ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 15/02/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


السوق الكونية في مواجهة المجتمع العالمي

الأحد, 14 فبراير 2010

السيد يسين *

الحياة

نحن نعيش في عصر مختلف في ملامحه وسماته عن العصر الذي عشنا فيه طوال القرن العشرين. وذلك لأن العملية التاريخية الكبرى التي تهيمن على عصرنا الراهن هي العولمة.

والعولمة لها تجليات سياسية، أهمها الديموقراطية واحترام التعددية وحقوق الإنسان. غير أن لها أيضاً تجليات اقتصادية أهمها على الإطلاق بروز سوق اقتصادية كونية، لها ملامح غير مسبوقة مستمدة من تعريف العولمة ذاته.

وقد سبق لنا أن صغنا تعريفاً إجرائياً للعولمة يحدد بدقة مكوناتها وهو أنها «تعبر عن سرعة تدفق المعلومات والأفكار ورؤوس الأموال والسلع والخدمات والبشر من مكان إلى مكان آخر في العالم، من دون حدود ولا قيود».

ولا شك في أن الثورة الاتصالية الكبرى والتي أبرز إنجازاتها البث التلفزيوني الفضائي وشبكة الإنترنت، هي التي سمحت بنشأة وامتداد وتعمق هذه السوق الاقتصادية الكونية. وذلك لأنه نشأت آليات جديدة للتعامل الاقتصادي غير مسبوقة، مثل «التجارة الإلكترونية» حيث يتم التفاوض بين الأطراف الاقتصادية المختلفة وتبرم الصفقات بل وتوقع العقود إلكترونياً، ويتم دفع مقابل الصفقات في التو واللحظة!

أي عالم جديد هذا؟ سوق كونية اقتصادية على امتداد العالم تتم فيها ملايين التعاملات المالية والاقتصادية.

أصبحت ظاهرة الاعتماد الاقتصادي المتبادل جزءاً أساسياً من بنية النظام الكوني الجديد. ومن هنا اختفت المسافة بين المحلي والدولي، وأصبح أي تغيير في مسار العملية الاقتصادية العالمية يؤثر بالضرورة على مسار الاقتصادات المحلية جميعاً من دون استثناء.

والسؤال المهم الذي ينبغي إثارته هو: كيف تدار هذه السوق الاقتصادية الكونية الهائلة؟ وللإجابة على ذلك نقرر أن منظمة التجارة العالمية التي تأسست في نهاية مفاوضات «الغات» الشهيرة أصبحت هي حارسة حرية التجارة في هذه السوق، ولديها السلطة القانونية لمعاقبة أي دولة تخرج على ميثاق المنظمة. وذلك بالإضافة طبعاً إلى البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والشركات الكبرى المتعددة الجنسيات.

وهكذا أصبحت لدينا سوق اقتصادية كونية وهيئات محددة تدير هذه السوق، وتعبر في المقام الأول عن مصالح الدول المتقدمة اقتصادياً، على حساب الدول النامية في كثير من الأحيان.

والسوق الاقتصادية الكونية – بحكم امتدادها لتشمل كل اقتصادات دول العالم -أصبحت بحكم عالمية عملياتها وعلى رغم إيجابياتها في تعميق التبادل التجاري والتعامل الاقتصادي بين دول العالم، تمثل خطراً شديداً على المجتمع العالمي.

وبيان ذلك أنه في الماضي كانت الأزمات التي تصيب اقتصاد الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأميركية مثلاً أو اليابان، تؤثر ولا شك بحكم تداعياتها في اقتصادات كثير من الدول، غير أن هذا التأثير كان جزئياً وليس شاملاً.

ولكن الوضع تغير الآن في شأن السوق الكونية الاقتصادية بفضل العولمة وآلياتها. ذلك لأن أي هزة في سوق إحدى الدول الاقتصادية الكبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية، لا بد أن تترك آثاراً سلبية متعددة على كل الاقتصادات القطرية.

والدليل على ذلك أن الأزمة المالية الأميركية تركت آثاراً سلبية على كثير من اقتصادات الدول الأخرى وفي مقدمها فرنسا وبريطانيا، وتلك الدول المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالاقتصاد الأميركي.

والمشكلة الآن أن الأزمة المالية الأميركية أظهرت أن الخلل لا يكمن في سوء أداء البنوك والشركات الأميركية، ولكن في خلقها لسوق اقتصادية افتراضية تقوم على المضاربة في العقارات، والتعامل غير الرشيد في مجال الأسهم والسندات، ما أدى إلى الانهيار.

غير أن هذه الأزمة المالية في تقديرنا - كما عبرنا عن ذلك أكثر من مرة - ليست مجرد أزمة مالية يمكن الخروج منها بأن تضخ الدولة الأميركية بلايين الدولارات من الموازنة الحكومية لكفالة إنقاذ البنوك والشركات التي هوت، بل إنها في الواقع أزمة اقتصادية في المقام الأول.

ونقصد بذلك على وجه التحديد أنها أزمة النموذج الرأسمالي المعولم الذي تتبدى تعاليمه الرئيسية في ضرورة انسحاب الدولة من التدخل في مجال الاقتصاد، وترك المجال واسعاً وعريضاً أمام القطاع الخاص من دون أي قيود.

ونحن نعلم أن العلاقة بين الدولة والسوق كانت مثار اجتهادات شتى منذ بداية الرأسمالية، ودارت حولها خلافات إيديولوجية متعددة.

ويمكن القول إن المنظر الاقتصادي البارز الذي درس بعمق النشأة التاريخية لمؤسسة السوق هو كارل بولاني المجري الأصل والذي هاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية، ونشر كتابه الشهير «التحول العظيم» عام 1942.

في هذا الكتاب المرجع الذي أعيد إحياء أفكاره الأساسية بعد وقوع الأزمة المالية العالمية، أبرز بولاني بوضوح خطورة أن تهيمن السوق على الدولة أو على المجتمع. بعبارة أخرى لا بد من إشراف الدولة على السوق بصورة أو بأخرى حتى لا تنفلت السوق، وتنطلق الرأسمالية المتوحشة التي لا يعنيها سوى التراكم الرأسمالي فتدمر بنية المجتمع. غير أن تحذيرات بولاني المبكرة تم تجاهلها ونعتت بأنها اتجاهات اشتراكية متطرفة.

وجاءت الأزمة المالية العالمية فأثبتت صدق نبوءة كارل بولاني، بعد أن أدى انهيار السوق الاقتصادية الأميركية إلى تهديد خطير لبنية المجتمع العالمي كله. ويكفي أن نذكر أنه – وفق بعض التعبيرات الاقتصادية – وخلال شهر واحد من اندلاع الأزمة المالية، هوى مئة مليون إنسان تحت خط الفقر في دول العالم المختلفة.

وهذا ما يؤكد تشخيصنا للأزمة بأنها أزمة اقتصادية تتعلق بسقوط النموذج الرأسمالي المعولم، الذي تم فيه إلغاء دور الدولة الاقتصادي وترك العنان للسوق وليست مجرد أزمة مالية. ومعنى ذلك أن الاقتصاد الكوني مثله في ذلك مثل الاقتصاد المحلي في بلد ما يمكن في آلياته الراهنة أن يمثل خطراً داهماً على المجتمع العالمي.

وقد تصاعدت انتقادات عدة من المؤسسات ومراكز الأبحاث للعولمة، خصوصاً في مجال غياب الممارسات الديموقراطية في سياقها، مما ينذر بأخطار محدقة على شعوب العالم. ومن أبرز هذه المؤسسات «منتدى 2000» الذي ضم صفوة من كبار الاقتصاديين والمفكرين من مختلف أنحاء العالم، وعقد جلساته في براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا ابتداء من عام 1997 حتى عام 2001. وانتهت أبحاثه ومداولاته بإصدار «إعلان براغ» والذي تضمن الكثير من المبادئ التي يراد لها أن ترشد مسيرة العولمة، باعتبارها عملية تاريخية كبرى ينبغي أن تشارك فيها كل الشعوب بقدر مناسب.

والمشاركون في المنتدى يرغبون في طرح حصيلة اجتهاداتهم في السنوات الأخيرة على صانعي القرار الدوليين، وهؤلاء الذين لهم وزن كبير في توجيه الرأي العام، وكذلك السياسيين والقادة الدينيين والعلماء ورجال الأعمال والفنانين والمبدعين والإعلاميين، وقبل كل هؤلاء الشباب في كل مكان، وكل المعنيين بمصير العالم.

والسؤال الآن ما هي المشكلات التي أبرزها إعلان براغ؟

تنحصر هذه المشكلات في أربع رئيسية:

المشكلة الأولى: ضرورة صياغة حد أدنى أخلاقي. وتقوم هذه المشكلة على أساس تتبع ورصد صور العنف التي فاض بها القرن العشرون، ما يحمل على الظن أنها قد تمتد إلى القرن الحادي والعشرين. ومن هنا تأتي أهمية صياغة مجموعة قيم أخلاقية تمثل الحد الأدنى الذي تلتزم به الحكومات والشعوب، وأهمها قيمة رئيسية هي ضرورة معاملة كل كائن بطريقة إنسانية، بحيث تمثل هذه القيمة القاعدة الذهبية التي تحكم العلاقات بين الأفراد والمجتمعات الإنسانية. ومن شأن ذلك أن يزيل صوراً متعددة من المعاناة الإنسانية، بالإضافة إلى وقف تدهور البيئة الطبيعية، ووضع حد للانقراض الفاجع للأنواع والثقافات.

ويقرر الإعلان أن الموارد الكونية تخصص في شكل فيه ظلم فادح، ومن هنا يكمن التحدي العالمي الأكبر في تحويل الموارد من شراء السلاح وتجارة المخدرات، ومن الاستهلاك المادي والترف المسرف لكي تصب في مصارف لمكافحة الفقر والمرض، ومنع الصراعات العنيفة، وحل مشكلات ارتفاع الحرارة الكوني، ومواجهة الكوارث الطبيعية.

والمشكلة الثانية هي ضرورة تحقيق الديموقراطية على النطاق العالمي. ومن هنا تأتي أهمية حماية التعددية في صور الحكم والمشاركة السياسية. ولا يمكن أن يتم ذلك إلا إذا تم الاتفاق على معايير عالمية لاحترام هذه الحقوق، وربما كان مفهوم حقوق الإنسان هو خير معبر عن هذه الحقوق.

غير أن التحدي أمام الديموقراطية على النطاق العالمي يبدو في صياغة أدوات وتأسيس مؤسسات تستطيع أن تحمي القيم المشتركة على نطاق عالمي والاختلافات المحلية في الوقت نفسه.

أما المشكلة الثالثة فهي أخطر هذه المشكلات جميعاً، لأنها تتعلق بالفعالية السياسية لاقتصاد العولمة. ويمكن القول بكل وضوح إن رأسمالية العولمة هي مصدر للثراء الناشئ المتنامي ولضروب من التوتر في الوقت نفسه. ولا يمكن الحفاظ على شرعية الأسواق المعولمة في الوقت الذي لا يستفيد منها إلا خمس سكان العالم.

وقد برزت سلبيات العولمة الاقتصادية في العقد الأخير على وجه الخصوص، في ضوء المنافسة غير المقننة وحماية رؤوس الأموال مما تسبب في إلحاق أضرار متعددة بالأفراد والمجتمعات. وبهذه الصورة يمكن القول إن هذه الظواهر السلبية تمثل تطرفاً يشبه في حدته تطرف النظم السلطوية واقتصاد الأوامر.

وتبقى المشكلة الرابعة والأخيرة وهي تتعلق بالهوية المحلية ورأس المال الاجتماعي والتنمية البشرية. والمبدأ الجوهري في هذا المجال هو أن اقتصاد العولمة المثالي ليس هو الذي يتم تنظيمه وفق قواعد بالغة الدقة، بقدر ما هو ذلك الذي يزيد من رأس المال الاجتماعي وينمي الإمكانات الإنسانية، ويوسع من فرص الحياة أمام الناس. ولا ينبغي إطلاقاً لاقتصاد العولمة أن يفلت من دائرة الرقابة الإنسانية، ومن هنا تظهر ضرورة مجابهة آثاره المدمرة من خلال تفعيل التنمية المحلية المستدامة.

