ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 21/02/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الغياب العربي والحضور التركي: محاولة للفهم

الجمعة, 19 فبراير 2010

ماجد عزام *

الحياة

ثمة تساؤل كبير على الساحة الفلسطينية، كما العربية عن أسباب هذا الحضور التركي الطاغي والمميز، والغياب العربي المدوي، عن ملفات وقضايا مهمة ونوعية وتمس جوهرياً بالمصالح العربية، الحيوية والعليا. الامران مترابطان، وثمة علاقة جدلية بينهما، الغياب العربي، والحضور التركي، يمكن تفسيرهما بعاملين متعلقين بالعرب وتركيا معاً، أحدهما خارجي، فيما الآخر داخلي.

العامل الاول يتعلق بطريقة تعاطي الولايات المتحدة مع المنطقة في شكل عام، ومع التوجهات السياسية التركية والعربية في شكل خاص. لفهم واستيعاب ذلك، لا بأس من عرض الواقعة الآتية: عندما أراد هنري كيسنجر زيارة المنطقة في النصف الاول من سبعينات القرن الماضى، طلب من قسم التخطيط السياسي في وزارة الخارجية، تقريراً او رؤية تساعده، على فهم المنطقة ومشكلاتها وكيفية مقاربتها. آنذاك كتب الباحث الشاب ريتشارد هاس (تولى رئاسة القسم في ما بعد) تقريراً من صفحتين بعنوان «الخيمة والسوق» داعياً رئيسه الى العمل وفق محتواه. قال هاس: «ان ثمة خيمة كبيرة داخل كل دولة عربية، يتربع الزعيم فى صدرها». وأوصى بضرورة عدم الالتفات والاهتمام بالصخب او الاصوات العالية فى جوانب الخيمة، فالزعيم وحده يملك القرار ويجب العمل معه مباشرة، ولا بأس في المبالغة في الإطراء والمديح، للحصول على المبتغى.

التعاطي مع صاحب القرار الاوحد ومصدر السلطة، بل كل السلطات في الحقيقة، يجب أن يكون – بحسب ورقة هاس - بذهنية السوق، تضخيم قدرات الزعيم الشخصية، في مقابل تبخيس البضاعة المعروضة، والتقليل من قيمتها وعرض اقل ثمن ممكن بعد التأكد من ان هذا هو السقف الذي لا يمكن ان يقبل الزعيم بأقل منه. بعد حرب تشرين الأول (اكتوبر) 1973 وفي جولاته المكوكية الى المنطقة، استخدم كيسنجر بدقة مذهلة نظرية الخيمة والسوق. نجح الامر مع الرئيس انور السادات على الجبهة المصرية نتيجة عوامل عدة تتعلق اساساً بشخصيته وطريقة تفكيره. وفشل على الجبهة السورية لأن الرئيس حافظ الاسد، امتلك شخصية مختلفة ورؤية مناقضة لرؤية السادات.

منذ ذلك الحين، ما فتئت الولايات المتحدة، تتعاطى مع المنطقة، وفق نظرية «الخيمة والسوق» نفسها، تتصرف على اساس ان ثمة شخصاً واحداً لا احد سواه يمتلك القرار. الحكم او القرار المؤسساتي المنظم. فممارسة مزيج من الضغوط والإغراءات وأنواع الابتزاز كفيلة بالموافقة، او على الاقل بعدم الممانعة أو المعارضة للسياسات الأميركية في المنطقة، ودائماً وفق المنطق نفسه، دفع اقل ثمن ممكن، في اغلى بضاعة، طالما ان الامر منوط بإرضاء، او خداع، رجل واحد، لا يستطيع اي كان معارضته، او منعه من تنفيذ ما يراه مناسباً له وللوطن.

لا تستطيع الولايات المتحدة استخدام هذا الأمر مع تركيا، حيث الحكومة منتخبة وحيث القرار ليس اسيراً لشخص واحد، يمكن ابتزازه او الضغط عليه، وحيث المحاسبة قائمة، سواء داخل البرلمان او حتى عبر الانتخابات النزيهة، التي تجرى بانتظام، ويفصح فيها الشعب عن رأيه في اداء الحكومة سلباً او ايجاباً، وبالتالي لا فرصة او امكانية لتطبيق نظرية الخيمة والسوق لثنائي هاس – كيسنجر. وهذا ما يفسر رفض تركيا المشاركة في حماقة بل كارثة غزو العراق وعجز الولايات المتحدة عن الضغط عليها او ابتزازها. وفي المقابل، شاركت دول عربية كثيرة مباشرة، او غير مباشرة، في تسهيل الغزو على رغم يقينها انه يمثل كارثة على مصالحها، كما على المنطقة في شكل عام.

من هنا، يمكن الانطلاق مباشرة الى العامل الداخلي الكامن خلف الغياب، بل الغيبوبة العربية في مقابل الحضور التركي الطاغي والمستحب. عند العرب ثمة حكومات تستمد شرعيتها من دعم القوى الصغرى كما الكبرى، كما من آلتها البوليسية القمعية والمصالح الحقيقية، وهي مصالح النظام او الطبقات، والأسر الحاكمة حتى في النظم الجمهورية. اما فى تركيا، فثمة حكومة تستمد شرعيتها من الشعب مباشرة، وتعتقد انها ملزمة بالتعبير عن آماله وطموحه، وآرائه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإلا جاءت لحظة المحاسبة العسيرة، في امتحان صناديق الاقتراع الملزم والحق.

وفق هذا المنطق، من الصعب تصور الخلاص العربي، بعيداً من التغيير السلمي والديموقراطي، على رغم انسداد الآفاق بمستوياتها وأبعادها المختلفة. الا ان لا فارق جوهرياً بين رفض الاحتلال والهيمنة الخارجية والتصدي للاستبداد والجمود الداخلي. الامران متلازمان ومترابطان عضوياً والحل هو بإعطاء القرار للشعب او بالاحرى للشعوب العربية والقبول بحكمها والثقة المطلقة بمزاجها السياسي.

* مدير «مركز شرق المتوسط للإعلام»

================================

التعصُّب ... ذلك السوس الذي ينخر عظام الحضارات

السبت, 20 فبراير 2010

عمار علي حسن *

الحياة

لا يمكن لعاقلين أن يختلفا على أن التعصب آفة، لأنه يأكل عقل الفرد وروحه، ويشتت جهد الجماعة الوطنية في معارك فرعية، بعضها قد يتسع ويستفحل ليهدد مصير الوطن. لهذا علينا أن نتعلم كيف نتسامح مع الآخرين، وندرك أن هذه فضيلة لا يمكن التفريط فيها، وأنها كعادة كل الفضائل تقع في منزلة بين المنزلتين، أي في منتصف المسافة بين التعصب واللامبالاة.

إن التسامح هو صورة التكيف التي بمقتضاها تميل الجماعات المتعارضة إلى الانسجام المتبادل، وتحاشي الصراع من أجل التوصل إلى حل عملي، في ظل مبدأ عدم التدخل في معتقدات وتصرفات الآخرين التي لا يحبذها المرء، ولا تروق له. ومن ثم فإن عبارة «عِش واترك الآخرين يعيشون» تعتبر مثالاً مبسطاً وجلياً على التسامح. وتوجد درجات متنوعة لمبدأ عدم التدخل، أولها أن يتجاهل المرء الآراء والأفعال التي لا تُناسب طبيعته، وثانيها أن يعبر عن عدم تحبيذه لها، وثالثها أن يحاول دحض الآراء والأفكار التي لا يستسيغها.

والتسامح، الذي كرس الديبلوماسي والكاتب الإيطالي مايكل أنغلو ياكوبوتشي كتابه «أعداء الحوار: أسباب اللاتسامح ومظاهره»، لمدحه وتعظيمه، هو من القيم الأصيلة في ثقافة الديموقراطية، إذ إن الحريات الثلاث المرتبطة بالتفكير والتعبير والتدبير، تنطوي على تسامح مع المعارضة السياسية، أو مع الآخر المختلف معنا في الاتجاهات والتوجهات. ويوصم بالتعصب والاستبداد كل من يحاول أن يحرم المعارضين من التعبير اللفظي والحركي عن أنفسهم، ما دام قولهم وفعلهم لا يخالفان القانون، ولا يشكلان اعتداء على حريات ومصالح الآخرين.

وكتاب ياكوبوتشي هو نتاج خبرته العريضة التي استقاها من أعمال ومناصب متعددة شغلها في مسيرته الطويلة، فهو درس القانون والعلوم السياسية، وعمل في مطلع حياته ضابطاً في سلاح الجو الإيطالي، ثم قنصلاً في ملبورن وممثلاً دائماً لإيطاليا لدى الوكالة الدوية للطاقة الذرية في فيينا، ثم مستشاراً سياسياً لسفارات إيطاليا في دبلن وبكين وواشنطن، وسفيراً لبلاده في الجزائر واليونان والبرازيل، وبعدها متحدثاً رسمياً باسم الرئيس الإيطالي الأسبق ساندرو بريتني، فعضو المجلس التنفيذي ل «يونيسكو»، ورئيساً للمجلس التنفيذي للاتحاد اللاتيني.

ولو عدنا إلى الوراء قليلاً، نجد أن جون لوك وهو من كبار الفلاسفة المدافعين عن التسامح الديني في وجه تعصب الكنيسة وتجبرها، وضع في كتابه الصغير المهم «رسالة في التسامح»، مجموعة من الضوابط، التي لا يمكن تعديها حتى يصبح التسامح قيمة إيجابية، ولا ينزلق إلى التساهل أو اللامبالاة أو حتى ما هو دون ذلك بكثير. ومن هذه الضوابط رفض الترويج لمعتقدات وأصول تهدد بتدمير المجتمع، وإشاعة الإلحاد والفوضى، وتدمير بنية الدولة وتعريض مصالحها الوطنية للخطر، والتعدي على أموال الآخرين وحرماتهم، وإبداء الولاء لحكام أجانب، ما يعني خيانة الوطن، والخيانة ليست وجهة نظر، بل جريمة بشعة، لا يجب التساهل أبداً في عقاب مقترفيها.

وأقر الإسلام في نصه ثقافة التسامح بتأكيده على مبادئ الإخاء الإنساني، والاعتراف بالآخر واحترامه، والمساواة بين الناس جميعاً، والعدل في التعامل مع الناس بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية واللسانية، وإقرار الحرية المنظمة. وهناك عشرات الآيات القرآنية التي ترسخ هذه المبادئ. أما على مستوى الفلسفة الإسلامية، فربما يكون الكِندي من أكثر من أقروا ثقافة التسامح حين دعا إلى خمسة منطلقات هي: ضرورة البحث عن الحقيقة لذاتها، وعدم إحاطة رجل واحد بالحقيقة بل قد لا يحيط بها الجميع، وتعرض الكل للخطأ، كما أن الوصول إلى الحقيقة يتطلب مشاركة الناس جميعاً، وأن التسامح ضرورة من أجل تحصيل التقدم. لكن كثيراً من الممارسات التي قام بها أغلب حكام المسلمين، ومن تحلق حولهم من الولاة والأتباع، افتقدت إلى روح التسامح، وخالفت الكثير مما جاء في النص القرآني الكريم.

