ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 04/02/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


قراءة في خطاب أوباما عن «حالة الاتحاد»

الاربعاء, 03 فبراير 2010

حسن نافعة

الحياة *

كان من الطبيعي، في ظل التحول الكبير الذي طرأ على صورة أوباما لدى جماهير كانت علقت آمالها عليه، أن يترقب المحللون في مختلف أنحاء العالم خطابه الأول عن «حالة الاتحاد» وأن يضعوه تحت المجهر لعلهم يستطيعون التعرف بشكل أفضل الى الطريقة التي يرى بها أوباما الحاكم نفسه وبلاده والعالم بعد عام في البيت الأبيض، كي يستنتجوا منها إذا كان الأمل في قدرته على إحداث التغيير الذي كانوا يتطلعون إليه انتهى إلى غير رجعة، أم أن الإنصاف يقتضي أن يلتمسوا له بعض العذر، بسبب ثقل التركة التي خلفتها إدارة المحافظين الجدد على مدى ثماني سنوات، وأن يمنحوه وقتاً إضافياً قبل أن يحكموا عليه في شكل نهائي.

ثلاثة أمور رئيسية تلفت النظر فور الانتهاء من قراءة مدققة ومتعمقة لخطاب أوباما عن «حالة الاتحاد»:

الأمر الأول: يتعلق بتركيزه على قضايا الداخل. فالسياسة الخارجية وعلاقة الولايات المتحدة بالعالم، على رغم انغماس الولايات المتحدة في حربين كبيرتين تستنزفانها مادياً ومعنوياً، لم تحتلا في هذا الخطاب إلا حيزاً محدوداً جداً، ومن زاوية مدى تأثيرهما المباشر في الأمن الداخلي وفي الحياة اليومية للمواطن الأميركي.

الأمر الثاني: يتعلق بنغمة قلق عميق تفوح منه حول مستقبل ومكانة الولايات المتحدة في العالم. فعلى رغم حرص أوباما على أن يضمّن خطابه فقرات مطولة يتحدث فيها عن ثقته التامة في عبقرية الشعب الأميركي وإصراره العنيد على أن يظل دوماً في المقدمة، إلا أن ذلك لم يستطع أن يخفي لديه شعوراً عميقاً بالقلق. ومن المثير للتأمل أن يبدو هذا القلق مرتبطاً باهتزاز صورة النظام السياسي الأميركي في ذهن أوباما، وعدم الثقة في مواءمة آلياته لمواجهة تحديات المرحلة الراهنة، أكثر من ارتباطه بضخامة التحديات التي يواجهها الشعب الأميركي أو ضعف تصميمه على مواجهتها.

الأمر الثالث: يتعلق بتجاهل أوباما التام لقضايا المنطقة العربية، خصوصاً ما يتعلق منها بالصراع العربي الإسرائيلي وبالجهود الأميركية للتوصل إلى تسوية سلمية لهذا الصراع. فقد وصل هذا التجاهل حداً جعل خطاب حالة الاتحاد هذا العام يخلو من مجرد ذكر كلمة «فلسطين» أو كلمة «الشرق الأوسط» أو حتى كلمة «إسرائيل». وهذا أمر يبدو بالغ الغرابة إذا ما تذكرنا أن كل رئيس أميركي اعتاد منذ سنوات أن يضمن خطابه فقرة واحدة على الأقل تؤكد استمرار التزام الولايات المتحدة بأمن وتفوق إسرائيل جنباً إلى جنب مع حرصها على التوصل إلى تسوية سلمية للصراع.

وفي تقديري أن لهذه الأبعاد الثلاثة دلالات شديدة الأهمية، وربما الخطورة أيضاً، ومن ثم تستحق أن نتوقف عندها بقدر أكبر من تحليل متعمق يستهدف سبر أغوارها، وذلك في ضوء الملاحظات الآتية:

الملاحظة الأولى: تتعلق بدلالة تركيز أوباما على قضايا الداخل الأميركي في هذه اللحظة، وبالطريقة التي وردت في خطابه تحديداً. فهذا التركيز لا يعكس، في تقديري، محاولة يائسة من جانب أوباما لتملق الناخب الأميركي مع اقتراب موعد التجديد النصفي لمقاعد الكونغرس، بقدر ما يعكس إحساس أوباما الشخصي بوطأة الأزمة وقلقه من احتمال تدهور مكانة الولايات المتحدة في النظام الدولي وتراجع قدرتها على التأثير الفعال فيه، ناهيك عن قيادته. يلفت النظر هنا تأكيد أوباما أكثر من مرة في خطابه على تفوق الاقتصادات التي تعتمد على طاقة نظيفة وعلى أن الدول التي ستتمكن من بناء هذه الاقتصادات هي التي سيكون بمقدورها قيادة النظام الاقتصادي العالمي في المستقبل، كما تلفت النظر إشارته الواضحة إلى الصين والهند وغيرهما من الدول التي تبدو، من وجهة نظره، في وضع أفضل. صحيح أن أوباما تحدث تفصيلاً عن إجراءات كثيرة لإعادة وضع الاقتصاد الأميركي على الطريق الصحيح، وعن خطط طموحة للاستثمار في الكثير من المجالات، خصوصاً في ميداني الطاقة والتعليم، وعن تصميم الشعب الأميركي على أن يبقى في المقدمة وأن تحتفظ بلاده بدورها القيادي في النظام العالمي طوال القرن الواحد والعشرين، والذي يصر على أن يظل قرناً أميركياً، إلا أن الإحساس بثقل الأزمة الراهنة يتجلى بوضوح من ثنايا السطور. ويكفي أن نتأمل الأرقام التي وردت في خطاب أوباما عن حجم الديون التي تراكمت على الولايات المتحدة وحجم العجز الراهن في موازنتها، مقارنة بفائض كان قد بدأ يتحقق اعتباراً من عام 2000، وهي الأرقام التي استند إليها أوباما لتبرير قراره بتجميد زيادة الإنفاق في معظم القطاعات، باستثناء بعض القطاعات الحيوية، لندرك ثقل إحساس أوباما بوطأة الأزمة الراهنة وتأثيرها في بلاده.

الملاحظة الثانية: تتعلق بدلالة شكوى تنضح بالمرارة من أوجه قصور عدة في النظام السياسي الأميركي. فهذا النظام يبدو، من وجهة نظر أوباما، في حالة انتخابات دائمة تزيد من قابليته للخضوع للمزايدات، ويعاني من ضغوط جماعات مصالح خاصة، أو حتى أجنبية، بسبب نفوذ وتأثير «لوبيات» متعددة على مراكز صنع القرار. وهذه الشكوى لا تعكس، في تقديري، محاولة من جانب أوباما لتبرير عجزه عن إحداث التغيير الذي وعد به، بقدر ما تعبر عن صدمة شاب حديث العهد نسبياً بآليات صنع السياسة في واشنطن وأقرب إلى تمثيل مصالح القطاعات الاجتماعية الأكثر تهميشاً في المجتمع الأميركي. ويبدو أن هذه الصدمة جعلته ينتبه إلى حقيقة نظام سياسي أميركي بدأ يراه بعيون مختلفة من أعلى قمة هرم السلطة، ليكتشف مجدداً مدى التكلس الذي أصيب به هذا النظام والذي وصفه بعض من سبقوه بأنه يخضع لإملاءات مجمع عسكري- صناعي مهيمن. صحيح أن أوباما تحدث عن عزمه على اتخاذ إجراءات للتقليل من نفوذ «اللوبيات» والحد من تأثيرها في مراكز صنع القرار الفيديرالي، لكنه وجد نفسه مضطراً في النهاية للاعتراف، صراحة أو ضمناً، بأنه لن يستطيع أن يحكم من دون مساعدة الحزب الجمهوري. من هنا إشارة أوباما المتكررة في الخطاب إلى حرصه على عقد لقاءات دورية مع المشرعين من الحزب الجمهوري وإفصاحه عن رغبته في إيجاد آليات تنسيق بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي تساعد على سرعة إصدار التشريعات بما يتناسب مع تحديات المرحلة.

الملاحظة الثالثة: تتعلق بدلالة تجاهل أوباما كلياً للصراع العربي الإسرائيلي والاقتصار في تناوله لما يجري في المنطقة على إشارة عابرة الى خطورة الانتشار النووي وما يمثله من تهديد بالنسبة إلى أمن الولايات المتحدة والعالم وإعادة تأكيد عزمه على اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد إيران إن هي تمادت في عنادها وتشددها في موضوع تخصيب اليورانيوم. ولا يعكس هذا التجاهل، في تقديري، رغبة من جانب أوباما للتحلل من وعود سابقة بالسعي إلى إيجاد تسوية شاملة وعادلة للصراع العربي الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، بقدر ما يعكس اقتناعاً بعدم توافر أوضاع محلية وإقليمية ودولية مؤاتية لإنضاج مثل هذه التسوية. فموازين القوى السياسية داخل الولايات المتحدة الأميركية لا تتيح له، من ناحية، ممارسة ضغط فعال على إسرائيل في المرحلة الراهنة، وموازين القوى الإقليمية والدولية لا تساعده، من ناحية أخرى، على التوصل إلى تسوية قائمة على حلول وسط.

يبدو واضحاً، في ضوء هذه الملاحظات الثلاث، أن أوباما يتجه في شكل حثيث نحو مفترق طرق لن يستطيع أن يصل إليه قبل نهاية هذا العام، وتحديداً قبل انتخابات التجديد النصفي في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. فالوضع في العراق وأفغانستان لا يبشر بخير، وأوباما يدرك أن قوى اليمين في الداخل الأميركي بدأت تستعيد توازنها وتعيد ترتيب صفوفها في شكل أفضل، كما يدرك أن الوضع في منطقة الشرق الأوسط يتجه نحو مزيد من التوتر. لذا فالأرجح أن يسعى أوباما إلى كبح جماح الطرفين نحو التصعيد والحفاظ على التهدئة حتى إتمام الانسحاب من العراق والانتهاء من انتخابات التجديد النصفي. لكنه في النهاية قد يعجز عن تحقيق هذا الهدف، خصوصاً أن اليمين الأميركي يسعى إلى تضييق الخناق عليه ودفعه نحو التصعيد في مواجهة إيران، خدمة لإسرائيل، وهنا مكمن الخطورة.

خطاب «حالة الاتحاد» يظهر ضعف أوباما وحيرته في هذه اللحظة تحديداً، والشعور بالضعف قد يغري بالتظاهر بالقوة. لذا قد تصحو المنطقة والعالم في أي لحظة على دقات طبول حرب سيكون الشرق الأوسط، مرة أخرى، هو مسرحها الرئيسي والوحيد.

* كاتب مصري

========================

ليفني ومذكرة الاعتقال

الاربعاء, 03 فبراير 2010

سيريل تاونسند *

الحياة

في السادس عشر من كانون الأوّل (ديسمبر) الماضي، نشرت الصحف البريطانية خبر إلغاء تسيبي ليفني دعوة كان من المفترض أن تلقي خلالها خطاباً في مناسبة لليهود البريطانيين. وتسيبي ليفني هي اليوم زعيمة حزب «كاديما» المعارض في إسرائيل ووزيرة الخارجيّة السابقة. ولم يتضح السبب الحقيقي وراء تبديلها خطّتها، إلا أن محكمةً في وستمنستر أصدرت مذكرة توقيف بحقّها بشأن اتهامها بارتكاب جرائم حرب في بداية عام 2009 إبّان الحرب على غزّة.

وأكدت الصحف أن مذكرة التوقيف كانت ستفضي الى أزمة ديبلوماسيّة. وأشارت صحيفة «الدايلي تلغراف» الى «أن العلاقات مع إسرائيل على المحك». كما ذكرت «التايمز» أن «ميليباند (وزير الخارجية) يتحرّك لاسترضاء خواطر إسرائيل بعد صدور مذكرة التوقيف بحق ليفني». لقد جرت بعض الحركة الديبلوماسيّة غير أنها كانت من دون جدوى بمعظمها. أما القصة الحقيقيّة فهي أنّ سوء التصرّف الإسرائيلي المزمن بدأ أخيراً يؤثر سلباً على إسرائيل.

تنصّ اتفاقية جنيف الموقعّة عام 1957 على إمكانيّة اعتقال المتهمين بالجرائم الكبيرة بما فيها جرائم الحرب ومحاكمتهم في المملكة المتحدة إذا رأت المحكمة أن القضية تستدعي ذلك، وذلك بغض النظر عن مكان وقوع الجرائم. وتحدّث المحامون عن مبدأ التقاضي العالمي، وهناك الكثير مما ينبغي قوله في هذا الإطار. وبالإمكان محاكمة مجرمي الحرب، الذين يعيشون في دول ذات أنظمة قانونيّة غير مناسبة، عندما يسافرون الى الخارج.

في العام 1998، اعتقلت السلطات البريطانيّة الجنرال أغوستو بينوشيه على خلفيّة ارتكابه جرائم إبادة وإرهاب. وهو لم يعد الى تشيلي إلا بسبب سوء صحّته. وفي أيلول (سبتمبر) الماضي حضر وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك مؤتمر حزب العمال البريطاني، وجرت محاولة لإصدار مذكرة توقيف بحقّه، غير أنّ حاله لم تكن كحال تسبي ليفني اليوم إذ إنّه يتمتّع بحصانة ديبلوماسيّة كونه يشغل منصباً حكومياً. وفي أيلول 2005 عاد الجنرال الإسرائيلي دورون ألموغ الى إسرائيل على نفس الطائرة من مطار هيثرو من بعد أن علم أن الشرطة البريطانية كانت تنوي اعتقاله بسبب اتهامه بإعطاء الأمر بهدم 59 منزلاً في غزة في العام 2002 من غير وجه حق.

وامتد التوتر حيال قضية ليفني ليشمل السفير البريطاني في تل أبيب توم فيليبس، الذي سيتم استبداله هذا العام، حيث تمّ استدعاءه الى وزارة الخارجيّة التي شكت من طريقة التعاطي مع ليفني وحذرت من أن العلاقات الديبلوماسيّة بين البلدين قد تضررت كثيراً. ويرجّح أن تكون مذكرة التوقيف صدرت عن محامين يناصرون الفلسطينيين وحركة «حماس» ويقيمون في لندن ويعملون من أجل ضحايا الاجتياح الإسرائيلي لغزة.

ووجهت إسرائيل تحذيراً الى بريطانيا في 15 كانون الأول الماضي مفاده أنّه سيتم تهميش بريطانيا في عملية السلام ما لم يتم سحب صلاحية المحاكم البريطانية في توقيف شخصيات إسرائيلية مهمّة. وسيلازم هذا التهديد الديبلوماسي، لعقود، كلّ خطوة تقوم بها بريطانيا ولا تعجب إسرائيل.

لقد ظنّت وزارة الخارجيّة الإسرائيلية أن بعض «العناصر الراديكاليين» في بريطانيا يقفون وراء ما وصفته ب «تحرك المحكمة المثير للسخرية». وأضافت متفاخرةً «إن إسرائيل تدعو الحكومة البريطانيّة الى الوفاء بوعودها وتطالبها بمنع النظام القانوني البريطاني من التعرض لإسرائيل ومواطنيها بواسطة عناصر مناهضة لها.

