ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 02/01/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


كأس الانتفاضة ومرارتها

الخميس, 31 ديسيمبر 2009

زهير قصيباتي

الحياة

أخطر ما يمكن أن تشهده إيران هو إصرار «الحرس الثوري» والميليشيا (الباسيج) والرئيس «المشمئز» محمود أحمدي نجاد، على البطش باحتجاجات الإصلاحيين وغيرهم من المعارضين في الشارع، لإعادة مارد الانتفاضة الى القمقم. وإن كان الرصاص «المشبوه» الذي أوقع قتلى في ذكرى عاشوراء، لا يبرئ القيادة الإيرانية على رغم بأسها مع مَن باتت تعتبرهم «إرهابيين»، فالحال ان القيادة قادرة بتهورها على تحويل الانتفاضة التي قارب عمرها نصف سنة، الى مشروع حرب أهلية.

القتل لترهيب المعارضين، بات واضحاً انه عاجز عن وقف مد الغضب المتنامي، من طهران الى شيراز وأصفهان، فيما صمت رجال الدين في قم - باستثناء قلة - لا يؤازر المرشد علي خامنئي في اعتلاء منبر الحَكَم، لاحتواء الانتفاضة.

وإذ تحاول السلطة تعبئة الشارع المضاد لشارع المعارضة، وتنتقل من تصدير «الثورة» (الى المنطقة)، الى مرحلة تصدير أزمتها بتخوين دول عربية، بعدما اشمأزّ نجاد من «المسرحية الصهيونية - الأميركية» التي يؤدي أدوارها الإصلاحيون... تكتمل حلقات الضغط على القيادة الإيرانية: البطش يزرع الغضب، والغضب يستولد العنف، والقتل يكرّس الحقد المعلن بين النظام والمعارضة.

يستحضر النظام ذريعة «إهانة المقدسات» في اتهاماته للإصلاحيين، كي يحسّن شعبية سياسة القوة في الرد على جرأتهم. وعلى مدى ستة شهور، بات قلق الاحتجاجات كابوساً مرعباً لما كان قبل الولاية الثانية لنجاد، قلعة حصينة برماح «الحرس» وأذرعه الاستخباراتية، وحُماة الجمهورية الإسلامية الذين طوّعوا المواطن الإيراني عقوداً، كي يتفرغوا لحلم «إدارة شؤون العالم»!

ألم يكن ذلك مطلب نجاد، وطموحه حين عرض مناظرة مع الرئيس الأميركي باراك أوباما؟

على الجبهة الداخلية الهادئة، كانت «قلعة الحرس» والقيادة الإيرانية تتكئان في تحديهما «غطرسة الغرب» بسلاح البرنامج النووي، وبسلاح الدفاع عن «المظلومين» في العالم. بعد نصف سنة من عمر الانتفاضة، بات شعار الغرب الدفاع عن «المظلومين» في إيران، الذين تطاردهم القبضة الحديد... وبالحديد والنار، تضاعف قيادة خامنئي - نجاد المأزق الكبير. وبين ما تسميه مشروع «الحرب الناعمة» و «مؤامرة الثورة الناعمة»، ستكون مطلع عام 2010 في مواجهة الداخل والخارج في آن.

أما تهديد «الحرس الثوري» ووعيده لمن يحركون الشارع، بدفع الثمن الباهظ، فلن يكونا سوى ذاك السلاح ذي الحدين: كلما هيمن البطش كلما تقارب الإصلاحيون والليبراليون وتمددت الانتفاضة، وتعززت احتمالات الحرب الأهلية، خصوصاً بجر أنصار النظام الى الشارع.

وأما محاولة القيادة الثأر من الغرب، إذ تراه محرّضاً على تأجيج احتجاجات الإصلاحيين، وإتاحة أفق الدعم المعنوي لهم، فلن تكون سوى مشروع مغامرة لا يمكن حصر عواقبها. لا يغيب سيناريو استفزاز البحرية الأميركية في الخليج لافتعال صدام معها، وإثارة أزمة إقليمية - دولية، ولكن هل تضمن طهران القدرة على حصر نار الصدام، ومنع توسيع المواجهة، فيما عين إسرائيل على المنشآت النووية الإيرانية؟

لن يكون توقيت هذا السيناريو مثالياً لأحلام نجاد، ولن يرضي المرشد النوم على حرير قبضة «الحرس الثوري». هو يدرك ان التقديرات الأميركية التي استبعدت نجاحه في «إعادة المارد الى القمقم» وراء أسوار «القلعة»، إنما كانت تمنيات، لكنها شجعت حتماً المعارضين في إيران على عدم إخلاء الشارع للميليشيا ولا لوعيد «الحرس»، بعدما تحطم جدار المحظورات.

بعد ستة شهور هزت إيران، تبدو الجمهورية الإسلامية ذاهبة في طريق بسكة وحيدة، وأما محاولة تكفير المعارضين بذريعة «إهانة المقدسات»، فليست سوى بئر قاعها الحرب الأهلية بالتأكيد... ومرارتها أشدُّ إيلاماً بكثير من الكأس المرّة التي تجرّعها الخميني ليقبل وقف النار في الحرب مع العراق.

بعد نحو ثلاثة عقود على الثورة، تحطمت رموز كثيرة، ومعها تحطمت قدرة المرشد على احتكار الصوت الأخير. البديل مزيد من الدماء والرصاص.

==========================

حصاد 2009: تدهور علاقات الجماعات وتصاعد العنف الرمزي

الخميس, 31 ديسيمبر 2009

عمرو حمزاوي *

الحياة

نودع اليوم عام 2009 من دون أن يختلف المشهد العربي في نهايته كثيراً عنه في بدايته. فمن غزة التي هيمنت حرب إسرائيل عليها على الأسابيع الأولى ويتصدر استمرار حصار سكانها على وقع الإخفاق في إنجاز المصالحة الفلسطينية والخلافات العربية - العربية وغياب مفاوضات السلام أخبار الأسابيع الأخيرة، مروراً بالعراق المنفلت أمنياً والمأزوم سياسياً ولبنان المحتفي بتوافق وطني وحكومة وحدة وطنية يتحايلان على إشكالية الدولة الضعيفة، إلى اليمن المهدد استقراره شمالاً وجنوباً والمتحول تدريجياً إلى ساحة الفعل الرئيسية لتنظيم القاعدة في الشرق الأوسط والسودان الذي لا ترد منه سوى تقارير عن جرائم ضد الإنسانية ترتكب في دارفور وعن نزوع لا رادَّ له نحو الانفصال في الجنوب، في كل ساحات الصراع وبؤر التوتر الإقليمية هذه لم يحمل عام 2009 للعرب إلا المزيد من بؤس سياسة تتجاهل مصالحهم وتطلعاتهم وفشل ساسة لا يمثلونهم ولا ينتظرون رضاهم.

بل أن الاستمرارية السالبة ذاتها تواجهنا حين النظر إلى مسارات ومؤشرات التنمية البشرية في عموم العالم العربي. تعمقت أزمة الدولة الوطنية ومؤسساتها في 2009 وإن تفاوتت المستويات والمضامين، بين خطر العجز التام والانهيار في اليمن والسودان ومن قبلهما الصومال، وتحدي فقدان شرعية الوجود إزاء متوالية تراجع قدرات الدولة في مقابل تزايد فاعلية الحركات والبنى غير الدولتية في العراق ولبنان، وثنائية المجتمع المتطور الساعي للحرية في مواجهة تقليدية سلطوية تدير بصياغات مختلفة مؤسسات الدولة في المغرب والجزائر ومصر وسورية وغيرها. والحقيقة أن السلطوية هذه، بما داومت على ترتيبه من تغوّل للأجهزة الأمنية وهشاشة للمعارضات وتقييد لحريات المواطنين المدنية، نجحت في اختزال 2009 إلى مجرد عام إضافي في حولية غياب الديموقراطية وحقوق الإنسان عربياً. لم يسجل أيضاً العام المنتهي اليوم في معظم المجتمعات العربية إنجازات كبيرة أو صغيرة على صعيد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فأزمات الفقر والبطالة والتهميش وتهافت الخدمات الأساسية في مجالات التعليم والصحة العامة والسلامة البيئية التي تعاني منها قطاعات واسعة من السكان تتجذر في حين تزداد الهوة الفاصلة بينهم وبين الأقليات الغنية اتساعاً في ظل ارتفاع معدلات تركز الثروة.

وكأن هذه الغيابات الموجعة ليست بكافية، فشهد 2009 كذلك في بعض المجتمعات العربية تدهوراً خطيراً في العلاقة بين جماعات المواطنين ذوي الخلفيات الدينية والعرقية المتنوعة، كما دلت على سبيل المثال لا الحصر التوترات المتصاعدة كماً ونوعاً بين المسلمين والأقباط في مصر، وفي هذا تهديد بالغ للسلم الأهلي ولاستقرار العيش المشترك.

ليس بمفاجئ إذاً، في ظل مشهد عربي تخترقه صراعات وتوترات إقليمية عصية على الحل أو الاحتواء وتصوغ حقائقه البنيوية أزمات تنمية بشرية مستمرة، أن يستحيل العنف المادي والرمزي داخل المجتمع الواحد وذلك العابر للحدود الفاصلة بين المجتمعات مكوناً اعتيادياً للسياسة في العالم العربي وأحد أبرز ممارسات المجال العام حضوراً. ندر خلال عام 2009 أن خلت عناوين الصفحات الأولى للصحف اليومية العربية أو النشرات الإخبارية على الفضائيات من بيان بأعداد ضحايا عنف وإرهاب وقمع اليوم السابق أو من إشارات إلى مواجهات معسكرة تستمر هنا وهناك بلا توقف وامتعاض عالمي من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ترتكب بين ظهرانينا من دون كوابح، وأضحت من ثم هذه الأعداد وتلك الإشارات شقاً أساسياً في الحصاد الإخباري اليومي الذي يطالعه العرب. لم تعد جغرافية العنف اليومي العربية قاصرة على العراق وفلسطين والصومال، بل انضمت إلى القائمة اليمن والسودان في حين استمرت المعاناة من ممارسات العنف والإرهاب المحدود في الجزائر ومصر والأردن ولبنان. لم يعد مرتكبو ومسببو العنف كما جرت الأمور في الأعوام الماضية بقاصرين على دولة إسرائيل المستخدمة دوماً للقوة المفرطة ضد الشعب الفلسطيني والآلة العسكرية الأميركية - الغربية التي احتلت العراق لتنتهك بانتظام حقوق الإنسان به وجماعات مسلحة تمارس بلا ضوابط القتل على الهوية والعنف المُسيَّس داخل تلك المجتمعات التي تعاني من غياب الدولة أو ضعف مؤسساتها الشديد وتنظيمات إرهابية تستبيح الدين غطاءً أخلاقياً وإيديولوجياً لتبرير فعلها، بل عادت لتنضم اليهم (بعد القضاء على نظام صدام حسين) نظم حكم تورطت في جرائم حرب ضد مواطنيها على ما تدل عليه أحداث دارفور المأسوية وحركات لمقاومة الاحتلال وظفت بعض أدواتها العسكرية لمواجهة وتصفية «أعداء» الداخل كما تظهر ممارسات «حماس» في غزة.

أما العنف الرمزي فلم يغب عن المشهد العربي في 2009 واستمرت تجلياته المعهودة، إن لجهة خطابات التخوين المتبادلة بين فرقاء الوطن الواحد - نظم حكم ومعارضات أو طوائف وجماعات تفصلها خطوط العرق والدين، وكذلك الخطاب العدائي بين بعض نظم الحكم العربية التي تتنافر مصالحها وسياساتها في الساحات الإقليمية (أحاديث معسكرات المعتدلين والمقاومين المستمرة إعلامياً على رغم بعض خطوات المصالحة العربية، وفي الأحداث الراهنة في غزة وما حولها من البرهان ما يكفي). بيد أن الأمر الأكثر إحباطاً وإيلاماً من التجليات المعهودة لعنف العرب الرمزي تمثل في هستيريا التعصب الجماعي التي انفجرت في مصر والجزائر على خلفية تنافس فريقي البلدين للتأهل لكأس العالم لكرة القدم 2010 وأودت معها بالعلاقات بينهما ومصالحهما الاقتصادية والتجارية والسياسية المشتركة إلى هوة سحيقة.

لا ريب في أن حقائق وسمات المشهد العربي هذه ترتبط وتتداخل في بعض مستوياتها ومضامينها بسياسات وأدوار القوى الدولية والإقليمية في عالمنا. فالولايات المتحدة مع إدارة أوباما أخفقت في حلحلة الصراع العربي - الإسرائيلي وإحياء مسار سلام يضمن للفلسطينيين حداً أدنى من الحقوق، وأفرغ تعنت حكومة اليمين الإسرائيلية البدايات الأميركية الإيجابية في مطلع 2009 من زخمها وحال دون تغير وضعية الحصار المفروض على غزة وسياسة عزل حماس. كما يصعب الفصل بين التأزم الأمني والسياسي في العراق وبين الدور الإيراني ومجمل الصراع الدائر هناك حول عراق ما بعد الانسحاب الأميركي، كذلك استمرت أهمية الأبعاد الدولية والإقليمية لتطورات الأوضاع في لبنان واليمن والسودان والصومال واضحة لا لبس بها. بل لا تعدم الإشارات المتواترة في نقاشاتنا العربية إلى دور الخارج في تكريس أزمة الدولة الوطنية وتعويق التحول الديموقراطي في العالم العربي وفي تعثر مسارات التنمية المستدامة بعض الصدقية الفكرية والسياسية. على رغم ذلك و شرعية تقديم جردة حساب لحصاد 2009 تحت يافطات مغايرة مثل «فشل أوباما» أو «تعنت إسرائيلي وتنام للنفوذ الإيراني والتركي يقابله هوان عربي» وغيرها، بيد أن العوامل والمسببات الأساسية لإخفاقاتنا ولاستمرار عجز العرب عن إدارة الصراعات والتوترات الإقليمية وتحقيق التطور السياسي والمجتمعي المرغوب وكبح جماح العنف المادي والرمزي هي داخلية قبل كل شيء، وتستحق من ثم الكثير من النقد الذاتي والقليل من البحث عن مسؤولية القوى الدولية والإقليمية، وإلا استحال الأخير إلى ممارسة مرضية لا فكاك لنا منها.

أعزائي القراء، كل عام وأنتم بخير.

أكاديمي مصري

==========================

2010: إيران الداخل ستكون في الواجهة!

خيرالله خيرالله

الرأي العام

31-12-2009

تنتهي السنة 2009 عند مشهد سيتكرر مراراً في السنة 2010. انه المشهد الإيراني الذي بات جزءاً لا يتجزأ من المخاض الذي يمر فيه الشرق الأوسط، خصوصاً منذ ذلك اليوم من شهر مارس 2003 حين وطأت القوات الأميركية أرض العراق وبدأت الزحف في اتجاه بغداد بهدف إسقاط النظام. لم يكن إسقاط النظام في العراق حدثاً عابراً. صحيح أن النظام البعثي- العائلي الذي ساهم في القضاء على النسيج الأجتماعي للعراق لم يكن يستحق البقاء، خصوصاً بعدما اعتدى على الكويت، لكن الصحيح أيضاً أن الإدارة الأميركية لم تقدر بدقة عواقب العمل الذي أقدمت عليه وخطورته على صعيد الإخلال بالتوازن الإقليمي على كل صعيد. مضت ست سنوات والنظام الإيراني يسعى إلى التأكيد بالأفعال وليس بمجرد الكلام أنه المنتصر الوحيد من الحرب الأميركية على العراق ومن التورط الأميركي في أفغانستان.

انتزع النظام الإيراني الورقة الفلسطينية من العرب ومن الفلسطينيين أنفسهم بعدما صار صاحب الكلمة الأخيرة في فلسطين. تبنى القضية الفلسطينية عن طريق المزايدة على الفلسطينيين أنفسهم وإحكام سيطرته على «حماس» التي أقامت إمارة «إسلامية» على الطريقة الطالبانية، نسبة إلى طالبان، في قطاع غزة. في الواقع، لم يكن الانقلاب الذي قامت به «حماس» في غزة منتصف العام 2007 ممكناً من دون الدعم الإيراني. وما كان ل «حماس» أن تفتعل حرب العام الماضي التي تسببت بها الصواريخ المضحكة - المبكية التي كانت تطلقها من قطاع غزة من دون صدور تعليمات في هذا الصدد من طهران. لم يكن مطلوباً من «حماس» في تلك المرحلة سوى عمل ما تستطيع كله من أجل إحراج مصر ليس إلاّ. كان الهدف من افتعال الحرب مع إسرائيل استخدام غزة للمزايدة على مصر. كان هناك خطأ في الحسابات الإيرانية. تبين بكل بساطة أن النظام في مصر ليس لقمة سائغة وأنه قادر على المواجهة وأنه يسعى بالفعل إلى حماية الفلسطينيين وقضيتهم والمشروع الوطني الفلسطيني الذي يحظى بدعم المجتمع الدولي. أكثر من ذلك، انتقلت مصر إلى مرحلة المبادرة إلى حماية الفلسطينيين من فوضى السلاح. ما تبنيه مصر على الحدود بينها وبين غزة هو في مصلحة الفلسطينيين ومنع إيران وغير إيران من المتاجرة بهم.

لا يمكن لتهريب السلاح إلى غزة سوى أن يجلب الويلات على أهلها. القطاع ساقط عسكرياً من الزوايا كلها. لماذا إذاً استخدامه في حروب خاسرة سلفاً بدلاً من العمل على فك الحصار الإسرائيلي الظالم بالوسائل الديبلوماسية المتاحة بدعم من مصر والمجموعة العربية والمجتمع الدولي والسلطة الوطنية نفسها؟

سعت إيران منذ سقوط الأميركيين في المستنقع العراقي والأفغاني إلى التوسع إقليمياً. استخدمت السلاح المذهبي في المجال السياسي ولجأت إلى الوسائل المتاحة كلها من أجل تعزيز نفوذها في منطقة الخليج تحديداً، خصوصاً في اليمن حيث تبين أن الحوثيين باتوا قادرين على خوض حرب طويلة بهدف إقامة دويلة خاصة بهم داخل الدولة اليمنية. تبين أن اليمن ليست وحدها المعنية بالخطر الحوثي، بل إن السعودية مستهدفة أيضاً. يحصل ذلك، في وقت لا تخفي أوساط نافذة في طهران أن البحرين لا تزال هدفاً إيرانياً وأن الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة موضوع غير قابل للتفاوض. هل الجولان محتل والجزر الإماراتية غير محتلة؟

يبقى لبنان الجائزة الكبرى بالنسبة إلى إيران. كان اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط - فبراير فرصة لتؤكد طهران أنها قادرة على ملء الفراغ الأمني الناجم عن اضطرار الجيش السوري إلى الانسحاب من أراضي الوطن الصغير. كانت حرب صيف العام 2006 دليلاً ساطعاً على أنها تتحكم بقرار الحرب والسلم في البلد وكان الاعتصام وسط بيروت ثم احتلال العاصمة عن طريق ميليشيا «حزب الله» التابعة لها دليلاً على أن لبنان صار قاعدة إيرانية على البحر المتوسط. ما يقال كله حالياً عن ضرورة المحافظة على سلاح «حزب الله» كلام لا معنى له. لا وظيفة لهذا السلاح المذهبي الموجه إلى صدور اللبنانيين سوى تكريس لبنان «ساحة» للمحور الإيراني - السوري. هل يأتي يوم يفك فيه لبنان أسره الذي طال أكثر مما يجب بسبب السلاح غير الشرعي الذي يلغي نتائج الانتخابات الديموقراطية التي أُجريت في السابع من حزيران - يونيو الماضي؟

في الإمكان الحديث عن دور أكبر لإيران على الصعيد الإقليمي. يشمل الدور العلاقة القائمة بينها وبين «القاعدة» واستخدام أريتريا موطئ قدم لتغذية حروب صغيرة وكبيرة بالسلاح وغير السلاح في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي. وهذا أمر تنبه له مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أخيراً فأصدر قراراً في شأن الدور الأريتري في القرن الأفريقي.

