ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 08/03/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


رسائل تنتظر ميتشل

الافتتاحية

الأحد 7-3-2010م

بقلم رئيس التحرير أسعد عبود

الثورة

رسالة من إسرائيل إلى الذين ائتمروا في القاهرة وقدموا غطاء ما لمحادثات «غير مباشرة» وربما مشروع تصفية.

إسرائيل التي اعتادت أن ترد دائماً على ما يسمى بالمبادرات .. بفصل إجرامي آخر.. إنها قامت بجريمتها في الأقصى.. وهي رسالة رغم قِدَمِها مهمة لسببين:‏

1-كي لا يفهم العرب «ترحيب» نتنياهو بغطائهم لمحادثات التنازل الفلسطيني «غير المباشرة» إلا بسياقه الطبيعي.‏

يعني ألا يتوهم أي عربي أو شبه عربي أن إسرائيل تزمع تغييراً في موقفها ولو بسيطاً، تجاوباً مع الاستجابة العربية للرغبة الأميركية في التنازلات الفلسطينية، التي تقول الرسالة الإسرائيلية: إنها لن توصل إلا إلى هدر الزمن ومزيد من التعنت الإسرائيلي ورفض السلام.‏

2-ألا يعتقدون أيضاً أن إسرائيل تجهل ضعفهم الذي أوصلهم إلى هنا.. ولم تنفع فيه استجارتهم بالوصي الأميركي الذي يبحث عمن يستجير به من السلوك الإسرائيلي.‏

رسالة إسرائيلية قديمة... لكن كونها تأتي في اليوم التالي لموافقة السلطة الفلسطينية على محادثات غير مباشرة.. فهي دون ريب تحوي جديداً بأنه لا جديد!!.‏

ورسالة من الشعب الفلسطيني.. من أبطال الأقصى والقدس وغزة وغيرها..‏

تقول:‏

ونحن أيضاً غير معنيين بما تقررون على طريق التنازلات وتصفية القضية استجابة لأميركا أو غيرها.. نحن هنا.. نحن المقاومة.. والسلام يأتي حيث نحن وليس حيث أنتم على خط التصفية.‏

وهكذا..‏

في الأيام الأولى التالية لإعلان الاستعداد العربي للتنازلات.. تُعلن الحقائق أن لا جديد أبداً.. ولن يكون من نتيجة.. فلا أنتم قادرون على الوصول إلى السلام.. ولا أنتم قادرون على لجم المقاومة التي وحدها قادرة على صنع السلام.‏

على وقع هذا وذاك يصل السيناتور الأميركي جورج ميتشل إلى المنطقة.. تحديداً إلى إسرائيل.. هو أيضاً تسلم الرسائل.. وهو الأتعس حظاً بين الجميع.‏

سيشرح.. سيحيي العرب على التنازلات.. سيهمس لإسرائيل أن «من مال الله..» سيعود خالي الوفاض حتى من تصريح سياسي يعنى بالأمر.. يوضح احتمالاً.. يطفىء لهفة المنتصرين.‏

أبداً.. لن يكون لزيارة ميتشل هذه أي رد فعل أو إضافة على ما يجري.. هو جاء ليأخذ وليس ليعطي.. أعني ليأخذ بياناً.. وليس ليقدم وعداً أو ضمانة.‏

ضمانة على ماذا؟ إذا كانت السلطة الفلسطينية لم تطلب أي ضمانة وأعلنت بصراحة أنها ماضية في طريق المحادثات دون أي ضمانة!!.‏

ربما تشعر الولايات المتحدة أنه يمكن على هامش التنازلات الفلسطينية التي رحبت بها.. أن تحرز ما يحفظ ماء الوجه.. لكنها عاجزة حتى عن إعطاء موعد محدد زمنياً لفعل مهما صغر شأنه..!!‏

وها هو ميتشل هنا.. والحكاية أيام وفقط..‏

لن يفعل إلا أن يضيف إحباطاً وفقدان أمل لكل من ينتظر السلام.. هذا واضح وليس- لا سمح الله- تنبؤاً..‏

من أين؟!‏

من أين سيأتي الوعد؟!‏

إذا كانت الدولة العظمى تلجأ إلى أضعف أحجار الشطرنج لتمارس لعبة الشرق الأوسط.. من أين يحلم بيادق الرقعة بمستقبل وزراء السلام.؟‏

إذا كان ثمة فعلاً من ينتظر نهاية الأشهر الأربعة المحددة فإن كل الرسائل تقول هي فترة صغيرة للتثاؤب فعلاً.‏

a-abboud@scs-net.org

==============================

الحرم الإبراهيمي ومخاطر تهويد المقدسات في فلسطين

المستقبل - الاحد 7 آذار 2010

العدد 3587 - نوافذ - صفحة 17

نبيل محمود السهلي

خطوة تهويدية جديدة للأماكن الإسلامية المقدسة في فلسطين. أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الأحد 21-2-2010 ضم الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، ومسجد بلال بن رباح في مدينة بيت لحم، إلى قائمة ما يسمى المواقع التراثية الإسرائيلية التي يجب الاهتمام بها وتطويرها؛ وثمة قائمة لم تستكمل بعد. قبر يوسف في مدينة نابلس مرشح ليكون ضمن القائمة المذكورة. ويمكن التأكيد بأن السياسات الصهيونية والإسرائيلية تجاه المقدسات الإسلامية في فلسطين ليست وليدة صدفة. لقد تم التخطيط لها في المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة بازل السويسرية في نهاية شهر آب من عام 1897. وتشير الدراسات المختلفة بان الحركة الصهيونية بدأت بإتباع سياسات محددة تجاه الزحف إلى الأراضي الفلسطينية عبر طرق مختلفة، وذلك لانتزاع وطمس الأسماء العربية، واستبدالها بأسماء عبرية، بغية تهويدها في نهاية المطاف. وتعتبر السنوات الأولى من ثمانينيات القرن التاسع عشر نقطة البداية للتغلغل الصهيوني في فلسطين ففيها تغييرات أسماء بعض القرى. ففي شمال مدينة صفد في الجليل الفلسطيني، تم بناء مستوطنة صهيونية في السنوات المذكورة على قسم من أراضي قرية الجاعونة وتسميتها باسم عبري (روشبينا)، وهو مصطلح توراتي.

وكانت الوكالة اليهودية شكلت لجنة خبراء يهود تتألف من (24) خبيراً، مهمتها اختيار أسماء للمستوطنات التي ستقام في الأراضي الفلسطينية التي يمكن التسلل إليها. وقد استطاعت الحركة الصهيونية ومنظماتها المختلفة تغيير أسماء(216) موقعاً عربيا في فلسطين حتى أيار من عام 1948، وهو العام التي أنشئت فيه إسرائيل في ظروف سياسية استثنائية.

وقام أول رئيس وزراء إسرائيلي، دافيد بن غوريون، بضم اللجنة المذكورة إلى ديوانه، حيث قامت اللجنة بدورها بوضع (560) اسماً عبرياً لمواقع عربية حتى عام 1953، وذلك بغية طمس هويتها العربية. وفي عام 1948 كانت مساحة أراضي الوقف الخيري الإسلامي في فلسطين تصل إلى (178677) دونماً، قامت السلطات الإسرائيلية بوضع خطط بعد العام المذكور لمصادرة وتهويد تلك الأراضي والممتلكات والمواقع، وقد تم ذلك بالفعل عبر اتباع سياسات محددة يمكن إجمالها بما يلي :

أولا: حلت إسرائيل المجلس الإسلامي الأعلى ولجنة الأوقاف الإسلامية.

ثانياً: أصدرت إسرائيل قوانين جائرة للسيطرة على الأراضي الفلسطينية، ومن بينها ما يسمى قانون أملاك الغائبين، الذي سيطرت السلطات الإسرائيلية من خلاله على ممتلكات الأوقاف.

ثالثاً: تم إنشاء سلطة التطوير الإسرائيلية التي وضعت يدها على الأوقاف الإسلامية، من خلال شراء تلك الأوقاف من حارس أملاك الغائبين، الأمر الذي جعل القسم الأكبر من الأوقاف الإسلامية تحت سيطرة سلطة التطوير.

رابعاً: في عام 1953 أصدرت السلطات الإسرائيلية قانونا من اجل تبرير المبيعات من قبل حرس أملاك الغائبين إلى سلطة التطوير، وذلك بغية قوننة المصادرة للأملاك والأوقاف الإسلامية.

وخلال فترة وجيزة استطاعت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بين الأعوام من 1948 إلى عام 1967 هدم وتدمير (130) مسجداً في المناطق التي أنشئت عليها إسرائيل، وتمثل تلك المساجد نحو (41.5) في المائة من إجمالي عدد المساجد داخل الأخضر، التي وصل عددها إلى (313) مسجداً، وبات نحو(8400) معلم عربي إسلامي ومسيحي في مواجهة سياسة التزوير والهدم الإسرائيلية. ومن الإجراءات التي اتبعتها السلطات الإسرائيلية لتهويد المقدسات الإسلامية الحملة الكبيرة على المساجد والمقابر الإسلامية في داخل الخط الأخضر، فتم تحويل مسجد بئر السبع إلى متحف للآثار، وكذلك هي الحال بالنسبة لمسجد صفد في الجليل الفلسطيني، وقامت السلطات الإسرائيلية بتحويل مسجد قرية قيسارية في قضاء حيفا في الساحل الفلسطيني إلى خمارة للشباب اليهود. وكذلك تم تحويل مسجد ظاهر العمر في مدينة طبريا في الجليل إلى مطعم يهودي. في حين تم تحويل مسجد قرية عين حوض بالقرب من مدينة حيفا والذي لا يبعد أهل القرية عنه سوى أمتار قليلة إلى مرقص ليلي.

وفي مدينة حيفا حول الجيش الإسرائيلي مقبرة الاستقلال هناك إلى حي سكني لليهود. وهناك محاولات إسرائيلية حثيثة منذ السبعينيات لهدم مقبرة قرية بلد الشيخ في جنوب شرق مدينة حيفا على سفح جبل الكرمل، حيث دفن فيها ضريح الشهيد المجاهد العربي الكبير عز الدين القسام الذي استشهد في احراج يعبد قضاء جنين في نهاية عام 1935، وهو المجاهد الذي أسس لثورة فلسطين الكبرى عام 1936. ولم تتوقف السلطات الإسرائيلية عند هذا الحد، بل قامت بجرف العديد من المقابر الإسلامية في عكا ويافا والاقضية محاولة لتهويد المنطقة.

إضافة إلى سياسة هدم المقابر والمساجد وجرفها، قام الجيش الإسرائيلي تحت حجج أمنية وغيرها من تحويل المساجد المقامة التي لم يستطع هدمها داخل الخط الأخضر، إلى معابد لليهود. وتشير الدراسات المتخصصة، إلى ان الجيش الإسرائيلي حوّل (14) مسجداًً إلى معابد يهودية، ومنع المسلمين من الصلاة في (19) مسجداً، لتحول فيما بعد على يد الجيش الإسرائيلي إلى مرتع للقمار أو مطعم أو حظائر للخنازير او للخراف، مثل مسجد البصة ومسجد عين الزيتون في قضاء مدينة صفد. وهناك (50) مسجداً ومقاماً إما مغلقة أو مهملة أو مهددة بالهدم والإزالة من الوجود. وبشكل عام لا تتعدى المساجد المذكورة عشرة في المائة من اجمالي مساجد فلسطين التي هدمت خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي (1948-2010).

وبعد احتلالها الضفة وقطاع غزة في عام 1967، لم تتوقف إسرائيل عن سياساتها لجهة هدم وتهويد الاماكن المقدسة عند العرب المسلمين والمسيحيين على حد سواء. فخلال أكثر من أربعة عقود خلت من احتلال الجزء الشرقي من القدس الذي يحتوي على قبة الصخرة والمسجد الأقصى حصلت اعتداءات متكررة على المسجد الأقصى من جهة وعلى الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل من جهة أخرى، وكان من ابرز الاعتداءات محاولة إحراق المسجد الأقصى في عام 1969، ومجزرة الحرم الإبراهيمي في الخامس والعشرين من شهر شباط من عام 1994.

بعد هذا العرض للسياسات الإسرائيلية تجاه المقدسات الإسلامية في فلسطين، والتي أدت إلى تدمير عشرات المساجد منذ عام 1948 وصولاً إلى مرحلة انتفاضة الأقصى، وتغير أسماء المواقع المقدسة لجهة تهويدها، وكذلك محاولات السلطات الإسرائيلية لتهويد ما تبقى من الاماكن المقدسة، تحتم الضرورة الإسراع في حماية المقدسات الإسلامية في فلسطين، من خلال توحيد الخطاب العربي والإسلامي إزاء خطر السياسات الإسرائيلية المنوه إليها، ومطالبة المنظمات الدولية ذات الصلة بالحفاظ على دور العبادة والمقدسات للضغط على إسرائيل وانصياعها للقرارات الدولية والأعراف الخاصة بالمقدسات والأوابد التاريخية.

==============================

أول قمة مغربية اوروبية

الأحد, 07 مارس 2010

محمد الأشهب

الحياة

أقل من عضوية كاملة، وأكثر من شراكة سياسية واقتصادية مع الاتحاد الأوروبي. انه رهان الرباط على القمة الأوروبية الأولى التي تجمع المغرب الى الاتحاد الاوروبي الذي توسع كثيراً، لكنه لم يقبل أي عضوية كاملة لأي بلد عربي وإسلامي.

منذ زمن بعيد كان يروق للملك الراحل الحسن الثاني ان يردد مقولة ان المغرب مثل شجرة، جذورها في أفريقيا وأغصانها في أوروبا، غير ان حلمه في الانضمام الى الاتحاد الأوروبي لم يتحقق. غير أن خلفه الملك محمد السادس انتبه الى ان المنافسة الفاصلة بين شمال أفريقيا وجنوب أوروبا ليست بحراً وأمواجاً، وانما قيم ومفاهيم وإجراءات تطاول الانتقال الى عصر الانفتاح والانخراط في منظومة احترام حقوق الإنسان ومباشرة إصلاحات جوهرية تقرب فجوة التباعد بين عصر وآخرٍ. ولعل الاتحاد الأوروبي الذي كان سخياً في منح المغرب وضعاً متقدماً في علاقاته أدرك ان متنفسه الطبيعي لن يقتصر على التمدد أفقياً في اتجاه البلدان الأوروبية الخارجة من قبضة الحرب الباردة فقط، وانما يتطلب رؤية بديلة للعلاقات العمودية مع بلدان الشمال الأفريقي، فهي فضلاً عن كونها مركزاً لنفوذه التقليدي وسوقاً واسعة وناشئة لاستيعاب تدفق السلع والرساميل، تتوفر على جاليات كثيفة اتخذت من الأصقاع الأوروبية ملاذات إقامة وعمل.

لم يغب البعد الأمني في النظرة الأوروبية للعلاقات مع دول الجوار الجنوبي في أي مرة. فالهجرة الشرعية تؤرق أصحاب القرار في ضوء تداعيات الأزمة المالية. والمخاوف ازاء تغلغل ظاهرة التطرف والإرهاب تشغلهم أكثر، فيما الهواجس الاقتصادية والتجارية تضفي أبعاداً استراتيجية على علاقات ليست متكافئة أصلاً. غير انه في مقابل هذه النظرة بدأت تتبلور أفكار وتوجهات ترى أن مساعدة بلدان الشمال الأفريقي في التنمية وشق الطريق نحو الديموقراطية أفضل من الاكتفاء بالتلويح بقوائم إصلاحات قد لا تتحقق في غياب الأمن والاستقرار.

يبدو المغرب محظوظاً وقد انجذب بقوة الى حوار واسع النطاق مع الشركاء الأوروبيين، ذلك ان التئام أول قمة أوروبية – مغربية ليس حدثاً عابراً أو ميتاً. انه أكبر من لقاء ضمن نادي الكبار يخصص لتبادل وجهات النظر. فثمة قناعة بأن الرباط صنعت لنفسها وصفة خاصة في تدبير صعوباتها المالية والاقتصادية. ولم يكن انكفاؤها على رهانات الداخل بمعزل عن تراجع أدوار تاريخية اضطلعت بها دول الشمال الأفريقي في التعاطي وقضايا عربية ودولية.

وإذ يريد المغرب أن يحقق جزءاً من طموحات واقعية في علاقات محكومة بالتوازنات الإقليمية والدولية، فإن حواره مع الأوروبيين قد يكون مختلفاً، لو أنه لا يقع تحت وطأة انشغالات وأزمات، ليس أقلها استمرار قضية الصحراء وجمود الأوضاع في المنطقة المغاربية وتعاظم مشاكل جواره الأفريقي. ومع أن الأمر يختلف عن الجولات السابقة من المفاوضات التي كانت تتأثر فيها بلدان الاتحاد الأوروبي بدول الشمال الأفريقي منفردة وأقل تأثيراً في انتزاع المكاسب والطموحات، فإن ما يدفع الى الاعتقاد بأهمية القمة الأوروبية – المغربية ان بلدان الضفة الشمالية استبدلت منظورها إزاء أوضاع المنطقة، وباتت معنية بضمان شروط الاستقرار وإنهاء النزاعات الإقليمية وحض عواصم المنطقة على الانفتاح على بعضها.

هذا التطور لا يوازيه تحول بنفس الأهمية لدى الشركاء المغاربيين، على رغم إدراكهم ان النظرة الأوروبية تغيرت بدافع جوهري يرتبط بالحرص على الأمن والاستقرار. وقد كان في وسع المغرب أن يفيد أكثر من ضغوط الحوار الأوروبي لو أنه ذهب الى غرناطة من دون ضغوط واكراهات.

في مقابل كافة التزامات العواصم المغاربة مع بعضها وجوارها فان منظومة 5+5 تظل الإطار الوحيد الذي لم يتأثر بخلافات هذه الدولة. وفي ذلك إشارة قوية الى ان الأوروبيين معنيون بمستقبل الاتحاد المغاربي، أكان ذلك في سياق الاتحاد من أجل المتوسط، أو في إطار معاودة الروح الى حوار عربي – أوروبي أكثر نجاعة وفعالية. فقط يتعين أن يصبح أهل البيت المغاربي أكثر اهتماماً بترتيب فضائهم وتلك قضية أخرى.

==============================

ازمة العلاقات التركية الاميركية.. هل تتعلم العرب؟

الرأي الاردنية

7-3-2010

رغم كل التصريحات التي تفوح منها رائحة التهدئة الصادرة عن واشنطن, إلا أن الامور مفتوحة على احتمالات عديدة لا تبدو فيها أنقرة الخاسر الوحيد, اذا ما استطاعت أن تلعب بالاوراق العديدة التي تتوفر عليها, وهي اثبتت أقله في السنوات السبع الاخيرة, وخصوصاً عشية الحرب العدوانية الاميركية البريطانية على العراق في مثل هذه الايام من العام 2003, انها قادرة على ذلك بمهارة, رغم ان انتهاء الحرب الباردة قد «قلل» من أهمية المكانة التركية في الاستراتيجية الاميركية, والتي تأتي في الدرجة الاولى من الموقع الاستراتيجي لتركيا في «الطوق» الذي فرض على الاتحاد السوفياتي وكانت انقرة مركز الاستطلاع والتجسس الاول بامتياز..

 

بموافقة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الاميركي على «مشروع» قرار يصف أعمال القتل والاقتلاع, التي تعرض لها الارمن على يد العثمانيين قبل انهيار امبراطوريتهم, بأنها كانت حرب «ابادة», وصلت انقرة الى ساعة الحقيقة وعليها الان أن تعيد قراءة «الملف» في شكل كامل, وبمقاربة مختلفة عن تلك التي واصلت طرحها أو التعاطي معها على الساحة الاميركية وخصوصا مع الكونغرس وباقي «اللوبيات» التي استطاعت – مستفيدة بالطبع من موقعها والظروف الدولية المحيطة وعضويتها – ان تتفادى تبني مشروع قرار كهذا، تعلم الان انها اخذت بعدا اخر وجديدا قد يضع نهاية متدرجة لحال التوتر غير المستقر (صعودا وهبوطا) الذي يميز علاقات انقرة بواشنطن منذ القرار «التاريخي» الذي اتخذه مجلس النواب التركي برفض السماح لاميركا «جورج بوش» بفتح جبهة «شمالية» خلال الغزو الاميركي البريطاني للعراق.

 

خطاب باراك اوباما امام البرلمان التركي في الاسابيع الاولى لولايته لم يبدد الشكوك التركية حيال الرئيس الذي تعهد في حملته الانتخابية دعم الجهود الرامية الى اعتبار مذابح الارمن ترقى الى مستوى الابادة في حال انتخابه.

 

وقد اكتشف اوباما ان ما يُرى من البيت الابيض ليس هو «الشيء» ذاته الذي يراه المرء عندما لا يكون في موقع المسؤولية.. فتراجع عن تعهده لان تركيا ما تزال لها «وظيفة» في الاستراتيجية الاميركية الشرق اوسطية «على الاقل» يصعب تسريحها وارسالها للانضمام الى «المحور الرباعي» الجديد الآخذ في التبلور والبروز والذي لم يعد الحديث عنه خافيا والمكوّن (كما يُقترح حتى الان) من ايران، سوريا تركيا والعراق (...).. وخصوصا ان الحديث الاميركي الاسرائيلي لا يتوقف عن الاشارة بان الخيار العسكري لمعالجة الملف النووي الايراني ما يزال على الطاولة (تركيا عضو في مجلس الامن الان)..

 

صحيح أن قرار لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب «غير ملزم», وصحيح أيضاً أن ثمة الكثير المطلوب أن يبذله اللوبي الارمني ومؤيدوه, كي يصلوا الى قرار صادر عن الهيئة التشريعية الاميركية (الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ), إلا أنه صحيح ايضاً أن الدبلوماسية التركية تلقت صفعة قاسية, لم يكن مفاجئاً استدعاء انقرة لسفيرها في واشنطن دقائق معدودات بعد تبني القرار بفارق صوت واحد فقط 23 مقابل 22..

 

ليس «الغضب» الصهيوني على تركيا هو السبب الوحيد الذي حدا بلجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب, هذه اللجنة الواقعة في «كليّتها» تحت نفوذ اللوبي الصهيوني, وليس المتصهين أو اليهودي فحسب (يقول يعقوب احيمئير في مقال له بصحيفة اسرائيل اليوم اليمينية المتطرفة يوم الخميس الماضي) «.. في الحقيقة ان اعضاء لجنة الخارجية في الكونجرس صهاينة في اكثرهم ورئيس اللجنة هاورد بيرمان, لا يستحي من اعلان صهيونيته على رؤوس الاشهاد»..

وانما ايضاً في أن تركيا نجحت في السابق في ادارة حملة علاقات عامة مكنتها من تفادي قرار كهذا, وكانت شركات الاسلحة الاميركية على رأس اللوبي التركي في اروقة الكونجرس.. ولعل هذا ما يفسر التلميحات التركية بإمكانية الغاء العديد من صفقات الاسلحة الاميركية.

أين من هنا؟.

لم تخسر تركيا كثيراً وادارة اوباما في ورطة حقيقية, وهي لا تستطيع «إشعال» كل هذه الازمات مرة واحدة على ابواب انتخابات الكونجرس النصفية, فعلاقاتها مع الصين آخذة في التوتر وفشلها في «الشرق الاوسط» مدو ومعروف, وعودة اوكرانيا للحضن الروسي اكثر من مقلقة وتقرّب انقرة من «المحور الاسلامي» غير مقبول, فهل يبذل الرئيس الاميركي ونائبه ووزيرة خارجيته جهداً متميزاً هذه المرة, للحؤول دون صدور «قرار» مكتمل القراءات في مجلسي الكونجرس؟.

ثمة ما يشير الى أن مسعى كهذا آخذ في البروز فهل تتعلم العرب؟.

==============================

الصراع على القارة السوداء

د. معمر الفار

الرأي الاردنية

7-3-2010

البيان

هذا الصراع هو لتثبيت وإعادة ترسيم مواقع النفوذ للقوى الخارجية الكبرى التي تسعى جاهدة لتأمين استقرار للإمدادات النفطية التي تريدها من القارة السوداء فما هي أبعاد الاندفاع الصيني القوي غير المسبوق في أفريقيا وهل باستطاعة روسيا أن تجاري أميركا والصين وأوروبا اقتصادياً وعسكرياً.

قبل خمسين عام كانت القارة الإفريقية تسمى القارة الملتهبة فمن رأس الرجاء الصالح حتى البحر الأبيض المتوسط انتشر النضال ضد الاستعمار وظهرت دول جديدة تناوبت الجماعات العسكرية وتصارعت على تولي السلطة فيها، واندلعت حروب أهلية.

واليوم يعيد التاريخ نفسه الاشتباكات والنزاعات الإقليمية الطائفية في كل مكان والصراع على الأراضي والمياه والثروات الطبيعية يشتد على خلفية ازدياد السكان السريع وانفجار الأسعار العالمية على السلع الغذائية.

كل ذلك يحول القارة الإفريقية من جديد إلى قارة ملتهبة ومنطقة البلبلة وغياب الاستقرار ابتداء من الصومال تتوسع وتشمل أثيوبيا وأرتيريا تشاد وأثيوبيا وكينيا والسودان. النزاعات الاسمية في أفريقيا تعبر حدودا بمنتهى السهولة ومن بين دولها الثلاث وخمسين هناك ثلاث وعشرون دولة تعتبر رسميا من أكثر العالم فقرا، 60 من 800 مليون أفريقي يعيشون أدنى من مستوى الفقر المعتمد عالميا.

هذه القارة الغنية بمواردها الطبيعية كالنفط والغاز تعاني من أزمة في الوقود والطاقة ويتفشى في الكثير من الدول الأفريقية الفساد الإداري والبطالة الواسعة ومستوى الجريمة المرتفع وتنهش بدن القارات الأفريقية النزاعات والحروب الأهلية والقبلية.

ففي تسع دول أفريقية تجري في الواقع عمليات حربية على الدوام أسفرت عن نزوح أكثر من 800 مليون شخص ولا يتوفر الماء الصالح للشرب ل؟؟% للسكان الأفارقة جنوبي الصحراء الكبرى.

فيما يعاني ثلث السكان من غياب الخدمات الطبية أين كانت ويحصد الموت في القارة الإفريقية سنويا أحد عشر مليونا من الأطفال في سن لا تتجاوز الخامسة ويتفشى فيها نصف أخطر الأمراض السارية والأكثر عدوى في المعمورة وفي مقدمتها الايدز.

ففي الأقطار الإفريقية غير العربية المصابون في هذا المرض حوالي 60% .

الأسرة الدولية قلقة كثيرا للأوضاع في أفريقيا وهناك الكثير من البرامج الإغاثية والمالية لنجدة القارة السوداء على العموم وفي ستينات القرن العشرين حيث دشنت أفريقيا عصر الاستقلال تلقت بلدان هذه القارة مساعدات من الخارج وصلت حوالي تريليون دولار.

==============================

غتيال المبحوح .. والارهاب الاسرائيلي

عبدالله محمد القاق

 الدستور

 7-3-2010

لم تكتف اسرائيل بأعمالها العدوانية والقمعية في الاراضي الفلسطينية وانتهاكها لحرية المساجد ، ومصادرة الاراضي واقامة البؤر الاستيطانية في مدينة القدس الشريف ، ورفضها بكل عنجهية وغطرسة وصلف للقرارات الدولية ، واستخدامها الفوسفور الابيض في قتل المدنيين في غزة ، وحرمان المواطنين الفلسطينيين من أبسط حقوقهم الوطنية ، ومصادرتها لحرية الرأي والتعبير عبر منع اطلاع السجناء الفلسطينيين البالغ عددهم (11) الفاً على بعض الفضائيات العربية ، لم تكتف بذلك بل انها تواصل سياستها العدوانية والارهابية لاغتيال النشطاء الفلسطينيين والقياديين العرب امثال عماد مغنية المسؤول العسكري لحزب الله ، وابو جهاد وابو اياد وابو الهول في تونس وهم من القيادات الفلسطينية ، بالاضافة الى العديد من العلماء العرب والقائد الفلسطيني محمود المبحوح.

 

فهذا الدور الاجرامي الذي يرتكبه الموساد في ملاحقة القادة الفلسطينيين والعرب على حد سواء ليس بجديد على السياسة الاسرائيلية لان طبيعة هذا الاحتلال ترتكز على سياسة اجرامية وقمعية ، متأصلة ومتجذرة في اسرائيل ، عن طريق سلب الاراضي واغتصاب المدن الفلسطينية وقصف المواطنين العرب الطائرات وارتكاب هذه القوات مذبحة بحر البقر في مصر ومجزرة قانا في لبنان ، وتهديدها اهالي غزة باستمرار بعد ارتكابها جرائم ابادة اسفرت عن مقتل 1450 غزياً واصابة اكثر من ستة آلاف شخص مما دعا الاوساط العربية والدولية الى ادانة هذه المجزرة عبر التقرير الدولي الذي اعده غولدستون القاضي اليهودي والذي ادان فيه اسرائيل على هذه الممارسات العدوانية والتي ترتقي الى مستوى الابادة الجماعية للشعب الفلسطيني،.

 

فاغتيال القائد المبحوح عبر الموساد ، انما يشكل ارهاب دولة اسرائيل القائم على الاثم والعدوان ، والذي يمثل وصمة عار على جبين السلطات الاسرائيلية والتي تضاف ايضا الى سجل تاريخ اسرائيل والموساد الذي يواصل أعماله العدوانية في قتل الشرفاء من العرب والمسلمين ، خاصة هذا القائد القسامي المبحوح المعروف بتأسيسه الكتائب الجهادية المقاومة للدفاع عن حياض الوطن الفلسطيني ، والذي لم ينفك هذا الكيان الاسرائيلي في الاستمرار باعماله الاجرامية في قتل الابرياء واعتقال الشيوخ والنساء والاطفال دون مراعاة لحقوق الانسان وللقواعد الدولية المرعية في هذا الاطار،.

 

لقد استطاعت دبي عبر اجهزتها الامنية المحكمة برئاسة مدير شرطتها ضاحي خلفان كشف ملابسات جريمة اغتيال المبحوح في وقت قصير ، مما كان لهذا العمل الاثر الكبير في كشف خفايا اغتيال القائد الحمساوي الذي كان يزور دبي والتي اجهزت عليه فرقة من الموساد تتجاوز السبعة وعشرين شخصاً جاؤوا من دول اوروبية متعددة بعد سرقة جوازات سفر اوروبية وتزويرها للقيام بهذه الجريمة النكراء..،.

 

وهذا العمل الاجرامي للموساد والذي كشفته اجهزة الامن في دبي ، جاءت افعاله مقرونة بالصور والوثائق بعد جهد طويل من التحقيق لهذا الجهاز الذي يسهم في حفظ الامن والامان لهذه الامارة الجميلة والتي يقصدها القاصي والداني لهدوئها واستقرارها ، واستثماراتها الناجمة ، والتي يشكل فيها الاجانب ما نسبته حوالي ثمانين في المائة من سكانها ، كان موضع استنكار كبير لدور اسرائيل في اختراق امن الدول العربية خاصة دبي والتي تتمتع بقيادة امنية قوية وبارزة اعد لها سمو الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي ورئيس وزراء دولة الامارات العربية المتحدة خططاً محكمة ومميزة برئاسة الفريق خلفان الذي يتسم بالشجاعة والقدرة الفائقة في الحفاظ على امن هذه الامارة ، واستقرارها وازدهار شعبها وتوفير الطمأنينة لهم ، لكون هذه المراقبة الفاعلة لهؤلاء المجرمين المحترفين من القتلة ، سجلت مختلف تحركاتهم وأعمالهم بالصور الدقيقة والدامغة لقتل الشهير القسامي محمود المبحوح والتي اكد الفريق خلفان بان الموساد هم وراء هذه الجريمة بنسبة تصل الى 99 في المائة ان لم تكن مائة بالمائة،.

 

فهذا الموقف الذي نقدره للشرطة الذكية في دبي عبر قيادتها لحكيمة والتي يوجد بها اكثر من (203) جنسيات يعيشون على اراضيها ، يمثل صورة مشرفة لدور دبي في حماية أمنها واستقرارها واستمرار السياحة الناشطة والمتدفقة لها بكل امن واطمئنان وتدعو للاعجاب لهذا الجهاز الامني اليقظ باستمرار والواقع ان مسؤولية هذه الجريمة كما تأكد بصورة قاطعة وغير قابلة للشك تقع على اسرائيل ، وكذلك تقع المسؤولية على الدول التي اصدرت جوازات سفر مزورة لهؤلاء او تغاضت عما فعلته اسرائيل لارتكاب هذه الجريمة وغيرها والذي تم عبر تزييف هذه الجوازات الاوروبية لهذه الدول وهذا يعني اضا اعتداء اسرائيل على سيادة كل من بريطانيا وفرنسا والمانيا واستراليا وايرلندا ، الامر الذي يتطلب من الحكومات المذكورة والتي اهينت عبر استخدام هذه الجوازات منم الموساد ، ان تتخذ مواقف حازمة ضد اسرائيل وجهاز الموساد للاقدام على ارتكاب هذه الجرائم المتتالية في دبي وغيرها لتنفيذ مآربها الارهابية والتي كانت موضع استنكار عربي ودولي ايضاً.

 

فهذا الجهاز الامني الذي يستحق الشكر والتقدير على دوره في كشف هذه الجريمة المعقدة عبر قيادته الواعية واخلاص الفريق خلفان ومساعديه والذين اماطوا اللثام عن حقائق واقعية لهذه العملية منذ وصول اعضاء الفريق المكلف بارتكاب الجريمة حتى سفرهم بالصورة الحية ، لم تكن الحادثة الاولى التي تكشفها اجهزة الامن في دبي بل اكتشف ايضا عملية اغتيال الفنانة اللبنانية سوزان تميم والتي أدت الى اتهام السياسي والملياردير المصري عضو الحزب الوطني بالتخطيط والاعداد لهذه الجريمة مما ادى الى الحكم عليه ، وعلى منفذ الجريمة بالاعدام لثبوت ضلوعه بالجريمة فضلا عن اتهام نائب رئيس الوزراء الشيشاني السابق عضو البرلمان الروسي ادم ديمخلوف بالوقوف وراء اغتيال الزعيم العسكري السابق في الشيشان سليم عمادييف الذي قتل بالرصاص في امارة دبي منذ بضع سنوات.

 

فهذه الاجراءات التي اكتشفت عبر الاجهزة الامنية في دبي لقتله المبحوح وللعديد من العمليات تدل على قوة الامن والاستخبارات في متابعاتها للقضايا الامنية حرصا على ارواح المواطنين والمقيمين والزائرين وتدعو الدول العربية الى مساندة دولة الامارات العربية المتحدة في جهودها من اجل ان يتمكن الانتربول في القاء القبض على هؤلاء المجرمين وتعرية اسرائيل وارهابها الدولي حول العالم ، باعتبار ذلك يعرض الامن والسلم العالمي للخطر،،.

==============================

أوباما ومحادثات الهند - باكستان .. السر افغانستان

افتتاحية - "كريستيان سيانس مونيتور"

الدستور

7-3-2010

من الواضح الآن أن الحرب في أفغانستان هي حرب الرئيس أوباما ، عقب زيادته العسكرية التي بلغت 30 ألف جندي ، واسترداد القوات الأميركية الناجح لمعقل سابق لطالبان في مارجة قبل أيام.

 

ولكن هناك أيضا الجبهة الدبلوماسية ، وهو ما سيحتاج فيه السيد أوباما الى زيادة أخرى: تحسين العلاقات بين الهند وباكستان ، وهما لاعبان هامان في المنطقة.

 

قدرة الرئيس أوباما على إعادة الجنود الأميركيين من أفغانستان الى الوطن تعتمد ، الى حد ما ، على ما اذا كان الخصوم المسلحون نوويا في جنوب آسيا يستطيعون إنهاء تنافسهم التاريخي ، خاصة مناورتهم لفرض نفوذهم في أفغانستان المجاورة.

 

بتاريخ يعود إلى 63 عاما ، وثلاث حروب أثرت سلبا على العلاقات بينهما ، كانت المحادثات التي اجرتها الهند وباكستان في 25 شباط ، تحت ضغط أميركي الى حد ما. الهند كانت قد قطعت الاتصالات الرسمية المتعلقة بعملية السلام عقب هجمات 2008 في مومباي (بومباي) ، التي نفذها إرهابيون على صلة بباكستان.

 

المحادثات في نيودلهي لم تجر على ما يرام. لم يكن هناك اتفاق على اللقاء مجددا ، فقط كان هناك اقتراح "للبقاء على اتصال". لم يكن هناك تصريح مشترك ، أو مؤتمر صحفي مشترك بل كان هناك الكثير من توجيه أصابع الاتهام.