أمّا وزير الخارجيّة البريطاني ديفيد ميليباند، ذو الأصول اليهوديّة، والذي يعمل مع رئيس الحكومة غوردون براون الذي كان والده يرأس اللجنة الإسرائيليّة للكنيسة الاسكتلندية، فقد قرّر التصرف بخنوع عندما وصف دولة إسرائيل ب «الصديق الحميم» و «الشريك الاستراتيجي»، وأعتقد أن الصفة الأخيرة تستخدم لأول مرة من قبل وزارة الخارجية البريطانية. وقد يحتاج ديفيد ميليباند الى تذكيره بالتعاطي الإسرائيلي العديم الرحمة، الذي صدم البريطانيين، مع مليون ونصف المليون من سكان غزة. كما يحتاج الى التذكير بالحكومة الإسرائيلية التي تنتمي الى جناح اليمين وتؤيّد الاستيطان والتي تتشارك بالقليل مع سياسات حكومة غوردن براون العماليّة التي تحب أن يُنظر إليها على أنها منبثقة من الوسط.

* سياسي بريطاني ونائب سابق

========================

تركيا حديثة ومستقرة مصلحة عربية وإسلامية

آخر تحديث:الأربعاء ,03/02/2010

الخليج

محمد نور الدين

من الطبيعي أن يتابع المواطن العربي ومسؤولوه التطورات المتعلقة بالسياسة الخارجية التركية في المنطقة نظراً لتأثيراتها المباشرة في العلاقات المشتركة بين العرب والأتراك.

 

تابع العرب باهتمام شديد مسار السياسة الخارجية لتركيا على امتداد السنوات الماضية بعدما لمسوا تحولاً في هذه السياسة في اتجاه التصالح والتواصل وصولاً إلى التكامل مع محيطها العربي والإسلامي. وهذا كان خياراً تركياً ناجحاً، إذ ضاعف من قوة الاقتصاد التركي، كما من استقرارها السياسي والأمني، خصوصاً أن الانفتاح التركي على العرب والمسلمين تزامن مع إحدى أكثر الفترات خطورة في تاريخ المنطقة أي احتلال العراق وحروب “إسرائيل” العدوانية على لبنان وغزة.

 

كما أن هذا الانفتاح، وبخلاف ما يتردد في بعض الأوساط الحاقدة في تركيا، لا يشكل أية إعاقة لملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي المرتبط بقضايا تركية داخلية وأخرى لها بعد أوروبي.

 

ولا شك أن تزايد الاهتمام العربي بتركيا كان نتيجة عجز العرب عن مواجهة أعدائهم الكثر من “إسرائيل” إلى الولايات المتحدة، بحيث وجد الإنسان العربي، أملاً في أن تكون تركيا نموذجاً لما يجب أن يسلكه المسؤولون العرب التائهون في بحر تبعيتهم للخارج أو في خلافات داخلية سخيفة.

 

ولكن في الوقت نفسه فإن السؤال الذي تواجه به أينما حللت وذهبت هو مدى ارتباط العلاقات التركية العربية الجيدة باستمرار “حزب العدالة والتنمية” في السلطة في تركيا.

 

إذ إن العلاقات بين العرب والأتراك عرفت زخمها الفعلي بعد وصول “حزب العدالة والتنمية” إلى السلطة، عندما انتهج سياسة إيلاء العمق التاريخي والجغرافي والحضاري أهمية استثنائية مكّنت تركيا من أن تكون قوة إقليمية عظيمة.

 

ودائماً يطرح السؤال بالشكل التالي: هل تبقى العلاقات جيدة مع تركيا في حال خروج حزب العدالة والتنمية من السلطة لسبب أو لآخر؟

 

ذلك أن لا شيء دائم في عالم السياسة ولا سيما في الشرق الأوسط. ومن حق المواطن العربي أن يسأل مثل هذا السؤال. لكن في الوقت نفسه من حق المواطن التركي أن يسأل السؤال نفسه لكن بطريقة معكوسة: هل تتضرر تركيا من ذهاب “حزب العدالة والتنمية” ليس فقط في علاقاتها مع العرب والمسلمين بل مع كل جوارها الجغرافي؟

 

الجواب التركي هو بالتأكيد نعم. والجواب العربي هو أيضاً: بالتأكيد نعم.

 

ذلك أن العلاقات الجيدة والمتقدمة جداً بين تركيا والعالم العربي أو محيطها لم يصلب عودها إلى الدرجة الكافية، وتحتاج إلى مزيد من الرعاية من جانب الأتراك كما من جانب الدول المجاورة المستفيدة بدورها من هذا التحسن.

 

إن مسؤولية تحصين العلاقات العربية التركية، كما علاقات تركيا مع جوارها عموماً مشتركة، ففي الداخل التركي يتابع جيران تركيا بقلق الصراع الداخلي بين القوى الديمقراطية، وفي قلبها “حزب العدالة والتنمية” والقوى الساعية لبقاء نظام التطرف العنصري والاستبداد السياسي والوصاية العسكرية. ولعل كشف مخططات متتالية للانقلاب على حكومة “حزب العدالة والتنمية” من جانب المؤسسة العسكرية منذ العام 2003 وحتى اليوم يشير إلى أن الصراع لا يزال مفتوحاً. ومع أن “حزب العدالة والتنمية” يحقق تقدماً بالنقاط على الذهنيات الانقلابية والعسكرية والمتشددة ويحمي إنجازاته بالإرادة الشعبية، فإن تهديد رئيس الأركان بأن لصبر الجيش التركي أمام محاولات تدمير معنوياته حدوداً، يبعث على القلق. كذلك فإن ممارسة المحكمة الدستورية لصلاحيات تقع خارج صلاحياتها من دون رادع أو عقاب أيضاً أمر يثير التشاؤم بشأن الإصلاح الداخلي. إن مسؤوليات “حزب العدالة والتنمية” هي في تقوية النظام الديمقراطي عبر إصلاحات جذرية تمكنه من استكمال مشروعه الإصلاحي وتحويله إلى مشروع لصالح كل تركيا الحديثة. وحينها تستقر علاقات الجيرة الحسنة مع كل دول الجوار الجغرافي. أما مسؤولية الدول الأخرى فتكون من خلال مبادلة الانفتاح التركي بانفتاح أكبر بشكل يثبت للجميع وللأتراك أن مثل هذه العلاقات كما هي مصلحة لهذه الدول فهي أيضاً مصلحة وطنية تركية لا تتصل بوجود هذا الحزب أو ذاك في السلطة.

 

إن حماية السياسة الخارجية التركية الجديدة مسؤولية مشتركة بين الداخل التركي والخارج العربي والإسلامي والروسي والأرمني وكل دول الجوار الأخرى، ومن مصلحة الجميع تعزيز خط التواصل والتفاعل والتكامل القائم حالياً.

========================

لعب أولاد

آخر تحديث:الأربعاء ,03/02/2010

الخليج

ميشيل كيلو

قبل خمسين عاماً، كان الأمريكيون يظنون أن على من يريد كسب حرب العصابات ممارسة قدر من العنف أكبر مما يمارسه الطرف الثائر، وحجتهم أنه يجبر الشعب على تأييده بالعنف والقوة، فلا سبيل إلى مواجهته بغير استعمال قدر من العنف ضد الشعب يفوق عنفه، لإجبار مؤيديه على الانفكاك عنه، وتوجيه عنف كاسح إليه، لإرغام مقاتليه على التخلي عنه. بنجاح هذا العنف المزدوج هكذا فكر الأمريكيون ينهار الطرف المقابل لا محالة، وينتصرون هم.

 

هذه الوصفة، التي كانت عين الحكمة قبل نصف قرن، تعتبر اليوم عين الحماقة وسبباً مباشراً لخسارة الحرب، في رؤية استراتيجية الجنرال الأمريكي ماكريستل، قائد الحرب ضد طالبان والقاعدة في أفغانستان. يقول الجنرال: إن إبعاد الشعب عن طالبان يتطلب حسن معاملته وتنمية اقتصاده وتعزيز تربيته وتعليمه ورعايته الصحية.. وترك المواطن العادي لشؤونه وتجنب الضغط عليه، كي لا ينضم إلى صفوف العدو. في الوقت نفسه، وهذا هو الشق الثاني من الخطة القديمة/ الجديدة، يجب ممارسة أقصى درجة ممكنة من العنف ضد مقاتلي طالبان، للقضاء عليهم أو لإقناعهم بلا جدوى القتال. بهاتين السياستين المتناقضتين، يصير النجاح مضموناً: تفشل طالبان من جهة في إغراء الشعب بالانضمام إليها فتجف مواردها من المادة البشرية الخام، ويتخلى الشعب عنها من جهة مقابلة فيسهل ضربها والقضاء عليها.

 

ما إن بلغت هذه الخطة العبقرية مسامع رئيس أفغانستان حامد قرضاي، حتى أضاف إليها لمسة شخصية لا تقل عبقرية عنها، تعد مقاتلي طالبان بإيجاد فرص عمل لهم وبإعطائهم مبالغ من المال، إن هم قبلوا مصالحة السلطة القائمة، وانضووا فيها وتخلوا عن العمل المسلح. قال الرئيس هذا وهو يؤكد الأسبوع الماضي لسامعيه في اسطنبول أن كثيراً من مقاتلي طالبان انضموا إليها لأنهم كانوا عاطلين عن العمل، وأنه يكفي لفكهم عنها تأمين فرص عمل لهم، أو تقديم وعود بهذا المعنى، فإن رفض بعضهم العرض المغري، كان المال له بالمرصاد، فتنهار مقاومته ويتلاشى كرهه للأجانب وللمحتلين، ويسارع إلى الالتحاق بالحكومة. يرى قرضاي أنه لا مفر من إعادة النظر في توزيع أموال الغرب، الذي أنفق خلال السنوات الثماني الماضية عشرات مليارات الدولارات في أفغانستان، ولا بد من تخصيص جزء منها لطالبان التائبة، على أن يواصل القسم الأكبر منه وصوله إلى جيوب الوزراء، وحكام الأقاليم، وقادة العصابات، وضباط الجيش والشرطة، الذين يرون في رئيسهم قدوة في الفساد، مع أنه كان قد تعهد مرات عديدة بالإقلاع عن عادته في سرقة الأموال العامة، وبمنع ضباطه وحكام ولاياته من بيع أسلحتهم وسياراتهم إلى طالبان، وحصل على تعهد من بعض هؤلاء بعدم بيع ما يعرفونه من معلومات حول الهجمات الأمريكية الأطلسية إلى العدو، مقابل مال تحصل الحركة عليه من تعهد قدمته بدورها إلى الجنود الفرنسيين والطليان والألمان، ممن قدموا إلى أفغانستان لمحاربتها وتحرير الشعب من نظامها الأصولي، بعدم شن هجمات عليهم، ما داموا يدفعون لها المال ولا يعرقلون عملياتها ضد قوات الحكومة في مناطق انتشارهم.

 

بأية أعين عمياء يرى الأمريكيون الواقع، وبأية رؤوس فارغة يفكرون؟ ألا تبدو خطط جنرالاتهم أقرب ما تكون إلى لعب أولاد صغار منها إلى فن الحرب؟ هل يصدقون أن مشكلة طالبان هي مشكلة بطالة، وإلا فهي مشكلة ذمم فاسدة تقبل التخلي عن بنادقها مقابل شيء من المال يتلقونه من أيدي حكومية فاسدة؟ ألا يرون أنه ليس هناك ما يجبر مقاتلي طالبان على بيع أنفسهم، ما داموا يحرزون انتصارات يومية على أعدائهم، ويدخلون القصر الجمهوري في كابول ويخرجون منه على هواهم، ويحتلون ويفجرون ويكرون ويفرون في شوارع ومصارف ومحاكم عاصمة قرضاي كما يحلو لهم. بينما يقر الجنرال ماكريستل أنهم يسيطرون على 13 ولاية أفغانية، حيث لديهم عمل كثير ومبالغ وفيرة من المال، يدينون بها لبنادقهم تحديدا، التي يريد قرضاي شراءها، متجاهلا أو جاهلا أنها تسيطر على تجارة المخدرات، التي تمدهم بأموال توفر عليهم ذل قبول مبدأ الرئيس: “العمل مقابل البنادق”، مع أن لديهم عملاً كثيراً أداته هذه البنادق، ومالاً كثيراً حصلوا عليه بفضلها؟

 

لن يسلم مقاتلو طالبان أسلحتهم مقابل العمل أو المال. هذا أمر يعرفه الجميع. ولكن، ماذا سيكون جواب الرئيس إن اشترطت طالبان لتسليم بنادقها تشغيل ملايين العاطلين الأفغان، الذين لا يقاتلون معها، وينعمون بالفقر في ظل حكومته الفاسدة؟ وهل يمكن أن تنتصر أمريكا بحلفاء من أمثال هذا الرئيس، الذي يبدو أنه لا يقل ذكاء عن جنرالاتهم، الذين يرسمون خططا غير قابلة للتنفيذ أو التحقيق، يعتقدون أنها ستكفل لهم النصر لمجرد أنها تبدو منطقية ومنسجمة على الورق، كأنه يمكن تقويم ما في الواقع الإنساني من اعوجاج وأخطاء وعيوب بواسطة خطط ورقية، أو يمكن التخلص من المآزق بمثل هذه الخطط، أو يمكن إقناع البشر بترك آمالهم وطموحاتهم، لأن خطط أعدائهم الورقية تتطلب ذلك.

 

لن تسلم طالبان بنادقها. لو أرادت فعل ذلك، لفعلته قبل سنوات، عندما عرض عليها الأمريكيون التخلي عن القاعدة مقابل بقائها في الحكم وعدم شن الحرب عليها، فرفضت العرض وفضلت العودة إلى نقطة الصفر سلطوياً، كي لا تعود إلى ما دونها بكثير عقائدياً. ولن تفك طالبان تحالفها مع القاعدة، لأنها مثلها، ليست في حال تراجع عام، بل هي تتقدم وتوسع نشاطها في أفغانستان، بينما تخوض القاعدة خارجها المعارك بعزيمة وتصميم وتوسع عملياتها وتنقلها من بلد لآخر، ولا يبدو أنها أصيبت بالوهن أو أن معنوياتها ضعفت، كما يزعم الأمريكيون.

 

وإلى أن يقرر مقاتلو الشعب الأكثر شراسة وتصميما ووطنية على مر التاريخ التخلي عن بنادقهم مقابل العمل والمال، سيكون جيش أمريكا وحلف الأطلسي قد بلغ حافة الانهيار على أيديهم، ومعظم جيش قرضاي قد التحق بهم، بعضه كي يخوض معارك النصر الأخيرة معهم، وبعضه الآخر بحثا عن عمل ومال، قبل النصر وبعده.