* كاتب مصري

==============================

لبنان والمنطقة بين عربدة ليبرمان والعجز الأميركي

الأحد, 14 فبراير 2010

عادل مالك *

الحياة

زحمة أحداث في المنطقة هذه الأيام... لبنانياً وإقليمياً ودولياً.

على الصعيد اللبناني، تحل اليوم الذكرى الخامسة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري وسط أجواء ملبدة على غير صعيد وفي اكثر من اتجاه. فهي الذكرى الأولى بعد قيام الرئيس سعد الحريري بزيارته التاريخية الى دمشق وتفاهمه مع الرئيس بشار الأسد على فتح صفحة جديدة من العلاقات بعد خمس سنوات حفلت بالتوتر العالي وبالكثير من الرهانات التي سقطت ومنها الرهان الأميركي على تغيير النظام في سورية الذي صار يدعو الى تغيير سلوك النظام. وفي هذا السياق يقول جيفري فيلتمان السفير الأميركي السابق في بيروت، ومساعد وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون: «أنا أعرف لبنان جيداً كي أعترف بكل صدق بأن أصدقاءنا في لبنان لا تزال تساورهم أسئلة حول سياستنا» ويضيف «أعترف بأن الإجماع الدولي الذي أعقب اغتيال الرئيس الحريري ووحّد اللبنانيين ومن ورائهم المجتمع الدولي لإخراج القوات السورية من لبنان لم يبقَ طويلاً، الأمر الذي أخرج سورية من عزلتها وباتت الولايات المتحدة هي المعزولة وليس سورية».

وفي نفس السياق يقول إليوت ابرامز مسؤول قسم الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس جورج دبليو بوش «ان الإدارة الأميركية لم تؤيد المفاوضات الإسرائيلية – السورية عبر وساطة تركيا، وان تكن قبلت بها أمراً واقعاً، والثمن الذي دفعته سورية للخروج من عزلتها او من الصندوق الذي وضعتها فيه إدارة بوش كان صفراً».

ويضاف هذا الكلام الى تصريحات اخرى تمثل تحولاً نوعياً في السياسة الأميركية في لبنان والمنطقة، وكذلك الى اعتراف الرئيس باراك اوباما انه اخطأ في تقديره إحداث اختراق في عملية السلام العربية – الإسرائيلية.

وفيما أعلنت واشنطن عن عودة سفيرها الى دمشق مع بداية «الصفحة الجديدة» بين واشنطن ودمشق، يطرح السؤال: كيف يبدو المشهد العام في المنطقة؟

من الواضح ان اجواء الاحتقان السائدة تنذر بأكثر من تفجير خصوصاً في ظل التهديدات الإسرائيلية اليومية ضد لبنان وسورية وايران، من دون ان ننسى الجانب الفلسطيني. وقد أسهمت التصريحات التي أطلقها ممثل الجنون الإسرئيلي افيغدور ليبرمان في حالة الاحتقان السائدة وطرح السؤال المحوري الآتي: هل المنطقة على شفير حرب جديدة؟ ام ان ما يحدث لا يتعدى كونه قنابل صوتية وإعلامية؟

في معرض الإجابة على هذا التساؤل يتم تداول عدة سيناريوات للآتي على المنطقة. بعضه يستند الى معلومات ومعطيات محددة وبعض آخر يدخل في إطار التنظيرات:

أولاً: عدوان اسرائيلي محتمل على لبنان. التحليل المنطقي يفضي الى نتيجة يصعب معها تصور إقدام اسرائيل على مثل هذا العمل، لأن ما انتهت اليه حرب تموز (يوليو) 2006 تجعل من اي تفكير اسرائيلي في هذا الاتجاه مستبعداً، ويقول الرئيس اللبناني ميشال سليمان «ان اي عدوان لن يكون نزهة للإسرائيليين».

ثانياً: حرب إسرائيلية – سورية. في مراجعة دقيقة لبعض ما ينشر في الصحف الإسرائيلية ما يؤشر الى وقائع محددة تقبض على الوضع في شكل عام. وفي هذا المجال كتب شالوم بروشمالي في صحيفة «معاريف» مقالاً ينتهي الى الاستنتاج الآتي: الرئيس بشار الأسد يبدو كبنيامين نتانياهو «كلاهما لا يريد سلاماً حقيقياً ولا حرباً».

إذاً، هذه الفرضية مستبعدة في الوقت الحاضر...

يبقى احتمال توجيه اسرائيل ضربة عسكرية لإيران التي تحتفل هذا الأسبوع بالذكرى الحادية والثلاثين لقيام الثورة. وهذا أمر مستبعد في رأي كثير من المراقبين نظراً لما ينطوي عليه من مخاطر. فأي جنون اسرائيلي يتجه نحو ايران لن تبقى آثاره وتداعياته محصورة في نطاق معين، بل يعني عملياً إغراق المنطقة بكاملها في حال من الفوضى.

ومع ذلك وفي مسألة التعاطي مع اسرائيل لا يمكن الركون الى اي «تطمين» نقله اكثر من طرف دولي الى لبنان في الآونة الأخيرة. كذلك لا ينفك كل من الرئيس سليمان ورئيس الحكومة سعد الحريري من التحذير يومياً من مغبة قيام اسرائيل بأي عدوان. وكان لافتاً تكرار رئيس الحكومة اللبنانية ان تهديدات اسرائيل وأخصها ما يتشدق به وزير الخارجية ليبرمان «تشرفني».

ويؤكد الرئيس الحريري ان الجبهة اللبنانية الداخلية متضامنة في وجه اي اعتداء محتمل، وهو ما كانت ولا تزال تراهن عليه اسرائيل من حيث الانقسام الداخلي بين اللبنانيين. وقد أجريت اتصالات مكثفة بين الرئيس الحريري والرئيس الأسد هاتفياً، تناول البحث خلالها التنسيق بين الدولتين لمواجهة اي عدوان اسرائيلي محتمل.

وإذا تخطينا المخاطر الآنية المحتملة والظاهرة في الأفق الى ما هو أعمق، يستشهد زعيم اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط ببعض ما ورد في كتاب دنيس روس الشهير كما يصفه، وهو بعنوان «الأوهام حول السلام»: «ان نظريته (روس) مبنية على ان القضية الفلسطينية ليست القضية المركزية عند العرب ولا عند المسلمين. ولا بد من خلق مسارات أخرى. والمسارات الأخرى كيف تكون؟ تكون بالتفتيت... التفتيت السني – الشيعي، التفتيت العربي – الكردي، التفتيت في اليمن، التفتيت في كراتشي وفي افغانستان، والتفتيت اليوم في العراق».

وفي سياق التحول الجديد لزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي والذي يمهد لزيارته المتوقعة لدمشق، يقول: «الكل يريد ضرب المقاومة في لبنان، وضرب من يساعد ومن يدعم تلك المقاومة، من ايران الى سورية، وانا لا أرى في الأفق الا التضامن مع المقاومة في لبنان وفي سورية».

وكانت العودة الى تعبيد طريق بيروت – دمشق بزيارة رئيس الحكومة سعد الحريري متخطياً كل جراح الماضي، واستعداد وليد جنبلاط للزيارة بترتيب من الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله، وهو ما أدى الى قيام اكبر عملية خلط أوراق في لبنان وبعض المنطقة.

وفيما تستمر حالة التجاذب والسجالات الحادة في سوق التداول اللبنانية، جاء حادث سقوط الطائرة الإثيوبية على شاطئ بيروت ليزيد من اجواء التشنج. ولكن ما حدث غير مسبوق بالنسبة الى السلطات اللبنانية، لذا كان هناك الكثير من الإرباك والتضارب في نشر وحتى تسريب المعلومات. وحتى الآن لم تكتمل فصول الحادث المأسوي وسط إصرار السلطة اللبنانية على استبعاد اي عمل تخريبي، ورأي اثيوبي يقول بأن «كل الاحتمالات وارد بما في ذلك العمل التخريبي». وفي غياب المعلومات الدقيقة ازدهر موسم اختلاط الشائعات بالخيال الخصب وفق نظرية المؤامرة. لكن يبقى من حق ذوي الضحايا معرفة الأسباب الحقيقية لفقدانهم الأهل والأحبة، وسيبقى الكلام حول سقوط الطائرة مدعاة لكثير من التداعيات، وسط إصرار السلطات اللبنانية على إبعاد شبهة العمل التخريبي نظراً لما يمكن ان ينطوي عليه مثل هذا الاحتمال.

وبعد...

لبنان والمنطقة بين العربدة الإسرائيلية وحالة الفراغ التي أحدثها العجز الأميركي عن كبح جماح جنون ليبرمان وأمثاله. وفاق داخلي هش يفرض على المسؤولين إدارة الأزمة بأقل قدر ممكن من الخسائر، في ظل غياب معالم الحلول الحقيقية للأزمات المزمنة.

* كاتب واعلامي لبناني

==============================

الدور المشبوه للجنة الحريات الدينية الأميركية

ممدوح إسماعيل

الرأي العام

14-2-2010

في العام 1994 تأسست لجنة تابعة للكونغرس الأميركي بعنوان «لجنة الحريات الدينية»، والمثير أن عملها لا يقتصر على الأراضي الأميركية، إنما طبقاً لمفهوم الهيمنة والغرور الأميركي الذي يمتد لكل الكرة الأرضية، خصوصاً بلاد المسلمين.

فهي تنتقد وضع الأقليات في بلاد المسلمين دائماً، ولم يعرف عنها أنها انتقدت وضع الأقليات المسلمة في أوروبا، مثلاً، مطلقاً، فهي لجنة عنصرية مكونة من مسيحيين ويهود مهمتها مهاجمة النظم الحاكمة في بلاد المسلمين، وتستعملها الإدارة الأميركية كورقة ضغط وابتزاز، وقد أصدرت تقارير عدة تتدخل بها في شؤون دول عربية وإسلامية كثيرة، وقد استخدمت الإدارة الأميركية تلك التقارير كأداة ضغط سياسي.

ومثال ذلك في الشأن المصري، إذ عمل فريق من أقباط المهجر المصريين المتعصبين الذين يعيشون في إقامة دائمة في أميركا وأوروبا على دعم ومد هذه اللجنة بمعلومات مغلوطة كانت تتلقاها اللجنة بسرعة من دون تريث وتدقيق وتصدر من أجلها التقارير ضد الحالة الدينية في مصر خصوصاً، وهو ما يُعد تدخلاً سافراً في الشأن الداخلي.

والعلاقات المصرية - الأميركية رغم ظاهر شكلها الودي، إلا أنه منذ هجمات 11 سبتمبر والإدارة الأميركية في عهد بوش الابن تحاول جاهدة التسلل بجميع الطرق إلى وضع أنفها في الشأن الداخلي المصري، لتنفيذ مخططها في الفوضى الخلاقة الذي عنوّن أهم أهدافه بالجائزة الكبرى مصر، وقد فشل الأميركيون في استغلال بعض ما سُمي بالمعارضة الليبرالية، إذ كانت الحكومة المصرية أكثر ليبرالية في قبول الأمركة من أنصارها.

وكان نجاح الحكومة المصرية في توقيف وتهميش المعارضة المقلقة للأميركيين من إسلاميين وناصريين وقوميين وغيرهم يسكت الأميركيين قليلاً، ورغم ذلك ظلت محاولات التدخل الأميركي. وظلت الحكومة المصرية تعمل جاهدة على وجود سد منيع يحفظ السيادة والاستقلال أمام طوفان التدخلات الأميركية، ولكن كما يُقال في المثل العامي المصري: «سكتنا له دخل بحماره»، وذلك خصوصاً في ملف ما سُمي بالاضطهاد الديني الكاذب، وهو ورقة الابتزاز التي يلعب بها الأميركيون، وساعدهم في ذلك فريق من أقباط المهجر والبهائيين الذين لا وجود لهم في مصر - «فهم لا يمثلون سكان حارة من أكثر من مليون حارة في مصر» - لكن الفريق المتأمرك من أقباط المهجر نجح في تكوين ورقة ضغط أميركية على مصر، رغم علمه بخطورة ما يفعله في الاستقواء بالأميركيين، لكن أغراه ضعف حكومات العالم أمام طغيان الأميركيين وتجربة المعارضة العراقية في المهجر في إسقاط نظام صدام، وهو ما عبرت عنه كتاباتهم على الإنترنت.