يفترض في العرب والعالم الاعتراف بأن كل شيء تغير في الشرق الأوسط في ضوء ما شهده العراق في السنوات الست الأخيرة حيث النفوذ الأكبر والأوسع لإيران. هناك نائب عراقي يعتبر نفسه عراقياً أولاً، ثم عربياً، ويفخر في الوقت ذاته بأنه شيعي، يحذر من توجهات الأحزاب المذهبية في العراق على رأسها «حزب الدعوة» و»المجلس الأعلى للثورة الإسلامية»، الذي غيّر اسمه إلى «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي»، ويرى هذا النائب أن قادة هذه الأحزاب إنما ينتمون إلى جهاز الاستخبارات الإيراني... أو إلى الحرس الثوري. السؤال من هو إيراني أكثر من الآخر بين قادة هذه الأحزاب لا أكثر، بدليل الميوعة التي اتسمت بها مواقف هؤلاء بعد احتلال إيران البئر النفطية العراقية في منطقة حدودية؟

كانت السنة 2009 حاسمة بالنسبة إلى إيران. زعزعت الأحداث الداخلية التي شهدها البلد النظام. صار أقرب إلى مرآة تعرضت إلى كسر. منذ الانتخابات الرئاسية التي جرت في حزيران - يونيو الماضي والأحداث تتوالى. كانت تظاهرة عاشوراء التي تخللتها صدامات بين الجيل الشاب والسلطة بمثابة تأكيد للنظرية القائلة إن العد العكسي بدأ بالنسبة إلى النظام وإن «الثورة المخملية» مستمرة. مجرد وقوع صدامات بهذا الحجم بعد ستة أشهر على الانتخابات يشير إلى أن المجتمع الإيراني مجتمع حي وأنه لا يمكن أن يقبل بالنظام القائم إلى ما لا نهاية. سقط النظام الإيراني في لعبة الأوهام. لم يتعلم شيئاً من دروس التاريخ القريب. على رأس الدروس أنه ليس في الإمكان لعب أدوار على الصعيد الإقليمي أو التحول إلى قوة إقليمية من دون قاعدة اقتصادية متينة ونظام سياسي يمتلك حداً أدنى من المواصفات الحديثة. كان في استطاعة إيران أن تبني نفسها ومجتمعها واقتصادها، بدلاً من الدخول في لعبة الهروب المستمر إلى أمام، أي إلى الخارج وتوظيف عائدات الثروة النفطية في الاستيلاء على القضية الفلسطينية أو إرسال السلاح وشراء الأراضي في لبنان واستئجار هذا الطرف المسيحي أو غير المسيحي أو ذاك واستخدامه أداة في لعبة لا أفق سياسياً لها، باستثناء التخريب من أجل التخريب...

ليس ما يشير إلى النظام في إيران سيسقط غداً. لكن الأكيد أن إيران ستكون في الواجهة في السنة 2010. ملفها النووي سيظل حاضراً، لكن الأحداث الداخلية فيها تبدو وكأنها ستطغى على ما عداها كله. مرة أخرى سيتعرض الشرق الأوسط إلى هزة قوية... فيما العرب يتفرجون!

كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن

==========================

تحصين الجولان والاستيطان

وتجميد التسوية والمفاوضات

المستقبل - الخميس 31 كانون الأول 2009

العدد 3525 - رأي و فكر - صفحة 22

ماجد عزام()

تحصين الجولان، هكذا يصف متطرفو اليمين، القانون الذي أقرته الكنيست، بالقراءة الأولى الأسبوع الماضي، والذي يمنع أي انسحاب إسرائيلي، من مناطق تم ضمها بشكل رسمي من قبل الدولة العبرية،-مقصود بالطبع الجولان و القدس-، الا عبر استفتاء شعبى وأغلبية ملموسة، 51% او موافقة 80 نائباً فاكثر من الكنيست، أو الذهاب إلى انتخابات عامة، في غضون 180 يوماً، من توقيع أي اتفاق سلام، يتضمن انسحاباً من المناطق السالفة الذكر.

في الأسبوع نفسه، أقرت الحكومة الإسرائيلية، خطة دعم المناطق ذات الأولوية الوطنية، التي ضمن 91 مستوطنة، اكثر من نصفها، تقع شرق الجدار الفاصل، فى عمق الضفة الغربية، وتزعم إسرائيل، أنه سيتم التخلى عنها او تفكيكها، في أي تسوية مستقبلية مع الفلسطينيين.

إذا ما وضعنا القانون إلى جانب الخطة، وتمعنا جيدا، نرى مشهداً، يعبر بدقة، عن الواقع السياسي، والحزبى الآنى في إسرائيل، كما عن حقيقة نوايا وتوجهات حكومة نتنن اليمينية، عموما يمكن شرح أو توضيح المشهد بابعاده وخلفياته على النحو التالي:

-يؤكد مشروع القانون فى الشكل، مدى الفوضى والعشوائية، التي تعصف بالدولة العبرية من الجانب التشريعي الدستوري، الدولة التي تفتقد إلى دستور، والتي تعاني منذ تأسيسها، من نظام سياسي وحزبي غير مستقر، عاجزة نتيجة اسباب عدة، ذاتية وموضوعية عن، إصلاح الأمر، تسيبى لفنى مثلا، عبرت بدقة، عن هذا الواقع بقولها "، في دولة ديموقراطية، ينتخب الشعب الحكومة، للبت فى المشاكل وحلها وليس لاعادة مسوؤلية الحسم والقرار اليه مرة اخرى " هذا يذكرنا أيضاً بالعبارة الشهيرة للمستشار القانوني للحكومة مينى مزوز" فى دولة تسوية شخص مثل ليبرمان ما كان ليصبح وزيراً" والتي نجد تاكيدا عليها فى المشروع السالف الذكر.

-القانون يفضح كذلك، الواقع المزرى والبائس، لحزب العمل، صوت زعيم الحزب أيهود باراك وثلاثة آخمين من نوابه مع القانون، بينما وقفت الغالبية ضده، ان برفع الايدى او-بالارجل- عبر التغيب المتعمد لبعضهم عن الجلسة، هذا جرى، رغم أن باراك نفسه، كان قد وصف القانون، قبل التصويت بساعات، بالاشكالي، لاحتوائه على ثغرات دستورية وقانونية، يتعلق بكيفية صنع القرار السياسي، ناهيك عن انه يعطي الانطباع للعالم، بعدم جدية إسرائيل، فى السلام مع الفلسطينيين، والسوريين على حد سواء.

- والأهم فى القانون طبعا، يتمثل بمغزاه السياسي والاستراتيجي، إسرائيل تفتقد الى الإرادة السياسية، أو الجدية اللازمة، للتوصل إلى اتفاق سلام، مع السلطة الفلسطينية، أو مع الحكومة السورية، تجاه هذه الأخيرة، لا تقدم الحكومة الحالية اكثر، من المعادلة اليمينية التقليدية والمتطرفة، سلام مقابل سلام، دون الحديث، عن اى انسحاب من هضبة الجولان، أما تجاه الفلسطينيين، فالمعادلة أكثر وضوحا ربما، تسوية من دون القدس ومن دون حق العودة للاجئين، مع اقتطاع نصف الضفة الغربية.

- خطة المناطق ذات الأولوية القومية، تساهم بنصيبها ايضا، كشف أو فضح المواقع السياسية والحزبية فى اسرائيل الان، وهي تؤكد في المبدا على أن هذه الحكومة هي حكومة المستوطنين بامتياز-استبدلوا الكيبوتسات فى قيادة الدولة- والحكومة الاكثر يمينية في تاريخ الدولة العبرية، وانها في الحقيقة، حكومة الليكود- إسرائيل بيننا- وشاس- بينما لا يمثل حزب العمل، سوى ورقة التوت، او قناع تجميل، وجه الحكومة البشع والبغيض، للعالم، هنا أيضاً تذبذب يهود باراك كعادته فقد وضعت وزارته الخطة، التي وافق شخصياً عليها، ولكنه صوّت ضدها في مجلس الوزراء، وهو الموقف، الذي اثار استغراب نتنياهو، ولم يجد له تفسيرا حسب زعمه .

-تفضح الخطة كذلك، قرار التقليص، أو الكبح المؤقت للاستيطان، الذي أقرته الحكومة نفسها منذ أسبوعين، الوهمي، والخالي من أي مضمون، والذى سيزيد عدد المستوطنين، خلاله بمقدار عشرة الاف على اقل تقدير، حسب اعتراف الوزير بينى بيغن، ما يؤكد حقيقة، انه هدف في الاساس، ليس الى تجميد الاستيطان وانما إلى خداع العالم، وتخفيف الضغوط والعزلة الدولية المتزايدة ضد الدولة العبرية.

-غير أن أخطر، ما في الخطة، كونها تتضمن 91 مستوطنة، نصفها تقريباً تقع شرق الجدل الفاصل، وفى عمق الضفة الغربية، وتزعم إسرائيل أنه سيتم تفكيكها في أي تسوية مستقبلية مع الفلسطينيين، مقابل ضم الكتل الاستيطانية الكبرى فقط إليها، لا يمكن تصور، أن تدفع الحكومة، 30 مليون دولار، للمستوطنين عبثا، وبالتالي فإنها غير جادة في الانسحاب، أو تفكيك المستوطنات لا النائية، ولا حتى العشوائية، والتي تعهدت الحكومات الاسرائلية المتعاقبة بتفكيكها، وفى السياق فانها غير صادقة في السعي، الى تسوية مقبولة، على الفلسطينيين، والمجتمع الدولى على حد سواء، الذى يعتبر المستوطنات كلها-ليس وفق التصنيف الاسرائيلى المريب -غير شرعية وتجب ازالتها.

- في الحقيقة نحن أمام تحصين للجولان والاستيطان، وتجميد للتسوية والمفاوضات، على المسار الفلسطيني، كما على المسار السوري، وما عدا ذلك، مجرد تفاصيل وهوامش، او بالاحرى مجرد الاعيب وحيل، تهدف إلى الخداع وكسب الوقت، لفرض الوقائع على الأرض، وإفراغ اي مفاوضات ممكنة، من محتواها وجدواها، واحباط الفلسطينيين لاجبارهم، على الرضوخ للامر الواقع، المفروض بقوة الاحتلال، الامر الذى لم ولن يقبل به، الفلسطينيون والعرب على حد سواء .

 () مدير مركز شرق المتوسط للاعلام

==========================

مآزق 2010

آخر تحديث:الخميس ,31/12/2009

الخليج

جميل مطر

قضينا الجزء الأكبر من عام 2009 ننتظر أن يبدأ التغيير ومن أمريكا . انقضى العام، وبعد أن تأكدنا أن قوى الضغط المناهضة للتغيير في أمريكا وفي العالم الخارجي أقوى مما كنا نتصور، تعلقت أبصار الناس في كل مكان وآمالهم في التغيير بالرجل الأسمر الذي قفز فوق كل أعراف مؤسسات الحكم الأمريكية واحتل البيت الأبيض . هذا الرجل رفع توقعات السود في أمريكا، بل وكل الأمريكيين من أصول ملونة ومن طبقات فقيرة، ورفع توقعات شعوب أمريكا اللاتينية التي عاشت قرنين أو أكثر تنتظر أن يأتي إلى منصب الرئاسة في أمريكا زعيم يعترف بحق القارة الجنوبية في أن تتولى شؤونها بنفسها وتقرر مصيرها وتستثمر إمكاناتها وثرواتها لصالح شعوبها . كذلك رفع توقعات العرب، وبخاصة الفلسطينيين، الذين قضوا عقوداً عدة غلبهم القنوط وما يقترب من اليأس ينتظرون رئيسا أمريكياً مستعداً لتحمل مشقة وتضحيات أن يتجاسر ويقول لجماعات الضغط اليهودية في بلاده “كفوا عن التدخل في صنع السياسة الخارجية الأمريكية واتركونا نعمل” .

 

رفع أوباما أيضاً توقعات قطاعات عريضة في أمريكا وخارجها كانت تحلم بقيادة أمريكية تفضل الاستخدام المكثف للقوة الناعمة، كالدبلوماسية مثلاً، بدلاً من اللجوء للحرب كإجراء أول لحل مشكلات أمريكا الخارجية . وارتفعت التوقعات أكثر حين بدا لنا ولقيادات في أوروبا أن علاقات أمريكا بروسيا تحسنت، وانعكس هذا التحسن في خلق أجواء أهدأ في أوروبا، وتعاملت واشنطن بأسلوب مختلف مع هوجو شافير في فنزويلا وحكومة الشقيقين فيديل وراؤول كاسترو في كوبا، وإن لم تتخل في أي لحظة عن التهديد باستخدام العصا الغليظة، مثلما فعلت حين استمرت بتنفذ خطة إقامة قواعد عسكرية في كولومبيا ضد رغبات معظم حكومات أمريكا الجنوبية وشعوبها، وفي تحدٍ واضح للرأي العام في أنحاء القارة . وفي أوروبا ارتفعت التوقعات بحلول جو أفضل في العلاقات الدولية بشكل عام بعد أن رحل الرئيس بوش عن البيت الأبيض وتحررت السياسة الخارجية من سطوة المحافظين الجدد . كادت شعوب أوروبا تيأس من حال أمريكا المتشددة والمتهورة إلى حد أن قيادات وتيارات أوروبية فكرت جدياً في الاستعداد لمرحلة جديدة في العلاقات الدولية سيكون دور أمريكا فيها أقل ونفوذها أضعف .

 

لم يغب عن أذهان عدد من المحللين السياسيين أن منح أوباما جائزة نوبل قبل أن يحين موعد استحقاقها بتنفيذه إنجازات فعلية على أرض الواقع، إنما كان يعكس رغبة لدى قطاعات أوروبية نافذة لديها توقعات مرتفعة في أن يحاط أوباما بدعم هو في أشد الحاجة إليه . كان بريق أوباما بدأ يخبو، وكانت القيادات المناهضة له تضاعف نشاطها، ودخلت بعض خططه ومشاريعه التي وعد بتحقيقها خلال الحملة الانتخابية في تعقيدات عطلت تنفيذها . من ناحية أخرى تكالبت ظروف وتطورات دفعت بتكالبها أوباما وحكومته إلى ممارسة سياسات كان الفهم السائد أنه ضدها . رأيناه في الأسابيع الأخيرة يعود، وحكومته، إلى الحديث عن الحرب ضد الإرهاب، بعد أن أعلن بنفسه منذ شهور تخليه عنها وأوصى أجهزته بعدم التحدث عنها، ورأيناه يعود عن وعود التزمها وسياسات أطلقها في شأن تسوية الصراع العربي “الإسرائيلي”، وإذا به يبدو وكأنه يتخلى ببساطة عن رصيد من شعبية لم يحصل عليها رئيس أمريكي سابق، بل ولعله سمح لوزيرة خارجيته بأن تكذب، وهو الذي وعد بأن تكون إدارته شفافة ونظيفة وصادقة . نعرف الآن أن وقع هذا التردد أو النكوص في سياسته تجاه الشرق الأوسط على الرأي العام العربي كان ثقيلاً، نعرف أيضاً أن عودة أوباما وحكومته إلى التمسك بميراث حكومة الرئيس بوش في أفغانستان وسلوكه المسالك نفسها وممارسة السياسة نفسها، جاءت وبالاً على سمعته وآمال الشعوب وتوقعاتها .

 

تشوهت صورة الرجل الذي حصل على جائزة نوبل اعترافاً بالمغزى الرائع لوعوده المتكررة باستخدام الدبلوماسية والقوة الناعمة ورفضه أدوات القوة الخشنة، وفي مقدمتها الحرب . يراه الناس الآن وهو يأمر قادة جيوشه بتكثيف استخدام القوات الأمريكية للطائرات من دون طيار وهي أحدث أسلحة “الدمار الخبيث”، والتي ثبت أنها قتلت من الأبرياء خلال فترة حكمه أكثر مما قتلت الأسلحة العادية، عاد أوباما يسلط وكالة المخابرات الأمريكية على شعب الباشتون في باكستان، بعد أن تعهد في بداية حكمه بتنظيف الوكالة وضبط عملها ومنعها من ارتكاب جرائم التعذيب . فتح التحقيق في حوادث التعذيب، وفي الوقت نفسه كان يكلفها باستخدام سلاح أثبت كفاءة عالية في قتل المدنيين في باكستان، ولم تختلف حجة أوباما عن حجة سلفه: حماية الشعب الأمريكي .

 

* * *

 

توقفت التوقعات المتفائلة ونشطت التوقعات المتشككة . وأظن أننا نبدأ عام 2010 بحماسة أقل كثيراً عن الحماسة التي بدأنا بها عام 2009 . لا أظن أن كثيرين من العرب، والمصريين خاصة، يبدأون عامهم الجديد مطمئنين إلى أن إدارة أوباما سوف تهتم بقضية الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات في بلادهم، بعد أن شهد العام الأول من حكم أوباما تدهور أوضاع الحريات والحقوق في معظم الدول العربية، إن لم يكن فيها جميعاً . ويبدو أن لا أحد يتوقع أن يكون العام الجديد أفضل بالنسبة لهذه الأوضاع . كذلك يبدأون عامهم الجديد وسط تخاذل عربي أشد في التعامل مع “إسرائيل”، وانصراف غير مسبوق عن القضية الفلسطينية بشكل عام . أعرف أن بعض الحكومات العربية تفاءل بوصول أوباما إلى الحكم في انتظار أن تتركز عليه الأضواء وتنتبه إليه الشعوب وتنسى تقاعس حكامها .

 

أتوقع الآن أن تعود الشعوب لمطالبة حكوماتها بتصعيد مواقفها من “إسرائيل” ورفع الحصار عن الشعب الفلسطيني ووقف عمليات التطبيع وكشف الفساد المصاحب لهذا التطبيع، أتوقع في الوقت نفسه، أن تقوم الشعوب بتحميل حكوماتها مسؤولية نكوص أوباما عن احترام عهوده واستسلامه ل”إسرائيل” واليهود، إذ كان واضحاً أن الحكومات العربية انتحت جانباً ووقفت تتفرج على أوباما يضغط على “إسرائيل” أو يستقبل ضغوطها من دون أن تتحرك لمساعدته أو لقمع دولة “إسرائيل” . كانت حجة بعض المسؤولين العرب كما سمعتها من أحدهم أنهم لا يريدون أن يظهر أوباما كرئيس يتعرض لضغوط عربية .

 

أخشى ما أخشاه أن نرى في الشهور القليلة القادمة قمعاً أشد تمارسه الحكومات العربية ضد شعوبها لتسبق به تحرك هذه الشعوب الغاضبة لأسباب شتى . إن هذا القمع الإضافي، لو وقع، سيعود بالأوضاع في الإقليم إلى مواقع أسوأ بكثير من كل ما عرفه العرب خلال العقدين الأخيرين . ولكني أرى أمامي مآزق، لن تقوى حكومات العرب على تفاديها أو الدوران حولها، إذا استخدمت جرعات قمع أكثر من المعتاد في الإقليم .

 

أول المآزق هو عواقب الميل الشديد المتفشي في المنطقة إلى الانفراط، وأسبابه قائمة ومشتعلة وكافية، ومن بينها الشقاقات الدينية والطائفية في مصر والعراق وسوريا ولبنان والجزيرة العربية، والفتن العرقية في العراق والسودان ومصر، وقد تمتد إلى بعض دول المغرب العربي، ومنها أيضاً النزاعات القبلية، وهذه تمتد وتتمدد في كل أنحاء المنطقة وتخومها، ناهيك عن الغليان لأسباب سوء التوزيع والفساد وتدهور الأمن وتعاظم الاستبداد .

 

ثاني المآزق العربية، هو المأزق الناتج عن فراغ القيادة وتوقف “النشاط” في النظام العربي، يظهر هذا واضحاً وصارخاً للمسافر خارج بلاد العرب الذي يرى عن بعد قلب العالم العربي لا ينبض أو يلمح وسطاً مفرغاً أو ساحة خالية . وكما يراها المسافر تراها عواصم غير عربية، سمعت في تركيا وسمعتها منقولة عن مسؤولين في إيران أن الدولتين الجارتين للعالم العربي لن تقفا ساكتتين إذا استمرت الأمور العربية في تدهورها وتطورت الأوضاع في المنطقة إلى درجة يتهدد بها الاستقرار الإقليمي . ساعتها سيطل من الماضي القريب تحذير من مسؤولين “إسرائيليين” بأن “إسرائيل” لن تقف متفرجة على إقليم تعيش فيه وتسود فيه الفوضى أو عدم الاستقرار . معنى هذا، أنه يصير من حق الدول الثلاث، أو واحدة منها على الأقل، التدخل بأساليب شتى لضمان ألا تتفاقم الفوضى العربية فتصير فوضى شرق أوسطية . وفي كل الأحوال لا أتصوّر أنه إذا تدخلت واحدة لن تلحق بها الدولتان الأخريان . يستحيل، في رأيي، أن تقف واحدة متفرجة بينما الأولى أو الثانية أو دولة غربية تثبت أقدامها على الأرض العربية، تحت زعم أن دورها مطلوب لتحقيق الاستقرار .