 

علاوة على ذلك ، يبدو بأن القنبلة التي انفجرت في كابول كانت تستهدف هنودا يعيشون في العاصمة الأفغانية ، من المحتمل أنها محاولة من مقاتلين مؤيدين لباكستان لتعطيل أي محادثات إضافية.

 

كل هذا يشير إلى ضرورة أن يصبح أوباما ومبعوثه الخاص ، ريتشارد هولبروك ، أكثر فاعلية في إحداث مصالحة بين الهند وباكستان كجزء من تواصل إقليمي لإنهاء الحرب الأفغانية.

 

باكستان لا تستطيع اجتثاث القاعدة والطالبان والمقاتلين الآخرين على حدودها مع أفغانستان اذا بقي تركيز جيشها منصبا على إدراكه بوجود تهديد قادم من الهند. يجب نقل المزيد من قواتها من الحدود مع الهند الى الحدود الجبلية مع أفغانستان.

 

والهند قد لا تتمكن من الثقة فعلا بأن باكستان لن ترجع الى أسلوبها القديم بدعم الارهابيين أمثال طالبان الأفغان أو المقاتلين المعادين للهند والذين يسعون الى تحرير اقليم كشمير المتنازع عليه.

 

ليس من المحتمل أن تُحل هذه الشبكة المعقدة من الاختلافات بسهولة من جانب الهند وباكستان بمفردهما.

 

نعم ، كلتا الدولتين لديها محفزات استراتيجية للتقارب فيما بينهما ، خصوصا في رؤية الإرهاب كعدو مشترك.

 

الهند تحاول أن تضاهي الصين في محاولة بسط نفوذها في المنطقة. وهي تحتاج الى إنهاء الهجمات الإرهابية على أرضها ، والتي ينفذها إرهابيون على صلة بباكستان ، من أجل أن تبقي معدل نموها الاقتصادي في حدود تسعة بالمائة وتقلل من النسبة الضخمة للفقر.

 

في غضون ذلك ، تقوم باكستان بإنعاش ديمقراطيتها الهشة منذ 2007 ، وقد تنبهت أخيرا في العام الماضي الى التهديد الداخلي لاستقرارها من جانب الجماعات الجهادية. ولكنها لم تقم بما يكفي للقضاء على هؤلاء المقاتلين أو تسليم المشتبه بضلوعهم في تفجير مومباي عام 2008 الى الهند.

 

حاليا ، لا تستطيع الولايات المتحدة تسوية خلافاتهما ، وخصوصا كشمير. (الولايات المتحدة حاولت تسوية ذلك النزاع في بداية الستينيات من القرن الماضي ، الأمر الذي أدى الى ابتعاد الهند بشكل أكبر عن إقامة أي تحالف مع الولايات المتحدة أثناء الحرب الباردة). كقوة متنامية ، ترفض الهند تدخلا أميركيا قويا في المنطقة رغم أنها تسعى نحو عقد شراكة عالمية مع أميركا.

 

إدارة أوباما تستطيع بالطبع القيام بالمزيد للضغط على الاثنتين للعودة الى طاولة المفاوضات. للمساعدة في أن يحدث ذلك ، عليها أن تواصل كسب ثقة البلدين كشركاء على المدى الطويل.

 

يجب على الولايات المتحدة أن تحسن علاقاتها مع الجيش الباكستاني وأن تتعامل مع باكستان كما تتعامل مع الهند من زاوية المصلحة الاستراتيجية الطويلة الأمد. وعليها أن تعزز تحالفها المتنامي مع الهند وأن تضغط على باكستان لإلقاء القبض على المقاتلين المعاديم للهند.

 

فقط ، بانتهاج أسلوب المساواة ، ستكون الولايات المتحدة قادرة على إبقاء البلدين على طريق المفاوضات والمساعدة في إنهاء عداء طويل أخذ تأثيره يمتد الى أفغانستان.

 

تدور رحى الحروب أحيانا بعيدا عن ساحة الحرب. نجاح أوباما كقائد أعلى في أفغانستان سيعتمد أيضا على مهاراته الدبلوماسية في الحرب الباردة الطويلة في جنوب آسيا.

==============================

تجنّباً للوقت الضائع !

سمير منصور

النهار

7-3-2010

لا يكتشف جديداً من يتحدث عن "نقزة" في مكان ما من توقيت جلسات الحوار الوطني عشية بدايتها بعد غد الثلثاء في القصر الجمهوري بدعوة من الرئيس ميشال سليمان. فهي ليست سراً، اذ عبّرت عنها بأشكال مختلفة تسريبات وتحليلات وتصريحات مباشرة. ومن المهم الإشارة الى هذه "النقزة" ربطاً بالسؤال عما يمكن ان تسفر عنه طاولة الحوار المتجددة. وقد طرح هذا السؤال في سياق اشارات التوجّس و"النقزة" نفسها. وسوريا معنية بها مباشرة، ليس من باب الاتهام وتحميلها المسؤولية بل لسببين على الاقل: الاول ان الدعوة الى معاودة الحوار جاءت مباشرة بعد قمة دمشق قبل عشرة ايام بين الرئيسين السوري بشار الاسد والايراني محمود احمدي نجاد وبمشاركة متميزة للأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله، فبدت الدعوة من وجهة نظر البعض، اقله في توقيتها، ردا على القمة وما صدر عنها. واما السبب الآخر الذي يجعل دمشق معنية بهذه "النقزة" فهو ان التعبير عنها صدر عن بعض اقرب الناس الى العاصمة السورية وآخرهم اثنان: عاصم قانصوه وميشال سماحة. فالأول عضو "القيادة القومية" لحزب البعث وممثله في مجلس النواب، والثاني، كاتم الاسرار والرسائل ومهندس لقاءات سياسية وحزبية قديمة وجديدة بين بيروت ودمشق، والحليف المطلع على "الجو" السوري والمعبّر عنه. وكلاهما طرح التساؤلات نفسها: لماذا اتت الدعوة الى طاولة الحوار مباشرة بعد قمة دمشق؟ ولماذا جاءت مباشرة بعد دعوة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون الى معاودة جلسات الحوار في لبنان؟ ولماذا يقتصر جدول الاعمال على بند واحد هو سلاح المقاومة؟

تلك تساؤلات تجعل السؤال عن مصير جلسات الحوار مشروعا. كما انها توحي وجود مشكلة برزت فجأة في وجه "صاحب الدعوة" الرئيس سليمان، وهو بالتأكيد معني بحلها، ولا احد غيره، لا لشيء الا لأنها تنذر باحتمال فتور بينه وبين القيادة السورية. وهل هناك اكثر من حديث "الحلفاء" عن "الدعوة – الرد على قمة دمشق" للدلالة على هذا الفتور؟

ثم ان السؤال عن سبب اقتصار جدول الاعمال "على سلاح المقاومة تحت عنوان الاستراتيجية الدفاعية" يستبطن تحذيراً وتلويحاً بعناوين اخرى يمكن ان تطرح ومنها الغاء الطائفية السياسية او الملفات الاقتصادية وما شابه، وثمة "تسريبات" واضحة بهذا المعنى. ورئيس الجمهورية معني كذلك بالرد على هذه الاسئلة وايضاح ما اذا كان صحيحاً ان جدول الاعمال يقتصر على "بند السلاح"، علماً انه قال انه لا يمانع باقتراح عناوين اخرى.

وسط هذه الاجواء ليس عند رئيس الجمهورية في احاديثه امام زواره ما يوحي علناً على الاقل، وجود مشكلة بينه وبين القيادة السورية. بل يتحدث بود عن الرئيس الاسد وعن اهمية السير قدما في تطوير العلاقات اللبنانية – السورية وترسيخها. و"يوازن" في الداخل، بين الجميع، معارضة وموالاة.

وبديهي القول ان هذه "التسريبات" تقتضي تحريك الاتصالات بين بيروت ودمشق وربما على مستوى قمة ثنائية تأتي مباشرة بعد قمة دمشق الاخيرة والتي جاءت في خضم حديث متجدد عن ضغوط اميركية اسرائيلية وتهديدات بنشوب حرب ضد ايران وسوريا ولبنان على حد سواء، تكون كفيلة بإجابة واضحة عن حقيقة وجود غيوم في سماء العلاقة بين بعبدا و"ابو رمانة"؟

ولعل مشاورات عاجلة مع المعنيين بالامر الاساسيين في الداخل سواء في الاعتراض على "تركيبة" هيئة الحوار الجديدة او على جدول اعمالها، من شأنها ان تقطع الطريق على استباق نتائج اجتماعات الحوار والحديث سلفا عن فشلها وان تجنّب البلاد المزيد من الوقت الضائع!

==============================

التراخي الأميركي ومشكلة تويوتا

بقلم :رالف نادر

البيان

7-3-2010

كشف تسليط الأضواء على عيوب التسارع المفاجئ في مركبات تويوتا عن التراخي في تطبيق الأنظمة والقوانين من قبل الإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة بالولايات المتحدة، والمشكلات الخطيرة الناتجة عن تحرير هذا القطاع من القيود القانونية على مدار العقود الماضية.

 

ومع ارتفاع أعداد الوفيات والإصابات الناتجة عن تلك العيوب، وانخفاض مبيعات تويوتا بشكل حاد، آن الأوان لنسأل: لماذا لا يقوم المسؤولون عن السلامة في وزارة النقل بعملهم كما يتوقع منهم الناس؟

 

ويكمن جزء من المشكلة في جنون إزالة القيود القانونية، الذي ضرب واشنطن منذ سنوات رونالد ريغان، حيث تم منذ ذلك الحين تقليص دور الإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة، واختزال ميزانيتها إلى النصف تقريباً، ما اضطرها إلى خفض أعداد كوادرها الفنية بشكل كبير.

 

ولقد أفاد خوان كلايبروك، رئيس الإدارة الأسبق، بأن هناك الآن حاجة إلى زيادة الميزانية بواقع 100 مليون دولار فقط، لضمان توفر الكوادر والقدرات الفنية للوفاء بالتزاماتها في مجالات معايير السلامة وقضايا الاسترجاع بسبب العيوب وتطبيق القانون والأبحاث.

 

وفي وقت تتسبب فيه حوادث السيارات سنوياً بقتل نحو 40 ألف أميركي وإصابة مئات الآلاف، لا تتجاوز ميزانية قطاع سلامة المركبات في الإدارة 140 مليون دولار فقط. في حين يتحمل دافعو الضرائب أكثر من أربعة أضعاف هذا المبلغ حوالي 675 مليون دولار، لحماية السفارة الأميركية في بغداد.

 

ولو كانت هذه الوكالة تحظى بتمويل أفضل وصلاحيات أكبر، للاضطلاع بدور الرقابة المنوط بها بشكل أفضل، لربما استطاعت التعامل بسرعة أكبر مع مشكلات تويوتا.

 

فلقد استحدثت تويوتا دواسات البترول الإلكترونية في 2002 في موديلات محددة من سيارات كامري ولكزس، ومنذ ذلك الحين ازدادت شكاوى المستهلكين إلى الإدارة بشأن مشكلة التسارع المفاجئ إلى أربعة أضعاف بالنسبة لتلك الموديلات. واستجابة إلى المطالب الرسمية في هذا الصدد، فتحت الإدارة عدة تحقيقات بشأن العيوب الفنية في سيارات تويوتا، بدون القيام بأي تحرك ملموس.

 

وبالنظر إلى الأنظمة المتراخية في الولايات المتحدة، لم يكن مفاجئاً ان أول رد من جانب شركة تويوتا على مشكلة التسارع المفاجئ المتواصلة منذ سبع سنوات تمثل في تحميل السائقين مسؤولية الخطأ، ثم الزعم بأن سبب المشكلة ناجمة عن احتكاك دواسة البترول بقطعة القماش التي توضع تحت رجلي السائق، ثم الاعتراف بأن العديد من ال 3 ,2 مليون سيارة تويوتا، التي تم استدعاؤها في الولايات المتحدة، تستخدم دواسة بنزين معرضة فعلاً لمواجهة مشكلة التسارع المفاجئ.

 

لكن لولا حادث السيارة الذي التقطته كاميرات الطوارئ في سان دييغو، لما أقدمت تويوتا أصلاً على استدعاء سياراتها من أجل إصلاح تلك المشكلة الخطيرة.

 

لولا الكاميرات، لكان ذلك الحادث، الذي أودى بحياة ضابط دورية على الطرق السريعة والركاب الثلاثة الذين كانوا معه، قد عزي أيضاً، مثل غيره، إلى خطأ من السائق، وتم تجاهل الأمر.