وفي حادثة نجع حمادي الأخيرة كان لافتاً جداً حجم التنديد من العواصم الغربية وضعف الخارجية المصرية عن التصدي للتدخل الغربي في الشأن المصري، وهو تدخل غريب ومريب ومخالف للعرف الديبلوماسي، فلم يُسمع أن عاصمة عربية أو إسلامية نددت بحادث لمواطن فرنسي على أرض فرنسا أو مواطن أميركي على أرض أميركية حتى ولو كانوا مسلمين.

وقد تطور الأمر بوصول وفد من لجنة الحريات الدينية الأميركية لمصر، وذلك في شأن حادثة نجع حمادي، وقام الوفد الذي ترأسه يهودية بمناقشة حادثة وجريمة وقعت بين مصريين على أرض مصرية، وهو تدخل قميء، وقد تزامن ذلك مع قيام السفيرة الأميركية بزيارة الكنيسة بعد الحادث، وهو تدخل يرفضه كل مصري حر.

الشاهد أن ما حدث وغيره من الأحداث يدل بوضوح على دور مشبوه للجنة الحريات الأميركية. لكن يبقى الآتي:

- ما يوضح المؤامرة الأميركية على مصر أنه في الوقت الذي تتم فيه مذابح طائفية ضد المسلمين في نيجيريا وصل عدد القتلى فيها إلى أربعمئة قتيل مسلم بسبب رغبتهم في بناء مسجد في منطقة جوس ذات الغالبية المسيحية، ومع ذلك لم يسمع العالم أي إشارة تنديد من الغرب، ولم تذهب لجنة الحريات الدينية إلى نيجيريا في مذبحة واضحة الطائفية، بل على العكس جاءت إلى مصر!

- لو صحت كلمة الاضطهاد الديني في مصر ما بقي مسيحي واحد في بلد به 75 مليون مسلم، ولكن الحقيقة هي أن عدل الإسلام هو الذي يحمي غير المسلمين من الاضطهاد وفرض القرآن ذلك على المسلمين «لكم دينكم ولي دين»، ووفر لهم الحياة الآمنة عقائدياً واجتماعياً واقتصادياً، والواقع يشهد بذلك، فالمسيحيون في مصر أغنى من المسلمين بالنسبة إلى نسبتهم المئوية في عدد السكان، ويعيشون حياة آمنة لا يكدرها حادث تفرضه الطبيعة البشرية للإنسان، بخلاف أن الكنيسة لا رقابة للدولة عليها سواء أمني أو سياسي أو مالي رغم أن ذلك يناقض المواطنة.

- التدخل الأميركي بصوره كلها مرفوض... وأقول لمن يستقوون بالأميركيين في بلاد العرب والمسلمين: إذا كنتم تدعون إلى المواطنة وحب الوطن فلماذا تستعينون بالأميركيين الأجانب ضد وطنكم وبلدكم؟

أما لجنة الحريات الدينية المشبوهة فأقول لها:

مثال واحد فقط من آلاف الأمثلة، أين كان حرصك على الحرية الدينية، وقد قُتلت المصرية مروة الشربيني بسبب مظهرها الديني فقط في ألمانيا، في حادثة عنصرية شهدها العالم كله إلا لجنة الحريات، لأن عيونها أصابها العمى عن رؤية ما يحدث للمسلمين واذانها أصابها الصمم عن أن تسمع كل شكوى اضطهاد للمسلمين؟

وأخيراً ينبغي أن يعي ويفهم الأميركيون والمتأمركون أن تدخلهم في شؤون العرب والمسلمين مستفز، وأن مصر ليست بورما أو الصومال، وأنها ليس لها مثيل وغير خاضعة لمؤامرات التفتيت، فهي حضارة قبل أن يعرف العالم أميركا وقبل أن يعرف الأميركيون معنى كلمة حضارة... ثم هي شعب غالبيته مسلم له تاريخ وأمجاد سطرت في التاريخ، فمهما كان الضعف الظاهر للحال المصرية فلدى مصر وشعبها مخزون استراتيجي من الكرامة ظهر في حطين وعين جالوت وأكتوبر 1973، وهو جاهز للظهور في جميع الملمات، مهما كانت العقبات.

محامٍ وكاتب مصري

==============================

مزيد من التطبيع مزيد من التفريط

آخر تحديث:الأحد ,14/02/2010

الخليج

أسامة عبد الرحمن

التطبيع قائم بين بعض الأقطار العربية والكيان الصهيوني، وهو تطبيع يواجه معارضة شعبية في كثير من الأحيان . وهذه المعارضة . . معارضة قوية على الصعيد الشعبي رغم مرور عقود على معاهدات السلام مع الكيان الصهيوني .

 

ولكن رغم ذلك فإن التطبيع حاضر . والتطبيع ليس تطبيعاً سياسياً فحسب، لكنه تطبيع سياسي واقتصادي وثقافي واجتماعي . ويبدو أن البعدين السياسي والاقتصادي هما الأساسيان، وهما محور اهتمام الكيان الصهيوني . ولعله في البعد الاقتصادي وهو مهم للكيان الصهيوني، فإنه مع عدم وجود معاهدات سلام بينه وبين العديد من الأقطار العربية، وعدم وجود تطبيع، فإنه قادر على الاختراق من خلال طرف ثالث، أو أطراف لحضور منتجاته في أسواق هذه الأقطار ويربح من وراء ذلك كثيراً، وربما يصل ما يربحه الى مئات الملايين من الدولارات، وهذه مسألة معروفة وقد تناولتها دراسات أوضحت ان المردود المالي للكيان الصهيوني من هذا الاختراق للأسواق العربية كبير . غير أن الكيان الصهيوني يطمح إلى التطبيع المفتوح الذي لا يضطره إلى الاختراق، وفي الوقت نفسه يتيح له فتح الأسواق على مصاريعها لمنتجاته .

 

ومع أن البعد الاقتصادي من أكثر الأبعاد أهمية في التطبيع، فهو ليس اقتصادياً محضاً، ولكن البعد السياسي يبدو أنه الأكثر أهمية حيث إنه يمثل المظلة الرسمية التي تلتقي فيها الأبعاد الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها . ثم انه البعد الذي يتمثل في صنع القرار، وهو الذي يتحكم الى حد كبير في مسار التطبيع على كافة الأبعاد، وهو الذي يضمن بقاء التطبيع واستمراره رغم أي حملة شعبية مهما كانت عازمة ضد التطبيع .

 

ومعروف أنه بجانب الأقطار العربية التي وقعت معاهدات سلام مع الكيان الصهيوني والتطبيع بينها وبينه قائم، فإن أقطاراً عربية أخرى لها علاقات تجارية مع الكيان الصهيوني من خلال وجود مكاتب تجارية له في هذه الأقطار، وهذا ما يوضح أهمية البعد الاقتصادي في التطبيع، وربما هيأ هذا البعد الاقتصادي الطريق لتطبيع أبعد مدى، كما أن العديد من الأقطار العربية ألغت المقاطعة من الدرجة الثالثة والثانية بعد أن كان شعار المقاطعة هو الغالب على كافة الدرجات، ولكن هذا الشعار يبدو أنه تراخى كثيراً بعد توقيع مصر معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني، وبعد طرح السلام خياراً استراتيجياً من قبل النظام الرسمي العربي . والولايات المتحدة سبق أن مارست ضغطاً على بعض الأقطار العربية لإلغاء المقاطعة من الدرجة الثالثة والثانية، وهي تدعو إلى التطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني باعتبار ذلك حافزاً له على السعي للسلام بدلاً من أن يكون التطبيع مقابل انسحاب كامل من الأراضي المحتلة عام ،1967 وهو ما تؤكد عليه المبادرة العربية للسلام .

 

ومع أن التطبيع مقابل السلام، وهو في حد ذاته أقل من الحد الأدنى للمطالب العربية والفلسطينية على وجه الخصوص، فإن القبول بالتطبيع قبل تحقيق السلام هو إلغاء واحد من أهم المضامين في المبادرة العربية للسلام، أو إفراغ المبادرة من مضمونها، مع أن حق العودة للاجئين يظل محوراً أساسياً . وإذا تم التطبيع قبل الانسحاب الصهيوني من الأراضي المحتلة، فما هي الورقة التي بقيت بأيدي العرب، وكيف يمكن بعد ذلك إلزام الكيان الصهيوني بأي انسحاب فعلي .

 

إن هناك ارتباطاً موضوعياً وفق المبادرة العربية بين التطبيع والانسحاب، وهما متلازمان، ولا يمكن أن يتم التطبيع دون الانسحاب في إطار المبادرة، مع أن الكيان الصهيوني يدرك أن هناك قدراً من التطبيع على أرض الواقع ومن الممكن أن يبادر لجعل التطبيع واقعاً على كل الأرض العربية . ولعل مناورة الكيان الصهيوني بربط موضوع تجميد الاستيطان بالتطبيع العربي معه، هي قفز على المبادرة العربية وإفراغها من مضمونها، وإلغاء ورقة رئيسية في أي تسوية سلمية، ويصبح التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني، كسباً مجانياً له دون مقابل، إذ إن تجميد الاستيطان ووقفه، هو استحقاق مفروض .

==============================

تصعيد النار من أجل الحوار!!

ياسر الزعاترة

الدستور

14-2-2010

لم يُخف الجنرالات الأمريكيون ، ولا أصدقاؤهم البريطانيون ، فضلا عن السياسيين في البلدين حقيقة أن حملة "مشترك" العسكرية الجديدة ضد حركة طالبان في ولاية هلمند ، ومجمل التصعيد الذي سبقها ممثلا في زيادة عدد القوات العاملة في أفغانستان ، إنما يرمي إلى إضعاف الحركة ودفعها ، وأقله قطاعات "معتدلة" من قادتها وعناصرها ، إلى الانخراط في العملية السياسية والتخلي عن مسار العنف.

 

في هذا الإطار كانت الإدارة الأمريكية قد رفعت أسماء خمسة من قادة طالبان السابقين من قوائم الإرهاب ، فيما جرى فتح خطوط اتصال مع بعضهم ومع آخرين هم في واقع الحال بعيدون كل البعد عن مركز الأحداث منذ سقوط إمارة الحركة نهاية عام ,2001

 

هذا الكلام الذي يتردد في الدوائر الأمريكية والغربية هو بمثابة اعتراف مبطن بالهزيمة ، وأقله بالعجز عن هزيمة الحركة التي تتمتع بحاضنة شعبية تمنحها القدرة على استمرار القتال إلى أمد طويل ، حتى لو تراجعت خطوط الإمداد الخارجية للحركة ، لا سيما الشريان الباكستاني الذي يصعب القول إنه انقطع بسبب دعم قبائل البشتون وحركة طالبان باكستان ، إلى جانب القناعة السائدة في أوساط عسكرية وأمنية باكستانية بالضرر الذي ستلحقه هزيمة طالبان على المصالح القومية لباكستان.

 

في ظل هذه المعادلة يمكن القول إن مراهنة الأمريكيين على إضعاف طالبان بعملية عسكرية من نوع التي تجري في ولاية هلمند لا تبدو واقعية بحال ، حتى لو نجحت في السيطرة على المنطقة وقتل العشرات أو المئات من عناصر الحركة ، ولعل الاعتماد الأساسي هذه المرة على القوات الأفغانية سيزيد في حقد الأفغان على القوات المحتلة وعلى نظام كرزاي في آن ، لا سيما بعد الإعلان صراحة عن أن القوات الحكومية ستكون في مقدمة الحملة ، ما يعني أنها ستتلقى الضربات أكثر من القوات الغربية.