واختلف مفهوم التسامح في الماضي عما هو عليه الآن. فمن قبل اكتسى هذا المفهوم بطابع أبوي، ولم يكن ناجماً عن تطبيق مبدأ أو فكرة عظيمة وعميقة إنما مجرد سلوك فاضل، ما يعني أن هناك طرفاً لديه اليد الطولى على طرف آخر، وأنه يتسامح معه من قبيل العطف والشفقة أو فعل الخير. من هنا تبدو فكرة التسامح مرتبطة بالتعالي والازدراء بل والطغيان، إذ إننا حين نقول لشخص إننا نتسامح مع ما يفكر فيه، فهذا معناه أن تفكيره لا قيمة له، لكننا سنغض الطرف عن ذلك من قبيل المجاملة. أما اليوم فتغيرت النظرة إلى المفهوم منذ أن ارتبط بشعار «الحرية والمساواة والإخاء» الذي رفعته الثورة الفرنسية، حيث تخلى عن الطابع الأبوي، وأصبح يقوم على «الحق» الذي لا تفريط فيه، ويرتبط بالمواطنة، التي تعني عدم التمييز بين الناس على خلفيات تتعلق بالدين والمذهب والعرق واللغة والوضع الطبقي، ولا يرتبط بالمزاج الشخصي ويجعل منه أساساً لإقرار التسامح وكفالته.

وفي دورته الثامنة والعشرين التي استضافتها باريس في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1995 اعتمد المؤتمر العام لمنظمة ال «يونيسكو» تعريفاً شاملاً للتسامح يرى فيه ما يلي:

1 - التسامح هو الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا، ولأشكال التعبير، وللصفات الإنسانية لدينا. ويتعزز هذا التسامح بالمعرفة والانفتاح والاتصال، وحرية الفكر والضمير والمعتقد. وإنه الوئام في سياق الاختلاف، وهو ليس واجباً أخلاقياً فحسب، إنما هو واجب سياسي وقانوني أيضاً. والتسامح هو الفضيلة التي تيسر قيام السلام، يسهم في إحلال ثقافة السلام محل ثقافة الحرب.

2 - لا يعني التسامح المساواة أو التنازل أو التساهل، بل هو قبل كل شيء اتخاذ موقف إيجابي فيه إقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته المعترف بها عالمياً. ولا يجوز بأي حال الاحتجاج بالتسامح لتبرير القيام بهذه القيم الأساسية. والتسامح هو ممارسة يجب أن يأخذ بها الأفراد والجماعات والدول.

3 - إن التسامح مسؤولية تُشكل عماد حقوق الإنسان والتعددية، بما في ذلك التعددية الثقافية، والديموقراطية وحكم القانون، وهو ينطوي على نبذ الدوغماتية والاستبدادية، ويثبت المعايير التي تنص عليها الصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.

4 - لا تتعارض ممارسة التسامح مع احترام حقوق الإنسان، ولذلك فهي لا تعني تقبل الظلم الاجتماعي أو تخلي الفرد عن معتقداته أو التهاون بشأنها، بل تعني أن المرء حرّ في التمسك بمعتقداته، وأنه يقبل أن يتمسك الآخرون بمعتقداتهم. والتسامح يعني الإقرار بأن البشر المختلفين بطبعهم وفي مظهرهم وأوضاعهم ولغاتهم وسلوكهم وقيمهم، لهم الحق في العيش بسلام، وفي أن يطابق مظهرهم مخبرهم، وهو يعني أيضاً أن آراء الفرد لا ينبغي أن تفرض على الغير.

وعلى رغم الإيجابية التي ينطوي عليها مصطلح «التسامح» فإن الناقد الإيطالي أمبرتو إيكو له فيه رأي سلبي لافت حيث يقول في معرض تقديمه لكتاب ياكوبوتشي: «هو مصطلح مبهم، وهو بإيحاز، مصطلح لا متسامح، حيث إنه يفترض بالفعل، وفقاً لرافضيه، بأنه يمكن لنا الاعتقاد بأن شخصاً ما غير مقبول بشكل أساسي، أو أنه أدنى منا مرتبة، ولذا فمن الأفضل تحاشيه، بيد أننا نتسامح معه من باب الأدب، أو إيثاراً لمبدأ السلامة». لكن إيكو يمقت العنصرية البدائية أو«اللاتسامح الحيواني» الذي يُعزى إلى أسباب بيولوجية، ويراه الأخطر بين ألوان التعصب قاطبة. إذ يمكن مواجهة «العنصرية العلمية» بإبداء الحجج العقلية المقنعة.

ويعود جانب كبير من اللاتسامح في رأي ياكوبوتشي إلى غريزة العنف لدى الإنسان، التي بدأت معه منذ بدء الخليقة، وهو عنف ذو طابع فلسفي وأخلاقي يتصل بالطبيعة البشرية، وبقدر الإنسان على الأرض، لكنه من الناحية العملية يأتي في صيغة مأزق سياسي في الغالب الأعم، وهو يتوزع على أربعة اتجاهات، تتعلق باللاتسامح الديني، المرتبط باليقين المطلق في تصور حقيقة تأتي من الله تعالى، واللاتسامح الثقافي وهو اليقين المطلق لحقيقة واحدة تنحدر من الآباء، واللاتسامح السياسي وهو اليقين المطلق لحقيقة واحدة تأتي من عند الرئيس، وأخيراً اللاتسامح الأيديولوجي وهو اليقين المطلق أيضاً لكن لحقيقة تأتي من العقل.

وينطلق ياكوبوتشي من هذا ليتتبع استمرار قيم اللاتسامح وأعراضه في الأديان والمذاهب والفلسفات والممارسات البشرية، في مشارق الأرض ومغاربها. وهو بحث عريض ومطول وعميق يصفه هو قائلاً: «بحثي هذا لا يسعى وراء عرض صنائع السوء، والنفس السوداء لهذا الدين أو ذاك، أو لأيديولوجية أو لأخرى، أو لعرق أو لآخر، أو لحركة سياسية أو لأخرى، بل إنه يسعى للتأكيد على أننا كلما مددنا أعيننا في الزمان والمكان، أدركنا أنه لا يوجد بشر أو شعوب، فقط من حيث الجوهر، أخيار أو أشرار، وأنه لا توجد عقائد أو أيديولوجيات حسنة تماماً أو سيئة تماماً، بل يوجد فقط أناس على قناعة راسخة بأن بعض الأفكار تمثل الخير المطلق، والأفكار المعارضة تمثل الشر...».

ويعود اللاتسامح الذي تنتجه الممارسات الدينية المجافية لمقاصد الأديان وغاياتها، في نظر ياكوبوتشي إلى ثلاثة أسباب رئيسة، أولها: تسييس الدين، وهو بدأ في اتحاد مهام الحاكم والكاهن في شخص واحد أو التحالف بينهما، الذي استمر قروناً عانت فيها شعوب الغرب من تبادل المنافع بين السلطتين الكنسية والزمنية، وتسخير مختلف السلطات للدين بتحويله إلى أيديولوجيا واستغلاله في كسب الشرعية، والتلاعب بالجماهير، ورفع الغطاء عن المعارضين باتهامهم بالرفض أو الهرطقة أو الردة. وثانيها: هو قيام بعض رجال الدين في المسيحية واليهودية، بالحيلولة دون العلاقة المباشرة بين الإنسان وربه، عبر الكهنوت. وقيام بعض علماء الدين ورموزه في الإسلام بمحاولة لعب الدور نفسه. أما السبب الثالث، فهو قيام أتباع كل دين برفض «الأغيار» أو أتباع الديانات الأخرى، فاليهودية رفضت المسيحية، والأخيرة ترفض الإسلام، والأخير لا يرفض الاثنين لكنه يعتمد مساراً معيناً لهما، انطوى عليها القرآن الكريم، الذي يقول: «لا نفرق بين أحد من رسله».

كما أن أتباع الديانات السماوية الثلاث يرفضون الأديان والمذاهب الوضعية، ويطلقون على أتباعها اسم «الوثنيين». وقد بلغ هذا الرفض ذروته في مصر القديمة، حيث تم هدم معابد المعرفة الكلاسيكية، وتحويلها عنوة إلى كنائس، علاوة على قتل العلماء والفلاسفة، وفي مقدمتهم هياباتيا. وهنا يقول ياكوبوتشي: «بداية من عام 609 م، ومع تكريس البانثيون في روما أثناء بابوية بونيفاتشو الرابع بدأ افتتاح كنائس عديدة فوق المعابد، كنيسة تلو أخرى». ثم يسرد موجات أخرى من التعصب باسم المسيحية، مثل الصراع بين المسيحيين أنفسهم حول الثوابت العقدية، وموضوعات الهرطقة الكبرى، ثم حرب الفرنجة التي رفعت شعار «الصليب»، وبعدها محاكم التفتيش في القرون الوسطى، والتي تعد أكثر النقاط سواداً في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، وتلاها مطاردة الساحرات، ثم ظهور البروتسانتية التي أدت إلى أن تصير أوروبا مسرحاً لحرب دينية طويلة، أظهر فيها الطرفان أدلة متساوية على البشاعة والغلظة، لم تنته الفصل الأكثر دموية فيها إلا مع صلح وستقاليا عام 1648 الذي أنشأ مجتمعاً دولياً جديداً يقوم على أساس الدولة القومية.

لكن قيام الدولة القومية وانتشار التحديث والحداثة لم يقضيا على الأصولية المسيحية، التي ولدت في الولايات المتحدة، وظلت تترعرع فيها حتى أوصلت أحد رجالها وهو جورج بوش إلى سدة السلطة، والذي سعى إلى تنفيذ أكثر أطروحات الإنجليين تعصباً، باحتلال العراق وأفغانستان، لتعبيد الطريق أمام الحرب الأخيرة التي تشهد عودة المسيح، كما يعتقد هؤلاء. وجاءت الأصولية الإسلامية لتجنح بعيداً عن تعاليم الإسلام التي تحض على الرحمة، وتؤمن بحرية الاعتقاد، وتمنع الواسطة بين الإنسان وخالقه. وأخذت هذه الأصولية، لاسيما في شقها السياسي، تنتج خطاباً معادياً للآخر، سواء من بين المسلمين الآخرين، الذين يشكلون التيار العريض والعام من بين شعوب العالم الإسلامي، أو أتباع الجماعات والتنظيمات الإسلامية الأخرى، دعوية كانت أم مسيسة، أو أتباع الديانات الأخرى.

أما التعصب المبني على الثقافة، فيتعلق بالإجابة على تساؤلات محورية من قبيل: كيف يمكن قتل شخص ما لمجرد أنه مختلف عنا؟ وما هو الشيء الذي يعطي كلمة ثقافة القوة نفسها التي يتصف بها التعصب الديني؟ ويدور حول اتجاهين رئيسيين أولها يطرحه عالم الأنثربولوجيا جيمس لوفلوك ويرى أن الإنسان سفاحاً بطبعه، وأن غريزة الصراع ولدت معه وتظل مدفونة في جيناته الوراثية. وثانيها يبديه جان جاك روسو الذي ينظر إلى الإنسان بوصفه «المفترس الطيب» الذي صار عنيفاً بالتدريج بسبب تأثير المجتمع.

وينحصر اللاتسامح الثقافي في متقابلات ومفاهيم وتصوات من قبيل الأنا والآخر، والرغبات المتعاظمة في إثبات الذات، والدفاع الأعمى عن الهوية، والتمركز حول الجماعة، والتخوف من الأيديولوجيات المضادة، مثل الهواجس المتبادلة التي كانت بين الشيوعية والرأسمالية، والتي طالما صبت مزيداً من الزيت على نيران صراعات عديدة في العالم، ثم فكرة صدام الحضارات التي صاغها صمويل هنتنجتون ليبرر بها سياسات المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأميركية.

وهناك أيضاً فكرة «خلق العدو» أو تفصيله على المقاس، المتوارثة منذ قديم الزمان. فالإغريق الأقدمون تحدثوا عن التهديد الفارسي، والرومان تكلموا عن خطر أهل قرطاجنة، وتناول الأوروبيون في زمن نهضتهم أحاديث مسهبة عن العدو التركي، ثم شهدنا الخطر الأصفر، ومن بعده الأحمر، وأخيراً «الخطر الإسلامي»، الذي لم يقتصر على تبشيع تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات السياسية المتطرفة ذات الإسناد الإسلامي، بل امتد إلى غيرهم من المسلمين.