 

يحقر قرضاي وطنه وشعبه، حين يتحدث عن المعركة الدائرة في أفغانستان وكأنها معركة تمليها بطالة المقاتلين ويديمها فقرهم. ويستخف كثيرا بعقول الأمريكيين، عندما يضيف إلى خططهم البائسة توابله المحلية، التي تزيد طبختهم الفاشلة فشلاً. لن يستسلم الأفغان لأنهم فقراء. إن فقرهم لا ينسيهم وطنيتهم، ولا يدفعهم إلى البحث عن بدائل للدفاع عن حقوقهم وكرامتهم واستقلالهم. ويشد من عزيمتهم في القتال دخول أمريكا والأطلسي في نفق مظلم، لن تخرجهما منه خطط ورقية يقدمها جنرالاتهم أو اقتراحات همايونية يمدهم بها قرضاي، وأن خير ما يفعله أوباما هو مفاوضة طالبان ليس على إيجاد فرص عمل للتائبين منها، بل لسحب جيوشه من بلادها، التي هزمت وقهرت كل من حاول احتلالها، على أن يشتري حكومتها بعد التحرير، جريا على عادة الحكومة الأمريكية مع حكومات أجنبية كثيرة، عسى أن يقلل ذلك من خسائر بلاده المادية والمعنوية، ويجنبه نصائح رئيس قال هو نفسه عنه إنه لص، وطلب إليه علنا وصراحة وضع حد لفساده الشخصي ولفساد إدارته، ويعتبره سفير أوباما في كابول رجلا لا يمكن الثقة به.

========================

أميركا وتوقعات المستقبل

بقلم :جيسي جاكسون

البيان

3-2-2010

تبدو حالة الاتحاد الأميركي قاسية بكل معنى الكلمة، ويتواصل الانهيار الاقتصادي الناجم عن انفجار فقاعة الإسكان في التسبب بخسائر فادحة.

 

وبحسب ما تشير الإحصاءات، فإن واحدا من بين كل خمسة أميركيين عاطل عن العمل، أو يعمل بعض الوقت. وهذا يعني أن الأجور بدأت تفقد الأرضية التي ترتكز عليها. ويبدو واحد من بين كل ثلاثة منازل عليها رهانات عقارية غارقا بالديون. ويوشك ملايين الأميركيين على أن يفقدوا منازلهم،وهذا سيؤدي إلى ضياع العائلات وتشريد الأطفال.

 

وقد نجحت الجهود اليائسة في الحفاظ على النظام المالي في حالة سليمة، ومنع سقوطه. وأمكن إنقاذ البنوك الكبيرة، حيث أصبحت أكثر تركيزا في إدارة أعمالها من أي وقت مضى، لكنها لم تنجح في إزالة التلبد في عمليات التمويل. فالشركات الصغيرة لاتستطيع الحصول على قروض، وملاك المنازل لا يستطيعون تعديل رهاناتهم العقارية. والتمويل هو بمثابة الدم الذي يجري في العروق بالنسبة للاقتصاد، وعند حدوث تجلط أو تلبد، يخفق الاقتصاد في تحقيق أي نجاح، ويعاني الناس كثيرا.

 

ويجادل الجمهوريون بأن خطة الإنقاذ التي طرحها الرئيس الأميركي باراك أوباما قد فشلت، ثم يقدمون وصفة بالسم الذي تسبب في الانهيار الاقتصادي بالدرجة الأولى. ويطالبون بإجراء مزيد من التخفيض على الحد الأعلى من الضرائب، وبمزيد من الاستقطاع في الأعمال، ومزيد من التحرر الاقتصادي وعدم الانضباط. وحاولت إدارة الرئيس السابق جورج بوش خفض الضرائب، لكن ذلك لم يؤد إلى شيء.

 

والواقع يقول إن خطة التعافي الاقتصادي ولّدت أو وفرت ملايين الوظائف، وحالت المساعدات المالية المقدمة للولايات الأميركية دون تسريح أعداد كبيرة من المدرسين ورجال الشرطة، كما ساعد الإنفاق على البنية التحتية والاستثمارات في الطاقات الجديدة البديلة، على توفير مزيد من الوظائف الجديدة. وأدى توسيع نطاق فوائد البطالة، ودعم مدفوعات الرعاية الصحية، ومنح كوبونات الغذاء، إلى ضخ الأموال في جيوب أكثر الأميركيين احتياجا.

 

والمشكلة في خطة أوباما، بحسب ما يؤكد أي خبير اقتصادي نزيه، أنها غير كبيرة بدرجة كافية. فالانهيار الاقتصادي أعمق بكثير من أي حجم توقعه خبراء الرئيس الأميركي الاقتصاديون.

 

ويشعر الأميركيون بالتشوش والغضب، فهم يرون عجزا اقتصاديا كبيرا ماثلا أمامهم، ويعتقدون أن الأموال تذهب إلى «وول ستريت». وهناك أزمة ثقة في الاقتصاد الأميركي، ومخاوف ساحقة مما يخبئه المستقبل الآن.

 

ونحتاج من الرئيس أوباما إلى أن يقود الزنوج، ويتخلص من القادة الزائفين. يجب أن يحدد ما الذي يتعين فعله، وأن يحشد الشعب الأميركي وراءه، وأن يجعله يشاطره العمل.

 

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن أعضاء الكونغرس المستقلين في الولايات المتحدة، يشعرون بالحنق الشديد نتيجة العجز الاقتصادي، ولهذا السبب تتحدث واشنطن عن خفض العجز. ويتساءل أحد الشعارات: لو توقعنا أن توازن العائلات ميزانياتها في الأوقات الصعبة، أليس على الحكومة الأميركية أن تفعل الشيء نفسه؟

 

هذه كذبة كبيرة، لأنه عندما يجري كل شخص تخفيضات على ميزانيته، فإن على الحكومة أن تتقدم وتقوم بتشغيل الناس. وهذا يستلزم حصول عجز اقتصادي، لأن عائدات الضرائب تكون منخفضة، بينما ترتفع النفقات المخصصة للبطالة وكوبونات الأغذية.

 

والحقيقة المجردة هي أنه لا يمكن إيجاد توازن في الميزانية بدون تحقيق نمو اقتصادي، وأية محاولة للقيام بذلك الآن سوف تعمق الانكماش الاقتصادي، وما أن يعود الأميركيون للعمل حتى ينتعش الاقتصاد الأميركي، وتنخفض النفقات الطارئة. وبالإمكان اتخاذ خطوات لخفض العجز، ولكن تعتبر هذه مجرد حماقة يجب عدم ارتكابها قبل أن يعود الأميركيون إلى أعمالهم.

 

وإيجاد وظائف هو العمل الصائب الذي يمكن تحقيقه بالمعنى الإنساني، وهو أمر ضروري جدا في المنظور الاقتصادي. ويتعين علينا بناء الاقتصاد الجديد من خلال إيجاد عمل لكل أميركي يرغب في العمل، لا أن ندين العائلات الأميركية ونقودها إلى حافة اليأس، في الوقت الذي ندعي فيه أن الاقتصاد الأميركي سليم. آن الأوان للمطالبة بجسارة، بإعادة الأميركيين إلى العمل.

مرشح سابق للرئاسة الأميركية

========================

أوباما "المعطوب"... فرصة لعدوانية إسرائيل

سركيس نعوم

sarkis.naoum@annahar.com.lb

النهار

3-2-2010

لا تعود خسارة الحزب الديموقراطي غالبية ال60 مقعداً في مجلس الشيوخ الاميركي التي تتيح للحزب الجمهوري عرقلة مشروعات قوانين الاول الى سوء اداء المرشحة الديموقراطية لمقعد ولاية ماساتشوستس فقط، علماً ان الهوية الحزبية الديموقراطية المزمنة لهذه الولاية كان يمكن ان تؤمن الفوز لهذه المرشحة لو كانت حملتها الانتخابية جدية ومنظمة ولو لم تكن مقتنعة، وعن خطأ طبعاً، بأنها ستفوز وان من دون حملة مركزة لأن ماساتشوستس كانت دائماً وستبقى قلعة آل كينيدي المنتمين الى الحزب الديموقراطي. بل تعود الخسارة المذكورة الى اسباب عدة اخرى. منها عدم دعم الناخبين المستقلين في الولاية مشروع الرئيس باراك اوباما للضمان الصحي واصرارهم على ارسال جمهوري الى مجلس الشيوخ قادر بخفض الغالبية الديموقراطية فيه على تعطيل امرار هذا المشروع او على تأخير الموافقة عليه او على الأقل تعديله جذرياً بحيث يناسب الجمهوريين والمستقلين ومصالح جماعات الضغط الانتخابية التي تؤيدهم. ومنها ايضاً استمرار ارتفاع نسبة البطالة او بالأحرى اخفاق ادارة اوباما في خفضها على نحو محسوس رغم التحسن الذي طال قطاعات اقتصادية اخرى. ومن الاسباب اخيراً انزعاج الناخبين او بالاحرى استياؤهم من المصارف ومن سائر المؤسسات المالية نظراً الى تخصيصها كبار موظفيها بتعويضات مالية ضخمة لم تؤثر على حجمها حتى الأزمة الاقتصادية – العقارية – المالية - المصرفية الكبيرة التي اصابت الولايات المتحدة ومعها العالم. هذا الواقع يعني في رأي متابع اميركي من قرب للاوضاع الداخلية في بلاده، ولانعكاساتها على الخارج، ان الناخبين في ماساتشوستس وفي غيرها من الولايات يريدون من رئيسهم اوباما معالجة ازمة البطالة ومعاقبة المسؤولين والمتورطين في المؤسسات المالية وايقاف الاقتصاد الاميركي على قدميه بوسائل عدة منها تشجيع الصناعات المحلية وتقديم الدعم الضروري لها.

هل فهم الرئيس الاميركي الرسالة التي وجهها اليه ناخبو ماساتشوستس؟

نعم، يجيب المتابع الاميركي نفسه. لكنه قد لا يكون قادراً على معالجة اسباب شكواهم وتالياً رسالتهم لأسباب عدة ابرزها عدم رغبة الحزب الجمهوري في الدرجة الاولى في مساعدة اوباما وادارته وخصوصاً في مجلس الشيوخ على تقديم العلاجات الناجعة المطلوبة. ولهذا الموقف اسباب حزبية تتعلق بافقاد الحزب الديموقراطي صدقيته وتالياً شعبيته الامر الذي ربما يقلص غالبيته في مجلسي الكونغرس في الانتخابات النصفية او ينهيها. طبعاً يستدرك المتابع الاميركي نفسه، لا يعني ذلك ان الوضع الشعبي لأوباما صار الآن في خطر وان احتمالات اعادة انتخابه بعد نحو ثلاث سنوات صارت معدومة او بالأحرى قليلة اولاً لأن شعبيته تبقى مرتفعة رغم استطلاعات الرأي السلبية. وثانياً، لأن الجمهوريين لم يتوصلوا حتى الآن الى قيادة قوية و"كاريزماتية" قادرة على استقطاب جمهور الناخبين.

هل ستؤثر الخسارة الديموقراطية في ماساتشوستس على السياسة الخارجية لباراك اوباما انطلاقاً من قول اميركي ثابت يعتبر سياسات اميركا داخلية اساساً؟

المتابع الاميركي نفسه لأوضاع بلاده وحركتها السياسية يستبعد ذلك. فاوباما سيستمر في دعم توصل اسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية الى تسوية سلمية عمادها دولتان فلسطينية واسرائيلية. وسينسحب من العراق في نهاية السنة المقبلة 2011. كما سيُخرج جنوده من افغانستان خلال سنتين او اكثر بقليل اذا لم تمنعه التطورات من ذلك. الا ان تطور السياسة الخارجية وخصوصاً في الشرق الاوسط بأزماته المتعددة وبعربه ومسلميه وسنته وشيعته لا بد ان يتأثر في شكل او في آخر بتصرف الزعماء الاقليميين وسياساتهم والمواقف. فهل سترى الجمهورية الاسلامية الايرانية ان الرئيس باراك اوباما صار ضعيفاً جداً وتالياً عاجزاً عن تقديم اي شيء لها او عن فرض عقوبات فاعلة عليها وهل يمكن بسبب ذلك ان تدعم سياسة تلوي ذراعه وتزيد ضعفه؟ وهل تقوم سوريا بشار الاسد بالأمر نفسه؟ في رأيي - يتابع المتابع الاميركي نفسه - سيكون هذا النوع من المواقف غبياً في ما لو اتخذته ايران وسوريا سواء منفردتين او مجتمعتين. ذلك ان لا احد يستطيع الجزم منذ الآن بأن اوباما لن يُنتخب لولاية ثانية. فضلاً عن ان اخفاقه في تجديد ولايته سيأتي الى البيت الابيض برئيس جمهوري لا بد ان يكون بالغ التشدد في مواقفه وسياساته الداخلية منها والخارجية.

كيف يؤثر ضعف اوباما وخصوصاً اذا لم ينجح في ازالته على سياسة اسرائيل؟

التأثيرات قد تكون كثيرة ومتنوعة، الا ان ابرزها هو الذي يشير الى استدراج اسرائيل ايران الى الاشتباك معها بعد قيامها هي بضرب "حزب الله" في لبنان او بالأحرى بتوجيه ضربة مدمرة الى لبنان الذي صارت تعتبره لبنان هذا الحزب. في اي حال لا يعني ذلك في رأي المتابع الاميركي نفسه ان الوضع الراهن (الستاتيكو) وهو هادىء سيتغير في الاشهر المقبلة. لكنه قد يتجه نحو التغيير اذا تأكدت اسرائيل ان اوباما "أُعطب" وصار مضطراً الى التفرغ لمعالجة قضايا الداخل الامر الذي يسمح لها باخراج مخططاتها "العدوانية" المتنوعة من الادراج.

========================

ايران بين تحديات الداخل وتهديدات الخارج

د. سعيد الشهابي

03/02/2010

القدس العربي

أسئلة كثيرة واجهت قادة الثورة الاسلامية في ايران منذ انتصارها في مثل هذه الايام قبل 31 عاما، لتحديد مسار النظام الجديد، تتناول شؤون الحكم وشكله واقتصاد الدولة وهويتها. وربما استطاع النظام الثوري اتخاذ القرار بشأن أغلبها. ولكن سؤالا واحدا يعيد طرح نفسه بشكل دوري خصوصا عندما ينتخب رئيس جديد للجمهورية الاسلامية: ما مدى الاندماج المفيد في النظام السياسي العالمي؟

القادة الايرانيون يدركون ان الاجابة على هذا السؤال، ليس في اذهانهم فحسب بل في تطبيقاتهم وممارساتهم السياسية، ستحدد مواقف الآخرين تجاههم. و'الآخرون' هنا يتمثلون اساسا بالنظام الغربي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الامريكية. وما الحروب التي يخوضها التحالف الانكلو- أمريكي في العقود الاخيرة الا مصاديق لاصرار 'النظام العالمي' على احتواء كافة دول العالم ضمن منظومته الشاملة للسياسة والاقتصاد والثقافة. التحالف الانكلو- أمريكي المتزعم لهذا النظام ما فتىء يتصدر الجهود لضمان هيمنة هذا النظام ومنع الخروج عليه بأية وسيلة ومهما تطلب الامر. واذا كانت ثورة ايران قد فاجأت هذا التحالف الذي فشل في منع حدوثها وادرك انها احدثت شرخا حقيقيا فيه، فانه منذ ذلك الوقت اتخذ كافة الوسائل لضمان هيمنته على العالم. فقد لعب دورا محوريا في التصدي للمشروع السوفييتي مستغلا تورط موسكو في افغانستان، فسقط البديل الاشتراكي بشكل مروع، ولم تقم له قائمة. وخاض الغرب حربا شرسة لانهاء الاجتياح العراقي للكويت خشية ان يكون ذلك بادرة نوعية تهدد تلك الهيمنة. فقد استعملت في تلك الحرب من الاسلحة والقنابل والصواريخ ما لم يستخدم منذ الحرب العالمية الثانية، لتأكيد الوجود الغربي وتوجيه ضربة معنوية لكل من تحدثه نفسه بعدم الانصهار في ذلك النظام السياسي. وتواصلت الحروب على مدى العقدين الاخيرين بشكل مروع، وحصدت أرواح مئات الآلاف من البشر في مناطق شتى. وقد اوضح مؤتمر أفغانستان الذي عقد الاسبوع الماضي في لندن ان التحالف الانكلو - أمريكي يمارس كافة الاساليب لضمان هيمنته. فاذا عجزت القوة العسكرية عن حسم الموقف، لجأ المعنيون بالامر لأساليب اخرى في مقدمتها الاغراءات المالية والسياسية، والاثارات المذهبية اذا اقتضى الامر. والهدف واحد: منع الخروج على النظام العالمي بأية ذريعة.

