وتوظيف سيئ لهذه
القضية من قبل أكثر من طرف، عربي
وغير عربي، خلال العقود الماضية.
لكن ذلك التوظيف لم يغير من تلك
الحقيقة الموضوعية. تخسر مصر
بجسامة عندما يراها الرأي العام
العربي والإقليمي تتخذ موقفاً
لا ينسجم مع ذلك الباروميتر. ثانياً: تتفاقم الخسارة في ظل الوضع
الإقليمي الراهن الذي يشهد
تصاعداً متزايداً للنفوذ
التركي والإيراني. البلدان
يتسابقان في تقديم مواقف
إقليمية ودولية تكون بوصلتها
قضية فلسطين، ويكسبان على الأرض
كل يوم موقعاً جديداً. خلال
سنوات الحصار على قطاع غزة
تمكنت أنقرة وطهران من سحب
البساط تدريجاً من تحت أقدام
الدول العربية الكبيرة. وصارت
أنقرة على وجه التحديد وكأنها
الممثل الرسمي الإقليمي
والمسموع باسم قضية فلسطين.
تقول لا كبيرة لإسرائيل، وتقول
لا كبيرة للولايات المتحدة
عندما تصل الغطرسة والتوحش
الإسرائيليان حدوداً لا تُطاق. ثالثاً: استندت وتستند أنقرة في اتخاذ
مواقف قوية من إسرائيل (وبعض
السياسات الغربية) إلى مسوغ
الرأي العام الشعبي في تركيا.
منذ قرار رفض السماح للقوات
الأميركية باستخدام قواعد
تركية خلال الحرب على العراق
سنة 2003، وصولاً إلى إلغاء
المناورات العسكرية المشتركة
مع إسرائيل أخيراً، كانت حكومة
أردوغان تكرر بأنها تأخذ
بالحسبان مزاج الشعب التركي
وأنها لا تتخذ مواقف يرفضها
شعبها. قبل وخلال وبعد حرب غزة
ارتفعت وتيرة الخطاب التركي/
الأردوغاني الناقد لوحشية
إسرائيل. وعندما رُوجع وأنتقد
من قبل الولايات المتحدة وبعض
الأوروبيين كان تبريره الدائم
والقوي بأن هذا هو جوهر السياسة
الديموقراطية: انسجام التوجهات
الحكومية في القرارات الكبرى مع
التوجهات الرئيسة للشعب. وهذا
ما يجب على مصر قوله بالفم
الملآن لأي طرف من الأطراف
وإزاء أي طلب من الطلبات التي
تتناقض كليها مع إرادة الشعب
المصري. رابعاً: مسوغ السيادة الذي يتم الإشارة
إليه تكراراً من قبل بعض
الناطقين، وأن مصر وكأي بلد آخر
من حقها أن تمارس فوق أرضها ما
تراه مناسباً لمصلحتها وأمنها
القومي هو مسوغ حقيقي من ناحية
نظرية ولا يمكن رفضه. لكن هناك
كثيراً من النقد الشديد
والتحفظات القوية على قرار بناء
الجدار تضعف من ناحية عملية هذا
المنطق. فلم يعد سراً أن مقترح
بناء الجدار الفولاذي أُقر في
الأيام الأخيرة لحكم الرئيس
الأميركي السابق جورج بوش، في
أعقاب جريمة الحرب على غزة في
آخر 2008 وأوائل 2009. وأن حكومته
قدمت ذلك المُقترح كهدية وداعية
لتسيبي ليفني وزيرة الخارجية
الإسرائيلية آنذاك، وكجريمة
أخيرة في سلسلة جرائمها
التواطئية بحق الشعب الفلسطيني.
تستطيع مصر وبكل اقتدار أن ترفض
فكرة بناء الجدار على أكثر من
أساس. الأول هو أنه ضد أبجديات
وجدان شعبها وأنه سيثير حنق
الرأي العام المصري والعربي. خامساً: من المهم أن يدرك كل من يريد مصلحة
مصر أن جدار غزة إن تم فعلاً
بناؤه ستتم توأمته مباشرة، شئنا
أم أبينا، مع جدار الفصل
العنصري الذي يقطع أوصال الأرض
الفلسطينية في الضفة الغربية
والقدس. وبطبيعة الحال سيكون
أثر هذه التوأمة الكريهة طويل
الأمد وبالغ السوء على مصر
وموقعها وسمعتها. وتمتد جوانب
هذه التوأمة الآن وكما نشهدها
في أكثر من قراءة حقوقية نقدية
إلى سجالات نظرة القانون الدولي
إلى جدار غزة ومخالفته لمبادئ
حقوق الإنسان. لا نريد أن يستمر
بناء هذا الجدار سيء السمعة
والأثر، ولا أن تتطور الأمور
لتصل ببعض الجمعيات الحقوقية
لرفع قضية ضده وضد مصر أمام
المحكمة الجنائية الدولية. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |