ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 13/03/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


لعبة الشطرنج مستمرة بين الشطارة السورية والبازار الإيراني

هدى الحسيني

الشرق الاوسط

11-3-2010

عندما تطول قائمة جدول الأعمال والأهداف يقع الارتباك. أهداف إيران إبعاد شبح الضربة العسكرية عنها والتأكد من أن المقاطعة لن تنجح (الصين)، وإبقاء سورية على ارتباط بها، وبعيدة عن الإصغاء للطرف التركي، أو التطلع إلى الطرف الأميركي من أجل استئناف المفاوضات مع إسرائيل وما سيليها من التزامات وفك ارتباطات.

 

أهداف سورية استعراض قوتها ونفوذها في لبنان وعلى إيران. إبراز الأوراق التي في حوزتها من ورقة حزب الله إلى ورقة حماس إلى الورقة الإيرانية في تطلعاتها العربية و«مواجهتها» عن بعد لإسرائيل. وكذلك من أهداف سورية أن تفعل مبادراتها و«قممها» فعلها بإقلاق الساحة العربية والدولية، فلا يكون هناك موقف من قبل الجامعة العربية يعطي الضوء الأخضر للسلطة الفلسطينية للدخول في مرحلة المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، ولا تكون هناك تلبية للدعوة إلى طاولة حوار في لبنان، أظهرت خلاله أطراف لبنانية أنها لم تتأثر باحتضان إيران وسورية لسلاح حزب الله، بل مصرة وتطالب بأن يكون هذا السلاح البند الوحيد على الطاولة.

 

وسط كل هذه الأهداف التي لم تنفذ إلى العمق لدى الأطراف المتلقية، تنتظر سورية مصير الرسائل إلى إسرائيل، وتدفع كي تكون تركيا الوسيط لأنها تعرف أن إسرائيل لا تريد تركيا، وسورية نفسها تريد أميركا كوسيط. ثم إن إيران لا ترتاح إلى تركيا كونها تمثل نوعا آخر من الإسلام في المنطقة، وهي أكثر ديمقراطية وتريد شرق أوسط مستقرا، وأنها مع عملية السلام وتحاول التأثير على سورية في المفاوضات مع إسرائيل وحتى لا تعطي السلاح الكثير لحزب الله. وفي الوقت نفسه لتركيا أهدافها في التحركات، إنها لا تريد المزيد من الحصار على إيران، فذلك يجعلها في موقف صعب. فهي إذا وقفت مع إيران ضد الحصار، يعني أنها ضد الغرب، في حين تريد أن تبقى مع الغرب، وإذا وقفت مع الحصار فإنها ستخسر إيران الجارة والشريك التجاري.

 

الإطلالة التركية المتكررة على الساحة السورية تزيد من شكوك طهران تجاه دمشق، فتحاول تقوية الارتباطات السورية الاستراتيجية بها. وقد تبين أن الصور التي نقلتها وسائل الإعلام عن زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى دمشق والمؤتمر الصحافي الذي عقده مع الرئيس السوري بشار الأسد، والتلميح إلى أن «جبهة المواجهة» أتمت استعداداتها للحرب، غطت على أهداف حقيقية. وكان صدر عن الرئيس السوري في المؤتمر الصحافي أن الغرب يريد بمنعه إيران من الحصول على القوة النووية، منع النووي الإسلامي، متناسيا باكستان وقنبلتها النووية، وكذلك علمانية سورية، كما قال لي سياسي عربي.

 

تعرف دمشق جيدا أن زيارات المسؤولين الإيرانيين لها تعكس خوف طهران من احتمال أن ينجح الغرب في محاولاته الفصل بينهما. وتريد دمشق في الوقت نفسه، من خلال ترحيبها بالمسؤولين الإيرانيين أن تبدو كأنها لا يعنيها الطلب الأميركي بوقف نقل الأسلحة إلى حزب الله، لذلك وافقت على طلب طهران استقبال الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله علنا، الأمر الذي لم يحدث منذ سنوات. أراد الإيرانيون من جهتهم أن يوضحوا أن هناك ثلاثة أطراف رئيسية في محور المقاومة وأرادوا أن يكون السيد نصر الله جزءا من الصورة، كرد على كل الدعوات المتفرقة من حصار، إلى فصل العلاقات. وأرادت إيران تقوية التعاون العسكري بين الأطراف الثلاثة، باعتبارها أن أي هجوم على طرف سيرد عليه الثلاثة مجتمعين. لكن حسب مصدر مطلع، أبلغت دمشق طهران، بأنها ليست على استعداد للدخول في حرب إقليمية من أجلها، ثم إنها على علم بموقف حزب الله من الحرب فهو لا يريدها كي لا يفقد كل السمعة التي جناها بعد حرب 2006، وكان وفد حزب الله الذي التقى مؤخرا في السفارة الفرنسية في بيروت، رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه طلب منه أن يستعمل مساعي فرنسا الحميدة مع إسرائيل، بعدم شن حرب على الحزب، لأن الحزب لن يكون أول من يطلق النار في أي مواجهة جديدة.

 

لأن إيرن تعرف أن فخ الحرب لن تقع فيه سورية، كانت القمة الاستعراضية الأخيرة في دمشق، تغطية لأمر آخر. فقد ضم الوفد الرئاسي الإيراني، سرا، ثلاثة من كبار المسؤولين الإيرانيين عن الملف النووي، أجروا محادثات مع نظرائهم السوريين، تتمة لاجتماع عقدوه في نهاية شهر يناير (كانون الثاني) الماضي.

 

الإيرانيون الثلاثة، وصلوا أولا إلى دمشق في منتصف شهر يناير، وبعد جولة أولى من اللقاءات، عادوا إلى طهران للاستشارات، ثم عادوا إلى دمشق بعد أيام لمواصلة المباحثات. ثم سافروا ليعودوا سرا ضمن وفد أحمدي نجاد.

 

مصدر عربي مطلع قال: إن مشاركة هؤلاء في الوفد الرئاسي الإيراني، وإجراءهم مباحثات مع نظرائهم السوريين يعني قوة العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين واستعدادهما للتعاون المشترك في كل المجالات بما فيها المجال النووي.

 

ويضيف المصدر: بعد تدمير مفاعل «دير الزور» الذي كان يُعد لخدمة إيران تخلفت دمشق كثيرا عن التقدم الذي أحرزته إيران في المجال النووي، وقد ترغب في استعمال التقدم الإيراني مجددا.

 

وكانت إيران أعلنت في السابق عن استعدادها لمساعدة عدة دول لتطوير مشاريع نووية لأهداف سلمية، لكن، وحسب محدثي، فإن الإبقاء على سرية مشاركة مسؤولين إيرانيين عن الملف النووي، في زيارة أحمدي نجاد الأخيرة، يثير الشكوك بصحة الدعوات الإيرانية، ويستطرد: «على كل حال، إذا ساعدت إيران سورية على إنشاء مفاعل نووي مدني، أو أي تعاون نووي، فإن الاعتماد الاستراتيجي السوري على إيران سيزداد، ويخفف بالتالي من قلق إيران باحتمال أن تنفصل سورية عن (محور الممانعة والمواجهة)، إذا ما عرض عليها الغرب الكثير من الإغراءات».

 

إن التعاون النووي الإيراني - السوري ليس بالجديد، وكانت تقارير غربية كثيرة، إضافة إلى تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أشارت إلى هذا التعاون، وكان محسن فخري زاده مهابادي الذي يقال إنه المسؤول عن تجهيز الصواريخ الإيرانية برؤوس نووية، زار دمشق عام 2005، وإن الرئيس الإيراني وعد برصد مليار دولار مساعدة للإسراع في إقامة مفاعل دير الزور، على أن تكون مهمته دعم مفاعل المياه الثقيلة الذي يجري بناؤه في مدينة «اراك» الإيرانية لتوفير البلوتونيوم لبناء القنبلة، في حال لم تنجح إيران في بناء سلاح نووي من خلال استعمالها لليورانيوم المخصب.

 

وكانت مجلة «در شبيغل» الألمانية ذكرت في عددها 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أن إيران منعت سورية من الاعتراف بأن لديها مشروعا نوويا عسكريا. ونقلت «در شبيغل» عن مصادر في دمشق، أن القيادة السورية فكرت في أن تحذو حذو الرئيس الليبي معمر القذافي. فأبلغت كوريا الشمالية برغبتها في الكشف عن برنامجها النووي، من دون الإشارة إلى إيران أو كوريا الشمالية. إلا أن رد بيونغ يانغ كان عنيفا بأنها ستقطع كل تعاون عسكري مع دمشق بغض النظر إن كشفت عن التعاون أم لا، وكذلك كان رد فعل المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي، بأن هذه الخطة غير مقبولة وتهدد بقطع كل تعاون استراتيجي بين البلدين.

 

قد يكون أول من كشف عن التعاون الثلاثي بين كوريا الشمالية وإيران وسورية الجنرال رضا عسكري الذي اختفى منذ سنتين في اسطنبول، وعسكري الذي كان مسؤولا عن الحرس الثوري في لبنان في الثمانينات وصار في منتصف التسعينات نائبا لوزير الدفاع، أبلغ «السي آي إي» عن تمويل إيران للمشروع السوري.

 

هل تريد إيران، لتخفيف الضغوط عنها بسبب إصرارها على مواصلة برنامجها النووي، توريط سورية بمنعها من الانفتاح الكامل على الغرب، وعلى المفاوضات خصوصا مع قرب بدء المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين؟

 

على الرغم من التعاون الاقتصادي والاستراتيجي بين الدولتين، فإن عنصر الشك يغلب عليه، ولعبة الشطرنج مستمرة بين الشطارة السورية وتجار البازار الإيراني.

===================

مستحيلان في الصراع العربي - الصهيوني

عوني فرسخ

3/11/2010

القدس العربي

أصدرت لجنة المتابعة العربية ، بالاغلبية ، ما اعتبر قرار تغطية قيام رئيس سلطة حكم الذات في الضفة الغربية المحتلة ، وأركان فريق اوسلو بقيادته ، بمفاوضات "غير مباشرة " لمدة اربعة شهور ، استنادا لادعائه تلقي "ضمانات" أمريكية .

فيما استقبلت دمشق وزير خارجية تركيا أحمد داود اوغلو في مسعى تجديد الوساطة التركية في المفاوضات غير المباشرة بين سوريا واسرائيل . وقد نسبت وكالات الانباء لعمرو موسى ، أمين عام جامعة الدول العربية ، قوله ، تعقيبا على قرار التغطية الذي صدر في رحاب الجامعة ، "اسرائيل غير مستعدة لمفاوضات حقيقية تؤدي الى سلام ، وهناك تساؤل مشروع عن فاعلية دور الولايات المتحدة ، . فيما نقلت عن الرئيس بشار الاسد ، لدى اسقباله وزير الخارجية التركي قوله "لا يوجد طرف اسرائيلي يرغب في تحقيق السلام " :

 

وأن يكون امين عام الجامعة على يقين بأن اسرائيل غير مستعدة لمفاوضات تؤدي للسلام . ولا هو واثق من فعالية الادارة الامريكية في اقرار رؤية الرئيس أوباما موضوع حل الدولتين . فيما الرئيس السوري لا يرى ان هناك طرفا اسرائيليا يريد السلام ، ففي ذلك ما يلقى بظلال كثيفة من الشك حول دواعي وغايات قرار تغطية مفاوضات "غير مباشرة" مع الكيان المحتل لارض فلسطين ، والمغتصب لحقوق شعبها ، والممتنع عن تنفيذ القرارات الدولية . فضلا عن تجاهل مصدرو القرار لمعطيات الواقع الراهن ، على جبهة العدو المصعد اجراءات تهويد القدس وجوارها ، ومد اطار التهويد للحرم الابراهيمي في الخليل ومسجد بلال في بيت لحم ، والممعن في ممارساته العنصرية في عموم الضفة الغربية وبخاصة هدم المنازل وتشريد اصحابها . فيما هو يعاني مأزق سقوط قوة ردعه في مواجهة المقاومة ، ومن اتساع دائرة ادانة عدوانه وتعرية طبيعته العنصرية ، خاصة في أوروبا . وليس في الافق الصهيوني ما يشير لادنى استعداد للتعاطي مع مبادرة القمة العربية الملقاة على الطاولة منذ ثماني سنوات . وهذا يفسر تنديد غالبية المفكرين والمحللين السياسسين العرب بقرار تغطية من باتوا تجار مفاوضات تدر عليهم ملايين دولارات الدول المانحة ، وتؤمن لهم القبول في دوائر صناعة القرار الدولي والاقليمي ، صاحبة المصلحة بوجود الكيان الصهيوني .