ويأتي اللاتسامح العرقي ليريق دماء غزيرة في تاريخ الإنسانية، بدءاً بما جرى للهنود الحمر لدى اكتشاف أميركا في 1492 على أيدي الإنكليز والفرنسيين والأسبان والبرتغاليين، وانتهاء بما وقع للمسلمين في البوسنة والهرسك على أيدي الصرب، مروراً بالصراعات العديدة في القارة الأفريقية مثل ما جرى لليهود على يد النازي، وما وقع بين الهوتو والتوتسي في رواندا وبورندي، وما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين.

وإذا أمعنا النظر في الجانب الثالث المتعلق باللاتسامح المستمد من اليقين العقلي، فنجد أنه على الرغم من أن العقل يبدو للوهلة الأولى مناصراً للحوار ومرادفاً للحكمة والاعتدال والانفتاح ومؤمناً بالشك الذي هو توأم التسامح، فإنه لا يخلو من إنتاج التعصب. ويظهر هذا في لا تسامح الأنظمة الشمولية المستمدة من الإيديولوجيات مع ادعاء العقلية أو حتى العلمية، ولا تسامح العنصرية التي تتوهم أن لون البشرة أو شكل الجمجمة هو سر التميز أو الانحطاط، وتسعى إلى البرهنة على ذلك بقياسات علمية مزعومة، ترمي بها إلى التحايل على مبدأ المساواة، والاستمرار في عمليات التمييز والقهر. وفي ظل هذا يقوم بعض الأيديولوجيين والسياسيين بالضغط على علماء لتوفير معطيات حسب الطلب تخدم الرؤى والمسالك التمييزية، وقد يحدث العكس حين يشعر الأيديولوجيون والسياسيون بالرعب من تبعات الاضطهاد العنصري، ويلجؤون إلى العلماء ليوفروا أدلة على المساواة بين البشر.

أما اللاتسامح السياسي فتنتجه الأنظمة المستبدة والشمولية، التي يميز بعضها بين المواطنين على أساس النوع أو العرق أو الدين أو اللغة أو الجهة أو اللون، ويقوم بعضها بممارسة أقصى وأقسى درجات التعصب ضد قطاعات من الجماهير باستبعادها وتهميشها. ولا يبدو أن هناك من سبيل لإنهاء اللاتسامح السياسي سوى التعمق في الديموقراطية، على مستوى المفاهيم والتطبيقات، لأن الديموقراطية، مثل التسامح، هي وسيلة وحل وسط لتحقيق أقصى خير ممكن لأكبر عدد ممكن من الناس، من زاوية احترامها للمختلفين في الرأي والموقف.

وما ورد في الكتاب يجعلنا نقول بصراحة ووضوح جليين إن ترسيخ قيمة «التسامح» باتت ضرورة في العالم العربي، الذي يواجه استراتيجيات «الفوضى الخلاقة» وتتعرض بعض بلدانه للتجزئة والتقسيم جراء التعصب المذهبي والعرقي واللغوي، ويستشري العنف الاجتماعي في بعض أقطاره حتى صار مرضاً مزمناً. كما أنه ضروري لنزع الأوهام والحمولات الزائفة والافتراءات التي لصقتها قوى معينة في الغرب بالإسلام، إما لوقف تمدده في القارة الأوروبية، أو لتبرير الموجة الجديدة من الاستعمار. لكن في المقابل فإن العرب بحجة ماسة إلى التخلص من أي مسرب ولو ضيق يودي بهم إلى الوقوع في «التساهل»، الذي طالما أضاع حقوقهم ابتداء من «سايكس بيكو» وحتى «أوسلو»، ولا يبدو في الأفق طريق لاستردادها إلا بالإيمان القاطع والجازم بأن التفريط بدعوى «التسامح» و«قبول الآخر» فكراً وجسداً وقوة، رذيلة يجب أن تدفن إلى الأبد، وأن «التطبيع» مع العدو الصهيوني هو أقصى درجات هذا التفريط.

* كاتب مصري

================================

من يبدأ حرب الصواريخ: إسرائيل أم إيران؟

السبت, 20 فبراير 2010

سليم نصار *

الحياة

«اريدكم ايها الرفاق ان تتصوروا العالم من دون ادولف هتلر في حال نجحت عمليات الاغتيال التي قام بها عملاء بريطانيون عامي 1938 و 1939. وقد توقفت بسبب حملات المعارضين الذين احتجوا على هذا الاسلوب غير الحضاري وغير الديموقراطي. ولكنني اذكّر بأن وقف تلك العمليات كلف العالم ملايين القتلى بينهم ستة ملايين يهودي».

بعض المعلقين في اسرائيل نشر هذه الفقرة من الخطاب الذي ألقاه وزير الزراعة في حكومة مناحيم بيغن، ارييل شارون عندما ايد قرار رئيس الحكومة بضرورة تسديد ضربة وقائية استباقية لمفاعل «تموز» العراقي (1981). بينما قارن البعض الآخر بين الرئيسين صدام حسين ومحمود احمدي نجاد، معتبراً ان السلاح النووي في يدي اي منهما سيرعب زعماء المنطقة ويجعلهم رهائن تبحث عن منقذ.

ولم تكن هذه المقارنة سوى ذريعة تحريض تهدف الى تبرير عملية ضرب المفاعل النووي الايراني، مثلما حرض شارون سابقاً على ضرب مفاعل «تموز» العراقي قبل سنة تقريباً من موعد صنع القنبلة.

واستند المحللون والمحرضون الى تصاريح احمدي نجاد الداعية الى ضرورة تصحيح الاخطاء التاريخية التي زرعت دولة صهيونية وسط محيط لن يقبلها.

وكان الرئيس الايراني قد دافع عن اقتراحه أمام الجمعية العامة بالقول انه لا يطالب بتدمير اسرائيل، بل بإيجاد وطن في اوروبا لشعب اضطهده الالمان الاوروبيون وليس عرب فلسطين. فالظلم، بحسب رأيه، لا يعالج باقتراف ظلم آخر نحو شعب مسالم بريء. وهو يرى ان الدول المستفيدة من إبعاد اليهود عن اراضيها، قد حرفت اقواله من اجل غايات مبيتة، وجعلت من مسألة بناء مفاعل للأغراض السلمية، قضية سياسية جديدة تلهي بها المجتمع الدولي. علماً ان واشنطن هي التي شجعت الشاه على بناء مفاعل بوشهر عندما اختاره هنري كيسنجر حارساً لآبار نفط الخليج.

في احتفالات عيد الثورة الايرانية، اعلن الرئيس احمدي نجاد ان بلاده بدأت انتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة. كذلك صرح وزير الدفاع احمد وحيدي، بأن طهران على وشك صنع صواريخ اعتراض تساوي السلاح الروسي ارض – جو «اس – 300» قوة وفاعلية. واعتبر هذا التصريح بمثابة رد غير مباشر على موسكو التي رفضت تزويد ايران هذا السلاح. وقد اتخذ الكرملين هذا القرار قبل زيارة نتانياهو لروسيا، وقبل الوعد الذي اعطاه الرئيس ديمتري مدفيديف بأنه لن يزود اعداء اسرائيل بالسلاح الروسي. والسبب ان بوتين تلكأ في اتخاذ قرار نهائي في هذا الشأن خوفاً من خسارة الارباح التي تجنيها روسيا من ايران ثمناً لصفقات ضخمة من الاسلحة.

ولما تم التعويض عن ذلك بشراء اجهزة دفاع جوي بمبلغ بليوني دولار دفعتها دولة خليجية، تبدلت لهجة المسؤولين الروس. وقال بوتين لنتانياهو انه لا يؤمن بجدوى العقوبات المشددة في مجال مشتقات النفط، لأن الضرر سيلحق بالشعب الايراني وليس بالنظام. ومع انه وعد بعدم تسليم طهران صورايخ «اس – 300»، الا انه اعترف بمواصلة بيعها اسلحة دفاعية. وهنا يختلف الخبراء العسكريون حول الفرق بين مهمات الاسلحة الدفاعية والهجومية.

المهم في الامر ان الادارة الاميركية تعمل بالتنسيق مع قادة الحلف الاطلسي، على بلورة مشروع قرار عقوبات اقتصادية في حال رفضت طهران التجاوب مع مطالب الاسرة الدولية في شأن السلاح النووي. وقد استبقوا هذا الامر بنشر منظومة دفاعية متطورة في منطقة الخليج، مضادة للصواريخ الباليستية التي تملكها ايران. كذلك نشر الاميركيون وسائلهم الموزعة فوق الاراضي الاسرائيلية.

وقد قام الشهر الماضي بتفقد هذه الوسائل نائب قائد القطاع الاوروبي في الجيش الاميركي الجنرال جون غاردنر. وحرص اثناء جولته في اسرائيل على زيارة عناصره التي تشرف على تفعيل الرادار المسمى «العيون الزرق». وهو اسم مشفر اطلق على منظومة الرادارات التي نصبها الاميركيون فوق جبل الكرمل. وتتولى هذه «العيون» مهمة مراقبة الجنوب اللبناني، اضافة الى العمق الايراني، على ان تتولى الاقمار الاصطناعية عملية نقل الانذار عند اطلاق الصواريخ الباليستية باتجاه اسرائيل. ومعلوم ان هذه المنظومة نصبت بأمر من الرئيس جورج بوش قبل انتهاء ولايته.

الديبلوماسية الاميركية تنشط خلال هذه الايام، من اجل تليين موقف «الجوزة الصلبة» الممثلة بالصين. وتقول بكين ان من الافضل اعطاء طهران فرصة اضافية قبل فرض الحصار الاقتصادي – العسكري. وهي متضايقة من استفزازات الادارة الاميركية التي بدأت بتسليح تايوان وانتهت باستقبال الدالاي لاما في البيت الابيض.

وربما توقعت ان تطلب وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون من السعودية التدخل مع بكين على اعتبار ان وارداتها النفطية للصين تصل الى 20,5 بليون دولار، اي اكثر من ايران (11,3) وأنغولا (10,8). ولكن هذا الطلب لم يعرض بخلاف ما اشار اليه المعلق لاكلان كارمايكل في صحيفة «الصن».

وفي انتظار الجواب النهائي الذي تعدّه الصين، باشرت الولايات المتحدة تعزيز دفاعات الخليج لمواجهة اي هجمات صاروخية محتملة عبر نشر بوارج وصواريخ اعتراضية في اربع دول هي: قطر والإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين.

وفي واشنطن بدأت الادارة تسريب اسماء بعض الشركات التي يملكها اشخاص من «حرس الثورة». وادعت ان بوارج «ايجاكس» المزودة صواريخ «اس ايه – 3» ستقوم بتفتيش كل البواخر المارة في الخليج، وذلك بعد انقضاء المهلة النهائية المحددة بآخر ايار (مايو) المقبل.

وقد ردت طهران على هذه التهديدات، بنشر سفن حربية في منطقتي باب المندب ومضيق هرمز. ومعروف ان منطقة باب المندب تربط خليج عدن بالبحر الاحمر حيث الممر الوحيد لأكثر من 35 في المئة من التجارة العالمية. وبما ان قراصنة الصومال وقوات الحوثيين قد حاولت فرض سلطتها على مضيق باب المندب، لذلك ازدادت وسائل الحماية بواسطة السفن الحربية التابعة لحلف شمال الاطلسي.

ويبدو ان ايران فضلت نقل المعركة الى مضيق هرمز بدليل ان الجنرال يحيى صفوي اعلن مطلع هذا الاسبوع ان بلاده مستعدة لاغلاق المضيق في حال تعرضها لهجوم من الخارج. وعلق وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل على هذا التصريح بالقول انه يأمل ألا يكون ما قاله مستشار مرشد الجمهورية الاسلامية صحيحاً. «ذلك ان مضيق هرمز لا يخص دولة معينة، وانما هو موقع يخدم مصالح كل شعوب المنطقة. وإقفاله يعرض السلم والامن الدوليين لاخطار يصعب تقدير نتائجها».