 

أما المأزق الثالث، فمأزق التصعيد الجديد في المواجهة بين الإسلام والغرب . عرفنا من جولات التصعيد السابقة في هذه المواجهة أن دوافعها لم تتغير، وإن تغيرت الأولويات والتراتيب . عرفنا أن تعثر تسوية الصراع العربي “الإسرائيلي” واستمرار الضغوط على الفلسطينيين ومواقف الغرب المنحازة ل”إسرائيل” كانت سبباً أول، وعرفنا أن تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في معظم البلاد الإسلامية واتساع فجوة الرخاء كانت سبباً، وعرفنا أيضاً أن ثورات الاتصالات والتكنولوجيا والعولمة عموماً كانت من العوامل المساعدة على تصعيد التوتر بين الإسلام والغرب، ناهيك عن صعود اليمين المتطرف في أمريكا وبريطانيا والغرب عموماً ودوره في الإعداد لحربي أفغانستان والعراق، ودوره ودور الأخطبوط الإعلامي الصهيوني في تشويه صورة الإسلام وإثارة قضية الأقليات المسلمة في أوروبا وأمريكا .

 

كان الظن، لبعض الوقت، أن وصول أوباما الرجل المتهم هناك بأنه نصف مسلم، ومتهم لدى البعض هنا بأنه نصف مسيحي، سوف يمنع الوصول إلى هذا المأزق حين اتخذ بالفعل موقفاً ضد تعذيب الإسلاميين في السجون الأمريكية، وحين خاطب مسلمي العالم من القاهرة في رسالة بدت ذكية وصادقة، وحين أعلن نهاية الحرب ضد الإرهاب . يبدو الأمر الآن كما لو كانت كل هذه الإنجازات وقعت منذ زمن بعيد، قبل أن ينهض اليمين المتطرف الأمريكي من جديد ويتصدى إعلامياً وسياسياً لسياسات باراك أوباما ويشعلها ناراً حامية ضد المسلمين في أمريكا والغرب، وقبل أن يتجرأ بنيامين نتنياهو وجماعته على إهانة الرئيس الأمريكي والإساءة إلى صورته أمام الشعوب العربية، بل وشعوب العالم أجمع .

 

مرة أخرى أقول: أخشى أن تتحالف هذه المآزق مع مطلع العام الجديد فتتوقف مسيرة التغيير وتتهابط التوقعات في سلام عالمي طويل، ويستعيد العالم ذاكرته عن أمريكا جورج بوش وأمريكا القبيحة وأمريكا المتهورة .

==========================

مهمة أوروبا

الغارديان

بقلم: نك كليغ..زعيم الحزب الديمقراطي

ترجمة

الخميس 31-12-2009

ترجمة: ليندا سكوتي

الثورة

في السابع والعشرين من كانون الأول الفائت، نفذت إسرائيل على غزة عملية عسكرية شرسة أطلقت عليها اسم «الرصاص المصهور» مدعية بأنها تستهدف منها وقف إطلاق الصواريخ المسببة للذعر والهلع لسكان القرى والبلدات الإسرائيلية.

وقد أصبح معلوما لدى الجميع نتائج هذا الغزو وما أسفر عنه من مقتل 1400 فلسطيني معظمهم من المدنيين، وأعداد كبيرة من الجرحى والمشردين يقابل ذلك مقتل 10 من الجنود الإسرائيليين وثلاثة مدنيين وعشرات الجرحى، واضطرار الكثير من العائلات الإسرائيلية الفرار من جنوب البلاد إلى مواقع أخرى أكثر أمنا. ولكن على الرغم من انحسار وقلة الصواريخ المنطلقة من غزة على المدن الإسرائيلية إلا أنها لم تتوقف بشكل تام ومازال لدى حماس الإمكانية لإطلاقها.‏

ذلك ما يعلمه الجميع سواء في فلسطين أو إسرائيل أو العالم، لكن الأمر الذي يجهله الكثير هو ما تعانيه غزة من أزمة إنسانية، حيث شكلت عملية الرصاص المصهور كابوسا يقض مضجع مليون ونصف المليون فلسطيني يعيشون محاصرين في رقعة صغيرة من الأرض تعتبر الأكثر كثافة على وجه البسيطة. وطالما بقيت إسرائيل ومصر تمارسان الحصار على غزة فإن البؤس سيبقى ملقيا بكاهله على هذا الشعب.‏

إن ما ذكرناه آنفا أمر مروع فعلا بحق الإنسانية، وليس من مصلحة إسرائيل ومصر استمراره لأن حجر السكان في رقعة صغيرة من الأرض لن يؤدي إلا لمزيد من الألم والغضب والرديكالية في نفوسهم.‏

يتبادر إلى ذهننا سؤال عما فعلته الحكومة البريطانية والأسرة الدولية من أجل رفع الحصار القائم؟ ونجيب أنفسنا بعبارة «لا شيء». لقد صدر الكثير من التصريحات الرنانة بشأن الحصار، لكننا لم نشهد ممارسة أي ضغط حقيقي لإنهائه. وإنه لعار على المجتمع الدولي ان يقف مكتوف الأيدي إزاء ما يحصل في هذه البقعة من الأرض. بل ثمة دور سلبي يقوم به بعض الحكومات والدبلوماسيين يحذر من ممارسة الضغوط على إسرائيل لأنها قد تقود إلى تعقيد وعرقلة عملية السلام. لكننا نرى أن نتائج استمرار الحصار سيكون أخطر بكثير، إذ كيف سيتحقق السلام في ظل ما نشهده من تدن في المستوى الصحي، وزيادة نسبة الوفيات، وتزايد عدد المصابين بالأمراض العصبية والنفسية وسوء التغذية؟‏

تجابه عملية السلام عوائق عديدة تتمثل بما تنفذه السياسة الإسرائيلية من مناورات ونشاط استيطاني غير شرعي في الضفة الغربية، وبالانقسام الذي نشهده في الإدارة الفلسطينية وتفككها، لذلك سيكون حل الدولتين (الذي يعتبر الحجر الأساس لأي اتفاقية سلام) من الأمور المشكوك في تحقيقها.‏

إن الشلل الذي أصيبت به عملية السلام لا يبرر بأي شكل من الأشكال المعاملة غير الإنسانية التي يلقاها مليون ونصف المليون فلسطيني معظمهم تقل أعمارهم عن الثامنة عشرة. كما أنه لن يكون ثمة تعايش سلمي بين الطرفين طالما بقي الحصار مستمرا على هذا المجتمع.‏

في الآونة الأخيرة تسرب تقرير عن مكتب المنسق الإنساني للأمم المتحدة أشير به إلى تدهور الأوضاع في غزة ما سيفضي إلى انهيار كامل في البنية التحتية. وصدرت تقارير عن منظمات أخرى ومجموعات حقوق الإنسان تشير إلى وقائع أكثر هولا.‏

لقد دمرت الحرب الكثير من بيوت الفلسطينيين، وهي الآن تحظر إدخال مواد البناء، الأمر الذي يعني بقاء ما دمر على حاله. وتركت العيادات والمشافي العامة التي دمرها الغزو دون إعادة بنائها، الأمر الذي جعل المرضى يبذلون مساعيهم للسفر الى خارج البلاد، حيث مات الكثير وهم ينتظرون السماح لهم بالسفر، وأصبح الأطفال يعيشون في كوابيس تقض مضاجعهم.‏

إن نصف الشبان الذين تقل أعمارهم عن ثلاثين عاما يعانون من البطالة بسبب الحصار الذي يعيشونه دون أن يكون لديهم بصيص أمل في تحسن هذا الاقتصاد المنهار. وقد أثر الحصار على صيادي الأسماك من أهالي غزة، إذ أنهم لا يستطيعون تجاوز ثلاثة أميال عن الساحل، الأمر الذي يقود بهم إلى الفقر، يضاف إلى ذلك ما يعانيه السكان من انصباب أكثر من 80 ألف ليتر من مياه المجاري والصرف الصحي يوميا في البحر.‏

يشعر أهالي غزة بالقلق والخوف بسبب عدم حصولهم على التراخيص اللازمة لإدخال مواد تستخدم لإصلاح البنية التحتية للمياه، الأمر الذي جعل 90 الى 95% من مياه غزة غير مطابقة للمعايير الدولية حيث ترتفع بها نسبة النترات مما يلحق خطر التسمم بالأطفال الرضع.‏

وعلى الرغم مما ذكرناه آنفا، تصر بعض الدول على عدم وصول المساعدات إلى سكان غزة عبر حماس، حتى ولو بشكل غير مباشر، الأمر الذي يقود إلى عدم القدرة على القيام بإصلاح المنشآت المائية والصحية اللازمة للمدارس.‏

إزاء ما ذكر، ثمة حاجة أخلاقية لإسرائيل لإنهاء الحصار، وهي على علم تام بأن تغيير هذا الواقع سيصب في مصلحتها، لكن من الأمور المؤسفة أن عدم قيامها بهذا التصرف بإرادتها فإن المجتمع الدولي عاجز عن فرض هذا الأمر عليهما.‏

لا ريب بأن للاتحاد الأوروبي قدرة التأثير على الاقتصاد الإسرائيلي، وهو يرغب في رفع الحصار، لكننا نجده يقتصر بضغوطه على حماس في الوقت الذي يتعين عليه أيضا أن يقوم بعمل مماثل على إسرائيل ويبين لها أن زيادة التمويل، وتحسين المنتجات الزراعية وغيرها من أمور ستكون موضعا لإعادة النظر في حال عدم حصول تقدم سريع في هذا المضمار. كما أنه باعتبار الولايات المتحدة المانح الأكبر للمساعدات الى مصر فإنه بإمكانها الضغط عليها للسماح بمرور المواد الإنسانية ومواد إعادة الإعمار التي تحتاج إليها.‏

نتساءل الآن ماذا سيكون وضع مياه الشرب في غزة في شهر كانون الأول القادم؟ وكيف سيكون الواقع الصحي للأطفال فيها ؟ وماذا سيكون موقف سكانها ؟ لا ريب أن مخاطر الانتظار لعام آخر ستكون مخيفة، الأمر الذي يتعين به على غوردن براون والمجتمع الدولي الإعلان عن الاكتفاء بما حصل وضرورة رفع الحصار.‏

==========================

أسرار أم أكاذيب

الرأي الادرنية

31-12-2009

عكيفا الدار -عندما امتشق بنيامين نتنياهو من الماضي حكومة الوحدة الاولى، التي نشأت عشية حرب الايام الستة، تساءل الوزراء اذا كان ينبغي اعداد الملاجىء. عندما انضم مناحيم بيغن الى حكومة اشكول في فترة الانتظار، دعت النكتة الاكثر انتشارا آخر من يغادر البلاد بأن يطفىء الاضواء.

النشر في هآرتس، عن تقرير يوسي بيلين أول أمس لادارة ميرتس، اضاء قليلا عيون الوزراء. حسب بيلين، الذي تثير مصادره حسد كل مراسل سياسي، وافق نتنياهو على ان تقوم المفاوضات مع الفلسطينيين على اساس حدود 67.

هذا هو احد العواميد الفقارية لوثيقة المبادىء التي يفترض بجورج ميتشيل ان يعرضها في اثناء زيارته الى المنطقة بعد اقل من اسبوعين.

نتنياهو غير معني بتوسيع حكومته، لان حربا جديدة تهدد سلامة مواطني اسرائيل، رئيس الوزراء يخشى من تهديد مسيرة سياسية على وحدة حكومته.

وهو يحتاج الى كاديما كي يملأ الصفوف التي ستفرغ عقب ترك الشركاء من اسرائيل بيتنا والاتحاد الوطني وربما ايضا بعض اعضاء من الليكود.

نتنياهو يريد لفني في الداخل كي لا تستغل تفكك الائتلاف وتدفعه الى خارج مكتب رئيس الوزراء بسبب انعدام ثقة اساس بين الاثنين، يحذر بيبي من الكشف امامها لتفاصيل التفاهمات التي تبلورت بينه وبين ادارة اوباما. وقد اكتفى باعلان ولاء عام تجاه خطاب بار ايلان. من يدري، لفني من شأنها ان تستأنف من خلف ظهره التحالف القديم مع افيغدور ليبرمان.

اقتراح نتنياهو، بأن تكتفي الكتلة الاكبر في الكنيست بحفنة مناصب لوزراء بلا وزارات، لم يكن عفنا كما تدعي النائبة داليا ايتسك من الفارين من حزب العمل الى كاديما. نتنياهو ليس سخيفا. فهو يعرف انه لا يمكن ان يحتفظ في الحكومة بحزب من 28 نائبا دون حقائب ثقيلة. وزاراتا الخارجية، الامن الداخلي والقاب مبجلة مثل النائب الاول ونائب رئيس الوزراء - توجد الان في ايدي وزراء من اليمين المتطرف - كانت (وربما لا تزال) محفوظة لكبار كاديما. وهي ستنتظر حتى الساعة الخامسة بعد اختراق المسيرة السلمية. وهل سيكون لهم الى أين يذهبون؟ لعل كل هذه القصة ليست سرا مكتوبا بل كذبة مكشوفة.

من سلعيت حتى بلعين

صحيح حتى صباح أمس، كان للخطوة السياسية الجديدة ايضا طرف فلسطيني، بدونه، بقدر ما هو معروف، من الصعب صنع السلام. ومثير للاهتمام ان نعرف كيف سيؤثر النبأ عن العطاءات الجديدة للبناء في شرقي القدس على موقف محمود عباس. وكم ضفدعا يمكن لرئيس السلطة ان يبتلع في الطريق الى طاولة مفاوضات اخرى مع لائحة طعام في غاية الغموض. فقد تعلم بأنه حتى عندما يوقع الاسرائيليون على وثيقة، فليس مؤكدا ان يحترموا توقيعهم.

خذوا مثلا خريطة الطريق التي تبنتها حكومة اسرائيل في 2003. مكتوب هناك بالكلمات الاكثر صراحة، بأنها ملزمة بأن تفكك على الفور كل البؤر الاستيطانية التي اقيمت منذ آذار 2001. لا حاجة الى الاقمار الصناعية للتجسس كي يتبين المرء ان هذه البؤر الاستيطانية ليس فقط لا تزال على حالها - كل مسافر على طريق الغور يمكنه ان يرى يافطة تفعم العيون، تلوح في مداخل بؤرة جيفعات سلعيت. مكتوب هناك بأن البلدة اقيمت لذكرى سلعيت شتريت، التي قتلت في ايلول 2001. وبعد ذلك مكتوب أنه أعد لجفعات سلعيت وأقر بشكل مبدئي مخطط هيكلي، بموجبه يمكن الشروع بتخطيط وتنفيذ اعمال بنية تحتية ل 18 قطعة أرض.

وأفاد مصدر أمني أمس بأن السلطات بدأت باجراءات ضد البؤرة الاستيطانية. وجاء من الادارة المدنية بأن المراقبين سيصلون أيضا الى البؤر الاستيطانية غير القانونية. وهم سيسلمون أمر التجميد ايضا للبيت الجديد الآخذ في البناء هذه الايام تماما في بؤرة ميغرون الاستيطانية.

اي مفعول يوجد لامر وقف العمل الذي يتناول بيتا غير قانوني، أقيم في قلب بلدة غير قانونية، على ارض خاصة للفلسطينيين؟ وزير الدفاع ايهود باراك اعلن قبل عدة اشهر لمحكمة العدل العليا بأنه يعتزم أن أقيم لمستوطني ميغرون حيا خاصا بهم قرب مستوطنة ادام. وكي لا يأمر القضاة باخلاء البؤرة الاستيطانية على الفور، تعهد الوزير بايداع المخططات للموقع الجديد حتى نهاية آب الماضي. المخططات لم توضع وفي هذه الاثناء تقرر تجميد البناء في المستوطنات. وبوسع باراك ان يدعي الان انه بسبب التجميد ليس لمستوطني ميغرون الى اين يذهبون، وبسبب النمو الطبيعي فانهم ملزمون بأن يوسعوا البؤرة الاستيطانية.

باراك تعلم بأن الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط يمكنها ايضا ان تستخف بالمحكمة العليا. خذوا مثلا امر المحكمة العليا في ايلول 2007 بالنظر في وقت معقول في مسار اكثر نزاهة للجدار، الذي يسلب الاراضي من قرية بلعين في صالح مستوطنة مودعين عليت. في نهاية 2008 اعلنت الرئيسة دوريت بينيش بأن البديل الذي تم فحصه لا يناسب قرار المحكمة وأمرت الدولة بتفكيك الجدار دون مماطلة اخرى. 2009 توشك على الانتهاء هذا الاسبوع، وفضلا عن مظاهرة اخرى ومصابين اخرين من اجل بلعين، لا جديد على الجدار.

الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي يفيد بأنه في ايلول تقرر رفض كل الملاحظات على المسار الجديد وبالتالي لا يوجد مانع قانوني من تعديله.

متى؟ في نية جهاز الامن البدء في اقامة مسار الجدار المعدل في اثناء 2010. المحامي ميخائيل سفراد الذي يمثل سكان بلعين، يقول ان الجيش الاسرائيلي لم يستوعب المبنى الدستوري لدولة اسرائيل. وحسب أقواله، فمن يعتقد بأن من حقه ان يبدأ في تنفيذ قرار من ايلول 2007 في اثناء 2010 يبصق في وجه المحكمة العليا.

هآرتس

==========================

المستنقع الايراني

خليل قنديل

الدستور

31-12-2009

هي الثورة الايرانية ذاتها تلك التي ايقظت الشارع الايراني وجعلت الشاه يتنازل عن عرشه "الشاهنشاهي" وتستدعي قائدها اية الله الخميني من منفاه الباريسي وتبدأ بالعمل على اقامة دولة اسلامية تأتمر بولاية الفقيه والحوزات والمرجعيات الصارمة.

 

هي الثورة الايرانية التي عملت تعظيم قوى الشعب الايراني وجعتله يتقدم بالتصنيع العسكري المتفوق في المنطقة والبدء بالعمل على صناعة منظومة نووية قادرة على ان تحول ايران الى لاعب رئيس في المنطقة.

 

وهي الثورة الايرانية التي بدأت قوتها الاقليمية تتعاظم من خلاله لتصبح المعادل الرئيس في ازمة الشرق الاوسط والبحث عن السلام العادل وفي أمن الخليج وفي كنز المجاورة للحدود الافغانية وفي التحكم من خلال خلاياها النائمة في العراق بشكل الحكم والدستور القادم الى العراق وانتخاباته البرلمانية القادمة.

 

هي الثورة الاسلامية التي كانت تملك كل هذه المعطيات التي تؤهلها كقوة اقليمية في المنطقة وبدأ دورها بالتراجع مع نهوض الحركة الاصلاحية في ايران بقيادة مير موسوي حيث يمكن لهذا الزلازل الداخلي الذي اخذ يشكك بولاية الفقيه وبتزوير الانتخابات بفارق ملايين من الاصوات لصالح الرئيس محمود احمدي نجاد.

 

نعم ان الثورة الاصلاح التي سميت حين نهضت بالثورة المخملية لم تعد قوة ناعمة او مخملية كما يحلو للمنظرين في السياسة تسميتها ليست ثورة رخوة او رجراجة بل هي ثورة بدأت تقدم قرابينها الثورية من خلال المظاهرات اليومية في العاصمة طهران وباقي المدن الايرانية.

 

ان الحركة الاصلاحية الايرنية هي التي بدأت تكشف عن الوجه البشع لثورة الملالي والعمائم وهي تقوم باجراءات تعسفية حين تعطي المنصة الخطابية للرئيس الايراني نجاد كي يقول مخاطباً جماهيره المحافظة :إن الثورة ستقوم بتكسير ارجل المعارضين او حين يتوعد رجال الحرس الثوري بسطاء المعارضة الاصلاحيين بالقتل والشنق. او حين ترتعب ثورة بهذا الحجم التاريخي من مراسيم عزاء تقام على روح الثائر الاول ورفيق الراحل الامام الخميني اية الله منتظري.

 

ان على الثورة الايرانية وهي التي بدأت بقطاف جهودها الثورية في ايران وجعل ايران تملك دورها الاقليمي في المنطقة ان تتريث قليلاً في تعاملها مع الحركة الاصلاحية الناهضة وان لا تعمل على نظرية الثورة التي تأكل الابناء.

 

على المطبخ السياسي الايران ان يهدأ قليلاً في تعامله مع الحركة الاصلاحية الناهضة وان يتحلى بالحكمة لان الحالة ان تعاظمت فانها ستوقع ايران في مستنقع لا يقل عن المستنقع الافغاني او العراقي او حتى الصومالي.

