ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 16/02/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


التحالف المؤيد للغرب

الإثنين, 15 فبراير 2010

حسام عيتاني

الحياة

تقلص استخدام عبارة «التحالف المؤيد للغرب» في وصف ائتلاف الرابع عشر من آذار (مارس) في لبنان في الصحافة الأجنبية بقدر تضاؤل اهتمام الصحافة تلك بمجريات الأحداث اللبنانية.

وكانت السياسات القومية واليسارية ثم الإسلامية كرّست طوال عقود، شعوراً عاماً بخطر التأييد الغرب وبانطوائه على عداء لمصالح شعوب المنطقة العربية. ولا تتسم بالحصافة عادة أقوال المسؤولين الغربيين الذين يرون في بعض القوى السياسية العربية مؤيداً محتملاً للغرب. فيصبح كل من يمالئ السياسات الغربية ولو على حساب الحد الأدنى من الالتزام بالمصالح الوطنية العامة حليفاً للغرب.

وليست قليلة أسماء مجرمي الحرب والفاسدين والمستبدين في العالم العربي وخارجه التي حاز أصحابها وسام «تأييد الغرب». والحال، أن الغرب مقولة خلافية (ما هو أو من هو «الغرب»؟)، تماماً كسياساته حيال القضايا العربية وتماماً كطبيعة القوى التي يساندها بين ظهرانينا وكل ما يسعى إلى حمايته والدفاع عنه عندنا. ولا تفعل رؤية ثنائية إلى عالم مكون من خير وشر، سوى افتراض وجود شرق يحمل قيم العدالة و»المظلومية» والحرية في وجه غرب ظالم ومعتدٍ...

في لبنان، يظهر «التحالف المؤيد للغرب» بحسب الاستخدام الرائج في وسائل الإعلام الغربية، كغيره من القوى التي يعتبرها الغرب حليفة له. وإذا حُصر تفسير التأييد أو الولاء للغرب بتنفيذ قوى 14 آذار رغبات حكومات وإدارات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، لبدا ثمة تفاوت أصلي أو أولي في نهج الغرب في السعي إلى تنفيذ إرادته، خصوصاً بعد خروج جاك شيراك ثم جورج بوش من موقعي الحكم في بلديهما وانتقال السلطة إلى نيكولا ساركوزي وباراك أوباما السائرين في طريق التهدئة في المشرق العربي. التفاوت هذا ظهر واضحاً في المآلات التي انتهت إليها القوى «المؤيدة للغرب» التي تضع التماسك والتناغم في ما بينها في مقام الأولوية القصوى، بحسب ما دلت كلمات قادتها في ساحة الشهداء أمس، وذلك في انتظار تطورات خارجية قد تكون عاصفة.

لكن السؤال الأبعد يتعلق بالغرب الآخر، إذا جاز القول. غرب الحداثة والحريات والحقوق المدنية والديموقراطية والحكم عن طريق صناديق الاقتراع. وباستثناء قشرة رقيقة من الدعاية التي بدا تهافتها صارخاً في ممارسات إدارة جورج بوش، ليس في الغرب من يرى في القيم المذكورة مسألة تستحق التبني في شرق الهويات المتناحرة والطوائف والعشائر المتحالفة تارة والمتنازعة تارة أخرى. هذا من دون الاقتراب من تنويعات ليبرالية أو اشتراكية ديموقراطية أو ماركسية للقيم والمفاهيم تلك. فالخصوصيات، السيئة السمعة، تنتصر دائما على قيم المواطنة والدولة والفرد.

واقع الأمر يقول أن التحالف المؤيد للغرب في لبنان، لم يكن مُدافعا عن القيم هذه دفاعاً يركز عليها في ذاتها ولا ينظر إليها كعوارض جانبية تلازم تحرر بلده من الوصاية وكلازمة إنشائية تتكرر لضرورات البلاغة اللفظية.

المثال الأبسط والأقرب إلى التناول هو ما يُقصد عادة بكلمة «الدولة». وليس من مستمع واحد لخطابات ساحة الشهداء أمس تفوته ملاحظة أن لكل خطيب مفهوماً للدولة يختلف بكثير أو قليل عن مفهوم الخطيب الذي سبقه أو تلاه. هكذا تقول التجربة، على الأقل، طالما أن الخطباء هؤلاء لم يتفقوا في ما بينهم، بعد، على معنى الكلمة.

============================

لماذا وقعت الأزمة العالمية؟

بقلم :د. جلال أمين

البيان

15-2-2010

من الأشياء القليلة التي يتفق عليها الاقتصاديون في ما يتعلق بالأزمة الراهنة، السبب المباشر الذي أدى إليها، وهو انفجار فقاعة الائتمان العقاري.

 

فالمؤسسات المالية (من بنوك الائتمان العقاري وبنوك الاستثمار وغيرها من البنوك وشركات التأمين)، توسّعت بأكثر من اللازم في تقديم القروض لتمويل شراء المنازل، أو في قبول الرهونات لها، أو التأمين على القروض بضمان هذه المنازل. ونقصد بهذا التوسع الأكثر من اللازم عدم اشتراط ضمانات كافية للسداد، وتقديمها القروض لمن لا تسمح له الظروف بالسداد في المواعيد المتفق عليها.

 

كان هذا الوضع قابلا للاستمرار طالما استمرت أسعار المنازل في الارتفاع، ولكن بمجرد أن يبدأ العجز عن السداد، ويشرع المقرضون في محاولة استرداد قيمة قروضهم بعرض هذه المنازل للبيع، تميل أسعار المنازل للانخفاض، فلا يحصل المقرضون على قيمة قروضهم كاملة، فتقل السيولة في أيدي البنوك والمؤسسات المقرضة أو الضامنة، فينخفض الطلب على المنازل، فإذا بأسعارها تنخفض بدرجة أكبر، وتزيد حالات العجز عن السداد، وهكذا في حلقة جهنمية.

 

هذا التفسير معروف ومقبول، ولكن بمجرد أن نسأل عما أدى بالبنوك وسائر مؤسسات الائتمان إلى الوقوع في هذا الخطأ، تختلف الآراء والتفسيرات. فالبعض يفسر هذا الخطأ المتمثل في التوسع أكثر من اللازم في تمويل شراء العقارات بمحض الجشع، أي محاولة تعظيم الأرباح حتى مع ارتفاع درجة المخاطرة. وقد يضيف البعض أن المدخرات التي تدفقت على البنوك وبنوك الاستثمار الأمريكية، من دول البترول ومن الصين، شجعت على هذا التوسع في الائتمان، وعلى المخاطرة في ذلك، في ظل ضخامة حجم الأموال المعروضة للإقراض.

 

ولكن البعض يقولون إن مجرد رد الخطأ إلى الجشع غير كاف لتفسير ما حدث. فالطمع في تحقيق أقصى الأرباح موجود دائما، ولا يحد منه إلا الرقابة (زمهٌِّفُّيَُ) المفروضة على المؤسسات المالية، من جانب الحكومة والهيئات العامة. فالأزمة سببها في الواقع الإفراط في تخفيف الرقابة (مْمهٌِّفُّيَُ)، وهو مسار بدأ منذ نحو ثلاثين عاما، مع ميل الدولة، حتى من قبل الريغانية والتاتشرية (نسبة إلى الرئيس الأمريكي ريغان ورئيسة الوزراء البريطانية في الثمانينات مارغريت تاتشر)، إلى سحب يدها بالتدريج من التدخل ومن مراقبة القطاع الخاص، فألقت بالحبل على الغارب لمختلف أوجه الاستثمار الخاص، بما في ذلك تقديم القروض، مما أدى إلى وقوع مخاطرات غير محسوبة.

 

هناك رأي ثالث، هو عكس الرأي الثاني بالضبط، ويذهب إلى أن سبب الأزمة ليس هو الإفراط في (مْمهٌِّفُّيَُ)، أي في ترك الحبل على الغارب للنشاط الخاص، بل هو العكس بالضبط، أي إفراط الحكومة في التدخل. من بين القائلين بهذا الرأي أستاذ اقتصاد مرموق في جامعة هارفارد (جيفري ميرون)، الذي قال إن الأزمة المالية الحالية جاءت كنتيجة مباشرة لتدخل الدولة في الولايات المتحدة، بتشجيعها لمالكي العقارات على أخذ القروض، وتشجيعها للبنوك التجارية والاستثمارية وغيرها على منح هذه القروض.

 

إن الولايات المتحدة، طبقا لهذا الرأي، وبعكس ما يقول خصوم الرأسمالية، لم تتبع سياسات مفرطة في تحررها من تدخل الدولة، لا خلال العشر سنوات الأخيرة ولا خلال القرن الماضي كله، إذ لو كان الأمر كذلك، لكانت البنوك عندما تمر بفترة من نقص السيولة، تمتنع عن سداد قيمة الودائع عندما يطلبها أصحابها، ولقالت لأصحاب الودائع «معذرة، لا يمكنكم الحصول على نقودكم كاملة الآن»، وبهذا يمكن للنظام المصرفي أن يتفادى «السقوط بالجملة».

 

يقول الأستاذ ميرون: «في بلد مفرط في الليبرالية لا يوجد بنك احتياطي فيدرالي»، هذا البنك الذي ارتكب في نظر ميرون أخطاء أدت إلى الأزمة الحالية، كما حدث عندما تسبّب في استمرار معدل الفائدة منخفضا لمدة أطول من اللازم، «نافخا بذلك فقاعة العقار التي كان لها دور رئيسي في اضطرابات السنتين الأخيرتين».

 

وإجمالا، يقول الأستاذ ميرون «في البلاد الليبرالية، يجازف الأفراد وأصحاب الأعمال، ويفكرون مليا في عواقب مجازفتهم وطبيعية المخاطر المحدقة باستثماراتهم. فقد يجني البعض منهم الكثير من وراء مجازفتهم الذكية، لكن البعض الآخر قد يخسر، وهكذا يسحبون من أرباحهم في زمن الرخاء ما يعوضون به خسارتهم في زمن الشدة والأزمة».

 

اعتراضي على هذه الآراء الثلاثة، هو أنها كلها ترد «الأزمة إلى مجرد الخطأ»، سواء كان خطأ أخلاقيا، بالتأكيد على جشع الرأسماليين، أو خطأ في السياسة الاقتصادية، بالإفراط في تحرير النشاط الخاص من القيود، أو (بالعكس) بالإفراط في تدخل الدولة. بينما لو نظرنا إلى ما حدث كمجرد مرحلة في تاريخ الرأسمالية الطويل، لاكتشفنا أن ما حدث كان حتميا، أو شبه حتمي، وأن المجهول أو المصادفة يكمنان فقط في التوقيت. فإذا صح القول بأن ما حدث كان حتميا، يتضح أنه لم يكن مجرد خطأ يمكن تصحيحه، بل إن علينا فقط أن نبحث عن أفضل الطرق للتعامل معه.

 

سوف أغامر في المقال القادم، بتقديم تفسير للأزمة من منظور تاريخي، وهو المنظور الذي يظهرها كما لو كانت شيئا حتميا.

============================

وكأن الحرب واقعة غداً

بقلم :نواف الزرو

البيان

15-2-2010

من يتابع الأفكار والتصريحات والخطط والمناورات والوقائع، ومختلف الإجراءات الإسرائيلية اليومية على مختلف الجبهات الداخلية والخارجية، يستخلص أن الأوضاع تسير بقوة في اتجاه حرب أخرى لا محالة، بل وكأن الحرب آتية واقعة غدا حتما!

 

ومثل هذا الاستخلاص ليس عبثيا او ضربة مندل، فتلك الدولة تتبنى منذ اختراعها ونشأتها استراتيجيات حربية على الأرض والشعب والدول العربية، وفي مقدمتها إستراتيجية «الحرب أولا ودائما»، كما جاء في تقرير صدر عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية «مدار» العدد 42 من سلسلة «أوراق إسرائيلية»، بعنوان «الحرب أولاً ودائمًا».

 

وشارك في إعداده عشرات الضباط والخبراء العسكريين الذين عقدوا اللقاءات التقييمية الاستخلاصية بعد هزيمة جيشهم في لبنان، وأجمعوا على استراتيجية الحرب فقط مع العرب باعتبارها دائما المخرج لهم، وتشمل هذه الورقة تفصيلات الخطة الخماسية للجيش الإسرائيلي، المسماة «خطة تيفن 2012».

 

تتلبس الدولة الصهيونية والمجتمع الصهيوني، ما يمكن ان نطلق عليه «جنون الحروب والقتل»، ولكنه على خلاف أي جنون قد يخطر بالبال، فانه جنون مدجج بالفكر والايدولوجيا والأدبيات العنصرية الإرهابية.

 

فها هو افيغدور بيغن حفيد مناحيم بيغن، يعلن فقط يوم الجمعة الماضي في مقابلة أجرتها معه صحيفة «يديعوت احرونوت: »تتدفق في عروقنا جميعا دماء قتلة». وفي التمهيد لسيناريوهات الحروب المنتظرة في عهده، كان نتانياهو أعلن أمام مؤتمر سابان قبل أسابيع أنه »لن يحل السلام قبل مواجهة ثلاثة تهديدات لإسرائيل هي: سعي إيران للحصول على سلاح نووي، وصواريخ حزب الله في لبنان وحماس في غزة التي تهدد إسرائيل، والثالث تحصين الأمن الإسرائيلي». ومنذ ذلك الوقت والمشهد في تصعيد مذهل، على مختلف الجبهات العسكرية والاستيطانية التهويدية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية السيكولوجية.