يوم الاثنين الماضي انضمت روسيا الى الولايات المتحدة وفرنسا في حض ايران على وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة. وقد كلف وزير خارجية تركيا احمد داود اوغلو بدور الوساطة مع طهران لعله يقنعها بتعديل برنامجها النووي. ولكن الرئيس احمدي نجاد كرر موقفه الداعي الى مواصلة التخصيب، مؤكداً ان المرحلة لا تفرض عليه مجاملة احد. ومثل هذا الرد المتشدد يوحي بأمرين: اما ان النظام الايراني ألغى اعتماده على الملالي من امثال محمد خاتمي، واختار «الباسيج» وأنظمة الامن بدلاً من الشارع... وإما ان الرئيس نجاد يعرف بواسطة سفرائه، ان ضجيج الاستعدادات العسكرية ليس اكثر من معارك تضليل وتخويف لعله يتراجع عن موقفه. وربما اعانه على اتخاذ قرار الرفض تقرير صادر عن الاستخبارات المركزية الاميركية نشرته «يديعوت احرونوت» وفيه يطمئن اوباما الى ان عام 2010 لن يشهد انتاج قنبلة نووية ايرانية، وأن موعد الانتاج يبدأ منتصف 2011. ومعنى هذا ان لدى اسرائيل الوقت الكافي للانتقال من حرب الديبلوماسية الى حرب فعلية.

ولكن هل يعني اطمئنان ايران الى سلامتها وأمن نظامها، ان الحرب بالوكالة لن تنفجر في حال فرض عليها الحصار الاقتصادي براً وبحراً وجواً؟

الجواب لدى الرئيس نجاد الذي اتصل الاسبوع الماضي – اي قبل وصول الوفود الاميركية الى دمشق – بالرئيس بشار الاسد، داعياً اياه للمشاركة في الحرب اذا اعتدت اسرائيل على ايران. وقال له ايضاً: «لدينا معلومات موثوقة بأن النظام الصهيوني يبحث عن طريقة للتعويض عن هزائمه المخزية امام ابناء غزة ومقاتلي «حزب الله». وفي حال كرر اخطاءه وبدأ عملية عسكرية يجب التصدي له بكل قوة بحيث يشهد العالم نهايته الى الابد».

دمشق كعادتها آثرت الصمت، وتركت امين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله، يتولى امر الرد على تهديد اسرائيل بقصف البنى التحتية اللبنانية.

وفي خطابه يوم الثلثاء الماضي هدد السيد نصرالله بقصف كل بناها التحتية، بدءاً بقطاع الكهرباء... مروراً بمطار بن غوريون... وانتهاء بالشريط السكاني الواقع بين حيفا وتل أبيب.

يقول المراقبون الدوليون في جنوب لبنان ان القيادة العسكرية الاسرائيلية مترددة في اتخاذ قرارات متهورة مثلما يفعل نتانياهو، ذلك انها رصدت طوال الاشهر الستة الماضية عمليات تخزين اكثر من ثلاثين الف صاروخ موزعة على 300 مخزن في 160 قرية.

هذا، بالاضافة الى الصواريخ التي نقلها القيادي في «حماس» محمود المبحوح، الى قطاع غزة. وحول هذا الاحتمال الطاغي، يقول الجنرال جيمس جونز، ان سماء المنطقة ستضاء بأنوار الصواريخ، خصوصاً ان الحروب الكبيرة لم تعد مسموحة، الامر الذي يستعاض عنه بافتعال الحروب الصغيرة.

* كاتب وصحافي لبناني

================================

إستراتيجية ماكريستال في افغانستان

الخليج

آخر تحديث:السبت ,20/02/2010

روبرت نايمان

قبل أن يشن الجيش الأمريكي هجومه الأخير على مدينة مرجة (جنوب أفغانستان)، قال مسؤولون أمريكيون إن “سقوط ضحايا مدنيين سيكون أمراً حتمياً” وفي الأسبوع الفائت ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن صاروخاً أمريكياً دمر مجمعاً سكنياً مليئاً بالمدنيين الأفغان، وقالت الصحيفة ان عشرة لقوا مصرعهم وأن خمسة أطفال كانوا ضمن القتلى .

 

إن ثمة تساؤلاً يفرض نفسه هنا، ما هي المسوغات التي تبرر بها الحكومة الأمريكية قتل المدنيين الأبرياء؟

 

سيجادل البعض بأن الحكومة الأمريكية لم تكن تعتزم قتل هؤلاء الأطفال الخمسة تحديداً، وهذا صحيح . فالحكومة الأمريكية قررت فقط قتل بعض المدنيين الأفغان، الذين وقع عليهم الاختيار عشوائياً من بين سكان مرجة المدنيين، وعندما قررت شن هجومها العسكري . كان أولئك الأطفال الخمسة، يحملون لسوء حظهم، تذاكر خاسرة في “لوتري” لم يختاروا المشاركة فيه .

 

وقبل الهجوم أصدرت الحكومة الأمريكية تعليمات لسكان مرجة كانت كالتالي: “على المدنيين الأفغان المكوث في منازلهم وإبقاء رؤوسهم منخفضة”، وقال ممثل الناتو المدني في أفغانستان كلاماً مماثلاً، إذ حث القرويين الأفغان على البقاء في منازلهم وجعل رؤوسهم في وضعية سفلية عندما يبدأ آلاف المارينز الأمريكيين هجومهم على مناطق جنوب أفغانستان .

 

وهؤلاء الأطفال الخمسة كانوا مختبئين في منازلهم، وفقاً للتعليمات . ولم ينجهم ذلك من الصواريخ الأمريكية . ربما لم يخفضوا رؤوسهم .

 

وقد علق براد آدامز مسؤول منظمة “هيومن رايتس واتش” المهتمة بحقوق الإنسان، معلقاً على ما حدث في مرجة “الجيش الأمريكي نصح المدنيين بالبقاء في منازلهم، ولذلك أصبحت منطقة مرجة مكدسة بالمدنيين أثناء الهجوم . القوات الأمريكية تتحمل مسؤولية مضاعفة عما حدث في مرجة، عليها أن تتحكم في قوتها النارية، وتتجنب التكتيكات التي تعرض حياة المدنيين للخطر”، وأضاف: “أظن أنهم يعتقدون أن لديهم القدرة على التمييز بين المدنيين والمسلحين . وأنا أشك في ذلك، لأن الجميع يعلم تاريخ أخطاء الجيش الأمريكي، عندما يتعلق الأمر بتفادي المدنيين، خاصة عندما يستخدم القوة الجوية” .

 

وقال آدامز أيضاً: “على الجيش الأمريكي الالتزام بحماية المدنيين، وتهيئة الاحتياطات المناسبة لمنع أي كارثة تلوح في الأفق، حماية المدنيين من صميم مسؤوليات الجيش الأمريكي . . وإذا ساءت أحوال المدنيين، يتحمل الجيش العواقب” .

 

وتدعي صحيفة “التايمز” أن تفادي قتل المدنيين كان دوماً حجر الزاوية في استراتيجية الجنرال ماكريستال الحربية .

 

وإذا افترضنا أن كلام صحيفة “التايمز” صحيح، فهذا يعني أن استراتيجية الجنرال ماكريستال فشلت فشلاً ذريعاً .

 

ويبدو من سياق الأحداث الحالية ان استراتيجية ماكريستال العسكرية لم تتغير عما كانت عليه في السابق، وربما تتجه نحو التصعيد، ولكن لغة الخطابة تغيرت، وتصاعد الحديث بشأن تجنب المدنيين، والهدف من التصريحات الزائفة والكلام المعسول حول استراتيجية ماكريستال الجديدة التي محورها تأمين المدنيين الأفغان، امتصاص وتهدئة الغضب الذي قد يزداد اشتعالاً عند سقوط مدنيين .

 

ماكريستال حاول تدعيم موقفه بقوله: “القضية ليست عدد الناس الذين تقتلهم، بل عدد الناس الذين تقنعهم . عدد الناس الذين لا يقتلون . عدد المنازل التي لا تهدم” .

 

وكما حدث في العراق، لا يمكن التنبؤ بما ستفعله طالبان مما يزيد احتمالات إلا يأتي التخطيط الدقيق والنوايا الحسنة بعدم إيذاء المدنيين بالنتائج المرجوة .

 

ففي العراق كانت القوات الأمريكية تستخدم أحدث التقنيات، وكان الضباط الأمريكيون يقودون أفضل المدرعات والمركبات العسكرية تجهيزاً في العالم، ومع ذلك واجهوا معارك شوارع عنيفة . وفي مرجة قد يتكرر هذا الأمر، والخاسر الأكبر في كل الأحوال هم الأهالي .

 

وما يزيد احتمالات تأجيج القتال في مرجة وهلمند، التقارير الإعلامية التي ذكرت أن المدنيين الذين فروا من تلك المناطق، يقولون إن مقاتلي طالبان لم يغادروا مواقعهم، وأنهم يستعدون لخوض معارك شرسة مع القوات الأمريكية .

 

ولا بد من الإشارة إلى أن الهجوم على مرجة، يعتبر الأول منذ أن أصدر الرئيس أوباما أوامره بنشر 30 ألف جندي إضافياً في أفغانستان في ديسمبر/ كانون الأول الماضي .

 

على أية حال، الوقت لم يفت على الولايات المتحدة، كي تعدل مسارها وأفعالها، والطريقة التي تعمل بها في أفغانستان . والأطفال الخمسة الذين قتلهم الصاروخ في مرجة، راحوا ضحايا للسياسة الأمريكية، بيد أن أطفال مرجة الباقين يمكن إنقاذهم، وتجنيبهم مصائر أقرانهم .

مدير السياسات في منظمة “جست” (Just) الأمريكية المكرسة لإصلاح السياسة الخارجية الأمريكية

================================

مكاسب سورية ومكاسب الولايات المتحدة من الانفتاح

زين الشامي

الرأي العام 20-2-2010      

لا شك أن كلا من الولايات المتحدة وسورية مستفيدتان من عودة العلاقة بينهما بعد قرار الإدارة الأميركية تعيين الديبلوماسي روبرت فورد سفيراً لها في دمشق بعد نحو خمسة أعوام من سحب السفيرة السابقة مارغريت سكوبي من العاصمة السورية في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، كذلك فإن تعيين السفير فورد يعتبر جزءاً من السياسية الأميركية الجديدة تجاه الدول «العدوة» للولايات المتحدة، وهي السياسة المتبعة منذ وصول الرئيس باراك أوباما إلى الرئاسة منذ أكثر من عام، ومن ناحية أخرى فإن هذه الخطوة ما كانت لتحصل لولا خطوات اتخذت قبلها، مثل انسحاب القوات السورية من لبنان، وفيما بعد افتتاح سفارة سورية في بيروت للمرة الأولى في تاريخ العلاقات بين البلدين.

ليس هذا فحسب، فبينما كان يجرى كل ذلك، كانت دمشق اتخذت قراراً بإعادة استئناف التعاون الأمني والاستخباراتي مع الولايات المتحدة حسب ما كشف الصحافي الأميركي سيمور هيرش في صحيفة «نيويوركر»، حين أكد أن الاستخبارات السورية استأنفت بالفعل التعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي. آي. ايه)، وجهاز الاستخبارات البريطاني (ام. آي 6). هنا يمكن القول ان هذا التعاون ربما يشكل احدى أهم الفوائد والمكاسب التي تسعى إليها إدارة الرئيس أوباما من عودة الانفتاح على دمشق في إطار هواجسها من الإرهاب، ومعرفتها بقدرة وخبرة أجهزة الأمن السورية على هذا الصعيد.