 

وإن قراءة موضوعية للفكر والعمل الصهيوني توضح بجلاء تام أن ما يواجهه شعب فلسطين وامته العربية ليس من قبيل النزاعات المعتادة بين الدول والمجتمعات الطبيعية ، وانما هو صراع وجود ولا وجود ، مع استعمار استيطاني عنصري ، مستنسخ عما شهدته أمريكا الشمالية واستراليا مع بداية الغزو الانجلو سكسوني . حيث اعتمدت سياسة التطهير العرقي والاستئصال الشامل لغالبية مواطنيهما الاصليين ، وتهميش الاقلية الضئيلة التي كتبت لها النجاة . وهذا ما تدل عليه الممارسات والمواقف الصهيونية منذ بداية الهجرة الكثيفة لفلسطين أواخر القرن التاسع عشر ، إذ انه اعتبارا من العام 1906 اعتمد مبدأ "الأرض عبرية" و"العمل عبري" ، وجرى اقصاء المواطن العربي ، تماما عن كل نشاط صهيوني . كما ربيت الاجيال المتوالية على ثقافة عنصرية تستوحي التلمود وأساطير التوراة في تعظيمها للذات الصهيونية وتحقيرها للمواطن العربي بحيث تعمق لدى المستوطن عدم الشعور بأي حس انساني في عدوانه على حقوق الانسان العربي . الأمر الذي لم يؤسس لتعايش سلمي مع المحيط العربي ، بل أدى لاقامة حاجز نفسي في أعماق المستوطن الصهيوني يحول دون تأثره بثقافة التسامح والانفتاح على الآخر التي عرف بها العرب تاريخيا ، بحيث استطاعوا استيعاب كل وافد على ديارهم وادماجه في نسيجهم المجتمعي .

 

ولقد تواصلت منذ عشرينات القرن الماضي الدعوات العربية للتعايش السلمي مع الصهاينة ، وتوالى عرض مبادرات اقامة الدولة الديمقراطية التي يوفر دستورها وانظمتها المساواة التامة وتكافؤ الفرص لجميع مواطنيها دون تمييز . غير أن القيادات الصهيونية منذ بن غوريون في ثلاثينات القرن العشرين تعاطت مع مبادرات السلام العربية باعتبارها توفر فرص المضي في فرض الامر الواقع الصهيوني على الارض العربية ، ولم يبد اي صهيوني أدنى استعداد للتنازل عن ولو واحد في المائة من الثوابت الصهيونية . ما يؤكد ان السلام الصهيوني مستحيل مهما قدم عرب التسوية ، وبالذات فريق أوسلو الفلسطيني ، من التنازلات . وهذا هو المستحيل الاول في الصراع العربي الصهيوني .

 

والمعضلة التاريخية التي واجهت التحالف الامبريالي - الصهيوني انه لا يواجه في فلسطين مثل ما واجهه الغزاة الانجلو سكسون في أمريكا الشمالية واستراليا ، وانما واجه شعبا منتم الى امة عرفت على مدى تاريخها العريق بقدرتها الفذة على دحر الغزاة وتطهير ثراها المقدس من دنسهم . والذي يذكر انه في العام 1920 جاء فلسطين لاول مرة الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان . وبعد أن جمع له الحاكم العسكري البريطاني في القدس ، وممثلة في يافا ، قلة من اعيان المدينتين العرب ، مسلمين ومسيحيين ، أدرك من حوارهم خطأ التصورات الصهيونية عن تخلف وبداوة الشعب العربي ، ولدى عودته الى لندن ابلغ وزير المستعمرات ونستون تشرتشل ضرورة الاستعانة باصدقاء بريطانيا في العواصم العربية للتاثير في الحراك الوطني الفلسطيني المهدد نجاح المشروع الصهيوني ، وذلك ما تكرر على مدى السنوات التسعين الماضية .

 

وبرغم الخلل الاستراتيجي لصالح التجمع الاستيطاني الصهيوني في ميزان الامكانات المادية ، والقدرات العلمية والتكنولوجية ، والعلاقات الدولية ، والقيادات ذات الكفاءة في إدارة الصراع ، والدعم العسكري والمالي والسياسي من عمقه الاستراتيجي على جانبي الاطلسي المتواصل على مدى السنوات التسعين الماضية ، إلا أنه لم ينجح بحسم الصراع لصالحه بقهر ارادة الممانعة والمقاومة للشعب العربي الفلسطيني ، الذي سطر صفحات مشرقة في تاريخ حركات التحرر الوطني . وإن في صمود قطاع غزة برغم الحصار ، وفي تصدي شباب القدس لمحاولة اقتحام الاقصى بصدورهم العارية ، مثالين أخيرين على امتناع الارادة الفلسطينية عن الاستسلام ، أو قبول شعب فلسطين التفريط بأي من ثوابته الوطنية التي تأسست على الالتزام بها منظمة التحرير الفلسطينية ، وتضمنها ميثاقها القومي غداة تأسيسها . وهذا هو المستحيل الثاني في الصراع العربي - الصهيوني .

كاتب فلسطيني

===================

طبيعة العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة

د. يوسف نور عوض

3/11/2010

القدس العربي

في البداية لا بد أن نؤكد أهمية تركيا كدولة إسلامية كبيرة تريد لها كثير من دول العالم الإسلامي أن تكون في موقع الصدارة من أحداثه. ولكن تركيا تواجه ظروفا خاصة تجعلها تتجه وجهات قد لا تكون في صالح عالمها الإسلامي، بل قد تكون في بعض الأحيان مضرة بالمصالح العربية والإسلامية كما هو الحال في العلاقة القائمة بين إسرائيل وأنقرة،

ولكن تركيا تجد نفسها في الحقيقة في وضع يعيق كثيرا من تحركاتها، فهي في منطقة الشرق الأوسط تجاور العالم العربي الذي لا تعتبر نفسها جزءا منه على الرغم من أنها تدين بديانته وهي من ناحية أخرى تجاور العالم الأوروبي الذي لا يعترف بها من دوله برغم جهودها المتصلة من أجل أن تصبح جزءا من دول الاتحاد الأوروبي، وهكذا لم تجد تركيا أمامها مجالا سوى أن تتجه غربا إلى الولايات المتحدة لتقيم علاقة يحيطها كثير من الغموض لأنها تنطوي على أهداف يفضل الطرفان عدم الإعلان عنها وخاصة تلك التي تتعلق بإسرائيل، ومن هذا المنطلق نحاول قراءة العلاقات التركية الأمريكية من خلال ما أوردته دائرة المعارف الحرة حول هذه العلاقة.

تقول دائرة المعارف علاقة تركيا مع الولايات المتحدة ترجع إلى عام 1947، وهي المرحلة التي بدأت فيها الحرب الباردة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد خصص الكونغرس الأمريكي في تلك المرحلة تركيا إحدى الدول التي تتلقى الدعم الأمريكي المالي والعسكري وفق نظرية الرئيس ترومان في تحديد الأسس التي تتلقى بها الدول المساعدات من الولايات المتحدة الأمريكية، وهي أسس هدفت إلى احتواء نفوذ التمدد السوفييتي خلال تلك المرحلة، وقد استمرت هذه الأسس تحدد إستراتيجية العلاقات مع تركيا على مدى أربعة عقود قادمة، وهكذا أصبحت تركيا في تلك الفترة مؤهلة في نظر الإدارة الأمريكية لتلقي المساعدات بكونها دولة تحولت من نظام يحكمه حزب واحد إلى نظام يعمل بالأسس الديمقراطية خاصة بعد أن جرت فيها أول انتخابات ديمقراطية في عام 1950، وهي الانتخابات التي أتت بعدنان مندريس رئيسا للوزراء خلفا لعصمت أونونو الذي كان قد أعلن نفسه زعيما وطنيا بقرار فردي.

وفي مقابل هذا الدعم الأمريكي تجاوبت تركيا مع السياسة الأمريكية خلال مرحلة الحرب الباردة وشاركت في قوات الأمم المتحدة في كوريا بين عامي 1950 و 1953، كما التحقت بحلف شمال الأطلسي عام 1953 وأصبحت عضوا مؤسسا في اتفاقية السنتو في عام 1955 وأيدت نظرية أيزنهاور في عام 1957.

واستمر التعاون بين تركيا والولايات المتحدة خلال مرحلتي الخمسينيات والستينيات، وامتد هذا التعاون أيضا إلى حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وكان من أهم الحلفاء إيران وإسرائيل والأردن، والهدف هو الحد من سياسات وتوجهات دول مثل مصر وسورية والعراق التي كانت تعتبرها الولايات المتحدة في تلك المرحلة من أيادي الاتحاد السوفييتي في المنطقة وهكذا طوال مرحلة الحرب الباردة أصبحت تركيا البوابة الشرقية في مواجهة حلف وارسو بعد أن أنشأت فيها الولايات المتحدة قاعدة انجرليك، وهي القاعدة التي لعبت دورا مهما خلال تلك الحرب، ومن ثم خلال حرب الخليج وأخيرا في تحقيق الأهداف الأمريكية في العراق

وبرغم ذلك فقد شهدت العلاقات التركية الأمريكية مرحلة من التوتر إثر غزو تركيا لجزيرة قبرص في أعقاب الانقلاب الذي ساندته اليونان في عام 1974 وهو الانقلاب الذي أنهى حكم الأسقف مكاريوس وأتى بنيكوس سامبسون في مكانه، وفي هذه المرحلة قامت الولايات المتحدة على الفور بوقف جميع مساعداتها لتركيا ما دفع أنقرة لأن ترد عليها بوقف جميع التسهيلات الأمريكية على أراضيها ما لم تكن مرتبطة بحلف النيتو، وقد استمر هذا الوضع حتى بعد أن رفعت الولايات المتحدة حظر بيع الأسلحة إلى تركيا في عام 1978، وهكذا استمرت العلاقات التركية الأمريكية علوا وانخفاضا بسبب غزو قبرص على الرغم من جهود الرئيس جورج بوش الأب في تحسين هذه العلاقات وهو ما استدعى الرئيس رونالد ريغان كي يدخل موضوعا جديدا هو ما يعرف بمذابح الأرمن في أجندة العلاقات التركية الأمريكية، وقد ظل الكونغرس الأمريكي يشاغب تركيا بهذا الموضوع حتى الآن على الرغم من مرور أكثر من تسعين عاما على تلك المذابح المزعومة، وبعيدا عن ذلك فقد ظلت الولايات المتحدة على عكس كثير من الدول الأوروبية حريصة على إقامة علاقات طيبة مع تركيا وهو ما تحقق في عام 1989 عندما تحسنت صورة الولايات المتحدة بدرجة ملحوظة بين الصفوة السياسية الحاكمة في تركيا.

ولم تكد تنتهي الحرب الباردة حتى بدأ في تركيا اتجاه جديد يقوم موقف البلاد في خريطة السياسة الدولية، إذ رأت تركيا في بداية تلك الفترة أن الأفضل لها هو أن تواصل علاقاتها الحسنة مع الولايات المتحدة ما دفعها لأن تدعم واشنطن في حربها على العراق على الرغم من المصالح المباشرة بين تركيا وبلاد الرافدين، غير أن السياسة الرسمية التركية في مساندة الولايات المتحدة لم تلق دعما كاملا من الشعب التركي الذي عبر عن معارضته لها من خلال التظاهرات التي عمت المدن التركية، ولكن هذه التظاهرات لم تؤثر كثيرا على حكومة ديمريل التي رأت أن من مصلحة تركيا أن تستمر في علاقات وطيدة مع الولايات المتحدة وهو ما حدث خلال مرحلتي حكم الرئيس جورج بوش وبيل كلنتون.

واستمرت تركيا في دعمها سياسات الولايات المتحدة بعد اعتداءات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر وجعلت من أراضيها قاعدة مهمة من أجل تمرير الدعم للقوات الأمريكية في العراق وأفغانستان، وبالتالي شاركت أنقرة مشاركة فاعلة في الحرب على الإرهاب بحسب المفهوم الأمريكي. ومن جانب آخر كان هناك حذر تركي من أن تؤدي زلزلة الوضع في العراق إلى قيام دولة كردية مستقلة تؤثر على أكراد تركيا وتخلق حالة من التوتر في بعض الدول المجاورة، وعلى الفور أرسلت تركيا قواتها إلى شمال العراق لمواجهة حزب العمال الكردستاني وذلك إجراء لم تؤيده الولايات المتحدة.