 

لا يخفى بالطبع أن لطالبان اختراقاتها في الأجهزة الرسمية الأفغانية ، بما في ذلك الأمنية والعسكرية ، وكم من مرة قام ضباط وجنود أفغان باستهداف القوات الغربية ، وعندما يصل عناصر طالبان إلى قلب كابول ومجمع المباني الحكومية ، فلا يعقل أن يتم ذلك من دون تعاون من الداخل.

 

من الجدير بالذكر أن عدم توفر قناعة شعبية أفغانية بنظام كرزاي لا زال يساهم في تعزيز قدرات حركة طالبان على المواجهة ، فضلا عن كره الأفغان التقليدي للغزاة ، إلى جانب روح التدين وعدم وجود سيرة سيئة للحركة بين الأفغان ، حتى لو اختلف بعضهم مع رؤيتها السياسية والفقهية (الدينية).

 

في ظل وجود عناصر الحركة بين شعبهم وأهلهم ، وفي ظل ما ذكر حول السيرة البائسة لنظام كرزاي الفاسد ، إلى جانب عدم القناعة بأهداف الغزو الأمريكي ولا بممارساته ووعوده ، في ظل ذلك كله سيكون من الصعب إلحاق هزيمة عسكرية بحركة طالبان ، بصرف النظر عن نتيجة الحملة العسكرية القائمة ، والتي قد تحقق ظاهرا بعض النجاح ، الأمر الذي ما يلبث أن يتغير في غضون أيام عندما يعود عناصر الحركة من بيوتهم إلى ساحة القتال من جديد.

 

ولذلك فإن فرص استخدام هذا "النصر" البائس في فرض وقائع جديدة على طالبان ، أعني جرها إلى مربع الحوار ، ستكون محدودة في ظل الأوضاع الراهنة ، والنتيجة أن الاستنزاف الأمريكي سيتواصل ، بصرف النظر عن أسئلة المستقبل التي يمكن الجزم بجزء منها (الفشل الأمريكي والانسحاب) ، بينما يصعب الجزم بما تبقى من حيث التدافع الداخلي بين مراكز القوى السياسية والعرقية داخل البلد ، والتي يجد كلا منها سندا وإمدادا من هذه الدولة أو تلك من دول الجوار.

 

هي إذن هزيمة أمريكية منتظرة ، وأقله فشل أمريكي آخر سيكون له ما بعده على صعيد قوة ونفوذ هذه الإمبراطورية التي وصلت الذروة وبدأت مسيرة التراجع ، في بشارة خير لسائر المستضعفين في الأرض ، وعلى رأسهم المسلمون الذين عانوا من الغطرسة الأمريكية أكثر من غيرهم ، لا سيما بعد تبعيتها الواضحة للهواجس الإسرائيلية

==============================

الولايات المتحدة... مواقف متناقضة

غازي العريضي

الاتحاد

الرأي الاردنية

14-2-2010

في يوم واحد صدر موقفان أميركيان متناقضان، فجيمس جونز مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض قال:»البرنامج النووي الإيراني، وما يثيره من تساؤلات هو اليوم أكبر مصدر قلق على الأمن الجماعي. وبسبب هذه القضية، فإن السباق على التسلح النووي في الشرق الأوسط وتصاعد وتيرة الانتشار النووي العسكري في العالم صار على المحك، ولا أرى في الوقت الراهن قلقاً أكبر على ضمان أمننا المشترك».

وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون قالت:»نعتقد في غالبيتنا بأن التهديد الأكبر يأتي من الشبكات العابرة للحدود الوطنية وغير التابعة للدول، وبشكل خاص من المتطرفين الإسلاميين الأصوليين المرتبطين ب»القاعدة» في شبه الجزيرة العربية، أو»القاعدة» في باكستان وأفغانستان. أن التهديد للأمن القومي الأميركي لا يأتي من إيران أو من كوريا الشمالية» ... ترى من نصدق؟ من المفترض أن يكون الموقف من السلاح النووي وخطره على العالم موقفاً استراتيجياً.

 ولماذا في الوقت ذاته ثمة قرارات وتوجهات تارة تتحدث عن عقوبات ضد إيران.

 وتارة أخرى تتحدث عن سيناريوهات الحروب والمواجهات؟ وعلى أي أساس تبنى هذه القرارات أو الفرضيات؟ أهكذا تقاد الدول؟ أهكذا ترسم السياسات؟ أم أن مثل هذه التصرفات والسياسات، هي التي تقود العالم إلى الفوضى والكوارث والأزمات. وهذا هو الأرجح، وهذا ما تتحمل مسؤوليته الولايات المتحدة والإدارات المتعاقبة على حكمها؟ وعندما تشير كلينتون إلى «القاعدة» في باكستان على سبيل المثال، وبالتأكيد لست من المدافعين عن مثل هذه التنظيمات، فماذا تقول لزميلها روبرت جيتس وزير الدفاع، شريكها في الحكومة والقرار، عندما تحدث منذ أيام أيضاً عن الأخطاء الأميركية نفسها في باكستان، والتي أدت إلى اهتزاز الوضع في تلك البلاد ونمو «القوى المتطرفة»؟ وعندما تشير كلينتون إلى أفغانستان، فماذا تقول للرئيس الأفغاني نفسه الذي استقدم من أميركا نفسها يوم أعلن سقوط نظام «طالبان». الرئيس حميد كرزاي، الذي قال في أكثر من مناسبة وتصريح له:»إن قوات التحالف تستخدم «بلطجية» ولا يوجد موعد لانسحاب القوات الأجنبية. وأنا استخدم مثل كيس التدريب على الملاكمة، والجميع يوجه لي اللوم على أخطاء السنوات السابقة»! وأضاف: «لقد ذهبوا مع هؤلاء البلطجية إلى منازل المئات من المواطنين وأخافوهم ودفعوهم للهروب من أفغانستان. أنا مندهش من أن الشعب الأفغاني ما زال له هذا القدر من الثقة في ما نقوم به. أنا مندهش بعد أن ألقيت عليه القنابل مرات ومرات وقتل أطفالهم وأقاربهم ومزقت أوصالهم وما زالوا يأتون إلي كرئيس ... يجب على المجتمع الدولي أن يصحح سلوكه.

ولأعوام ظللت أردد أن الحرب على الإرهاب ليست في أفغانستان، وأنها في معسكرات التدريب، في المعاقل في باكستان، ولكن بدلاً من الذهاب إلى هناك، ذهبت قوات التحالف إلى المناطق المحيطة حول القرى الأفغانية يقتحمون منازل المواطنين، ويرتكبون عمليات قتل دون أجراء محاكمات...

إذا استمرت هذه التصرفات، سننزل إلى مستوى أعمق من الخندق أكثر من المستوى الذي نحن فيه الآن، وسوف تنتهي الحرب على الإرهاب بهزيمة مخزية».

وهذا شاهد من أهلها، وبغض النظر عن أنه كان يدل على مسؤولية باكستان، فما نحن عليه الآن هو أن المشكلة باتت تهدد أفغانستان وباكستان معاً، والحقيقة أن الإخفاق الأميركي يلوح هناك... وأن «طالبان» باتت أقوى وأن «القاعدة» في كل مكان، والسبب بسيط جداً: خطايا أميركية مبنية على قاعدة أميركية، أساسها الاستناد إلى منطق القوة في العالم، وعدم الاعتراف بالآخر، وغياب لمنطق الشراكة، وحماية مطلقة لإسرائيل قاعدة الإرهاب في الشرق الأوسط! فعندما تقول هيلاري كلينتون إن الخطر هو من الإرهابيين عابري الدول، لماذا لا تشير إلى إرهابيي الدول وبالتحديد إلى إرهابيي إسرائيل وهي دولة الإرهاب المنظم بكل ما للكلمة من معنى؟ ولنسلّم جدلاً أن كلاً من كلينتون وجونز على حق. فهذا يعني أكثر أن الهزيمة شاملة، إذ أن إيران تتقدم وتحاول فرض شروطها على أميركا والمجتمع الدولي وتقف في المواجهة في موقع المبادر وتحولت إلى لاعب إقليمي دولي قوي وفاعل، و»القاعدة» تتقدم، و»طالبان» تفرض نفسها، وأميركا وحلفاؤها من تراجع إلى تراجع في موازاة دعمهم لإسرائيل لتتقدم نحو مزيد من الحروب لن تؤدي إلا إلى كوارث كبيرة وهزائم إضافية لها ولمن يقف وراءها.

عندما تصدر مثل هذه التصريحات عن المسؤولين الأميركيين، إضافة إلى ما كتبه غيرهم من اعترافات بالأخطاء، وعندما تصدر تصريحات مماثلة من حلفائهم من كرزاي إلى غيره في عدد من الدول، ألا يستوجب ذلك وقفة للاستفادة من الدروس والعبر؟ وعندما يقرأ الدبلوماسيون والسياسيون والمحللون والإعلاميون والكتاب والمثقفون تجارب إداراتهم في فيتنام والعراق وأفغانستان ألا يتعلمون منها؟ وعندما يتطلعون إلى طريقة تصرف قادتهم وخصوصاً بعد أنهيار الاتحاد السوفييتي، الأ يدركون أن أي حديث عن عظمة وقوة وتفرد وقدرة أميركا على التحكم بالعالم غير صحيح ، وأن السياسة الأميركية هي تماماً مثل أفلام هوليوود؟ إنها ليست سياسة القادة الكبار الذين يريدون الأمن والاستقرار والازدهار للعالم.

حتى لو أطل بعضهم بشعارات توحي للبعض بالأمل، فإنه يتحول بسرعة إلى عاجز! هذا ما نراه اليوم مع الرئيس أوباما الذي حمل انتخابه أمالاً كبيرة لشعوب كثيرة، لكنا نسمع اليوم كلاماً من مسؤولين أميركيين أنه «يجب الاعتراف بأن النزعة العنصرية التي اعتقدنا أننا تجاوزناها بانتخاب باراك أوباما الأسود رئيساً لأميركا، عادت لتفعل فعلها في بيتنا السياسي.

وباتت تحاصر الرئيس الجديد وتحاصر طموحاتنا وأحلامنا» إذا كان رفاق أوباما يقولون ذلك، فماذا نقول نحن؟ وماذا يقول الآخرون المعنيون بمتابعة السياسة الأميركية نظراً لانعكاسها على أمننا واستقرارنا ومستقبلنا؟

==============================

الوجه الأمريكي الجميل الوجه الأمريكي البشع...!!

عاصم العابد

الرأي الاردنية

14-2-2010

لأميركا وجهان، ولجيوشها ولبوارجها ولحاملات طائراتها مهمتان، ولعلمائها دوران ولسياسييها لونان !!.

يستطيع هذا الشعب وهذه القوة الجبارة أن تختار أي وجه تطل به على العالم، وأي مهمة توكلها لجيوشها المدججة وأي حمولات تملأ بها بوارجها وأي دور لعلمائها وأي لون لسياسييها. عام 1958 صدرت في واشنطن الرواية السياسية THE UGLY AMERICAN «الأمريكي القبيح» للكاتبين الأمريكيين ايوجين بوردك ووليم ليديرر التي تناولت الممارسات البشعة المشينة للقوات الأمريكية في بورما، والتي سرعان ما تربعت على قائمة الكتب الأكثر مبيعا (THE BEST SELLER)وتحولت عام 1963 إلى فيلم مثله مارلون براندو وأخرجه جورج انجلند.