==========================

"لا أرى سلاماً بين سوريا واسرائيل"

سركيس نعوم

sarkis.naoum@annahar.com.lb

النهار 31-12-2009

عن سوريا والسلام مع اسرائيل تحدث المسؤول الاول عن مركز ابحاث اميركي عريق وربما غير محايد في قضايا الشرق الأوسط. قال: "لا أرى سلاماً". هل ترى مفاوضات؟ سألت. أجاب: "قد أرى مفاوضات سورية – اسرائيلية. لكني لا ارى نتائج لها اذا أصرّ السوريون على تحقيق كل الأهداف التي وضعها حافظ الأسد اثناء تفاوضه مع اسرائيل. أولاً، الظروف تغيرت. ولماذا ترفض سوريا التفاوض مباشرة مع اسرائيل رغم انها قبلته ومارسته سنوات قبل نحو 18 سنة؟ ثانياً، معادلة الأرض في مقابل السلام لم تعد تقنع أحداً داخل اسرائيل الشعب وليس فقط اسرائيل الحكومة. الاسرائيلي مقتنع بان الوضع على حدود دولته مع سوريا لا يفرض عليه التخلي عن الجولان أي اعادته اليها. هناك تعهد بين الدولتين لإبقاء الحدود هادئة، ولا أحد ينقضه. وسوريا "ضعيفة اليد". واذا حاولت ان تقوي نفسها، كما فعلت عندما بدأت بناء مفاعل نووي سراً في منطقة "الكِبَر" ستضربها اسرائيل أو بالأحرى ستضرب ما تحاول بواسطته تعزيز قوتها. ليس هناك داخل الرأي العام الاسرائيلي والحكومة والاحزاب من يقبل اعادة الجولان الى سوريا اذا لم تنفذ عملية اعادة اصطفاف (Realignement) استراتيجي كامل. أي لم يعد يكفي قبولها وجود اسرائيل وتوقيع سلام معها يشتمل على تطبيع الشراكة في المياه. هناك قضايا جديدة ابرزها "حزب الله" و"حماس". طبعاً تعرف انه ليس مطلوباً من سوريا ان تحارب ايران وحلفاءها. لكن عليها ان تعيد تموضعها وان تتخذ مواقف من شأنها حماية السلام مع اسرائيل واقناع شعب اسرائيل به". هل يريد بنيامين نتنياهو سلاماً؟ هل هو رجل سلام؟ سألت. أجاب: "تقصد مع الفلسطينيين؟". أجبت: نعم. قال: "في اعتقادي ان التسوية أو الصفقة (Deal) ممكنة معه. كان يجب خفض الطموحات والتوقعات. أولاً، عند اميركا، مثل وقف الاستيطان أو تجميده والذي أعلنه الرئيس أوباما بعد تمسكه بحل الدولتين والقضايا النهائية لهذا الحل. وثانياً، عند العرب، الذين يريدون كما اظهرت "مبادرتهم السلمية" التي انطلقت اساساً من السعودية كل شيء "محلوقاً ومنتوفاً" من دون ان يفعلوا شيئاً أو يقدموا شيئاً. يجب ان يعرفوا ان هناك موضوعات لا يستطيع "بيبي" (نتنياهو) ان يفعلها، كأن يقرر مصير القدس، أي تقسيمها. ولا يستطيع اتخاذ قرار ب"عودة اللاجئين" أو "لاجئين" أو موقف الاستيطان كاملاً. أخذ أوباما من "بيبي" 95 في المئة من الذي طلبه منه. كان يجب ان ينطلق من ذلك لبدء المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين. لكنه لم يفعل. وأحد غيره لم يفعل أيضاً. حاولت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية. لكن محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية كان صعد الى الشجرة بايحاء غير مباشر من اوباما وصار في حاجة الى من ينزله منها، وليس هناك أحد لينزله منها. الممكن مثلاً في حال كهذه هو انسحاب اسرائيلي جزئي من بعض اراضي الضفة الغربية، وخفض عدد الحواجز العسكرية، وبناء دولة فلسطينية (State hood) واعلانها، أي بناء أجهزتها واداراتها، وهو تنمية الضفة الغربية. بنيامين نتنياهو مفاوض سيئ. في النهاية تحصل على الكثير في المفاوضات. لكنه في الموضوع المصيري أي القدس لا يستطيع ان يعالجه، والمقصود هنا ان "يفرّط به". لنعد الى لبنان ومسيحييه والى انقساماتهم وتعامل الاطراف المسلمين معهم"، قال. شرحت له هذه الأوضاع كلها ثم سألته: سمعنا في واشنطن أحاديث كثيرة ان بعض اللبنانيين، وهم أفراد لا ينتمون الى جهات حزبية، يثيرون في دوائرها موضوع الفيديرالية في لبنان. هل هذا صحيح؟ أجاب المسؤول الأول نفسه عن مركز الابحاث الاميركي العريق وربما غير المحايد: "كنت سأسألك عن هذا الموضوع. يُقال ان بعض المسيحيين يؤيدون الفيديرالية". علّقت: هذا صحيح. علماً انهم يطرحونها انطلاقاً من لامركزية ادارية موسعة نص عليها اتفاق الطائف. لكن هذا الأمر لا يمشي في رأيي، لأن المسلمين سنة وشيعة لا يؤيدونه، ولأن المسيحيين لا يستطيعون فرضه. لقد ضعفوا كثيراً، كي لا نقول أكثر. هل توجه اسرائيل ضربة عسكرية الى ايران؟ سألت. أجاب: "ليس في الأشهر الستة المقبلة". يعني ذلك ان الخيار العسكري عند اسرائيل لا يزال على الطاولة؟ سألت. أجاب: "نعم. ونحكي عن ذلك في رحلتك السنوية الثانية لواشنطن".

ماذا قال عن لبنان موظف سابق وباحث حالي ناشط في الموضوع اللبناني وصاحب وجهات نظر مختلفة عن كثيرين من أقرانه الاميركيين؟ قال بايجاز وباختصار شديد: "اقول لماذا تركزون هنا في واشنطن فقط على "حزب الله" وتطالبونه بفعل الكثير من الامور ولا تطالبون اسرائيل بوقف انتهاكاتها لسيادة لبنان وللقرارات الدولية وآخرها الذي يحمل الرقم 1701؟ لماذا لا تنزعون الحجج والذرائع من "حزب الله"؟ اذا ضربت اسرائيل لبنان عسكرياً فانها ستدمر الضاحية الجنوبية للعاصمة والجنوب وربما البقاع لكنها لن تهزم "حزب الله" الذي سينتقل، أو قد ينتقل بمقاتليه وشعبه الى المناطق المسيحية. ثم ماذا قد يحصل بعد ذلك؟ الحل في لبنان ينجز باعطاء طائفة اساسية أكثرية هي الشيعة حقها الذي لم يعطها اياه اتفاق الطائف. الشيعة محرومون أو كانوا محرومين، من اموال مغتربيهم في افريقيا عمّروا مناطقهم قبل التدمير وبعده". علّقت معك حق. لكن لا تنسَ ان المال الايراني ومال الدولة اللبنانية عبر الرئيس بري و"مجلسه" ثم الأموال العربية كلها كان لها دور في اعمار الجنوب والمناطق الشيعية عموماً.

ماذا عن التسوية السلمية بين سوريا واسرائيل، والفلسطينيين واسرائيل في جعبة ناشط اميركي غير رسمي داخل واشنطن، وعلى خط دمشق – واشنطن، وناشط اميركي آخر لكن من أصل عربي على الخط نفسه؟

==========================

طريق

بوعز اوكون

31/12/2009

القدس العربي

توصلت المحكمة الى النتيجة المنطقة الوحيدة. حظر حركة الفلسطينيين على طريق 443 لاغ. القرار شجاع، ولكن التعليل من شأنه أن يستدعي سوء الفهم. بدلا من الاعلان بأن نظام الفصل على الطرق هو مرفوض من أساسه، تقرر أن الحظر على حركة الفلسطينيين على الطريق، الذي شق على اراض اخذت منهم، تمت في ظل انعدام الصلاحية من جانب الجيش.

تقرر أيضا بان الحظر الجارف والشامل على حركة الفلسطينيين هو غير متوازن. ولكن من يجتهد من شأنه ان يفهم من بين السطور بان حلا آخر من الفصل، مثلا اعطاء تراخيص حركة لبعض الفلسطينيين هو أمر ممكن.

عمليا، كل فصل بالنسبة للحركة على طريق ما هو نوع من شبه الابرتهايد على النمط الاسرائيلي، الذي يتبلور تماما امام نافذتنا. الادعاء بان الفصل هو بين مواطنين اسرائيليين وبين سكان فلسطينيين، وبالتالي فان هذا ليس فصلا عرقيا، لا يصمد امام المنطق. الفصل هو بين اليهود من سكان المناطق ممن يتحركون بحرية على الطريق وبين العرب من سكان المناطق المحظور حركتهم فيه.

حان الوقت للقول ان نظام الفصل في المناطق هو نظام مرفوض من اساسه. هذه النتيجة واجبة بفعل قانون حظر التمييز في الاماكن العامة، الذي يحظر التمييز في منح الدخول الى مكان عام بسبب العرق، الدين، القومية، المكانة الشخصية وغيرها. نحن نعرف هذا القانون لانه يمارس هنا وهناك في اسرائيل، ولاسيما عندما يمنع بعض الانتقائيين دخول ابناء طوائف مختلفة الى نواديهم. منطق هذا القانون يجب أن ينطبق ايضا على طريق 443، إذ أن المسؤولين عن تشغيله هم اسرائيليون. بهذه الروح يجب التعاطي مع الاقوال المهمة للغاية التي اطلقتها القاضية بينش في قرار المحكمة. فقد أشارت الى الخطر الذي ينطوي عليه 'الفصل المطلق بين فئات سكانية مختلفة في استخدام الطرق' بشكل يثير 'احساسا بعدم المساواة بل وبتداعيات لدوافع مرفوضة'. ولكنها كمن خافت من الحقيقة المريرة، التي تنم عنها اقوالها، حذرت من الاستخدام بكلمة ابرتهايد. 'ليس كل تمييز مرفوض هو أبرتهايد'، قالت القاضية بينش، وذلك لان الابرتهايد يعبر عن 'سياسة فصل عرقي وتمييز على اساس العرق والقومية، يستند الى سلسلة ممارسات مميزة هدفها خلق تفوق لابناء عرق معين وقمع ابناء الاعراق الاخرى'. وعليه فان الفصل الذي يقوم على اساس خطوات الامن المتخذة ضد الهجمات الارهابية ليس ابرتهايد.

ولكن هذه بالضبط هي المشكلة. الابرتهايد اليوم لم يعد يأتي بمغلف فظ يتضمن اعلانا صريحا عن تفوق او عن قمع. فهو يقبع هناك في مكان ما تحت السطح ويزحف ببطء ذكي وداهية الى السطح، حيث تنبت الى جانبه كل الاراء المسبقة ومسموح الحديث عن 'مظهر عربوشي' او الشرح من أين تأتي الزواني. طريق 443 هو فقط مثال واحد على ممارسات التمييز في المناطق التي هي جزء من سياسة منهاجية ومعلنة لاحلال قانون واحد على اليهود وقانون آخر على العرب. هذا لا يتعلق بالحرب ضد الارهاب، بل بالسياسة التي تفضل مصلحة اليهودي في المناطق في مجال الماء، الاراضي وما شابه.

لا احد يحب ان يسمع بان دولته هي تقريبا مثل جنوب افريقيا، او باتت تشبهها. على الرغم من ذلك يجب الحذر. دول الابرتهايد تتشكل رويدا رويدا وتميل الى الانهيار دفعة واحدة. وعندما تفعل ذلك فان هذا يحصل من دون مؤشرات مسبقة، مثل انهيار السقف في قاعات فرساي أو مثل الدمى التي تقطع خيوطها فجأة.

يديعوت 30/12/2009

=====================

الإخوة الأحبة الكرام في الجماعة الإسلامية في لبنان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ، فقد قرأتُ هذا اليوم خبرَ اختيارِ الأخِ الحبيبِ الجليل إبراهيم المصري أميناً عاماً للجماعة الإسلامية في لبنان خلَفاً للأخِ الحبيبِ الجليل فيصل المولوي عافاه الله وشفاه ، فأحببتُ أن أشارككم في تحيةِ الأخِ العالم العامل القائدِ البصيرِ الحكيم فيصل المولوي ، وشكرِه على ما قدّمَ للجماعة وللإسلام والمسلمين من جليل الخدمات ، جزاه الله تعالى عن ذلك كلِّه أحسنَ الجزاء ؛ وأن أهنّئكم جميعاً ، وأهنِّئ سائرَ الغيورين على الإسلامِ والأمّةِ والبلاد ، بحسنِ اختيارِ الأمينِ العامِّ الجديدِ في اللقَب ، القديمِ في الممارسةِ والعمل ..

لقد عرفتُ الأخَ الحبيبَ الجليل إبراهيم المصري من شبابِه الأوَّلِ إلى كهولتِه وشيخوختِه المباركة - إن جازَ أن نصفَه بالشيخوخةِ وهو في مثل يقظتِه ووعيِه ، وعملِه ودَأْبِه ، وعطائِه وبَذْلِه ، وطاقتِه وقدرتِه- عرفتُه في دمشق وهو فتىً يزورنا مع بعض إخوانه في دمشق قبل تأسيسِ الجماعةِ الإسلامية ، وعرفتُه في لبنان خلالَ إقامتي في لبنان ، وتابعتُ عملَه وعمل إخوانه في ظروفٍ من أدقِّ الظروفِ وأخطرِ الظروف وأنا في الغرب ، فما رأيت فيه - ولا أُزكّي على اللهِ أحداً - إلاّ الصدقَ والاستقامةَ ، والبذلَ والتضحيةَ ، والسدادَ في القولِ والعمل ، والثباتَ في السرّاءِ والضرّاءِ على طريقِ الحقّ ، وما شِئْتُم من سَعَةِ صَدْرٍ ، وفَيْضِ حُبٍّ ، وكرمِ خلُقٍ ، ومضاءِ عزم .. مما يجعلنا مطمئنينَ إلى أنَّ الجماعةَ الإسلاميةَ في لبنان ستتابع - إن شاء الله - به وبسائر إخوانه معه نموَّها وتطوَّرها ، وكفاحَها المستمرّ للارتفاع المستمرّ إلى مستوى رسالتها ومهمتها

وأودُّ أن أقولَ أيضاً لإخوتنا الأحبةِ الكرام في الجماعةِ الإسلامية في لبنان :

لقد كانت جماعتكم منذ نشأتها أملاً عزيزاً للمسلمين في لبنان وخارجَ لبنان ، وهي الآن أملٌ أكبر ، وضرورةٌ أكبر ، وواجبٌ أكبر ، من أجل لبنانَ كلِّ لبنان ، ومن أجل العرب والمسلمين ، ومن أجلِ الإنسانِ وقيمهِ العُلْيا ، حيثما كان من الأرض

أسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يكون معكم بالرعاية والحمايةِ والعونِ والسداد ، وأن يُحقِّق بكم الآمالَ الكبار

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاثنين 11 محرم 1431ﻫ

أخوكم

عصام العطار

 28/12/2009م

http://www.iid-alraid.de

==================

من المسألة اليهودية .. إلى المسألة الصهيونية

سمير كرم

السفير 26/12/2009

لا يستطيع المرء أن يعرف اذا كان ليبرمان يصدق نفسه في ما يقول، وهو الذي يرأس وزارة الخارجية في دولة تتولى في هذا الوقت بالذات تجريد الشعب الفلسطيني من هويته ومن حقه في الوجود

وفي دولة مستقلة ذات سيادة وقادرة على البقاء ... بل حقه في أن يعيش على أرضه في سلام، حيث يجد الموطن والمأوى والحرية وحيث يؤسس النظام السياسي الذي يريد.

إنه في الحقيقة يتحدث عن «المسألة الصهيونية» لا عن «المسألة اليهودية». وأقصى ما تتمناه إسرائيل وأنصارها اليوم هو أن لا يعي العالم أبدا وجود أي فرق بين المسألة اليهودية والمسألة الصهيونية..

بين العداء للسامية والعداء للصهيونية. ذلك أن الوجه الحقيقي للعقيدة الصهيونية يتضح أكثر فأكثر أمام العالم باعتبار هذه النزعة العنصرية التي أرادت أن تكون دولة إسرائيل دولة للصهيونية تعادي كل من يمكن أن تتعارض عقائده أو مفاهيمه أو مصالحه مع هذه الدولة حتى وهي تتبنى أسوأ أساليب الفاشية ضد الفلسطينيين.

عقد في إسرائيل مؤخرا مؤتمر حول العداء للسامية. أمر عادي ومتوقع في أي وقت في إسرائيل.

وكان المتحدث الرئيسي في المؤتمر أفيغدور ليبرمان وزير الخارجية الاسرائيلي. وهذا أيضا أمر عادي ومتوقع .. فليس في إسرائيل أصلح من ليبرمان لإطلاق المفاهيم المغلوطة والخاطئة ومتابعتها بإطلاق التحذيرات والإنذارات ضد «المعادين للسامية» ... وبصفة خاصة ضد اليهود الذين يعدون من وجهة نظر صهيونية بحتة يهوداً معادين للسامية.

إن المقصود بالعداء للسامية عندما يكون موضوعاً للنقاش أو البحث الرسمي في إسرائيل هو التجرؤ على انتقاد إسرائيل وسياساتها وقادتها وخططها وهجماتها، في أي مجال كان هذا النقد موجهاً.

كانت فرصة للوزير اليميني المتطرف ليعلن «أن نوعا جديدا من العداء للسامية موجه الآن الى إسرائيل بهدف تقويضها، وبالمثل بهدف بث العداء ضد الشعب اليهودي». وعزا ليبرمان ظهور هذا النوع الجديد من العداء للسامية الى عام 2001 وتحديدا الى مؤتمر ديربان (جنوب افريقيا) لمناهضة العنصرية. اذ كان المؤتمر قد أدان بعبارات واضحة صريحة إسرائيل «في ذروة صراع دموي بين إسرائيل والفلسطينيين». وأضاف ليبرمان انه «لا أمة مستقلة أخرى في العالم يوضع حقها في الوجود بصفة مستمرة موضع الشك مثلما يوضع حق إسرائيل».

وبينما لم يشر ليبرمان الى دور جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في حربها على غزة كسبب لظهور العداء للسامية في صورته الجديدة، فإنه زاد جرعة المبالغة ليقول «إن الناس الذين يقفون وراء هذا الهجوم العالمي ضد إسرائيل قد تجاوزوا الحدود. إنهم يسعون الى تدمير الدولة اليهودية ونزع حق الشعب اليهودي في أن يعرّف نفسه».

لا يستطيع المرء أن يعرف اذا كان ليبرمان يصدق نفسه في ما يقول، وهو الذي يرأس وزارة الخارجية في دولة تتولى في هذا الوقت بالذات تجريد الشعب الفلسطيني من هويته ومن حقه في الوجود وفي دولة مستقلة ذات سيادة وقادرة على البقاء ... بل حقه في أن يعيش على أرضه في سلام، حيث يجد الموطن والمأوى والحرية وحيث يؤسس النظام السياسي الذي يريد.

لا يستطيع المرء أن يعرف اذا كان ليبرمان يصدق نفسه حين يردد هذه الأكاذيب القديمة وهو الذي يدرك تماما أن اليهود في إسرائيل أو حيثما كانوا ليسوا معرضين لأي نوع من الظلم أو الضغط أو سلب الحقوق ... فهم ينعمون بقوانين في كثير من بلدان العالم تُجرّم إظهار أية مشاعر كراهية ضدهم.

إنما أراد الوزير الإسرائيلي أن يستخدم هذا المؤتمر سلاح العداء للسامية في بث مجموعة من الأكاذيب والإنذارات. فهذا السلاح لا يزال موجوداً وتريد إسرائيل أن يبقى وأن يستخدم حتى وإن كانت القضية التي من أجلها كان قد صنع اختفت من الوجود.

لقد عاشت «المسألة اليهودية» لأكثر من ألفي سنة، من العصر القديم منذ أيام هزيمة مملكة إسرائيل على أيدي الإمبراطورية الرومانية ... ولكنها اختفت بقيام دولة إسرائيل. ولم يبق إلا سلاح العداء للسامية يبرر لإسرائيل وأنصارها في العالم كل ما تفعله وترغبه، بما في ذلك ارتكاب جرائم الحرب بحق الفلسطينيين.