ولا شك أن مثل هذه المواقف هي التي تقود من وقت لآخر لإثارة موضوع مذابح الأرمن في الكونغرس، وقد حدث ذلك بالفعل في عام 2007 ما استدعى أن تسحب تركيا سفيرها من واشنطن، وقد دفع ذلك الكونغرس لتأجيل التصويت على مشروع قراره بشأن الأرمن.

وفي الوقت ذاته شهدت هذه الفترة تأزما بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي بسبب موقف الاتحاد منها وعدم رغبته في انضمامها إليه وقد وضع الاتحاد مجموعة من العراقيل، إلا أن الولايات المتحدة ظلت تبذل جهودا مع دول الاتحاد الأوروبي لصالح تركيا دون أن تحقق هذه الجهود نجاحا ملحوظا في هذا الاتجاه.

والملاحظ هو أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قام في أول رئاسته بزيارة إلى تركيا لاقت معارضة كبيرة من بعض منتقديه الذين كانوا يعتبرون الزيارة مكافأة لتركيا غير واجبة، وعلى الرغم من تلك الزيارة الودية فقد أثار أوباما حساسية تركيا عندما طالبها بأن تتصالح مع ماضيها وقصد بذلك مذابح الأرمن، وعلى الرغم من ذلك فقد وصف الرئيس أوباما علاقة بلاده بتركيا بأنها ليست فقط علاقة شراكة بل هي في نظره أنموذج في العلاقات الدولية يجب أن يحتذى .

ويلاحظ أنه بعد زيارة أوباما لتركيا أعلن الأتراك والأرمن عن خريطة طريق لتطبيع العلاقات بين البلدين.

وقد أعلنت الولايات المتحدة على الفور تصريحا من مكتب نائب الرئيس جو بايدن أيد السير في طريق المصالحة بين الأتراك والأرمن وتجاوز الأزمة التي ظلت تعكر صفو العلاقات بين الشعبين.

وهنا يدور سؤال حول فحوى العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا خاصة بعد مرحلة الحرب الباردة، ولا شك أن كلا البلدين لهما أجندتهما الخاصة التي لا تبحث علنا، ولكن الولايات المتحدة في الوقت الحاضر تركز على أن العلاقة مع تركيا تعتبر استراتيجة في الحرب على الإرهاب كما أن الولايات المتحدة حريصة على الاحتفاظ بقاعدة إنجرليك في تركيا والتي تستخدمها واشنطن كما يستخدمها حلف شمال الأطلسي، وعلى الرغم من أن تركيا لا تصنف ضمن الدول النووية فإن الولايات المتحدة تحتفظ بترسانة نووية كبيرة فيها، وذلك ما يثير قلق دول الاتحاد الأوروبي وخاصة بلجيكا وألمانيا.

وعلى الرغم من مواقف الولايات المتحدة ضد ما يسمى الإرهاب والمقصود بالطبع ما تقوم به بعض الفرق الإسلامية فنحن نجد أن إدارة الرئيس أوباما لأسباب براغماتية توجه انتقادات لعالمانية تركيا بقولها إن هذه الاتجاهات لا توفر الحرية الكاملة للشعب التركي خاصة أصحاب العقائد الدينية الذين يحملون وجهات نظر مغايرة لسياسة الدولة.غير أن الولايات المتحدة لا تتردد من وقت لآخر في التأكيد لتركيا بأنها يمكن أن تعتمد بصورة كاملة عليها، وقد وضح ذلك من خلال الزيارة التي قام بها إلى أنقرة السناتور روبرت كيسي على رأس وفد من الحزب الديموقراطي، وكذلك المؤتمر السنوي الذي يعقد دائما في الولايات المتحدة برعاية المجلس التركي الأمريكي لدراسة العلاقات بين البلدين، وقد عقد هذا المجلس جلسته الثامنة والعشرين في الحادي والثلاثين من شهر ايار/مايو من العام الماضي.

وعلى الرغم من أن القائمين على المجلس يركزون دائما على العلاقات الثنائية فإنهم نادرا ما يتحدثون عن المكون الإسرائيلي من هذه العلاقة أو الأهداف الشرق الأوسطية في علاقة البلدين.

ونخلص من كل ذلك إلى أن الولايات المتحدة تجد تركيا في وضع المحتاج إلى دعمها لأنها لا تستطيع أن تتفاعل عربيا أو أوروبيا وتوظف هذا الدعم من أجل مصالح تتعارض مع مصالح الدول العربية والإسلامية بصفة خاصة وهو ما يستدعي تفكيرا جديدا من هذه الدول من أجل أن تنتمي تركيا إلى عالمها الحقيقي بعيدا عن هذا الاستغلال غير المجدي.

===================

العجز أقوى من الانتفاضة

جهاد المومني

الرأي الاردنية

11-3-2010

على عكس ما خططت له اسرائيل لم تنطلق الانتفاضة الثالثة التي حذر منها محمود عباس على اثر قرار ضم اسرائيل الحرم الابراهيمي ومسجد بلال ابن رباح للتراث اليهودي ,بل لم تحرك هذه الجريمة على اهميتها الدينية غير عدة عشرات من الشبان الفلسطينيين للتناوش مع قوات الاحتلال بالحجارة ثم سرعان ما خبت نارهم وانطفأت وكأن اسرائيل تراجعت عن القرار ,اما على صعيد العواصم الاسلامية وعددها ينوف عن الستين فلم تحرك امة الاسلام ساكنا ولم نسمع بتظاهرة واحدة تندد بالقرار الاستفزازي بامتياز وفق الترجمة الحرفية لما يعنيه قرار كهذا من الناحية السياسية ,ومع ذلك لم يستفز قرار ضم المكانين الاسلاميين الى التراث اليهودي احدا كما فعلت خطوة شارون بدخول باحة المسجد الاقصى قبل عشر سنوات فاستجاب الفلسطينيون بانتفاضة ثانية حققت لشارون ما اراد تماما وحصل على فرصة تسويف مدتها خمس سنوات انتهت بانتخابات تشريعية قسمت الفلسطينيين الى شعبين والارض المحتلة الى وطنين والقيادة الفلسطينية الى حكومتين ..! هذه المرة مختلفة فنتنياهو ليس بدهاء شارون الذي اختار التوقيت المناسب لاقتحامه ساحة الاقصى ,فاليوم فات نتنياهو ان العجز العربي الاسلامي عموما وحالة القنوط الفلسطينية هي السلاح الانجع في مواجهة الدهاء على قاعدة ربما رمية من غير رامٍ, فحكومة المتطرفين في تل ابيب راهنت اساسا على انتفاضة فلسطينية ضد القرار تقدم لها الذريعة بتوقف العملية السلمية ومنحها الفرصة الكافية لاسئناف برنامج الاستيطان دون منغصات مصدرها بعض مظاهر التذمر من المستويات السياسية اقليميا وعالميا ,ولو حصلت الاستجابه الشعبية واندلعت انتفاضة من اي حجم او استجابت ما تعرف بقوى المقاومة بتنفيذ ضربة مهما بلغت من السطحية ضد اي هدف اسرائيلي لخرجت تل ابيب بريئة كل البراءة من اي تعطيل للمفاوضات ,بل وتحصلت على حجة تأجيل طالما استعانت بها كلما اقتربت المفاوضات من نقطة متقدمة,لكن شيئا من هذا لم يحدث فلا تقاطرت جموع المؤمنين للدفاع عن الحرم الابراهيمي ومسجد بلال ولا استنهضت الاجراءات الاسرائيلية همم المقاومين لتنفيذ عملية مسلحة في أكثر الاوقات دقة وحساسية ,ومن غير الواضح ما اذا كان هذا السكوت نتيجة حرص مدروس على عدم منح اسرائيل المبرر الذي تحتاجه ام انه حصيلة عجز شامل يتراكم سنة بعد سنة ,لكنه مع ذلك أجبر اسرائيل على خيار آخر تزامن مع حضور أميركي مكثف لانجاح صفقة المفاوضات غير المباشرة ,فجاء قرار حكومة نتنياهو باسئناف التوسع الاستيطاني على مرحلتين الاولى اقرت مع وصول جورج ميتشل وسيط المفاوضات المبتسم في كل وقت والثانية بعد ساعات فقط وتزامنت مع وصول نائب الرئيس الاميركي جوزيف بايدن واعلانه بدون مناسبة عن أن أمن اسرائيل لا يزال في أعلى سلم اولويات الادارة الاميركية,ويبدو من نتائج حراك الساعات الأخيرة ان اسرائيل نجحت في اطفاء حماس العرب والاميركيين معا لمفاوضات تعطي الاميركيين تحديدا فرصة التقاط الانفاس والتفرغ لايران ,اما اسرائيل فحققت المطلوب لها والتي عجزت عن تحقيقه باتخاذها قرار ضم الحرم الابراهيمي ومسجد بلال الى التراث اليهودي, فازاء قرار العودة الى خيار الاستيطان لا مجال لمفاوضات من اي نوع سرية كانت ام علنية ,مباشرة ام عبر وسيط الا بعد ان تلبي الولايات المتحدة مطلب اسرائيل غير القابل للتفاوض وهو التعامل بحزم مع ملف ايران النووي والا ...

===================

شعبية أوباما .. وغياب أصدقاء الخارج !

جاكسون ديل (محلل سياسي أميركي)

واشنطن بوست والاتحاد الاماراتية

الرأي الاردنية

11-3-2010

خطر لي مؤخراً أن أسأل عددا من كبار موظفي الإدارة الأميركية عن اسم الرئيس الأجنبي الذي أقام معه أوباما علاقة وثيقة خلال السنة الأولى من حكمه. وعقب سؤالي، بدت الكثير من علامات التردد والتلعثم على هؤلاء المسؤولين.

ذكر لي أحدهم اسم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، المنتظر أن يحضر هو وزوجته لزيارة أوباما في مقر إقامته بالبيت الأبيض هذا الشهر وحضور مأدبة عشاء مع الرئيس وزوجته ميتشيل.

هذا الترشيح يتناسى المرارة التي يشعر بها ساركوزي نحو أوباما بسبب ما يعتقده من أن الرئيس الأميركي قد تعامل معه بنوع من التعالي والكبرياء في عدد من المرات، وهي مرارة لا يحاول ساركوزي إخفاءها، كما تتناولها الصحافة الفرنسية على نطاق واسع.

كان اسم أنجيلا ميركل من الأسماء التي ذُكرت أيضاً: قال لي المسؤولون إن الرئيس الأميركي والمستشارة الألمانية يشتركان معا في براجماتيتهما العملية المحضة.

ولكن موقف ميركل أيضا تجاه أوباما تميز بالبرود الواضح، وذلك منذ تلك المرة التي توقف فيها في برلين أثناء حملته الانتخابية الرئاسية عام 2008 عندما منعته ميركل من الظهور أمام بوابة «براندينبيرج»، كما قيل أيضاً بأنها قد شعرت بأنها قد أهينت في نوفمبر الماضي عندما لم يحضر أوباما الاحتفالات التي أقامتها ألمانيا بمناسبة مرور عشرين عاما على سقوط حائط برلين.

لم يرشح أحد جوردون براون، وهو شيء لافت للنظر لحد ما على أساس أن العلاقة بين رئيس وزراء بريطانيا والرئيس الأميركي قد ظلت وثيقة دوما على مدى الثلاثين عاما الماضية. ويمكننا هنا أن نتذكر العلاقة بين تاتشر وريجان، وبين بلير وكلينتون، ثم بلير وجورج بوش. وقد صور أوباما على أنه لا يكن احتراما لجوردون براون وعلى وجه الخصوص منذ أن أهداه الأخير عددا من أقراص»دي. في.دي» كهدية خلال أول لقاء يجمعه مع الرئيس الأميركي في البيت الأبيض منذ عام.

في النهاية، عُرِض عليّ اسم لم أكن أتوقعه وهو اسم الرئيس الروسي»ديمتري ميدفيديف».

 فقد أكد لي مسؤولو الإدارة أن أوباما قد أقام علاقة صداقة وطيدة مع الرئيس الروسي خلال عدد من المحادثات الثنائية التي تمت بينهما، والتي ركزت في جزئها الأكبر على الاتفاقية الجديدة للرقابة على الأسلحة النووية. ولكن الاتفاقية لم تتم ربما لأن بوتين الذي حرص أوباما على الابتعاد عنه لا يحبها. رغم كل ذلك ظل هناك سؤال يتردد في ذهني: هل يمكن حقا أن يجد الرئيس الأميركي صديقه الأجنبي الحميم في الكريملن؟ المفارقة هنا أن أوباما لا يزال يحظى بشعبية هائلة في الخارج، بدءا من فرنسا وألمانيا وانتهاء بالدول التي تصاعدت فيها المشاعر المناوئة للأميركيين مؤخرا مثل تركيا وإندونيسيا على الرغم من عدم وجود أصدقاء حقيقيين من الرؤساء في الخارج. وهو في هذا يقف على النقيض من بوش الذي كان يتعرض للشتائم والانتقادات من جانب الشعوب الأجنبية، ولكنه تمكن على الرغم من ذلك من إقامة علاقات وثيقة مع طائفة من الرؤساء والقادة مثل «أزنار» في إسبانيا، و»وأوريب» في كولومبيا و»شارون وأولمرت» في إسرائيل، و»كويزومي» في اليابان.