ومع ان الامام الخميني رحمه الله واجه مسألة الانتماء السياسي والايديولوجي وهو يقود اول ثورة معاصرة ضد هذا 'النظام العالمي' واتخذ قراره الحاسم ازاءه، فان السؤال المذكور ما برح يفرض نفسه على كل رئيس فاز في الانتخابات لاحقا. وقد تباينت مواقف الرؤساء بشكل واضح، وكان دور مرشد الثورة ضامنا للاستمرار في النهج الذي وضع الامام الخميني أسسه. ومنذ وفاة الامام في 1989 بدأ الرؤساء اللاحقون يتخذون مواقف متباينة ازاء اشكالية الاندماج في هذا النظام العالمي. فقد انتهج الشيخ هاشمي رفسنجاني، بعد ان اصبح في 1989 رئيسا، منهج الغزل الدبلوماسي مع الغرب في أكثر اشكاله تعقيدا، وبدا ان مشروعه سوف يفتح ابواب الغرب امام الايرانيين ولكن سرعان ما طرحت قضايا اقليمية ومحلية لمحاصرة ايران. فما دامت ترفض الاندماج الكامل في النظام السياسي المهيمن، فلا مجال لها للأمن الذي يتيح لها البناء والتطور. وعندما انتخب السيد محمد خاتمي في 1997 رئيسا، اندفع ل 'الانفتاح' على الغرب، وطرح مشروعه الشهير ل 'حوار الحضارات' ظنا منه ان 'يطمئن' الغربيين ولكن تلك المشاريع قوبلت بحروب عديدة استهدفت السودان والصومال. وكان ذلك مدعوما بتأصيل فكري بعنوان 'صراع الحضارات'. ولزيادة 'طمأنة الغرب حول النوايا الطيبة لايران'، وقع الرئيس خاتمي اتفاقا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتوقف الكامل عن تخصيب اليورانيوم. وعندما طلب من الغربيين (تحت ضغط مؤسسات البحث العلمي الايرانية) السماح لايران بتشغيل عشرين جهازا للطرد المركزي من اجل الابحاث، رفض طلبه جملة وتفصيلا. وقد أكد جاك سترو، الذي كان وزير خارجية بريطانيا آنذاك، رفض ذلك الطلب في مقابلة تلفزيونية اجرتها معه ال بي بي سي.

الرئيس احمدي نجاد انتخب على خلفية رغبة عميقة لدى رموز الحكم في ايران في 'العودة للاصول'، بعد ادراك هوية هذا 'النظام العالمي' الذي يسعى لاخماد انفاس ليس المناوئين فحسب، بل المترددين في الانسياق ضمن اطره. فقام بالغاء اتفاق الغاء التخصيب، وفي غضون عامين اصبح لدى ايران ما يقرب من عشرة آلاف جهاز للطرد المركزي، ليثبت للرئيسين اللذين سبقاه عدم جدوى السعي لمسايرة الغربيين في ما يطلبون. واذا اضيف الى ذلك مواقفه المبدئية ازاء 'اسرائيل' والدعم العلني للمجموعات المقاومة للاحتلال الصهيوني، اتضح حجم ما تمثله سياسات ايران من تحد للنظام السياسي العالمي الذي يهيمن الغرب عليه. هذا النظام الذي يقوم على اسس من ازدواجية المعايير وانتقائية المواقف يحمل تناقضاته داخله، وهي تناقضات من شأنها تقويضه ذاتيا او من خلال عوامل خارجية تتضافر نتيجة تلك التناقضات. فبرغم الادعاء بانتهاء حالة الكساد الاقتصادي، فان ذلك من بين النتائج المحتومة لنظام يفتقد العدالة والشرعية والنظرة الانسانية المحايدة للعالم. وفي مؤتمر دافوس الاخير، ذهب الغربيون للمرة الاولى منذ عقود وهم يشككون في مدى صلابة النظام الرأسمالي، ولاذوا بالصمت، بينما طرح ممثلو دول العالم الاخرى مقولة 'الطريق الثالث' كبديل للنظامين الاشتراكي المنحل، والرأسمالي المريض. النظام العالمي مارس قبل عقدين من الزمن مهمة التنظير لأسباب سقوط الاتحاد السوفييتي، وعزا ذلك لنظامه الاقتصادي الخائر الذي ادى الى تراكم الازمات حتى تورط الاتحاد السوفييتي في افغانستان، فكانت تلك الحرب الشعرة التي قصمت ظهر النظام الاشتراكي. المنظرون لذلك السقوط المروع، يتجاهلون العوامل المتوفرة ضمن النظام السياسي المفروض على العالم والقائم وفق اسس ومبادىء تنخر تلقائيا في جسده حتى يسقط. فالتداعي الاقتصادي الذي يعاني الغربيون منه ليس الا واحدا من مظاهر تلك التراجعات، وهو مرشح للاستمرار برغم الادعاء بانتهائه، خصوصا مع استمرار التورط في الحروب ضد الآخرين. هذه الحروب اصبحت تلاحق القادة الغربيين الذين ورطوا بلدانهم في أتونها، حتى بعد سقوطهم. فرئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، حوكم امام شعبه مرتين وينتظر الثالثة. فقد أدين بسوء ادارة ملف الحرب، وطرد من رئاسة الوزراء بعد ان تصاعدت اعداد الضحايا البريطانيين في الحروب العبثية في كل من العراق وافغانستان. وحوكم الاسبوع الماضي بشكل علني عندما استدعي من قبل لجنة تحقيق 'تشليكوت' واصبح مثارا للسخرية وأجبر على الاعتراف بأخطائه قبيل الحرب وخلالها وبعدها. لقد كان منظره مثيرا لتقزز المواطنين البريطانيين خصوصا الذين فقدوا ابناءهم في حروبه العبثية. اما المحاكمة الثالثة فيتوقع حدوثها في الشهور المقبلة عندما يخوض حزبه الانتخابات البرلمانية التي يتوقع ان تصبح وسيلة اخرى لمعاقبة الحزب بسبب تصرفات توني بلير.

ايران تتابع هذه التطورات، وتعلم ان ما ينتظرها من تحديات ربما يفوق ما واجهته في العقود الثلاثة الاخيرة. ويشعر قادتها من جهة بانهم حققوا معجزة كبرى بالصمود طوال الحقبة السالفة، وانهم قادرون على الصمود في مواجهة المزيد من التحديات والتهديدات الغربية في ما يتعلق بمشروعهم النووي الذي يكاد يصل الى حالة مواجهة ساخنة. ويدركون جيدا ان السقوط النهائي يبدأ بخطوة، فما ان يتم التنازل عن احد الثوابت حتى تتوالى التنازلات بدون حدود. فما الذي حققه الذين تنازلوا امام الضغوط الغربية والاسرائيلية في فلسطين؟ ما الذي حققته ادارة محمود عباس 'المعتدلة' من تنازلات اسرائيلية او امريكية؟ وما الذي حققته مصر بتوقيعها اتفاقات 'كامب ديفيد' قبل ثلاثين عاما؟ لقد رفضت حكومة نتنياهو حتى خطوة تجميد بناء المستوطنات، فضلا عن منح الفلسطينيين شيئا من الحقوق. القادة الايرانيون ادركوا بعد اكثر من خمسة عشر عاما من 'الاعتدال' ان الغربيين لا يقبلون بأقل من الاستسلام الكامل لارادتهم، فهم لا يقبلون برجل واحدة في معسكرهم واخرى خارجه، بل المطلوب الانصهار الكامل في هذا 'النظام العالمي' الجائر الذي يغض الطرف عن المعتدين ويعاقب ضحايا الظلم اذا رفعوا صوتهم ضده. ومن بين ما يشجع الايرانيين على الصمود شعورهم بان القوى الاساسية في هذا النظام تعاني هي الاخرى من مشاكل متفاقمة، وان النظام نفسه مهدد بالزوال بسبب ما ينطوي عليه من تناقضات، ويحمل بذور تلاشيه داخله. فقد شهدت السنوات الاخيرة فشل سياساتهم في المناطق التي احتلوها، ولا يجدون امامهم مخارج ممكنة الا باثمان باهظة، بشرية ومالية. فلم يستطعيوا تركيع شعب العراق، وفشلوا في الحصول على اي تنازل من حكومته في ما يتعلق بالصراع مع 'اسرائيل'، ولم يهزموا 'طالبان' بل ادت تدخلاتهم لاضعاف باكستان واحتمال سقوط مشروعها النووي بأيدي اعدائهم. ووجدوا انفسهم مضطرين في مؤتمر لندن لاتخاذ خطوات غير مضمونة النتائج، وذلك بشراء مواقف بعض افراد 'طالبان' برصد نصف مليار دولار لذلك الغرض. الايرانيون يدركون هشاشة الموقف الغربي، وضعف شعبية قادته امام شعوبهم. وحتى اوباما اصبح يصارع من اجل مستقبله، خصوصا بعد خسارة حزبه واحدا من المقاعد التي كانت مضمونة للحزب الديمقراطي منذ عقود بعد وفاة روبرت كندي، بينما يعيش رئيس الوزراء البريطاني، غوردون براون قلقا من احتمال خسارة حزبه في الانتخابات البرلمانية المقبلة.

البعض يرى في ما جرى في الشهور الاخيرة في ايران 'رحمة مغلفة'، وان ذلك ضروري لتمحيص الثورة ورجالها، لمنع تآكلها من الداخل. وثمة ادراك بان ما حصل لم يكن محصورا باللغط حول الانتخابات الرئاسية ونتائجها، بل كان يهدف لاسقاط القيادة الروحية للمشروع السياسي الايراني، المتمثل بالمرشد الاعلى شخصيا. وقد ساهم عدد من العوامل في اضعاف محاولات النيل من مشروع 'الاسلام السياسي' الاسلامي الذي كانت ايران الثورة منطلقا له ومشجعا عليه. من بينها التطرف الغربي في دعم الاحتلال الاسرائيلي، وغياب الممارسة الديمقراطية في العالم العربي لاسباب عديدة من بينها الدعم الغربي لانظمة الاستبداد والديكتاتورية، والاستهداف المتكرر ليس للاسلام السياسي وحده بل للاسلام ومقدساته وقيمه ومقدساته، واستمرار الغربيين في شن الحروب ضد بلدان العالم الاسلامي. لقد مضت ثمانية اعوام على التدخل في افغانستان، وما يزال الغربيون يتحدثون عن خمس سنوات أخرى على اقل تقدير قبل ان تتوفر ظروف الانسحاب، في الوقت الذي يتساقط فيه الضحايا من الجانبين. الايرانيون، من جانبهم، اصبحوا لاعبين سياسيين محترفين، ولذلك اصبحوا يمسكون بخيوط اهم القضايا التي تعصف بالعالم الاسلامي: العراق وفلسطين وافغانستان، واصبحوا رقما صعبا لا يمكن الاستغناء عنه عند التعاطي مع اي من هذه القضايا. وفيما يصر الغربيون على الحفاظ على النظام العالمي الذي يتزعمونه ويفرضونه على بقية العالم، فان هناك تطلعا عاما لنظام عالمي بديل يعترف بالحقائق الجديدة في هذا العالم، التي من بينها بداية افول الغرب كقوة اقتصادية وسياسية وحيدة، وبداية صعود الشرق متمثلا في الصين والهند وايران. وحتى روسيا التي أتعبها سقوط امبراطورية الاتحاد السوفييتي، اصبحت تتطلع لذلك التغيير بعد ان تمادت امريكا في الاستخفاف بها وانتهكت دوائر نفوذها بشكل فاضح. وفيما يستمر البحث عن هذا العالم الجديد، تستمر القيادة الايرانية، هي الاخرى، في استعادة مصداقيتها كنظام تغييري تمرد على النظام العالمي الذي تهيمن عليه امريكا، وكوحدة سياسية لا تهتز امام عواصف الداخل والاستحقاقات الانتخابية المتعددة. ولا يمكن التقليل من الصعوبات التي تواجه ايران خصوصا في ضوء الاستهداف المنظم الذي تخصص الولايات المتحدة الامريكية اكثر من سبعين مليون دولار سنويا لدعمه، والمدعوم ايضا من دول اقليمية ذات امكانات مادية عملاقة. المتفائلون يقولون ان الازمة التي اعقبت الانتخابات الرئاسية قد انتهت، خصوصا بعد اعلان كل من حسين الموسوي ومهدي كروبي القبول بنتائجها والاعتراف برئاسة احمدي نجاد، واكتشاف بعض 'الأيدي الخفية' التي أثارت الفتنة. ولكن المتشائمين يعتقدون ان ثمة شرخا اصاب الجمهورية الاسلامية لا يمكن تجاوزه بسهولة، وانها ما تزال تواجه واحدا من أخطر التحديات الامنية والسياسية منذ قيام ثورتها التي تحتفل بذكراها الحادية والثلاثين. قد يبدو السجال مملا وبلا طائل، ولكن طهران تعيش هاجس الاضطراب الامني والسياسي، ليس بسبب استحقاقات ما بعد الانتخابات، بل لان ثمة قوى خارجية تخطط باستمرار لاستهداف نظامها السياسي الذي يعتبر استمراره دعما نفسيا ومعنويا وماديا لحركات المقاومة التي لا تستهدف الاحتلال فحسب، بل تجند نفسها لصياغة مشروع حضاري سياسي بديل لا ينفصل كثيرا عن اطروحة تروج لنظام عالمي جديد. ايران التي عودت العالم على انتظار المفاجآت قررت هذا العالم تقديم المزيد منها، باستعراض مظاهر لتقدمها العلمي خصوصا في مجال الصواريخ والصناعات الثقيلة. هذا في الوقت الذي تستعرض فيه امريكا قوتها بقرار نشر الصواريخ في اربع دول خليجية لمواجهة 'التحدي الايراني' المزعوم. ان ما ينتظره اصدقاء ايران الثورة، مزيد من الانجازات العلمية والسياسية مؤسسة على استقلال تام والتزام بالمبادىء ورفض الرضوخ للاملاءات الغربية. والأهم من ذلك، اتخاذ كافة الاجراءات للحفاظ على الوحدة الداخلية بين القوى المبدئية والثورية التي ستظل عنوانا للتغيير في المنطقة والعالم، ان هي أطرت حركتها بحكمة ومنطق ومسؤولية ومبدئية.

' كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

========================

إسرائيل.. وحروب الإغراق بالمياه أيضاً!

المستقبل - الاربعاء 3 شباط 2010

العدد 3557 - رأي و فكر - صفحة 19

سليمان الشّيخ

بعد كل حرب كانت تشنها القوات الاسرائيلية في المنطقة العربية، كان إعلامها لا يكف عن مزاعم تتعلق بما يسمى "طهارة" السلاح الاسرائيلي، أي أن ذلك السلاح لم يكن إلاّ في مهمة "دفاعية"، وأنه لم يستعمل إلاّ في مواضعه المطلوبة والمحددة. وأن المدنيين كانوا في منأى عن ويلات وأذى الحرب، كما أن المؤسسات المدنية الإنسانية كالمستشفيات والمدارس ومؤسسات الخدمات الإجتماعية وغيرها، لم تتعرض للاعتداء أو التدمير! هكذا دأب الإعلام الاسرائيلي الرسمي في ترديد ترهات وأكاذيب، لم تكن تصمد في وجه أي متابع أو محقق نزيه.

ولم يتورع عدد من الجنود الاسرائيليين عن الاعتراف والحديث بالتفصيل عن غزواتهم وحروبهم واعتداءاتهم، وتحديد الأماكن وملامح بعض ضحاياهم، حسب ما نقلته بعض المصادر الإعلامية العالمية، أو حتى ما نقلته بعض أجهزة إعلامهم ذاتها، وحسب ما جاء في رواية "خربة خزعة" لسميلانسكي المنشورة منذ عام 1949. وكان قد كشف تقرير غولدستون الأخير، تفاصيل دامغة عن ممارسات القوات الصهيونية في الغزوة الأخيرة التي شنتها ضد قطاع غزة، على الرغم من ادعاءات جيش الاحتلال الاسرائيلي وقيادته السياسية، بأن كل ما حدث كان ضمن ادعاءات "طهارة السلاح"! في حين أن تقرير غولدستون كشف عن فظائع ومجازر وقتل مخطط للمدنيين، وصل عددهم مع الجرحى إلى آلاف الضحايا، مع تدمير ممنهج للمدارس والعيادات والمستشفيات، وغيرها من المؤسسات المدنية، علما أن بعضها يعود إلى هيئة الأمم المتحدة "الأونروا". إذا ليس في الأمر "طهارة، بل هو تطهير عرقي ممنهج لكل ما هو فلسطيني، أو عربي يقاوم الهجمات الصهيونية، أو حتى لا يقاومها !.

أما آخر الاخلاقيات والطهارة الصهيونية، التي سجلتها في سجلها الدامي الإجرامي، فهي فتح منافذ سد وادي غزة، وإطلاق مياهه باتجاه الوادي الذي قلما عرف المياه منذ 20 سنة، بسبب تحويل المياه عن مجراها الطبيعي في الوادي إلى المستعمرات الصهيونية في منطقة النقب المحتلة منذ عام 1948، حيث أقام الصهاينة مزارع وبلدات ومشاريع تخصهم، وحرموا أهالي غزة منها. ولأن الأمر أصبح كذلك، فإن بعض البدو والفلاحين أقاموا لهم بيوتا مؤقتة من القش وبيوت الشعر والصفيح والزينكو، وأقاموا حظائر لمواشيهم في قلب الوادي.

وهكذا من دون سابق إنذار أو تحذير، قام المستعمرون الصهاينة بفتح قنوات المياه في السد لتصريف الفائض من المياه، بعد هطْل الأمطار الغزيرة غير العادية في الأيام القليلة الماضية، ما أحدث سيولا عارمة، ساقت أمامها البيوت والمواشي والبشر، ونتج عن ذلك جرح وفقدان وموت العشرات من الناس، ونفوق المئات من رؤوس الماشية، علما أن قانون المياه الدولي يفرض على دول منابع الأنهار ومجراها، إبلاغ الجهات المسؤولة عن المياه بعد دخولها إلى حدودها، من أية تغييرات أو إجراءات اتخذتها أو رصدتها، وهذا ما لم تتخذه أو تبلغ عنه السلطات الصهيونية أبدا، ما يعني أن كارثة وحربا جديدة أحاقت بغزة وشنت عليها.

هذا الحادث الجلل، يذكّر بما كانت تقوم به السلطات الاسرائيلية، وما فتئت تفعله على حدودها مع لبنان، إذ أنها وعندما كانت مياه الأمطار في مثل هذه الأيام تزداد وتفيض عن حاجتها في محيط مستعمرة المطلة، فإنها كانت تفتح قنوات المياه، وتطلقها داخل الأراضي اللبنانية، لتحصل إثرها حالة كارثية في المنطقة المحاذية لها في بلدة كفركلا، ما كان يخرب حقولها ومزارعها ويهدد بيوتها، ويعطل السير في الشارع الطولي المتوجه على بلدة العديسة وبقية القرى في القطاعين الأوسط والغربي. ولولا تدخل قوات "اليونيفيل" والقوات الإسبانية بصورة إيجابية وبنائها بركة لاستيعاب المياه التي كانت تطلقها القوات الصهيونية، لتجدد الأذى للطرق والبيوت والمزروعات في كل موسم شتوي. كما أن الأذى والتخريب المقصودين حدثا لمزارع وبيوت بلدة عيترون أيضا في سنوات سابقة، من خلال إطلاق المياه المبتذلة من المستعمرة الصهيونية المواجهة للبلدة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولم يتوقف الأذى إلا بعد تدخل قوات اليونيفيل الأممية أيضا.

فهل هذه أخلاق دولة ومجتمع يريدان إقامة "سلام مع جيرانهما"، وأية طهارة في مثل هذه الأخلاق والمسلكيات؟. وليس أبلغ مما ذكره المواطن الفلسطيني من غزة عزيز حمدان بعد كارثة السيول في وادي غزة حين قال إن "إسرائيل تفتح السد ونحن نغرق بالمياه، وهم يقصد الإسرائيليين يضحكون على العالم، فيرسلون مساعدات إلى هاييتي بينما هم يقتلون الناس في غزة. أين العالم من هذا الظلم؟".

========================

حلم برلسكوني في إسرائيل!

د. عايدة النجار

الدستور

 3-2-2010

في الوقت الذي يرى برلسكوني رئيس الوزراء الايطالي أن المستوطنات الاسرائيلية تشكل "عقبة أمام السلام" وأنها "خطأ" ترتكبه إسرائيل من جهة يقوم بزرع شجرة ، ويرحب بزرع شجرة إسرائيلية في إيطاليا من جهة أخرى. ويعتبر الرئيس القادم من أوروبا أن له الشرف بالقيام بذلك ، أي زرع الشجرة في أرض الفلسطينيين المسروقة. كان جريئا أن يلفت الى الخطأ كونه وكما عبر عن ذلك "صديق" حيث أنه يعتبر من أقرب حلفاء إسرائيل منذ عودته للحكم.

 

حالما يصل أي زعيم لزيارة إسرائيل ، يكون على رأس البرامج المعدة للزيارة ، القيام بزيارة الى متحف "يادفاشيم" لتخليد محرقة اليهود كما يسمونها. وبالطبع فالزائر يصبح أسيرا لعادات وضعتها إسرائيل "كلبس الطاقية" الرمز الاسرائيلي لاظهار الاحترام للمعتقدات اليهودية ، والتي وضعوها بشكل مدروس لأنها جزء من حملة دعائية إعلامية متواصلة حولوها الى عملية وجدانية تؤثر في عواطف من يمارسها. بالاضافة لذلك يقوم كثير من الضيوف بزراعة "شجرة" ، أيا كان نوعها ، فهي أيضا رمز لبقائهم في الأرض التي خدعوا العالم منذ حلموا بفلسطين أنها "أرض بلا شعب" يزرع ويحصد ويأكل. وبكل وقاحة يطلبون زرع "شجرة" بينما يقومون كل يوم بقلع ألاف أشجار الزيتون المتجذرة في الأرض الفلسطينية والتي كتبت التاريخ أن الأرض لهم.

 

وبتأثير العواطف والعلاقات الشخصية يقوم الضيف بتنميق الاقوال والجمل التي تريد إسرائيل سماعها في خطابه ، ولتحقيق الهدف من الدعوة وهو التأكيد على سياساتها الكاذبة. يبدو ذلك واضحا عندما يقول برلسكوني أن إسرائيل مثل إيطاليا في مساهماتها في الثقافة الغربية. وبلا شك هذا ما كان يتوقع نتنياهو سماعه خاصة وإسرائيل تعتبر نفسها من العالم "الاوروبي المتحضر" ، وكما يعتبرها الغرب وليس من "الشرق المتخلف".

 

لم يكتف برلسكوني بذلك بل عبر عن حلمه الاكبر بأن تنضم أسرائيل الى الاتحاد الاوروبي. وكما هو معروف فهذه أمنية إسرائيل لتحقيق هذا الحلم حتى وإن كانت لا تتمتع بالشروط اللازمة للانضمام للسوق الوروبية المشتركة. وقد زاد قلقها في السنين الاخيرة برفض أوروبا منتجات المستوطنات اليهودية والتي زرعت على الاراضي الفلسطينية المحتلة.

 

السياسة الاسرائيلية تعتمد بشكل كبير على الدعاية والكذب وقد قامت عليها منذ البداية في جميع أنحاء العالم وكان ذلك من أجل خلق رأي عام وتشكيله ليكون ويظل حليفا لها. والدعاية بهذا كانت ولا زالت أداة تحاول إسرائيل الكذب وتغيير وتشويه الحقائق والتلاعب بالمشاعر ، وقد أصبح واضحا للدول الاوروبية أن ما تقوم به خطأ بل جريمة كبرى. لم تغير إسرائيل أسلوبها منذ أن "قررت" الصهيونية استعمار فلسطين في منتصف القرن التاسع عشر. وبعد أن أقامت ما تسميه "دولة" ، فهي تواصل سياستها الدعائية مع الدول والاشخاص ، وكما فعلت عندما استجلبت يهود العالم وخدعتهم ، أنهم ذاهبون الى بلاد "السمن والعسل" هدوء البال.

 

لقد ان الأوان أن تكون الدول الغربية أكثر حزما في نصح إسرائيل وأكثر صدقا في قول الحقيقة ، ولعلها تنصحها أن تصبح ممن يؤمنون بالسلام. إنهم يعرفون أن السلام كما تراه إسرائيل ليس سلاما ، وهي بأساليبها المتعددة والمكررة ، ستظل عقبة في طريق السلام ليس فقط في الشرق الاوسط بل للسلام العالمي.. لن يقولوا ذلك كما يفهم الجميع فمصالحهم مشتركة خاصة وهم يتحيزون لأسلحتها النووية بينما يهددون إيران وغيرها ويستعدون لحروب ولكثير من المآسي البشرية في المنطقة.. وهم أيضا لا يتعلمون كما لا يتعلم العرب؟،.

========================

المسؤولية مسؤولية إيران!!

صالح القلاب

الرأي الاردنية

3-2-2010

كما أن غزو الكويت في العام 1990 قد خلق المبررات التي كان ينتظرها الذين يريدونها لتحويل منطقة الخليج إلى معسكر كبير للقوات الأجنبية والقوات الأميركية على وجه الخصوص كذلك فإن تطلع إيران إلى ما وراء حدودها بالإضافة إلى سعيها المتواصل لامتلاك الأسلحة النووية قد استدرج كل هذه الصواريخ التي يجري الحديث عنها والتي تشير المعلومات إلى أنها تتواجد بالأساس في منطقة الخليج العربي وأنه سيجري تحديثها وتعزيزها ووفقاً للخطة التي كشفت النقاب عنها بعض وسائل الإعلام والصحف في الولايات المتحدة.

 

لو أن غزو الكويت في عام 1990 لم يحدث فإنه ما كان للولايات المتحدة والدول التي شاركتها أن تقوم بما قامت به لأنها كانت بحاجة إلى مبرر لمثل هذا الغزو الذي تكشف لاحقاً أن دافعه الحقيقي هو ترتيب أوضاع هذه المنطقة لقرن مقبل بأكمله وأن ما قام به النظام العراقي السابق ضد دولة شقيقة كان مجرد ذريعة لكل ما حول منطقة الخليج إلى معسكر كبير تضاعف حجمه واتسعت دائرة انتشاره بعد حرب عام 2003 على العراق.

 

الآن يحدث الشيء نفسه فهذه الحقول الصاروخية ما كان من الممكن أن تكون لو أن إيران لم ترفع شعار «الثورة الدائمة» ولو أنها لم توجد مراكز نفوذ مسلحة لها في عدد من دول هذه المنطقة ولو أنها لم تتدخل كل هذا التدخل السافر في الشؤون الداخلية العراقية.

 

لا دول الخليج المنهمكة الآن في تنمية اقتصادية واعدة ومبشرة وقطعت مسافة طويلة على هذا الطريق تريد أن تتحول أراضيها إلى حقول صواريخ مدمرة بحجة مواجهة أي عدوان إيراني وشيك ولا الدول العربية ، حتى بما في ذلك التي يتدخل الإيرانيون في شؤونها الداخلية والتي يحاولون اختراق مجتمعاتها بحجج وذرائع متعددة ، مع أن يلجأ الأميركيون والإسرائيليون إلى العمل العسكري بغض النظر عن طبيعة هذا العمل لحل مشكلة قدرات إيران النووية.

 

هناك في العادة وعلى مدى التاريخ من تستدرج مواقفهم السيئة الهوجاء والعشوائية الدببة إلى كرومهم وهناك في العادة وعلى مدى التاريخ من وضعوا بلدانهم على الأرصفة التي كان أعداؤهم يريدون أن يضعوا أنفسهم عليها فكانت النتائج كارثية واستعماراً دام سنوات طويلة لم يجر التخلص منه إلا بحروب مدمرة وتضحيات بشرية ومادية كبيرة.

 

لا تتحمل دول الخليج مسؤولية هذا فإيران بتطلعها خارج حدودها وبالتهديد المستمر لهذه الدول واحتلال بعض أجزاء منها كما هو واقع الحال بالنسبة للجزر الإماراتية هي المسؤولة وهنا فإن ما زاد الطين بلة هو أن طهران تعاملت مع مسألة قدراتها النووية بطريقة استعراضية استفزازية وهو أن محمود أحمدي نجَّاد بتصريحاته الأخيرة التي تحدث فيها عن اقتراب بلاده من امتلاك السلاح الذري قد وضع كل المبررات المطلوبة في يد الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى لتحويل أراضي بعض الدول الخليجية إلى حقول لصواريخها التدميرية.