 

وفي اقرب تطور سياسي إسرائيلي داخلي على علاقة مباشرة بالبعد الحربي، ذكرت الإذاعة العبرية الرسمية (11/2/2010) أن نتانياهو اجتمع مع رئيسة المعارضة ورئيسة حزب كاديما تسيبي ليفني، وبينما زعمت الإذاعة ان هذا الاجتماع يأتي في إطار الاجتماعات الروتينية التي يعقدها رئيس الوزراء بموجب القانون مع رئيسة المعارضة لاطلاعها على تطورات الأوضاع، سربت مصادر إسرائيلية ان «الاجتماع يأتي في ظل تطورات تعتبرها إسرائيل خطيرة في المنطقة»، فيما أشارت مصادر أخرى إلى «ان مثل تلك الاجتماعات تحدث حين اتخاذ قرارات مصيرية تحتم اطلاع المعارضة عليها». فالقصة إذن، ليست لقاء روتينيا وإنما على تماس مباشر مع الأوضاع والتصعيدات الحربية في المنطقة.

 

وبالتأكيد نحن أمام تطورات وقرارات حاسمة، فالتمادي الإجرامي الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني وضد العرب، يتجاوز كل الحدود والخطوط الحمراء، وهم في إسرائيل يجمعون على مواصلة اختطاف الوطن العربي في فلسطين من البحر إلى النهر، ويهددون بالويل والثبور من تجرأ من العرب على مواصلة التصدي، كما تجلى ذلك في تهديدات ليبرمان بتدمير سوريا واسقاط عائلة نظامها!

 

الكاتب والمحلل الإسرائيلي الوف بن، عقب على تصريحات نتانياهو في هآرتس تحت عنوان «صدقوه..»، قائلا: «في الإستراتيجية يبدو أن نتانياهو يستعد لمحاربة إيران وحزب الله في الربيع القريب، مع ذوبان الثلوج وتفرق الغيوم، وتشهد بذلك الزيادة على ميزانية الأمن وإعداد الجبهة الداخلية للمواجهة، حتى إذا لم يهاجم نتانياهو آخر الأمر فان عليه أن يكون مستعدا». إلى ذلك فان متابعة حثيثة للخريطة السياسية الإسرائيلية، تشير إلى أنهم في إسرائيل، من ساسة وجنرالات وباحثين وخبراء، يجمعون على خيار الحرب، بل أنهم يتبنون استراتيجية الحرب المفتوحة.

 

وفي صميم هذا الاستخلاص، كتب المحلل العسكري الكبير لديهم ايتان هابر (مدير مكتب رابين سابقا) في يديعوت تحت عنوان «حرب واحدة طويلة» يثبت أن «التجربة الإسرائيلية تدل على أن إسرائيل في حالة حرب واحدة طويلة منذ 1948 (وهناك من يبدأ العد قبل ذلك ايضا)، وفقط اسماؤها تتغير».

 

وتحت عنوان «سلاح يوم الدين»، كتب جدعون ليفي في هآرتس يقول: «مرة كل بضعة أسابيع ينبغي إلقاء الرعب في القلوب، مرة كل بضعة أشهر ينبغي نثر التهديدات، ومرة كل سنة أو سنتين ينبغي الخروج إلى حرب صغيرة أخرى، تعاون اعمى وبشع بين جهاز الأمن ووسائل الإعلام يضمن جولة أخرى»، ويضيف: «يقولون ان الحرب لابد ستأتي، ربما في الشهر القادم». ويستخلص ليفي: «في القيادة الأمنية لا يسألون إذا كانت ستقع مواجهة عسكرية أخرى مع حماس، بل متى؟».

 

وتحت عنوان «التاريخ والخدعة»، كتب يونتان يفين في يديعوت: «إذن ماذا سيكون؟ أسيكون السلام؟ أستكون حرب أخرى؟ بالتأكيد ستكون حرب أخرى، دوما توجد حروب، السؤال هو مع من ستكون الحرب أولا، مع إيران أم مع سوريا، وربما اذا بقي ليبرمان وزير خارجية لما يكفي من الوقت، فستكون على أي حال حربا مع مصر».

 

وحروبهم الطويلة والمفتوحة ليست عفوية، إذ تقف وراءها ثقافة وسيكولوجيا عنصرية عدوانية، فالكاتبة الإسرائيلية أوريت دغاني، قرأت سيكولوجيا الإسرائيليين وكثفت الخلاصة في «معاريف» قائلة: «إن الإسرائيليين يندفعون للحرب لأنهم يكرهون السلام، ويعتبرون أن القوة هي الخيار الوحيد لتحقيق الأهداف، ليس فقط هذا، بل إن الحروب تجري في عروقنا مجرى الدم».

 

ولذلك نقول في الخلاصة المكثفة، وفي سياق قراءتنا الإستراتيجية للعقلية الحربية الإسرائيلية، ان الأوضاع الإستراتيجية بالنسبة لإسرائيل غير مريحة، وبالتالي فهي لم تتوقف عن استعداداتها لحرب أخرى قريبة تغير هذه الأوضاع من وجهة نظرها، وحسب الرسم البياني الإسرائيلي فإن وقت وتوقيت هذه الحرب قريب، فهناك في فلسطين جبهة مشتعلة ومرشحة لمزيد من التصعيد، نظرا لمخططات الاحتلال الابادية للحقوق الفلسطينية المتآكلة.

 

وهناك في لبنان هزيمة حارقة تكبدها «الجيش الذي لا يقهر» على يد حزب الله، وتمزقت صورته الردعية بصورة مذهلة.. وهناك في سوريا تعاظم عسكري استراتيجي مقلق لتلك الدولة.. وهناك في الأفق المقروء حرب إقليمية تتزايد احتمالاتها، على نحو خاص في ضوء تطورات الملف النووي الإيراني.

كاتب فلسطيني

============================

سجل الجولان..

الافتتاحية

الاثنين 15-2-2010م

بقلم رئيس التحرير: أسعد عبود

الثورة

منذ احتلاله في عام 1967 من قبل القوات الإسرائيلية استحوذ الجولان السوري على اهتمام دولي تمثل بمواقف وقرارات وتوصيات وأدبيات سياسية مختلفة،

تشكل سجلاً يؤكد رفض العالم لاستمرار الاحتلال ومطالبته بإعادة الأرض المحتلة كاملة إلى أصحابها.‏‏

فبعد القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في عام الاحتلال نفسه 1967 والذي نص على إعادة الأراضي المحتلة من قبل القوات الإسرائيلية لأصحابها،جاء القرار 338 ثم صدر نحو 33 قراراً للجمعية العامة للأمم المتحدة.. تتبنى وتجدد موقفها الرافض لكل الإجراءات الإسرائيلية في الجولان المحتل وتعتبرها ملغاة.‏‏

خمسة قرارات لمجلس الأمن، أشهرها القرار 497 لعام 1981 الذي يعتبر قرار إسرائيل بفرض قوانينها وسلطاتها وإدارتها على الجولان ملغى تماماً.. وقد تبناه المجلس «بالإجماع» في الجلسة رقم 2319.‏‏

أيضاً قرار مجلس الأمن بتاريخ 34/3/1976.. والقرارات ذوات الأرقام 390 و446 و452... وكلها ترفض أي إجراء إسرائيلي ضد السكان والأرض وتطالب بوقف النشاطات الاستيطانية.‏‏

أيضاً:‏‏

القرار رقم 11 تاريخ 1/9/1987 الصادر عن اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات والذي تضمن إدانة انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان في الأرض المحتلة ولقرارها الذي اتخذته سنة 1981 لفرض قوانينها وإدارتها على الجولان السوري.‏‏

والقرارات:‏‏

رقم 10 تاريخ 31/8/1988‏‏

رقم 4 تاريخ 31/8/1990‏‏

رقم 12 تاريخ 30/8/1991‏‏

وتضمنت جميع هذه القرارات المضمون ذاته.. وتدين إسرائيل لخرقها الجسيم لقواعد القانون الدولي وللاتفاقيات الدولية.. باستمرار احتلالها للجولان العربي السوري وتحديها قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وخاصة قرار مجلس الأمن 497 لعام 1981.‏‏

إضافة إلى ذلك..‏‏

تتبنى إعادة الجولان بقرارات وتوصيات جميع المؤتمرات السياسية على مستوى القمة بين الدول العربية.. الإسلامية.. عدم الانحياز.. الوحدة الإفريقية.. العربية الأميركية الجنوبية.. الخ.‏‏

وتشير إليها أيضاً الأدبيات السياسية والقرارات والمواقف للاتحاد الأوروبي.‏‏

والجمعية العامة أدانت حتى الاتفاقيات المعقودة بين إسرائيل ودول أخرى كما في اتفاق التعاون الإسرائيلي الأميركي 30/11/1981، بما اعتبرته تشجيعاً لإسرائيل على سياستها العدوانية في الأراضي المحتلة وذلك في قرارها رقم 266/36 تاريخ 17/2/1981.‏‏

حتى الولايات المتحدة صوتت أكثر من مرة لما يضمن سلامة الجولان وإعادته إلى سورية وإلغاء كل ما من شأنه تطبيق القوانين أو السلطات أو الإدارات الإسرائيلية.. ونذكر هنا أن قرار مجلس الأمن الدولي 497 لعام 81 صدر بإجماع أصوات أعضاء المجلس.‏‏

طبعاً هذا لا ينفي أن الولايات المتحدة استخدمت أكثر من مرة الفيتو لمصلحة إسرائيل لإنقاذها من قرارات مجلس الأمن.. ويأتي ذلك في إطار التناقض الحقيقي في المواقف السياسية الأميركية بين الحرص على حرية الشعوب واستقلال البلدان وسيادتها.. وبين السلوك العملي الذي يتنافى مع ذلك.. وغالباً ما نرى هذه الحالة من التناقض متأثرة جداً بالعامل الإسرائيلي..!! بل إن إسرائيل وبسياستها وسلوكها والدعم الأميركي شبه الأعمى لها تعتبر المعوق الأول للنشاط الأميركي السلمي الإيجابي في المنطقة وأبعد منها.‏‏

بشكل عام يمكن أن نرى أن إعادة الجولان المحتل لسورية تشكل نقطة إجماع دولي أكيدة مسجلة وموثقة.. وهو ما تعرفه إسرائيل وأميركا والعالم.‏‏

هذا التراث الكامل من القرارات ومواقف الشرعية الدولية والقانون الدولي، يبدو وكأنه لا يحرك بإسرائيل ساكناً باتجاه التفكير بضرورة الخضوع لما تفرضه الإرادة الدولية.‏‏

وتتخذ المواقف الإسرائيلية من الجولان العربي السوري المؤشر الأول لمواقفها من السلام.. حتى إنه غالباً ما تهب السياسة الإسرائيلية دون سابق إنذار لإجراء يعني الجولان، «كالتصويت في الكنيست على استفتاء قبل إعادة الجولان، أو الإجراء الأخير بالقراءة التمهيدية لتشجيع المستوطنين فيه..» لترد على طروحات العالم ومساعي قواه لفتح أبواب اتفاقية سلام بين سورية وإسرائيل..‏‏

لكن..‏‏

الجولان بسجله من المواقف والقرارات الدولية لا يُبلع ولا يُهضم.‏‏

والجولان بموقف أبنائه وشعبه لن يكون إلا عربياً سورياً.‏‏

a-abboud@scs-net.org

============================

رفيق الحريري: الصمت المدوّي!

سمير منصور

النهار

14-2-2010

هل من قبيل المصادفات أن تأتي تصريحات وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان عشية الذكرى الخامسة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه؟

سجّل ليبرمان في تصريحاته الاخيرة خطوة متقدمة جداً، إذ أثبت بما لا يقبل الشك تورط الاسرائيليين مرة جديدة ودورهم المركزي في التحريض على الفتنة في لبنان وصب الزيت على نارها، وهو دور تاريخي، إذ لطالما سعت أجهزة مخابراتهم الى افتعال مشكلات وصدامات ذات طابع طائفي من خلال أدوات ومرتزقة، وتشهد على ذلك مذكرات كتبها بعض المسؤولين الاسرائيليين السابقين. وها هي تصريحات ليبرمان، تحمل في طياتها تحريضاً على فتنة مذهبية، تحت ستار الرد على مواقف رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري من التهديدات الاسرائيلية، وتأكيده أنها تستهدف الحكومة والشعب اللبناني بأسره.

وعلى طريقة دس "السم في الدسم" أبدى ليبرمان غيرة مصطنعة على الحريري ليتهمه لاحقاً بأنه أصبح رهينة في أيدي "حزب الله" وليخلص الى التحريض المباشر من خلال الجزم بأن الحزب "قتل والده، ولذلك فهو رهينة لهم اليوم". وهذا "الجزم" معطوفاً على "السوابق" الاسرائيلية في التحريض على الفتنة الطائفية والمذهبية، إن دل على شيء، فعلى تورط الاسرائيليين مباشرة وفي مكان ما، وعلى دور أساسي لأجهزتهم الأمنية والمخابراتية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ولقد بدا ليبرمان كأنه يقولها صراحة، ولاسيما عندما زعم أن "قلبه على سعد الحريري" فهو بذلك أفسح في المجال أمام المراقبين، لتوجيه ما يسمى الاتهام السياسي قبل صدور قرار المحكمة الدولية في شأن الجريمة - الزلزال، وبالاستفادة مباشرة من تداعياتها، وإن مع آخرين، ربما، وفي النهاية للتاريخ وحده أن يحكم...