قد يلعب الحسد أو المنافسة السياسية دورا في ذلك- فساركوزي واحد من بين الرؤساء الأوروبيين الذين أرادوا أن يتقمصوا دور الحليف الوثيق لأوباما، والذي كان رد فعله رديئا عندما لم يستجب هذا الأخير.

ولكن السبب الأكبر في رأيي هو نقص الاهتمام من جانب الرئيس الأميركي ذاته بتكوين صداقات في الخارج بسبب ميله إلى التركيز الشديد على الأجندة الداخلية.

يضاف إلى هذا أن أوباما قد أعرب علنا وفي مناسبات عدة عن عدم رضاه عن حلفاء الولايات المتحدة حيث ظل العام الماضي بأسره يمارس الشد والجذب مع بنيامين نتنياهو، كما عبر عن فقدان صبره مع رئيس الوزراء الياباني «يوكيو هاتوياما»، وأحجم عن تنفيذ اتفاقية القواعد العسكرية مع ميدفيديف، ووجه انتقادات متكررة للرئيس الأفغاني حامد كرزاي، كما تخلى عن فكرة عقد مؤتمرات بنظام الدوائر التلفزيونية المغلقة مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.

يمكن أن يخرج أحد ليقول إن كل ذلك لا يهم. فبوش على سبيل المثال تعرض لانتقادات لاعتماده المبالغ فيه على العلاقات الشخصية - هل تتذكرون كيف نظر إلى روح بوتين؟ -ومع ذلك، فإن أصدقاءه الأجانب هؤلاء لم ينقذوا إدارته من النظر إليها عالميا على أنها إدارة «أحادية». يمكن لإدارة أوباما من جانبها أن تحاجج بأنها قد أبلت بلاءً حسنا في استقطاب الدعم الأوروبي في القضايا الرئيسية مثل أفغانستان وإيران، علاوة على أن شهرة أوباما وشعبيته، لا تزال تشكل رافعة فعاله مع الرؤساء في كافة أنحاء العالم سواء كانوا من الذين أقاموا علاقات شخصية معه أم لا.

مع ذلك، قد يستحق الأمر منا أن نتساءل: هل كان ساركوزي سيواجه الرأي العام الفرنسي ويرسل مزيدا من القوات إلى أفغانستان(وهو ما رفض القيام به بالفعل)، إذا ما كان قد لقي اهتماما أكبر من أوباما؟ وهل كانت حكومة بنيامين نتنياهو ستقبل أن تتحمل المزيد من المخاطر من أجل إحياء عملية السلام الموشكة على الاحتضار إذا ما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يعتقد أنه يمكنه الاعتماد على الرئيس الأميركي؟، وهل كان كرزاي سيتعاون بشكل أكثر متانة مع قادة الولايات المتحدة في الميدان لو كان أوباما قد احتضنه.

الإجابة على هذه الأسئلة تبدو واضحة وهي أن البرود، في الشؤون الداخلية كما الخارجية، له أكلافه.

===================

بين الصداقة والإذعان

علي حماده

النهار

11-3-2010

يتردد في الكواليس السياسية ان الحكم السوري مستاء من رئيس الجمهورية ميشال سليمان على خلفية دعوته الى عقد هيئة الحوار الوطني، وانتقائه المشاركين مستبعدا منها تمثيلا يرضي دمشق اكثر، وهي التي لا تكتفي باشراك شخصيات قريبة منها بعضها لا يفتقر الى صفة تمثيلية فعلية، بل تريد ضم آخرين في سياق "عودة" مبرمجة ومتواصلة الى الساحة اللبنانية. ويتردد ايضا ان سليمان لا "ينسق" مع الحكم السوري بالقدر المطلوب فهو يرضيه في كثير من الاحيان، لكنه لا يرضيه دائما، كما كان حال سلفه المستبعد من طاولة الحوار. وثمة عدة روايات تتواتر عن اسباب الحملات المتتابعة على الرئيس سليمان من جانب من ينسقون مع الحكم السوري في كل شاردة وواردة.

كذلك يتردد حديث يتم تظهير بعضه في الاعلام وبعضه الآخر يصل شفهيا عن امتعاض سوري من سلوك رئيس الوزراء سعد الحريري الذي، بحسب الروايات، لم ينفذ الاستدارة المأمولة منه بعد زيارة دمشق، ان لجهة انسحابه التدريجي من فريق 14 آذار بدءا بالتمايز عن طروحاتها، وصولا الى اطلاق رصاصة الرحمة على التيار الاستقلالي في لبنان. وبالطبع لا تغيب عن البال اشارة الرسائل الى الاعلام وفريق العمل وعملية "التنسيق" المعتبرة دون المستوى الذي تعّوده السوريون في لبنان خلال العقود الثلاثة الماضية.

من جهة اخرى، تكاد مسألة زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط لدمشق تصير نموذجا حيا لمسلك المصالحة مع الحكم السوري. فما ان يُلبى شرط حتى يحضر شرط آخر، ولا ينتهي المسلسل مع الخروج من 14 آذار ولا مع نقل الاكثرية من مكان الى مكان آخر، ولا مع العودة الى شعارات وادبيات قديمة، ولا مع كسر معنويات بيئة استقلالية رائدة، بل تكر سبحة الشروط الى ما لا نهاية.

هذه عينة لما هي عليه المصالحة مع الحكم السوري اليوم، في وقت ينزلق لبنان يوما بعد يوم نحو مرحلة ما قبل 2005، الامر الذي سيؤدي حكما الى عودة "الوصاية"، ليس بدهاء الحكم السوري وصلابته، ولا بسطوة سلاح "حزب الله"، بل بسبب استضعاف التيار الاستقلالي لنفسه.

ان المصالحة مع الحكم السوري مطلوبة، بمعزل عن اقتناع غالبية اللبنانيين في ما يتعلق بدوره في الاغتيالات، وما ستؤول اليه المحكمة الدولية. ولكن ثمة بون شاسع بين مصالحة وعلاقات تقوم على صداقة تتجدد وفق قواعد مغايرة لما كانت عليه ماضيا، وبين علاقة تقوم على الاذعان لمنطق وصاية ما غادرت يوما جزءا من اللبنانيين يراد ان تعم غالبية استقلالية ترفض ان يحكم لبنان من سوريا مثلما سبق ان رفضت ان يحكم ضدها. وكان صدامها الكبير مع الحكم السوري في سبيل انهاء عصر الوصاية الذي اضر كثيرا بالعلاقات بين البلدين والشعبين.

ان المصالحات العربية التي تمثل الاطار العام الراعي لمصالحة الاستقلاليين مع الحكم السوري لم تنص على عودة الوصاية، إلا اذا كانت هناك بنود مخفية غابت عن اللبنانيين! وحتى في هذه الحالة ليس ثمة ما يستوجب الاذعان لاحلام الآخرين في لبنان ولا سيما عندما يؤدي الاذعان الى دفن الاستقلال المعمد بالدم والدموع، من كمال جنبلاط الى رفيق الحريري وسائر شهداء ثورة الارز.

===================

الحريري وسوريا: مواجهة أم تسليم ؟

سركيس نعوم

النهار

11-3-2010

تخشى جهات لبنانية عدة نشوب ازمة كبيرة في العلاقات بين زعيم "تيار المستقبل" وقائد 14 آذار، أو ما تبقى منها، رئيس حكومة لبنان سعد الحريري وسوريا تطيح مفعول "المصالحة" التي جرت بينه وبين الرئيس بشار الاسد في اثناء الزيارة الاولى له كسياسي ومسؤول لدمشق في العشرين من كانون الاول الماضي. طبعاً لا تعني هذه الخشية ان الجهات المذكورة اقتنعت في حينه ان كل الخلافات الموقتة والعميقة بين الرجلين سلكت طريق الحلول بعد الزيارة المشار اليها والحفاوة والود اللذين احاط بهما الرئيس السوري ضيفه اللبناني، لكنها تعكس خيبة لديها من عدم متابعة ملف العلاقة اللبنانية – السورية واستطراداً الحريرية – السورية على نحو يؤكد رغبة طرفيها الصادقة في التوصل الى حلول او الى تسويات للخاص والعام، وخيبة من مشكلاتهما وخيبة من سرعة عودة الشكوك السورية في النيات الفعلية للرئيس الحريري ومن المسارعة الى تسريبها الى عدد من وسائل الاعلام في دمشق وبيروت سواء مباشرة او بواسطة القريبين. كما تعكس الخشية نفسها خوفا على الاستقرار اللبناني الظاهري (رئاسة جمهورية متحركة ولكنْ بفاعلية مقيدة، وحكومة توافقية شبه مشلولة، وأمن مهدد كل لحظة) الذي سهّلته المصالحة بين المملكة العربية السعودية وسوريا في الأشهر الماضية وربما خوفاً على المصالحة نفسها.

ويبدو ان هذه الخشية بدأت تزداد في الايام الاخيرة، وخصوصاً بعدما بدأت وسائل اعلام موثوق باخبارها عن مواقف سوريا وحلفائها داخل لبنان وخارجه، نَقْلَ "اتهام" سوريا للرئيس الحريري بعدم التزام ما اتُّفق عليه خلال زيارته لدمشق، وخصوصاً اثناء اجتماعه الطويل مع الرئيس الاسد، سواء على صعيد إعداد فريق لبناني للعمل مع فريق سوري على معالجة معظم القضايا الخلافية بين لبنان وسوريا او على صعيد تغيير الاجواء المتشنجة ضد سوريا داخل تيار "المستقبل" واستطراداً داخل فريق 14 آذار، وتالياً التخلي عن الخطاب التحريضي ضدها. وازدادت الخشية ايضا بعد نشر صحيفة ايطالية اخيراً موقفاً للحريري اعتبرته دمشق مؤذياً بل معادياً، لما تضمّنه من مقارنة لسوريا بعراق صدام حسين.

هل الخشية في محلها؟ وهل يمكن ان تتطور الامور بحيث تؤدي الى عودة المصالحة اللبنانية – السورية والحريرية – السورية الى النقطة الصفر؟

انها في محلها طبعا. ذلك ان النقد للحريري وجماعته وحلفائه لم يقتصر على وسائل اعلام لبنانية رغم الثقة بأخبارها السورية، بل وجد طريقه ايضاً الى وسائل اعلام سورية. إن تطور الاوضاع على نحو ينعكس سلباً على المصالحتين المذكورتين امر محتمل في كل لحظة، ولذلك فان المصالحة مطلوبة وبسرعة تلافياً لأي تدهور لا يمكن ان يفيد منه لبنان وخصوصا في مرحلة انقلاب ميزان القوى داخله لمصلحة فريق 8 آذار المدعوم من سوريا وايران الاسلامية. ولكن نجاح المصالحة لن يتحقق الا اذا كانت نيات الجميع صادقة. وذلك يعني ان على سوريا ان تقنع اللبنانيين الخائفين منها والراغبين في الوقت نفسه في علاقة أخوية ومتكافئة ومميزة معها بأنها لا تنوي مواصلة تنفيذ سياستها اللبنانية السابقة التي أخرجتها من لبنان عام 2005 ، وإنْ بأسلوب آخر، مستفيدة من ظروف اقليمية وعربية ودولية مالت الى مصلحتها بعد طول ابتعاد عنها. وعليها ان تقنعهم بأنها لا تنوي السيطرة على بلادهم عبر حلفائها، وبأنها لا تريد ان تفسح في المجال لفريق أو لشعب ان يحكمه "بالنيابة" عن الآخرين او حتى من دون موافقتهم، وبأنها لن تبقي لبنان ساحةً مهمتها تأمين مصالحها واستعادة حقوقها المشروعة الحقيقية من اسرائيل.

وذلك يعني ايضاً ان على اللبنانيين الخائفين من سوريا انفسهم أن يقنعوها بأن لبنان المستقر الذي يحكمه ابناؤه كلهم، لا فريق منهم، هو الذي يحمي ظهر سوريا، وبأن لبنان السيد والمستقل وصاحب العلاقات العربية والدولية هو الذي يساعدها في المحافل الخارجية، وبأن العلاقة من دولة الى دولة بين لبنان وسوريا هي صمام الأمان لكليهما، في حين ان اقامة علاقات مباشرة مع الشعوب والقبائل والمذاهب والطوائف وغيرها تؤذي لبنان وتحمل بذور أذيّة سوريا في الوقت نفسه.