========================

هل ولد "الاتحاد من أجل المتوسط" ميتاً؟!

المستقبل - الاربعاء 3 شباط 2010

العدد 3557 - رأي و فكر - صفحة 19

د.محمد مالكي()

تَجدَّد النقاش حول أسباب توقف قطار " الإتحاد من أجل المتوسط" وعُسر انطلاقه نحو الفعل، كما وعد دعاة المشروع والمساندون له، بل ذهب العديد من المحللين إلى أن مسيرة الإتحاد ليست في حالة توقف فحسب، وإنما لم تنطلق أصلاً، فالفكرة التي أعلن عنها الرئيس الفرنسي " نيكولا ساركوزي" في خطابه الشهير في مدينة " طولون " إبان حملته الانتخابية (2007)، وأعاد صياغتَها والتسويق لها لاحقاً، لم تتجاوز عَتبة الإعلان الرسمي ، إذ باستثناء اجتماع رؤساء الدول والحكومات المطلة على البحر الأبيض المتوسط ( من دون ليبيا ) وأعضاء الاتحاد الأوروبي، ومشاطرتهم الفرنسيين الاحتفاء بذكرى الثورة الفرنسية ( 14 يوليو 2008)، لم يُنجز ما من شأنه الإقناع بأن الاتحاد شرع في تنفيذ الاستراتيجيات، ومراكمة المكاسب، اللهم بعض الاجتماعات المحدودة للخبراء والوزراء والموظفين. لذلك، تُعيد وضعية الاتحاد اليوم النقاشَ إلى مربع الصفر بخصوص سياقات الإعلان عنه، والأبعاد والمقاصد من تأسيسه.

حمَلت فكرة " ساركوزي"، كما هو معروف، عناصر الاختلاف حول طبيعة المشروع الذي نادت به ، ونوعية الأهداف التي تروم تحقيقها. فهكذا، لم تحظ، من جهة، بالقبول داخل الجسم الأوروبي نفسه، وتحديداً من قبل ألمانيا، التي عبرت، على لسان مستشارتها " أنجيلا ميركل"، عن عدم تفاعلها الإيجابي مع الصيغة الأصلية للمشروع، معتبرةً إياها نسخة مكررة للإتحاد الأوروبي ، لتدعو إلى تعديل التسمية كي تصبح" الاتحاد من أجل المتوسط" عوض " الاتحاد المتوسطي"، وتشدد على انضمام الأعضاء السبعة والعشرين إلى الإتحاد، وتخويل المفوضية الأوروبية دوراً محورياً في إدارة عمله وتوجيه نشاطه. كما انطوت الفكرة، منذ بدايتها، على مقاربات متباينة، وأحياناً متناقضة، لما يتوخى المشروع تحقيقه. فعلى الصعيد المغاربي، تنوعت ردود الفعل حُيال الفكرة ، فبينما اعتبرتها ليبيا" إهانة"، وأحجمت الجزائر عن قبولها فور الإعلان عنها مباشرة، انخرطت كل من تونس والمغرب في دينامية التأسيس والتفكير في إرساء هياكل الاتحاد ، لتلتحق مصر وسوريا بالكوكبة، ويتم التفكير في الأردن، على الرغم من عدم إطلالها على المتوسط، ويُراهَن على دول الخليج للمساهمة في دعم المشروع مادياً.

بيد أن قراءة النقاشات التي واكبت الإعلان عن تأسيس " الإتحاد من أجل المتوسط"، توحي بأن ثمة عناصر أخرى ، إلى جانب ما سبق بيانُه، عقَّدت حصول تفاهم مشترك حول طبيعة المشروع ومقاصده، منها تحديداً وضعية كل من تركيا وإسرائيل. فمن المعروف أن طلب تركيا الانضمام إلى الفضاء الأوروبي من الملفات ذات الأولوية في السياسة الخارجية لهذه الأخيرة، وحتى على فرض أن الصيغة الجديدة للاتحاد من أجل المتوسط مكَّنت تركيا من التحول إلى دولة ذات أهمية خاصة في البناء المتوسطي المعلن عنه، فمن المستبعد، في تقديرنا، اقتناع القادة الأتراك بالتخلي عن طموح الانضمام إلى الإتحاد الأوروبي، لأسباب سياسية وإستراتيجية. فتركيا تمتلك، من جهة، كل مقومات العضوية في الفضاء الأوروبي، ولا يحول بينها وبين هذه الصفة سوى التردد الأوروبي إزاء الإسلام، ثم إن مكانتها الإستراتيجية في التوازنات الأوروبية والغربية ( مكانتها في حلف الناتو )، تُذكي اقتناعَها بأن مستقبلها الطبيعي في جسم الاندماج الإقليمي الأوروبي الواسع، وليس في الكيان الجديد، أي الإتحاد من أجل المتوسط. أما إسرائيل، فإن حالة الانحسار التي تعيشها مفاوضات السلام، والسياسة الاستيطانية التي ما انفكت تتسع باستمرار، تجعل إمكانية إدماجها ضمن منظومة دول الإتحاد الجديد غير متوافق عليها ولا مقبولة أصلاً، لاسيما بعد الحرب الأخيرة على غزة ( شتاء 2008).

يُفهم مما سبق تحليلُه أن ثمة أسباباً من طبيعة شبه بنيوية جعلت دينامية " الإتحاد" تتوقف عند خطوة الإعلان عن التأسيس. فإذا كانت الحرب على غزة خلقت وضعاً سياسياً ونفسياً سلبياً إزاء استمرار المشروع وتطوره، فإن الفكرة ، في تقديرنا، تحتاج إلى اجتهادات جماعية قادرة على إخراجها من دائرة التردد، والشك، وعدم الاطمئنان على أهميتها الإستراتيجية. فمن عناصر هذا الاجتهاد، توضيح العلاقة بين " الإتحاد الأوروبي" و" الإتحاد من أجل المتوسط"، وإقناع الدول الأعضاء في الكيانين معاً أن المشروع الجديد قيمة مضافة غير متعارضة ولا مناقضة للفضاء الأوروبي الموحد، ومن ثمة إقناع شعوب الدول الأعضاء، التي تنتظر أن تتولد عن الاتحادات الجهوية والإقليمية تأثيرات إيجابية ملموسة في حياتها اليومية. فتجربة العشرية الأولى من معاهدة برشلونة ( 1995 2005)، مازالت حاضرة ، ونتائجها المتواضعة، حتى لا نقول الضعيفة، لا تدعو إلى الاختلاف، بشهادة قادة الرأي وصناع القرار الأوربيين أنفسهم. يُضاف إلى ذلك عَجز الصيغ المشتركة للشراكات مع أوروبا عن خلق دينامية حقيقية للمفاوضات العربية الإسرائيلية، ورعاية استمرارها، وضمان قيادتها نحو التوافق حول حلِّ عادل ونهائي لأطول وأعقد قضية في العصر الحديث، ناهيك عن النزاعات المتزايدة في المنطقة التي تشكل فضاء الإتحاد الجديد، لاسيما في ضفته الجنوبية والشرقية. لذلك، بدا الإتحاد من أجل المتوسط وكأنه يراوح مكانه، عاجز عن التقدم إلى الأمام، أو في أحسن الأحوال يعيش مفارقةً مستعصيةَ الحل بين الرغبة والطموح من جهة، والواقع والممكن من جهة أخرى. بيد أن مقابل هذه الصورة المشكِّكَة في قدرة الإتحاد على التحول إلى كيان مشترك حقيقي وفعال، هناك من يراهن على انتقال رئاسته إلى إسبانيا قريباً لإعادة تشغيل قاطرته، ودفعها نحو استكمال مؤسساتها ورسم إستراتيجيتها، لاسيما وأن هذا البلد الأيبيري يمتلك مقومات الفعل في هذا الإتجاه.

========================

سلام» الشرق الأوسط... على الأجندة مجدداً

جيمس زغبي

السفير

3-2-2010

فيما نحتفل بمرور عام على تولي أوباما الرئاسة في أميركا، تظهر أمامنا بوضوح الحقائق التالية:

[ إن هناك حدودا لما يريد الرئيس الأميركي أن يفعله حاليا: بدأ أوباما فترة ولايته الأولى متعجلا تحقيق تقدم على مسار مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، على أساس أن ذلك يصب في «مصلحة الأمن القومي الأميركي». أما الآن، وبعد عام على مجيئه، فلا يبدو أوباما في عجلة من أمره بشأن تحقيق ذلك التقدم. في المقابلات الأخيرة التي أجراها، بين أوباما الأسباب التي حالت دون تحقيق تقدم، لكنه تجاهل هذا الموضوع في خطابه عن حالة الاتحاد. والشيء المزعج بالطبع، هو أن أوباما وفي معرض تناوله للأولويات الأخرى خلال سنته الأولى في البيت الأبيض، والتي لم تتحقق، وهي برنامج الرعاية الصحية، وإصلاح القطاع المصرفي، وسياسة الطاقة (المناخ)، أوضح بجلاء أنه يعتزم مواجهة «جماعات الضغط وأصحاب المصالح الخاصة» التي تقف في طريق تحقيق التغيير، بينما لا نجد أي مؤشر على أنه ينوي استخدام روح المواجهة هذه في موضوع «سلام» الشرق الأوسط.

ومن المرجح أن يستمر فريق أوباما لمفاوضات السلام الذي يرأسه جورج ميتشل في العمل أملا في تحقيق شيء. أما الآن، وعلى ضوء الاقتصاد الراكد، ومعدلات البطالة المرتفعة، وانتخابات التجديد النصفي في نوفمبر، فالمرجح أنه «ما لم يتحقق اختراق غير محتمل في الأفق» فإن أوباما سيركز اهتمامه على الموضوعات التي تتصدر قائمة اهتمامات الناخبين الأميركيين.

[ إن الأوضاع السياسية للإسرائيليين والفلسطينيين قد وصلت إلى درجة خطيرة من الاختلال الوظيفي: لقد أشار أوباما إلى هذه الحقيقة في مقابلاته الأخيرة، في جلسة عقدت في دار بلدية فلوريدا الأسبوع الماضي. وهذه المشكلة في حقيقتها أكثر جسامة مما أشار إليه الرئيس، لأن المتشددين الإسرائيليين والمستوطنين المتعصبين يمثلون تهديدا خطيرا ليس فقط للفلسطينيين، بل لأي حكومة إسرائيلية تحاول إزالة المستوطنات. فهؤلاء المتعصبون يمثّلون «حرباً أهلية في طور التشكل» مما يعني أهمية التعرف على الخطر الذي يمثلونه، والعمل على مواجهته بكل الوسائل قبل أن يتفاقم.

وإن تبنت إسرائيل أحياناً مواقف تظهر أنها تتصدى لهم، حتى وإن على نحو محدود، فإنني لا أزال أعتقد أن أي حكومة ائتلاف إسرائيلية، لن تكون قادرة على القيام بما هو مطلوب لهزيمة هذه العناصر المتعصبة. ومما يفاقم من صعوبة الوضع، أن نتنياهو يعتقد أنه نجح في التغلب على الحكومة الأميركية في المناورة، وأن هذا الاعتقاد قد جعله أكثر جرأة.

على الجانب الفلسطيني لا يمكن وصف الوضع سوى بأنه يدعو للكدر. فالقيادة الفلسطينية التي حل بها الوهن بعد الهزيمة الانتخابية التي تعرضت لها في العام 2006 على أيدي «حماس»، وانقساماتها الداخلية العميقة، أصبحت أكثر ضعفا بسبب الوضع المحرج الذي وضعتها فيه الولايات المتحدة لعجزها عن تنفيذ وعدها بالضغط على إسرائيل من أجل تجميد المستوطنات، ورفضها المبدئي لتقرير غولدستون، قبل أن تتخلى عن تلك القيادة في النهاية. أما بالنسبة لقيادة «حماس» فرغم الكوارث التي ساهمت في جلبها على رؤوس الشعب الفلسطيني، فإنها لا تبدو مستعدة لتغيير اتجاهها قريباً.

[ وأخيراً هناك ضعف واضح في قدرة الدول العربية على استخدام قوتها لتدشين أي «مبادرات دبلوماسية» لتغيير اللعبة. لم يكن ينبغي على العرب الانتظار حتى يتولى أوباما الرئاسة الأميركية. فالفترة التي مضت بين انتهاء انتخابات 2008 وتنصيبه رئيسا، وفرت فرصة ممتازة لتقديم مبادرة عربية كان الرئيس الجديد سيضطر لأخذها بالاعتبار. وبدلا من ذلك كانت إسرائيل هي التي حيّت الإدارة القادمة بحرب مدمرة ل«تغيير اللعبة» في غزة بهدف إقصاء «حماس». وعندما دعا أوباما في بداية ولايته الإسرائيليين والعرب للقيام بمبادرات ل«بناء الثقة» من أجل خلق بيئة أفضل لصنع السلام، كانت لدى العرب فرصة أخرى لتقديم مقترحاتهم، لكنهم مرة أخرى أيضا لم يفعلوا.

هذا هو الوضع الذي نجد أنفسنا فيه بعد عام على تولي أوباما: إن الرياح التي كانت تدفع شراع سفينة الرئيس قد نفدت، والوضع على الأرض قد أصبح أكثر صعوبة وتعقيداً، والإسرائيليون رغم بعض الضغط الدولي الذي يمارس عليهم، يشعرون أنهم أصبحوا أصحاب اليد العليا في واشنطن. ما الذي يمكن عمله إزاء ذلك؟ هناك خطوات يمكن العرب اتخاذها خلال هذه الفترة يمكن إيجازها بأن تسعى الدول العربية لتحقيق إجماع عربي يساعد على استعادة الوحدة الفلسطينية، ويضغط على الفلسطينيين ويساعدهم في الوقت ذاته على بناء بيتهم من الداخل، ودعم مبادراتهم لبناء المؤسسات. وسوف يكون من المهم أيضا وضع أجندة لمواجهة الاحتلال، وتفعيل القاعدة الشعبية وحشدها في مجال العمل المباشر الذي لا ينتهج العنف. ولا شك بأن التظاهرات التي تجري في حي «الشيخ جراح» وعند الجدار، تتطلب اهتماما على أساس أنها يمكن أن توفر قاعدة لعمل فلسطيني إسرائيلي مشترك وموسع.

مثل هذا البرنامج يمكن أن يعيد شحن القاعدة الفلسطينية بالطاقة، ويعيد التلاحم بين القيادة والقواعد الشعبية الفلسطينية، ويوثق علاقات العمل بينها، ويكتسب الدعم العالمي من خلال خلق قوة رافعة جديدة للفلسطينيين يمكن لهم الاستفادة منها في مفاوضات مستقبلية. وإذا ما تم تعزيز ذلك من خلال مبادرة سلام عربية جديدة، تضم مكونا قويا للعلاقات العامة، فإنه قد يوفر «مغيراً بناءً للعبة» يمكن أن يضغط على إسرائيل والولايات المتحدة، ويدفعهما للاستجابة.