من ناحيتها دمشق تعرف أنها تملك هذه الورقة التفاوضية، وتعرف جيداً كيف توظفها في علاقاتها مع الولايات المتحدة، وبالتالي الخروج من حالة القطيعة والحصار المفروضة عليها منذ عهد الإدارة الاميريكية السابقة. أيضاً هنا يعتقد أن دمشق ستذهب بعيداً جداً في اللعب بهذه الورقة، وتطلب من الإدارة الأميركية الجديدة اتخاذ خطوات أخرى لناحية وقف العمل ببعض القرارات التي اتخذتها إدارة الرئيس جورج بوش مثل قانون محاسبة سورية.

لكن ماذا بالنسبة للولايات المتحدة، وماذا ستحقق على الصعيد السياسي في المنطقة بعد قرارها الانفتاح على دمشق، هنا يرى خبراء أن فريق الرئيس باراك أوباما لن يحقق سوى مكاسب قليلة من انهاء القطيعة مع دمشق، لأنه سيجد صعوبة، إن لم يكن استحالة، في ابعاد سورية عن حليفها الإيراني، وهذا ربما يكون أهم ما في خلفيات القرار الأميركي بالتقارب مع دمشق. صحيح أن سورية اتخذت خطوات كبيرة حين قررت الاعتراف الديبلوماسي بلبنان، وانجزت مصالحة مع السعودية، لكن ذلك لن ولم يكن على حساب علاقاتها التحالفية مع إيران، أيضاً لن يساهم القرار الأميركي بإعادة السفير في إبعاد دمشق عن طهران بقدر ما سيسمح بتوسيع خيارات دمشق الديبلوماسية، وتحقيق انفتاح أكبر على الغرب، وتوظيف ذلك خدمة لأوراقها الإقليمية. من هنا يمكن تفهم هواجس بعض الساسة اللبنانيين المعارضين لدمشق رغم كل التطمينات الأميركية لهم بأن الانفتاح على سورية لن يكون على حساب لبنان.

لكن من ناحية ثانية قد تساهم الخطوة الأميركية الجديدة في اعطاء دفع لعملية السلام في المنطقة، وإعادة احياء وتفعيل الدور الأميركي في هذه العملية بعد غياب استمر لأعوام طويلة ذلك أن سورية ورغم تعويلها وإصرارها على الدور التركي فإنها مازالت تتطلع إلى مثل هذا الدور الأميركي لأنها تدرك تماماً أن أنقرة لوحدها لا يمكن أن تفعل شيئاً لعملية السلام، ولا تملك القوة الكافية والتأثير المطلوب على إسرائيل كذلك الذي تملكه الولايات المتحدة فيما لو أرادت حقاً الوصول إلى نتائج حقيقية في المفاوضات مع إسرائيل.

أيضاً فإن من شأن تقارب سوري - أميركي أن يساهم في تحقيق استقرار أكثر على الساحة اللبنانية، ومن شأنه أيضاً أن يساعد في ضبط «حزب الله» وتطلعات إيران الإقليمية لأن طهران التي تنظر اليوم شذراً إلى مثل هذا التقارب لا يمكنها أن تشعل المنطقة، أو تقرر جرها إلى الحرب من دون دعم ومساندة وموافقة سورية.

لكن رغم ذلك فإن تحسناً جذرياً في العلاقات الأميركية - السورية لا يمكن أن يتحقق قبل تحقيق اختراق كبير وحاسم في محادثات سلام بين إسرائيل وسورية، ان ذلك سيبقى العامل الأساسي الذي من خلاله يمكن قياس قوة وتقدم تلك العلاقة، ومن خلال ذلك فقط يمكن للولايات المتحدة أن تعول على احداث مسافة كبيرة في علاقات دمشق مع طهران، لأنه من دون تقدم في عملية السلام السورية - الإسرائيلية ستبقى إيران تجد الفرصة المناسبة لإعادة كل شيء إلى مربعه الأول.

على صعيد مختلف لابد من الاعتراف بأن تحسناً في العلاقات السورية - الأميركية من شأنه أن يساعد في تحقيق استقرار سياسي أكبر في العراق، وهذا احدى خلفيات القرار الأميركي في إعادة السفير إلى دمشق رغم أن الكثير من الأصوات الجمهورية في الولايات المتحدة عارضته بشدة.

كاتب سوري

================================

محاكم التفتيش واجتثاث المعارضين

بقلم :حسين العودات

البيان20-2-2010

أنشئت محاكم التفتيش (سيئة الذكر) في بداية القرن الثالث عشر بقرار من البابا غريغوار التاسع، وحدد مهمتها بمحاكمة (الهراطقة) المخالفين لرأي الكنيسة في تفسيرها للنص الإنجيلي أو بمواقفها من القضايا الاجتماعية والعلمية والثقافية والفلسفية بل والسياسية، وأعطى البابا للسلطات المحلية حق محاكمة المخالفين أو ما سموا (الهراطقة) والحكم عليهم بمختلف أنواع العقوبات، بدءاً من التعذيب وصولاً إلى الحرق ومروراً بقطع الأعضاء من جسمهم وخاصة الألسن والأيدي.

 

وقد استمرت هذه المحاكم بتأدية مهماتها (المشؤومة) من مطلع القرن الثالث عشر حتى القرن الثامن عشر، وبعضها طاول مطلع القرن التاسع عشر في بعض مدن أوروبا.

 

كان كهنة محاكم التفتيش مغرمين بتعذيب المتهمين بمختلف أصناف التعذيب التي يمكن أن تخطر على البال بهدف إجبار المتهم على (الاعتراف) والحال أن قسماً كبيراً من المتهمين الأبرياء كانوا يعترفون من شدة التعذيب بتهم لم يرتكبوها، ثم تجري محاكمة المتهم (المعترف) محاكمة صورية، تُطلب منه التوبة ثم يحكم عليه بعدها (حتى لو تاب)، ولم يكن للأحكام ناظم أو معيار أو مرجعية أو مقياس أو قانون أو تقليد سوى رأي الكاهن القاضي، الذي كان يرتاح أكثر ويفتخر أكثر بقدر ما تتزايد أحكامه بالحرق أو قطع الأيادي والألسن، أما الحكم بالإقامة الجبرية، فقد كان مخصصاً للعلماء وعلية القوم فقط، وكان نادراً على أية حال.

 

حكم على عشرات آلاف النساء بالحرق وهن كاثوليكيات، كما تعرض للتعذيب مئات آلاف البروتستانت، ومنهم من تم حرقهم، وكذلك مئات آلاف بل ملايين المسلمين فيما بعد في نهاية القرن السادس عشر الذين إما اجتثوا (استؤصلوا) وطردوا من الأندلس إلى بلدان شمال أفريقيا أو أحرقوا، أو قطعت أيديهم وأرجلهم مع أنهم تنصروا وتعمدوا هم أو آباؤهم قبل ذلك، ولكنهم اتهموا بالتنصر الكاذب وسارت عمليات اجتثاثهم واستئصالهم وتعذيبهم إلى أبعد مدى، ولاقى عشرات الألوف من اليهود الأندلسيين ما لاقاه ملايين المسلمين.

 

لم تقتصر مهمات محاكم التفتيش على محاسبة مخالف الرأي، بل كلفت بالرقابة على الكتب وتحريم نشر وتوزيع الكتب (الضارة) بالعقول أو (الخطرة) على العقيدة، وبقي هذا القرار معمولاً به حتى عام 1965 حيث ألغاه البابا، وفي ضوء ذلك حوكم الراهب المصلح، رئيس جامعة براغ، جان هوس في مطلع القرن الخامس عشر، وحكم عليه بقطع لسانه وتعذيبه ثم حرقه، ومثل أمام هذه المحاكم العالمان (غاليلو) الذي حكم بالإقامة الجبرية واعتذر منه البابا عام 1983 بعد عدة قرون، و (كوبرنيكوس) صاحب نظرية دوران الأرض حول الشمس (الذي اضطر لعدم نشر نظريته سوى يوم وفاته بعد أن اضطرته المحاكم للتراجع عنها).

 

كان الشخص يحاكم على الشبهة أو استناداً إلى وشاية من أحد الجيران أو على نياته، وإذا لم يعترف بالتحقيق العادي يتعرض للتعذيب الوحشي، وإذا أعلن التوبة قد يحكم ويعاقب، ونادراً ما يعفى من ذنبه، وإن رفض التراجع عن آرائه يحرق، وفي الخلاصة كانت محاكم التفتيش محنة على المسيحيين الكاثوليك وعلى البروتستانت وفيما بعد على المسلمين واليهود، وقد تسببت ليس فقط في قتل وحرق عشرات الألوف، بل أيضاً أشعلت حرباً بين الكاثوليك في جنوب أوروبا والبروتستانت في وسطها وشمالها دامت مئة عام. وحرباً أخرى بين الكاثوليك والأرثوذوكس البلغار خاصة بلغ ضحاياها مئات الألوف.

 

دامت سياسة الاجتثاث (أو الاستئصال) عدة قرون، وظهرت مرة أخرى في أوروبا في النصف الأول من القرن العشرين، وخاصة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية ثم في العالم الثالث، مع إعادة تقسيم العالم القديم من قبل المستعمرين الأوروبيين وترسيم حدوده، واللعب بواقعه الاجتماعي والديني وإحياء الطائفية والعشائرية، وتفتيت الأمة الواحدة، وتنامي التطرف وهيمنة العولمة وقيمها وتقاليدها ومعاييرها.

 

حيث تم إحياء الاجتثاث والاستئصال والقمع والعنف والقتل والتعذيب ومحاكمة النيات والشبهة والاشتباه بأي كان، حتى كأن التاريخ يعيد نفسه بعد سبعة قرون، ومع أن البابوية اعتذرت عن الجرائم التي ارتكبتها محاكم التفتيش وحكامها، ووصفت أعمالها بأنها خزي وعار، إلا أن حكام المحاكم المعاصرين لا يخجلون من كونهم يمارسون أبشع الأعمال بل يفتخرون بأعمالهم هذه، ويتناسون أننا في عصر جوهره حرية الفرد وخاصة منها حرية التعبير، والديمقراطية وتداول السلطة، وفصل السلطات، وسيادة القانون، ومن قواعده (درء الحدود بالشبهات).

 

صرح المسؤول المحلي في مدينة النجف الأشرف بالعراق، أن على البعثيين أن يغادروا المدينة خلال أربع وعشرين ساعة، ثم صرح مسؤول حكومي كبير في العراق (بل عدة مسؤولين ) أن لا إمكانية لاستمرار البعثيين في المجتمع أو لعودتهم إلى السلطة منفردين أو شركاء، حتى لو انتخبهم الشعب، ومهما تكن جرائم البعثيين، ومهما يكن موقفنا منهم، فينبغي أن نقول للسادة المسؤولين (المتحمسين ) في العراق، حاكموا المتهم من البعثيين محاكمة عادلة واحكموا عليه بما يستحق، أما من لم يرتكب ذنباً فما شأنكم به وبرأيه؟ ثم أين يذهب من تجتثونه والإقامة في بلده حق له.

 

وينبغي أن تتذكروا أن المتواجد في دولة أوروبية بشكل غير قانوني، تحتاج تلك الدولة إلى القضاء (لتجتثه أو تستأصله) من بلدها مع أن إقامته غير قانونية، فكيف إذا كان ابن البلد؟

 

كان بعض رجال الكنيسة يقولون لنقتل المشبوه، فإن كان بريئاً دخل الجنة وإن كان مجرماً لقي عقابه، وقد تبنى بعض المتطرفين الإرهابيين باسم الإسلام هذه الفرضية، فهل وجدت صدى لها في العراق؟

كاتب سوري

================================

شكلة النظريات النخبوية

بقلم :فيكتور ديفيز هانسون

البيان 20-2-2010

ما الذي يقف وراء الاحتجاجات الشعبية ضد سياسات الحكومة الأميركية بشأن الضرائب والإنفاق الحكومي، انخفاض معدلات الرضى الجماهير عن الكونغرس، انعدام الثقة في وسائل الإعلام والامتعاض العام من الخبراء في إدارة أوباما. باختصار، هناك غضب جماهيري متنام حيال سلوكيات الوعظ والتعطف الصادرة عن الكثير من النخب الأمريكية.