 في اي حال على سوريا ان تعرف ان مهمة سعد الحريري "التطبيعية" معها، سواء كابن الشهيد رفيق الحريري او كسياسي او رئيس حكومة، ليست سهلة على الاطلاق، وان ما طلبه منه الاسد في اجتماع التسع ساعات او ما التزم هو القيام به ليس سهل التنفيذ ويحتاج إلى تعاون منها ومساعدة. وما تقوم به بعد انقلاب موازين القوى داخل لبنان ومعها حلفاؤها لا يشجعه على المضي قدماً بل يزيد مخاوفه ويضاعف من تردده الموجود اصلا ويدفعه الى التمسك ب"النافذة" السعودية مدخلاً لعلاقة سليمة مع سوريا رغم معرفته ان الأخيرة ترفض ذلك جملة وتفصيلاً رغم كل كلام علني ورسمي مخالف.

وفي اي حال ايضاً، على سعد الحريري ان يعرف كيف يعيد بناء العلاقة الشخصية والعلاقة اللبنانية مع سوريا وأن يضع استراتيجيا لذلك وخطة تنفيذية لها، وذلك يعني إطلاع الناس – كما فعلت سوريا عندما راودتها المخاوف من تصرفه – على الحد الادنى، اي على الخطوط العريضة لتفاهمه، كي لا يظهر نتيجة "الاحتراف" السوري انه تراجع فيصبح الحق عليه. وسياسة "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان" هنا لا تفيد كثيراً علما ان ذلك لا يعني نشر كل "الاسرار"، بل يعني معرفة استخدام الاعلام، او الجرأة في استخدامه. ويعني ذلك ايضا ان يحدد الحريري خياراته في صورة نهائية، وما يستطيع ان يقبل من طلبات سوريا وما لا يستطيع ان يقبل، وبما يتمسك من مطالب لبنان وعما يتخلى، وان يشرك معه اللبنانيين على اختلاف "شعوبهم" في محاولة اقامة اول علاقة اخوية جدية ومتكافئة ومميزة بين دولتين توأمين هما سوريا ولبنان. ويعني ذلك اخيرا ان على الحريري ان يحدد خياراته الاقليمية او بالاحرى ان يعرف ماذا يستطيع ان يُحصِّل "لقضيته" وللبنان من هذه الخيارات وكيف. فهو لا يستطيع وليس في مصلحته ومصلحة لبنان التخلي عن السعودية ودورها. لكن عليه ان يعرف انها كدولة اقليمية كبرى لها مصالح قد تدفعها الى التناقض معه ومع بلاده. وهو لا يستطيع وليس في مصلحته ومصلحة بلاده ان يوافق على احتواء سوريا له ولها، لكنه لا يستطيع ان يفرض عليها احترام الاثنين ومصالحهما الا اذا كان في جعبته ما يقايض به. في اختصار: الواقعية قد تدفع الى نصح الحريري "بالتسليم" بالعودة السورية في ظل انقلاب موازين القوى والمصالحات العربية التي كانت على حساب لبنان. اما الحكمة والوطنية فقد تنصحانه بعد درس كل امكاناته وعلاقاته بالتسليم بأن الدور اللبناني لسوريا مهم ولكن برفض ان يعود لبنان تحت حكمها مباشرة او مداورة وبطلب مساعدتها لاقامة لبنان الذي يشعر ابناؤه كلهم بالولاء له ونتيجة لذلك لا بد ان يشعروا بالامتنان لها.

===================

«انتفاضة» يهودية داخل أميركا

بقلم :احمد عمرابي

البيان

11-3-2010

لماذا يرفض اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي يمثله على المستوى السلطوي بنيامين نتنياهو، قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة والاستقلال؟

هذا الرفض ينبثق من نبذ قادة اليمين الإسرائيلي مبدأ «حل الدولتين»، كصيغة نهائية لتصفية النزاع طويل الأجل بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

فما يسعى اليمين الإسرائيلي إلى تحقيقه، هو أن يكون الشعب الفلسطيني جزءاً لا يتجزأ من كيان دولة موسعة وكبرى خالصة للشعب اليهودي، بحيث يكون الفلسطينيون في هذه الدولة اليهودية مواطنين من الدرجة الثانية، بحكم الدستور والقانون.

ووفقاً لهذا التصور، فإن الدولة اليهودية الكبرى تمتد رقعتها، لتشمل أرض الضفة الغربية بأكملها وغور الأردن، أي «دولة من البحر إلى النهر».

جمهورية جنوب إفريقيا، القائمة على مبدأ الفصل العنصري بين البيض المنحدرين من أصول أوروبية والسكان الأصليين من السود الأفارقة، هي النموذج المحبذ الذي يسعى اليمين الإسرائيلي إلى تطبيقه. هذه هي صيغة حل الدولة الواحدة.

لكن هناك من يرون أن تطبيق هذه الصيغة بعد ضم أرض «يهودا والسامرة» أي الضفة الغربية سوف يعني بداية النهاية للشعب الإسرائيلي اليهودي. من بين هؤلاء قيادات فكرية وسياسية من يهود أميركا أنفسهم، ومن أشهرهم الأكاديمي هنري سيغمان.

لقد تلاشت جنوب إفريقيا العنصرية خلال النصف الأول من تسعينات القرن المنصرم، ليس فقط بسبب انتصار الثورة النضالية المسلحة بقيادة «حزب المؤتمر الإفريقي» وزعامة نيلسون مانديلا، وإنما أيضاً بسبب المقاطعة الغربية والعالمية على مدى سنين لذلك النظام، الذي كان يتخذ من التمييز العنصري المرتكز الأساسي لجهاز الحكم.

الآن تشهد الحركة اليهودية داخل الولايات المتحدة تمرداً سياسياً ضد اليمين الإسرائيلي المتطرف، باعتبار أن زعاماته تقود دولة اليهود الإسرائيلية إلى مصير الهلاك. ورغم أن هذه الحركة تتنامى حالياً في هدوء، إلا أنها تتلقى تجاوباً متعاظماً من الرأي العام في أوساط اليهود الأميركيين.

بعنوان «إسرائيل تحت النار» نشرت مجلة «ميدل إيست» اللندنية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، في هذا الصدد، تحقيقاً صحافياً مطولاً تقول فيه إن أحد التحولات اللافتة في واشنطن، هو ظهور «لوبي إسرائيلي جديد ومعتدل».

انشق عن اللوبي اليهودي التقليدي في الولايات المتحدة الذي يطلق عليه «أيباك» (اختصاراً لاسم اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة) والذي يدعم اليمين الإسرائيلي المتطرف.

هذا هو التنظيم الذي نجح منذ خمسينات القرن الماضي في قمع أي انتقاد لإسرائيل داخل الكونغرس الأميركي، وفي دعم المؤسسات الإعلامية الأميركية، بقدر نجاحها في دفع الشخصيات الموالية تماماً لإسرائيل إلى مراكز السلطة العليا في واشنطن، مثل أعضاء مجموعة «المحافظين الجدد» التي كانت تهيمن على تسيير إدارة جورج بوش الابن.

اللوبي المتمرد الجديد يطلق عليه «جي ستريت»، ومن الوهلة الأولى لظهوره إلى الملأ، أعلن صراحة وقوفه ضد أيباك وفلسفته القائمة على مبدأ «نصرة إسرائيل ظالمة أو مظلومة».

وبطبيعة الحال، أخذت أيباك تشن حرباً سياسية وإعلامية ضد التنظيم الوليد. وعلينا أن ننتظر لنعرف إلى أي مدى سوف تنجح جهود أيباك في تدمير هذا التنظيم، والحيلولة دون استمرار نمو نفوذه داخل الكونغرس.

ولكن في المقابل تتسع دائرة التأييد لحركة «جي ستريت» بين أوساط اليهود الشباب، الذين يمثلون أجيال ما بعد «المحرقة»، ويعارضون بشدة دعم أيباك للتيار اليميني المتطرف في إسرائيل.

ومما تطرحه الحركة؛ رفضها مشروع الدولة اليهودية الكبرى الموسعة، وبالتالي فإنها تدعم صيغة الدولتين، بما يعنيه ذلك من خلق دولة فلسطينية مستقلة تتعايش جنباً إلى جنب مع إسرائيل.

كما أن الحركة تؤيد اقتسام القدس بين الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، وإشراك حركة «حماس» في أي مفاوضات. ومما يلفت الانتباه أن قيادات اليمين الإسرائيلي تشن بدورها حملة ضد «جي ستريت»، بغرض تشويه صورتها أمام الرأي العام الأميركي.

يقول الأكاديمي اليهودي الأميركي سيغمان؛ إن الدافع الأساسي لحركة التمرد اليهودية في الولايات المتحدة، ليس التعاطف مع قضية الشعب الفلسطيني بقدر ما هو الخوف على مصير دولة اليهود الإسرائيلية، بسبب اقتداء اليمين الإسرائيلي بنموذج جنوب إفريقيا العنصرية.

ففي حالة تطبيق هذا النظام التمييزي العنصري، فإنه سوف يفقد إسرائيل تأييد الغرب والعالم، كما جرى لحكم البيض في جنوب إفريقيا، ما أدى في نهاية المطاف إلى انهيار ذلك النظام.

والسؤال الذي يطرح عند هذا المنعطف، هو: ماذا ينبغي أن يكون عليه موقف الحركة الوطنية الفلسطينية، تجاه الهدف الاستراتيجي لتيار اليمين الإسرائيلي القائم على رفض «حل الدولتين» وتبني صيغة الدولة اليهودية الكبرى؟

إن على القيادات الفلسطينية أن تعيد قراءة نهاية حكم نظام البيض العنصري في جنوب إفريقيا، لتدرك أولاً أن انهيار هذا النظام لم يأت كنتيجة للضغط الغربي والعالمي فقط، وإنما تحقق بالدرجة الأولى بسبب الثورة الداخلية المسلحة، التي لولاها لما تحرك الغرب والعالم.

كاتب صحافي سوداني

===================

قمة العجز الأوروبي

آخر تحديث:الخميس ,11/03/2010

دانييل كورسكي

الخليج

يبدو أن الاتحاد الأوروبي يعشق مؤتمرات القمة . وما علينا إلا أن ننظر إلى الطريقة التي يتفاعل بها حين يقرر الطرف الآخر ألا يظهر (على سبيل المثال رد الاتحاد الأوروبي على القرار الذي اتخذه الرئيس باراك أوباما بعدم حضور مؤتمر القمة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في مدريد) . إذا كان الاتحاد الأوروبي راغباً في أن يأخذه الآخرون على محمل الجد فلا بد وأن يتعلم أن التحدث عن وضع الأمور في نصابها الصحيح ليس بديلاً للقيام بالتحركات السليمة .

وسوف نجد أن الشأن الباكستاني يُعد المجال السياسي الأكثر تدليلاً على ميل الاتحاد الأوروبي إلى الكلام وليس العمل الفعلي . من المقرر أن تنعقد قمة الاتحاد الأوروبي وباكستان في العاشر من إبريل/نيسان، وهي بمثابة متابعة لأعمال أول اجتماع تم بين الطرفين في الخريف الماضي . ولكن من الصعب للغاية أن نعرف أي شيء عن الحدث، وذلك لأن لا أحد يرغب في تولي زمام الأمر: ليس هيرمان فان رومبوي الرئيس الدائم الجديد للمجلس الأوروبي؛ ولا كاثرين أشتون رئيسة السياسة الخارجية الجديدة لدى الاتحاد الأوروبي؛ وليس حتى رئيس الوزراء الأسباني خوسيه لويس ثاباتيرو، الذي دفع بأسبانيا إلى خشبة المسرح في العديد من المجالات الأخرى .

والسبب بسيط: فالاتحاد الأوروبي ليس لديه أي جديد يقوله أو يقدمه . وباكستان في حاجة ماسة إلى الخبرات التي يتباهى بها الاتحاد الأوروبي في مجال تدريب عناصر الشرطة . ولكن أي انتشار للمدربين سوف يُنظَر إليه باعتباره مجازفة خطيرة وباهظة التكاليف وليس من المرجح أن تصادق النجاح . وبدلاً من ذلك فإن البلدان الأعضاء سوف تباشر هذا الأمر فُرادى، بما لديها من مشاريع المساعدة الهزيلة .