وفي المقابل، سجل الرئيس سعد الحريري أكثر من خطوة متقدمة، إذ تجنب الرد مباشرة على المسؤول الاسرائيلي ولم يدخل في سجال معه، فهو "من أسوأ وزراء الخارجية الاسرائيليين" كما قال. وتصرف كرجل دولة إذ رد على التهديدات الاسرائيلية عبر مجلس الوزراء، معتبراً أنها "تستهدف الحكومة وكل لبنان" وأن تصريحات ليبرمان، هي جزء من هذه التهديدات.

وفي حديثه التلفزيوني عشية الذكرى، والذي تميز بالهدوء والواقعية بشهادة كثيرين من كل الاطراف، وضع سعد الحريري سقفاً للكلمات التي ستلقى اليوم في ساحة الشهداء، بما ينسجم مع النهج التوافقي الذي اختطه منذ ما قبل توليه رئاسة الحكومة، والذي أعلنه فور انتهاء الانتخابات النيابية في 7 حزيران 2009.

وإذا كان الاطراف الاساسيون في قوى 8 آذار قد لاقوه في منتصف الطريق، وذلك من خلال بيان كتلة نواب "حزب الله" الذي دعا اللبنانيين "في الذكرى السنوية لدولة الرئيس الشهيد رفيق الحريري الى تعزيز وفاقهم الوطني واستلهام اتزانه واعتداله وانفتاحه وحرصه على العلاقات المميزة مع سوريا وتأييده الحق المشروع للمقاومة في الدفاع عن لبنان" وكذلك من خلال زيارة وفدين من الحزب إلى دارة الحريري عشية الذكرى، ومن نواب حركة "أمل" الى الضريح حيث وضع اكليلاً باسم رئيس مجلس النواب نبيه بري، فقد لفت البعض الى أن "بعض الدوائر الاعلامية المحسوبة على هذه القوى تعمد في مقالات وتحليلات إلى استحضار بعض المفردات والعبارات التي وردت في السنوات الماضية وللمناسبة نفسها، ولاسيما على لسان رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط"، وهو ما كان موضع استغراب أوساط قريبة من الحريري وجنبلاط، تساءلت عن "الحكمة" من استحضار هذه العبارات وعن الهدف منها والى أي مدى تخدم أجواء المصالحات والتحولات وعما إذا كان هناك متضررون يسعون الى عرقلتها؟

وسط هذه الاجواء، كان واضحاً أن من ارتأى أن تكون الذكرى السنوية الخامسة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري "وطنية جامعة" بالمعنى السياسي، ربما بدا متفهماً الاعتبارات التي أملت الدعوة المفتوحة لهذه السنة، وربما هي الاخيرة بهذا الشكل، إذ من غير المستبعد، وفق بعض المصادر، أن تحصر لاحقاً ببرنامج وثائقي وبشهادات عن انجازاته وبوردة على الضريح كما يفعل وليد جنبلاط سنوياً على ضريح والده الشهيد كمال جنبلاط منذ 33 عاماً، أو بلقاء رسمي في قاعة مقفلة يشارك فيه الجميع ومن كل الاطراف، وكانت تلك من الافكار التي نوقشت، ولكن "الظروف" السياسية واعتبارات كثيرة أملت إبقاء "القديم على قدمه" هذه السنة، وهي في معظمها تتعلق ب"الوفاء للناس ولاسيما الحلفاء والاصدقاء" وهذا ما "لا يمزح فيه سعد الحريري" وفق مصادر قريبة منه.

ولعل اطلالة سريعة على ساحة الشهداء قبل ساعات من حلول الذكرى، تظهر أن الهدوء الذي يلف ضريح رفيق الحريري، يبدو أكثر بلاغة وتعبيراً، بل أكثر دوّياً من أي شيء آخر!

============================

سوريا "محوريّة" في رأي أميركا أوباما !

سركيس نعوم

النهار

15-2-2010

سياسة اليد الممدودة التي انتهجها الرئيس الاميركي باراك اوباما حيال ايران بدعوته قيادتها الدينية – السياسية الى الحوار أولاً حول ملفها النووي وثانياً حول القضايا الخلافية الاخرى معها لا تزال قائمة في رأي مصادر ديبلوماسية غربية مطلعة. لكن حظوظها في النجاح تقلصت كثيراً وخصوصاً بعد تراجع ايران عن قبولها المبدئي اقتراحاً قدمته مجموعة ال 5+1 في إطار اجتماع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبعد اصرار المجتمع الدولي عليه، وبعد انطلاق الايرانيين في عملية تحدٍ واسعة للعالم تمثلت ببدء تخصيب الاورانيوم بنسبة 20 في المئة أو بالأحرى بالاعلان عن بدء هذا التخصيب. علماً ان شكوكاً كثيرة تساور المجتمع الدولي حيال قدرة ايران على تحقيق انجاز كهذا. ومن الأدلة على ذلك اصرار واشنطن وحلفائها على متابعة فرض العقوبات على ايران وتمسكهم في الوقت نفسه بعدم اعتماد الخيار العسكري لحل هذه المشكلة الا اذا فرضت تطورات دراماتيكية ذلك، واعلانهم الدائم استعدادهم للحوار مع قادتها بعد عودتهم الى التعقل والحكمة والبراغماتية، وهي صفات يُجمع كثيرون في العالم على تمتع الشعب الايراني بها رغم اقتناع غالبية قادة هذا العالم بأن السياسة الايرانية وخصوصاً في الموضوع النووي لم تكن دائماً وليست اليوم نتيجة منطقية للصفات المذكورة.

ماذا عن سياسة اليد الاميركية الممدودة الى سوريا منذ تسلم باراك اوباما رئاستها قبل سنة ونحو ثلاثة اسابيع؟

يقول مسؤول سابق في "ادارة" مهمة داخل الادارة الاميركية تابَعَتْ عن كثب تطورات العلاقة بين دمشق وواشنطن بكل مراحلها وباحث حالي، جواباً عن هذا السؤال انه تأثر ايجاباً بالجهود التي بذلتها ادارة اوباما للتعامل، او بالاحرى للتعاطي مع سوريا ذات النظام الصعب، لكنه وجد ان اقناع نظامها أو قيادتها السياسية العليا بتغيير سلوكها، سواء في العراق أو في لبنان، وبوقف علاقتها بل شراكتها مع ارهابيين ومع دول ترعى الارهاب وبايضاح كل ما اثير عن مشروع عندها لبناء مفاعل نووي عسكري، وجد ان ذلك لن يكون سهلاً على الاطلاق. طبعاً حاولت الادارة الاميركية استعمال سياسة العصا والجزرة مع سوريا فاعلنت عزمها ارسال سفير اميركي اليها وتخفيفها عدد من الاجراءات العقابية المفروضة عليها والتي من شأنها التسبب لها بمشكلات عدة. كما انها شجعت زيارات اعضاء في الكونغرس الى دمشق. فضلاً عن انها اوفدت السيناتور السابق جورج ميتشل المكلف من اوباما العمل لاعادة الحياة الى عملية السلام في الشرق الاوسط على كل المسارات وفي مقدمها المساران الفلسطيني ثم السوري.

لكن ذلك كله لم يؤد الى النتيجة المطلوبة في رأي المسؤول السابق والباحث الحالي نفسه لسببين: أولهما ان الادارة الاميركية لم تقدم الكثير الى سوريا بشار الاسد بغية اغرائها لتحقيق التغيير المطلوب والمشار اليه اعلاه في سياساتها الاقليمية وليس الداخلية طبعاً. ففتح ابواب الحوار تزامن مع تحذيرات رسمية اميركية للقيادة السورية بتنفيذ المطلوب منها وخلال مدة غير طويلة. وقد عبر عن ذلك ديبلوماسيون اميركيون اكدوا حاجة سوريا الى اتخاذ اجراءات والإقدام على خطوات مهمة جداً اذا كانت تأمل في علاقة جيدة ومتينة وطويلة الأمد. اما ثاني الاسباب، فهو ادراك ادارة اوباما ان رغبتها في تحقيق تقدم في عملية السلام الشرق الأوسطية وفي "حل" المحور الايراني – السوري وفي انهاء الدعم السوري للارهاب وفي تغيير دور سوريا من دولة "رافضة" الى دولة معتدلة مثل مصر والسعودية والعراق والاردن وان غير موالية لاميركا وان محافظة على دعم ولكن خفيف وغير مباشر للارهاب وللعلاقة مع ايران – ادراك الادارة المذكورة ان رغبتها هذه لم تنفذ ولن تنفذ. وهذا الادراك ليس موقفاً نظرياً فقط بل هو مبني على عدم وجود دلائل حسية وملموسة لنجاح سياسة الحوار التي اعتمدها اوباما منذ وصوله الى البيت الابيض.

هل يشكل اتخاذ اميركا وسوريا اجراءات رسمية لإعادة التبادل الديبلوماسي بينهما على مستوى السفراء (باعتبار انه لم ينقطع على المستويات الادنى) دليلاً على ان "الحوار" قد يعود ليسلك طريق النجاح؟

لا بد من الانتظار قبل اعطاء أي جواب جازم عن هذا السؤال. فاستكمال الاجراءات، بما فيها حصول السفير الجديد على "درع التثبيت" من الكونغرس السلبي المواقف من سوريا لن يتم في سرعة كبيرة. كما انه لن يطول دهراً. علماً، يلفت المسؤول السابق والباحث الحالي في واشنطن نفسه، ان سوريا قد تعتمد وتلافياً لكسر الجرة مع ايران وحلفائها في المنطقة، وذلك ليس بالامر اليسير على القيادة في دمشق، وفي انتظار حصولها من اميركا وعبرها من اسرائيل على اشارات واضحة عن امكان اعادة الجولان المحتلة الى اصحابها السوريين – علماً ان سوريا، وفي حال كهذه قد تنتهج سياسة "اطفاء الاضواء" اذا جاز التعبير على هذا النحو. أي تتخذ مواقف وقرارات مفيدة لاميركا لكنها سطحية، مثل التخفيف من تسلل الجهاديين عبر حدودها الى العراق وفي المقابل تبقي عاصمتها او اراضيها ملاذاً آمناً لقياداتهم. لكن لا بد في الوقت نفسه من الاعتراف بأن أميركا وخصوصاً الآن في عهد اوباما الذي قرر الانفتاح على سوريا لم تحدد بعد الثمن الذي ستكون على استعداد "لدفعه" لها في مقابل التعاون التام والثابت من القيادة العليا فيها. وفي أي حال ورغم وجود مواقف متناقضة حيال سوريا داخل اميركا ورغم سلبية غالبية هذه المواقف، فإن المسؤول السابق والباحث الحالي الاميركي نفسه يشدد على ان سوريا تبقى بالغة الأهمية بل محورية سواء لدفع المنطقة نحو الاستقرار أو نحو مزيد من عدم الاستقرار والحروب والتعثر.

============================

عنصرية إسرائيل تتطور باستمرار!

د. فايز رشيد

الدستور

15-2-2010

ما كشفته جريدة معاريف الإسرائيلية ، حيث عنونت صفحتها الرئيسة ، باكتشافها لكتاب يجري تداوله في أوساط اليمين الصهيوني ، يتناول ظروف وشروط السماح لليهودي بقتل الاغيار وأطفالهم ، هذه المسألة ليست جديدة ، فقد سبق وأن تناولها المؤرخ الإسرائيلي:إسرائيل شاحاك في كتابه(الدولة اليهودية ، الديانة اليهودية ، وطأة ثلاثة آلاف سنة) ، ومن يريد معرفة حقيقة العنصرية الإسرائيلية ، فعليه الاضطلاع على هذا الكتاب ، الذي ترجمته وأصدرته دور نشر عربية عديدة.

 

وبالعودة إلى كتاب معاريف فهو بعنوان(عقيدة الملك) ، كتبه الحاخام إسحق شبيرا ، رئيس مدرسة يوسف ، وهو لا يزال حياً ، ويعيش في مستوطنة(يتسهار) ، المجاورة لمدينة نابلس ، بالمشاركة مع حاخام أخر هو: يوسي اليتسور.

 

الكتاب وكما ذكرت الصحيفة ، لا يوزع في المكتبات ، لكن يجري تداوله بكثرة في أوساط اليمين والمدارس الدينية ، ومن بين من أوصى بقراءة الكتاب وكما جاء في مقدمته:الحاخامات ، غينز بورغ ، دوف ليئور ، يعقوب يوسف وغيرهم ، الكتاب طُبًعْ بمناسبة الاحتفال في القدس على مرور 29 عاماً على اغتيال الحاخام المجرم العنصري:مائير كهانا ، صاحب المقولة المشهورة:العربي الجيد هو العربي الميت. الكتاب وكما تقول الصحيفة:منشور على الإنترنت ، وثمن شرائه 8 دولارات فقط لا غير.

 

الكتاب مُلئ بالاقتباسات عن أكبر الحاخامات اليهود ، ولعل من أكبرهما بالمعنيين:الأيديولوجي والتاريخي:الحاخام شاؤول يسرائيلي أحد رؤساء مدرسة مركاز هراف ، معقل الصهيونية الدينية في القدس ، والحاخام كوك وهو من الآباء الكبار للحركة الصهيونية.