========================

محاولة التفاوض الجديدة

عبد الرحمن الراشد

الشرق الاوسط

3-2-2010

ليس عبثا تجاهل الرئيس الأميركي باراك أوباما تماما قضية الشرق الأوسط في خطابه السنوي، ما يسمي خطاب حالة الاتحاد. لم يشر إليها ضمن نشاطات حكومته في تجاهل مقلق، بعد أن كان يبدأ خطبه، التي أعقبت فوزه في الانتخابات الرئاسية العام الماضي، بالحديث المتفائل عن مشروع السلام.

هل وصل الرئيس باراك أوباما إلى نفس النتيجة التي وصل إليها الرئيس الأسبق بيل كلينتون، في آخر ولايته بعد فشل مشروع المفاوضات مع ياسر عرفات. كلينتون أوصى الرئيس الخلف جورج بوش الابن بألا يقع في نفس الورطة، ناصحا إياه بأن يتجاهل القضية لأنه لا توجد جدية لدى الأطراف المتصارعة في التوصل إلى أي سلام.

بوش، رغم النصيحة، جرب حظه عندما أعلن استعداده للاعتراف بدولتين فلسطينية وإسرائيلية ضمن مشروع سلام، لكن تلك الخطوة لم تجد صدى، وبعدها بأسابيع قليلة وقعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر وأسكتت أي حديث غير حديث محاربة «القاعدة».

بعد فوزه بالرئاسة تفاءل الرئيس أوباما كثيرا وقدم حل القضية الفلسطينية على كل القضايا الأخرى، بما في ذلك محاربة الإرهاب، مما جعله محل انتقاد واسع في الولايات المتحدة. لكن أوباما لم يتراجع وأكمل محاولاته معتمدا على وسيط نزيه هو جورج ميتشل، رجل لم يطعن أحد قط في حياديته، ولم يتهم أبدا بانحيازه لإسرائيل. وبعد أشهر من الدوران جاءت الصدمة كبيرة على أوباما بعد أن اعترف له الوسيط بألا أحد يبدو مهتما بحل القضية.

وها نحن أمام جولة هادئة، تبدو محاولة شبه أخيرة، لإقناع الأطراف بأن التفاوض ضرورة للتوصل إلى سلام. وهل هناك سلام يمكن أن يتحقق أفضل في ظروف اليوم برعاية رئيس نزيه ووسيط عادل؟ إنها فرصة حقيقية إن كانت هناك إرادة لإنهاء هذا النزاع الذي ترك ملايين الناس يعيشون في الملاجئ وفي المنافي وفي ظروف لا تقبل لأي إنسان، في ظلم لم يعرف العالم مثله وطوال هذه العقود.

الملامح الجديدة تشير إلى أن المحاولة تريد توسيع خريطة الحوار بإدخال السوريين. وهذا أمر مهم، حيث لا سلام بلا سورية. وكذلك بمنح القيادة الفلسطينية عذرا للجلوس مع الإسرائيليين بدون شروط مسبقة بالاعتراف مبكرا بماهية الحدود، من أجل مقايضة الحدود بأراض المستوطنات.

مهمة ليست سهلة، لكنها تستحق المحاولة من أجل دفع الأمور نحو واقع جديد.

alrashed@asharqalawsat.com

=========================

في تشريح الكره

كلاديس مطر ومسعد عربيد

موقع "كنعان"- 2 شباط (فبراير) 2010

لعله من نافة القول أن الصراع في وطننا العربي، على مدى القرنين الاخيرين، صراع تناحري على المصالح، مهما تعددت أشكاله ومهما البس من لبوس وذرائع حضارية وثقافية. إلاّ أن هذه المقولة، بما تتضمنه من جوهر الصراع وتداعياته وما آل اليه، لا تنفي تجلياته الثقافية الثقيلة (بما فيها الدينية) والحضارية بل والمعرفية. وعليه، لم يعد أحد منا قادراً على طمس او غض الطرف عما يحتدم في الغرب الراسمالي عبر السنوات الاخيرة من كراهية تجاه العرب والمسلمين، وبالمقابل ما يتولد لدينا من كراهية نحو الغرب.[1]

وعلى الرغم من إدراكنا باننا لسنا بصدد ندّين متماثلين ولا طرفي معادلة متساويين، وباننا نذود عن أوطاننا وثقافتنا من عدو مستعمِر غازي، إلا ان هذا لا يجيز لنا التغاضي عن ظاهرة كراهية الآخر وتكفيره من حيث طبيعتها الرجعية والمتخلفة والمدمرة لروح الانسانية ومستقبلها، إضافة الى انها لا تقف عند كراهية الغربي أو الاوروبي أو الاميركي أو الآخر بالمعنى الواسع، بل هي ظاهرة تتسلل الى داخلنا وداخل بيوتنا وتطال إخوتنا وشركائنا عبر تاريخ مديد.

أن نقاوم عدونا بكافة اشكال المقاومة المتاحة، بما فيها الثقافية، لا يعني ان نحارب شعوب العالم أينما كانت إذا كانت مغايرة لنا في الدين أو العقيدة أو على اساس التعددية القومية او الاثنية او السياسية. كما ان المقاومة لا تعني أن نرفض التآخي مع مكونات الانسانية من شعوب العالم وإثنياته. إذن، لا بد من تحديد دقيق لمعسكر الاعداء ومعركتنا الرئيسية، تحديد يجلو الغبش عن عيوننا. وعليه، فان معسكر الاعداء فيما نرى عدو ثلاثي يتمثل في النظام الراسمالي الامبريالي والكيان الصهيوني الاستيطاني (الحاضن لأعتى نزعات الكراهية والرفض للآخر وأكثرها تطرفاً)، والانظمة العربية العميلة والتابعة للمركز الراسمالي الامبريالي. في هذا الثلاثي يكمن العدو الذي يحتل أوطاننا ويستوطنها وينهب ثرواتنا، ويقمع جماهيرنا ويستغل طبقاتها الشعبية والفقيرة أبشع إستغلال، وهو، أخيراً، الغازي لثقافتنا سعياً لمحوها وإستبدالها بثقافة الاستهلاك الراسمالية. وعليه، فالرد يكون بكافة أشكال المقاومة لا بتأجيج نزعات الكره والتعصب القومي أو الديني. ولا يفوتنا التذكير باننا لسنا وحدنا في هذة المعركة، وإن كانت امتنا مستهدفة وما زالت منذ ما ينوف عن قرنين، بل ربما كنا، وفي هذه الحقبة بالتحديد، رأس الحربة في مواجهة الهجمة الراسمالية الامبريالية للذود عن شعوب فقراء العالم الثالث باسره.

كان لا بد من هذه التوطئة لرؤية الامور في صورتها الشاملة وتجليس اجتهادنا في "تشريح الكره" في سياقه الموضوعي وبعد الاشارة الى بعض الاحترازات والمفاهيم الاساسية.

* * *

في الخلفية والجذور

قد يلوح من العبث مجرد تفنيد أسباب كراهية الغرب للعرب والمسلمين أو كراهيتنا للغرب في بحث صغير عابر. فهذا التاريخ من التنافر الحقيقي قديم قدم الحضارات وصراعها ولم تكن تفجيرات 11 سبتمبر هي سبب انطلاق موجات الكراهية هذه، ولا حتى الصراع العربي الصهيوني المحتدم منذ الغزوة الصهيونية لفلسطين، الحديثة نسبياً.

قد ترجع هذه الموجة إلى فترات تاريخية أقدم، لربما انطلقت بزخم مع حروب الفرنجة[2] واستمرت من خلال الكثير من الوقائع على خط الزمن مثل المذابح التي تعرض لها مسلمو الأندلس مثلا والتحريضات البابوية وأحداث الدانمارك وأخيرا الجريمة غير المفهومة وغير المقبولة التي تعرضت لها الدكتورة المصرية المسلمة التي تم طعنها ثمانية عشر طعنة أمام أعين الجميع داخل ساحة أحدى المحاكم الألمانية على يد متعصب أعمى قتلها مع جنينها وأصاب زوجها.

لم يتأتى هذا الزخم في ثقافة كراهية الآخر ورفضة من المد السلفي والتكفيري الذى تصاعد في المجتمعات العربية والاسلامية في العقدين الاخيرين والذي يحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية، بل لعل "الفضل" الكبير في تغذية هذه الكراهية وعولمتها يعود الى المرحوم صامويل هاننجتن، الاستاذ في جامعة هارفار الاميركية. فقد بلور هاننجتن طروحاته في كتابه "صدام الحضارات" (1966)، والتي يمكننا إيجاز ما بتصل ببحثنا هذا على النحو التالي:

1) تتمثل نقطة الانطلاق في صدام الحضارات عند هاننجتن في ما أسماه "خطوط العيوب او النقائص الحضارية" التي تفصل بين الشعوب.

2) وأن الكراهية جزءٌ من الطبيعة البشرية أي انه "من الطبيعي للانسان أن يكره".

وعلى هاتين الركيزتين، النقائص الحضارية بين الشعوب وقدرة الانسان على الكراهية، بنى هاننجتن طروحاته بان التناقضات الحضارية والكراهية امر بشري وهو ما يفسر الصدام بين الحضارات والتناحر بين الشعوب والاثنيات. بل لقد ذهب هاننجتن الى ما هو أبعد ليقول ان الاختلاف في الدين هو سبب التناحر وهو ما يفسر الاقتتال والحروب حتى بين تلك الشعوب والاثنيات الذين تجمعهم قومية وإثنية ولغة واحدة في حين يفصلهم الاختلاف في الاديان مستخدما لبنان ويوغسلافيا كامثلة على ذلك.

3) في "صدام الحضارات" يصف هاننجتن "خطوط العيوب والنقائص الحضارية" بين "المسلمين" و"غير المسلمين"[3] بانها عميقة مما يفضي به الى الاستنتاج بان النزاعات حول هذه النقائص متفشية وسائدة بين هاتين المجموعتين. وعليه، رأى هاننجتن ان حروب الانفصال اليوغسلافية خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي، على سبيل المثال، على انها حروب "بين الحضارات" intercivilizational مثل حرب البوسنيين (المسلمين) مع الصرب والكروات (المسيحيين) رغم الوحدة القومية التي تجمعهم.

إلاّ أن هاننجتن الاكاديمي لا يقول بالطبع، على خلاف ما يردده الساسة الغربيون، ان الكراهية بين المسلمين وغير المسلمين كانت قائمة منذ الازمة القديمة، بل ان ما يقوله، وربما هو الاكثر خبثاً ومكراً، ان حضارات هذه الشعوب قد تطورت في اتجاهات مختلفة منذ أمد طويل حتى اصبح الصراع (أو الكراهية) سمتها الرئيسية والطبيعية بل السمة الاكثر طبيعية من التفاهيم فيما بينها.

 

وجوه الكره

لكن وان كانت تبديات هذه الكراهية اليوم سياسية (سجن أبو غريب في بغداد، وضرب القوة النووية الإسلامية في باكستان، وضعضعة الثقافة المحلية لشعوب العالم) إلا أنها كثيراً ما إتخذت أشكالاً عقائدية كامنة في هذا الاختلاف الجذري في تفسير هذا العالم حولنا. فالغرب مشرك بالنسبة لنا وكافر، ونحن إرهابيون متطرفون بالنسبة له. الغرب علماني ضال بالنسبة لنا، ونحن همج لم نخرج من مضارب الجاهلية ونضطهد نساءنا بالنسبة له. الغرب مكلل بطموحه البطرياركي الامبريالي الذي يريد الهيمنة براياته الصليبية على العالم، ونحن شعب ما زال يحبو على أربع فكريا بالنسبة له - خصه الله بأكبر نعمه: النفط. وفوق هذا وذاك يعتبر تراثنا العربي بالنسبة لهم قد توقف عند اجتهادات المتصوفة وأفكار ابن رشد بينما نرى أنهم يجهلون جوهر وجودنا: القرآن الكريم.

ولا يتأتى سوء الفهم والكراهية من هذا الاختلاف العقائدي وجهلنا بروح الغرب وجهل الغرب بروحنا فقط، وانما زاد عليه هذا التشويه المنهجي الروتيني لصورة العربي الذي يدأب الغرب الراسمالي العنصري والإسرائيلي/الصهيوني على مد الإعلام الغربي والأمريكي به ليل نهار خدمة لقضيته المجحفة. فالفكر التلمودي التوراتي، هو البذرة التي سمحت لبعض الجماعات البروتستانتية (البيوريتانيين) في القرن السادس عشر، بوجوب إعادة اليهود إلى فلسطين وتوطينهم فيها إستناداً الى تفسيرات وتأويلات لاساطير غيبية ملفقة بغية توظيفها في خدمة أجندة سياسية استعمارية. وهذه الجماعات هي نفسها اليوم التي تخلق نفس المناخ التعاطفي مع "شعب ارض الميعاد"، وتحت تأثير ذلك يستمر رجل الشارع في الغرب بشكل خاص وحتى الكثير من المثقفين ورجال الاعلام والسياسة الغربيين طبعا، بتصديق هذا الفكر الذي وصل لقمته حين اصبح فكراً سياسياً عملياً على ارض الواقع ومن الطراز الرفيع.

اذاً تتشابك دوافع الكراهية اليوم وسوء الفهم وتتداخل بشكل يصعب معها احيانا الوصول الى بداياتها وجذورها. لكن حتما يمكننا القول، بثقة ان الغرب يجهل حضارتنا كما يجهل الحضارات الأخرى، وان سياساته التي تبنى على آراء المستشارين ومدّعي الاستشراقية، وهم امتدادات جديدة للاستشراق في تجليات ثقافية وسياسية بشكل خاص، إضافة الى أن التقارير التي توضع حول منطقتنا لا تعتبر حقيقية وذلك لأنها تبنى على نزعات عنصرية واستعلائية تعود في جذورها الي المركزانية الاوروبية، وتقوم على معطيات منقوصة من دون شك وبعيدة عن الرؤية الميدانية واستنباط واقع الحال العربي الفكري والروحي.

يجدر بنا هنا التفريق بين التقارير التي توضع هناك في الغرب والتي هي تحريض مشوه من قبل الأكاديميا والسياسة والإيديولوجيا الصهيونية، وبين التقارير والدراسات والأبحاث التي تمولها الانظمة والأكاديميا الغربية ويقوم بها مثقفون وطلبة دراسات عليا عرب عن بلدانهم. هذه الاخيرة، تقارير من أهل البيت ولكنها موظفة لخدمة استراتيجية الآخر.

لهذا إن عثرنا على كتب فوق الرفوف الأوروبية والأمريكية تقيم وتتطلع إلى مجتمعنا وثقافتنا بشكل غير صحيح ولا ترى فيه سوى راقصات هز بطن أو رجال دين ملتحين أو نساء بخمار في حرملك طويل عريض، يجب ألاّ يتملكنا الغضب الانفعالي ذلك أن جزءً من مسؤولية هذا الوضع وتلك النظرة إنما يقع على كاهلنا نحن العرب أيضا. ولكن يجب ألا نغفل تلك الكتب التي قد لا توضع على الرفوف، بما فيها التقارير السرية والدراسات الممولة من الغرب والتي ينتجها ابناؤنا.