وخلافاً لمشرف فإن زردارى لا يستطيع أن يعول على الدعم من الجيش، والذي يُعَد حتى الآن أقوى مؤسسات الدولة في باكستان . ولقد رد الجيش بشراسة على محاولات الحد من سلطاته وكبح جماح أنشطة أجهزته الاستخباراتية . ويقال إن منافس زرداري الرئيسي، نواز شريف، يخطط الآن لعودة سياسية بعد أن استشعر ضعف خصمه .

ربما يكون لدينا ثلاثة أسباب . الأول أن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى التركيز على باكستان لأن المتطرفين في باكستان يركزون على الاتحاد الأوروبي . ففي تقييمه الاستخباراتي لعام 2009 (تحت عنوان تقرير عن حالة الإرهاب وميوله) انتهى اليوروبول (البوليس الأوروبي) إلى أن “باكستان قد حلت محل العراق باعتبارها المقصد المفضل للمتطوعين الراغبين في الانخراط في الصراع المسلح” . ولقد أكد أحد كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي مفسراً لهذا الميل قائلاً: “لقد شهدنا في الماضي القريب العديد من الحالات حيث يذهب الباكستانيون إلى أوروبا أو يذهب شباب من مواطني الاتحاد الأوروبي إلى باكستان للتدريب وغسل الدماغ” .

والسبب الثالث هو أن الولايات المتحدة من غير المرجح أن تتمكن من تحقيق أهدافها بمفردها، على الرغم من مساعداتها وجهودها . لقد وضعت الولايات المتحدة باكستان ضمن أهم حلفائها في الحرب الباردة . ونتيجة لهذا فقد تغاضت الولايات المتحدة عن العديد من الجوانب البغيضة للسلوك الباكستاني، في حين كانت المؤسسة العسكرية والاستخباراتية الباكستانية تحصل على قدر سخي من الدعم من جانب الولايات المتحدة .

ولقد ساعد هذا في تغذية نوعين من المشاعر المعادية للولايات المتحدة . فالمواطنون الباكستانيون العاديون يكرهون الولايات المتحدة لأنهم يعتقدون أن أمريكا دعمت سنوات من القمع والحكم العسكري، في حين يشعر أهل النخبة في باكستان بالقلق والانزعاج إزاء كل ما قد يقوض المكانة التي أصبحوا يتمتعون بها . وهذا يعني أن الولايات المتحدة لن يُنظَر إليها أبداً بوصفها شريكاً بناءً في تنمية باكستان . وهذا من شأنه أن يترك الباب مفتوحاً أمام الاتحاد الأوروبي، الذي يُنظَر إليه باعتباره مناصراً ثابتاً للديمقراطية .

هناك العديد من الأسباب التي قد تجعلنا نتعامل بحذر مع تصعيد الاتحاد الأوروبي لمشاركته في باكستان، ولكن السياسة الخارجية لا تتعامل مع المشاكل السهلة؛ بل إنها تدور حول معالجة القضايا الصعبة التي تؤثر على حياة الناس .

* كبير زملاء السياسات لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت”.

===================

خطة عربية لإغراق "إسرائيل" بالمبادرات

آخر تحديث:الخميس ,11/03/2010

جميل مطر

الخليج

أعلنت الجامعة العربية وكذلك حكومة طرابلس عن قرب اكتمال استعداداتها لعقد مؤتمر القمة العربية . وكالعادة تكثر التكهنات حول مستوى الحضور وتنعدم التهكنات أو تندر حول الموضوعات الصعبة التي يفترض أن تناقشها القمة ولا يعلن عنها، وينعدم أو يكاد ينعدم الاهتمام بالقرارات المتوقع صدورها . أذكر أياماً كان الشاغل الأكبر لسياسيين عرب إقناع الحكومات العربية بضرورة الالتزام بعقد قمة عربية دورية . حاول محمود رياض حين كان أميناً عاماً للجامعة في مقرها الدائم في القاهرة، ولعلها كانت أيام البراءة، ولا أقول، طفولتنا السياسية . وحاول الشاذلي القليبي عندما كان الأمين العام للجامعة في مقرها المؤقت في تونس . استند الأمل وقتها إلى خمسة عناصر بدت في ذلك الحين كافية لتشجيع الحكام العرب على الانعقاد الدوري، هذه العناصر هي:

* أولاً: أن يصبح الانعقاد الدوري فرصة لتصفية السلبيات التي تلحق بالعلاقات بين الحكام العرب خلال العام الفاصل بين دورتي الانعقاد، وأقول العام الفاصل لأن المسؤولين عن إدارة العمل العربي المشترك لم يضعوا الآليات التي تضمن تنفيذ قرارات القمة السابقة بالقمة التي تليها . كذلك كان هناك أمل في أن يكون الانعقاد الدوري المنتظم فرصة لتبادل الرأي بين القادة بشكل مباشر وليس عبر وسطاء أو مستشارين معروف في العالم العربي وفي خارجه أن لبعضهم مصالح وارتباطات شخصية .

* ثانياً: أن يستفيد الحكام العرب من مشاركتهم في القمة بالحصول على دعم أو مباركة ضمنية أو علنية لنواياهم وقراراتهم في السياسة الخارجية . هذا بالضبط ما يحاول الحصول عليه رئيس السلطة الفلسطينية بمشاركته في المؤتمر المقبل، ولا يختلف عنه الرئيس اليمني الذي وجه الدعوة لدول أجنبية لممارسة أعمال حربية على أرض بلاده، ويريد مباركة عربية شاملة لهذه الدعوة تنفعه في اشتباكاته المتعددة مع قوى داخلية تطالبه بالتغيير . يستبعدون أيضاً حين يلقون على المؤتمر بمسؤولية رفض ضغوط تفرضها دول أجنبية لا تقوى حكومة عربية واحدة على رفضها أو التصدي لها، وهو ما تلح عليه حكومة الرئيس البشير وتطالب به شركاءها في القمة، وهو أيضاً ما دأبت عليه حكومات لبنان خلال الأعوام السابقة مستقوية بالجامعة في موقفها من تدخل سوريا وضغوطاتها .

* ثالثاً: كان الأمل أن تؤدي دورية الانعقاد إلى أن يظهر الحكام العرب، ملوكا ورؤساء، بمظهر قادة في دول وفي نظام إقليمي “دولي” وليسوا قادة على قبائل وجماعات في تجمع عشائري . ولا يخفى أن هذه السمعة مازالت سائدة في عديد من دوائر الإعلام العالمية ودور الحكم ولم تفلح الدول العربية في إزالتها بسبب أنماط السلوك السياسي للدول العربية في الساحة الدولية، وبسبب وهو الأهم، فشل القمم العربية والمسؤولين عن الإعداد لها ومتابعتها في كسب مصداقية دولية لآلياتها ومناقشاتها وقراراتها .

* رابعاً: كان الظن في عهود البراءة السياسية أن يبدو العرب في ظل الانعقاد المنتظم للقمة، وعلى الأقل مرة كل عام، متفقين أو متوافقين، أمام الرأي العام العالمي فيكسبون جماعة وفرادى احترام العالم وشعوبهم .

* خامساً: كان ينتظر أن يكون العمل الجماعي المنضبط والمنتظم عقبة تحول دون انفراد دولة أو مجموعة من الدول باتخاذ قرارات تعود بالضرر على الإقليم بأسره ومصالحه، حتى وإن عادت بفائدة على دولة بعينها . بمعنى آخر كان أمل “التكامليين العرب” ومن تولى تمثيله في الجامعة العربية ومنظماتها المتخصصة أن تؤدي القمة العربية الدورية إلى المحافظة على عروبة النظام العربي وحماية مصالح الأجيال القادمة فلا يضحي بها زعيم أو حكومة من أجل مكاسب وقتية .

كانت بالفعل أيام “براءة سياسية” وكان الظن وقتها بين دعاة التقدم الإقليمي العربي وبناء الدولة الحديثة الراسخة محل الدولة الرخوة الناشئة، أن الجامعة العربية، بكل قصورها وسلبياتها، أداة صالحة لوضع أساس تكامل إقليمي متميز . كان الظن أن منبر الجامعة لن يصدر عنه ما يسيء إلى حرية الأمة العربية ومصالحها ولن تستفيد منه قوة خارجية كانت تستعمر هذه الأمة أو قوى أخرى تريد الحلول محلها . كان الأمل أن يؤدي التعود على المناقشة الصريحة وتبادل الرأي بين الحكام العرب إلى غرس الثقة في النفس وفي العرب الآخرين وفي شعوبهم .

كانت براءة وكانت في نظر آخرين سذاجة . هناك من يرى أن الآباء المؤسسين لفكر التكامل العربي والنهضة والتقدم في هذه المنطقة أهملوا أو تجاهلوا حقائق كثيرة . تجاهلوا أن الانتقال من مجتمع البداوة والقبلية إلى مجتمع الدولة أصعب في المنطقة العربية منه في أي إقليم آخر في العالم، وهو بالتأكيد أصعب من إفريقيا، القارة القبلية بامتياز . فالتكامل الإقليمي لا ينهض بكفاءة إلا في نظام إقليمي تشكله دول مستقلة وذات سيادة، أي من كيانات سياسية واثقة من شعوبها ومن نفسها ومستعدة لأن تقدم تنازلات في السيادة مقابل عائد اقتصادي أعلى ومكانة دولية أرفع، لا يتحقق أي منها في ظل التمسك “الشكلي غالباً” بالسيادة القانونية . لم ينتبه هؤلاء التكامليون، بينما نبه إليه المتخصصون الغربيون، إلى أن الحاكم في دولة عربية قد يتنازل سراً أو علناً عن جانب من السيادة في الدولة التي يحكمها لدولة أو لجهة أو لشركة أجنبية وأحياناً لأفراد، ولكنه جاهز لأن يعبئ الغوغاء في شعبه ليدخل بهم حربا فعلية أو كلامية مع دولة أو جهة عربية أخرى بظن أن سياساتها أو طموحاتها مست بالنية أو عدم القصد سيادة بلاده . رأيناها خاصية عربية كدنا ننفرد بها بين سائر الدول، ورآها آخرون مرحلة متخلفة في تطور النخب الحاكمة أو أنها مرحلة يتفاقم فيها فساد هذه النخب ويتجذر الشعور بالعجز فلا تجد سوى جدار السيادة تداري به فسادها وعجزها . الغريب في أمر هذه النخب الحاكمة في العالم العربي أن بعضاً منها يشعر بأحقيته في قيادة الأمة من “محيطها إلى خليجها” واحتكار التحدث باسمها، مستخدماً التاريخ أو الدين أو القومية أو . .، وهو الأمر الكاشف عن حقيقة حال هذه الأمة، مستخدماً العلاقة الوثيقة بالولايات المتحدة، باعتبارها أهم من التاريخ والدين والقومية وعلى المعترض إثبات العكس . ولا أبالغ إن قلت إن هذا العامل كان مهيمنا على معظم القمم الأخيرة ولعله، كما يعتقد محللون عرب، أحد أسباب انضباطها وانتظام دوريتها .

تحطم أمل التكامليين على صخرة واقع النخب الحاكمة العربية، وعلى صخور كثيرة أخرى وإن أقل شأناً، ووقع شرخ في منظومة آمال قوى التقدم الثقافي والعلمي والسياسي وقوى الاستقلال الوطني تحت ضغط الانهيارات في قيم نخب الثقافة والتعليم والمؤسسات الدينية . وصل الأمر ببعض القيادات السياسية العربية إلى حد دعوة تركيا للتوسط بين طرفين عربيين متخاصمين، وإلى حد تعريض الأمن الاستراتيجي للخطر بالدخول شركاء في خطة، هي في الأصل “إسرائيلية”، تهدف إلى تحويل الخليج ساحة حرب بين قوميتين إحداهما فارسية والأخرى صهيونية . ووصل الأمر إلى حد أسوأ كثيراً: حد التنافس بين دول عربية على استرضاء “إسرائيل” بعد سنوات من التنافس على عدم إغضابها . وأظن أنه سيكون مطلوباً من قمة طرابلس إقرار خطة جديدة في استراتيجية “المواجهة!!” مع “إسرائيل” تقوم على فكرة إغراقها بالمبادرات، مبادرة وراء مبادرة دون توقف، لتسكين أنصار المقاومة وإبطال حجتهم ولإنهاك قدرات “إسرائيل” السياسية والدبلوماسية وأملا في أن واحدة من هذه المبادرات تصيب الهدف، أياً كان، ذات يوم .