لكن لا بد أن الوزير الإسرائيلي يتحدث عن شيء ما له وجود في الواقع حين يسمح لنفسه بأن يذكر حق الشعب اليهودي وحق إسرائيل في الوجود؟ يتساءل المرء.

إنه في الحقيقة يتحدث عن «المسألة الصهيونية» لا عن «المسألة اليهودية». وأقصى ما تتمناه إسرائيل وأنصارها اليوم هو أن لا يعي العالم أبدا وجود أي فرق بين المسألة اليهودية والمسألة الصهيونية.. بين العداء للسامية والعداء للصهيونية. ذلك أن الوجه الحقيقي للعقيدة الصهيونية يتضح أكثر فأكثر أمام العالم باعتبار هذه النزعة العنصرية التي أرادت أن تكون دولة إسرائيل دولة للصهيونية تعادي كل من يمكن أن تتعارض عقائده أو مفاهيمه أو مصالحه مع هذه الدولة حتى وهي تتبنى أسوأ أساليب الفاشية ضد الفلسطينيين.

إن أحداً من المسؤولين الصهاينة لم يجب بعد عن السؤال الذي طرحه المفكرون اليساريون أول ما طرح، وبعد ذلك في أوروبا ثم على نطاق عالمي: لماذا سكت اليهود في العالم لأكثر من ألفي سنة ليعلنوا أن عقيدتهم الدينية منحتهم فلسطين وطناً ليقيموا فيها دولتهم؟ لماذا لم يصبح هذا هدف الباحثين عن حل للمسألة اليهودية إلا بعد أن تبلورت العقيدة الصهيونية وأصبحت لها مؤتمرات وقرارات واتصالات دولية وعصابات مسلحة؟ لماذا لم تظهر على مدى ألفي سنة أي محاولة من أي جماعة يهودية للهجرة الى فلسطين باعتبارها أرض الميعاد؟

ليس من إجابة لهذا السؤال سوى أن ظروف القرن التاسع عشر هي التي أتاحت نشأة الحركة الصهيونية في حضن الاستعمار البريطاني. حينما كانت الدولة العثمانية صاحبة الحكم على فلسطين والبلاد العربية المحيطة بها في مرحلة أفول لا تستطيع أن تحافظ على ممتلكاتها في وجه الهيمنة الاستعمارية البريطانية وبعد ذلك في وجه هيمنة القوة الأميركية.

منذ ذلك الوقت جرت مياه كثيرة في أنهار فلسطين والمنطقة العربية وأوروبا وأميركا، لكن الحركة الصهيونية لجأت الى كل السبل لنيل مطالبها من خلال المناورات الدبلوماسية والقدرات المالية الفائقة وبعدها بواسطة عصابات القوة المسلحة. وفيما كانت المسألة اليهودية تبلغ ذروتها بصعود النازية، لم تتورع الحركة الصهيونية عن التحالف مع النازيين دون أن تخفف من وطأة شكاواها من عنف النازية ضد اليهود تحت سلطتها. بل لم تتورع الحركة الصهيونية عن البوح باغتباطها بكل إجراءات النازيين والفاشيين وغيرهم ضد اليهود.

لم يكن العداء للسامية  في أي وقت  نقمة في نظر الحركة الصهيونية طالما كان يحقق للحركة خطوات نحو هدفها الأول والأكبر: دولة صهيونية في فلسطين. وفيما كانت المسألة اليهودية قد حققت  على يد الحركة الصهيونية  وعد بلفور في عام 1917، استطاعت الحركة أن تأخذ من هذا الوعد ما وعدها به وألقت بعيدا بل محت الشرط الذي حدده وزير الخارجية البريطاني بلفور في رسالته الى الرأسمالي الكبير والزعيم الصهيوني روتشيلد، وهو الشرط الذي نص على: «أن يكون مفهوماً بوضوح أن شيئاً لن يتخذ ويكون من شأنه الافتئات على الحقوق المدنية والدينية للجماعات غير اليهودية القائمة في فلسطين».

كان هذا أول خرق صهيوني واضح لحقوق غير اليهود في فلسطين، وكان في الوقت نفسه أول تواطؤ واضح من الاستعمار البريطاني مع الحركة الصهيونية. ولم يلبث هذان الطرفان أن دخلا بعد ثمانية أعوام فقط من تأسيس إسرائيل في تواطؤ عسكري ضد العرب في حرب السويس عام 1956، وانضمت الامبريالية الأميركية الى هذا التواطؤ في حرب عام 1967.

من وقتها أصبح واضحا أن المسألة اليهودية قد تلاشت وأن المسألة الصهيونية أصبحت لها الأولوية. لم يعد اليهود مضطهدين. أصبحت لهم دولتهم، وأثبتت أنها بدعم أميركا أساسا قادرة على شن الهجمات على محيطها والخروج بمكاسب إقليمية. واذا اعتبرنا أن الوضع الراهن في الشرق الأوسط هو نتيجة لحرب 1967 أكثر مما هو نتيجة لحرب 1973  وهو كذلك بالفعل  نستطيع أن نفهم كيف أن المسألة اليهودية ما عاد لها وجود.

من وقتها ارتكزت الحركة الصهيونية  بالأحرى الحكومة الصهيونية التي تحكم إسرائيل  على أربع خرافات أساسية شكلت جوانب العقيدة الصهيونية في التطبيق السياسي والاستراتيجي: أرض بلا شعب (فلسطين) لشعب بلا أرض (اليهود)  الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط (إسرائيل)  الأمن هو القوة المحركة لسياسة إسرائيل الخارجية ولا بد أن تبقى القوة العسكرية الأولى في الشرق الأوسط والرابعة في العالم  الصهيونية هي الوريث الأخلاقي لضحايا المحرقة (الهولوكوست).

بذلت إسرائيل  حكومة وراء اخرى  كل الجهود الممكنة لتطبيق هذه الخرافات الأربع، ولكن تصميم الشعب الفلسطيني ومقاومته وانتفاضاته أكدت وجود هذا الشعب وحقوقه الإنسانية والوطنية على مدى السنوات منذ منتصف الستينيات من القرن الماضي حتى الآن. ولكن شيئا فشيئا بدأت الصهيونية تتكشف للعالم كحركة استيطانية تعتمد على القوة المسلحة لدولة إسرائيل. لهذا تتشبث بالاعتراف بإسرائيل «دولة يهودية» لا دولة صهيونية.

وأخذ يبدو بوضوح أن إسرائيل لا تستطيع أن تستمر في الاعتماد على عقدة الذنب الأوروبية التي أفلحت الصهيونية في تغذيتها في الضمير الغربي. وأخذ يبدو بوضوح أن هناك بين اليهود من ليسوا صهاينة، بل هم مناهضون للصهيونية بالعقيدة والسياسة. وكما يقول الان هارت المعلق الأميركي المعني بالقضية الفلسطينية: «إن السبب الحقيقي وراء ازدياد صورة إسرائيل سوءاً في العالم هو الشعور الاستثنائي لدى زعمائها بأنهم على حق دائما، واحتقارهم للقانون الدولي وسياستهم التي يمارسونها في الوقت الحاضر والتي تبلغ مستوى استكمال التطهير العرقي لفلسطين باستخدام الطائرات الحربية (الأميركية). ان مزيدا ومزيدا من الناس يرون إسرائيل على حقيقتها: عقبة في طريق السلام».

وصل الأمر الى حد أن أصبحت هناك خشية  حتى لدى أولئك الذين يناهضون الصهيونية  من أن تؤدي السياسات الصهيونية العدوانية التي ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لتنفيذ أهدافها، الى «انفجار موجة عداء لليهود تبدأ بأميركا». وفي هذه الحالة لن تكون مقاومة هذه الموجة بقبول ما تقدم عليه إسرائيل، بل بجعل الأميركيين والأوروبيين والغربيين عموما يعون الاختلاف بين اليهودية كديانة والصهيونية، على حد تعبير الدكتور دانييل غورديس النائب الأول لرئيس «مركز شاليم» في القدس، وهو مركز يعد بمثابة معهد للبحوث والتربية.

الآن تحل المسألة الصهيونية محل المسألة اليهودية.

لم تعد القضية قضية دفاع عن حقوق الإنسان ليهود العالم والوقوف معهم ضد أشكال الاضطهاد والعزلة، بل هي قضية الوقوف بوجه الصهيونية  كما تمارسها حكومات إسرائيل المتعاقبة  والتي لا تهتم كثيرا إذا كانت تجر العالم كله جرا نحو الكارثة بادعاء طموح نووي إيراني يهدد إسرائيل بكارثة نووية (...)

وفي مرحلة المسألة الصهيونية أصبح الاختيار أمام إسرائيل بين حرب أهلية طرفاها اليهود الصهاينة واليهود المناهضون للصهيونية ... أو نهاية الصهيونية.

==================

المرأة بين " الجندرة " و " التمكين "

الخميس, 31 ديسمبر 2009 21:47

رأفت صلاح الدين

تعتبر حرب المصطلحات من أقوى الحروب التي يواجه بها الليبراليون والعلمانيون: الإسلام، حيث يستخدمون مصطلحات براقة في حربهم الإسلام، مما يضفي على طروحاتهم مسحة علمية هكذا يرومون، فينبهر البعض بهذه المصطلحات دون أن يدركوا كنهها، من هذه المصطلحات الحرية والديمقراطية، وتحرير المرأة وحقوق الإنسان، وكذلك المصطلح الذي نحن بصدده وهو مصطلح " تمكين المرأة ".

فعندما يعترض بعض المثقفين على مصطلح " تمكين المرأة "؛ على أنه مصطلح غربي له تبعاته في المساواة الكلية بين الجنسين، وهو الحال نفسه بالنسبة لاعتراضهم على مصطلح"تحرير المرأة".

عندئذ ينبري لهم المنافقون الليبراليون حيث يعرضون مصطلح ك "تحرير المرأة"، فيدعون أنه يعني تحريرها من الاضطهاد ورفع الظلم عنها. وكذلك مصطلح "تمكين المرأة"، يدعون أن المقصود به هو الأخذ بيد المرأة لتتمكن من أخذ فرصها في الحياة، والعمل على ترقيتها والوصول إلى أقصى عدالة وإنصاف ممكنين بين النساء والرجال.

وكلمة "تمكين" ليست غربية بحتة، بل لقد تكرَّر ذكرها في القرآن الكريم في أكثر من مكان، فهي ليست كلمة وافدة أو جديدة على اللغة العربية، ولا معناها بغريب عن مفاهيم حقوق الإنسان التي أنزلت الشريعة الإسلامية لحفظها، دون أن يحيف الناس بعضهم على بعض؛ وإذا كان من واجبنا أن نأخذ من مفاهيم حقوق الإنسان الغربية ما يتوازى مع شريعتنا ويتسق مع تعاليم ديننا، دون أن يعني ذلك التمتع بالحقوق بشكل فوضوي، فإنه ينبغي أن نطبق كل ما من شأنه مساعدة المرأة على التمكّن من حقوقها كاملة غير منقوصة.

ولكن هل مصطلح " تمكين المرأة " تنطبق عليه هذه الرؤية، أم أن المقصود منه غير معناه المباشر كما في معظم المصطلحات الليبرالية، هذا ما سوف نتطرق إليه.

 

حقيقة مصطلح " تمكين المرأة "ترجع جذور مفهوم التمكين لعقد الستينات من القرن الماضي، حيث ارتبط ظهور هذا المفهوم بالحركات الاجتماعية المنادية بالحقوق المدنية والاجتماعية للمواطنين, ومنذ ذلك الحين استخدم مفهوم التمكين بعدة معاني وكذلك استخدم في عدة مجالات، كالاقتصاد، والعمل الاجتماعي والسياسي وكذلك في التنمية .

كما امتد مفهوم التمكين كمصطلح للتعبير عن عملية فردية يأخذ فيها الفرد المسؤولية والسيطرة على حياته ووضعه، ويعتبر التمكين كعملية سياسية لمنح المجموعات المهشمة حقوقهم وتوفير العدالة الاجتماعية لهم.

وعاد مفهوم التمكين في عقد التسعينات بقوة أثر إعلان الحكومات في مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية في 1994م، ثم في المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين 1995م بإزالة كافة العقبات التي تحول دون تمكين المرأة في الجانب الاقتصادي لتتمكن من ممارسة دورها الاقتصادي وتفاعلها مع السياسات الاقتصادية وتضمن المؤتمر العديد من البنود التي تؤكد على تمكين المرأة منها : المساواة في الحصول على الموارد الاقتصادية والتدريب والمعرفة التي تعزز المكانة الاقتصادية للمرأة .

وقد تم استخدام مفهوم التمكين من قبل المؤسسات الدولية والمانحين والبنك الدولي في لغتهم وخطاباتهم، وتعالت الأصوات المنادية بضرورة تمكين المرأة في جميع مناحي الحياة للنهوض بالمجتمع وتنميته.

 

فما هي حقيقة هذا المصطلح :لابد من توضيح أن مصطلح "تمكين المرأة" مستمد من ثقافة ( الجندر) الذي تدور حوله معظم مصطلحات الأمم المتحدة حيث ظهر هذا المصطلح (الجندر ) 233 مرة في وثيقة مؤتمر بكين للمرأة 1995م ، وهو مصطلح (مراوغ) لم يتم تعريفه بشكل دقيق يعبر عن حقيقة مضمونه وتطبيقاته حالياً في قضايا المرأة وقضايا الشواذ .

و جندر (Gender) كلمة انكليزية تنحدر من أصل لاتيني" Genus " تعبر عن الاختلاف والتمييز الاجتماعي للجنس، وتصف الأدوار التي تعزى إلى النساء والرجال في المجتمع، والتي لا يتم تعيينها بواسطة الحيثيات البيولوجية وإنما بواسطة المعطيات الهيكلية والفردية، والقواعد الثقافية ومعاييرها ومحظوراتها، فالأدوار الجنديرية (بحسب هذا التعريف) تتفاوت بين ثقافة أو حضارة وأخرى، وهي قابلة للتغيير والتطوير.

تعرفه منظمة "الصحة العالمية" على أنه "المصطلح الذي يفيد استعماله وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات مركبة اجتماعية، لا علاقة لها بالاختلافات العضوية ".

وقد عرّفته وثيقة صادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بأن"مصطلح النوع الاجتماعي يشير إلى الخواص الاجتماعية والمشاركة في النشاطات الاجتماعية كفرد في جماعة محددة. ولأن هذه الخواص هي سلوك و تصرفات يتم تعلمها، فهي قابلة للتغير، وهي تتغير بالفعل عبر الزمن و تختلف باختلاف الثقافات" وهذا تعريف في غاية الخطورة؛ لأنه يفيد أن الأنوثة والذكورة بالمعنى العضوي منفصلة عن البنية النفسية والأدوار الاجتماعية للأفراد، وأن هذه الأدوار هي مفاهيم اجتماعية مكتسبة وليس لها علاقة بالطبيعة العضوية والفسيولوجية لكلا الجنسين، فالتربية الاجتماعية هي التي تحدد الأدوار الاجتماعية، وبالتالي فالمجتمع و التربية هما العاملان الحاسمان في تكوين النفسية الأنثوية أو الذكورية بغض النظر عن الطبيعة العضوية، حيث إن الهوية الجندرية ليست بالولادة كما يوضح التعريف، بل تؤثر فيها العوامل النفسية والاجتماعية بتشكيل نواة الهوية الجندرية وهي تتغير وتتوسع بتأثير العوامل الاجتماعية كلما نما الطفل.

وتعرف الموسوعة البريطانية الهوية الجندرية "Gender Identity" بأنها: شعور الإنسان بنفسه كذكر أو أنثى، وفي الأعم الأغلب فإن الهوية الجندرية تطابق الخصائص العضوية، لكن هناك حالات لا يرتبط فيها شعور الإنسان بخصائصه العضوية، ولا يكون هناك توافق بين الصفات العضوية وهويته الجندرية (أي شعوره الشخصي بالذكورة أو الأنوثة)… وتواصل التعريف بقولها: "إن الهوية الجندرية ليست ثابتة بالولادة - ذكر أو أنثى - بل تؤثر فيها العوامل النفسية والاجتماعية بتشكيل نواة الهوية الجندرية، وهي تتغير وتتوسع بتأثير العوامل الاجتماعية كلما نما الطفل.

 

هذا يعني أن الفرد من الذكور إذا تأثر في نشأته بأحد الشواذ جنسياً؛ فإنه قد يميل إلى جنس الذكور لتكوين أسرة بعيداً عن الإناث، ليس على أساس عضوي فسيولوجي، وإنما على أساس التطور الاجتماعي لدوره الجنسي والاجتماعي، وكذلك الأمر بالنسبة للفرد من الإناث؟!

أي أنهم يرون أنه من الممكن أن تتكون هوية جندرية لاحقة أو ثانوية – جنس ثالث مثلا - لتتطور وتطغى على الهوية الجندرية الأساسية، حيث يتم اكتساب أنماط من السلوك الجنسي في وقت لاحق من الحياة، إذ إن أنماط السلوك الجنسي وغير النمطية منها " بين الجنس الواحد" أيضاً تتطور لاحقاً

وطبقا لما جاء في وثائق مؤتمر روما لإنشاء محكمة الجناية الدولية الذي انعقد في (14-18/6 عام 1998م) فقد وردت عبارة:"كل تفرقة أو عقاب على أساس "الجندر" تشكل جريمة ضد الإنسانية" هذا يعني أنه إذا مارس أحدهم الشذوذ الجنسي فعوقب بناء على التشريعات والقوانين الداخلية لتلك الدولة فإن القاضي يعتبر مجرماً بحق الإنسانية!، وبعد اعتراض الدول العربية تم تغيير كلمة Gender لكلمة Sex في النسخة العربية وبقي الأصل الإنجليزي، كما هو، والدعوة بعد مطروحةٌ لدعاةِ الجندرة أن يُعرِّفوها لنا إن كان لهم تعريف يخالف ما ذكرته الموسوعات اللغوية والمنظمات الصحية.

 

ومن فكر الجندر هذا تولد مصطلح " تمكين المرأة " Empowerment of women وللتوضيح فإن الترجمة لكلمة (تمكين ) تعبر عن هدف جيد الأخذ به، يمكن المرأة من أخذ فرصها في التنمية، ولكن المعني الإنجليزي الوارد في وثائق الجندر لا يحمل المعنى هذا، بل إن كلمة تمكين في اللغة العربية ترجمتها في اللغة الإنجليزية هو Enabling ، أما كلمة Empowerment المذكورة في النصوص والوثائق للأمم المتحدة فهي تعني وفق مفهومهم (التقوية والتسلط والتسويد).

 

من أجل ذلك فإن تمكين المرأة وفق أجندة ( الجندر ) واتفاقيات الأمم المتحدة لا يتم من خلال إعطائها الكفاءة اللازمة وتوفير الفرص الحقيقية؛ لتحقيق ما تطمح له من تقدم علمي ومهني يخدم دورها الأسري والاجتماعي ولا يتعارض مع تشريعات دينها، ولكن نجده يتم هنا من خلال تطبيق (الحصص النسبي) تحت شعار النصف بالنصف 50/50 أي نصف للرجل ونصف للمرأة في جميع مجلات العمل، وبهذا يكون العد الإحصائي هو الهم الشاغل لهم، ويبدؤون في محاسبة وانتقاد كل مجتمع ومن هذه النسب التي لا تراعي ما هو الأهم؟ وهو مدى تحقيقها الفائدة والأمن التنموي للمرأة في سياق الأسرة والمجتمع.

 

تعريف مصطلح " تمكين المرأة "إعطاؤها حق السيطرة والتحكم في حياتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والجنسية وحقها في اتخاذ القرارات المتعلقة بالإنجاب خاصة في سن المراهقة، والوقاية من الأمراض الجنسية أو الممارسات الجنسية غير المأمونة. وإتاحة كافة الفرص لحصولها على المشورة والمعلومات والخدمات.

أما مفهوم التمكين، وبحسب ما خرج به مؤتمر المرأة في بكين العام 1995 ومؤتمر الأمم المتحدة العالمي للسكان والتنمية بالقاهرة العام ,1994 يعني ''استخدام القوة الذاتية للقيام بنشاطات مشتركة مع الآخرين لإحداث التغيير، علما أن هذا التمكين يشمل القدرة على اتخاذ القرارات واكتساب مهارات الوصول إلى الهدف''.