 

تعرف الشعوب كافة، الوجه الأمريكي البشع القبيح المرعب المكروه، الذي أصلاها نارا ذات لهب، في هيروشيما وناغازاكي وكوريا وفيتنام ولاوس وكمبوديا وتشيلي وعامرية وأبو غريب العراق وغوانتنامو كوبا، ونعرف نحن في إقليمنا المنكوب، علاوة على هذا الوجه القبيح، وجها قبيحا وبشعا آخر هو وجه الكيان الصهيوني، الوحش المسخ الوحيد المستنسخ عن هذه القوة الجبارة الرعناء، الوحش الذي أنتج مؤخرا، مسلسلات الرعب الدامية: «سلامة الجليل حزيران 1982» و»عناقيد الغضب حزيران 1996» و»حرب لبنان الثانية- تموز ومجزرة قانا نيسان 2006» و»الرصاص المصبوب كانون الأول 2008».

 

وتعرف الشعوب كافة، الوجه الأمريكي الآخر الطيب الجميل الرقيق الإنساني، وجه أبراهام لنكولن وودرو ويلسون وجون كنيدي وآرثر ميللر وشارلي شابلن وارنست همنجواي ومرغريت ميتشل ومارتن لوثر كنغ وروزا باركس ونيل ارمسترونغ، وجه الأدباء والفنانين والموسيقيين والأطباء والرياضيين ورواد الفضاء والبحار، ف 75 % من حائزي نوبل اميركان، والمهندسون الذين اكتشفوا الانترنت اميركان، ومخترع الطائرة والغواصة والهاتف والتلفزيون الملون والترانزستور والآلة الطابعة والتوربين وعملية نقل الدم والتراكتور والغسالة ومكتشف الكهرباء وأشعة الليزر ومخترع حبوب منع الحمل وواضع أسس كرة السلة والطائرة والجولف أمريكان.

 

تتيح كارثة هايتي المروعة، الإمكانية للتعرف على الوجه الأمريكي الطيب الجميل، الذي هب لنداء العون الإنساني، فكل جهود الإغاثة وقدرات العون لدى كل دول العالم مجتمعة، لا تعادل قدرات الإغاثة الأمريكية!! وبدون» التدخل «الأمريكي لم يتمكن احد من الهبوط في مطار بورت أو برنس أو الهبوط في مطار أية دولة منكوبة نكبة كبرى كنكبة هايتي، حيث تحمل طائرات العون والإغاثة آلاف أطنان المعونات، لكن لن يتمكن احد من نقلها من المطار أو حمايتها من عصابات النهب واللصوص المنفلتين من السجون المنهارة.

 

الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تملك القدرات اللوجستية الكاملة الكافية، التي لا تدانى، لإطلاق «اكبر عملية غوث في التاريخ» وهي وحدها القادرة على شق طرق الإغاثة وتمهيدها وإدامتها وحمايتها، وقد تم اختبار هذه القدرات في كارثة تسونامي التي عصفت بعدة دول وكان الوجه الأمريكي الطيب الجميل، هو أول وجه رآه المنكوبون، الذين تم انتشالهم من تحت الأنقاض.

 

فأميركا قادرة على إقامة اكبر جسر جوي في التاريخ وعلى إرسال حاملات طائرات المروحيات، التي لا يمكن الحركة بدونها، في بلد منكوب انهارت طرقه وتمزقت جسوره وهبطت انفاقه وشلّت شبكات اتصالاته، وهي القادرة على إحضار ونشر قوات الحماية بالآلاف، وعلى إعادة فتح المطارات وتزويدها بأجهزة الاتصالات ونصب المستشفيات العملاقة العائمة وإحضار المستشفيات الميدانية العسكرية والأطباء والممرضين والأدوية ومحطات توليد الكهرباء ومحطات تنقية المياه وصهاريج الوقود وفرق الإنقاذ المجهزة وفرق الهندسة وعمال التنزيل والطرق والإنشاءات وإحضار الجسور الجاهزة والاسمنت والحفارات والجرافات والغارفات والقلابات وسيارات الإسعاف وسيارات ومحطات الإطفاء والأطعمة والملابس والخيام والأسرّة والأغطية والعاب الأطفال والحلوى والمسبارات القادرة على التقاط أنفاس المحاصرين تحت الردم والكلاب المدربة على تمييز روائحهم وأصواتهم وتوابيت الموتى وأكياسهم.

 

هذا هو الوجه الأمريكي الطيب الجميل الذي افتقدته الشعوب طويلا وما تزال تفتقده وخاصة في إقليمنا المنكوب، وهو الوجه الذي لا نراه كثيرا!! هذا الوجه الطيب الجميل كان بإمكانه أن يكون دائم الحضور في إقليمنا المنكوب، لولا جرائم إسرائيل غير المسبوقة ومحرقتها الدائمة والانحياز الأمريكي المطلق لإسرائيل سلما وحربا، ليلا ونهارا، فيلا وحمارا!! فلماذا ستكره الشعوب أميركا إذن، لو أنها بوجه واحد فقط، هو وجهها الطيب الجميل الضائع وسط قعقعة السلاح ودخان الحرائق وغبار الدمار؟ لماذا ستكرهها لو أنها تكيل بمكيال الحق والعدل ولا تكيل بعشرة مكاييل، لماذا ستكرهها لو أنها تقدم للشعوب يد الصداقة ويد العون القوية ولا تحمل في اليد الأخرى خنجر إسرائيل، ولا تضع نجمة داوود السداسية الأطراف، وشما على عضلاتها ونقشا على حرابها.

 

كل شعوب العالم، تتمنى أن تكون أميركا، أو أن تصبح، بوجه واحد، هو وجهها الطيب الجميل، لتكون اكبر قوة خير وسلام تعرفها الإنسانية على مر العصور، وان تسمح لها أميركا، ذات الإسهام العلمي الأكبر في تقدم البشرية وتاريخها.

 

لا نتشاءم ولن نيأس، في انتظار إطلالة الوجه الأمريكي الطيب الجميل، رغم الانحناءة الكبرى للرئيس الأمريكي الجديد، باراك اوباما، التي أعلن فيها «إخفاقه» في فهم درس الشرق الأوسط ومعادلاته، معلنا عن ندمه على «الإفراط في التفاؤل»، مطلقا يد الدراكولا الإسرائيلي المتوحش في المنطقة، وملتزما بكل مقارفاته!!

==============================

وماذا ستفعل اسرائيل بشأن معركتيّ نزع الشرعية والديموغرافيا؟

المستقبل - الاحد 14 شباط 2010

العدد 3567 - نوافذ - صفحة 16

ماجد كيالي

إسرائيل دولة مهووسة بالأمن، أكثر من أية دولة أخرى، فهي تتحدث دوما عن مخاطر استراتيجية تتهددها، وعن تحديات وجودية متغيرة؛ وهذا أمر بديهي لدولة جرى اصطناعها، في مرحلة تاريخية معينة (1948)، بوسائل القوة والدعم الخارجي، على رغم الجغرافيا والديموغرافيا، وضد إرادة أهل الأرض الأصليين.

في البداية (أي مرحلة الخمسينيات والستينيات) كانت إسرائيل تواجه مجرد تهديدات تقليدية، أي التهديد من الجيوش العربية التقليدية، وهو، كما بينت التجربة، مجرد تهديد نظري، بالقياس لقوة إسرائيل وتفوقها النوعي، وبالنظر إلى أن هذه الدولة هي التي كانت تهدد الدول العربية المجاورة، من الناحية الفعلية، وهي التي احتلت أراضيها في حرب 1967، وهي التي شنت الحرب تلو الحرب عليها.

أواخر الستينات من القرن الماضي، ومع ظهور المقاومة الفلسطينية المسلحة، بدا وكأن إسرائيل تواجه تحديا جديدا. لكن هذا التحدي، كما دلت التجربة، أيضا، لم يستطع أن يؤثر كثيرا على إسرائيل (من الناحية العملية) بحكم محدودية إمكانيات تلك المقاومة، والقيود التي حدت من عملها في البلدان العربية المعنية، وأيضا بسبب انشغالها بالاحتكاكات مع بعض الأنظمة العربية (الأردن ثم لبنان).

لكن اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى (19871993) وضع إسرائيل، لأول مرة، أمام تحد فريد من نوعه. فهي هنا إزاء شعب يقاومها بالوسائل التي بحوزته، بالعصيان المدني وبالحجارة وفي مجال الصراع على الرأي العام. وبالفعل فقد وضعت الانتفاضة إسرائيل أمام مآزق كبيرة، فهي باتت مكشوفة على حقيقتها كدولة استعمارية عنصرية، ودينية.

المهم أن إسرائيل في كل مرحلة كانت تجد نفسها في دوامة جديدة من المخاطر والتحديات الإستراتيجية المصيرية، كون هذه الدولة، التي لاتستطيع المصالحة مع ذاتها (بالنظر للتناقض بين طابعها الديني والعلماني، والشرقي والغربي، وبين كونها جزءا من الغرب أو من الشرق الأوسط) لاتستطيع التصالح مع محيطها.

الأنكى من ذلك فإن إسرائيل هذه، المتوترة في داخلها، والقلقة إزاء مستقبلها، والحائرة إزاء هويتها وسياساتها، تشتغل على نقل حال التوتر والقلق والحيرة إلى جوارها، أي تصدير أزماتها إلى خارجها. والمفارقة أن هذا الوضع يعود فيرتد عليها، أيضا، في دوامة لايعرف احد كيف تنتهي.

هكذا فإن إسرائيل هذه، وبرغم تمتعها بكل عناصر القوة التفوق (العسكري والاقتصادي والتكنولوجي)، ودعم الولايات المتحدة، ووجود بيئة أمنية وسياسية مؤاتية لها، مازالت ترى بأن ثمة تهديدات إستراتيجية تقف لها بالمرصاد.

الآن، ليس فقط أن إسرائيل، في هذه المرحلة، تحسب حساب إيران، مثلا، وإنما هي تتحسب أيضا لانفكاك علاقتها مع تركيا، كما لتصدع مكانتها في أوروبا، ولما تسميه المعركة على مكانتها وشرعيتها في العالم. وهي معركة لاتلائم إسرائيل، كونها لاتتم بالوسائل العسكرية، وإنما في مجال حقوق الإنسان، وبالوسائل القانونية والمدنية. هكذا، اعتبر رون بن يشاي، بأن "العزلة السياسية" هي احد أهم أربع تحديات تواجه إسرائيل (مع صواريخ إيران وتراجع مكانة الولايات المتحدة، واحتمال ضربة جوية إسرائيلية لإيران) ("يديعوت أحرونوت" 28/11) وهذا ما اعتبره غابي سيبوني بمثابة "التهديد الثالث" لإسرائيل، حيث "محاولات التنظيمات المؤيدة للعرب إضعاف شرعية إسرائيل ككيان سياسي..باتهامات سياسة تفرقة عنصرية ونفي المحرقة والادعاء بان إقامة دولة إسرائيل غير قانونية، واتهامها بارتكاب جرائم حرب." وبرأيه فإن "الهجمات التي تشن على شرعية إسرائيل ليست تنقيطاً بسيطاً ورذاذاً خفيفاً بل هي طوفان حقيقي يتعاظم." ("هآرتس"، 30/9).

ويلخص أري شافيت التهديدات التي تواجه إسرائيل اليوم بثلاثة جوانب: 1) جانب إيران.. 2) جانب الصواريخ..3) جانب الشرعية: في 2006 وأواخر 2008 كشفت الجماعة الدولية عن صبر مفرط على إجراءات إسرائيل التي استعملت فيها القوة. في 2009 حدث انقلاب. ففي رد متأخر على عملية "الرصاص المصبوب" ضاق العالم ذرعا بإسرائيل. وأصبح الآن لا يكشف عن شيء من الصبر على أي استعمال إسرائيلي للقوة..الهجوم على حق إسرائيل في الدفاع عن النفس اضر إضراراً حقيقياً بالردع والأمن والاستقرار. ("هآرتس6/1)

اللافت أيضا أن إسرائيل لا ترى أمنها بما يتهددها من محيطها، فحسب، وإنما حتى بما يجري في أخر المعمورة! وهذا لايقتصر على تغيّر مكانة الولايات المتحدة، أو سياساتها، فقط، وإنما يشمل ما يجري في الباكستان والصين وأميركا اللاتينية، أيضا. يقول افرايم عنبر (مدير مركز بيغن السادات للأبحاث الإستراتيجية)، في دراسة عنوانها "مستقبل إسرائيل: "ازدياد قوة الصين لا يبشّر دولة إسرائيل بالخير..سيناريو أخر نخافه هو أسلمة أوروبا..إذا لم يوقف الأوروبيون الاتجاهات السكانية عندهم..وثمة اتجاه أخر نشهده وقد يضر إسرائيل وهو سلب الشرعية الدولية." (أبحاث في الأمن القومي، جامعة بار ايلان، ع 23، كانون الثاني 2009)

هكذا ثمة إجماع في إسرائيل، على أنه إضافة إلى التحديات الإستراتيجية ، في ميدان القوة والصراع المباشر، ثمة تحد جديد يواجهها، يتمثل بنزع شرعيتها، ونزع أي قيمة أخلاقية لاصطناعها.