 

مسؤوليتنا

 (أو ثنائية العرب والغرب)

الحق ان النظرة الموضوعية العلمية لا تتسنى دون نقد الذات بل هي تحتم علينا ان نرى النشاز في معزوفتنا العربية الموسيقية:

اولا: لاننا لا نعرف كيف نسوّق ثقافتنا بشكل يعكس جوهرها الايجابي.

ثانيا: لاننا ندافع عن قضايانا في اغلب الأحيان بشكل انفعالي غاضب من دون اللجوء إلى الحوار او المنطق، فالغربي لا يفهم كيف يمكن ان نستعيد كرامتنا بالخروج متظاهرين الى الشارع بينما نراه يعمل هو في مخبره وعينه على عدساته المكبرة أيضا ليل نهار؟؟ وهو لا يفهم كيف نقمع مفكرينا ومثقفينا ونكفرهم بينما يترك الحرية للفكر والمنطق والعقل ليصل الى مداه، ولا يفهم كيف نربط كل مؤسسات الدولة بشخص واحد، بينما يعتمد هو النظام "الديمقراطي" المؤسساتي على الأقل في المجتمع؟؟

ثالثا: لاننا كعرب ملتهين بأمور نعتقد أنها أكثر جدوى من الحياة نفسها مثل: علاقاتنا الشخصية بعضنا ببعض وكرهنا للحياة المدنية وميلنا عموما الى القيم العشائرية والبدوية حتى وان كنا نقطن اكثر المدن العربية حداثة وتقنية.

إن كل هذا عصي على فهم الغربي ويرى فيه "تخلفا" وضيقا في رؤية الحياة بينما نرى نحن اننا نحيى حياتنا بكل بساطة وكما اعتدنا دائما، بل اننا نرى غنى في تركيبتنا الروحية الاجتماعية والاخلاقية.

بالمقابل نستغرب كعرب الطريقة الغربية في الحياة، فأشياء مثل الحب الحر والحياة المدنية الفالتة من عقالها والتي تهيمن عليها القيم الذكورية البحته، والحياة المسترجلة للمرأة الغربية، وكم الحرية التي تتمتع بها، وهذه العقلية المهيمنة التي تسمح لنفسها ولحكوماتها في الغرب الراسمالي باستغلال الدول الاخرى.. كلها امور لا يمكن للعربي ان يتقبلها ولهذا فان الغربي "كافر" بالنسبة له. باختصار يكمن الفرق في ان الغرب يرانا ندير رؤوسنا باتجاه الماضي، بينما يشكل "المستقبل" موضوع إيمان بالنسبة له كما يدعي ويعتقد. لهذا فان الاختلاف يتجاوز العقيدة حقا ليصل الى لب أسلوب الحياة والتعاطي مع الدنيا حول الغربي والعربي.

لكننا عشنا ردحاً طويلاً من حياتنا في الولايات المتحدة الأمريكية، ونقول بثقة اننا رأينا هناك من يدافع عنا وعن قيمنا وقضايانا بنبل وحمية منقطة النظير. كما رأينا في نفس الوقت متحاملين علينا يروننا وكأننا بشر أتينا من "مكان" ما لا ينتمي الى كوكبهم. وهو ما يعزز المسألة الاساسية التي يقوم عليها تحليلنا هذا وهي أن مواقف الناس تتحدد طبقاً لوعيهم وثقافتهم ووضعهم الاقتصادي والاجتماعي وعلاقتهم بمؤسسة الحكم والسلطة، وفي نهاية المطاف: هل هم جزء من الشرائح المستفيدة من الدور الإمبريالي للغرب أم لا؟

اذاً ظاهرة الكراهية متبادلة وهي ليست فقط مسؤولية الغرب او مسؤوليتنا نحن فقط، انها مسؤولية الطرفين دون شك، دون ان يشترط ذلك التساوي في مقدار المسؤولية بن الطرفين كما أسلفنا. أما المعيار الاهم فهو: مَنْ هو الطرف الذي أسس لهذا الكره؟

 

الحادي عشر من أيلول: المنعطف

إلاّ ان هذه الموجة من ثقافة رفض الآخر التي دخلت القرن الحادي والعشرين، عانت منعطفا شديد التمفصل بعد الحادي عشر من ايلول 2001. فبعد تفجير برجي التجارة العالمية، ومقر البنتاغون بواسطة طائرات مدنية، تدخل اميركا مرحلة الحرب على "الارهاب"، هذه العبارة التي قسمت عقائديا بلاد العالم باسرها إلى طرفين. ومنذ ذلك التاريخ تحقن الحملة على الإسلام، كأصول المدفع الإسرائيلي، ولتقف إسرائيل بكامل جاهزيتها في خندق الحرب على الإرهاب ولتكتسب شرعية مضاعفة من أحلافها في (قمع الوجود) الفلسطيني على أرضه العربية وكل حركات المقاومة. وفي غمره المسلسل اليومي الفلسطيني الإسرائيلي تبرز ادانه الفاتيكان (أي الكنيسة الغربية) للعمليات العسكرية الاسرائيليه والاعتراضات الصديقة من هنا وهناك كمن يخط في الماء، موقف تكمن قيمته في رمزيته غير انه غير فعال ككل المواقف الغربية السلمية، وأيضا ككل المواقف العربية التي تساير في الخفاء وتعترض في الظاهر.

انهم يبحثون الان في القرآن الكريم عن فتاوى القتل والشهادة في سبيل الله بلا هوادة، حتى انهم اقترحوا تعديل نصوصه المنزلة!! بينما تمتلىء أسفار اللاويين والتثنية والخروج واشعيا... الخ بادب الاستعباد والفتك الباذخ من الطراز الرفيع!!! سبحان الله!

حين قال كارتر"اننا نتقاسم معكم تراث التوراة"، ظن البعض ان الامر لا يتعدى أدبيات اللياقة السياسية – الديوانية! اليوم ندرك ان هذا ميثاق شرف كامل الالتزام بالنسبة للغرب! ميثاق باق طالما في هذه الأرض نفط.

=================

في فرنسا، ونابليونها الأخير... والحرب على النقاب!

عبداللطيف مهنا

موقع "كنعان"

2 شباط (فبراير) 2010

تخوض فرنسا هذه الأيام حرباً مصيرية ضروساً، تكاد أن ترتقي شعاراتها إلى مستوى شعارات الحروب الوطنية التحررية، وأن تتعالى دعوات نفيرها تعالي حدة إرتفاع صيحات نفير الحروب المقدسة... حرباً ولا كل الحروب، يثير غبارها جدلاً تنغمس فيه غالبية نخبها السياسية والفكرية والدينية. جدلاً يعلو وطيسه، ويتم رفع مستوى ضجيجه بما يتوازى مع خطورة العدو الغازي ويتلازم مع ضرورة خوضها... العدو الذي يوصف بأنه يكمن بين ظهرانيها، وغدا يهددها في عقر دارها، وأجبرها على أن تهب على مثل هذا النحو المحموم للدفاع عن نفسها، هو النقاب!!!

قرابة الألف والأربعمائة فرنسية، ثلاثة أرباعهن فرنسيات أصيلات، وربعهن فحسب هو من أصول مهاجرة، والأدهى أن ثلثهن هن فرنسيات حديثات الإسلام... منقبات حدث أنهن قد تسللن خلسة خلف خطوط طول وعرض الجمهورية، وجسن ديارها متبخترات متحديات مصون علمانيتها، الأمر الذي غدا يتهدد بالويل والثبور وعظائم الأخطار قيمها وثقافتها، والأهم، نقاء هويتها!

نابليون فرنسا هذه المرة هو الرئيس ساركوزي، الذي تحول إلى مفتٍ للديار الفرنسية، فأفتى بحزم بأن "النقاب ليس من الإسلام في شيء" وخروج على العلمانية والإسلام معاً... نابليون فرنسا هذا، خسر هذه الآونة حربين قاسيتين، أولاهما هزيمته في مستعمرة فرنسا السابقة هيتي على يد طلائع أساطيل الغزو الإنساني الأمريكي إثر زلزال الجزيرة المنكوبة المدمر، والذي دعاه إلى التذمر علناً والشكوى للأمم المتحدة من هذا الاحتلال الإغاثي الذي قام به حليفه العم سام للموقع الفرانكوفوني المنكود، ومنى بهزيمة لها ما بعدها انتخابياً، عندما برأت المحكمة منافسه على الرئاسة سابقاً، والمتوقع لاحقاً، دومينيك دو فيلبان من دعوى أقامها على الأخير يتهمه فيها بالتواطؤ، والوشاية، والذم... نابليون فرنسا هذا لا يبدو أنه يحتمل هزيمة ثالثة فأعد لها ما استطاع من حجج ومن رباط القوانين... وعلى أنغام المارسيليز الساركوزي تسير غالبية الفرنسيين وراء نابليونهم، الذي بعد أن أفتى، أعلن أن "النقاب غير مرحب به على أراضي الجمهورية الفرنسية"، لأنها "مسألة تخص حرية وكرامة المرأة"، التي ستذود فرنسا عنها بالغالي والرخيص، والتي تصر على أنها لاتقبل بين ظهرانيها "نساء سجينات خلف القماش"... 62 في المائة منهم تقول الإحصائيات أنهم يرغبون في حظر النقاب في الأماكن العامة، و56 بالمئة يريدون حظره حتى في الشارع. وهناك من يطالب بمنح الشرطة حق طلب خلع المنقبة لنقابها، بل أن رئيس الغالبية اليمينية في الجمعية الوطنية الفرنسية، أو البرلمان، يقترح قانوناً بتغريم كل من تظهر منقبة مبلغ 700 يورو، وهناك المزيد من الإجتهادات لمواجهة مثل هذا الخطر الداهم... إذاً أعلنت فرنسا حربها التحريرية على النقاب والمنقبات. اللواتي تتعقبهن الإستخبارات الفرنسية الذائدة بحماسة عن حياض الجمهورية المهددة من قبلهن، والتي تباهي بأن من مهمتها الراهنة تتبع هاته "الإرهابيات" المختبئات وراء أنقبتهن، وتقدم الإحصائيات التي تنشر حول عددهن، والتي تصنفهن من فرنسيات طارئات وفرنسيات أصيلات!

...وفرنسا المحاربة التي لا مهادنة ولا مهاودة في حسبانها وهي تذود اليوم عن حماها، استنفرت مستشرقيها لتفسير أخطار هذه العدو الجسور، وإعلامها ما انفك يقوم يومياً بواجبه على خير وجه في المعركة المصرية مع عدو فرنسا المرعب الغامض المتسربل بالسواد، بل حتى جمعية حماية الطفولة الفرنسية هبت بدورها للمشاركة في مطاردته، ولم تنس فرنسا أن تجند شيوخها الرسميين ورؤساء جمعياتها الإسلامية وأئمة مساجدها المخلصين للجمهورية لدعم فتاوي ساركوزيها بفتاواهم المساندة القائلة بأن هذا المتلصص الذي لايستحب ذكر اسمه وليس مشاهدته فحسب هو طارئ دخيل على الإسلام، مبررين للذائدين عن حمى فرنسا ضد خطره ماذهبوا أو سيذهبون إليه، ومعفينهم من تهمة معاداة الإسلام التي لا تنقصها الأدلة، والتدخل الجلي في حرية العبادة، والتجاوز دون أن يرف لهم جفن على شرعة حقوق الإنسان الأوروبية، ووضعهم لشعار الثورة الفرنسية التليد "الحرية، المساواة، والأخوة" جانباً، للتفرغ للمهمة الوطنية المقدسة التي استوجبت من فرنسا أن تصم أذنها عن كافة ردود الفعل من قبل مسلميها، واستنكارات جمعيات حقوق الإنسان الدولية، التي تقول بلسان حالها، مثلاً، جمعية "هيومن رايتس ووتش" أن حظر النقاب "ينتهك حقوق الإنسان"، ولا يساهم في حرية المرأة، وينطوي على "تمييز ديني"... وجاء فرنسا المدد أيضاً من بلادنا هذه المرة، عندما انحاز شيخ الأزهر إلى قوانين الجمهورية الفرنسية المزمع استنانها عندما عضددت تصريحاته في هذا المجال حملة نابليون فرنسا اليوم... لعله الأمر الذي يعيدنا إلى تذكّر بعضاً من حكايات شيوخ الأزهر التي كانت مع حملة نابليون فرنسا الأمس الغابرة!

حرب فرنسا على عدوها المسربل بدأت التحضيرات لخوضها عندما شُكلت لجنة برلمانية من 32 مشرعاً، عملت بالتوازي مع أصداء متعالية لضجة عنوانها مكانة الإسلام في فرنسا، لتقصي حقائق خطر النقاب الزاحف، والتي بعد ستة أشهر من التقصي، وعميق الدراسة، ومئتي جلسة استماع، وضعت تقريرها وضمنته توصياتها، ليحال إلى الجمعية الوطنية على استعجال، داعية فيه إلى "إدانة حازمة" لما يعد "عادة غير مقبولة"، والذي "يهدد كرامة النساء"، ويشكل "تحدياً لقيم الجمهورية"، كما توصي بتحريمه في الأماكن العامة أو كل المؤسسات التي ترفع علم الجمهورية، من المصارف، إلى الجامعات، ودور البلديات، وسائر الدوائر الحكومية، فوسائل النقل العامة، المترو والقطارات والحافلات... وكل ما يعني محاصرة المنقبة في بيتها! وطالبت بتغيير التشريعات التي تنظم إقامة الأجانب واللجوء إلى فرنسا، بحيث يمكن "رفض تسليم بطاقة الإقامة" إلى هؤلاء الذين "يمارسون ديانتهم ممارسة متشددة"!

إذاً فرنسا حرّمت وجرمت النقاب سلفاً، عبر حملة تشارك فيها اليوم بقضها وقضيضها... فماذا يعني هذا!؟

هناك في فرنسا ذاتها الكثيرون ممن يقولون أنه لا يوجد عاقل واحد يصدق أن ألفاً وبضع مئات من المنقبات يهددن الجمهورية وعلمانيتها وقيمها وهويتها، وكل هذا الذي نسمعه محمولاً على صدى ألحان المارسيليز الساركوزي... وهناك أيضاً، في ديارنا وديارهم من المسلمين الذين يقولون بالمقابل بعدم جواز اختصار الإسلام في نقاب... إذاً ما المشكلة:

المشكلة هي أن فرنسا، وقريباً ستحذو أوروبا حذوها، ليست مجرد أسيرة حالة جدل فقهي مع النقاب بقدر ما هي تعيش تحت طائلة أثقال جدل فقه عنصري تليد ومتأصل في قارة لا يفارقها جوهر رفض الآخر وشيطنته، وهذا اليوم هو ما يتجسد في ظاهرة الإسلام فوبيا الغربية عموماً، التي تتجلى راهناً، إما كاريكاتوراً في اسكاندينافيا أو حرباً على المآذن في سويسرا، بالتوازي دائماً مع ما يمكن اعتباره وجهاً من وجوه ما يدعى الحرب على "الإرهاب" في أمريكا... إنها بعض من تجليات ذهنية تاريخية استوطنت دهاليز الخلفية الحضارية للعقل الغربي... تلك التي، وللمفارقة، حرّمت الحجاب في المدارس فانتشر النقاب في الشوارع!

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