 

الكتاب يكشف عن حقائق من نمط:يُسْمح لليهودي بقتل كل من يشكل خطراً على شعب إسرائيل ، من الاغيار(غير اليهود) ، كما يُسْمح بقتل أبنائهم وأطفالًهم مهما كانوا صغاراً.

 

وعن قتل الأطفال يقول الكتاب:إن وجود الأطفال يسّدُ الطريق أمام عمليات الإنقاذ ، وبالتالي يُسْمح بقتلهم ، لأن وجودهم يساعد على القتل ، كما يُسْمح بقتل الأطفال إذا كان من الواضح أنهم قد يسببون أضراراً لشعب إسرائيل عندما يكبرون.ويُسْمح أيضاً بقتل أطفال أي قائد(من الاغيار بالطبع) من أجل ممارسة الضغط عليه.

 

ويتضمن الكتاب: السماح بالانتقام من أجل الانتصار على الشر ، ولذلك يمكن القيام بأعمال بمنتهى القسوة ، بهدف خلق ميزان رعب حقيقي ، ويتابع... بأن لا حاجة لقرار من أجل السماح بسفك دماء الأشرار ، فمطلق يهودي يستطيع القيام بذلك.

 

أشارت معاريف أيضاً ، بأن كتاباً من هذه النوع كان صدر في عام 1996 ، بعنوان(توضيح الموقف التلمودي من قتل الاغيار) وتضمن:أنه في الحرب التي لم تُحسم بعد: يجوز قتل النساء والأطفال من أبناء الاغيار الذين تحاربهم إسرائيل ، حتى ولو كانوا لا يشكلون خطراً مباشراُ(لاحظوا:لا يشكلون) فهم قد يساعدون العدو خلال الحرب،(لاحظوا:قد يساعدون).

 

كما قلنا ، فإن شاحاك يستعرض هذه المسألة في كتابه بالتفصيل ، ويورد أيضاً: أنه لا يجوز للطبيب اليهودي مساعدة مريضْ من الاغيار ، في أيام السبت ، حتى لو كان مهدداً بالموت.

 

ويضيف:لذلك فإن نقابة الأطباء الإسرائيلية تمتلك نظامين(دستورين) أحدهما:مُسْتَقَى من التوراة والتلمود ، وهذا يجري تداوله بين الأطباء اليهود فقط ، أما الثاني فهو الذي يُنْشَرْ في العلن وتجري ترجمته إلى عدة لغات بما فيها الإنجليزية. من الواضح - مثلما يقول شاحاك - أن نقابة الأطباء الإسرائيلية في نظامها الأول ، تخشى إن نشرته علناً أن يجري اتهامها بالعنصرية ، ولذلك تبقيه سراً(تصوروا ذلك،،،).

 

كتاب شاحاك ، نُشر في نهاية الثمانينيات ، وجرت ترجمته ونشره باللغة العربية في عام 1992 ، أي قبل الكتابيْن اللذين تحدثت عنهما معاريف ، ولكن إسرائيل شاحاك مُحَارَبْ في حياته وأيضاً في مماته من إسرائيل ، ومن كافة أجهزتها وبخاصة الإعلامية.

 

ونحن نورد هذه الحقائق فلا نكتشف جديداً ، فقد سبق وأن تناولناها في مقالات كثيرة ، ولكن وفي سبيل مزيد من المعرفة لهذا العدو الذي نجابهه ، فلا مانع من التذكير بها بين الفينة والأخرى ، وأيضاً التطرق إلى الجديد منها كما في الكتابين الأخيرين هذا من الناحية الأولى ، أما من الزاوية الثانية ، فمن أجل إعطاء لمحة موجزة على الخلفية التي يستند إليها ويقف عليها الجندي الإسرائيلي عندما يحارب الاغيار من الفلسطينيين والعرب ، فهو يستند إلى هذه الأيديولوجيا التوراتية التلمودية التي رضع حليبها في بيته ومدرسته وجامعته وفي معسكره ، ولذلك فمن الطبيعي أن يرتكب الإسرائيليون المجازر ضدنا وضد الأمة العربية ، ومن الطبيعي أن يقتلوا النساء والأطفال كما في العدوان الأخير على غزة ، وكما في مجازر إسرائيل على الصعيد الفلسطيني ، مثل مجازر كفر قاسم وقبية وغيرهما الكثير ، وكما في مجزرتي قانا ومجزرة بحر البقر ، والحبل على الجرّار.

 

أما من الناحية الثالثة ، فإن الكتابة حول هذه الموضوع من جديد ، تبين إلى أيًّ مدى يحقد الإسرائيليون على الفلسطينيين والعرب وكل غير اليهود ، فهل من الطبيعي أن يقوم سلام أي سلام مع مثل هذه الدولة التي رجال الدين فيها(والمفترض أنهم إنسانيون) يحرضون على قتل حتى أطفالنا وحتى الرُّضع منهم؟.

سؤال نطرحه برسم كل من يؤمنون بإمكانية قيام سلام مع إسرائيل،.

============================

الأطلسي وجنوبه العربي!

طارق مصاروة

الرأي الاردنية

15-2-2010

لم يأخذ مؤتمر ميونخ الأطلسي من الاهتمام العربي الحجم الذي يستحقه. فالحلف الأطلسي لم يعد منظمة للدفاع عن أوروبا الغربية كما كان عام 1949 في مواجهة الخطر السوفياتي. وإنما أصبح بعد نزوله في كوسوفو واجبار صربيا على انفصاله وحرية تقرير مصيره، وبعد غزوه لأفغانستان قوة دولية عسكرية وسياسية تأخذ أشكالاً مختلفة على المسرح الدولي!.

 

مهم أن نقرأ بتمعن أول خطاب راسموسن الأمين العام للحلف الأطلسي، فلا نعرف إذا كان هناك كثير من المسؤولين العرب الذين يهمهم الاطلاع على مفاصل السياسة الدولية فالرجل يقول:.

 

- إنّ الحلف ارتقى إلى مستوى آخر بربطه بنظام الأمن الدولي.. وامتد إلى أبعد من حدوده المرسومة لدى تأسيسه في بداية الحرب الباردة!.

 

- إنّ صون أمن أعضاء الحلف الذي توسع في الشرق حتى حدود روسيا مرهون بتعاوننا أو عدم تعاوننا مع القوى الأخرى على حدود الحلف أو وراء حدوده.

 

- إنّ تحول الحلف، في توسعه، ليتحول إلى منتدى للتشاور في القضايا الأمنية مع دول هامة كالصين والهند وباكستان وروسيا فيما يتعلق بالقضايا الأمنية، والإرهاب، والهجمات الإلكترونية، والانتشار النووي، والقرصنة والتغير المناخي، والتنافس على الموارد الطبيعية.

 

- لم يذكر الأمين العام للحلف الأطلسي العرب، ولعله اهتم ببعض منهم. فهناك دول والأردن واحدة منها، تتمتع بنوع متقدم من العلاقات الخاصة مع الحلف. وليس بعيداً أبداً أن تكون الشراكة المتوسطية نمطاً من العلاقات السياسية معه!!.

 

لقد انشأ الحلف الأطلسي منذ عام 1999 مجلساً للحكماء مؤلفاً من 12 حكيماً برئاسة وزيرة الخارجية الأميركية الأسبق مادلين اولبرايت التي حضرت اجتماعات ميونخ وهذا المجلس مهتم بتعزيز الشراكات بين الحلفاء والدول المتوسطية، والآسيوية، والشرق أوسطية.. وهنا نعود إلى صيغة المنتدى. لكن الأمور ليست كما يمكن أن نتصوّر من حيث سهولة العمل، فهناك معارضات كثيرة، فوزير الدفاع الألماني لم يخف رعبه من تحول الحلف إلى أمم متحدة أخرى، ومن أن يصبح وكالة أمن دولية!!.

 

ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في الدوما الروسي هاجم توسع الحلف، بقوله إنّ الحلف يتطوّر بطريقة معكوسة فهو يريد التحرك في العالم.. لكنه يفكر بمحلية!!. وهو يأخذ في الحساب مصالح أعضائه ال28.. وذكر بسابقة كوسوفو حيث تدخل الحلف عسكرياً دون تفويض من الأمم المتحدة.

 

ليس المهم وضع الحلف الأطلسي على طاولة التشريح. المهم مناقشة قضية العرب وهذا الحلف!!. فنحن لم نعد أنفسنا لعلاقات محددة معه.. أن نكون جزءاً من المنتدى الذي يتحدث عنه راسموسن، أو نرفض، أن نبني حلفاً خاصاً بنا يضم تركيا رغم انها في الأطلسي وإيران رغم انها ضده!.

أسوأ ما في الوضع العربي انه ليس واحداً، وأن مجموعه لا يعرف ماذا يريد.

============================

سورية مهمة.. لماذا نتغافل عن ذلك؟

بقلم: تسفي بارئيل‏

هآرتس

ترجمة

الأثنين 15-2-2010م

ترجمة: ليندا سكوتي

الثورة

في الآونة الأخيرة، أدلى وزير الدفاع ايهود باراك بتصريح قال فيه: «إن غياب التسوية مع دمشق قد يفضي إلى حرب شاملة بين إسرائيل وسورية» لكن قوله هذا لم يقد إلى ما يبتغيه من تأثير،

ثم ما لبث وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان (كعادته) أن أطلق ثرثراته المثيرة للجدل التي دأب على إلقائها جزافاً، ثم انبرى رئيس مجلس الوزراء بنيامين نتنياهو ليعلن موقفه بعد هذين التصريحين بقوله:«إننا نرغب بالسلام» وتأمين حياة هانئة. وإزاء تلك الأقوال والتصريحات، فقد مَرَّ أسبوع ساد فيه الكثير من التوترات، لكنه انقضى ولم يبق منه سوى الآثار التي تتداولها بعض وسائل الإعلام.‏

يبدو أن التصريحات الخالية المضمون لم تقتصر على ذلك الأسبوع فحسب بل كانت مستمرة على مدار العام الفائت، وكان مصدرها الاستراتيجي الأساس نابعاً عن ليبرمان الذي دأب الإدلاء بأقواله المثيرة وكأنه طفل ثرثار أحمق، ذلك الرجل الذي على الرغم من كونه يشغل منصب وزير الخارجية فإن أهميته السياسية لا تزيد عن وزير الشؤون الاستراتيجية موشيه يعالون أو سيلفان شالوم الذي يتولى وزارة التنمية الإقليمية. أولئك الوزراء الثلاثة الفاشلون الذين أسقطوا من قاموسهم عبارة «نحن نريد السلام» وانصرفوا للغو والثرثرة السياسية عديمة الجدوى.‏

إن المشكلة الحقيقية لا تكمن فيما يقوله ليبرمان أو ما يدلي به من تصريحات، لكن الكارثة تكمن جذورها في الخدعة التي نروج لها بادعائنا الرغبة بتحقيق السلام، ذلك لأن إسرائيل في الواقع لا تعطي للسلام مع سورية ما يستحقه من اهتمام بإحجامها عن القبول بدفع الثمن المتمثل بالانسحاب الكامل من مرتفعات الجولان، لأنهم يعتقدون بعدم وجود داع للإسراع بالمفاوضات مع سورية، وإن تهديداتها لن تفضي إلى الإضرار بإسرائيل ضرراً بالغاً.‏

لا ريب بأن لسورية أهمية أغفلتها إسرائيل ولم تضعها في حسبانها، إذ إن السلام معها في هذا الوقت قد يعني تغييراً في الموقف الاستراتيجي نحو إسرائيل في الشرق الأوسط والعالم أجمع. فسورية تعتبر الدولة الرئيسة التي تمثل أحدى الركائز الأساس في المحور الجديد الذي بدأ يأخذ مساره نحو التشكل في الشرق الأوسط والذي يضم تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية والعراق حيث يعتبر التعاون الاقتصادي والأمني والدبلوماسي الحجر الأساس في تشكيل هذا المحور.‏

إن للمحور الجديد مقومات ذات مضمون هام، لأن النفوذ السياسي الإيراني أخذ في الامتداد إلى كل من أفغانستان وباكستان وأخذ سبيله إلى العراق، حيث توجد الاحتياطيات النفطية الكبيرة التي مازالت قيد الاستكشاف والكميات الكبيرة التي ينتجها في الوقت الحاضر. أما تركيا فإن نفوذها قد امتد إلى آسيا الوسطى وأصبحت لها هيمنتها على أنابيب الغاز الممتدة من إيران إلى أوروبا، ويضاف إلى ذلك التعاون الجديد بين المملكة العربية السعودية وسورية ذات التأثير الكبير على السياسات الفلسطينية وحزب الله في لبنان، الأمر الذي يجعل من هذا المحور من أكثر المحاور فعالية في العقد القادم من الزمن. وبذلك فإن ميداناً للمصالح قد يتشكل في المنطقة ومن غير المقبول أن تكون إسرائيل بعيدة عنه.‏