القمة ستقر الخطة من دون تحديد هدفها . وبعد القمة ستنهمر المبادرات ومنها طبعة محسنة لمبادرة الشهور الأربعة التي أطلقتها لجنة مبادرة السلام . وبينما المبادرات تتساقط فوق “إسرائيل” تكون “إسرائيل” قد حصلت على الاعتراف بها دولة يهودية وضمت الكتل الاستيطانية وفرضت على المجتمع الدولي الاعتراف بحقها في السيادة على غور الأردن وهودت القدس . وبعدها يتوالى إطلاق المبادرات العربية من بطارياتها المنتشرة في مواقع عربية عديدة .

===================

أردوغان أمام الاختبار الأرمني

آخر تحديث:الخميس ,11/03/2010

محمد السعيد ادريس

الخليج

قبل شهر تقريباً من تصويت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي على مشروع قرار يعتبر أن ما حدث للأرمن من مجازر أثناء الحرب العالمية الأولى على أيدي جيش السلطنة العثمانية يعتبر “إبادة جماعية”، وهو المشروع الذي يعتبره الأتراك خطاً أحمر في العلاقات التركية الأمريكية، والذي حذّر رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان من تمرير هذا المشروع كقرار من الكونجرس، واعتبره الرئيس التركي عبدالله غول غير منطقي ومؤسف ولا يليق بالعلاقات بين البلدين، كان “مركز البحوث السياسية” وهو الجهة المسؤولة عن التقديرات الاستخباراتية من وزارة الخارجية “الإسرائيلية”، قد أعد تقريراً عن مردود وتأثير الإهانة التي تعمّد نائب وزير الخارجية “الإسرائيلي” داني أيالون توجيهها للسفير التركي في تل أبيب عندما استدعاه إلى مكتبه لتوجيه اللوم إلى الحكومة التركية لسماحها ببث حلقات مسلسل تلفزيوني يحمل اسم “وادي الذئاب” من إحدى المحطات التلفزيونية الرسمية التركية، وهو المسلسل الذي اعتبره “الإسرائيليون” يحمل إهانات وتشهيراً ب”إسرائيل”، حيث أظهر قوات الأمن “الإسرائيلية” وهي تقتل الأطفال والفتيات والشيوخ الفلسطينيين .

هذا التوتر الشديد الذي هدد العلاقات بين أنقرة وتل أبيب كانت له امتداداته على مدى عام كامل منذ جريمة الحرب “الإسرائيلية” على قطاع غزة، حيث أخذت الحكومة التركية والشعب التركي مواقف مساندة للشعب الفلسطيني، وطالبت مجلس الأمن باتخاذ موقف قوي ضد العدوان . وبعد أسابيع كانت موقعة رجب طيب أردوغان رئيس الحكومة التركية في مؤتمر دافوس الاقتصادي العالمي مع رئيس الكيان الصهيوني شمعون بيريز، حيث تعمّد أردوغان أن ينسحب أثناء إلقاء بيريز كلمته محتجاً على مضمون هذه الكلمة وما احتوته من أكاذيب، وخصوصاً توصيف الحرب على القطاع بأنها “دفاع عن النفس” ضد صواريخ حركة “حماس”، ومحتجاً على رئيس الاجتماع لأنه لم يعط أردوغان الوقت المماثل للحديث على نحو ما أعطى بيريز . وبعدها بأشهر معدودة كان الرفض التركي لمشاركة “إسرائيل” في مناورات جوية تركية سنوية تجرى بمشاركة أوروبية أمريكية تحمل اسم “نسر الأناضول” بسبب الممارسات العدوانية “الإسرائيلية” ضد الشعب الفلسطيني، واعتراضه على مشاركة طائرات قامت بقصف المدنيين في قطاع غزة بتلك المناورات .

هذه الممارسات والمواقف التركية ضد “إسرائيل” اقترنت بتقارب تركي مع سوريا وإيران ولبنان وفلسطين، حيث أعلن بعد يومين فقط من إلغاء مناورة “نسر الأناضول” عن مناورة كبرى مع سوريا، ثم جرى تأسيس مجلس أعلى للشراكة الاستراتيجية بين تركيا وسوريا، على غرار المجلس الذي تأسس مع العراق ومع مجلس التعاون الخليجي، كما جرى إلغاء تأشيرات الدخول بين سوريا وتركيا، وساندت تركيا إيران في أزمة برنامجها النووي على عكس ما تريد “إسرائيل”، وجاء مسلسل “وادي الذئاب” ليفاقم الأزمة بين أنقرة وتل أبيب، ومن هنا كانت العداوات تتراكم وعبّرت عن نفسها في تعمد إهانة السفير التركي في تل أبيب، وبعدها كتابة ذلك التقرير وتوزيعه على اللجنة الوزارية السباعية التي تدير عمل الحكومة “الإسرائيلية” وعدد من السفارات “الإسرائيلية” في الخارج، وهو التقرير الذي اعترف بتعمد إهانة السفير التركي، كما تضمن افتخاراً “إسرائيلياً” بأن “الجرح التركي من هذه الإهانة سيظل ينزف لسنوات قادمة”، وأن الطريقة التي اتبعها المسؤولون الأتراك في هذه الأزمة تدل على أن تركيا أدركت أنها تخطت الخطوط الحمر في علاقاتها مع “إسرائيل”، وأن ذلك قد يدمر شرعية تركيا في المجتمع الدولي .

صحيفة “ها آرتس” تحدثت عن ثلاثة ملفات يجري مواجهة أردوغان بها، وتتضمن تحريض الجيش التركي ضد أردوغان وحكومته، وتخويف العواصم الأوروبية من نهج وسياسات أردوغان بما يهدد فرص انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، والعمل على إقناع الولايات المتحدة بالاعتراف بارتكاب الأتراك جرائم “إبادة جماعية” بحق الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى .

هل تحوّلت التهديدات إلى واقع على نحو ما يحدث هذه الأيام من كشف لمؤامرات من جانب أبرز جنرالات الجيش التركي ضد أردوغان وحكومته، وعلى نحو مشروع القرار الذي أجازته لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي بوصف ما ارتكبه الجيش التركي في الحرب العالمية الأولى ضد الأرمن بأنه جرائم “إبادة جماعية”؟ هل “إسرائيل” بريئة من هذه الضغوط؟ وإلى أي حد يمكن أن تؤثر فعلاً في العلاقات التركية “الإسرائيلية” في ظل حرص تركي على استمرار هذه العلاقات ولكن ضمن الضوابط التي تريدها أنقرة؟

أسئلة كثيرة مهمة، لكن يبقى الأهم، وهو إلى أي مدى يمكن أن تؤثر هذه الضغوط في قناعات وتوجهات أردوغان؟ هل سيتراجع أم سيزداد قناعة بما يؤمن به؟

===================

المفاجأة «المستحيلة» في بغداد

الخميس, 11 مارس 2010

زهير قصيباتي

الحياة

العراق الى مزيد من «اللبننة» بعد الانتخابات؟

بمقدار ما يفيد العرب السنّة في العراق إقبالهم على خوض الانتخابات النيابية بديلاً من المقاطعة والعنف، بمقدار ما يشكل تمثيلهم في السلطة بعد الاقتراع، واحداً من أبرز المشكلات. لا يبدّل في هذا الواقع اختيارهم الانضمام الى «ائتلاف العراقية» بزعامة رئيس الوزراء السابق اياد علاوي، فيما لا تبدو حظوظ الأخير يسيرة أيضاً في الحكومة المقبلة، بالمقدار الذي يترجم تقدمه في الاقتراع الى المرتبة الثانية.

 

وأما «ائتلاف دولة القانون» الذي تربع على رأسه رئيس الوزراء نوري المالكي، وسجّل مفاجأة في بغداد اكثر مما حصد في محافظات الجنوب، فمهمته العسيرة هي إقناع المالكي بالتنازل عن رئاسة الحكومة لمصلحة شخصية أخرى من الائتلاف... وهذا إذا صدقت مؤشرات الى رغبة واشنطن في دعم رموز جديدة ودفعها الى واجهة الحكم، في مرحلة استكمال سحب القوات الأميركية.

 

مزيد من «اللبننة» والمحاصصة؟... تلك المسألة تثار مجدداً مع فتح معركة رئاسة العراق ورئاسة الحكومة مبكراً، قبل إعلان النتائج النهائية للتصويت وهو اقتراع أثبت في كل الأحوال إصرار القوى والأحزاب العراقية على استكمال المسيرة السياسية، وعدم الاستسلام لإرهاب التفجيرات والقتل العشوائي.

«اللبننة» العراقية تدشن فصلاً من الصراعات، سيواجهه الجميع لاعتبارات أبرزها، إصرار المالكي على استكمال مشروعه الذي فضله الجنوبيون على برامج الأحزاب الأخرى الشيعية خصوصاً المجلس الإسلامي الأعلى. والعارفون في أوساط الحكم في بغداد يكادون ان يجزموا بأن تخلي المالكي عن رئاسة الوزراء يشبه «المفاجأة المستحيلة»، بينما يصح افتراض طلبه المنصب «مكافأة» لما يعتبره نجاحاً في إدارة السلطة، وليس فقط «انتزاع حق» تبرره نتائج الاقتراع.

ولا يتعارض ذلك مع حقيقة ان أي فريق لن يتمكن من التفرد بتشكيل الحكومة، وما لا يمكن تجاهله أيضاً هو ان «ائتلاف دولة القانون» يبدو مثل «التحالف الكردستاني» مستعداً لمقايضة: الضغط لانتخاب الرئيس جلال طالباني لولاية أخرى، في مقابل ضغوط كردية لترشيح المالكي مجدداً على رأس حكومة «الدولة المدنية».

 

هي إذاً حاجة متبادلة، دونها «عقبة» العرب السنّة، والأحزاب الشيعية التي تدور في فلك «المجلس الإسلامي الأعلى». العرب يسعون الى قطف ثمرة التحاقهم الكامل بالعملية السياسية، ويتطلعون الى خلافة طالباني، كون موقع الرئاسة يعيد إليهم «ضماناً» ولو رمزياً في مواجهة تحكم رئاسة الوزراء (الشيعية) بمفاتيح السلطة. أما القوى المتحالفة مع المجلس، فيرجَح ميلها الى «معاقبة» المالكي بعدما انتزع من شعبيتها قسطاً وافراً في المحافظات الجنوبية، لذلك سترى الإصرار على وجه شيعي بديل يقود الحكومة، مطلباً مشروعاً.

وأما افتراض استحالة قبول المالكي بالتنازل عن تشكيلها، فهو ذاته الذي يفسر اقتناع الأميركيين بأن بغداد مقبلة على أزمة سياسية قد تطول شهوراً، فتشرّع الأبواب لاحتمالات الانهيارات الأمنية التي تتربص بالجميع.

 

الذين واكبوا الانتخابات من داخل العراق، يعتبرون ان المعركة الحاسمة كانت في بغداد، وأنها هي التي ستقوّي تمسك رئيس «ائتلاف دولة القانون» بالكرسي الأول على رأس مقاعد الوزراء، في حين تخطى «الإشاعات» الحديث عن حصد المالكي نحو اربعين مقعداً من 68 هي حصة العاصمة في مجلس النواب. وإذا كانت المفاجأة الأخرى تقدم علاوي المتفوق في كركوك، ليتجه الى تقاسم مقاعدها مع كتلة «الكردستاني»، فضلاً عن تقدمه في محافظات الغالبية فيها للسنّة، فذاك «الانتصار» لا يحول دون سيناريو تزعّم علاوي معسكر المعارضة للحكومة الجديدة، وترجيح تصدعات في بعض الكتل... تحت وطأة المطالب والطموحات المضادة.

يجوز ايضاً، خارج المحافظات العراقية، طرح السؤال مَن اقترع لمن إقليمياً؟... لكن الحديث عن تقاسم نفوذ بين العرب وإيران في بلاد الرافدين، يتجاوز الإفراط بالتفاؤل، فليس من عادة طهران التخلي عن أي من «ساحاتها»، فكيف إذا كانت بحجم العراق وموقعه وثرواته.

لعل أنقرة لا يزعجها أبداً اختيار رئيس لهذا البلد من العرب السنّة، كي تطمئن الى ان طريق المصالح مع بغداد لن يبقى عبر كردستان المنتعشة بالامتيازات والثروة النفطية، وطموحات «الدولة النائمة» للأكراد. رئيس منهم للإقليم، ورئيس منه لكل العراق، وتوجهٌ حتى الى مقايضة ورقة كركوك موقتاً بإبقاء طالباني في قصر الرئاسة في بغداد.