 

نرى هذا بشكل خاص، على سبيل المثال، في المناظرات حول ارتفاع حرارة الأرض، والذي اعتبر قبل عام حقيقة دامغة لا ريب فيها. فالمكانة الرفيعة للعلماء المرموقين، والمسؤولين السابقين من أمثال آل جور وفان جونز، وإدارة أوباما، هي التي رجحت الآن سن تشريع «الخفض والمتاجرة» الذي اقترحته إدارة أوباما للحد من الانبعاثات الكربونية عن طريق الاستثمار في تطوير التكنولجيا الخضراء.

 

ولقد تم شجب المشككين باعتبارهم «منكرين» أو جاهلين. لكن فيما بعد تعرض هذا الجزم القاطع بحقيقة التغير المناخي الناتج عن أنشطة البشر لعاصفة قوية.

 

أولاً، ضعفت الثقة بالعديد من الخبراء الأكاديميين الذي كانوا يعتبرون مراجع في قضية ارتفاع حرارة الأرض، حيث كشفت رسائل إلكترونية مسربة في جامعة إيست أنجيلا البريطانية عن انتشار ممارسات التلاعب في الأدلة العلمية والثأر الشخصي والتعتيم المتعمد بين عدد من العلماء.

 

ثم بعد ذلك، اعترفت اللجنة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي انها استندت إلى معلومات مغلوطة على نحو دفعها إلى إطلاق إدعاءات مضخّمة عن خطر وقوع كوارث بيئية وشيكة تشمل جبال هيمالايا الجليدية. وتزامنت تلك الإفشاءات مع سلسلة من الحوادث غير المتصلة التي ساهمت أيضاً في تقويض منطق التغير المناخي المعوجّ المفروض علينا رغم أنوفنا.

 

وهكذا ظهر الكثير من ألمع مناصري حماية البيئة بمظهر النفاق أو الجنون. والمثير للاهتمام هنا ان آل جور، مثلاُ، كسب جزءاً كبيرا من ثروته الجديدة من تفانيه في خدمة قضية البيئة التي يفترض انه ليس له أية مصلحة شخصية فيها، ومع ذلك فإن نمط حياته يخلف انبعاثات كربونية أكثر مما يفعل معظم سكان الكوكب الآخرين.

 

وكُشف أيضاً عن ان فان جونز، مسؤول الوظائف البيئية في إدارة أوباما، كان قد وقّع على التماس «لكشف الحقيقة» يفيد بأن الحكومة الأمريكية هي التي خططت لهجمات 11 سبتمبر. وطبعاً انهارت إثر هذه الفضيحة مصداقيته، واضطر لتقديم استقالته.

 

ثم جاء عامل الطقس نفسه، الذي هبت رياحه بما بما لا تشتهي السفن. فبينما كان يتم نقل النبلاء البيئيين بالطائرات إلى كوبنهاغن المتجلدة لمناقشة ارتفاع حرارة الأرض، انهمرت على أجزاء كبيرة من الساحل الشرق بالولايات المتحدة مستويات غير مسبوقة من الثلوج ؟ في وقت يفترض فيه من الناس ان يقلقوا من ارتفاع درجات الحرارة في غير مواسم الحر.

 

وعلى أصعدة أخرى تم التشكيك أيضاً في صحة المزيد من الأفكار التقليدية الصادرة عن أشخاص يفترض أنهم خبراء. ولنأخذ مثلاً موضوع الاقتداء بنموذج الاتحاد الأوروبي.

 

بعد موجة الهلع التي ضربت الأسواق المالية الأمريكية في 2008، راح الدبلوماسيون والمفكرون الأوروبيون يلقون المواعظ الأخلاقية على مسامع الأمريكيين بشأن شرور الرأسمالية غير المكبوحة وتفوق النموذج الأوروبي. فلقد أكدت قوة اليورو واستمرار توسع الاتحاد الأوروبي للعديد من الأوروبيين بأن اشتراكيتهم الناعمة هي الطريق الوحيد للمستقبل.

 

لكن في حقيقة الأمر، فإن مسيرة الازدهار الأوروبي استفادت إلى حد كبير من الحماية المجانية التي وفرتها القوات المسلحة الأمريكية على مدى عقود. في هذه الأثناء كان البيروقراطيون الأرستقراطيون في بروكسل يتحررون بشكل متزايد من ضوابط المساءلة من قبل ناخبيهم المتشكيين في دوائرهم الانتخابية المحلية - وبدوا خائفين جداً من نتائج الاستفتاءات الشعبية العامة من الدول الأعضاء على الدستور الأوروبي. والآن العديد من الدول الأوروبية، كاليونان، إيطاليا، إسبانيا والبرتغال، تواجه انفجارات مالية ضمنية ؟

 

سببها الإنفاق الحكومي غير المستدام، ومعاشات التقاعد الخارجة عن السيطرة والتهرب الأزلي من الضرائب. اليورو يهبط بسرعة. حاملو سندات الديون الأوروبية يرتعشون خوفاً. الآن، بلدان شمال غرب أوروبا، مثل ألمانيا وفرنسا، رغم كل مشاكلها المالية، ربما تضطر للتدخل من أجل إنقاذ اليونان.

 

ومع هذا كله، فإن كثيراً من السياسات الأمريكية في 2009، بدءاً من فورة الإنفاق والاقتراض، إلى التوسع الحكومي والضرائب الجديدة المقترحة، اقتدى بالنموذج الأوروبي «المتفوق». لكن برغم كل هذه الديون الجديدة المخيفة، لا تزال معدلات البطالة هنا مرتفعة ولا يزال الاقتصاد متباطئاً.

 

كما جاءت إدارة أوباما إلى سدة الحكم مقتنعة أيضاً بنظرية أخرى تحظى بإعجاب العديد من المفكرين والمحامين وأعضاء وسائل الإعلام ؟ وهي أن ما يسمى ب «الحرب على الإرهاب» قد انحطت إلى أن أصبحت مجرد ردة فعل مبالغ بها من جانب بوش على هجمات 11 سبتمبر.

 

حتى ان جون برينان، مسؤول مكافحة الإرهاب في إدارة أوباما، انتقد بشدة مصطلحات وأساليب مكافحة الإرهاب السابقة في عهد إدارة بوش، التي عمل لديها هو نفسه.

 

الرئيس أوباما وعد بإغلاق معتقل جوانتنامو. وأصبحنا نسمع من وقت لآخر آراء تتهكم من عمليات ترحيل المعتقلين والمحاكم العسكرية والهجمات بالطائرات التي تحلق بدون طيار باعتبارها غير ضرورية او تؤدي إلى نتائج عكسية.

 

وحتى مسمى «الحرب على الإرهاب» تم إسقاطه لصالح تعبيرات أكثر لطفاً ودماثة.

 

ولقد حل مكانه مصطلحات من قبيل «مدّ يد التواصل» و«إعادة بناء العلاقات» مع العالم الإسلامي. واستلزم الأمر تفويض أشخاص على درجة عالية من التعليم والثقافة لكي يشرحوا لنا، عن الأخطار الحقيقية التي تكمن في جوانتانامو وتعذيب بضعة محتجزين إرهابيين بالماء وليس في الحاجة لاحتجاز الإرهابيين الحقيقيين والتحقيق معهم.

 

والآن بعد القتل الجماعي في قاعدة فورت هوود، محاولة تفجير الطائرة في عيد الميلاد، السخط الجماهيري على اقتراح إقامة محاكمة مدنية في نيويورك للعقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر، رفض يد التواصل الأمريكية من قبل إيران التي ستصبح قريباً نووية، بعد هذا كله، هناك أسباب أقل من أي وقت مضى للقبول بالنهج العلاجي للتعامل مع الإرهاب الإسلامي الراديكالي.

هناك في البلد الآن غضب غير مركز لكنه متعاظم ؟ ولا ينبغي ان يكون هذا مفاجئاً لأحد. فلا أحد يحب الاستماع إلى العظات ممن يزعمون التفوق في الأخلاق والحكمة مع انهم على الأغلب يفتقرون للفطرة السليمة بشأن كل شيء، من الإنفاق الحكومي الخارج عن السيطرة والتنبؤ بالطقس إلى التعامل مع الأعداء الذي يحاولون قتلنا.

أستاذ الدراسات الكلاسيكية والتاريخية في جامعة ستانفورد

================================

العلمانية الممنوعة في سورية

عمّار ديّوب

20/02/2010

القدس العربي

تصنف سورية بلداً علمانياً، فالإرث العلماني من أحزاب شيوعية وقومية عربية وسورية والمثقفين التقدميين الذين يشغلون الثقافة العامة، عدا عن دور المرأة المييز تاريخياً في سورية، حتى شكل التديّن تجده شعبياً أكثر مما هو سياسي، كلها ظاهرات تقول لك، أنت في بلد علماني.

ونحن إذ نؤكّد ذلك، فإنّنا بالمقابل نشهد تراجعاً وارتدادات دينية لا تخطأها العين، حيث الانقسام الأفقي الطائفي والمذهبي يتصاعد، والكل يمايزون أنفسهم مذهبياً، إذا استثنينا تجمعات علمانية بالفعل، وتطورات حداثية عامة تستدعي العلمنة. هذه الوضعية، تفترض تعزيز مواقع العلمانية فكراً وسياسةً ودستوراً وقوانين، وبالتالي لماذا منعت سورية مؤتمر العلمانية من الانعقاد مع أنّها سمحت للمؤتمر الأول في 2007 بالانعقاد، ما الذي تغيّر، ما الحساسيات التي يثيرها، ما القضايا التي تخشاها سورية، أم أن الأمر متعلق بسوء في الصلاحيات الممنوحة للرقيب، وبكل الأحوال، ليس جائزاً الأمر برمته، وربما كان يجب تأمين المؤتمر على حساب الحكومة السورية.

عناوين محاضرات المؤتمر'العلمانية في المشرق: رهن بإنجاز سلطوي أم مجتمعي؟ تركيا نموذجا'، و'هل الدولة الدينية مطلب شعبي، والدولة العلمانية إلزام نخبوي؟'، و'مدى قبول الشعوب والمجتمعات المسلمة للمعيش العلماني' ، لا تخرج عما هو متعارف عليه ومسموح به في سورية، ونجد في الكتب المرصوفة في الشوارع أو خلف زجاج المكتبات شبيها بها، ولنفس الباحثين، فلماذا المنع، ولن نتكلم عن تأخر الإخبار بالمنع، وما يجره من مشكلات على المثقفين من خارج البلاد أو من داخلها، وما يعود عليها من سمعةٍ سيئة.

العلمانية في رؤية المشاركين، مسألة فكرية، ولا تُطرح من زاوية السلطة أو السياسة بمعناها المباشر كما يطرحها أيديولوجي السياسة، وهذا ما يؤصلها بالفعل، ويسمح لها بالتجذر بدلاً من ربطها بإشكالية الديمقراطية؛ ففي التاريخ ليس من رابط بينهما بالأصل، ولكن الديمقراطية جزء من مشروع الحداثة بالتأكيد، وعدم التلازم لا ينسف أهمية وجود العلمانية  وقد يشير لانتقاصٍ فيها  ولا تحلّ محلها بحال من الأحوال، وبالتالي، العلمانية لا تعيش وتتحوّل إلى واقع، بدون دعاة لها، وتتطلب فصل الدين عن الدولة، وحريات عامة في المجتمعات. في رؤية القائمين على المؤتمر، العلمانية تطرح في مواجهة الارتدادات الدينية التي يشهدها عالمنا العربي، وهي ضرورة من أجل البدء بمشروع الحداثة العربية من جديد، ومطروحة للدراسة والبحث، أي من زاوية الفكر والتنظير والنقاش، أولاً.