أصبحت الولايات المتحدة بعد تولي باراك أوباما رئاستها على قناعة تامة بأن سورية هي الدولة التي تحتاجها واشنطن كي تبقى محافظة على أهميتها في المنطقة وما خلفها سواء توصلت إلى سلام مع إسرائيل أم لا. وإزاء ذلك، نجدها قد أقرت تعيين سفير لها في دمشق وتزمع إرساله في القريب العاجل، كما ونشاهد أوروبا تعمل على الدخول بمفاوضات مع سورية ليست لأسباب اقتصادية فحسب، بل لأنها تعتبرها بوابة الدخول إلى منطقة الشرق الأوسط بكاملها. وبإمكاننا أن نسأل صديقنا سيلفيو برلسكوني عن رأيه بضرورة إقامة علاقات مع سورية، ذلك لأن تجارة بلاده معها قد تنامت لتبلغ نحو 2 بليون دولار، أي إنها تمثل 20% من التجارة الكلية بين سورية وأوروبا قاطبة.‏

لقد دأبت إسرائيل على النظر للمنطقة والتعامل معها من زاوية ما يمتلكه حزب الله من صواريخ، أو ما يمكن أن تزرعه حماس من ألغام وبراميل المتفجرات في البحر، ومن اعتبارات أخرى ترى بها بأن إطلاق السجناء في صفقة جلعاد شاليط سيشكل خطراً وتهديداً أمنياً لها. وهي في تفكيرها هذا تكون قد فقدت البصر والبصيرة عما يحدث من تطورات استراتيجية في المنطقة، ويجعل من الادعاء برغبتها بإحلال السلام كلاماً فارغ المحتوى، لا يعبر إلا عن السخف وقصر النظر. كما وأن عدم اكتراثها ومبالاتها بالتوصل إلى سلام مع سورية قد يفضي إلى إلحاق أضرار بالغة بها بعد تفعيل المحور الجديد.‏

إزاء ما تقدم، فإننا نريد لرئاسة الحكومة رجلاً سياسياً قوياً بارعاً يتسم بالجدية ولديه القدرة على إقناع الإسرائيليين بأن السلام مع سورية لا يعني أكل الحمص في مطاعم دمشق بل يعني الوجود الإسرائيلي برمته، وإن تحقيق السلام مع سورية لا يقل أهمية من منع إيران من تحقيق طموحاتها النووية. لكننا للأسف نفتقد في هذا الزمان لهذا النوع من أولئك القادة.‏

============================

هل كذب بلير على البريطانيين؟

المستقبل - الاثنين 15 شباط 2010

العدد 3568 - رأي و فكر - صفحة 21

محمد السمّاك

لم يكن رئيس الحكومة البريطانية السابق طوني بلير مجرد زائد واحد الى عدد رؤساء الحكومات البريطانية. فهو أول زعيم لحزب العمال البريطاني يقود حزبه الى الفوز بالانتخابات العامة ثلاث دورات متتالية. وهو تالياً أول رئيس لحكومة عمالية يحتلّ منصبه ثلاث مرات متتالية أيضاً. ولعل الفترة التي قضاها في 10 دوننغ ستريت (مقر رئاسة الحكومة) وهي عشر سنوات، هي أطول فترة يقضيها رئيس واحد بشكل مستمر.

مع ذلك فقد خضع للاستجواب أمام لجنة تحقيق قضائية مستقلة مؤلفة من خمسة أعضاء لمعرفة أمرين أساسيين. الأمر الأول هو هل كذب الرئيس بلير على الشعب البريطاني عندما برّر قراره بمشاركة الولايات المتحدة في غزو العراق في عام 2003؟ أما الأمر الثاني فهو هل ان الغزو العسكري كان ضروريا.. وهل كان مبرّراً بموجب القانون الدولي؟

لقد جرى هذا الاستجواب على خلفية اشتراك بريطانيا في الحرب على العراق التي كلفت 10.6 مليار دولار. أما كلفتها بالأرواح البريطانية فاقتصرت على 179 قتيلاً فقط. وهو رقم كبير في الحسابات البريطانية خاصة في ضوء النتائج السلبية سياسياً ومعنوياً التي أسفرت عنها عملية الغزو. ولكن هذا الرقم من الضحايا هو أقل مما يسقط في العراق في أقل من أسبوع واحد. فالاحصاءات غير الرسمية تؤكد ان عدد الضحايا العراقيين منذ الغزو حتى الآن يزيد على المليون شخص !.

بلغ حجم المشاركة البريطانية العسكرية للولايات المتحدة في عملية الغزو التي استمرت من عام 2003 حتى يوليو 2009، حوالي 45 ألف جندي. ومن خلال هذه المشاركة بدت بريطانيا وكأنها استعادت دورها كدولة عظمى في لعبة الأمم ولو تحت المظلة الأميركية.

ولكن لا يبدو ان استعادة هذا الدور أو الإيحاء باستعادته دغدغ جدياً مشاعر الكبرياء لدى البريطانيين، بل ان مجرد اداء الدور البريطاني تحت المظلة الاميركية وتحديداً تحت مظلة ادارة الرئيس السابق جورج بوش زاد من مشاعر الاستياء. ولقد انطلقت هذه المشاعر من الاعتقاد الذي أثبتته الوقائع بأن العملية عملية الغزو كانت غير مبررة قانونياً وأخلاقياً.

في الأساس قام التحالف الاميركي البريطاني بين الرئيسين السابقين جورج بوش وطوني بلير على خلفية ان نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين كان يملك أسلحة دمار شامل، وان له علاقات تعاون مع تنظيم القاعدة الذي ارتكب الجريمة المروعة في نيويورك وواشنطن في سبتمبر 2001، وانه يمكن من خلال هذه العلاقة ان يزود القاعدة بسلاح نووي تستعمله ضد أهداف غربية (في اميركا وأوروبة). ومن أجل ذلك عملت أجهزة المخابرات على فبركة أخبار ومعلومات تؤكد هذه الاعتقادات وتبررها، وهي التي قدمها الى مجلس الأمن الدولي وزير الخارجية الأميركية الأسبق الجنرال كولن باول.

ولكن بعد سقوط نظام صدام حسين واحتلال العراق، اضطرت أجهزة الاستخبارات ذاتها، ثم المراجع الرسمية في واشنطن ولندن للاعتراف بأن النظام العراقي لم يكن يملك أسلحة دمار شامل وانه لم يكن على علاقة بالقاعدة، بل كان خصماً لها. اعترف بذلك الاميركيون وأعلنوا اعترافاتهم رسمياً. ولذلك لم يكن باستطاعة الرئيس طوني بلير أمام لجنة التحقيق البريطانية ان يجدّد الاختباء وراء تلك المعلومات المفبركة، فاضطر الى الاعلان "بأننا أردنا التعامل مع أسلحة الدمار الشامل واننا اتخذنا قرارنا على انه لو تطلب ذلك تغيير النظام فلا بأس في ذلك"؟.

من هنا كان السؤال حول الشرعية التي استندت اليها الولايات المتحدة وبريطانيا لتغيير النظام في دولة ثالثة عضو في الأمم المتحدة، لم تعتدِ على أي منهما.

حاول الرئيس طوني بلير عبثاً إقناع لجنة التحقيق بأن قراره بالمشاركة في الغزو يستند الى تفسير القرار 1441 الصادر عن مجلس الأمن الدولي والذي كما أكد مراراً خلال استجوابه يعطي صدام حسين "الفرصة الأخيرة" للإذعان الى شروط الأمم المتحدة. وكان تقدير بلير أن عدم إذعان صدام حسين لتلك الشروط، ضيّع عليه تلك الفرصة، وأعطى بالتالي الولايات المتحدة وبريطانيا الشرعية للغزو ؟!.

لا يبدو ان لجنة التحقيق اقتنعت بهذا التبرير، فالقرار لا يقول انه اذا رفض العراق مطالب الأمم المتحدة يجوز للولايات المتحدة وبريطانيا القيام بعمل عسكري. وقد جادلته اللجنة طويلاً حول المنطق الذي اعتمده لغزو دولة اخرى من دون موافقة الأمم المتحدة، وحتى رغم عدم موافقتها. حتى ان الأمين العام السابق كوفي عنان أعلن رسمياً فك أي ارتباط للمؤسسة الدولية بالعملية العسكرية.

مع ذلك اعترف الرئيس بلير بعدم الإعداد بشكل كاف لمرحلة ما بعد الغزو. وبرّر الفوضى التي سادت العراق في ظل الاحتلال بوجود عاملين لم يكونا في الحسبان.

العامل الأول هو انتقال عناصر من تنظيم القاعدة الى العراق. يبدو انه كان يعتقد ان القاعدة شأن أفغاني وانها محصورة في أفغانستان حيث سبق للقوات الأميركية ان اجتاحتها. غير أن بروز القاعدة في العراق والعمليات الارهابية التي قامت بها على خلفية معاداة الاحتلال شكلت صدمة سياسية وعسكرية في الوقت ذاته.

أما العامل الثاني فهو الانهيار التام في أجهزة الدولة الادارية والتنظيمية. وهنا أيضاً كان الرئيس بلير يعتقد ان اقصاء رؤساء الاجهزة كان كافياً للتغيير على أساس تعيين رؤساء تابعين للاحتلال. ولكن القاعدة الادارية تمردت على هؤلاء المعينين، فتعطلت الادارة مما ادى الى انهيارها التام. وهو أمر لم يكن في حسبان قوات الاحتلال.

ورغم النتائج المأسوية المروعة التي أسفرت عنها عملية الغزو فان الرئيس بلير في محاولة منه لإبعاد تهمة الكذب الى الشعب البريطاني، قال انه اليوم لا يزال على استعداد لاتخاذ قرار الغزو مرة ثانية في ظل الظروف التي أملت عليه اتخاذ قراره السابق.

ليس من المعروف الآن ما اذا كانت اللجنة الخماسية اقتنعت بأن الرئيس بلير كذب أو لم يكذب على الشعب البريطاني. أو انه اتخذ قراره بالمشاركة في عملية الغزو رغم اقتناعه او عدم اقتناعه بالتقارير القانونية الرسمية التي أكدت تناقض الغزو مع الشرعية الدولية. فالبيان الختامي المتوقع صدوره عن اللجنة في وقت لاحق من هذا العام سوف يجيب على هذه التساؤلات الجوهرية والمبدئية الهامة.

أما البعد السياسي للاستجواب فانه يبرز من خلال اعلان الرئيس بلير ان عملية الغزو وما رافقها من ملابسات متوقعة ومفاجئة تملي ثلاثة دروس أساسية :

الدرس الأول ان غزو (وقد سماه دخول) دولة فاشلة يحتم توقع الأسوأ.

الدرس الثاني هو ان الدخول (الغزو) يجب أن يحمل معه مشروعاً لبناء الدولة.

الدرس الثالث هو ان القوات المتدخلة (الغازية) يجب ان تكون مستعدة ومؤهلة لمحاربة الارهاب. يضع الرئيس بلير هذه الاستخلاصات لتكون في خدمة أي عملية جديدة تستهدف اي دولة من الدول المتداعية في العالم الاسلامي خاصة وفي العالم الثالث عامة.

وثمة أمر أساسي بنى عليه الرئيس طوني بلير كل أطروحته الدفاعية. وهذا الأمر هو "ان حسابات المخاطر قد تغيرت جذريا بعد سبمتبر 2001". ومن الواضح ان الحسابات الجديدة التي أملتها تلك الأحداث الدموية المروعة فرضت معطيات جديدة في عملية اتخاذ القرار السياسي الاميركي وتالياً البريطاني.

ولقد برز ذلك على مستوى شنّ الحرب على العراق وأفغانستان كما برز على مستوى الانقسامات السياسية التي عصفت بالعلاقات الاميركية البريطانية مع المجموعة الأوروبية بقيادة فرنسا من جهة، ومع المجموعة العربية والاسلامية من جهة ثانية.

وبرز كذلك حتى على مستوى اعادة النظر في أنظمة وقوانين الحريات الشخصية على قاعدة الأمن أولاً والتي اعتمدتها الولايات المتحدة وبريطانيا أساساً.

من هنا تشكل أعمال لجنة التحقيق البريطانية في ملابسات المشاركة البريطانية في الحرب على العراق قاعدة جوهرية من قواعد الممارسة الديمقراطية في النقد الذاتي بهدف تجنيب الأجيال المقبلة اخطاء الجيل الحالي.. فماذا تعلّم العرب عامة والعراقيون خاصة من جلسات الاستجواب التي أجرتها وتجريها اللجنة؟

============================

لماذا طوني بلير الآن؟

عودة الروح إلى المحافظين الجدد

السفير

15-2-2010

كلوفيس مقصود

عندما تطغى حالة الإنكار على مسؤول، كما هو الحال مع طوني بلير الرئيس السابق للحكومة البريطانية، وكما ظهرت عندما مثل أمام لجنة التحقيق التي أقيمت بهدف النفاذ إلى الدوافع وراء قرار السيد بلير تجاوز مجلس الأمن وبالتالي المشاركة في غزو العراق، يصبح الإنكار والإصرار عليه بمثابة جرم يعرضه للمحاسبة وللمعاقبة أخلاقياً على الأقل، وسياسياً وقانونياً، كما يفترض المنطق. فأمام اللجنة قال طوني بلير «هذا ليس موضوعاً متعلقاً بالكذب، أو بمؤامرة، أو غش أو خداع... وإنما هو قرار!» فكل الأدلة وكل الشواهد التي بررت الغزو كانت كاذبة، ومؤامرة حاكتها مجموعة المحافظين الجدد بالتنسيق مع ديك تشيني  والمعروفة بتوجهاتها الصهيونية  وهي المجموعة نفسها التي بمعظم أعضائها كانت قد خطّطت وأدارت حملة بنيامين نتنياهو الانتخابية عام 1996. وكان هذا الغزو غير الشرعي والتي كشفت التحقيقات لاحقاً أن الذرائع كانت عارية من الصحة، وكان التزام باراك أوباما بمعارضتها أحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في فوزه بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر عام 2008.