وماذا يعني ذلك؟ يعني أن إسرائيل هذه باتت عاجزة وحائرة إزاء تحديين استراتيجيين، الأول يتمثل بما يسمى بالخطر الديمغرافي، الذي يهدد وضعها كدولة يهودية، بتحولها لدولة ثنائية القومية بقوة الواقع (ولو على شكل دولة استعمارية عنصرية)، والثاني يتعلق بالصراع على الوجدان العالمي، وتآكل صورتها الخارجية، كدولة ديمقراطية علمانية. وهذان التحديان سيؤثران، بطريقة تدريجية وعميقة وسلميّة، على مستقبل إسرائيل، على الرغم عنها، وعن أسلحتها المدمرة؛ التي لاتستطيع شيئا في هذين المجالين.

==============================

كيف تستطيع القوة الناعمة التركية مساعدة الناتو في أفغانستان

أيدمير إرمان

الشرق الاوسط

14-2-2010

وافقت الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي (ناتو) والدول المجاورة لأفغانستان في مؤتمر لندن الأخير بشأن أفغانستان على تعزيز تنسيق الجهود المدنية والعسكرية الرامية إلى تحقيق الاستقرار في هذا البلد، بحيث تستطيع القوات الأجنبية الانسحاب وتستطيع القوات الأفغانية الاضطلاع بمسؤولية الأمن. وعلى الجانب المدني، انصب التأكيد من جديد على الأهمية الأساسية لتعزيز وضع المؤسسات الأفغانية التي تستطيع جذب ولاء من يتخذون صف طالبان حاليا.

وباعتبارها صديقا موثوقا به على مر التاريخ للشعب الأفغاني، تمتلك تركيا، وحدها من بين أعضاء حلف الناتو، عنصر «القوة الناعمة» في الترسانة الخاصة بها، ويعد هذا العنصر مفتاحا لكسب قلوب وعقول السكان.

ويقال في أفغانستان إنه «لم يُقتل أي أفغاني برصاص تركي قط» وإنه «لم يخن أي أفغاني تدرب على أيدي الأتراك بلده مطلقا».

وساعد الأتراك الحكومة الأفغانية والشعب الأفغاني منذ أيام الأمير عبد الرحمن خان، وهو «الأمير الحديدي» الذي وحد البلاد إبان فترة حكمه التي امتدت من 1880 حتى 1901 وشرع في نهج التحديث. وكانت أفغانستان هي الدولة الثانية التي اعترفت بتركيا الحديثة عام 1921 بعد الاتحاد السوفياتي. وكان لتركيا الحديثة دور أساسي في إنشاء الأكاديمية العسكرية والمدرسة الطبية وجامعة كابل وكلية العلوم السياسية بها ومدرسة الموسيقى والخدمة الصحية العامة في أفغانستان.

وتقوم العلاقات الطيبة بين الأتراك والأفغان على ثلاثة عوامل، هي:

أولا: لا تحدنا حدود مشتركة، لذا ليس بيننا أي نزاع في هذا الشأن.

ثانيا: باعتبارها جمهورية صغيرة جاءت خلفا لإمبراطورية عظمى، لم تظهر تركيا قط أي طابع استعماري عند احتضانها للدولة الأفغانية الشابة، التي كانت قد حققت الاستقلال بعدما عانت كثيرا على أيدي الإمبراطوريات البريطانية والروسية. وتعاملت تركيا، التي كانت تمر بمرحلة التحديث الخاصة بها في ذلك الوقت، مع أفغانستان بمبدأ المساواة التامة. لم يكن لدينا مطلقا أجندة خاصة تجاه أفغانستان وكان لدينا علاقات مع جميع عناصر الدولة الأفغانية.

ثالثا: ندين بنفس الديانة، وهي الإسلام.

وبخلاف الكثير من باقي الأعضاء في المجتمع الدولي، لم تهمل تركيا أفغانستان في السنوات التي سبقت أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، لكنها كانت تعمل في صمت.

وفي اتصالاتي مع طالبان أثناء هذه الأعوام، بصفتي المنسق الخاص لتركيا بشأن أفغانستان، كنا نتحدث بصراحة دون مجاملة أو تملق. وقد أخبرت قادة طالبان بصراحة أننا لن نعترف بالنظام الحاكم الخاص بهم. واعترفت تركيا بحكومة برهان الدين رباني، التي كانت تحكم جزءا صغيرا فقط من أفغانستان، وهو إقليم باداخشان ووادي بانشير، إلى أن حل محله حميد كرزاي بعد أن أطاحت الولايات المتحدة بحركة طالبان من السلطة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول).

وانتقدنا صراحة افتقار حركة طالبان للأهلية للحكم، وتربحها من تجارة الأفيون ودعمها للمنظمات الإرهابية مثل «القاعدة» ومعاملتها غير اللائقة لشعبها.

وعلى الرغم من كل هذا الانتقادات، منحتني طالبان ومنحت زملائي حرية دخول البلاد. كنت أحظى دائما بالاحترام وكنا قادرين على القيام بالعمل الإنساني في جميع المناطق التي تسيطر عليها طالبان في أفغانستان. وأخبرني قادة طالبان في مناسبات عدة أنه بقدر ما قد تغضبهم تصريحاتي، إلا أنني موضع ترحيب كمواطن تركي.

وكانت مشاركة تركيا داخل أفغانستان، التي تشكلت على أساس علاقتنا التاريخية مع جميع شرائح المجتمع الأفغاني، منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر نوعا من «إظهار القوة الناعمة» على نحو متعمد إلى حد بعيد.

وكحليف وفي لالتزاماته في «الناتو»، أرسلت تركيا القوات إلى أفغانستان عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر شريطة ألا يشاركوا في العمليات القتالية. وعلى الرغم من الضغوط من جانب الحلفاء، تمسكت تركيا تماما بهذه السياسة. وكان حضورنا في أفغانستان، سواء العسكري أو المدني، قائما على معاملة الشعب بكل احترام وعلى أنهم بشر مثلنا، ولم يكن قائما على النظر إليهم من موقع السلطة أو الغطرسة الاستعمارية كقوة محتلة.

وصدرت أوامر صارمة للقوات التركية التي تم نشرها في كابل بمعاملة الأفغان باحترام. ولم تقتحم هذه القوات المنازل قط. وتتم معظم الدوريات سيرا على الأقدام وليس في عربات مدرعة. ولا تضع القوات نظارات شمسية وذلك للمحافظة على التواصل بالعيون مع الآخرين. وبالنسبة للقوات التركية، يعتبر مس النساء من المحظورات. ويخدم العاملون في المجال الطبي الشعب الأفغاني، فضلا عن القوات الخاصة بهم. لذا أسهمت القوات التركية في تحقيق الأمن في كابل، بل وأصبحت جزءا طبيعيا من الحياة اليومية الأفغانية.

وفي إقليم وارداك الحيوي، تدير تركيا أيضا اليوم فريق إعادة الإعمار في الإقليم، وهو الفريق الوحيد الذي يقوده مدنيون. وبشكل عام، يدير جنود حلف «الناتو» فرق إعادة الإعمار في الأقاليم. ومنذ عام 2006، أنفقت الحكومة التركية 20 مليون دولار في هذا الإقليم على تمويل أكاديمية لتدريب رجال الشرطة وبناء مدارس وترميم أحد المساجد وإقامة عيادة طبية.

وقال حليم فيداي، حاكم إقليم وراداك، «تُستقبل البرامج التركية استقبالا طيبا من جانب الأفغان الذين يقبلونها في الحال نظرا لأنها تعمل في إطار الثقافة الأفغانية، فهي تتعامل بحساسية مع القيم الأفغانية. لدينا علاقات طيبة للغاية وقوية وتاريخية مع تركيا».

وبكل وضوح، أثبتت تركيا مرة أخرى أنها أحد الفاعلين الموثوق بهم في أفغانستان في هذه الأيام مثلما كانت في الماضي. ونظرا لهذا النجاح، ستقيم الحكومة التركية في القريب العاجل فريقا لإعادة الإعمار في الأقاليم في أماكن أخرى في أفغانستان.

والدرس التركي في أفغانستان واضح: يتطلب كسب القلوب والعقول فهما واحتراما أفضل للقيم المحلية. ولن يؤدي توزيع علب الصودا مع أجواء استعمارية أي نتائج ملموسة.

ولأسباب كثيرة أخرى على هذه الشاكلة، التي تشمل علاقاتنا التاريخية في المنطقة والفهم العميق للقيم والثقافات المحلية، قد تكون تركيا واحدة من الدول القليلة، إن لم تكن الدولة الوحيدة، القادرة على التقريب بين أفغانستان وباكستان لتسوية الخلافات بينهما.

وأكد كرزاي في مؤتمر لندن على دور الوسيط الذي تلعبه تركيا، في متابعة للاجتماع الثلاثي بين تركيا وأفغانستان وباكستان الذي حضره في شهر يناير (كانون الثاني) في إسطنبول مع الباكستاني آصف زرداري. ولسوء الحظ، أضعف غياب الهند حتى الآن هذه المبادرة التركية. من الضروري جمع هذه الدول معا حول طاولة التفاوض لأن المشكلة الأفغانية لن تُحل ما لم تتوصل الهند وباكستان إلى تفاهم حول مصالحهما في أفغانستان.

وينبغي للمجتمع الدولي بصفة عامة، والحلفاء بصفة خاصة، تقديم الدعم لتركيا.

تستطيع عضوية تركيا في حلف الناتو وقدرة القوة الناعمة التاريخية إحداث اختلاف حاسم في أفغانستان. ويستطيع أولئك الذين يعرفهم الشعب الأفغاني ويثق بهم تاريخيا إظهار الطريق للذين يريدون حقا مساعدة الأفغان على النهوض من عثرته.

وإذا تمسك حلف الناتو بسياسة واضحة للانسحاب ضمن إطار زمني محدد وخصص المجتمع الدولي موارد كافية، يمكن إعادة أفغانستان إلى حظيرة المجتمع الدولي مرة أخرى. يذكر أن تركيا ساعدت الأفغان على الانضمام إلى العالم عندما كانت أفغانستان دولة شابة. ويمكنها فعل ذلك مرة أخرى اليوم.

* أيدمير إرمان: المنسق الخاص لتركيا بشأن أفغانستان خلال الفترة 1991 - 2003 وظل يعمل كمستشار في أفغانستان حتى تقاعده عن العمل بوزارة الشؤون الخارجية التركية عام 2009.

خدمة «غلوبال فيوبوينت»

خاص ب«الشرق الأوسط»

======================

أحزان التفرقة

لاري ديرفنر

مصدر المقال: الجيروساليم بوست

 27 كانون الثاني/يناير 2010

www.jpost.com

القدس – قضيت يوماً في الناصرة مؤخراً، أغطي قصة حول عرب إسرائيل العاملين في مجال التقنية العالمية وعندما صعدت إلى السيارة مع المصور (اليهودي) استعداداً للرحيل قلت له: "أليس مما يبهج النفس التحدّث مع العرب كأناس عاديين؟" ابتسم الرجل موافقاً.