 

ويأتي هذا التراجع في مستويات ومعايير الرقابة في وقت تزداد فيه التصميمات الهندسية للمركبات تعقيداً أكثر فأكثر. وحتى يومنا هذا، لا يوجد في الإدارة أي خبير في أنظمة السيارات الإلكترونية، رغم أن السائقين يعجزون عن السيطرة على السيارات بسبب تلك الأنظمة بالتحديد.

 

وتوصف سيارات اليوم بأنها كمبيوترات متحركة على عجلات، حيث يوجد فيها عدة معالجات دقيقة تؤدي وظائف مختلفة، بما في ذلك أداء التسارع. والتعقيد الذي يتزايد عاماً بعد آخر في هذه الأنظمة لا يخضع بشكل صارم لمعايير الأنظمة العامة. وشركات السيارات تحرص كل الحرص على عدم الكشف عن تلك الأسرار التجارية التكنولوجية. وهذا الوضع يعيق عقد مؤتمرات تقنية مفتوحة لمناقشة مشكلات السلامة وأفضل السبل المتوفرة لعلاجها.

 

والآن، في أعقاب فضيحة تويوتا، ينظر السائقون إلى عقلية الصناعة المنعزلة على أنها ضرب من ضروب الغرور، ولا بد من وضع حد لها.

 

التسارع المفاجئ مشكلة قديمة في صناعة السيارات. وقد سبق ان طلبت إدارة سلامة المرور على الطرق السريعة من شركة جنرال موتورز استدعاء 7,6 ملايين سيارة في عام 1971 بسبب وجود عيب في قواعد تحميل المحرك. وتويوتا نفسها اضطرت لاستدعاء عدد من المركبات بسبب مشكلة التسارع المفاجئ في 1986.

 

ومن البديهي ان إعادة بناء إدارة سلامة المرور إلى مستوى أفضل من القدرات التقنية والتنظيمية ضروري أيضاً لسلامة السائقين على الطرق السريعة. ومع ذلك فإن الرئيس الأميركي باراك أوباما قد اوصى بخفض ميزانية الوكالة لسلامة المركبات السنة المقبلة بواقع 8 مليارات دولار.

 

وعليه، بدلاً من ذلك، ان يقوم بتغيير كامل، ويدعو إلى تقوية هذه الوكالة الأساسية، موفراً كل الموارد والدعم السياسي الضروري لإنجاح تلك المهمة. نحن بحاجة إلى معايير جديدة، تطبق بقوة القانون مع التلويح بالعقوبات الجنائية. ونحن بحاجة إلى وكالة قادرة على القيام بالأبحاث والاختبارات الحاسمة في هذا السياق.

 

وتاريخياً، عندما كانت الولايات المتحدة تحدث معايير سلامة المركبات، كانت بقية الدول تقتدي بها. وعندما تزيل الولايات المتحدة القيود القانونية التي تضبط هذا المضمار، فستسير على خطاها دول أخرى على الأغلب.

 

من جانبها يجب على شركة تويوتا ان تقوم بتغييرات إدارية على أعلى المستويات، وتستعيد السيطرة على جودة مركباتها، التي كانت مضرباً للمثل في الماضي القريب، وتجري مراجعة شاملة لجميع أنظمتها الإلكترونية، وتنبذ ثقافة السرية والتلاعب بوكالات السلامة العامة.

 

وعلى شركات السيارات الأخرى، المنغمسة في عمليات البرمجمة المعقدة لأنظمتها الإلكترونية، أن تتعلم الدرس من مشكلات تويوتا، لتفادي المشكلات قبل حدوثها.

 

في فترة 1956-1966، عندما كنت أعمل على تمرير مشروع القانون الذي أنشئت بموجبه وكالة سلامة المرور على الطريق السريعة، كان من الواضح انه لا بد من مواصلة دور الرقابة الشعبية، من أجل مواجهة تأثير جماعات الضغط التي تعمل لحساب صناعة السيارات بالضغط على الكونغرس والوكالة.

 

ولذلك على السائقين الذي يواجهون أية مشكلات أو عيوب تقنية في سياراتهم، الاتصال فوراً بالرقم المجاني للوكالة، والتقدم بشكاوى رسمية على موقع مركز سلامة السيارات، وجعل مسؤوليهم المنتخبين يدركون أن قضايا السلامة يجب ان تعطى الأولوية على كل الأصعدة.

مرشح سابق للرئاسة الأميركية

==============================

البديل الصيني للديمقراطية

بقلم : دانيال بيل

البيان

7-3-2010

ُقبل أربعة عقود، كان مجرد الحديث بكلام طيب عن كونفوشيوس في بكين أشبه بالانتحار. فلقد كان كونفوشيوس العدو الرجعي، وكانت قيادة البلد تحضّ جميع الصينيين على الكفاح ضده.

 

كم تغير الزمن في أيامنا هذه، حيث وافق الحزب الشيوعي الصيني على عرض فيلم عن كونفوشيوس من بطولة النجم الوسيم شاو يون فات. ويصور الفيلم كونفوشيوس كقائد عسكري فذّ وأستاذ محنّك للقيم الإنسانية والتقدمية. ما الذي يبوح به هذا عن المستقبل السياسي للصين؟

 

خلال الثورة الثقافية الصينية، كان اسم «كونفوشيوس» يستخدم في أحيان كثيرة كنعت سييء لمهاجمة الأعداء السياسيين. أما اليوم، فالكونفوشية تؤدي وظيفة سياسية أكثر شرعية، إذ يمكنها المساهمة في توفير أساس أخلاقي جديد للحكم السياسي في الصين. فلقد فقدت الشيوعية قدرتها على إلهام الصينيين، وهناك إدراك متنام بأن البديل يجب أن يكون مستقى، على الأقل جزئياً، من تقاليد الصين. وباعتبارها العرف السياسي المهيمن في الصين، تبدو الكونفوشية البديل البديهي للشيوعية.

 

لم يقم الحزب بتغيير اسمه إلى الحزب الكونفوشي الصيني بعد، لكنه يقترب بشكل متزايد من تبني الكونفوشية رسمياً. فلقد سلطت دورة الألعاب الأولومبية الضوء على العديد من الرموز والمواضيع الكونفوشية، حيث تضمن الحفل الافتتاحي مقتطفات من كتاب «المنتخبات» الشهير الذي يعتبر إنجيل كونفوشيوس، بينما أغفلت الإشارة إلى تجربة الصين مع الشيوعية.

 

لكن إحياء الكونفوشية ليس اتجاهاً مرعياً من الحكومة فقط. فالحكومة تتفاعل أيضاً مع تطورات خارج نطاق سيطرتها، حيث شهدت الآونة الأخيرة ازدياداً كبيراً جداً في الاهتمام بالكونفوشية في أوساط الأكاديميين والرديف الصيني للمجتمع المدني.

 

لكن المشكلة لا تكمن فقط في اقتناع الحكومة الصينية بالأمر، إذ من الصعب إقناع البلدان الغربية بأن الكونفوشية يمكن ان تقدم طريقاً إنسانياً تقدمياً للإصلاح السياسي في الصين. فلماذا تقلق فكرة إعادة إحياء الكونفوشية الغربيين؟

 

أحد الأسباب ربما يكمن في الأنانية وحب الذات من جانب الغرب. فخلال عقود طويلة من القرن العشرين، انخرط الليبراليون والماركسيون الصينيون في انتقاد كلي لميراثهم الثقافي والسياسي، وتطلعوا إلى الغرب بحثاً عن الإلهام.

 

وربما راق للغربيين هذا المشهد الذي يحاول فيه الصينيون تقليدهم ، لكنهم أصبحوا أقل تعاطفاً الآن لأن الصينيين بدأوا يفخرون بتقاليدهم وأعرافهم الخاصة ويستلهمون منها أفكار الإصلاح الاجتماعي والسياسي. لكن من السهل التغلب على هذه المشكلة فقط بقليل من الفهم والانفتاح الفكري من جانب الغرب.

 

ومن الأسباب الأخرى ، التي ربما تجعل الغرب يتبنى موقفاً متحفظاً، ان الإرث الكونفوشي يقترن في أذهان البعض بإعادة إحياء نزعة التشدد الإسلامية.

 

وربما يتبادر للذهن أيضاً إحياء الأصولية المسيحية المتشددة ذات العقلية المنغلقة على ذاتها. لكن الكونفوشية في الصين ليست مناهضة إلى هذا الحد للطرق الاجتماعية الليبرالية (باستثناء مناهضتها لأنماط الحياة الشخصانية المتطرفة، التي تكرس السعي إلى طيبات الحياة بشكل رئيسي خارج العلاقات الاجتماعية). وما تقترحه الكونفوشية هو بديل للطرق السياسية الغربية، وربما يكون هذا هو مصدر القلق الرئيسي. لكن هذا القلق ينبع من خطأ صريح، وهو افتراض ان عدم تأييد الديمقراطية بشكلها الغربي يعني تأييد الفاشستية.

 

في حقيقة الأمر ان الإصلاحيين الكونفوشيين عموماً يحابون الاتجاه نحو المزيد من حرية التعبير في الصين. لكن ما يشككون به هو اعتماد الأسلوب الغربي في الانتخابات التنافسية باعتباره الآلية المثالية لاختيار حكام البلد الأقوياء. ومن العيوب الرئيسية التي تعتري مبدأ «شخص واحد، صوت واحد» ان المساواة تنتهي عند حدود المجتمع السياسي، ويتم إهمال كل من هم خارجه.

 

ولذلك، يطرح الإصلاحيون الكونفوشيون مثلاً سياسية عليا، تهدف إلى تحقيق أداء أفضل من الديمقراطية الغربية، فيما يتعلق بتأمين مصالح كل من يتأثر بسياسات الحكومة، بما في ذلك الأجيال المستقبلية والأجانب.

 

والمثل الأعلى الذي يضعه هؤلاء نصب أعينهم ليس عالماً يعامل به الجميع على قدم المساواة، بل عالم يتم فيه التعامل مع مصالح الأفراد غير الناخبين بقدر أكبر من الجدية مما يحدث في معظم الديمقراطيات القومية. والقيمة الأساسية لتحقيق تلك المثل السياسية العالمية هي «الميريتوكراسية»، والتي تعني تكافؤ الفرص في التعليم والحكومة وتوزيع المناصب للقيادية فقط على أفراد المجتمع الأكثر استقامة وجدارة شخصية.

 

وتتلخص الفكرة في ان كل شخص لديه الإمكانات ليصبح نموذجاً أخلاقياً يقتدى به، لكن على أرض الواقع، نجد ان القدرة على إطلاق أحكام سياسية سديدة وصائبة أخلاقياً تتراوح من شخص لآخر.

جامعة تسينغهوا ببكين

==============================

«قمة دمشق»... ولبنان الرهينة!

خيرالله خيرالله

الرأي العام

7-3-2010

يمكن وضع «القمة الإيرانية - السورية - اللبنانية» التي انعقدت في دمشق أخيراً وضمت الرئيس محمود أحمدي نجاد، والرئيس بشار الأسد، والأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله في سياق تأكيد أن لبنان رهينة. الصورة، صورة «قمة دمشق»، ليست بعيدة عن نظرة المحور الإيراني - السوري إلى مستقبل لبنان والدور الذي يفترض به أن يلعبه بصفة كونه «ساحة» لا أكثر ولا أقلّ. لبنان امتداد للمحور الإيراني - السوري، واللعب فيه مباح للمحور، خصوصاً بعدما صار الجانب السوري يدرك أن عليه التعاطي مع الوجود الإيراني في لبنان بطريقة مختلفة تميل كفة الميزان فيها إلى طهران. بكلام أوضح، تغيّرت موازين القوى بين الجانبين بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في فبراير من العام 2005، واضطرار النظام السوري إلى سحب قواته من لبنان في إبريل من العام نفسه لأسباب لا تخفى على أحد. في مقدم الأسباب الشارع السنّي اللبناني الذي كان معبأ، ولا يزال، في وجه النظام السوري وليس ضد الشعب السوري، وسورية كسورية في طبيعة الحال.