[[[

إن الإشارة لحالة الإنكار التي تختزلها ردود طوني بلير على لجنة التحقيق صارت ضرورية، حيث صرحت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن «طوني بلير يهيئ لدور أكبر في المساعي أن يعيد إسرائيل والفلسطينيين إلى محادثات السلام من خلال تكثيف الشراكة مع المبعوث الخاص جورج ميتشل». وكان بلير قد عين ممثلاً للرباعية في يونيو 2007، وكانت مهمته بناء التأييد للدولة الفلسطينية، وإن لم يكن يتمتع بصلاحية «التفاوض».

لذا اعتقد أن حالة الإنكار الممزوجة بالاستكبار تدفعنا إلى أن رؤية هذا الدور المتنامي فيما يسمى بإدارة «مسيرة السلام» والإلحاح الأميركي في العودة إلى «طاولة المفاوضات»، خاصة أن الإلحاح هو إلى حد ما صدى لان يكون كما يؤكد نتنياهو «بدون شروط مسبقة»... في حين أن إسرائيل تستمر في تشريع عملية فرض وقائع جديدة على الأراضي المحتلة كما هو حاصل في الإمعان في تهويد القدس وزرع الأشجار في المستوطنات بغية «تأبيدها» كما صرح نتنياهو، لذا فإن تهيئة ميتشل للعمل مع بلير قد ينظر على أنه إما إدانة مبطئة للمبعوث الأميركي أو استعانة إدارة أوباما بطوني بلير إعادة إنتاج لدور بلير من «المقدم» جورج بوش.

بمعنى آخر ترشيح بلير يبلور ضغوطاً أكثر شراسة مع تقديم حوافز اقتصادية للسلطة حتى تبقى المقارنة مع الحالة في قطاع غزة أكثر وضوحاً وأكثر صراحة. وكان في مهمته منذ 2007 يعمل في هذا الاتجاه لكن بدون الأهلية السياسة التي تمنحه إياها الوزيرة كلينتون الآن. السؤال الذي يفرض نفسه إذن: هل حكومة نتنياهو التي تعتبر كسابقاتها أن إسرائيل لا تقبل بأي «تدخل»، وإذا كان لا مفر من وسيط أو مسهل فيجب أن تبقى المهمة محصورة ب«الأميركي» لكون هذا الموفد يبقى مقيداً بالاعتبارات السياسية خاصة في الكونغرس التي مهما كانت قناعات الإدارة أو وزارة الخارجية تبقى أية اقتراحات يقدمها المبعوث  وفي هذه الحالة جورج ميتشل  محدودة الأثر، نظراً لأن اللوبي الإسرائيلي له نفوذ مقابل لنفوذ الولايات المتحدة في إسرائيل. وهذا التقاطع بين النفوذين هو ما يبدّد أي توقعات ايجابية تمكن من انتزاع أي استجابة جادة لمطلب أميركي، حتى الذي يكون في حده الأدنى كما في مطالب أوباما إسرائيل ب«تجميد» الاستيطان. هذا الطلب الأميركي أفقدته نجاعته محدودية الطلب، والتي تعاملت معه إسرائيل وكأنه ينطوي على طلب تنازلها عن حق، فأظهرت «تجاوبها» على أنه «تنازل» بعشرة أشهر، مع اشتراطها الإبقاء على عمليات الاستيطان الذي تمّ الترخيص لها قبل الطلب الأميركي، إضافة إلى استثناء التهويد المستمرّ للقدس الشرقية، لأنها «ليست مستوطنة» بل العاصمة الأبدية والأزلية لإسرائيل؟

[[[

لذا نعود إلى السؤال لماذا طوني بلير في هذا الوقت بالذات؟ وإذا كانت إدارة أوباما بحاجة إلى تمكين مبعوثها، فلماذا بلير بالذات؟ وهو كما يعلم الرئيس أوباما دوره في تبرير وتغطية أكبر عملية غزو معدوم الشرعية ومستولد لمقتل مئات الألوف من المدنيين العراقيين وآلاف الجنود الأميركيين؟ وبرغم أننا نستطيع التكهن بما قد يصدر في أواخر الربيع المقبل من نتائج أو تقارير، فإن المكابرة في الإنكار قد تؤول إلى إدانة  وهي الأكثر احتمالاً. ويبقى السؤال لماذا بلير في الشأن الفلسطيني؟ لماذا بلير في هذا الوقت بالذات؟

يستتبع هذا التساؤل ضرورة النفاذ إلى دور «الرباعية»، والتي تشمل الأمين العام للأمم المتحدة؟ هذا السؤال يجب أن يطرح على الأمانة العامة للأمم المتحدة نفسها  وهو أن الأمين العام هو المرجع لتأكيد وتفعيل قرارات الأمم المتحدة الصادرة عن مجلس الأمن وحتى الجمعية العامة. صحيح أن بعض الدول الكبرى كثيراً ما يعرقل أو يعطل دور الأمين العام، لكن على الأمين العام أن يحرص على دوره كمرجعية لقرارات الأمم المتحدة التي بدورها تشكل معظمها فلسفة التشريع للقانون الدولي. لذا فإن وجود الأمين العام في لجنة دولية غير مضمون دورها في تطبيق القانون الدولي وقرارات الشريعة الدولية يشكل انحرافاً، يمكن توصيفه كبدعة. وقد تبين أن الرباعية منذ نشأتها لم تعرف بالتوازن والموضوعية أو الالتزام بتطبيق القرارات ذات الصلة، بل بالعكس، فقد كان هناك تحيز واضح لموقف العضو الرئيسي فيها، أي الولايات المتحدة الأميركية. وما هو أشدّ إيلاماً أن الأمين العام السابق كوفي أنان كان يصرح باسمها بما ينطوي  إذا استمرت الرباعية بتشكيلاتها الحالية  على ضرورة الإصرار خاصة من المجموعة العربية في الأمم المتحدة وأنصارها المطالبة فوراً إزالة هذه البدعة، لأن الأمين العام هو القيم على سلامة تنفيذ القرارات لا المشاركة في «مفاوضات» أثبتت عبثيتها وميلها لبتر العديد من الحقوق الفلسطينية المنصوص عليها في القرارات الدولية ذات الصلة.

[[[

وأمام ما نشاهده من تآكل متواصل في معالجة حقوق الشعب الفلسطيني تجيء صيغة مشاركة طوني بلير في المقبل من مباحثات ومفاوضات سياسية مع المبعوث الأميركي ما من شأنه ترسيخ الشعور العام بالقلق على المصير الفلسطيني.. وكأنه لا تكفي سيادة الإحباط السائد عربياً وفي دائرة الوجدان عالمياً، إلا أن الجديد في تمكين دور بلير سياسياً قد يسهم، بل سوف يسهم، في تعطيل حتى الحد الأدنى من احتمالات المراجعة النقدية الآخذة بالتنامي في أوساط أميركية عديدة، وخاصة في بريطانيا نفسها.. لذا نستغرب هذا القرار الذي صرحت به الوزيرة الأميركية هيلاري كلينتون وكأنها تشارك في حالة الإنكار، وهي التي شاركت في التصويت على قرار بوش بالغزو. وبرغم دعمها لسياسة رئيسها أوباما إلا أن قرار تعيين بلير في الرباعية كان خطأ، لان الرباعية كانت ولا تزال تركيبتها خطأ. لكن أن تعزز صلاحيات طوني بلير فيها سياسياً مع المبعوث الأميركي فهذا من شأنه أن يحوّل الخطأ إلى خطيئة بحق ما تبقى من مسيرة السلام، ومن سائر معوقاته المصيدة التي أوقعتنا بها معاهدات الصلح مع إسرائيل، وما أنتجته من تداعيات اتفاقيات أوسلو وإفرازات خرائط الطريق، ومصيدة «الواقعية» التي حوّلتها إلى وثيقة.

============================

تغيير النظام الإيراني.. إنجاز ينتظر أوباما

وليام كريستول

الشرق الاوسط

15-2-2010

خلال حديث إلى لاري كينغ، مساء الأربعاء، قال نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن، الذي كان مؤيدا للحرب على العراق قبل أن ينقلب عليها، والذي قال إن الزيادة في عدد القوات يمكن ألا تحقق ثمرة أبدا، ولكنه عند استرجاع الأحداث السابقة، رأى أنها أثمرت، حيث قال: «يحدوني تفاؤل كبير يتعلق بالعراق. وأعني يمكن أن يصبح ذلك أحد أهم الإنجازات التي تحققها الإدارة الحالية. سترى 90 ألف جنديا أميركيا يعودون إلى أرض الوطن نهاية الصيف الحالي. وسترى حكومة مستقرة في العراق. ثمة حراك بالفعل يهدف إلى تشكيل حكومة تمثل المواطنين.. وقد أعجبني تفضيلهم استخدام العملية السياسية على البنادق من أجل تسوية خلافاتهم».

العراق «أحد أهم الإنجازات التي تحققها الإدارة الحالية»؟ حسنا، إنه حال غريق في «خضم السياسية» يتعلق بأي قشة، حتى لو كان ذلك عن طريق الاستفادة من نجاح سياسات الإدارة السابقة، تلك السياسات التي تم الاعتراض عليها. وعلى كل، في عالم السياسة يسعى كثيرون إلى نسب النجاح إلى أنفسهم. وهذا أمر حسن، لو كان يعني أن إدارة أوباما ستحرص خلال العامين المقبلين، على ألا تضيع إنجازات القوات الأميركية داخل العراق.

وبعد ذلك طرح كينغ، بأسلوبه الفريد، سؤالا عن إيران: «إيران النووية، هل هي مصدر قلق؟».

واعترف بايدن بأن إيران «مصدر قلق، وقلق حقيقي، ولكنها ليست مصدر قلق عاجلا. ويعني ذلك أن شيئا ما قد يحدث في المستقبل أو على المدى القريب جدا. ولكن أكثر شيء يشعرني بالقلق فيما يتعلق بإيران، أنه إذا استمروا في سعيهم وراء الأسلحة النووية، واستطاعوا الحصول على بعضها ولو قليلا، فسأشعر بالقلق مما سيؤدي إليه ذلك. تعلم يا لاري منطقة الشرق الأوسط، والضغط الذي سيمثله ذلك بالنسبة إلى السعودية ومصر وتركيا.. إلخ. الحصول على أسلحة نووية.. هذا أمر يزعزع الاستقرار بدرجة كبيرة».

فبعيدا عما إذا كان من المهم أن نشعر بالقلق إزاء احتمال حصول دول أخرى على أسلحة نووية ردا على ما تقوم به إيران أكثر من شعورنا بالقلق بسبب المشكلة الأكثر إلحاحية المتمثلة في حصول النظام الإيراني على أسلحة نووية، وبعيدا عن أن بايدن، كما هو الحال مع رئيسه، لم يستطع التعبير عن أي نوع من التضامن مع المتظاهرين الذين كانوا سينزلون إلى الشوارع الإيرانية خلال الأيام التالية، فإن ما يثير الدهشة: أولا، حتى بايدن يبدو مدركا أن حصول النظام الإيراني الحالي على سلاح نووي سيمثل مشكلة قد تغطي، للأسف، على أي نجاح آخر داخل منطقة الشرق الأوسط مثل العراق. ثانيا، لم يكلف بايدن نفسه عناء التظاهر بأن العام الذي قضته إدارة أوباما في «التواصل» مع إيران أثمر أي شيء ذا قيمة و(ثالثا) لم يكلف بايدن نفسه عناء الزعم أن تبعات ظهور إيران نووية يمكن «احتواؤها» من خلال تقديم رادع إلى دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط، أو من خلال بعض العلاجات الشاملة التي يستخدمها البعض في مجتمع السياسة الخارجية.

وعليه، ما الذي ستقوم به إدارة أوباما فيما يتعلق بسعي النظام الإيراني وراء الحصول على أسلحة نووية؟

العقوبات. ولكن، حتى لو نجحت الإدارة الأميركية داخل مجلس الأمن، ولو كانت الإدارة بعد ذلك قادرة، مع الأوروبيين، على تجاوز ما يقبله الروس والصينيون في الأمم المتحدة، ولو كانت الإدارة مستعدة مرة أخرى لإعادة النظر في عقوبات «قاسية» ناقشتها من قبل، ولكنها تنأى بنسفها عنها حاليا، ولو كانت الإدارة مستعدة للمخاطرة بعمل عسكري من خلال منع وصول البترول المكرر إلى إيران، فإنه لا يحتمل أن ينجح أي من هذه الأشياء في دفع النظام الحاكم داخل طهران إلى وقف تخصيب اليورانيوم، أو إعاقة النظام عن الحصول على أسلحة نووية في نهاية المطاف.

ولكن، ربما تهدف العقوبات ببساطة إلى استهلاك بعض الوقت. أو مثلما قال مسؤول كبير في إدارة أوباما لصحيفة «نيويورك تايمز»: «إنها تتعلق بإعادتهم إلى المفاوضات، لأن الهدف الحقيقي هنا هو تجنب الحرب».