 

راودني الشعور نفسه عندما كنت أنقل قصة عن بتسليم، المنظمة غير الحكومية المعادية للاحتلال في القدس، ووجدت نفسي أعدّ القهوة في المطبخ جنباً إلى جنب مع امرأة كانت تحضر كوباً من الخزانة، أو أمراً كهذا. كنا معاً لمدة دقيقة تقريباً. لا أتذكر أي حديث دار بيننا، أو أي ملاحظة معينة تجاه بعضنا بعضاً. لم أشعر إلا فيما بعد بهذه الرؤيا: للحظة واحدة لم أكن أعيش في بلد مفرّق. للحظة واحدة، كانت مشاركة عربي بمساحة، كشخصين متساويين، أمراً مميزاً.

 

هذه رؤية للحياة في هذه الدولة كما يرغب معظم اليهود والعرب، كما آمل، أن تكون، وهي نادرة بشكل مثير للدهشة. تتقاطع طرقنا، ولكن عادة على جوانب معاكسة من طاولة، أو وقوفاً إلى جانب بعضنا في طابور الانتظار. نعيش في أحياء منفصلة، مع بعض الاستثناءات القليلة، ويذهب أطفالنا لمدارس عامة منفصلة، ويلعبون في حدائق مختلفة.

 

قبل حوالي 25 سنة أو بعد فترة ليست طويلة من انتقالي للعيش في إسرائيل، استأجرت شقة في حي الكبابير في مدينة حيفا، على الحدود غير الرسمية بين الجزئين اليهودي والعربي بالضبط. كان في المبنى عائلتان عربيتان وحوالي عشر عائلات يهودية. كنت أرى أحياناً يهودياً يتكلم مع واحد من العرب أمام المبنى، متذمراً من أنابيب المياه ومحتجاً على الأصوات، وهي الأمور التي يتحدث فيها الجيران عادة. تعرّفت على واحدة من الأسر العربية، ودعوني مرة لزيارتهم في شقتهم.

 

أدركت خلال العقود منذ تلك الزيارة مدى ندرة هذه التجربة ليهودي إسرائيلي. أقمت قبل انتقالي إلى موداعين في ثلاث شقق مختلفة في القدس واثنتان في تل أبيب وأخرى في حيفا. ولكن تلك المرة في حي كبابير كانت هي المرة الوحيدة التي كان لي فيها جيران عرب. وفي موداعين، المدينة التي تضم 70,000 من السكان، كان العرب الوحيدون الذين شاهدتهم هم عمال البناء العرب الذين تسللوا بشكل غير قانوني إلى البلدة، أو كانوا في سيارات الشرطة بعد اعتقالهم.

 

قابلت خلال السنوات العشرين التي قضيتها هنا كصحفي مئات العرب، ولكن واحداً فقط كان زميلاً لي في العمل. لم يكن لي في يوم من الأيام صديق عربي، أو شخص أعرفه معرفة سطحية. لا أستطيع تذكّر حفلة أو مناسبة اجتماعية بحتة أو مكان غير مهني تواجدت فيه وكان فيه عرب.

 

أعرف أن هناك العديد من اليهود الإسرائيليين ممن لديهم اتصالات واسعة مع العرب، يتعرفون عليهم من خلال العمل – خاصة إذا كانوا يعملون في مستشفى. ولكن الغالبية العظمى من اليهود الإسرائيليين، ما لم أكن مخطئاً بشكل كبير، ليس لديهم عربي واحد ضمن دائرة أصدقائهم أو زملائهم في العمل أو معارفهم.

 

أليس هذا بالأمر العظيم؟ أشعر أني غادرت لوس أنجلوس، وعاد بي الزمن إلى الوراء، ثم انتقلت إلى ولاية الميسيسيبي.

 

ولنكن صريحين، ما لدينا في هذه الدولة ليس هو، "منفصلون ولكن متساويين". نحن اليهود هم الأفضل والعرب هم التابعون. هم الذين يدقون أبوابنا، ونحن لا ندق على أبوابهم.

 

لهذا، أخيراً، ارتحت للتكلم مع عرب في مجال التقنية العالمية في الناصرة، ولكوني أتواجد في مطبخ إلى جانب موظفة في منظمة عربية غير حكومية في القدس. أشعرتني المساواة وسلاسة الوضع، رغم سرعته بالراحة من ذنوبي، من كوني في وضع أعلى من وضع العرب في هذه الدولة، لأنني ببساطة يهودي.

 

نعم، الشعور اليهودي الليبرالي بالذنب. أعرف ذلك، أجد صعوبة في تحمله أنا أيضاً، الواقع أن واحداً من أكثر الذكريات وضوحاً منذ أيامي الأولى في إسرائيل هو يوم رحلة إلى الكنيست والوقوف في الخارج في الثلج أفكر. "أشكر الله أنني لا أضطر لأن أكون ليبرالياً بعد اليوم. شعبي هنا هم المظلومون. لست مضطراً للشعور بالذنب أو الاعتذار بعد اليوم لأي كان". كم كنت جاهلاً.

 

الأمور محزنة عندما تشعر بإثارة نادرة لوجودك مع عربية بغرفة واحدة، دون أن تتكسر الجدران نتيجة للتوتر، وأن لا تتراكض كلمات" عربي، عربي، يهودي، عربي، في رأسك. لم أعد أملك الصبر لذلك. لا أريد حقاً أن أفرز يوماً لآخذ عربياً لتناول طعام الغذاء. لا أريد أن أكون طرفاً في مجموعة مواجهة ملعونة لأطفالي ليلعبوا مباراة في كرة القدم مع أطفال عرب.

 

لست ليبرالياً كبيراً في الواقع. لا أريد أن تكون إسرائيل أمة قوس قزح، ولا أتوقع منها أن تكون. الواقع أنني أريدها أن تبقى دولة يهودية. لقد تعبت ببساطة من كونها ميسيسيبي يهودية.

_______________

* لاري ديرفنر كاتب مقالات وأعمدة في الجيروساليم بوست. تقوم خدمة الأرضية المشتركة بتوزيع هذا المقال بإذن من الجيروساليم بوست.

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

========================

دور للأمريكيين المسلمين في منع التطرف؟

بقلـم برفيز أحمد

مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية

 12 شباط/فبراير 2010

www.commongroundnews.org

جاكسونفيل، فلوريدا – يقول تقرير صدر مؤخراً عن باحثَين إثنين بجامعة ديوك وجامعة كارولاينا الشمالية في تشابيل هيل، أن عدد المسلمين الأمريكيين المعرّضين للتطرف قليل ولكن لا يمكن تجاهله. تم منذ الحادي عشر من أيلول/سبتمبر إلقاء القبض على 139 مسلماً أمريكياً بتهم تتعلق بالإرهاب، وقد أدين بعضهم بينما ينتظر الباقون صدور قرارات المحكمة. ويُعتبر هذا العدد ضئيلاً مقارنة بحوالي سبعة ملايين مسلم يعتبرون أمريكا وطناً لهم، إلا أن الرقم ما زال مخيفاً، فإرهابي واحد هو إرهابي زائد عن الحدّ.

 

ورغم إثارته المخاوف حول نزوع الشباب المسلم إلى التطرف، إلا أن تقرير جامعتي ديوك وكارولاينا الشمالية يُثني كذلك على الجالية الأمريكية المسلمة للخطوات التي اتخذتها حتى الآن للحد من التطرف، بما فيها شجب الإرهاب. إلا أن بالإمكان عمل المزيد.

 

ومن الأمور المفيدة في اتجاه قمع التطرف المحلي الانخراط في العملية السياسية، التي تتراوح بين التصويت في الانتخابات إلى الترشّح لوظائف حكومية. ويوفّر الانخراط السياسي حسب التقرير "مثالاً للمسلمين حول العالم بأن التظلمات والشكاوى يمكن حلها من خلال أساليب سلمية ديمقراطية".

 

أعتقد كذلك أنه بدلاً من طرح القضايا على أنها تتمحور حول المسلمين، فإن المجتمع سيستفيد بصورة أفضل من خلال جعل قضيتهم تتمحور حول المشكلة. على سبيل المثال، بدلاً من التذمّر من التمييز، يتوجب على المسلمين الدفاع عن المزيد من التنوع في مكان العمل حتى تصبح المؤسسات السياسية والشركات الكبرى انعكاساً للمجتمعات التي تخدمها. وسوف يسمح ذلك لبلورة تحالف أوسع عبر الخطوط الدينية والعرقية، الأمر الذي يزيد من فرص نجاح إزالة التشاؤم الذي ينتشر غالباً في المجتمع.

 

ثانياً، لقد بذلت الجالية الأمريكية المسلمة جهوداً، ويجب عليها أن تستمر ببذل الجهود لتحسين العلاقات مع مؤسسات تطبيق القانون. تحتاج جهود كهذه، مثل القيام باجتماعات منتظمة مع مجتمع تطبيق القانون، أن تكون مستدامة وأن يتم تعزيزها من خلال تحفيز المسلمين الشباب للانضمام إلى صفوفها. لدى الجالية المسلمة من الأمريكيين مصادر قلق شرعية حول استخدامها مخبرين وعملاء سريين. إلا أن مصادر القلق هذه لا تنفي الحاجة لانخراط أفضل.

 

ثالثاً، يؤكد التقرير أن "المسلمين الأمريكيين ذوي التدريب الديني التقليدي القوي هم الأقل احتمالاً بالتطرف من هؤلاء الذين يفتقرون لهذا التدريب". ويُعتبر الطرح الديني القائم في المراكز الإسلامية الأمريكية في أغلب الأحيان غير مفهوم للشباب.

 

بدلاً من ذلك يتوجب عليه التعامل مع قضايا معاصِرة للعيش في أمريكا، مثل كيف يمكن توسيع حرية التعبير في وجه الهجمات اللغوية ضد الإسلام. سوف يسمح هذا للشباب أن يقدّروا أن حلول الرهاب الإسلامي لا تشمل قمع الحريات من خلال إصدار قوانين لا معنى لها مضادة للتكفير والتجديف، وإنما دعم حقوق شخص ما في توجيه الإساءة وفي نفس الوقت دعم حقوق شخص آخر في الدفاع.

 

يقترح "بناء جسور لتقوية أمريكا"، وهو منشور صدر عن مجلس العلاقات العامة المسلمة، وهي هيئة خدمة عامة تعمل لصالح الحقوق المدنية للمسلمين الأمريكيين، أن الخطوة الأولى نحو التطرف هي عدم الرضا اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، الأمر الذي قد يؤدي إلى أزمة شخصية. وتؤدي هذه الأزمة في الهوية أحياناً بالناس للبحث عن إجابات، وتؤدي بالبعض للبحث عن الراحة والسلوان في الدين. وإذا انخرط الباحث، عن وعي أو بشكل غير مقصود مع أعضاء من أية حركة متطرفة فإن فرص التطرف تزداد.

 

يحصل التجنيد الناجح نتيجة لجهل الأفراد أو عدم تمكنهم من الوصول إلى معرفة دينية دقيقة. تتطلب استدامة هذا الوضع العقلي عزل الفرد عن المجتمع المسلم من التيار الرئيس.

 

تبرز مؤشرات تنبئ بالتطرف قبل قيام الشخص بعمل عنفي. لا يبرز التطرف من الفراغ. يستطيع الأهالي وأفراد الجالية أن ينتبهوا ويفتحوا عيونهم إذا كانوا يعرفون ما يبحثون عنه.

 

وتناقش دراسة أجراها مركز "كلينغنديل" الهولندي للدراسات الإستراتيجية أن التكامل الاجتماعي يشكّل مصلاً مضاداً لهذا النوع من السلوك المزعج. وتضع الدراسة الخطوط العريضة لقابلية التكامل والانخراط مقارنة بالتطرف: موقف الشخص حيال الشعور بأنه مقبول أو مرحب به في مجتمع ما، ورضاه بكونه قادر على ممارسة حقوقه في المواطَنة، ومنظوره للعدالة في الحياة المهنية وتعبيره عن الولاء نحو بلده، وفخره بمواطنته، أو موقفه تجاه الديمقراطية وحقوق الإنسان.