وبحسب فانيسا جريفين Vanessa Griffenما يعنيه التمكين بالنسبة لها:" إنه ببساطة يعنى مزيدًا من قوة المرأة، والقوة تعنى لها: مستوى عالٍ من التحكم ومزيد من التحكم؛ وإمكانية التعبير والسماع لها، والقدرة على التعريف والابتكار من منظور المرأة، والقدرة على الاختيارات الاجتماعية المؤثرة والتأثير في كل القرارات المجتمعية، وليس فقط في المناطق الاجتماعية المقبولة كمكان للمرأة، واعتراف واحترام كمواطن متساوٍ وكيان إنساني مع الآخرين، والقوة تعنى مقدرة على المساهمة والمشاركة في كل المستويات الاجتماعية، وليست في مجرد المنزل، والقوة تعنى أيضًا مشاركة المرأة مشاركة معترف بها وذات قيمة".

 

مستويات التمكينمن خلال التعريفات السابقة نجد أن هناك ثلاث مستويات للتمكين:

1- المستوى الفردي، يعبر عن قدرة النساء على السيطرة على حياتهن, إدراكهن وإحساسهن بقيمتهن وقدراتهن وقدرة المرأة على تحديد هدفها والعمل على تحقيقه.

2- المستوى الجماعي يعكس قدرة النساء على تنظيم أنفسهن والعمل الجماعي وإحساسهن بقوتهن في تجمعهن.

3- المستوى الثالث يشير للمناخ السياسي والاجتماعي والقواعد الاجتماعية والحوار العام حول ما يمكن أو لا يمكن للمرأة القيام به.

 

معايير تستخدم لقياس مدى تمكين في المجتمعات العلمانية :

1- مدى مشاركة المرأة في اللجان العامة وغير لجان النساء.

2- مشاركة النساء في المواقع القيادية.

3- مشاركة النساء في اتخاذ القرارات.

4- إتاحة فرص التدريب غير التقليدية للنساء.

5- تغيير مفاهيم النساء حول إمكانية مشاركتهن الفعالة في الأعمال خارج المنزل.

6- ثقة النساء في إمكان مشاركتهن للرجال في الأعمال العامة.

7- تغيير مفاهيم الرجال حول مقدرة النساء في تقلد المناصب العامة.

8- تقلد النساء لمناصب ومواقع ليست خاصة بمشاريع نسائية.

9- نسبة الإناث في الوظائف الإدارية والمهنية.

10- نسبة النساء في البرلمان.

11- نسبة النساء في الوزارة والوظائف العليا ومراكز صنع القرار.

12- نسبة النساء في ملكية الأعمال.

13- نسبة الإناث في عدد المتخرجين من مؤسسات التعليم العالي.

14- عدد النساء اللواتي يملكن حساب مصرفي.

15- شعور المرأة باستقلاليتها الاقتصادية عن الرجل.

16- نسبة مشاركة النساء في سوق العمل ممن هن في سن العمل.

 

الخلاصة :هذه المصطلحات كما أسلفنا ليست خالصة، أي ليست كما ترددها الأبواق الليبرالية، ولكنها لها مدلولات أخرى كما أوضحها من وضعوا هذه المصطلحات.

فالهدف الأساسي وهو تمكين المرأة، والذي يعني تمكين المرأة في صراعها مع الرجل، ولا يعني إصلاح وضع المرأة، وهي دعوة للتمرد على الأدوار الطبيعية لكل من الرجل والمرأة داخل الأسرة الطبيعية.

والمصطلح يتمحور حول المرأة الفرد، وليست المرأة التي هي نواة الأسرة، لذا فإن المرأة العاملة هي المرأة المعتبرة، أما ربة الأسرة؛ فينظر إليها على اعتبارها متخلفة، وخارج السياق الدولي الجديد؛ لأنها لا تمارس عملاً مدفوع الأجر، ولأنها ربطت نفسها بالزوج والأولاد والأسرة.

وفرض هذا المصطلح في جميع المجتمعات لا يتأتى إلا بانتشار مفهوم مساواة الجندر في العالم بأسره، وتجاوز كل من الدين والقيم والمعتقدات التي تتحكم في حياة الملايين من الرجال والنساء .

وقد رصدت الأمم المتحدة في تقاريرها أن المانع الرئيسي من التطبيق الكامل لمفهوم تمكين المرأة، هو تمسك الشعوب بالدين، فاعتبرته عائقًا. وللتغلب على هذا العائق، صدرت التوصية في مؤتمر بكين+10 الذي عقد في مارس 2005، بالوصول إلى الشعوب عن طريق المنظمات الإسلامية، وأن يكون الخطاب في المرحلة القادمة خطابًا إسلاميًا. بمعنى أن تكون المنظمات الإسلامية هي الواجهة التي يتم من خلالها تقديم كل المضامين التي حوتها المواثيق الدولية، ولكن في إطار إسلامي حتى لا تلقى المعارضة من الشعوب المتدينة.

المراجع:

- تمكين المرأة غير مرفوض إسلاميا / ليلى الأحدب /

http://www.islamonline.net/arabic/adam/2005/07/Article01.shtml

- بقلم/ د. نورة بنت خالد السعد.

http://womendawah.com/article_content.php?id=12423&cat=2&temp=2

- بيانات ائتلاف المنظمات الإسلامية

لها أون لاين

نقلاً عن موقع أمهات بلا حدود

===================

أردوغان .... و المهمة الصعبة

رأي الديمقراطي

المهمات الوطنية الكبرى لا تكون عادة طريقها مفروشة بالورود ، بل غالبا ما تكون شائكة و وعرة .. و رجال الدولة الذين يشعرون بمسؤولياتهم الجسام تجاه المسائل الكبرى التي تمس مصير بلدانهم و شعوبهم ، يواجهون الكثير من العقبات و المصاعب التي تعترض نهجهم و تطلعاتهم .و من هنا فهم بحاجة إلى التحلي بالصبر و طول الأناة و المثابرة من اجل المضي قدما فيما يعتقدونه خيرا لبلدانهم و شعوبهم ..

ويبدو أن هذا ما يحدث مع السيد أردوغان ، رئيس الوزراء التركي الحالي .. فالرجل أقدم ( مع حزبه طبعا ) على خطوات نوعية فيما يخص القضية الكردية في تركيا ، بل و القضية الكردية عموما ، من خلال تعامل حكومته مع حكومة إقليم كردستان العراق من حوارات و لقاءات دبلوماسية مباشرة ، و فتح قنصليات و بناء شبكة علاقات التجارية و الاستشارية ، أما على صعيد التعامل مع المسألة الكردية في تركيا ، فقد اتخذ خطوات ، على محدوديتها ، تعتبر نوعية ، كرفع الحظر عن اللغة الكردية و افتتاح قنوات تبث باللغة الكردية ، وكذلك تعليمها في الجامعات ، و إعادة الأسماء الأصلية للقرى الكردية ، بعد أن كان تم تتريكها ..

ويمكن القول وباختصار شديد إنه يملك برنامجا طموحا ، ينبغي على الطرف الكردي على وجه الخصوص التعامل معه بمرونة أكبر ، بهدف ترسيخ مثل هذه التوجهات على الأقل من قبل الجانب التركي على المستويين الرسمي و الشعبي .

إلا أن مشروع أردوغان ( إن صح التعبير ) يبدو انه قد وقع بين فكي كماشة التشدد على الجانبين التركي و الكردي معا ، فقد استطاع القوميون الأتراك و الذين تشبثوا بالمواقف العدائية التي اتخذتها وسائل الإعلام الشوفينية للحكومات التركية المتعاقبة على مر زمن طويل ، من وضع عصا غليظة في عجلة سياسة حكومة العدالة و التنمية ، و توجيه ضربة مؤلمة لما كان قد بدأه من مشروع الانفتاح على الشعب الكردي و سياسات الإصلاحات الديمقراطية عموما ، وذلك إثر قرار المحكمة الدستورية العليا في تركيا بحظر حزب المجتمع الديمقراطي الكردي أكبر الأحزاب الكردية هناك ، لتعود أجواء التوتر و المواجهات إلى الساحة التركية ...

و لا شك إن هذا التطرف التركي قد أدى على الدوام إلى التطرف المضاد على الجانب الكردي ، مما أضاع الكثير من الفرص لأي تطور ايجابي على الساحة التركية ...

وبما أن شعبنا الكردي هو الذي يقع عليه الظلم و المعاناة و إنكار الوجود... فمن المفروض أن تجنح قياداته للمزيد من الحوار و المرونة لئلا يساهموا في تقوية مواقف الشوفينيين .

 

و خلاصة القول إن أردوغان يبدو الآن في موقف أشبه ما يكون بمن يبلع السكين على الحدين ، كما يقول المثل الشائع ، وهو يحتاج للمزيد من الثبات و الصبر و العمل الجاد لإتمام مشروعه ، طالما إن الظروف السياسية الدولية اليوم مختلفة ، وقد لا تسمح بعودة عجلة الزمن إلى الوراء .

21/12/2009

Dimoqrati.net

==================

المثقف العربي أمام دور ريادي ينتظره

صادق جواد سليمان*

محاضرة تحت رعاية جميعة الكتاب والأدباء العمانية

رستاق، سلطنة عُمان: الإثنين 21 ديسمبر 2009       

شكرا على الاستضافة لهذا الحديث ... أمام جمعكم الكريم ... في مدينتكم العريقة ... التي منها انبعث العهد الموصول بحاضرنا الراهن... منذ مائتين وخمسة وستين عاما. وقت ذاك، خلال أربعة عقود حافلة بالأحداث، عبر مد وجزر في الوضع الوطني، بين فترات استقرار وفترات اضطراب، رستاق، في المؤدى الأخير، أولت مسارنا الوطني وجهة وحدة واستقرار وتطور. من بعد عثار كاد أن يسلُب الوطن ليس وئامه السياسيَ-الاجتماعيَ فحسب، بل أيضا استقلالَه السيادي، مدينتكم، على يد الإمام أحمد بن سعيد، من بعد النصر في صحار، وفت بهذا الدور الوطني الحاسم ... بامتياز. (1)

 

سعيد أنا أيضا أن نتناول في حديثنا هذا المساء، في هذه المدينة العربية العصماء، موضوعا يتجاوز اهتمامنا الوطني في حد ذاته – مع أنه لصيق باهتمامنا الوطني على أي حال ... يتجاوزه إلى اهتمام عربي أعم. ذلك أن المثقف العماني صميما مثقف عربي: ما يعنيه وطنيا يعنيه أيضا على صعيد الوطن العربي الكبير. المثقفون العرب في جميع أوطانهم ينهلون من ثقافة عربية واحدة: إطارها العروبة ومضمونها الإسلام. العروبة تتجاوز العرق واللون، وحتى الدين، والإسلام، بعُرضه الحضاري، يستوعب ثقافيا وحضاريا من العرب من ليسوا مسلمين.

 

الإرث العربي الإسلامي إذاً قاسم مشترك بين أبناء وبنات الأمة العربية، أيا كانت خصوصياتهم، وأنى تواجدوا، أكان في مواطنهم الأصلية أو في مهاجرهم المتفرقة في الشرق والغرب. خلاصة القول: يصعب تصورُ قِوامٍ ثقافيٍ حضاري لأي مجتمع عربي من دون التواصل مع هذا الإرث الأصيل ... من دون الاستقاء من معينه الأدبي المعرفي الثر ... ومن دون الاستبصار بما استُودع هذا الإرثُ من بصائر للأمة العربية، بل للإنسانية جمعاء.

 

من هنا عنوان هذا الحديث: المثقف العربي أمام دور ريادي ينتظره. بالمثقف العربي أقصد الشخصَ العربيَ الموفورَ في معارف عصره وأعراف أمته، ومَن بذلك يمتلك جدارة التمييز معرفيا بين ما هو صحيح وخطأ، نافع وضار، صالح وفاسد. وبالدور الذي ينتظر المثقف العربي، أقصد الدورَ الرياديَ وليس بالضرورة الدورَ القيادي. ذلك أن بين القيادة والريادة تمايز مفيد ذكره. القيادة تنطوي على تولي زمام الأمر العام فعلا، سياستِه، واتخاذِ قرارت إزاء مختلف تفريعاته التنظيمية وتطبيقاته العملية. الريادة لا تنطوي بالضرورة على أي من ذلك. إنها بالأحرى وظيفة استطلاعية تبصيرية: بمعنى أن الرائدَ، من موقع معرفيٍ متقدم، بالشأن الوطني كما بالحراك العالمي، يشرح ما عليه الأمورُ والأحوال، يستقرئ سياقاتها المستقبلية، ويبصر قومه فيما ينبغي أن يعملوا لأجل تحقيق مصالح من خلال فرص تسنح، واجتناب مضار من خلال مخاطر تُحتمل.

 

إجمالا، الدور الريادي الذي أراه ينتظر المثقفين العرب في جميع أوطانهم هو أن يتدارسوا الواقع موضوعيا على ما الواقعُ عليه، لا أن يظلوا متذمرين منه ومتعاجزين إزاءه ... أن يستطلعوا المستقبلَ على ما يتبلور نحوه فعلا، لا أن يبقوا حالمين بما يرغبون أن يتحول المستقبل إليه، أو متمنين أن يعود الحاضر على شاكلة ماض تليد ... بقدرة قادر! في ضوء مثل هذا النظر الموضوعي للأمور والأحوال، بمثل هذه الرؤية المحسوبة بدقيق التفنيد والتحليل، على مثقفينا أن يبصروا الأمة بما يرون ويتوقعون، وينصحوا شعوبهم بما ينبغي أن تخطط له وتقبل عليه، وما ينبغي أن تعرض عنه وتحاذر منه ...عليهم أن يضعوا أمام الأمة رؤى سليمة لما هو واقعٌ معطوب ولما هو مستقبل منشود. (2) وهم في ذلك، كما قيل قديما في أدبنا المأثور ... همُ الرائد الذي لا يكذب أهلَه.

 

من الريادة تنشأ القيادة، وعلى مثقفينا أن يمارسوا الريادة لكي يتأهلوا للقيادة. بتعبير آخر، على مثقفينا أولا أن يفكروا للأمة، ويعرضوا أفكارهم بدقة ووضوح، فالأمة التي لا يفكر لها أبناؤها وبناتها تنقاد لما يفكر لها الغرباء. والأمة التي تهمش دور الفكر في حياتها تُهمّش عملياً دور العقل لتحلَّ مكانه الغرائز والانفعالات فتصبح الشعوبُ أدواتَ فتنٍ وضحاياها في آن واحد، وتتحوّل الأوطان إلى بؤرِ صراعاتٍ مهلكة تسهم في تأجيجها قوىً متربصةٌ معادية. (3)

 

بهذه التوطئة أدخل صلبَ موضوع هذا الحديث، وسأوجز ما تبقى لدي من قبيل التفصيل لأجل إفساح الوقت، ما أمكن، للحوار. فعهدي – من خلال خبرة على مدى سنوات بمركز الحوار بواشنطن، الولايات المتحدة – أن الحوار التفاعليَ لطالما يستظهر أبعادأ وإشكالياتٍ للقضايا قيدَ البحث ويبلورها لمدىً أوسعَ وأدق مما يأتى به المحاضر بادئ الأمر. مركز الحوار هذا، منذ تأسيسه عام 1994، يعمل بقناعة أن الفهم يجب أن يسبق الرأي، وأن سلامة أسلوب الحوار أساس لإنجاح الحوار.

 

عودا للموضوع بشيء من التفصيل: الدورُ الرياديُ الذي ينتظر المثقف العربي، بنظري، يتألف من شقين: شق يتصل بإعداد الذات نفسيا ومعنويا لأداء الدور المنتظر بنجاح، وشق توأم يتصل باعتماد وتفعيل عناصر التمكين للدور المنتظر.

 

الشق الأول يطالب المثقف العربي بالغوص في الذات لاستظهار ما في جوفه من مكنة واقتدار، وهذا يستدعي منه، ابتداء، تعريةَ واقعِ التخلف المعاش، لا التسترَ عليه أو التحرجَ منه. التخلف الذي تعيشه الأمة العربية في مختلف استحقاقات الشأن الإنساني بمعايير هذا العصر فادح وخطير، لحد يصعب تصور محوه، أو حتى حسره، إلا بمجهود جامع، دائب، جسيم. كيف تراكم التخلف من بعد ريادة مشهودة كانت لهذه الأمة عالميا في عصر سبق ... تساؤل لعلنا نتوقف عنده تفنيدا وتحليلا في يوم آخر. لكن بيتا للطغرائي من ماض قديم يظل يستحضر نفسه في ذاكرتنا الجماعية كلما تأملنا بأسىً هذا الواقع الراهن - قوله:

تقدمتني أناس كان شوطهم ... وراء خطوي لو أمشي على مهل ...

أذكر أنني حين شرعت أقرأ من لامية العجم للطغرائي في أمسية أدبية بمركز الحوار في واشنطن قبل سنوات، لمحت وجوما يعتري الوجوه ... فلما وصلت إلى بيت لاحق:

أعلل النفس بالآمال أرقبها ... ما أضيقَ العيشُ لولا فسحة الأمل ...

انفرجت الأسارير.

 

في الشق الثاني، المثقف العربي مطالب بريادة تتسم بعزم وصبر ... مطالب بعملية بناء ذاتي ... عمليةٍ جامعة، دائبة، زاخرة مستنيرة، تعتمد، كأمر أساس، الثلاثيَ المقومَ والمنميَ للحياة على صعيد الفرد والمجتمع بسواء: أقصد بذلك ثلاثيَ المعرفة المحققة، المنطق العقلي، الانضباط الخلقي.

 

المعرفة، كمقوم ومنم للحياة، نتاج إنساني مشترك، تداورت على بلورتها الحضارات من خلال تسابق وتقابس جيلا إثر جيل، حتى أوصلتها حيث محتواها ومداها اليوم. مضمار المعرفة مفتوح أبدا أمام التوسع والتعمق: في عصرنا المعرفة تتضاعف في الرصيد الإنساني كل عام من خلال أبحاث معمقة، موسعة، مستمرة ... أبحاث في شأننا الإنساني، في الطبيعة المحيطة بنا على هذا الكوكب، وفي الفضاء الخارجي. في عصر خلا كان للأمة العربية سبق معرفي حين قادت الحركةَ المعرفية بأبحاث رائدة على مدى عدة قرون، عبر تعاقب أجيال من العلماء. في عصرنا، خليق بالمثقف العربي أن يحي صلته التاريخيةَ الأصيلةَ بالمعرفة، ويسعى لابتعاث دور أمته في المضمار المعرفي من جديد.

 

بذلك أقصد تكثيف الاهتمام عربيا باقتباس معارف العصر، ليس تحديدا من الغرب، وإنما عامة من الأمم ذات التميز المعرفي. في هذا الصدد، تعاملا مع الجدلية الرائجة في خطابنا العام بين الأصالة والحداثة، جدير أن نتذكر أن المسلمين في القرون الإسلامية الأولى حين أقبلوا على الاقتباس المعرفي من الحضارات الأخرى – اليونان، فارس، مصر، الهند، الصين – لم يُعنَوا كثيرا بالخصوصيات الثقافية لشعوب تلك الحضارات، كآدابها وفنونها وأعرافها وعاداتها وتقاليدها - وإنما انفتحوا على معارفهم بثقة، دونما تحفظ أو تردد. بذلك، على ما اقتبسوا، بنوا صرحا معرفيا باجتهاد ذاتي سرعان ما فاق محتوى ما اقتبسوه بادئ الأمر. هذا درس جدير أن يوعى عربيا في هذه المرحلة التي لا زلنا فيها بموقع المتلقي للمعرفة المنتجة لدى الآخرين.

جدير أن نلاحظ أيضا أن تعطل قابليات إنتاج المعرفة المعاصرة ذاتيا ضمن الثقافة العربية يشكل أحد أخطر أسباب ضمور اللغة العربية في المجال المعرفي. من هنا ضرورة تركيز العناية بالعربية لتأهيلها لاستقبال واستيعاب المعرفة المتبلورة في عصرنا – تلك المتدفقة طردا على قدم وساق. من هنا دعوتي أن يأتي اقتباسنا للمعرفة المعاصرة مقرونا بتعريب المقتبَس على نحو متزامن، كي تتأصل المعرفة في ثقافتنا، لا أن تبقى على هامش منها، خارج لساننا العربي. على منهاج التعريب المتزامن جرى الاقتباس لدى المسلمين في القرون الإسلامية الأولى، الأمر الذي لاحظه العالم الجليل أبو الريحان البيروني الذي عاصر تلك التجربة وأسهم فيها بامتياز ... بقوله: لقد كانت العلوم تدخل العربية من كل حدب وصوب، فإذا دخلتها اكتسبت جمالياتها، فأضحت بذلك أكثر تشويقا لطلبة العلم.