ويفترض أن المسؤول يشير إلى احتمالية وقوع هجوم إسرائيلي ضد البرنامج النووي الإيراني. أم هل يشير إلى ضربة أميركية؟ في أي من الحالتين، فإنه على حق في أن الحرب هي احتمالية واقعية. وفي الواقع، سأقول إن العمل العسكري محتمل في مرحلة ما خلال العامين المقبلين إذا لم يحدث تغيير في النظام الحاكم داخل إيران.

ولكن، بفضل المواطنين داخل إيران، فإن تغيير النظام الحاكم أصبح احتمالا قائما حاليا. وبالتأكيد، ربما يكون لدى الإدارة إحساس أكبر بأهمية المساعدة على زيادة احتمالات حدوث هذا الهدف.

ربما يكون تبني فكرة «تغيير النظام» أمر مروعا بالنسبة إلى إدارة أوباما، فهو يذكر بجورج دبليو بوش. ولكن من أوجه القصور الكبرى في إدارة بوش عدم الاهتمام خلال المدة الثانية بإيران. ألقى بوش العلبة الإيرانية أسفل الطريق. هل يريد أوباما إنجازا استعصى على بوش؟ إنه تغيير النظام داخل إيران، وهذا هو الإنجاز الذي يمكن أن تقوم به إدارة أوباما، والذي يمكن أن يحتفل به جوزيف بايدن ونحن معه.

* محرر «ستاندرد» الأسبوعية، ويكتب عمودا شهريا لصحيفة

============================

إعادة بناء البلد (2):

مثقفون للوطن أم ادوات للأنجزة وأكاديميا الغرب

متخارجون مثل...أم شهداء مثل ليبنكخت والخواجا

د. عادل سمارة

كنعان 8/2/2010

منذ سبعينات القرن الماضي وخاصة بعد هزيمة فيتنام بدأت الولايات المتحدة، وفي اذيالها أوروبا الغربية والشمالية سياسة بدت للكثيرين جديدة وهي اعتماد القوة الإعلامية والثقافية لبسط هيمنتها كرديف للقوة العسكرية المباشرة، وكلتيهما كمقدمات ضرورية لعبور حقول الألغام لتمهيد الطريق أمام الجيش الحقيقي، راس المال. وهذه السياسة التي أسميت سياسة الإجماع في الداخل، والاحتواء في الخارج ومن أدواتها نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان والجندر وتشجيع منظمات المجتمع المدني...الخ.

ومن أجل هذا لجأت الولايات المتحدة وأذيالها لآليات عديدة نذكر منها هنا ثلاثة:

الأولى: تجنيد مثقفين من العالم الثالث ليقدموا عن الولايات المتحدة صورة وردية سواء عن نمط الحياة ومستوى الحياة والثقافة هناك.

والثانية: توفير ميزانيات لهذا المشروع جرى اختصار أكثرها من ما كانت تقدمه على شكل مساعدات للدول التي تدور في فلكها، فحولت هذه الاقتطاعات لتمويل المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الأكاديمية والأفراد الذين يدورون في فلكها. لذا لا غرابة أن تخفض أميركا ومختلف بلدان المركز الكثير من ميزانيات وزاراتها، لكنها لم تخفض ميزانيات الأنجزة مثلا: لم تخفض الولايات المتحدة وغرب اوروبا وشمالها ميزانياتها للأرض المحتلة، بل زادتها، رغم أن البطالة طالت هذا العام 800 الف أميركي ووصل الرقم الرسمي للبطالة في أميركا نفسها إلى 8 مليون شخص.[1]

والثالثة: تجنيد دول محددة تجاه الوطن العربي تحديداً، والتي ليس لها تراثا استعماريا في المنطقة، ولكنها جاهزة لتخدم الاستراتيجية الأميركية في المنطقة وخاصة هولندا (حاضنة منظمة نوفيب، وهي صاحبة أكثر منظمات غير حكومية لعبت دورا في جنوب افريقيا قبل سقوط الابرتايد، وبان أُكُلها في إصلاحية المؤتمر الوطني الإفريقي لاحقاً، والنرويج (أوسلو وملاحقاتها) والدنمارك (جماعة كوبنهاجن) والسويد. وهذه الدول يجري استخدامها من قبل الولايات المتحدة لتمهيد الطريق أمامها، اي لتعويد شعوب المحيط على قبول العلاقة بالأجنبي. لذا بدأت بوجوه دول ليست عدوة تقليدية لشعبنا وذلك إلى أن اصبح التعيُّش من الأجنبي عادة ومطلباً، فدخلت أميركا بوجهها. ولكن ظل لهذه الدول دورها في الاستراتيجيا الأميركية، ومن هنا اسميتها في كتابي، التنمية بالحماية الشعبية 1990 "الحكومات غير الحكومية".

أين نحن من هذا؟

في سياق حلقات"إعادة بناء البلد"، وجدت أن حصر النضال بمختلف اشكاله ضد الاحتلال، قد اسدل غلالة سوداء حالت دون رؤية احتلال آخر هو الاحتلال الغربي الراسمالي لسلطة الحكم الذاتي وخاصة لليسار والمثقفين والجامعات المحلية. مما يؤكد ما ذهبت إليه في مقالات عدة، بان اضعف خاصرتين في الأرض المحتلة واللتين ينفذ عادة العدو من خلالهما هما:

• النخبة السياسية

• والنخبة المثقفة/الأكاديمية.

لن أتحدث هنا عن النخبة السياسية، بل عن النخبة الثقافية الأكاديمية. والسؤال الذي يمكن البدء به: هل المثقفين طبقة؟ وإن كانوا كذلك هل يمكن أن يكونوا أو يصبحوا طبقة عالمية طالما هناك، (وبحضور أعلى من المجاز) توجد الطبقة العاملة العالمية والطبقة الراسمالية العالمية...الخ، وكل هذا في سياق السوق العالمي وقانون القيمة وبالطبع عدوانية هذه السوق. لا يتسع المجال هنا للبحث النظري في تحديد او تعريف الطبقة، ولكن يمكن وصف جماعة ما بأنها طبقة حين تكون قادرة على إعادة إنتاج نفسها بانعزال نسبي عن الأخريات. طبعاً الطبقات الرئيسية في المجمع هي التي تشكل طرفي نمط الإنتاج، مثلا في الاقطاع السادة والأقنان، في الراسمالية البرجوازية والطبقة العاملة. ليس المثقفون بهذا المعنى طبقة رئيسية، والسؤال: هل هي "طبقة" ثانوية؟ قد يقول لنا بوالنتزاس، هذا يعتمد على دورها السياسي، حتى تكون قد انتقلت من طبقة في ذاتها إلى طبقة لذاتها. هذا صحيح، ولكن الدور السياسي يأتي بعد دورها في العملية الإنتاجية وتقارب شروط وظروف العمل، وهذا لا ينطبق على المثقفين، اي شروط الإنتاج المادي تحديداً. وعليه، إذا حاولنا الانطلاق من الدور في عملية الانتاج وفي السياسة او التبلور السياسي، نجد أن المثقفين، حتى على اعتبار أنهم ينتجون فكرياً، ويلعبون دورا في السياسة، لكنهم موزعين على مختلف الطبقات. ومن هنا هم أقرب إلى الشريحة وليس إلى الطبقة، فهم شريحة تمتد وتتمدد على حواف وفي أحضان وهوامش مختلف الطبقات، ومن هنا كان طرح غرامشي عن المثقفين العضويين لكل طبقة، وطرح لينين/ليبنكخت عن المثقف الثوري، وما نعتقده عن المثقف العضوي/الثوري المشتبك، وهنا اقصد نقيض المثقف المساوم والرخو أو الذي يتنقل من حضن إلى آخر، أحمر أو وردي أو أبيض أو...صهيوني. ربما تساعدنا في هذا الأمر الطبيعة التقلبية للمثقفين لا سيما كأفراد، بينما لا تتقلب الطبقات كما يتقلب الأفراد. فلا ينتقل موقع طبقة ماديا بأكملها، بل يتقلب موقع فرد أو أفراد وربما شرائح.

لو أخذنا الأرض المحتلة مثالاً لكان ثريا. مثلا بقي الفلاحون كما هم طبقة محلية وطنية، وإن تضائل دورها الانتاجي او مساهمتها في الانتاج المحلي الإجمالي سواء بسبب مصادرة الارض من الاحتلال أو إغلاقها، أو قيام منظمات الأنجزة والمؤسسات الأجنبية الحكومية مباشرة، والجهاز البيروقراطي الهائل لسلطة الحكم الذاتي، بتوفير وظائف خدماتية لقوة العمل مما يبعدها عن العمل المنتج ماديا. كما بقيت الطبقة العاملة على حالها رغم ما اعتورها من ضربات. أما المثقفون فنراهم يتقلبون من اطراف منظمة التحرير التي "تعهدت" بتحرير فلسطين ليدخلوا معها في اتفاقات اوسلو القائمة على غزة-أريحا أولا، وربما اخيراً، ناهيك عن الاعتراف بالكيان. والمفارقة أن هؤلاء المثقفين وخاصة من أوساط اليسار ينقدون أوسلو والتسوية وحتى حركة فتح وكأنهم ليسوا هم الذين أتوا مع أوسلو واستفادوا منها، وتخلوا عن فكرهم، وكتبوا مجلدات التنازل عن الفكر الذي حملوه، ومؤخراً أخذوا يرفعون شعارات ماركسية او يسارية!!!

وهؤلاء المثقفون أنفسهم الذين تقوم على أكتافهم شبكة المنظمات غير الحكومية الموجهة من الدول الغربية والتي ربما اكبر مهامها التطبيع مع الكيان الصهيوني الإشكنازي. وهم انفسهم، أي نفراً منهم الذين يتعيشون من المؤسسات الأجنبية الرسمية والثقافية، خيث يقومون بأبحاث ودراسات تحددها الأطراف المانحة[2]، وهي لا شك أطراف تتلقى التمويل والتحويل والتوجيه وأخيرا الأمر من مخابرات بلدانها التي في التحليل الأخير مرتبطة بالمخابرات في المركز ولا سيما الولايات المتحدة. بل إن هؤلاء المثقفين يتخارجون بحيث يصبحون جزءا من شريحة المثقفين العالمية، المثقفون "مثقفون معولمون"، وهي شريحة مبنية على مراتبية مركز/محيط، أي الشريحة المثقفة في المركز التي تمارس تعميق الهيمنة البرجوازية في بلدانها دفاعاً عن السلطة ضمن ما يسمى المجتمع المدني، وهي التي تقوم بتجنيد شرائح المثقفين المتمكنين أو المزيفين في المحيط[3] لخدمة ثقافة وإيديولوجيا راس المال في المركز. هذا معنى الثقافوية المعولمة، التي تشكل شبكة استكشاف وتنظيم أدوات ومخبرين وعملاء وكتبة تحليلات ودراسات لصالح جيوش المركز، بدءا بالإعلام والإيديولوجيا وصولا إلى الجيش المقاتل وإخيرا لصالح جيش راس المال وهو السيد والأهم. من هؤلاء من يدرك ومنهم من لا يدرك. وبغض النظر عن كل هذا، فالمركز هو الذي يجني.

وعليه، سواء اتفقنا على كون المثقفين طبقة أم لا؟ يظل الأهم هو الدور، الأداء، الانتماء للطبقات الشعبية، تحمُّل العيش المتقشف كي لا يسقط المرء في الخيانة وعدم الوفاء للبلد ام الانزلاق إلى لذة العيش والأكل المفرط حتى التخمة والتمتع بذلك، وركوب الطائرات إلى المركز. ولا شك أن ركوب الطائرة مختلف عن أن يرسف المرء في قيود وأغلال الاحتلال ويُنقل في سيارات الزنازين من مركز مخابرات إلى آخر. هكذا قُتل كارل ليبنكخت، ومحمد الخواجا، وبالعكس من ذلك تمتع لطفي الخولي (وفريق كوبنهاجن، وتمتع مثقفون/ات فلسطينيون في لقاءات أوسلو المتكررة قبل اتفاق أوسلو وبعده، ورفلوا بالحرير كما كتب صحفي صهيوني، كان... كعارضة الأزياء لم يناقش ولم يتفاعل).

إذن ليس، بالنسبة للمثقفين تحديداً، ليس الأهم تسمية طبقة أم شريحة، بل الدور، سلبي أم إيجابي. مع التاريخ أم ضده، مع التاريخي أم مع اليومي ومتعته؟

هذا السؤال، مطروح برسم الإجابة على كل مثقف/ة في الأرض المحتلة خاصة، هل هو مطبِّع، هل هو على صلة بالأنجزة، بالقنصليات، بالسفارات، بالمراكز الثقافية للدول الغربية. من يمكنه التأكيد أن هذا الغرب يقدم هذه الأموال عن روح أمه؟ من يمكنه التأكيد أن ليست هناك اتفاقات سرية، وتقارير سرية[4]، وأجندة دائمة؟ إما بين يقوم بها المثقف الفلسطيني، مثقف المحيط، أو لا منحة! هؤلاء المثقفون متخارجون، بطرق عدة، فهل إعادتهم إلى المدار الوطني ممكنة؟ هذا متروك للقارىء، كي يحكم، ومتروك للحريصين وطنياً بأن يشكوا ويتأكدوا ويحذروا.