تغيّرت المعادلة بين الجانبين الإيراني والسوري لسبب في غاية البساطة أن من ملأ الفراغ الأمني الذي خلفه انسحاب القوات السورية من لبنان هو ميليشيا «حزب الله» التي ليست سوى لواء في «الحرس الثوري الإيراني». في مرحلة معينة، كان ما بقي من الأجهزة السورية في لبنان مضطراً إلى التحرك تحت الجناح الإيراني. حتى لو تبدلت الصورة حالياً، في ضوء إعادة النظام السوري تجميع أوراقه في لبنان، ورص صفوف أدواته، والأحزاب التابعة لأجهزته، فإن هذا التبدل يظلّ في حدود معينة. ما لا يمكن تجاهله، على سبيل المثال، أن امتلاك النائب ميشال عون لكتلة نيابية كبيرة عائد قبل كل شيء إلى «حزب الله» وليس إلى شعبية الجنرال في الأوساط المسيحية. ولا حاجة هنا إلى الدخول في التفاصيل التي يعرفها الصغير قبل الكبير. أكثر من ذلك، من أعاد العمل بسلاح الترهيب في «الساحة» اللبنانية هو إيران بالتفاهم مع النظام في سورية والتعاون معه. حصل ذلك عن طريق افتعال حرب صيف العام 2006 التي أعادت لبنان أعواماً إلى خلف، وعبر استكمال العدوان الإسرائيلي على الوطن الصغير عندما عطل ما يسمى الاعتصام الحياة وسط بيروت، وحال دون انتخاب رئيس للجمهورية. استمر الترهيب الذي يستهدف اللبنانيين الشرفاء عبر غزوة بيروت والجبل في مايو من العام 2008. وإذا كانت بيروت ما زالت تقاوم، رغم السلاح الميليشيوي الموجه إلى صدور مواطنيها، فإن الجبل تراجع. الدليل على ذلك أن وليد جنبلاط عاد زعيماً درزياً بعدما كان حتى الأمس القريب زعيماً وطنياً له وجوده المسيحي والسني والشيعي، وامتداداته على كل الأراضي اللبنانية من أقصى الجنوب إلى اقصى الشمال.

انعقدت «قمة دمشق» في ظل هذا التوازن الجديد الذي لا يعني في أي شكل أن سورية، كنظام، لم تعد لاعباً أساسياً في لبنان، بمقدار ما تعني أمرين. الأول أن النفوذ السوري في لبنان يعتمد أكثر من أي وقت على الوجود المسلح الإيراني الذي يحتاج بدوره إلى الممر السوري إلى الأراضي اللبنانية. أما الأمر الآخر، فيتمثل في كشف طبيعة العلاقة - الإيرانية السورية ومدى عمقها من جهة والرغبة المشتركة في التركيز على لبنان - الرهينة، واستخدامه لمآرب مرتبطة بالمصالح الإيرانية - السورية من جهة أخرى. من أجل حماية هذه المصالح، في الإمكان السماح لإسرائيل بتدمير لبنان عن بكرة أبيه، كما في الإمكان خوض كل أنواع الحروب معها... ما دام ذلك على حساب لبنان، وحتى آخر لبناني، وآخر حجر في بيت قائم في الجنوب، أو بيروت، أو الجبل، أو البقاع، أو الشمال!

صحيح أن الحسابات اللبنانية كانت في غاية الأهمية في القمة الثلاثية، خصوصاً أن الهدف كان تأكيد وضع اليد الإيرانية - السورية على لبنان، لكن الصحيح أيضاً أنه كان هناك هدف آخر للقمة. بدا مطلوباً أكثر من أي وقت جس النبض الأميركي. هناك، عجز واضح لدى الأدارة الأميركية الحالية التي لم تستطع معالجة أي ملف من الملفات المرتبطة من قريب أو بعيد في الشرق الأوسط.

كان أفضل دليل على العجز طريقة تعاطي إدارة باراك أوباما مع إسرائيل. لماذا لا يختبر المحور الإيراني - السوري الإدارة في واشنطن ما دام ذلك على حساب على لبنان، وما دام كل ما هو على حساب لبنان لا يزعج إسرائيل؟ العجز الأميركي واضح كل الوضوح من أفغانستان وباكستان إلى طريقة التعامل مع الصين المدافعة بقوة عن السياسة الإيرانية والرافضة لأي عقوبات تفرض على إيران بسبب برنامجها النووي.

فات المحور الإيراني- السوري أن لبنان بأكثريته الساحقة، بمسلميه ومسيحييه ليس تابعاً لأحد ويرفض أن يكون رهينة. لبنان يقاوم الميليشيات المسلحة. لبنان لا تنطلي عليه الشعارات التي تتحدث عن وجود مقاومة على أرضه. الموجود على أرض لبنان سلاح مذهبي موجه إلى صدور اللبنانيين الشرفاء الذين يرفضون أن يكونوا أدوات لدى هذه الجهة أو تلك. في النهاية مع اقتراب موعد الذكرى الخامسة لتظاهرة الرابع عشر من آذار (مارس 2005)، لابد من أن يرسخ في الأذهان أن دم رفيق الحريري هو الذي حرر لبنان، وأن اللبناني العادي هو الذي نزل إلى الشارع وطالب بخروج القوات السورية من الأراضي اللبنانية. لم تكن الولايات المتحدة تريد ذلك، ولم تكن إسرائيل في وارد الضغط في هذا الاتجاه. لبنان لا يزال يقاوم المحاولات المتجددة لإعادة فرض الوصاية عليه، ولبنان هو الذي يقاوم السلاح الميليشيوي والمذهبي الذي يستخدم لإعادة الوصاية. فات «قمة دمشق» والمشاركين فيها العامل اللبناني، فاتها وجود مقاومة حقيقية تنتمي إلى كل الطوائف والمذاهب والمناطق، مقاومة حضارية مرتبطة بثقافة الحياة قبل أي شيء آخر... مرتبطة بلبنان أوّلاً.

كاتب لبناني مقيم في لندن

==============================

لبيك صرخة ينتظرها الأقصى

آخر تحديث:الأحد ,07/03/2010

عائشة تريم

الخليج

حاصر الاحتلال “الإسرائيلي” المسجد الأقصى، واعتدى على المدنيين الفلسطينيين، وطوق المنطقة حول المسجد بالحواجز، في خطوة أولى لتحقيق ما يزعمون أنه “مشروع استعادة التراث الوطني” . وقد وضعوا خطة لمشروع الاسترجاع رصدوا لها 107 ملايين دولار تصرف على المناطق المسترجعة التي يزعمون أنها تثبت علاقة “إسرائيل” بهذه الأرض . وتضمنت “قائمة التراث” التي أعدها ووضعها قيد التنفيذ بنيامين نتنياهو، العديد من المواقع الإسلامية والمسيحية .

 

وتقع العديد من المواقع الواردة في القائمة في الضفة الغربية التي سلمت للسلطة الفلسطينية العام 1994 بموجب اتفاقية غزة - أريحا . ولكن وفق الأسلوب “الإسرائيلي” والتنصل الخادع من الاتفاقيات السياسية فقد قطع قادة الكيان العهد على أنفسهم باسترجاع تلك المواقع التي لا تدخل ضمن “أرضهم” . إن الصهاينة أسياد التدرج، فقد استولوا على الأرض الفلسطينية ببطء حجراً بعد حجر، وبنت “إسرائيل” 100 مستوطنة يهودية في الضفة الغربية، يقطنها أكثر من 500 ألف يهودي . ومع أن المحكمة الدولية حكمت بعدم شرعية هذه المستوطنات بموجب القانون الدولي، فقد توسعت، ذلك بأن “إسرائيل” تفعل ما تشاء عند تناول هذه المستوطنات، بينما يكتفي العالم بالمشاهدة والاستنكار .

 

السلطة الفلسطينية أعربت عن استيائها من الخرق الفاضح وحذرت من أن تصرف “إسرائيل” سوف يعيق العملية السلمية، ويوقد حرباً دينية جديدة . ولكن السلام لا مكان له على الأجندة “الإسرائيلية” . لذا فإن يهودية دولة “إسرائيل” تقول إن الشكل المنطقي لأي تصرف هو الحصار، وانتهاك الحرمات، ودمغ كل المواقع الإسلامية والمسيحية بالطابع اليهودي لتحقيق ذلك الغرض .

 

لقد تم الاستيلاء على المئات من المساجد منذ العام 1946 ومازال العالم واقفاً بصمت، وتم هدم بعض هذه المساجد وتحويل بعضها الآخر إلى مطاعم ونوادٍ ليلية . وهوجم الحرم الإبراهيمي بحجة “الاسترجاع” السخيفة ذاتها، فالفلسطينيون مازالوا قائمين عليه منذ أكثر من مائة سنة . وكانت حجة اليهود البسيطة في البداية أن يضيئوا شمعة في الحرم الإبراهيمي، فإذا ما دخلوه استولوا عليه، حتى أن “الإسرائيليين” يقيمون اليوم الصلوات فيه بانتظام، وقد “وعدوا” بالسماح للمسلمين بمشاركتهم في الحرم الإبراهيمي .

 

ويتذرع اليهود اليوم بالسبب القديم نفسه ولكن بصورة أوسع وبتدرج عدواني أبعد . إن “إسرائيل” تريد أن تستولي على المسجد الأقصى، وتعدي “إسرائيل” السافر مبعثه صمت الدول العربية بل والإسلامية اليوم . إنه المسجد الأقصى، ثالث الحرمين الشريفين، وقبلة المسلمين قبل تحويلها إلى الكعبة . وهو المكان الذي أسري إليه بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم . فإلى أي مدى ستذهب “إسرائيل” حتى تنطق الدول الإسلامية وتتحرك؟

 

إنها إشارة واضحة من “إسرائيل” لأنها لا تريد المضي في عملية السلام، وصفعة في وجه إدارة أوباما الذي يسعى لتبنيها . ولا يكفي أن تصدر الحكومات بيانات الاستنكار عبر الصحافة، بل على الحكومات العربية أن تقطع العلاقات السياسية والتجارية مع “إسرائيل” في الحال . ومن المحزن أنه في الأسبوع نفسه الذي يتعرض فيه الأقصى للغزو يصدر القضاء المصري قراره بالسماح ببيع الغاز ل “إسرائيل” .

 

قد يحدث الفرد شغباً، وينطلق في مظاهرات في الشوارع، ويصرخ بأعلى صوته، ولكن الحكومات هي التي يجب أن تنطق بصوتنا فتعكس صرخات قلوبنا وعقولنا . إلى متى سنبقى صامتين، تخرسنا مخاوفنا من القمع السياسي؟ لقد شبعنا من كلمات الإدانة والاستنكار . إننا إذا ما اتخذنا موقفاً، أو انطلقنا محتجين، فلن نعاقب على ما نسأله، لأننا لا نسأل إلا عن الحق والصواب .

 

إننا نسأل عن تاريخنا وحقوقنا أن تصان وتحمى، وعن القرارات الدولية أن ترعى وتحترم، لا أن تهمل وتنتهك . لقد دانت الأمم المتحدة مشروع استعادة “إسرائيل” ما تسميه تراثها، ولكننا عقب تقرير “غولدستون” بدأنا نعي الحقيقة التي شعرنا بمرارتها في حلوقنا، الحقيقة التي لا تستطيع الأمم المتحدة أن تغير فيها شيئاً إذا ما كانت “إسرائيل” هي المعنية .

 

إذا لم تتحرك حكوماتنا وبهمة جادة، فإن الأقصى سوف يهدم ويهوي ببطء، ولا يهم عدد الحجارة التي سترجم بها الجرافات في غضون ثلاثين شهراً ويصبح المسجد كما في خططهم “ملكاً لهم”، سوف يكون من أماكن الجذب السياحي نقل المباني الحكومية إلى المكان، لتحمل الأسماء اليهودية، واللافتات المنقوشة حديثاً لما يدعون أنه الرابط التاريخي .

 

إنه لمدعاة للغضب والبكاء من العار، أننا ونحن ننهمك في حياتنا اليومية نترك الأمر كله لأبناء الشعب الفلسطيني أن يحموا المسجد الأقصى بجدار من أجسادهم العارية، محاولين بلا هوادة أن يوقفوا جيش الاحتلال “الإسرائيلي” الذي لا يتورع عن الرد بأي وسيلة على حجر يرجم به طفل فلسطيني دبابتهم .

إن حكوماتنا أقوى بكثير مما تظن في نفسها . وعليها أن تضع حداً للسلبية والركود، وتستخدم هذه القوة لإيقاف هذه الجريمة بحق التاريخ، وحقوق الإنسان، والدين .