مع الاقتباس المعرفي يكون اعتماد المنطق العقلي. المنطق العقلي كمقوم ومنم رديف للحياة، ينطوي على التحقق، والتفكر والتأمل، والتدبر والتبصر: ملكات من النظر ميزتها العربية في معرض تأكيدها على دور العقل في الاستنباط والإستبصار. المنطق العقلي، بذلك، يرجح الاجتهادَ لسلامة الرأي، ويرجح العملَ لرصانة الأداء. إنه يربط الأمور بعللها فلا يدع مجالا لنزق وشطط، ويعري الواقع على علاته، فلا يدع مجالا لتورية وتحريف. والمنطق العقلي، من بعد ذلك، يمكن موضوعيا ومنهجيا من التصحيح والتقويم والتحسين باطراد، كل ذلك جهارا ودون حرج.

على الاقتباس المعرفي والمنطق العقلي يهيمن الانضباط الخلقي. الانضباط الخلقي، كمقوم ومنم للحياة، يصون النفس والغير، ويعصم الوسيلة والغاية في المسعي الإنساني المعرَض أبدا لمزالق الهوى والحمق، والمتأثر مرارا بعوامل الرضى والسخط. في ميزان الانضباط الخلقي، الحكمة لا الشطارة، والاستقامة لا الوجاهة، هما الموصلان للسداد والفلاح في المؤدى الأخير. بعثت لأتمم مكارم الأخلاق: بذا لخص الرسول الأعظم مهمته. وإنك لعلى خلق عظيم، بذا خوطب في القرآن المجيد. في عصرنا المتشوه بكثير من الكذب، والمضطرب بكثير من العنف، الانضباط الخلقي عمليا أجدر أن يكون بالالتزام بثنائي الصدق واللاعنف، ذلك المنهاج الشجاع الذي برهن مهاتما غاندي نضاليا في الهند نجاعة تأثيره في إحقاق الحق وإزهاق الباطل مهما تتطاول الباطل بادئ الأمر.

باعتماد مرجعية هذه المنظومة الثلاثية المقومة والمنمية للحياة – منظومة المعرفة المحققة، المنطق العقلي، الانضباط الخلقي – يُكسر الإحباط، ويُستولد فهم عربي للذات أوضحُ استبصارا للأمور، أكثرُ اقتدارا على التعامل مع الواقع الراهن، وأنشطُ إقداما على اقتباس واستثمار معطيات العصر. بذلك، نفسيا وموضوعيا، يستطيع المثقف العربي تمكين أمته من البناء واللحاق: يستطيع ذلك بدفع التوجه نحو إنماء القدرات والمهارات، إستصلاح المؤسسات، ترشيد مهام الحكم، تعزيز الاستقرار، تفعيل التنمية الإنسانية ... كلِ ذلك في الخبرة القومية عامة على امتداد الوطن العربي الكبير.. في جميع ذلك جدير بالمثقف العربي أن يتواصى بالحق ويتواصى بالصبر، أن يجاهد ويثابر، وفي كل الأحوال أن يتحلى بتواضع المقتبس المجتهد المستنير.

بهكذا تصويب لنظره، بهكذا توجيه لجهده، بهكذا ترشيد لدوره في تسديد خطى أمته، يستطيع المثقف العربي إزالة ما أمته عليه من عجز وتعاجز، وما هو نفسيا عليه من تأزم وإحباط. عندها، الأصالة والحداثة لديه تخرجان من دائرة تعارض متوهَم، وترتدفان ضمن مرجعية موحدة: مرجعية ما هو حقيق في الطبيعة، صحيح في المدرَك العقلي، متسق بالضابط الخلقي، نافع للوطن والمواطنين، وصالح للإنسانية جمعاء ... كل ذلك ليس ادعاءً بزخرف القول، بل مُبرهَناً بخير يدر عربيا للنفس والغير.

ذلك، على ما أرى، هو الدور الريادي الذي ينتظر المثقف العربي ... وعساه بهكذا تمكين لنفسه وتفعيل لدوره في جميع أوطانه، يرود أمته ريادة حضارية من منظور يحضن ضمن الوطن المواطنينَ كافةً في تواؤم وتضامن، على تكافؤ ودون تمييز يفارق بين الناس فيما الناس فيه سواء ... وفي أعمَ من ذلك، منظورٍ يصون حرمة الإنسان وكرامته، ويسهم في إنماء الشأن الإنساني ككل. دور المثقف العربي عندئذ، كما دور وطنه ودور أمته، سيغدو عالميا دورا ناصعا موفور الخير للنفس، وفير الخير للغير ... دوراً عامرا، ثامرأ، حصيفا، ذا عطاء حميد مستدام. (4)

____________

(1) الإشارة في هذا المطلع هي إلى عهد الإمام أحمد بن سعيد، مؤسس حكم السادة الألبوسعيديين في عمان منذ عام 1744. (السلطان قابوس بن سعيد، سلطان عمان الحالي، هو الحاكم الرابع عشر من الأسرة). أحمد بن سعيد كان واليا على مدينة صُحار الساحلية عندما نزلت قوات فارسية في عُمان بدعوة من أحد أطراف نزاع داخلي، ثم حاولت الاستيلاء على السلطة وتكريس الاحتلال. إزاء ذلك، لما أبدى من مراس عسكري وبسالة في محاربة الفرس وطردهم من البلاد، وأيضا لما اتصف به من سعة الصدر وجم الكرم ولين الجانب تجاه الفقراء والمساكين، بويع أحمد بن سعيد إماما، أي رئيسا للدولة. إثر ذلك، من مدينة الرستاق، مقر الإمامة وقت ذاك، أدار دفة الحكم، وطنيا وفي العلاقات الخارجية، بجدارة مرموقة قرابة أربعة عقود- (1744 – 1783) .

(2) و (3) العبارة مقتبسة بتصرف من مقال للأستاذ صبحي غندور، المدير التنفيذي لمركز الحوار، واشنطن، الولايات المتحدة.

(4) المقاطع الأخيرة مقتبسة بتصرف من مقال للكاتب بعوان: المثقف العربي وإشكالية الأنا والآخر. عُرض المقال أولا كمحاضرة بمركز الحوار بواشنطن، الولايات المتحدة، ثم كورقة بحثية في المؤتمر الرابع والعشرين لاتحاد الكتاب والأدباء العرب بمدينة سرت، المجماهيرية الليبية.

* صادق جواد سليمان: سفير عُماني سابق ورئيس "المجلس الإستشاري لمركز الحوار العربي"

=====================

حول القدس بإيجاز شديد

عزمي بشارة

مقدمة:

من مهام علم التاريخ، حين يدّعي العلمية، تفنيد الأسطورة بالبحث في أصل نشوئها ووظيفتها، وبكتابة تاريخ الوقائع في مقابلها، وبميل إلى معرفة الحقيقة كما كانت دون ادعائها، وبمنهجية نزع نحو العلمية. ولا شك في أن الإيديولوجيا بما فيها من غايات وأهداف سياسية وزوايا نظر ومصالح تتحكّم في سردية التاريخ، وفي الانتقائية (حتى غير الواعية للوقائع، ناهيك بالواعية) وفي الحجم والوزن الممنوح لهذه الواقعة في مقابل تلك. كما إن الإيديولوجيا تتحكّم وتتجلى بالتحقيب وتقسيم الزمان. فهذا التقسيم المحكوم بما يُسمّى خصائص كل حقبة هو غالباً عمل إيديولوجي. ومن هنا لا بد من تعرّض وتعريض عملية التأريخ والمؤرخين إلى نقد صارم. ومن هنا أهمية الحرية الأكاديمية في هذا السياق تحديداً، إذ لا بد من حوار أكاديمي حرّ بين المؤرخين لا يتوقف عند مقدسات ومحرمات.

ولا بدّ من مراجعة عمليات التأريخ بين فترة وأخرى، ليس لمجرد اكتشاف وقائع جديدة أو الكشف عنها، ولا لمجرد اجتراح وسائل جديدة في النقد والبحث والتفكيك والتركيب، بل أيضاً لأن خطاباً سياسياً سائداً هُزِمَ حَمَلَتُه، أو ضعف داخلياً وبات أكثر عرضة للنقد، أو أدى وظيفته، ولم يعد صاحب الشأن، الدولة، مثلاً بحاجة له. فاكتشفنا فجأة أن هذا الخطاب قد صمّم كتب التاريخ إيديولوجياً من وجهة نظره، فتحكم باختيار البداية والعصر الذهبي وعصر الانحطاط. واكتشفنا أن هذه ليست هي البداية بالضرورة، وأنه انتقى وقائع وأهمل غيرها. وبدلاً من أن يفكك الأسطورة استخدمها أو تأثر بها وببنيتها وبسرديتها فخدمها في عملية كتابة التاريخ، أو سخرها في خدمته. واكتشفنا أن كليهما كان مسخراً في خدمة هدف سياسي لحركات قومية أو دينية أو في خدمة نظام حكم.

وانفضحت وما زالت تنفضح تواريخ إيديولوجية لدول تكتب تاريخاً من زاوية نظر حدودها الموجودة، كأنه يوجد تاريخٌ موحدٌ لقطعة الأرض هذه بالتحديد يميّزها عن سواها على مرّ العصور، وكأن للجماعة البشرية التي تعيش عليها أيضاً تاريخاً موحّداً ومنفصلاً عن غيره... والأهم من ذلك لموضوعنا أن التاريخ حين يكتب إيديولوجيا يبدو في بعض الأحيان كمن يزيل القشور والوقائع التي تسمّى عارضة. ويكتشف التاريخ المُضمَر الذي يجب اكتشافُه، ليبرر هذه الحدود السياسية، ودورَ هذه الأقلية أو الأكثرية الإثنية أو الطائفية الحاكمة بدلاً من الأغلبية الديموقراطية.

ومع ذلك فإن البنية المعرفية لهذا كله، تمكِّنُ من الإثبات والنفي والتفنيد والمناقشة. وبذلك تختلف عن الأسطورة بحد ذاتها، وعن التاريخ المقدس ذاته.

فالأخيران يعبّران عن إيمان منتشر عند جماعات بشريةٍ حول حكاية الأشياء وليس تاريخها. وتمنح الحكايةُ المتضمنةُ في كلِّ أسطورةٍ معنى ومغزى لجماعات بشرية: أصلها رسالتها، سبب وجودها، و«حقها التاريخي» الممنوح لها والمشتق من الأسطورة. ولأنه قضية إيمانية فإن النقاش والمحاورة فيه أصعب. والإيمانُ مراتبُ رغم كل شيء، هذا برأيي المتواضع. فهنالك فرق بين إيمان بحقائق بسيطة يمكن تكذيبها، وإيمان بالله عزل وجل. وعندما تُعرَض رواية تاريخية متماسكة بديلة لرواية تاريخية معتنقة اعتقاداً، يمكن زعزعةُ إيمانٍ بوقائعٍ جزئية عن جهل أو عن تقليد، على خلاف الإيمان بقوة إلهية خارج الطبيعة لا حقائق تدحضها.

وإذا ارتبط التاريخ المقدس بالدين نفسه، فإن المشكلة هنا هي التعامل مع الكتب المقدسة كأنها كتب تاريخ، إذ يتم التعامل مع مغازٍ ومعانٍ إلهية كأنها وقائع تاريخية. وهنا يشقُّ النقد، ويصعب النقاش. والوسيلة الأفضل طبعاً هي ليست النقاش الصدامي، بل فصل التاريخ المقدس بوقائعه ورموزه وأماكنه وعجائبه ومآثره، عن التاريخ الدنيوي الذي يحاول العقل البشري المحدود أن يستعيده بالوثائق والحفريات، وبمقارنة الأدلة، والشهادات والمرويات والمذكرات، وغير ذلك... وقبل كل شيء بالعقل السليم الرافض للتسليم بالخرافات أو بالمعتقدات كأنها تاريخ حقيقي. ويبقى التاريخ المقدس كتاريخ يُمنحُ معان ومغاز، أو يولّدُ العبر كما تسمى في كتب التاريخ الإسلامية، وهي بامتياز كتب الأخبار والوقائع والعبر المتواشجة.

ولكن السياسة تأبى هذا الفصل. والسياسة حالة دنيوية من القوى والمصالح. وهي تسخِّرُ الأسطورةَ والتاريخَ المقدسَ. تسخِّرُهما في التبرير والتعليل، وفي بناء الوعي والتعبئة والتجييش، وفي اكتساب الشرعية. وفي كل خطاب قومي، ناهيك بصراع قومي، يختلط التاريخ المقدس والتاريخ الدنيوي. وللتاريخ المقدس مناسبات ومعارك وأعوام، وأماكن للذاكرة، تتقاطع جميعها مع أحداث يريدها الوعي السياسي مفاصل تاريخية تشكّل وتصوغ الإدراكَ والشرعية.

ولكن لا يختلطُ التاريخ المقدّس بالتاريخ الدنيوي، لكي لا نقول المدَّنس، كما يختلطُ في القدس. ومصدر التاريخ المقدس هنا هو نصوص مقدّسة إلهية تروي قصةً، أو حكاية، عن المدينة. وقد ساهمت هذه النصوص وهذه القصص في تشكّل وعي شعوب كاملة بعيدة وقريبة عن التاريخ والقوى المتصارعة فيه، وعن الخير والشر، وعن مسار التاريخ وصولاً إلى القارئ نفسه. والمدينة حاضرة بشكل مركزي فيها. وقد أثَّرت بنيةُ هذه القصص على جيلٍ كاملٍ من المؤرخين الغربيين والمستشرقين الذين نشأوا على هذه القصص في البيت والمدرسة وفي الأدب والفن، وتعاملوا مع التوراة، وما يُسمّى مسيحياً بالعهد القديم كأنه كتاب تاريخ أو كأنه سيرة شعب. فبحثوا كعلماء ناضجين عن أدلة تثبته، وعن مواقع تأكّده. وحفروا في الأرض، وفي بالهم أن الموجودات هي مسميات لأسماء جاهزة في أذهانهم. الأداة منطق دائري يسند ذاته بأدلة تبدو مادية وعلمية. ولكن المنتوج إيديولوجي بشكل صارخ. وهو سياسي في خدمة سياسات ترى سكان البلاد الحاليين في فلسطين سكاناً طارئين عابرين. فهم عابرون وطارئون على تاريخ البلاد الحقيقي القائم في أذهان هؤلاء.

ولا يقوم الحق، ولا القانون الدولي، ولا العلاقات بين الشعوب إلا على أساس حق السكان على وطنهم الذي ولدوا فيه أباً عن جد، والذي فلحوا أرضه واستصلحوها، ورووها بعرقهم، وكتبوا فيها الملاحم والقصائد، وأقاموا فيه حاضراتهم وتوارثوها. وتخيلوا لو تعاملنا مع السكان في كل بلد في العالم كأنهم حالة طارئة على تاريخ هذا البلد القديم والحقيقي والمقدس، وأن لهذا التاريخ المقدس حملة آخرون، ومكتشفون يرون في السكان ركاما فوضويا، أو مجرد ديكور، أو أداة حفر في أفضل الحالات. تخيلوا لو قررنا أن هذا التاريخ المقدس هو الذي يمنح الحق على البلد؟ طبعا لا يمكن تخيّل ذلك حتى بحق شعوب تعيش حيث تعيش منذ بضع مئات من السنين، ونعرف عينياً متى هاجرت ومتى توطنت، إذ انها فعلت ذلك بعد أن نشأ علم تاريخ حديث مكتوب، ناهيك بدول لم تكن قائمة وأصبحت قائمة بفعل عمليات توحيد وانفصال طيلة القرنين الأخيرين في أوروبا وغيرها.

فلسطين والتاريخ المقدس

ولكن هذا ما يجري بشأن فلسطين وفيها. وهذه هي الاستراتيجية الإيديولوجية المتبعة اذا صح التعبير لمصادرة فلسطين من أهلها. إنها الاستعاضة بحق تاريخي مقدس عن حق السكان الموجوين بفعل وجودهم المتسلسل والمتواصل منذ مئات وآلاف السنين كما يفهمون هم «ذاتهم» ويعرّفونها. وهي الناتجة عن اختلاط الثقافات والشعوب وتلاقحها على أرضهم منذ كنعان، وحتى هيمنت الثقافة العربية الإسلامية مشكِّلةً بوتقة صهر في الوقت ذاته. إنها استبدال التاريخ المعاش بتاريخ آخر. هو بنظر المستعمرين التاريخ الحقيقي والمقدس الذي يؤسس لكيان آخر غير الكيان القائم، وعلى أنقاضه.

هؤلاء ينتجون خطاباً إيديولوجياً يُعاد استخدامه في خدمة سياسية توسعية استعمارية. ولا يجب ان يولد هذا المجهود المنتشر من المبعوثين المدنيين للدول الاستعمارية، في أيام الامبراطورية العثمانية، والمبشرين مروراً بالقادة الصهاينة، وحتى آخر مراسل صحفي وصل البلاد، ردّ فعل علمي نقدي. فقد كاد يسيطر على الخطاب السياسي والإعلامي وحتى الجامعي الغربي، ناهيك بالإسرائيلي، بخصوص فلسطين وحق اليهود التاريخي فيها. وتظهر الصهيونية الحديثة والمحدثة كممثل لهذا التاريخ اليهودي المفترض. ولا شك في أن تفنيد هذا الخطاب بوسائل علمية تأريخية وبالحجة والمنطق هو ردّ الفعل الطبيعي، والذي لا بدّ من تشجيعه، خاصة حينما يأتي من علماء في أقسام التاريخ والأركيولوجيا في الجامعة التي تخون الأمانة عندما تؤسس للتاريخ المقدس لدين من الديانات كأنه هو التاريخ العالمي. وهي تدري كيف يجري تسخير ذلك سياسياً في احتلال بلد وطرد أهله.

ولكن ردّ الفعل الآخر يأتي من المقموعين، المصادرة أرضهم، والمشردين والمحاصرين بالمستوطنين، وبهذه الروايات والأساطير التي تقتحم بيوتهم وحاراتهم وتهدمها، أو تعيد تسميتها وتقسيمها، أو تشردهم وتقيم بدلاً من قراهم مستوطنات بأسماء توراتية، أو تحوّلهم الى أقلية في وطنهم، وتعتبرهم حرفياً مهاجرين وضيوفاً دخلوا إسرائيل. خلافا للواقع الحاضر البديهي. إنها هي دخلت عليهم. فمن يكتب تاريخاً مزوراً يميل عادة للكتابة المزورة عن الحاضر. وإذا كان يكذب ويشوه ما نشهده بأم العين فكيف نأتمنه على الماضي.

ويكون رد الفعل أساساً بالمقاومة والصراع. وتستند المقاومة إلى شرعية الوجود على الأرض وإلى رفض الاستعمار باعتباره عملية سطو مسلح وعدوان. وهي لا تقوم لا على القانون الدولي من جهة، ولا على التاريخ المقدس من جهة أخرى. ولكن رد الفعل المقاوم هذا يستدعي أيضاً مصادر شرعية ووطنية ودينية وخطاباً مقابلاً للخطاب التوراتي وتاريخاً مقدساً آخر، أو قراءة مخالفة للتاريخ المقدس نفسه، وللأمكنة نفسها. فهو يستثمر تراث الشعب وتاريخه ودينه في عملية المقاومة.

والمشكلة أنه كلما تبيّن عجز الدول العربية، أو تبين عدم رغبتها في مواجهة أو مقاومة إسرائيل (كقوة دنيوية قامت بالفعل الحربي والاستيطاني وبالتخطيط السياسي وبالتطبيق الاستيطاني وبعملية بناء الأمة والمؤسسات وكلها أمور دنيوية جداً) كلما تضخّم دور التاريخ المقدس المعارض والمناقض للتاريخ المقدس الصهيوني، وكلما زاد دور الإيمان في عملية التعبئة والتجييش لجماهير تلك الدول التي تقاعست عن القيام بدورها.

وبما أن القدس هي بؤرة التاريخ المقدس الصهيوني وعاصمته، خلافاً لتاريخه الدنيوي من بودابست وفيينا وباريس ووارسو وبريست وليتوفسك وأوديسا إلى تل ابيب والكيبوتس والموشاف و«جيش الدفاع» الدنيوية جدا، جميعها، فإن عملية التعبئة الصهيونية بشكل خاص منذ عام 67 تجري حول القدس.

وكل ما يسمى قدس بموجب الخطاب الصهيوني الذي يلتقي في القدس بشكل مطلق، ويتطابق مع الخطاب القومي الديني، يصبح مقدساً وغيرَ قابلٍ للتفاوض. ولذلك فلا بد من توسيع القدس. وبعملية التوسيع هذه تتخذ الصهيونية وحكومة إسرائيل مكان الآلهة فهي تسمّي مناطق تبعد عن القدس عشرة كيلومترات باسم القدس أو تعتبرها جزءاً من القدس، فتصبح بذلك غير قابلة للتفاوض.