طالما هدف هذه الحلقات هو إعادة بناء البلد، فهذا الحديث موجه للجيل الجديد، الذي لم يتم الفتك بوعيه بعد. بكلمة أخرى، هذه الحلقات موجهة إلى الأمام وليس إلى الماضي.

ـــــــ

[1] مقالة بقلم الكاتب الاقتصادي كريستوفر إس.روجابر في أسوشيتدبرس يوم 5 شباط 2010

Christopher S. Rugaber, AP Economics Writer

[2] انظر مقالة جوزيف مسعد "ساسة واقعيون أم مثقفوا كمبرادور"، في "كنعان" العدد 85، نيسان 1997، هامش 24 كتب سليم تماري: "الباحثون الفلسطينيون مثلهم مثل نظرائهم العرب والربيين مستعدون لبيع انفسهم وأبحاثهم مقاب السعر المناسب".

[3] انظر بهذا الصدد كتاب زبجنيو بريجنسكي،

Brzezinski, Zbigniew. 1970. Between Two Ages: America ’s Role in the Technocratic Era. New York , The Viking Press. P.p. 47-48

 [4] في إحدى مؤسسات الإقراض وهي شبه بنوك، كان أحد الموظفين يقدم تقاريراً سرية للأجانب عن مديره بأن المدير ناشط سياسياً ويستقبل مناضلين محليين في المؤسسة. حين اكتشف المدير ذلك سأله: لماذا تفعل هذا؟

قال: أنا تعلمت عندهم على حسابهم منذ الصغر وحتى الماجستير، لذا لا استطيع الكذب عليهم.

قلت للمدير: الله يسترك حين يأخذ الدكتوراة!!!

========================

الاستشراق الأمريكي

طلعت الشايب

د. أحمد الخميسي

كنعان 14/2/2010

تلقفت بسعادة بالغة كتاب " الاستشراق الأمريكي " تأليف دوجلاس ليتل أستاذ التاريخ بجامعة " كلارك " الأمريكية، وترجمة طلعت الشايب، الصادر مؤخرا عن المركز القومي للترجمة. أقول تلقفت الكتاب وقرأته " بسعادة بالغة " قاصدا كل ما تعنيه تلك الكلمات بدقة. ولو قلت إنني قد أستطيع إلقاء ولو القليل من الضوء على هذا الكتاب الهام أكون قد خدعت القارئ، إذ لا يمكن بحال من الأحوال في مقال صغير عرض ذلك العمل الضخم أو حتى تبيان مدى أهميته القصوى الفكرية والسياسية. لكني سأقول – مبدئيا – إن الكتاب يغطي علاقة أمريكا بمنطقتنا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اليوم تقريبا على امتداد نحو ستمائة صفحة من القطع الكبير، لكنك تقرأ مستريحا بتأمل واستمتاع كل فصول الكتاب الثمانية التي لا تعرض للعلاقة ليس من جانبها السياسي بل كضفيرة من التاريخ السياسي والتاريخ الفكري المصاحب الذي يفتح الطريق أمام التدخل بالمدافع والدبابات، فالكتاب يعرض لنا كما يقول الشايب في مقدمته تاريخ " إنتاج المعرفة المرتبطة بالسياسة "، أي علاقة التفاعل بين النظريات والتصورات وبين المصالح الأمريكية التي بدأ اهتمامها بالشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية منذ أن نبه هارولد إكس وزير داخلية الرئيس روزفلت إلي أن النفط هو السلعة " الحيوية في الحرب، الضرورية في السلم، اللازمة للنفوذ الأجنبي ". ومن حينه كان البترول حاضرا في كل الأزمات الكبرى التي مر بها العالم العربي منذ عهد الرئيس روزفلت إلي عهد الرئيس باراك أوباما الذي أكد في الواقع الفعلي أننا إزاء تغيير في التعبير وليس في السياسات. وخلال ذلك التاريخ قدمت أمريكا خطابا بلغ فيه التناقض أشده بين منطلقات لاخلاف عليها مثل الحرية والديمقراطية وبين أن تحمل هذه المبادئ إلي شعوب العالم على دبابة. في تاريخ إنتاج المعرفة المرتبطة بالسياسية العدوانية تشير صحيفة " نيويورك تايمز " في يوليو 1993 إلي أن التحامل على العرب – كشكل من أشكال التعصب العرقي الأعمى – يبقى قائما بدرجة ما وأن : " من يشك في ذلك عليه فقط أن يستمع إلي أغنية الليالي العربية في فيلم الكرتون الغريب علاء الدين من إنتاج ديزني ". يقدم الكتاب التصورات المختلفة المصاحبة لعلاقة أمريكا بالعرب وإسرائيل في الأدب والسينما والسياسة ويستشهد بالأعمال التي قدمت صور الإسرائليين النبلاء وقد طوقهم عرب همج مثل فيلم " الخروج " الذي أنتجته هوليود ومثل فيه النجم بول نيومان دور اليهودي المقاتل الذي لا يقهر من أجل الحرية. ويوضح أيضا كيف تنشأ النظريات السياسية كصراع الحضارات وغيرها وأسباب ظهورها الفعلية الاقتصادية والعسكرية. أقول لكل من يثق بتقديري : اقرأ هذا الكتاب، وسوف تستفيد منه غاية الفائدة وتجد في الطريقة التي كتب بها متعة حقيقية.

 

لقد تمكن طلعت الشايب الذي ترجم نحو ثلاثين عملا من قبل أن يقدم مرة أخرى مثالا رائعا للارتقاء بدور المترجم من حدود إتقان لغة إلي دور المفكر الذي يتقن الاستجابة للاحتياجات الفكرية لحركة التطور. وما زال كتاب الشايب عن الحرب الثقافية الباردة – دور المخابرات الأمريكية في الفن والأدب – نموذجا يحتذى به في دحض فكرة " حيادية الأدب " وفي تعرية المنظمات التي تسعى بأموال الأمريكيين في الثقافة عندنا والمصدر الحقيقي لتلك الأموال. وقدم الشايب نموذجا مهنيا لفن الترجمة حين تأهب للعمل أولا بقراءة كل ما يتصل بالموضوع الذي يغطي علاقة أمريكا بالشرق الأوسط منذ عام 1945، كما أدرج " مسرد " بأهم الكلمات والمصطلحات بالانجليزية ومقابلها بالعربية، لكي تستطيع الرجوع إلي الأصل، كما أضاف من عنده ملاحق تقع وحدها في نحو مئة صفحة، من ضمنها خطابات سياسية لرؤوساء أمريكيين وخطاب عبد الناصر في بورسعيد عام 1964 حين هددت أمريكا بوقف معونتها، ونص خطاب أوباما في القاهرة، وغير ذلك من وثائق تجعل المشهد الفكري فسيحا وثريا. وقبل كل ذلك قدم الشايب ترجمة الطبعة الثالثة المنقحة من كتاب حديث صدرت طبعته الأولى بعد أشهر قليلة من أحداث 11 سبتمبر عام ألفين. الأهم من كل ذلك أن طلعت الشايب ألقى بحجر ثقيل في بحيرة المفاهيم الخاصة بعلاقتنا بأمريكا، وهنا تحديدا يمكن الحديث عن الفارق بين دور المترجم، ودور المترجم المفكر. تهنئة من صميم القلب للأستاذ الصديق طلعت الشايب، وتهنئة للحركة الثقافية، وللقراء بهذا الحدث الفكري.

أحمد الخميسي. كاتب مصري

Ahmad_alkhamisi@yahoo.com

====================

للمرأة السعودية ما هو أكثر من النقاب

بقلـم مها عقيل

مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية

12 شباط/فبراير 2010

www.commongroundnews.org

جدة، المملكة العربية السعودية – قد تكون المملكة العربية السعودية واحدة من أكثر الدول في العالم التي يساء فهمها ويتم تصويرها بشكل نمطي، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالمرأة السعودية.

من الممكن تبرير بعض التصورات السلبية المحيطة بالمرأة السعودية. فنحن في نهاية المطاف الدولة الوحيدة في العالم التي لا يُسمح فيها للمرأة بقيادة السيارة، رغم أن الحكومة أعلنت مرات عديدة أنه لا مانع لها من إعطاء النساء رخص قيادة. كما يتم حرمان المرأة السعودية من العديد من حقوقهن في الإسلام. فحسب النظام السعودي يسيطر أولياء الأمور الذكور على كافة القرارات المتعلقة بتعليم المرأة وتوظيفها وسفرها وزواجها وطلاقها والعناية بأطفالها والقضايا القانونية والرعاية الصحية، أي كل ناحية من نواحي حياتها. إنه نظام يجعل من نصف عدد سكان المملكة تابعين لا حول لهم ولا قوة.

رغم ذلك هناك تصورات غربية للمرأة السعودية تستوجب التعامل معها بموضوعية.

يقابل الصحفيون الغربيون عند زيارتهم المملكة العربية السعودية نساء سعوديات مثقفات موظفات ناجحات وقائدات بارزات في مجتمعاتهن. ويطرحون عليهن كافة أنواع الأسئلة ويحصلون على إجابات صادقة وشفافة. إلا أن هؤلاء الصحفيين لا يكتبون في الغالب إلا عن الصور النمطية: الحجاب أو النقاب، والفصل بين الرجال والنساء في معظم المؤسسات العامة والخاصة، وبالطبع، المنع من قيادة السيارات.

يعيق التمييز النشاطات اليومية للمرأة وتقدمها في مجال العمل، إلا أنه متأصل بصورة أكبر في العادات والتقاليد المحلية، وكذلك في بعض وليس كل التفسيرات الدينية داخل الدولة. لذا فهو لا يطبق بحزم أو بشكل مثابر.

يشكّل الحجاب والنقاب قضية دينية واجتماعية ليست مقتصرة على المملكة العربية السعودية. يُتوقع من المرأة في الإسلام أن تلبس باحتشام، ولدى كل مجتمع مسلم وجهات نظر مختلفة حول ما يعني ذلك. ولأن السعودية هي المكان الذي ولد فيه الدين الإسلامي، والمكان الذي توجد فيه أقدس مدينتين، وهي مكة المكرمة والمدينة المنورة، يميل الناس لأن يحترموا اللباس المحتشم في الأماكن العامة.

إلا أن هذا الجانب من حياة المرأة السعودية يُساء فهمه في الغالب. استشاطت صديقة لي تتبوأ منصباً حكومياً رفيعاً غضباً عندما تحدّثت إلى صحفي أمريكي لمدة ساعتين حول إنجازات المرأة السعودية وتقدمها، والمصاعب والمعوقات والتحديات التي تواجهها، لتكتشف بعد ذلك أنه أشار لها بشكل عابر في تقريره، ليصف كيف قامت بتغطية شعرها عندما طلب أخذ صورة لها.

عندما يتم نشر صورة لنساء سعوديات في الإعلام الغربي، فإنها في العادة تُظهرهن وهن يلبسن النقاب، رغم أن هناك الكثيرات اللواتي لا يغطين وجوههن أو شعرهن، ولا يمانعن أن تؤخذ صورهن دون غطاء الوجه. يخلق هذا الإصرار على تعزيز صور معينة للنساء السعوديات عدم الثقة والتشاؤم تجاه الإعلام الغربي.

وكما قالت صديقة أخرى لصحفي أوروبي، يجب ألا يهم ما يوجد على رأسي وإنما ما يوجد في رأسي.

تحمل العديد من النساء السعوديات العاملات اللواتي يخترن لبس الحجاب أو النقاب شهادات علمية عالية ويتمتعن بذكاء ونجاح. فلا يمنعنا الحجاب أو النقاب من تحقيق أهدافنا وغاياتنا.

يجب ألا يكون قراري بتغطية شعري أو عدم تغطيته مقياساً للحكم علي. يجب ألا يعرّفني كمحافظة أو ليبرالية. يجب ألا يدّل على ما إذا كنت مقموعة أو متحررة، لأن هناك عوامل عديدة تؤثر على قراري بلبس الحجاب أو النقاب.

 

يستطيع المرء فهم أن عدم قيادة السيارة يشكل رمزاً لنقص الحرية عند المرأة السعودية. إلا أنه وفيما يتعلق بالحقوق، لدينا الكثير من القضايا الأخرى الخطيرة والجادة لأخذها بعين الاعتبار. وإلى أن يتم الاعتراف بنا كراشدات نتمتع بوضع مماثل في المجتمع كالرجال، فسوف نستمر بكوننا مهمّشات ومميز ضدنا بطرق مختلفة.

ورغم الصور التي يُروجها الإعلام الغربي، فقد قطعت المرأة السعودية شوطاً بعيداً، وأصبح الاعتراف بها متزايداً نتيجة لإنجازاتنا رغم المعوقات التي نواجهها. نحن مديرات لشركات قيمتها عدة مليارات من الدولارات، وعالمات ذوات سمعة عالمية وعميدات كليات جامعية ومديرات رئيسيات في بنوك ووكيلات لوزارات، إضافة إلى مديرة صندوق السكان التابع للأمم المتحدة.

يتوجب على الإعلام الغربي عدم جعل قضايانا تبدو تافهة من خلال التركيز فقط على أسلوب لبسنا أو على حقوقنا في قيادة السيارة. نحن نحقق تقدماً كل يوم. ومثلنا مثل بقية النساء في العالم، يعتبر تحقيق استقلالنا كفاحاً مستمراً يستحق الاعتراف به في الإعلام وغيره.

__________

* مها عقيل صحفية سعودية. كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