===================================

أحكام القانون الدولي لمواجهة ضم الحرم الإبراهيمي

آخر تحديث:الأحد ,07/03/2010

خليل حسين

الخليج

تعرضت الأماكن الدينية والتراثية في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى شتى صنوف الانتهاكات والاعتداءات من هدم وضم وتغيير معالم وغيرها من الأشكال المخالفة لقواعد القانون الدولي العام . ويأتي إعلان “إسرائيل” ضم الحرم الإبراهيمي، ليشكّل تحدياً جديداً للعرب والمسلمين، بخاصة أن الاعتداء على الحرم لم يكن الأول من نوعة بل تسبّب في السابق في ما سميَّ بالانتفاضة الثانية بعد المجزرة التي ارتكبت فيه من قبل متطرف يهودي .

 

لقد نظمت المواثيق والاتفاقيات الدولية وضع الأماكن الدينية والتراثية والثقافية إبان الحروب والاحتلال على حد سواء . وأكدت بمجملها على عدم التعرّض لها، بل أوجبت تقديم الحماية في بعض الجوانب .، فقد نصت المادة (27) من اتفاقية لاهاي لعام 1907 أنه في حال الحصار والضرب بالقنابل ينبغي اتخاذ كل ما يمكن اتخاذه من الوسائل لعدم المساس بالمباني المعدّة للعبادة، والفنون، والعلوم، وللأعمال الخيرية، والآثار التاريخية، بشرط ألا تكون مستعملة في الوقت ذاته لأغراض عسكرية، كما تضمّنت المواد الخاصة بالضرب بالقنابل عن طريق القوات البحرية، نصوصاً تتعلق بأماكن العبادة بصفة عامة، فأكدت المادة (5) منها على أنه يجب على القائد عند الضرب بالقنابل بوساطة قوات بحرية أن يتخذ كل الإجراءات اللازمة لابعاد المنشآت المخصصة للعبادة عن العمليات العسكرية .

 

وبالنظر إلى التباعد والتباين بين النظرية والواقع بين اتقافية لاهاي لعام 1907 والواقع الذي تم التعامل به مع تلك المنشآت وقت الحروب وفي ظل الاحتلال، أعيد النظر في نصوص الاتفاقية عبر اتفاقية جنيف لعام 1949 والملحقين الإضافيين لها، إذ تم توضيح المقصود بأماكن العبادة والتي اعتبرت بأنها تمثل تراثاً ثقافياً أو روحياً للشعوب، فنصت المادة (53) من الملحق الإضافي الأول على حظر ارتكاب أي من الأعمال العدائية الموجهة ضد الآثار التاريخية أو الأعمال الفنية أو أماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب . كما أورد البروتوكول الثاني الخاص بالنزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي في المادة (14) ما نصه “يحظر ارتكاب أية أعمال عدائية موجهة ضد الآثار التاريخية، أو الاعمال الفنية، أو أماكن العبادة التي تشكّل التراث الثقافي والروحي للشعوب واستخدامها في دعم المجهود الحربي” .

 

كما نصت المادة (56) من لائحة الحرب البرية لاتفاقية لاهاي لعام 1907 على أن أملاك المجالس البلدية واملاك المنشآت المخصصة للعبادة والتعليم والفنون لها حمايتها ولو كانت مملوكة لدولة الخصم، فهي تأخذ حكم الملكية الخاصة، وحرّمت عمليات التخريب المتعمد لها، كما أوجبت المحاكمة عن هذه الجرائم . كما وردت باتفاقية جنيف في شأن حماية الأشخاص المدنيين لعام 1949 في القسم الخاص بالاحتلال الحربي كالمادة (53) التي حظرت على دولة الاحتلال أن تدمر أية متعلقات ثابتة أو منقولة خاصة بالافراد أو الجماعات أو للحكومة أو غيرها من السلطات العامة أو لمنظمات اجتماعية أو تعاونية إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتماً ضرورة هذا التخريب .

 

وقد اعتبرت محكمة نورمبرغ أن تعرّض سلطات الاحتلال لأماكن العبادة يشكّل جريمة دولية، إذ اعتبر مساعد المدعي العام الفرنسي أمام المحكمة أن بعض المتهمين ارتكبوا جرائم دولية، حيث قاموا بإغلاق أديرة، وسلب أموال الكنائس والمعابد، وانتهاك حرمتها كما دانت المحكمة قادة الجيش الألماني في روسيا لقيامهم بتدمير أماكن العبادة والكنائس في بعض المدن الروسية المحتلة، ولذلك استقر الفقة الدولي على إدانة انتهاك حرمة دور العبادة أو التعرّض لها بالتدمير أو السلب أو النهب أو الإغلاق أو أي تصرف يضر بهذه الأماكن خلال فترة الاحتلال، وإن من واجب سلطات الاحتلال احترام الحقوق العقائدية الدينية للمدنيين من سكان الأراضي المحتلة، وكذلك عدم التعرّض لأماكن العبادة بالتدمير أو السلب أو النهب أو تعطيل ممارسة الشعائر وطقوس العبادة .

 

وفي مقاربة بسيطة لتلك المواد توضح أن الفعل “الإسرائيلي” بضم الحرم الإبراهيمي، فعل انتهاك للأماكن الدينية المقدسة ويندرج في إطار الجريمة المنصوص عليها في المادة 19/،2 حيث اعتبرت أن الفعل المكوِّن للجريمة الدولية هو نتاج انتهاك الدولة لالتزام يحمي ويصون مصالح الجماعة الدولية، كما يندرج ضمن الأوصاف المنصوص عليها في المادة 193 والتي نصت على أن من بين الجرائم الدولية تلك الأعمال التي تشكِّل انتهاكاً خطيراً لالتزام الدول للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، سواء أكانت الجهة التي يُناط بها فعل الجريمة، للدولة كشخص معنوي عام، أم إلى الشخص الطبيعي، كما حدث في محاكمات نورمبرغ وطوكيو .

 

ومن المسائل التي يتوجب على العرب والمسلمين القيام بها، الحراك الفاعل في اتجاه المجتمع الدولي لإبرام معاهدات متعدِّدة الأطراف، تلزم وجوب حماية الأماكن المقدسة في فلسطين المحتلة وتحريم المساس أو التعرّض لها بالضم أو غيره من الأفعال . كما ينبغي عرض هذه الانتهاكات في المنظمات الدولية والتذكير بأن الأراضي المحتلة هي بحماية المجتمع الدولي وأنها من اهتمامات منظمة الأمم المتحدة ومختلف أجهزتها لا سيما مجلس حقوق الإنسان .

 

من المعلوم أن القانون ينشئ الحق، لكن استرداده يستلزم القوة والإرادة فأين نحن، العرب والمسلمين، هذه الأيام من أرضنا ومقدساتنا؟، لا زالت مجتمعاتنا غارقة في التفاصيل المملة لبعض المسائل الطائفية والمذهبية في وقت أكملت “إسرائيل” ضم الأرض والمقدسات بما فيها وما عليها .

* أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية

========================

الكتاب والثقافة ودورالفضائيات العربية

الأحد, 07 مارس 2010

خالد الحروب *

الحياة

شهد الخليج العربي هذه الأيام ثلاثة معارض متزامنة للكتاب: في أبو ظبي، وفي مسقط، وفي الرياض. وقبل هذه المعارض وبعدها كان وسيكون مثلها - من الدار البيضاء والقاهرة إلى بيروت والدوحة. وفي هذه العواصم وسواها وربما من دون إستثناء ثمة جهود متزايدة وملحوظة في حقل الاهتمام بالكتاب سواء العربي أو المترجم أو حتى بلغته الأم. تشمل هذه الجهود مراكز ومؤسسات نشر وترجمة يتكاثر عددها باستمرار. وتشمل أيضاً بروز مبادرات حكومية وغير حكومية هدفها تشجيع الكتّاب المخضرمين منهم والجدد على التفرغ للإبداع. وبسبب هذا وغيره هناك اتساع تدريجي، ولو بطيء، في مساحة وعدد الكتاب المتفرغين للكتابة، بخاصة الإبداعية والأدبية، وهذا ما يجب أن يُرحب به ويُسند. ذاك أن احتراف الكتابة هو الأساس في مسألة ترقية مستويات النشر وتعميق التقاليد الكتابية ودفع صناعة الحرف إلى حدود متجددة من الإبداع. ويمكن القول أن فورة النشر والترجمة (الجزئية) التي تشهدها البلدان العربية ومعها تأسيس مراكز بحثية مختصة بالإثنين جاءت في قسم كبير منها استجابة إيجابية للنقد المرير الذي حملته تقارير التنمية الإنسانية العربية. فهذه التقارير ومنذ عام 2002 وهي تشير إلى الحالة الكارثية للكتاب العربي ولعادات القراءة في المجتمعات العربية.

بيد أن تلك الاستجابة، وعلى نسبيتها، ظلت تدور في حيز النصف الأول من الحلم ب «تطبيع» عادات القراءة ونشر الكتاب ورفع مستويات الاهتمام به وتسويقه إلى متوسط الحال التي يتمتع بها في بقية دول العالم، وهو حيز النشر. أما النصف الثاني من ذلك الهدف فهو تحقيق القراءة فعلاً على مستوى عام من طريق التوزيع والتسويق. ما يتم طبعه من كتب، وعلى قلته رغم تزايد وتائره، ما زال يعاني من غبار التخزين والتمطي على الرفوف. وحتى تكتمل دورة النشر وإيصال ما يتم طباعته إلى الجمهور الواسع من القراء، الحاليين والمحتملين، لا بد من استكمال حلقة الطباعة بحلقة التوزيع والتسويق وتأمين الكتاب من ناحية الوفرة والسعر وسهولة الوصول إليه لغالبية الناس.

هناك مشكلات حقيقية تواجه صناعة النشر وآليات توزيع الكتب في العالم العربي. وما لم يتم تفكيكها أو تفكيك بعض منها فإن الكتاب والقراءة سيظلان ممارسة نخبوية محصورة في أوساط طبقات المثقفين والكتاب أنفسهم. بعض هذه المشكلات بنيوي ولن يحل إلا عبر مراحل طويلة الأمد، وأهم المشكلات الأمية المستفحلة ومعدلاتها المستعصية على الانخفاض المطلوب، بسبب ارتفاع معدلات الولادات وعدم قدرة الحكومات على استيعاب الأعداد الغفيرة من التلاميذ الجدد في سن الدراسة الإلزامية. والمشكلة الأخرى المنبثقة من ذلك هي عدم وجود سوق نشط للكتاب والتأليف بحيث تصبح صناعة الكتب والتفرغ للتأليف مربحة ومجزية من ناحية تجارية. فأي حل طويل الأمد ومستديم يهدف إلى تعزيز الكتاب والقراءة في البلدان العربية يجب أن يضع في قلب التخطيط وإن على المدى الطويل هدف خلق سوق للكتاب العربي. ولنا أن نفترض أن عدداً من العناصر تجعل من تحقيق هذا الهدف أمراً قيد المنال. فبسبب اللغة المشتركة من المفترض أن يحظى أي كتاب منشور في أي بلد عربي بسوق نظرية واسعة، من المحيط إلى الخليج حيث البنية التحتية اللغوية متوافرة.

بقية المعضلات تقع في إطار ما يمكن مناقشته ومعالجته على المستوى القصير والمتوسط. وفي مقدمة هذه المعضلات مسألة كلفة الكتاب وهي التي لا تتناسب مع متوسط دخل الفرد في معظم البلدان العربية. وهذا الأمر يرتبط أيضاً بمسألة خلق سوق فعالة للكتاب، كما أشير أعلاه. وهناك تجارب ناجحة للالتفاف على الكلفة العالية لإنتاج الكتب من طريق الدعم الحكومي لمشاريع نشر على نطاق شعبي (مثل مشروع مكتبة الأسرة في مصر)، أو دعم طلبة المدارس لشراء الكتب في معارض الكتب في دولة الإمارات، أو مشاريع كتب الجيب في أكثر من بلد عربي.