لن يجدَ المحلل لأسباب المنع، حججاً ذات معنى، فسورية دولة كما نعلم، والدولة تسيّر بقوانين ومؤسسات، والقائمين عليها يمارسون وظائفهم وفق ذلك، فهل في القانون السوري ما يمنع من عقد مؤتمر فكري، سيما وأن سورية شهدت في السنوات الأخيرة كثيرا من الأسابيع الثقافية في الجامعات وغيرها، وحتى المؤتمر الأول للعلمانية يدعم وجهة نظرنا، فما الذي حدث؟ فهل يكون السبب متعلقا بدور ما قام به رجال الدين لمنع هكذا مؤتمر؟ قد نعدد كثيرا من الأسباب، ولكنها لن تكون ذات فائدة في تفسير المنع!

ولو كان المنع سياسةً، ألم يكن الأجدر منع الظواهر الدينية التي تأخذ صفة الندوات والمؤتمرات والحركات الدينية النسائية وغيرها؛ فهذا ما يشوه الدين الشعبي المتوارث، ويخلق التمييز بين أفراد الدولة، ويشغل بال السوريين في قضايا بعيدة عن روح العصر، خاصة حين يتم إعطاء تفسير ديني لقضايا علمية، وهو أمر شائع، وهناك الإذاعات التي تبشر ليل نهار بالرؤية الدينية وتقدمها وكأنها الرؤية الوحيدة السليمة والصحيحة لكل مسألة صغيرة أكانت أم كبيرة، ولا تعمد إلى الفصل بين الشأن الديني الروحي والخاص، والشأن العام، الذي يتطلب من أي إنسان إرسال دعوات دينية تنطلق من المساواة بين الأديان والمذاهب والجنس، بدلاً مما تبثه من تمايزات ماهوية دينية ومذهبية تفاضل دين ومذهب ما على بقية الأديان والمذاهب الأخرى، وهي بذلك لا تنذر سوى بعقلية وسياسة الكانتونات وتدمير بذور الحاضر والماضي والمستقبل بمعناها الإنساني والجامع للكل الوطني.

لديّ فكرة محيرة، وهي أن سورية تضع لنفسها آليات ليبرالية للتغيير نحو دولة رأسمالية، وفي هذه لا بد للدولة من العلمنة، ولا يفيد تجاهلها، فالتحوّل الليبرالي يفترضها. فهل تكرّر سورية، ما بدأت به حين جربت نظاما لديه توجهات اشتراكية بدون علمانية فتتحوّل مجدداًً إلى نظام ليبرالي بدون علمانية؟

ربما لو عُقد المؤتمر، لقدمنا انتقادات عن تقديم العلمانية بطريقة جهادية، وكأنها الحل السحري لكل القضايا، والذي يخفي القول بأن فصل الدين عن الدولة سيحل كل المشكلات وهو معكوس القول بأن الدين هو الحل، والذي أيضاً بدوره يشوه الدين والدولة والوعي العام، فالعلمانية جزء أصيل في مشروع الحداثة وكل طرح لها خارج هذا السياق هو تحويل لها إلى معتقدٍ دينيٍ جديد. بمعنى آخر، لا معنى للعلمانية في مجتمعات لم تطأها الحداثة بمعناها الصناعي أو العلمي أو السياسي، وبالتالي العلمانية لا تعامل بعجالة وبصنمية، بل بتفكير هادئ ومرن وبالتزامن مع مشاريع تطال كل البنية الاجتماعية، ومن هنا أصبحت العلمانية جزءا أصيلا في المشاريع الليبرالية أو الماركسية، أولاً وحين كانت الليبرالية ثورية، أمّا وأنّ الليبرالية تحوّلت عن تثوير العالم نحو تثبيته في هرمية استغلالية لها مراكز وأطراف، فإن القيم الليبرالية ومنها العلمانية والمواطنة والديمقراطية أصبحت جزءا أصيلا في مشروع إنساني جديد، أُطلق عليه ذات مرة المشروع الماركسي، وفشل في التجربة الاشتراكية، ولكنه نجح في القضاء على الاستغلال لزمن ما، وبالتالي، المشروع البديل لن يكون خارج المنهجية الماركسية ولكنه سيكون بالتأكيد بعيداً عما مورس من اشتراكية محققة، وفي سياق مشروع إنساني يزاوج بين القيم الليبرالية بمعناها السياسي والقيم الاشتراكية بمعناها المساواتي والعدالة الاجتماعية، وقد يسمى ماركسياً أو غير ذلك، ولكنه سيكون الوحيد القادر على تحقيق العلمانية كفصل للدين عن الدولة والسياسة وكتفعيل لدور الفرد والعقل والمساواة الفعلية بين البشر. هذا حلم كبير، نعم، ولكنه حجر الزاوية الذي لا تبنى الحركات العلمانية بدونه، فهل نتجاوز عقلية الخنادق نحو إنسانية الإنسان.

إذن، لو عُقد المؤتمر لأثيرت الكثير من الانتقادات فيه، وهناك نقد أصيل للتجربة التركية، التي أول ما تشير إليه وتؤكده قبلها الثورة الفرنسية والروسية كذلك، أن العلمانية بدأت دكتاتورية ولم تبدأ ديمقراطية، ولكنها بدأت عقلانية وأجازت للفرد القول والتفكير والعمل بإرادته، وبدون الالتفات إلى قدرةٍ كليةٍ، تقول بها الأديان.

' كاتب سوري

================================

لبنان واجواء الحرب الاسرائيلية

رأي القدس

20/02/2010

القدس العربي

في لبنان يتحدثون عن الحرب، ويؤكد الكثير من اللبنانيين، والخبراء منهم على وجه الخصوص، بانها باتت حتمية، ولكن الخلاف هو حول توقيتها، وما اذا كانت على شكل هجوم اسرائيلي على لبنان، أو انها حرب اقليمية قد تشمل سورية وايران ايضا.

محمود احمدي نجاد الرئيس الايراني توقع ان يتم اشعال فتيل هذه الحرب في الربيع او الصيف المقبل على اكثر تقدير، وقال في تصريحات صحافية ان اسرائيل تعيش مأزقا كبيرا، وتريد الانتقام من هزائمها على يد 'حزب الله' في لبنان وحركة 'حماس' في قطاع غزة من خلال عدوان جديد.

السيد حسن نصر الله زعيم 'حزب الله' وقائد المقاومة اللبنانية تحدث في خطابه الاخير الذي القاه بمناسبة الذكرى الثانية لاغتيال الشهيد عماد مغنية زعيم الجناح العسكري للحزب، عن قرب حدوث هذا العدوان، ولكنه حذر، وبلهجة غير مسبوقة بانه سيرد بشكل مزلزل عليه، وقال اذا قصفوا مطار بيروت سنقصف مطار بن غوريون في تل ابيب، واذا قصفوا محطات الكهرباء اللبنانية سنقصف المحطات الاسرائيلية وهكذا.

التوقعات بالحرب هذه، سواء على لبنان او ضد ايران، لا تأتي من فراغ، فالمنطقة العربية تشهد تحركات امريكية محمومة في هذا الاطار، حيث يتجول القادة العسكريون الامريكيون في عواصم 'دول الاعتدال' العربية ويلتقون بقادتها، ربما من اجل التنسيق وتحديد الادوار تماما مثلما حدث قبيل العدوان على العراق في آذار/مارس عام 2003.

الحرب الاسرائيلية على لبنان في حال شنها لن تكون 'نزهة'، لان رجال المقاومة، ومثلما كشفت تجارب حرب تموز/يوليو عام 2006، سيكونون مستعدين لكل الاحتمالات، بما في ذلك اطلاق عشرات الآلاف من الصواريخ على اهداف اسرائيلية في فلسطين المحتلة.

وقد لا نستغرب اذا ما تحولت الحرب المقبلة ضد لبنان الى حرب اقليمية، اي ان تدخل فيها كل من ايران وسورية للدفاع عن لبنان وشعبه. فالقادة العسكريون الاسرائيليون يهددون بسحق لبنان، وتدمير بناه التحتية، نتنياهو قالها اكثر من مرة، وكذلك وزير دفاعه ايهود باراك، فطالما ان 'حزب الله' مشارك في الحكومة اللبنانية فإن لبنان كله مستهدف، بمعنى آخر ان الحرب المقبلة لن تقتصر على الجنوب والضاحية الجنوبية من بيروت.

الاسرائيليون يتصرفون بغرور وعنجهية كعادتهم، وينسون حقيقة ثابتة وهي ان المنطقة تتغير، وان هناك قوى اخرى فيها يمكن ان تتصدى لهم.

الزمن الذي كانوا يرهبون فيه الحكومات العربية بطيرانهم المتقدم، ويفرضون عليها الاستسلام في ساعات او ايام، هذا الزمن ولى الى غير رجعة، وحرب الثلاثين يوما في لبنان والعشرين يوما في قطاع غزة هما اكبر البراهين في هذا الصدد.

العرب قد يخسرون في هذه الحرب، وقد تعودوا على هذه الخسائر على اي حال، ولكن اسرائيل ستخسر ايضا، وقد تكون خسارتها اكبر، ولم يجاف السيد نصر الله الحقيقة عندما قال في خطابه الاخير انها قد تكون آخر الحروب.

================================

وعود أوباما..

ووعيد الجمهوريين!

المستقبل - السبت 20 شباط 2010

العدد 3573 - رأي و فكر - صفحة 19

ألبير الخوري

في خضم معركته الإنتخابية لدخول البيت الأبيض كما في خطابه الرئاسي الأول، وما استتبعه من مواقف وتصريحات، عبّأ باراك أوباما رؤوس مواطنيه، وأيضاً حلفائه وأعدائه شرقاً وغرباً، بوعود ظلت غالبيتها حتى اليوم عصية على التنفيذ، والمواعيد تأجلت أكثر من مرة، ما دفع بالحزب الجمهوري داخل الكونغرس وفي وسائله الإعلامية والدوائر الرسمية، إلى اتهامه بالتلكؤ حيناً وبالفشل أكثر الأحيان، وبما يضرّ بسمعة الولايات المتحدة في مقاربة الأزمات الداخلية والصراعات الخارجية على حد سواء.

وحسب بعض المقرّبين من سيد البيت الأبيض، فإن الإكثار من الوعود وتأجيل تنفيذها في أوقاتها المحددة، عادةٌ رافقت باراك منذ كان أستاذاً محاضراً في القانون الدولي. وفي هذا المجال، كشف أحد زملائه الأساتذة، أنه غالباً ما كان يفاجئ طلابه، حتى في الإمتحانات الرسمية، بتمديد الساعات المتاحة أمامهم لإنجاز مسابقة ما، على الرغم من توجيهاته الصارمة بأن لا تتعدى المهلة الساعات المحددة حسب القانون.