 

وتقع بعض هذه العوامل، مثل توليد مواقف إيجابية تجاه القيم الاجتماعية مثل حقوق الإنسان، وضمن قدرة المجتمعات والأسر على الحد منها. أما غيرها، مثل ضمان حصول الأمريكيين المسلمين على معاملة عادلة في أماكن عملهم فهي مسؤوليات يجب التشارك بها على صعيد المجتمع الأوسع.

 

تشكّل عملية تأصيل الفخر بالمواطَنة ومسؤولية الإشراف والرعاية داخل قطاع الشباب المسلم رسالة تحتاج لأن تُعزز، من منبر المسجد إلى طاولة المطبخ.

___________

* الدكتور برفيز أحمد (drparvezahmed.blogspot.com) مبعوث فولبرايت وأستاذ مشارك في المالية بجامعة شمال فلوريدا ومعلق حول الإسلام والتجربة الأمريكية المسلمة. كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

=====================

مثول بلير امام لجنة التحقيق ادانة له وللحرب القذرة على العراق!

جمال محمد تقي

"كنعان": 13/2/2010

ضمير الرأي العام في لندن وواشنطن واغلب اصقاع العالم اصدر حكمه ومنذ اليوم الاول للحرب اللصوصية على العراق وشعبه الاعزل. حكمه كان واضحا في ادانة كل عناصر عصابة الحرب ـ الغزو والاحتلال ـ  والمطالبة بمحاسبتهم كمجرمي حرب ومقامرين بارواح واموال شعوبهم تحت يافطة كاذبة  ـ تحريرـ العراق، من برسكوني الى ازنار ومن ارتضى لنفسه وصمة العار، وبالتحديد بلير وقائده الارعن بوش لان المتبقين كانوا متلقين ومتحمسين بالحث لا اكثر، ولم يكونوا مخططين ومختلقي ذرائع، كالثنائي المتلازم والمنبوذ والذي جيش الجيوش واطلق العنان للفوضى الهدامة لتلعب لعبتها بعد ان اطلقت صواريخها الغبية صفارة التدمير!

بلير وبوش مطلقا السراح برغم الادلة الدامغة على ادانتهما، والسبب معروف ومكرر، انه كفالة ذات المصالح العليا التي دفعت لاتخاذ قرار الحرب نفسه والتي تمنح ممثليها الرئيسيين حصانة مسورة بسواتر يصعب خرقها وهي لا تسمح باكثر من نقد ولوم وتقارير وتوصيات تفيد بنقل الخبرة واخذ العبرة من دون الولوج الى النخاع المولد لمفردات الاستراتيجيات الفاسدة والتي تسبح في بلازما السياسة العامة والخاصة لمؤسسات الطغم الحاكمة التي ترشح عدد من الذين يمكن ان يؤدوا  دور المديرين لاعمالها على جمهورالناخبين، وبكل الاحوال سيكون المدير من بين من تزكيهم تلك الطغم ـ المالية والصناعية والعسكرية والاعلامية والحزبية الزاخرة بجماعات الضغط ـ  حيث يكون الثابت فيها متواصلا ومهما تغيرت الالوان الحزبية او الشخصية للحكومات المتتالية ـ فما الفرق بين حكومة تاتشر المحافظة وحكومة بلير العمالية من حيث الجوهر؟ ما لفرق بين بوش الاب الجمهوري وكلينتون الديمقراطي بل مالفرق الجوهري بين ادارة بوش الابن وادارة اوباما؟ ـ  اما المتحول فيها فهوالتكتيكي والعابر، لم يكن بوش او بلير يغردان خارج السرب وعليه فان سياساتهما في القضايا الحيوية ليست من بنات خواطرهما وانما هي ما تؤشر عليه المؤسسة الحاكمة ببعديها الاقتصادي والعسكري، وان اختلف اسلوب الاداء، فاحزاب الحكم المهيمنة  الجمهوري والديمقراطي والعمال والمحافظين كانوا جميعا ورغم التفاوت في بعض التفاصيل متفقين على خوض الحرب والحقيقة الشاخصة تقول انه لولا حجم الخسائر الكبيرة التي مني بها الجيشين الغازيين ـ الامريكي والبريطاني ـ  فانه حتى اللوم والتأنيب الحالي الذي يوجه لادارتي بوش وبليرمن قبل بعض الواجهات الرسمية سيصبح من الصعب ملاحظته واعلانه، وسينسى الموضوع برمته كما نسيت قضايا وجرائم عديدة قبلها وربما بعدها!

المؤسسات الامبراطورية الحاكمة لا تنقلب على نفسها فتعترف بلاانسانية منهجها، ولكنها عندما تخسر معركة ما او تقع بفضيحة ما فانها تحاول امتصاصها باسلوب مناسب وبحرص للظهور بالحيادية في شخصنة الموضوع ومحاسبة الكبار فيه مثلما الصغار، وتستخدم في هكذا مناسبات كل الوسائل المتاحة للدفاع عن قيم النظام القائم بحيث يتم الاكتفاء بتصويرالمشكلة وحصرها بالاجراءات والاخطاء البيروقراطية وربما تجاوز الصلاحيات او المبالغة في تضخيم المخاطر او في التقليل من شانها!

الخريطة الجينية للحروب الكولونيالية وشيفرة سياسة العدوان على سيادة واستقلال الشعوب الاخرى واخضاعها للاجندة العولمية التي تستنسخها حاليا الطغم الحاكمة في امريكا وبريطانيا وغيرها من الدول الامبريالية لا يجري التعرض لها، وان اقتضى الامر فيحمل المسؤول الاول شخصيا تبعات المشكلة مع احتفاظه بكامل حصانته ان كان رئيسا اوقائدا عاما للقوات المسلحة او مديرا للمخابرات وفي اسوء الحالات يجبر على الاستقالة بعد ان يكون قد استنفذ دوره واحترق فلمه!

تعلمنا التجارب السابقة ان الخسائر فقط هي ما يجبر المتجبرين على مراجعة حساباتهم، فعندما حرقت هيروشيما ونكازاكي بالمحرقة المشعة لم يتوقف الامريكان للتحقيق في الموضوع رغم بشاعته ولاانسانيته وفداحة اثاره، ودول العالم المنتصرة والراي العام الامريكي لم يتوقفوا كثيرا عند الامر، فلا خسائر للامريكان وقتها بل كانت العملية وكانها ثأر من خسائر امريكا في اثناء تدمير اليابانيين لقاعدة هاربر، وهي مبررة عند الراي العام الامريكي لانها قطعت الطريق على السوفيات في التقدم صوب اليابان لاجبارها على الاستسلام، اليابان استسلمت للحلفاء وتحديدا للامريكان، وعليه لا يجري  التوقف كثيرا عند المحرقة النووية!

حرب فيتنام كانت مغلفة بصراع بين النفوذين السوفياتي والامريكي على العالم، ورغم الخسائر الامريكية الكبيرة هناك لكن طبيعة الصراع العالمي الدائر جعلها تتحمل تلك الخسائر ومن دون حساب وكتاب وبالرغم من الصيحات المدوية للراي العام الامريكي الذي لم يكن ليقبل بنزيف ابناءه ومن دون افق ما، حتى اجبر الامريكان على القبول بصيغة المفاوضات المباشرة مع ثوار الجنوب الفيتنامي نتيجة لتعاظم الخسائر الامريكية هناك!

الحرب على العراق ليس لها اي مبرر تقليدي فالحرب الباردة قد انتهت، والصلات بالقاعدة اوامتلاك اسلحة الدمار الشامل مبررات غير مقنعة لها حتى لو كانت صحيحة فكيف الحال اذا ثبت بالدليل القاطع انها كانت مفبركة اصلا؟

 

الراي العام البريطاني الذي يتمحور اساسا في هذه القضية حول عوائل الجنود البريطانيين الذين زهقت ارواحهم في حرب العراق او الذين اصيبوا بها، الى جانب كل قوى اليسار ومنظمات حقوق الانسان والنقابات المعادية بالاساس لفكرة الحروب الاستعمارية وايضا سياسيو االوسط الذين يجدون بالتغول الامريكي والتبعية البريطانية له بحروب استباقية لا مبرر لها  خطرا حقيقيا على السلم الاجتماعي الداخلي وعلى السلام العالمي الذي يتطلب المزيد من الاستقرار وخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة، لعب دورا لا يستهان به لملاحقة بلير وادارته التي استهانت بارواح البريطانيين ناهيك عن العراقيين عندما صوروا الحرب على العراق بانها عملية جراحية لاستأصال الاستبداد وزرع الديمقراطية بعد نزع اسلحة الدمار الشامل منه، وتم فيها تضليل الشعب البريطاني حول جهوزية الجيش ومخابراته ومدى تفهمه لدوره، واستعداده لتحقيق المهمة مع جيوش الحلفاء بقدرة عالية وباقل الخسائر لان شعب العراق سيرحب بهم كما كانوا يشيعون!!

تبين من التحقيقات ان قرار الحرب على العراق اتخذه بلير منذ بداية عام 2002 بمعية بوش، وبقي القرار سريا حتى عام 2003 مما فوت الفرصة على الجيش البريطاني للاستعداد الجيد لتلك الحرب وهي مدة كافية للتاهيل لها والتحضير كل مستلزماتها التي لم تستكمل بسبب اخفاء حقيقة القرار المتخذ حتى وقت قريب من بدأ الحرب!

في شهادتها امام لجنة التحقيق الحكومية قالت وزيرة التنمية السابقة كليرت شورت : ان بلير قد كذب على الشعب عندما قال ان صدام قادرعلى ضرب بريطانيا باسلحة يمكنها ان تصل بسبعة دقائق، وهو قد كذب على الحكومة والبرلمان عندما اخفى قراره المسبق بدخول الحرب مع بوش!

رئيس اركان الجيش البريطاني قال في شهادته: الجيش البريطاني دخل الحرب دون استعداد كاف لها!

 

مثل بلير امام اللجنة ولمدة ستة ساعات متواصلة وكان متحمسا للدفاع عن نفسه وعن قراره وبمنطق مراوغ وانتقائي كرر فيه ما كان يقال لتبرير الحرب وتهرب من الاسئلة الصعبة الخاصة باستعدادات الجيش وتجهيزاته الناقصة وكون تنفيذ قرار الاشتراك بالحرب جاء مستعجلا في حين ان بلير نفسه كان قد قرر الاشتراك بها مبكرا، وهذا ما ادى الى ارتفاع حصيلة القتلى البريطانيين!

اضافة الى تهربه من الوقوف طويلا امام التداعيات الكارثية للحرب وخاصة على الشعب العراقي ومنها مقتل مئات الالوف من المدنيين ونزوح حوالي اربعة ملايين للخارج وتخريب الدولة العراقية والفوضى العامة والفساد الذي ساد منذ احتلال العراق وحتى الان!

استطلاعات الراي البريطانية الاخيرة تشير الى ان اكثر من 37 بالمئة من البريطانيين يطالبون بتقديم بلير للقضاء لمحاكمته فعليا، وهناك 40 بالمئة يطالبون بتقديم براون ايضا لكونه كان وزيرا للمالية في حكومة بلير وهو من اقرب مساعديه!

من المؤكد ان بلير سيفلت من المحاكمة القضائية لكن فساد موقفه والنتائج الخائبة للحرب ستضر بمستقبل حزبه وسيكون مقدمة لخسارته الحكم في الانتخابات القادمة!

بلير كان تبعيا وذيليا حد السخرية لبوش وسياسته هذا ما يستنتجه اغلب البريطانيين عندما يتابعون مجريات لجنة التحقيق، وهذا ما يلمسه اي بريطاني مبصرعندما يتابع مسيرة بلير نفسه ومنذ ان ترك الحكم مكرها مرورا بتوليه ادارة اللجنة الرباعية الدولية لمتابعة جهود السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين!

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