وفي مقابل ذلك تجري تعبئة إسلامية تتمحور حول الحرم القدسي الشريف، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وحول المخططات الإسرائيلية العلنية والمخفية بشأنه... ولا شك في أن الشعب الواقع تحت الاحتلال احتاج القدس أيضاً كرمز. وأصبح الحرم القدسي الشريف مركز حياة وهوية بالنسبة للمقدسيين بشكل خاص. فقد قُطِّعت أوصال مدينتهم، وتجري محاولة فصلهم عن الضفة الغربية، وحوّلوا إلى مجموعة غيتوات فقيرة داخل مدينة يهودية، وحرموا من المؤسسات الوطنية داخل المدينة، كما حوصروا اقتصادياً بقطعهم عن محيطهم الطبيعي في الضفة الغربية. ولم يبق من مركز يشدهم سوية سوى الحرم القدس الشريف، فالتفوا حوله، ينشدون كالعضلة في الدفاع.

ولكن عربياً وإسلامياً برز قصور هائل. ففي الوقت الذي يتم فيه اختصار فلسطين إلى قدس، بمعنى إهمال ما يجري في بقية فلسطين، وإذ اختزلت القدس إلى الحرم الشريف بمعنى عدم الاكتراث لما يجري في إحياء القدس من معاناة في ظل سياسة الأسرلة والتهويد، فإن هذا يصبّ في مصلحة إسرائيل، التي أسرلت فلسطين والقدس كلها، ما عدا الحرم القدسي الشريف، الذي تجري تحته الحفريات، وتحكى حوله قصة مدينة افتراضية تحته وحوله، للسياحة الداخلية والخارجية.

وبرأينا يجب أن يكون التوجّه الديني الذي يلتقي مع الوطني والقومي في مقاومة الاحتلال معاكساً تماماً. فكل القدس هي حرم شريف، وكل فلسطين هي قدس. والواجب الوطني والقومي والديني يقضي بصدّ كل عدوان على فلسطين. حتى القرآن الكريم يتحدّث عن المسجد الأقصى الذي باركنا حوله. وأنا أدعو إلى التركيز على معنى «حوله» هنا.

ولنترك النقاش حول من بنى الهيكل: سليمان أم داوود ام ملكي صادق، ام حتى سام ابن نوح، وأين امتحن الله ابراهيم بابنه على الصخرة؟ في القدس؟ أم عند الحجر الأسود في مكة المكرّمة؟ فهذا النقاش لا يقلل من شرعية التاريخ المقدس اليهودي بل يؤكده من المنطلق النقيض طبعاً، يؤكده كخصم له حالياً، حتى لو سمينا الهيكل المزعوم مسجداً.

ومن هنا أدعوكم لرؤية ما جرى ويجري في القدس. حيث لا تعتمد إسرائيل الأسطورة فقط، بل أيضاً القوة العسكرية والجرافة والبولدوزر والأمر الواقع والتخطيط والبناء وشق الشوارع وسكك الحديد لتكريس الواقع ولتحقيق الأهداف الدنيوية المبررة بالأسطورة وبالتاريخ المقدس.

لقد تغيّرت القدس جذرياً في العقود الأخيرة. ولا شك في أن من ولد فيها قبل العام 67 ويأتي لزيارتها يجد قدساً أخرى تماماً. هذا هو الواقع السياسي الذي أسس لرسالة الضمانات من بوش إلى شارون في نيسان 2004، ويؤكد فيها عدم واقعية عودة الواقع في القدس إلى ما كان عليه قبل العام 67، وهو أيضاً ما دعا الأوروبيين مؤخراً بضغط إسرائيلي أميركي لتغيير اقتراح قرار سويدي أن تقسم القدس إلى عاصمتين، بحيث غدا الاقتراح بعد التعديل ان تكون القدس عاصمة لدولتين... وأن يقرر الطرفان التغييرات والتعديلات على حدود الرابع من حزيران.

يجري في القدس حالياً:

اتبعت إسرائيل الآليات الإدارية والإجرائية التالية في عملية تهويد القدس وضمها:

1. اختراع مفهوم القدس غير القابلة للتفاوض بتحويل القداسة إلى مفهوم سياسي.

 

2. تتبع الرواية التاريخية التوراتية في كل حي وجبل وكهف في القدس بحيث تعاد تسميته ويستهدف للاستيطان واعتبار سكانه ضيوفاً تمهيداً للتضييق عليهم وطردهم.

3. توسيع حدود المدينة لكي تشمل القداسة الإسرائيلية المحتكرة وغير القابلة للتفاوض أكبر مساحة ممكنة من الأرض.

4. مصادرة الأرض من العرب وبناء المستوطنات.

5. تقليل عدد السكان العرب بالتهجير، وباعتبارهم مهاجرين دخلوا إسرائيل، ومصادرة «بطاقات الهوية»، كما تسمى في إسرائيل وثيقة الإقامة الدائمة في المدينة، بموجب قانون الدخول الى إسرائيل.

6. فصل المدينة عن بقية الضفة الغربية بواسطة تغيير مكانتها القانونية، وتمييز مكانة سكانها عن باقي مناطق الضفة، وببناء حزام استيطاني حولها، ومؤخرا أيضا بواسطة الجدار العازل المحيط بالقدس والمسمى بالعبرية «غلاف القدس».

منذ العام 1917 اعتبرت الخارطة الهيكلية البريطانية غربي القدس منطقة نمو وتطوير، في حين اعتبرت المناطق الواقعة شرقي المدينة خارج الأسوار مناطق بناء محدود، أما البلدة القديمة داخل الأسوار فقد حظر فيها البناء. وقد باشر الانتداب البريطاني بضم مستوطنات يهودية الى القدس. أي ان فكرة توسيع المدينة لتشمل سكاناً يهوداً بأعداد أكبر، ومساحات بسكان عرب أقل قائمة منذ تلك الفترة. فقد ضم الانتداب في العام 1947 كل من مستوطنة بيت هكيريم ورمات راحيل الى المدينة. وكانت وما زالت تبعد 4 كم عن البلدة القديمة. في حين تركت قرى عربية متاخمة لأسوار البلدة القديمة مثل سلوان والطور وسور باهر كقرى خارج الخارطة الهيكلية للمدينة، أي خارج تعريف المدينة.

وطبعا وسّعت إسرائيل المدينة في ما بعد لتصل إلى حدود بيت لحم جنوبا ورام الله شمالا. وباتت القدس هي الخارطة الهيكلية للقدس، أو مناطق نفوذ بلدية القدس. وخلط هذا كله بموقع اورشليم التوراتي، الذي كان اليهودي يختم صلاته به «إذا نسيتك يا اورشليم تنساني يميني». فهل كان المقصود قدسا سماوية تلتقي مع الأرض في يوم الدينونة، أم المقصود أورشليم أرضية غير معروفة الموقع، ويصعب تحديد أين كانت، إذا كانت؟ لا ندري. ولكن بالتأكيد لم يكن المقصود منطقة نفوذ بلدية القدس كما تتحكم بها الائتلافات الحكومية المختلفة في إسرائيل منذ الاحتلال.

فور انتهاء معارك حرب حزيران 1967 أعلن رئيس الحكومة ليفي أشكول عن توحيد شطري القدس. ولكن الإعلان لم يجر بالصراحة التي تتم فيها المجاهرة والمفاخرة بالقدس الموحدة في أيامنا. فقد كانت إسرائيل، وما زالت، متهيبة من أثر هذا الضم على الساحة الدولية. كما عارض أربعة وزراء من التحالف العمالي (المعراخ سابقا) عملية الضم باعتباره قد يشكل عائقا أمام السلام. وقد أصر بيغن الذي كان وزيرا في حكومة الوحدة الوطنية تلك على الكلام جهارة عن توحيد القدس. ولكن كانت هنالك خشية من استفزاز المشاعر العربية والإسلامية والمسيحية أكثر مما ينبغي بعد هزيمة. هنا نجد الفن والمهنية الإسرائيلية في الصياغات التي تبدو إجرائية وجافة ومحايدة وعديمة الضرر. فكيف بدا نص القرار؟ هكذا قررت الحكومة الإسرائيلية في جلستها من يوم 27 حزيران 1967 التي ضمت فيها القدس الشرقية إلى إسرائيل في مخالفة صريحة قائمة على القوة لما يسمى القانون الدولي، الذي يحظر ضم الأراضي التي جرى الاستيلاء عليها بالقوة: «إن تلك المساحة من أرض إسرائيل التي سيتم توصيفها في الملحق سوف تعتبر مناطق تطبق فيها أحكام القوانين والقضاء والإدارة النافذة المعمول في الدولة». طبعا لن تجد في القرار كلمة القدس. وكل ما تجده في الخرائط الملحقة هو قطاعات صغيرة ملونة تدل على المناطق التي سوف «يطبق عليها القانون الإسرائيلي». ولن تجد كلمة القدس حتى في كلمة وزير العدل يعقوب شابيرا أمام الكنيست التعليلية لهذا المرسوم. لم يكن العناد ولا التباهي الإسرائيلي بشأن القدس قائما في حينه. ويبدو أنه ازداد مع مرور الزمن، وتناسب عكسياً مع الرغبة أو القدرة العربية على فعل شيء، وطردياً مع تلون ونفاق ما يسمى ايديولوجيا بالمجتمع الدولي.

وصادقت الكنيست على مرسوم الضم الحكومي. واكتفت بإدخال تعديلات على إجراءات الحكم والقضاء، المادة 11 (ب)، وكذلك على قانون البلديات بما يتلاءم وهذا المرسوم. في تلك الفترة كانت إسرائيل تبخل بالكلام، ولكنها كانت تخطط وتعمل وتصادر الأرض وتقيم المستوطنات. وكانت بموازاة ذلك وما زالت تدخل السكان العرب المحليين في متاهات العدالة والقوانين الإسرائيليين، حيث يصنع الإجراء بحد ذاته خبرا، أما النتيجة فدائما لمصلحة من يصادر الأرض. والنتيجة لا تصنع خبراً، فهي لا تدل على ديموقراطية إسرائيل. دولة الاحتلال تصادر بموجب قوانين، وهي نفسها التي وضعت القوانين التي تصادر بموجبها، وتهدم بموجبها البيوت، وتغير تضاريس المكان والسكان. ولكن في غياب أي فعل عربي وأي استراتيجية مواجهة بعيدة المدى، كما هي استراتيجية التخطيط الإسرائيلية، تحتكم الضحية لقوانينٍ وضعها الفاعل.

يوم 30 تموز 1980، أي في عهد حكومة بيغن، أقرت الكنيست قانون أساس (أي بالعربية قانون دستوري) هو قانون «القدس الموحدة عاصمة إسرائيل» الأبدية. (ولنترك جانبا للحظة ذلك «الأبد» الذي تحوله إسرائيل كما تحول «التاريخ» إلى موظف أو مراسل عندها). كان بيغن قد طالب بمثل هذه القرار منذ أن ضُمَّت، وذلك بعد توقيع أول اتفاق سلام مع دولة عربية هي أكبر دولة عربية، وعلى إثر هذا القرار وُسِّعَت مساحة القدس البلدية من 6,5 إلى 71 كم2.

وفي العام 1993 جرى توسيع مدينة القدس مرة أخرى إلى 130 كم2. وفي العام 2005 أقرت الحكومة الإسرائيلية مخطط مدينة القدس حتى العام 2020 ويشمل أحياء استيطانية جديدة ومرافق وسكك حديد وشوارع ومناطق خضراء، وبتوسيع لمساحتها قدره 40% إضافية. وفي هذه الأثناء تحولت القدس الشرقية إلى مجموعة أحياء عربية تفصلها مستوطنات بعضها عن بعض، ويحيط بها ما يقارب عشر مستوطنات. وشارك في هذا الجهد إضافة للدولة ولبلدية القدس مؤسسات يهودية عالمية وصناديق تموِّل شراءَ الأرض والمنازل حيث تصعبُ المصادرة، وجمعيات يهودية تخترق الأحياء العربية بيتاً بيتاً، وذلك بمتابعة أصحاب البيت المتوفين وورثته الموجودين في الخارج، وبتزوير الوثائق والإغراء المالي وغيره. لقد واجه سكان القدس العرب بدون مؤسسات حقيقية شبكة من المؤسسات القوية الغنية والطويلة النفس. وبقيت لجنة القدس التي أقامتها منظمة المؤتمر الإسلامي بعد الاعتداء على المسجد الأقصى بالحرق منصة للخطابات والبيانات. وحتى هذه شحت في الآونة الأخيرة.

بين الأعوام 19481967 صادرت إسرائيل الأراضي المملوكة من عرب في القدس الغربية والبالغة 40% من مساحتها بموجب قانون أملاك الغائبين، الذي صادر أملاك العرب وجعلها في عهدة القيم على أملاك الغائبين. وهم المغيّبون المشرّدون في الحقيقة. وبعد العام 67 صادرت إسرائيل الأرض في القدس الشرقية. وما زالت تصادرها لبناء مستوطنات قسَّمت أحياء المدينة في شرقي القدس بمستوطنات مثل «رمات إشكول» وال«جفعاة تسرفتيت»، و«هار هتسوفيم»، و«نفي يعقوب»، و«جيلو» وغيرها، وفي الموجة الثانية لغرض بناء مستوطنات تحيط بالقدس الشرقية من كل جانب مثل: «بسجات زئيف» و«متسودات زئيف»، و«هار حوماه»، و«معاليه أدوميم»، و«عطروت». وتفصلها عن باقي الضفة الغربية، بما في ذلك من تقطيع لأوصال الضفة كلها إلى قسمين، شمال وجنوب، يصعب التواصل بينها. وقد جرت هذه المصادرات بموجب قانون المصادرة لأغراض المنفعة العامة من العام 1953.

وفي ظل الإيديولوجية الصهيونية يشكل بناء المستوطنات مصلحة عامة تبرّرُ مصادرة الأرض ممن لا يستفيدون منها بل تقوم المستوطنات على أنقاض منفعتهم العامة، لتعلّمك إسرائيل أن القانون يمثل إيديولوجية، ويخدمُ مصالح وأهدافا سياسية. وحتى لو تصرف القانونيون وكأن وظيفتهم غير سياسية. فهم سياسيون، ولكنهم سياسيون على سكة محددة، يسيرون عليها، لا يرون ولا يسمعون ما حولها. إن تفسير القانون الذي سنَّ لأهداف سياسية، والمرافعة بموجبه، والحكم بحسبه بشكل «موضوعي ومحايد»، هي نشاطات سياسية لا موضوعية ولا محايدة. وعندما تسلِّم المحكمة الإسرائيلية العليا بمثل هذه القوانين، وتحكم على أساسها فإنها لا تحكم بحيادية ولا بموضوعية، بل تحكم كمحكمة احتلال إسرائيلية هي أداة رئيسية في تبرير وتغطية وتنفيذ عملية الأسرلة والتهويد وإزالة العوائق من طريق الاحتلال والاستيطان.

منذ العام 67 استولت إسرائيل على 85% من أراضي القدس الشرقية التي كانت تحت الحكم الأردني بفعل قوانين تملّك ومصادرة مختلفة. وقد تواطأ القانون والقضاء الإسرائيليان منذ ضم القدس في واحدة من أكثر عمليات الخداع القانوني فداحة في التاريخ. فقد وافقت المحكمة العليا الإسرائيلية بمجرد الضم أن يتم التعامل مع عرب هذه المدينة، سكانها الأصليين أباً عن جد، وأصحاب البيوت والأملاك فيها، وكأنهم قد دخلوا إلى إسرائيل كمهاجرين لتوهم. وموعد هجرتهم الى إسرائيل هو يوم ضمت القدس إليها. وبما أن القدس وبيوتهم نفسها صارت جزءاً من إسرائيل، فإنهم يعتبرون بسحر الفقه القانوني، في لحظة واحدة، وبين ليلة وضحاها وكأنهم دخلوا بيوتهم ذاتها كمهاجرين. وهكذا قررت المحكمة في قضية الدكتور مبارك عوض أن الولادة في القدس لا تمنح المواطن العربي إقامة فيها بالضرورة، ولا تمنع إبعاده عن المدينة بسحب إقامته المسماة في إسرائيل «بطاقة هوية». وبموجب قانون الدخول الى إسرائيل يُمنَحُ المهاجرُ إقامةً، ولكن في حالة حصوله على إقامة في بلد آخر، أو في حالة حصوله على جواز سفر آخر، أو في حالة مكوثه خارج البلاد لمدة سبع سنوات فإنه يخسر كمهاجر إقامته في البلاد. (وفي هذه الحالة يخسر الإقامة في بلده). هكذا بدأت عملية تطهير إثني لسكان القدس. وقد بلغ عدد المقدسيين الذي حرموا من بطاقة الإقامة في بلدهم في العام 2008 وحده 4577 مواطناً.

ومؤخرا في أيار 2006 وافقت المحكمة العليا أيضا على قانون بدأ كمرسوم يتجدد سنويا، ثم تحول الى قانون لا يَمنَحَ بموجبه الزواجُ من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة الحقَّ بلمِّ الشمل والإقامة في إسرائيل بما فيها القدس، أي ان المقدسي أو العربي من الداخل الذي يرتبط بابنة شعبه أو التي ترتبط بابن شعبها برابطة الزواج يجب عليه أن يغادر القدس عمليا إذا أراد أو أرادت العيش مع العائلة.

وقد اتخذ القرار ببناء الجدار العازل حول القدس بطول 88 كم في اللجنة الوزارية لشؤون القدس يوم 11 أيار 2002. وفي ما عدا فصله للبيوت بعضها عن بعض، وجانب من الشارع عن الجانب الآخر حرفياً، وإلغاء شوارع تاريخية مثل شارع القدس رام الله، وتحويل أحياء وقرى بكاملها الى معازل، فإن الجدار أخرج من القدس 80 90 ألف عربي من حملة بطاقة الهوية المقدسية أو الإسرائيلية.

وأخيرا يوم 11 آذار 2008 قررت الحكومة الإسرائيلية تسجيل عقارات فلسطينية في الطابو باسم اليهود الذين استولوا عليها من الحي المسمى مقدسياً باسم «حارة الشرف»، وهو الملاصق لحائط البراق ويتاخم الحرم. لقد شرد سكان هذا الحي، وهجِّروا من بيوتهم لإقامة ساحة الصلاة عند حائط المبكى أو الحائط الغربي للهيكل كما يسميه اليهود، ولتوطين اليهود لإعادة أمجاد الحي اليهودي. وأصبح اسم هذا القسم من البلدة القديمة داخل الأسوار «الحي اليهودي». وجرى مضاعفة مساحته مرات عدة. ولكن مع عملية التسجيل بالطابو حوّلت الأملاك المصادرة الى ملكية خاصة للسكان اليهود كأفراد، وذلك في سابقة تتكرر حاليا في عملية خصخصة أملاك الغائبين، أي أملاك اللاجئين داخل المناطق التي احتلت عام 1948، وذلك في تصفية قضية اللاجئين والقدس حتى من الناحية الشكلية. إذ ان إسرائيل تقوم ببعثرتها الى قضية ملكيات خاصة لأفراد مواطنين، بعد أن كانت أراضي دولة تعار لمواطنيها اليهود إعارة ولو لمدد 49 و99 عاما.

ولكن هذه الخصخصة تتم بحماية الدولة وبتخطيطها. هذه الخصخصة هي مشروع عام لتصفية ما هو عالق مثل قضية أملاك اللاجئين ومصير القدس الشرقية.

ولكن الخصخصة التي تقوم بها الأنظمة العربية هي ترك فلسطين للفلسطينيين، وما تقوم به السلطة الفلسطينية هو ترك القدس للمقدسيين ليصبحوا كالأيتام على موائد اللئام.

ومن هنا لا بد من قبل المعادلة، لكي تصبح كل القدس هي حرم شريف وكل فلسطين هي قدس، ولكي تكون القدس وفلسطين قضايا الأمة بأكملها لا قضية الفلسطينيين وحدهم

يصبح المنزل المعرّض للهدم قضية كل المقدسيين إذا كانت القدس قضية الفلسطينيين، وقضية فلسطين هي قضية العرب، وهو النهج نفسه الذي لا يترك الفقر للفقراء ولا المرض للمرضى ولا التعليم للأهل وحدهم، إنه النهج نفسه الذي يبني أمما وشعوبا. تكتسب قضية القدس هنا رمزية من نوع آخر تماما.

• محاضرة ألقيت في متحف دمشق في افتتاح مؤتمر أكاديمي حول القدس

نقلاً عن : مركز الحوار العربي

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