ويتأكد أكثر فأكثر أن أوباما، وبلا أدنى اعتبار لما يسوقه معارضوه في الداخل والخارج، لم يتخل عن سقفه القديم والمتجدد باتخاذ الوعود وضرب المواعيد وتأجيلها، اعتباراً من قناعة ثابتة لديه، ومن تجارب رافقت حياته منذ كان طالباً في الجامعة، إلى أستاذ محاضر ودخوله الكونغرس، وصولاً إلى البيت الأبيض، مفادها أنه "يستحيل في واشنطن تحقيق أي مشروع إصلاحي في الداخل، أو اتخاذ قرار استراتيجي في الصراعات الخارجية ما لم يحدد المسؤول موعداً لإنجازه". وهذا ما صرّح به في تموز الماضي، وقبل أن يبادر "الجمهوريون" إلى تصعيد حملتهم عليه واتهامه ب "السياسي المناور"، في إشارة واضحة إلى استغلال وعوده ومواعيده الخيالية لمصالحه السياسية. وزاد الأمر تعقيداً، ما ساقه زعيم الأكثرية داخل الكونغرس هاري ريد من اتهامات وصلت إلى حد اتهام أوباما بالكذب والاحتيال، ما دفع كبير مستشاري البيت الأبيض رام ايمانويل إلى استدعاء ريد والطلب إليه الاعتذار أمام المواطنين والعالم"، لأن موقع الرئاسة الأميركية خط أحمر لا يجوز تجاوزه بخطاب سياسي اتهامي يفتقر إلى الإثبات، والى الكثير من الآداب السياسية المتعارف عليها"، مشيراً في الوقت نفسه، إلى أن "إخلال الرئيس بمواعيده، يرتبط بالظروف السياسية والأمنية المستجدة والمتسابقة، لا يعني إخلاله بتحقيق ما وعد به، خصوصاً وقف الحروب التي تخوضها القوات الاميركية على أكثر من جبهة خارجية".

الرئيس أوباما لم يكن بعيداً عن هذا الحوار الساخن بين كبير موظفي البيت الأبيض وزعيم الاكثرية. لكنه ظل مصراً على إطلاق المواعيد والوعود بحلول تبدو بعيدة في المدى المنظور. فعلى الصعيد التشكيلي، يرى أن الوعود وتأجيلها يوفران دينامية عملية لصالح الإدارة الأميركية، وخصوصاً لصالح صاحب القرار الأول. وفي المقابل، ترى المعارضة، أن التأجيل يفتح المجال واسعاً، ليس فقط للنقد والتأويل والإجتهاد، إنما الأخطر من ذلك، قيام هذا الفريق أو ذاك، لتخطيط وتنفيذ عملياته، هنا وهناك، وبالتالي لزرع الفوضى حين تسنح له الفرصة في المكان والزمان.. وهذا ما أقدم عليه "الجمهوريون" يوم أعلن أوباما استحالة إنجاز وإصدار قانون الإصلاح الصحي وفق الجدول الزمني الذي حدده الرئيس بنفسه. وحسب المعارضة، يفقد أوباما الكثير من صدقيته في الداخل والخارج، طالما تبين أن وعوده ليست أكثر من كلام في الهواء، وما يؤدي بالتالي إلى زعزعة الإستقرار السياسي في البلاد وسحب الناخبين ثقتهم منه.

هذا على الصعيد الداخلي، أما في الخارج حيث تقاتل القوات الأميركية في أكثر من مكان، خصوصاً في الشرق الأوسط، المنطقة الأكثر سخونة بصراعاتها وحروبها، تأخذ التطورات السريعة أبعاداً أخرى، وبحيث تضع القرار الأميركي تحت المجهر الدولي، وهو قرار بات يعاني، منذ وصول أوباما إلى الحكم، الكثير من الترهل والتردد وعدم القدرة على اعتماد استراتيجية واضحة المعالم والتوجهات، وما يدفع الحلفاء، خصوصاً في أفغانستان والعراق، على الإنسحاب آجلاً أم عاجلاً من حروب ضد ما اعتبروه إرهاباً دولياً، لتتحول بعد حين إلى حرب سياسية ضد الولايات المتحدة لعجز رئيسها عن اتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب، وإن فعل، فإن انشداده إلى التلكؤ وتأجيل المواعيد بحجة إنجاح مبادراته، تضع النفوذ الأميركي السياسي وقوتها العسكرية أمام تساؤلات عدة وفي مقدمها، هل تستمر واشنطن القوة العظمى الوحيدة والمتضررة في العالم؟

وبهذا المعنى، يتأكد أن أوباما، ومن خلال تجارب السنة الأولى من وجوده في البيت الأبيض، لم يشف بعد من عقدة التأجيل، وما يفيد بطريقة أو بأخرى عن عدم ثقة بالنفس وخوفه من اتخاذ قرار يضع مصيره السياسي وصدقيته أمام اختبار الحلفاء والأعداء في الخارج، والموالاة والمعارضة في الداخل. لقد سبق أن حدد أوباما أكثر من مرة الخطوط العريضة للسياسة الجديدة التي سوف يعتمدها لوقف الحرب في أفغانستان، وكذلك في العراق، لكن الحربين مستمرتان وبعنف أكثر، والجنود الأميركيون يسقطون كل يوم، تماماً كما تسقط الوعود التي يتخذها تباعاً، وبما يثبت عجز الولايات المتحدة أن تكون سيدة الحلول للأزمات الدولية، إنما على العكس تماماً، السبب الأول والمباشر لزعزعة الإستقرار العالمي.

================================

ما تغفله المشاحنات الحزبية حول استجابة أوباما للإرهاب

ديفيد إغناتيوس

الشرق الاوسط

20-2-2010

أحيانا يلجأ جوزيف بايدن، نائب الرئيس الأميركي، إلى المبالغة في تصريحاته، ومع ذلك تتوافر أدلة توحي بأن الفكرة الأساسية وراء حديثه خلال المقابلة التي أجراها معه برنامج «ميت ذي برس» على قناة «إن بي سي»، الأحد، كانت صائبة، حيث قال: «لم نشهد من قبل قط مثل هذا التركيز ومثل هذا الحشد من الموارد ضد (القاعدة). ويتجاوز معدل النجاح أي إنجاز جرى تحقيقه في عهد الإدارة السابقة».

أما آخر الإنجازات في إطار حملة مكافحة الإرهاب فكان إلقاء القبض، أواخر يناير (كانون الثاني)، على الملا عبد الغني برادر، الذي يعد الرجل الثاني في طالبان الأفغانية. واضطلع بتنفيذ الغارة التي أدت إلى إلقاء القبض عليه في كراتشي عملاء تابعون لوكالة الاستخبارات المركزية والاستخبارات الداخلية الباكستانية، والذين أبقوا العملية طي الكتمان لأكثر من أسبوعين، حتى كشف عنها النقاب، الاثنين، من جانب «نيويورك تايمز».

وأكد أحد المسؤولين الأميركيين المعنيين بمكافحة الإرهاب أنه «توافرت لدينا معلومات (جادة) حول وجوده في هذا المكان. ويسر ذلك تحرك الاستخبارات الباكستانية».

حاليا، يقبع برادر داخل أحد السجون الباكستانية، طبقا لما ذكره المسؤول الأميركي، مضيف أن برادر «يقدم معلومات استخباراتية». تعد غارة كراتشي جزءا من حملة هجوم يجري شنها في الخارج يجري إغفالها في بعض الأحيان في خضم المشاحنات الحزبية حول ما إذا كان ينبغي أن توجه إدارة أوباما «تحذير ميراندا» (تحذير يوجهه أفراد الشرطة إلى المجرمين المشتبه فيهم داخل الولايات المتحدة قبل الشروع في التحقيق معهم) إلى الإرهابيين المشتبه فيهم. وأوضح المسؤول أن «الإجراءات الفعلية الجاري اتخاذها توجه ضربات قاصمة إلى (القاعدة) وحلفائها بمختلف أرجاء العالم».

وتكشف الأرقام ارتفاعا حادا في أعداد العمليات الموجهة ضد «القاعدة» وحلفائها في باكستان منذ تولي باراك أوباما الرئاسة. وتبعا لما قاله المسؤول الأميركي، فإن العام الماضي شهد شن 55 عملية باستخدام طائرات «بريداتور» من دون طيار في المناطق الحدودية الباكستانية. ويقترب هذا العدد من ضعف الهجمات المماثلة في ذروتها في عهد إدارة بوش، التي وصلت إلى منتصف الثلاثينات عام 2008.

الملاحظ أن وتيرة الهجمات بطائرات من دون طيار تسارعت هذا العام، فمنذ الأول من يناير، جرى تنفيذ أكثر من 12 عملية. وباستمرار هذا المعدل، فإن إجمالي الهجمات هذا العام قد تتضاعف تقريبا مجددا، ليتجاوز حاجز ال100.

وتسببت هذه الغارات في أضرار جسيمة في صفوف كبار أعضاء «القاعدة». ومن بين الضحايا صالح الصومالي، رئيس العمليات الخارجية، الذي لقي مصرعه في 8 ديسمبر (كانون الأول)، وعبد الله سعيد الليبي، رئيس العمليات في باكستان، وقتل في 17 ديسمبر، وطاهر يولداشيف، زعيم «الحركة الإسلامية الأوزبكستانية»، وقتل في أغسطس (آب).

وطبقا لما قاله مسؤولون أميركيون، فإنه بداية من عام 2009، قتلت الهجمات باستخدام طائرات من دون طيار «عدة مئات» من مسلحين تابعين ل«القاعدة» وحلفائها، بما يزيد على جميع من قتلوا في جميع الأعوام السابقة مجتمعة. كما أسفرت هذه الهجمات عن زعزعة قيادة طالبان الباكستانية، التي عمدت إلى شن حملة إرهابية عبر الحدود. في المتوسط، تطير نحو 6 طائرات من دون طيار فوق المناطق الحدودية غرب باكستان، بحثا عن أهداف، حسبما أفادت مصادر. وباتت هذه التغطية ممكنة نظرا إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية في عهد أوباما طلبت المزيد من الموارد لشن هجمات بطائرات من دون طيار في مارس (آذار)، وذلك أثناء المراجعة المبدئية للسياسة الأميركية تجاه أفغانستان وباكستان. وبحلول نهاية هذا العام، ستزداد أعداد الطائرات من دون طيار المتوافرة بنسبة 40% عما كانت عليه مطلع عام 2009.

علاوة على ذلك، زادت جهود الاستخبارات البشرية التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية التي تعتمد عليها الهجمات بطائرات من دون طيار. ويجري توجيه بعض هؤلاء العملاء بالتعاون مع وكالات استخباراتية أخرى، إلا أن العملاء الذين يعملون لحساب وكالة الاستخبارات المركزية وحدها في تنام. وتجري إدارة هذه الأصول من القواعد التابعة للوكالة في أفغانستان، مثل منشأة مقامة في خوست تعرضت لهجوم في 30 ديسمبر، وفي باكستان.

من جهته، قال الجنرال جيم جونز، مستشار الأمن القومي، الذي عاد إلى الوطن الجمعة بعد زيارة لباكستان استمرت ثلاثة أيام: «تتبدل مستويات الثقة التي تبديها الحكومة والمؤسسة العسكرية في باكستان تجاه الولايات المتحدة في اتجاه إيجابي». وأعرب عن انبهاره بما تبديه إسلام آباد من استعداد حاليا بتعقب مجموعة أوسع نطاقا من الأهداف.

وعلى الرغم من أن الحكومة الباكستانية تشكو في العلن من الهجمات التي تشن من طائرات من دون طيار، فإنها أقرت على الصعيد غير المعلن استراتيجية تبعا لقواعد سبق التفاوض بشأنها منتصف عام 2008. ويسمح الاتفاق لوكالة الاستخبارات المركزية بشن هجمات لدى توافر معلومات مؤكدة لديها وتقديم «إخطار متزامن» لباكستان، مما يعني قبيل إطلاقها صاروخ «هيلفاير».

من ناحية أخرى أكد بايدن في حديثه، الأحد، أن «القاعدة» وحلفاءها في حالة فرار مستمر، لكنه بالغ بقوله إنه من غير المحتمل أن تتمكن من شن هجمات جديدة على غرار 11 سبتمبر (أيلول). كيف تسنى له معرفة ذلك؟ لو كنا تعلمنا شيئا على مدار السنوات التسع الماضية، فهو أننا نواجه عدوا لديه قدرة كبيرة على تحمل الصدمات والتكيف مع الظروف. ولا تعني مسألة أنه بات ممزقا فقدانه القدرة على شن هجمات فتاكة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