إحدى نقاط البداية في ذلك كله هي تعريف أوسع قدر من الجمهور بالكتاب المنشور. هذا التعريف يشكل حجر الأساس لاستثارة الاهتمام بالكتاب، ولقياس درجات ومستويات الجدوى الاقتصادية لهذا الكتاب أو ذاك بما يفيد الناشرين وينجح مشروعاتهم النشرية. وفي مسألة التعريف هناك الوسائل التقليدية من دعاية وإعلان وتواقيع كتب وندوات، وهناك راهناً وسائل حديثة أكثر تأثيراً وأوسع انتشاراً يجب استثمارها بكل طريقة. في الغرب الآن تنتقل صناعة الكتاب خطوات فلكية إلى مساحات مدهشة من التوزيع والتعريف بكل ما هو منشور. فبعد الكتاب الإلكتروني والكمبيوترات التي تخزن مئات الكتب أصدرت شركة «أبل ماكنتوش» جهاز «آي باد» الذي يعتبر ثورة حقيقية في عالم الكتب والنشر. ولن يمضي وقت طويل حتى يتم دمج هذا الجهاز مع جهاز الكمبيوتر الشخصي النقال والموصول مباشرة بالشبكة العنكبوتية، ما يعني أن أي فرد يكون متصلاً من ناحية نظرية بكل ما هو منشور من كتب على تلك الشبكة، وهو حجم هائل من الكتب على أية حال. لكن الوسائل الألكترونية هذه تظل فعالة في المجتمعات المتقدمة، أو في أوساط نخب ضيقة جداً في المجتمعات الفقيرة، ولا تخدم تعميم الكتاب على الوسط العام للجمهور.

الوسيلة الفعالة التي يمكنها بالفعل أن تحقق ثورة حقيقية في عالم نشر الكتب في العوالم الفقيرة وذات معدلات الأمية المرتفعة هي التلفزيون. هذه الحلقة التكنولوجية الوسطى (بين الراديو الترانزستور والإنترنت) هي التي تدخل كل بيت وتخاطب أفراده بغض النظر عن مستويات تعليمهم ودخلهم. يتابعها الجميع وتحظى باهتمام وأحياناً كثيرة إدمان الكثيرين. أستخدام التلفزيون في التعريف بالكتب من طريق برامج دورية تناقش ما نُشر حديثاً إلى جانب ما نُشر قديماً من كتب مهمة تحتل أمكنة بارزة في تاريخ النشر والفكر الإنساني ينقل «مسألة الكتاب» إلى الفضاء الشعبي العام حقاً. وبقليل من الاهتمام الفني والتقني بحيث تخرج المادة التلفزيونية مشوقة وممتعة فإن عدد من يصلهم أي برنامج تلفزيوني يُعنى بالكتب يتجاوز أضعافاً مضاعفة أي عدد يمكن الوصول إليه بأية وسيلة أخرى. هذا فضلاً عن تنوع الشرائح التي يصلها البث التلفزيوني ويتجاوز النخب الضيقة وشرائح المثقفين المهتمين. وهنا يمكن القول أن برنامج «الكتاب خير جليس» الذي بثته قناة «الجزيرة» لسنوات عدة أسقط مقولات مسبقة في حقل علاقة الجمهور العام بالكتاب. فقد ترافقت مع ذلك البرنامج مؤشرات إحصائية عديدة كانت تدلل على أن جمهور البرنامج كان يتخطى دوائر المثقفين والنخب. وفي العديد من المناسبات كانت ردود الفعل والتواصل تأتي من أفراد غير متوقع أن يكونوا من متابعي البرنامج، إن لجهة تحصيلهم الثقافي والعلمي، وإن لجهة توقع اهتماماتهم. لكن المعضلة المهمة، لكن ليست الكبيرة، في هذا الصدد هي أن الإنتاج التلفزيوني مكلف. وفي حالة الإنتاج التلفزيوني الثقافي أو الخاص بالكتاب، فإن اي قناة تلفزيونية لن ترى فيه جدوى اقتصادية ومادة تلفزيونية مغرية للمعلنين. لهذا فإن هذا النوع من البرامج يحتاج إلى وعي مركب عند القائمين على القنوات التلفزيونية، أو دعم وتمويل من جهات مقتنعة بجدوى وأهمية مثل هذه البرامج والضرورة القصوى لأن تكون على شاشات التلفزة.

* أكاديمي وباحث فلسطيني - جامعة كامبردج

===============================

مسؤولية بناء النظام العربي الجديد

بلال الحسن

الشرق الاوسط

7-3-2010

أصبح العالم كله مقتنعا بأن إسرائيل هي التي تعرقل كل المفاوضات والتسويات السياسية مع الفلسطينيين والعرب. إلا أن دول الجامعة العربية ليست لديها هذه القناعة، وهي تريد أن تحاول وتحاول، تماما كما أن الرئيس محمود عباس يريد أن يفاوض ويفاوض.

وما فعلته الجامعة العربية قبل أيام، حين أعطت لمحمود عباس غطاء سياسيا كان هو يصر على طلبه، لم يكن سعيا وراء مفاوضات ناجحة، أو وراء حلول، إنما كان وبإيجاز، عملية إرضاء للولايات المتحدة الأميركية، فما دامت هي التي تطلب فلا يجوز تفشيلها، وما دامت هي التي تتوسط فلنقنعها أن إسرائيل هي التي تعرقل وليس محمود عباس.

العرب يريدون إقناع أميركا بما أصبح العالم كله مقتنعا به، فها هو دبلوماسي بريطاني، يطرح على وزير الخارجية (ديفيد ميليباند) في ندوة (المعهد الملكي للشؤون الدولية) سؤالا فحواه: لماذا الازدواجية في تعامل بريطانيا والقيادات الغربية مع إسرائيل من جهة، وباقي دول الشرق الأوسط والعالم من جهة أخرى، وخصوصا في تعطيل إسرائيل لعملية السلام في الشرق الأوسط، وتجاوزها للقوانين الدولية؟ وليس مهما هنا ماذا كان جواب وزير خارجية بريطانيا، المهم أن مثل هذا السؤال أصبح مطروحا حتى في أعلى المستويات الأكاديمية البريطانية، وعلى الرغم من ذلك يهرع العرب إلى الولايات المتحدة الأميركية، لإنقاذ وساطتها غير المباشرة، ولإنقاذ مبعوثها جورج ميتشل، حتى من دون توجيه أي سؤال، مع أن الكل يعرف أنه لولا دعم الولايات المتحدة لإسرائيل دعما مطلقا، لما تجرأ نتنياهو أن يتخذ أي موقف من مواقفه المتحدية إلى حد الرعونة، التي يكثر منها هذه الأيام. ومع أن الكل يعرف أن نتيجة المفاوضات غير المباشرة القادمة على الطريق لن تختلف عن المفاوضات السابقة، فإسرائيل تريد القدس، وتريد مستوطنات الضفة الغربية، وتريد الجدار والأراضي التي ضمها، وتريد تهجير الفلسطينيين، وهي مستعدة بسخاء لا حد له، أن تترك للفلسطينيين إدارة مدنهم أو قراهم بأنفسهم.

وفي اليوم الذي أصدر فيه العرب مكرمتهم بتغطية تراجع الرئيس عباس، وعودته إلى المفاوضات غير المباشرة، من دون أي شروط جادة، كان نتنياهو يتحدى العرب من جديد، ويعلن أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست (2/3/2010) تمسكه بمواصلة احتلال وادي نهر الأردن، حتى بعد إنجاز تسوية سياسية ما. قال: «إسرائيل لن توافق على الانسحاب من نهر الأردن في إطار أي اتفاق سلام يتم توقيعه مع الفلسطينيين. إن الأهمية الاستراتيجية لغور الأردن على طول الحدود الشرقية للضفة الغربية، تجعل من المستحيل على إسرائيل الانسحاب».

ولكن موقف عباس نفسه يحتاج إلى وقفة، فقد اعتاد القائد الفلسطيني أن يكون متقدما ولو خطوة، على الموقف العربي الرسمي، فيذهب إلى لقاء الجامعة العربية، أو لقاء القمة العربية، ليطلب مساندة العرب في التقدم خطوة إلى الأمام. أما أن يذهب إليهم طالبا دعم تراجعه، وتراجعهم، خطوة كبيرة إلى الوراء، فهذا أمر لم يحدث في تاريخ الدبلوماسية الفلسطينية من قبل.

ومن قائل هنا إن الأمر حين يتعلق بالولايات المتحدة الأميركية، فإن الدول العربية لا تستطيع أن تقول لا، وهذا طلب مفاوضات غير مباشرة من أميركا نفسها، فكيف نقول لا لا؟؟؟ تحضر إلى الذاكرة هنا جملة الملك فيصل التي كان يرددها على مسامع كيسنجر، وهو يحاول إقناعه بالخطة الأميركية، فيكون رده أنه يريد الصلاة في القدس. ومع أن فيصل لم يستطع الصلاة في القدس، فإنه كان أساسيا في حرب 1973 من خلال حظر تصدير النفط. وتحضر إلى الذاكرة هنا قمة فاس التي جاءها ياسر عرفات بعد معركة بيروت 1982، ووجد أمامه مشروع الملك فهد لدعمه ولدعم إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على كامل حدود 1967، وعاصمتها القدس. وتحضر إلى الذاكرة هنا، قمة بيروت حيث ووجه فشل مفاوضات كامب ديفيد 2000 بين عرفات وايهود باراك بمبادرة الملك عبد الله التي طلبت الانسحاب الإسرائيلي الشامل من أراضي 1967 المحتلة، وعلى الرغم من انحياز أميركا (بيل كلينتون) إلى إسرائيل بالكامل في تلك المفاوضات.

هناك إذن سوابق كثيرة، سعى العرب من خلالها إلى رفض الانصياع لطلب الإدارة الأميركية، حرصا ولو على شيء بسيط من المصلحة العربية، فلماذا إذن هذا السعي الجماعي للحرص على عدم إقلاق راحة الضيف الأميركي؟

لنذكر أن القمة العربية التي عقدت في السعودية، طاف في أرجائها طويلا شعار «استعادة القرار العربي». يعترف هذا الشعار بأن القرار السياسي العربي مسروق الإرادة، ويعترف بضرورة العمل لاستعادته ممن سرقوه، فلماذا لا يكون هذا الشعار من جديد هو شعار القمة العربية التي ستنعقد في ليبيا نهاية هذا الشهر؟ يبدو أن هذه الأمنية صعبة التحقيق، وبدليل قرار الجامعة العربية الأخير الذي يحرص على إرضاء جورج ميتشل، بينما «استعادة القرار العربي» هي معركة مع من هم أكبر وأهم وأخطر من جورج ميتشل.

لقد دق قرار الجامعة العربية الأخير، ناقوس الخطر حول ما يمكن أن تؤول إليه الأمور في القمة المقبلة. فالمنطقة تعاني وكما يقول الكثيرون، وبلوم شديد للفلسطينيين، من حالة الانقسام فيما بينهم، تعرقل إنجاز الحلول السياسية. ولكن الحقيقة أن المنطقة تعاني من حالة انقسام عربية أخطر، والانقسام الفلسطيني هنا هو صنو الانقسام العربي، ومن يريد أن يبحث عن مخرج للانقسام الفلسطيني عليه أولا أن يبحث عن مخرج للانقسام العربي، وحين ينجح العرب في الاجتماع، وفي جدول أعمال، وفي صياغة خطة سياسية مستقلة تعبر عن المصالح العربية، ولا تراعي مشاعر هذه الدولة أو تلك، إلا من زاوية المصلحة العربية فقط، فعندها سنجد أن الخلاف الفلسطيني قد دخل فورا مرحلة الحل والتوحد. أما ما يقال عن المصالحات، وأوراق المصالحات، فليس سوى علامات طافية على السطح، تؤشر لما يغلي تحت السطح من قضايا جوهرية مختلف عليها.

إن البحث عن توافق عربي ليس شكليا. فقد كان ثمة نظام عربي قائم، وكان لهذا النظام دول تقوده، ولكن هذا النظام غاب عن الوجود، منذ اتفاقات كامب ديفيد، ومنذ احتلال العراق للكويت، ومنذ الحرب الأميركية الأولى على العراق، ومنذ الحرب الأميركية الثانية ضد العراق، وهو لم يقم من جديد حتى الآن. ومن غير الممكن معالجة المشكلات العربية المستجدة من دون إعادة بناء هذا النظام العربي. إنها مهمة كبيرة إذن، وما لم نقدم عليها فسنبقى ندور في إطار القضايا الصغيرة، ونختلف حتى على القضايا الصغيرة. ولكن ما أن يبادر قائد، أو تبادر دولة إلى رسم منهج إعادة بناء النظام العربي، حتى تنتظم كل حالات الفوضى في إطار سياسي واحد يعبر عن التعاون والتضامن والقوة.

فمن هو القائد الذي يملك القدرة على فعل ذلك؟ ومن هي الدولة التي تملك القدرة على فعل ذلك؟ بالخطط لا بالكلمات. وبالفعل لا بالكلمات؟

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