 

هو إذاً، مزيج من «اللبننة» و «العرقنة» التي طوّرها الشيعة والأكراد، ومكّنت المالكي من الصمود في الداخل رغم كل الأزمات العنيفة مع دول عربية مجاورة. السنّة العرب يتمنون عودة العراق الى «حضنه العربي»، وبين المالكي و «المجلس الإسلامي الأعلى»، لمن يبقى «الحضن الإيراني»؟

===================

الطريقة الإيرانية لعودة الجولان

المستقبل - الخميس 11 آذار 2010

العدد 3591 - رأي و فكر - صفحة 20

رون بن يشاي

("يديعوت أحرونوت" 9/3/2010)

ترجمة: عباس اسماعيل

لم تنجح زخات المطر الثقيلة التي سقطت في إصبع الجليل في الأسبوع الماضي، في أن تبتلع صوت المحركات للطائرات الحربية وطائرات التجسس والطائرات غير المأهولة التي حلقت بشكل متواصل في سماء المنطقة حتى ساعات الليل المتأخرة.

الخائفون وأصحاب التجربة، من سكان الجليل الأعلى، حاولوا أن يفهموا، إذا ما كان هناك من علاقة بين حركة الطائرات الناشطة فوق رؤوسهم، وبين العنوان الرئيسي في صحف يوم الجمعة الذي تحدث عن توتر في الشمال، وربطه بزيارة الرئيس الايراني لسوريا . كما حاولت وسائل الإعلام في لبنان أن تفهم إذا كان هناك من علاقة بين اللقاء المصور للرئيس الايراني مع الرئيس السوري بشار الأسد وحسن نصر الله في دمشق، وبين طائرات سلاح الجو الاسرائيلي التي حلقت على مستوى منخفض في سماء بيروت والبقاع اللبناني.

خمن كثيرون على جانبي الحدود، بأن الطائرات أرسلت إلى المنطقة بهدف اغتيال نصر الله وهو في طريقه إلى مخبئه في بيروت. لا يوجد حتى الساعة معلومات موثقة تبدد هذا التخمين المثير للإهتمام، لكن سكان إصبع الجليل القلقين بقوا مع علامات استفهام. لكنهم لم يكونوا لوحدهم، لا شاطرهم الأمر كل الجمهور في إسرائيل الذي ظهر حائرا إزاء ما يحدث في الجبهة الشمالية. فإذا كان يوجد توتر، كما تتحدث وسائل الإعلام، فكيف يستقيم هذا الأمر مع تصريحات كبار المسؤولين في إسرائيل وأيضا في سوريا عن الرغبة في استئناف المفاوضات السياسية؟

إذاً من المهم أن نعرف أن هناك توتراً أمنياً في الشمال تحت الأرض وفوقها أيضا، يعلو وينخفض بين الفترة والأخرى في السنتين الأخيرتين، وقد إزداد في الفترة الأخيرة وفيه احتمال للتفجر لا بأس به. هذه الأخبار السيئة، أما الأخبار الحسنة فهي أنه حتى الآن لكل اللاعبين الرئيسيين، سوريا، حزب الله، إسرائيل مصلحة في الامتناع عن المواجهة، لذلك يظهرون ضبطاً للنفس ويحذرون من عدم خلق الشرارة التي تشعل غاز الوقود الموجود في الجو. إلا أنه يوجد في المنطقة عنصر آخر شديدة القوة ومصلحته مغايرة كلياً.

ثمة لإيران مصلحة إستراتيجية في إنتاج غاز الوقود ووضعه على حافة الانفجار. هذا عامل مهم في الإجراءات التي تتخذها إيران من اجل خلق تهديد مضاد، يحبط أو يخفف من التصميم على فرض عقوبات مشددة عليها، ويدفع بإسرائيل والولايات المتحدة الاميركية للتفكير مرتين أو ثلاثاً، قبل أن تنفذ الخيار العسكري بمهاجمة المنشآت النووية. تسعى طهران الآن الى أن توضح للعالم، بأن عقوبات "مشلة" (من خلال استيراد وتصدير الوقود ومشتقاته)، قبل أن نتحدث عن الهجوم، سيؤديان الى خطوات انتقامية من جانبها، ستحدث اشتعالا شاملا في منطقة الشرق الأوسط.

وبالفعل، ألمح نائب قائد الحرس الثوري هذا الأسبوع الى أن بلاده لن تتردد في إغلاق مضيق هرمز أمام حاملات النفط الى الأسواق العالمية، من كل دول الخليج. وكذلك أيضا هدد بمهاجمة آبار ومنشآت النفط في الدول المجاورة. وتحذر إيران بأن هاتين الخطوتين، ستؤديان إلى عرقلة التزود في الوقود من الخليج الفارسي للسوق العالمية، والى ارتفاع مهم في أسعاره. وهذا من شأنه أن يردع الصين التي تستورد نسبة مهمة من النفط الذي تحتاجه من الخليج، عن تأييد العقوبات التي تقترحها واشنطن، وكذلك أيضا الدول التي يرتبط اقتصادها بنفط الخليج، بدءاً من دول عربية منتجة للنفط وصولاً الى دول العالم الثالث الأعضاء في مجلس الأمن.

لكن ليس هذا نهاية المطاف، فإن للتهديد الإيراني الانتقامي رجلاً أخرى تتعلق بنا مباشرة. تهدد إيران بتوجيه ضربة إستراتيجية تقليدية، لكنها مدمرة ولا مثيل لها لإسرائيل من خلال آلاف الصواريخ والقاذفات، والقدرات الإرهابية الموجودة لدى حلفائها: سوريا، حزب الله، حماس، الجهاد الإسلامي الفلسطيني ومنظمة أحمد جبريل.

عندما يتفكك المجتمع الصهيوني

هذا التهديد بحسب تقدير الجهات المقدرة، ليس محدودا بحال مهاجمة إسرائيل لإيران، بل أيضا في حال وجدت إيران نفسها في أزمة صعبة بسبب العقوبات التي ستفرض عليها، وتريد خلق وضع، تقلب فيه كل الأوراق، وتجبر الغرب على أن يحتاج إلى خدماتها من أجل تهدئة المنطقة. لكن الى أن يكون هذا التهديد حقيقيا، يتوجب على طهران أن تضمن دمشق بأن لا تهرب إلى المعسكر الغربي وإضعافها، هذا إذا لم توقف المساعدة العسكرية الناشطة التي تقدمها لحزب الله وسائر الجهات. من أجل ذلك سافر هذا الأسبوع الى دمشق محمود أحمدي نجاد ووقع مع الأسد اتفاق تعاون، ودعاه الى قمة عشاء مصورة بمشاركة نصر الله وكبار مسؤولي المنظمات الفلسطينية.

لكن ايران لا تكتفي بإستعراضات القوة المصورة، لأنها تعرف أن الأسد ومثله أيضا حزب الله وحماس، يخشون الآن مواجهة أخرى مع إسرائيل، وأن سوريا التي تعاني اقتصاداً صعباً، تريد جدا توثيق العلاقات مع الولايات المتحدة الاميركية، لذلك يحرص الإيرانيون على أن يكون لحلفائهم الدافعية والجهوزية والأهلية للدخول في مواجهة مع إسرائيل.

بحسب التحليل للتصريحات العلنية لأحمدي نجاد ووزير الخارجية متكي وللتحاليل التي نشرت في الصحف العربية، واضح جدا أن الإيرانيين يشعلون النار، ويقولون للسوريين بأن إسرائيل من الممكن أن تهاجم من أجل محو عار حرب لبنان الثانية. ويمكن الافتراض هنا بان الإيرانيين يعتمدون على تصريحات وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، ويعززون مخاوف الاسد بان إسرائيل تنوي المهاجمة بنفس الوقت سوريا من أجل زعزعة النظام وتدمير اقتصاد سوريا. وعندما تضعف سوريا تدخل إسرائيل معها وبمبادرة من الولايات المتحدة في مفاوضات من موقع القوة، تجبر فيها دمشق على القبول بإملاءات القدس. لذلك، يبذل الإيرانيون كل ما بوسعهم لإقناع السوريين بأنه ليس لهم مصلحة الآن في الدخول بمفاوضات مع إسرائيل.

لماذا؟ لأن إسرائيل ستنهار من الداخل بعد أن توجه سوريا وحزب الله والفلسطينيون للجبهة الداخلية ضربة مدمرة بواسطة الصواريخ والقاذفات وحينها، عاجلاً أو آجلاً، سيعود الجولان، سواء نتيجة المفاوضات التي ستنشأ بعد الحرب (كما قال وزير الدفاع باراك لكبار ضباط الجيش الاسرائيلي)، أو في المستقبل البعيد نتيجة إنهيار المجتمع الاسرائيلي. لكن من أجل أن يحدث كل هذا، تحتاج سوريا بحسب طريقة أحمدي نجاد (وأيضا بحسب طريقة السوريين أنفسهم) الى تقوية حزب الله بحيث يكون قادرا على الصمود أمام هجوم إسرائيلي.

===================

متى الحوار الإسلامي الإسلامي؟

المستقبل - الخميس 11 آذار 2010

العدد 3591 - رأي و فكر - صفحة 20

عدنان السيّد حسين

في مقابل الحوار الإسلامي المسيحي، ثمة دعوة الى حوار إسلامي إسلامي، أو حوار بين السنّة والشيعة.

ما يحرّض على هذه الدعوة تردّي العلاقة بين أهل السنّة والجماعة وأهل الشيعة في عدد من أقطار العالم الإسلامي، وتحديداً في رقعة جغرافية ممتدة من الهند شرقاً الى وادي النيل غرباً!

هناك تضليل غير مألوف، ولا يستند الى الحقيقة الدينية بين الطرفين في العالم الإسلامي. وهناك تشويه لأذهان الناشئة في بعض المساجد، ومعاهد العلم، عندما يتناول طرف طرفاً آخر بالسلبية أو بالتجاهل والإنكار!

كنا نأمل لو أن هذه العلاقة طبيعية، وكما يجب أن تكون في إطار وحدة العقيدة، والاختلاف الفقهي. بيدَ أن التشويه طاول المفاهيم الأساسية أحياناً، ما يهدّد وحدة الأمة الإسلامية بالانقسام والتصدّع المجتمعي.

بداية، يجدر التأكيد على وحدة العقيدة بين السنّة والشيعة، أي التوحيد بالله، والكتاب الواحد، والرسول الواحد. بل أكثر من ذلك، هناك إجماع على شطرٍ واسع من الأحاديث الصحيحة للرسول، التي تشكّل السنّة النبوية. بعبارة أخرى، هناك لقاء على الأصول وخلاف على بعض الفروع، فلماذا الإنقسام إذاً؟

لا بد من هوى يتنازع المسلمين، أو هناك غرض ومصلحة من وراء الانقسام. ولا بد في هذا المجال من ملاحظة دور بعض أئمة المساجد، أو الوعّاظ، الذين تخلّوا عن دعوة التوحيد فراحوا يبرزون الاختلافات وينسبونها للعقيدة، متناسين دعوة الله الى الوحدة والتضامن. هذا بالإضافة الى الدور السلبي لبعض وسائل الإعلام، أو الفضائيات، التي آثرت تحريك الفتنة.

في مواجهة هذا الإنحدار الخطير، تبنّت منظمة المؤتمر الإسلامي استراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية، التي وضعتها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) من خلال مجهودات نخبة من علماء الأمة من المذاهب الإسلامية كافة، حيث كان للمدير العام السيد عبدالعزيز بن عثمان التويجري دور مهم في هذا المضمار.

إن الحوار الإسلامي الإسلامي لا يقتصر على الطرفين المذكورين، وإنما يمتد الى حوار بين المذاهب السنّية نفسها التي تختلف أحياناً حول أمور كثيرة، وكذلك الحال بين المذاهب الشيعية المختلفة. وثمة فرق إسلامية أخرى لها وجودها ودورها في العالم الإسلامي، وهي معنيّة بالحوار. فالحوار شامل وعام، وهو على الأصح بين مسلم ومسلم، وليس بين إسلام وإسلام!

الإسلام واحد، وتفسير المسلمين مختلف عند واحدهم عن تفسير آخر. ولا بد والحال هذه من العودة الى الأساس العقيدي الواحد، والإنطلاق من المشتركات وهي كثيرة. فالدعوة الى التقريب بين المذاهب مطروحة منذ زمن بعيد، خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية عندما قام مشايخ الأزهر ومشايخ النجف بهذه الدعوة، وقد برز في تحمّل هذه المسؤولية شيخ الازهر محمود شلتوت، والمرجع الإسلامي الشيعي الأعلى في بلاد الشام السيد محسن الأمين، وغيرهما كثيرون.

لا بد من الإقرار بأهمية الحوار من منطلق عقيدي، ولأسباب حضارية واستراتيجية. فالعقيدة الواحدة لا تألف مع الفتنة المدمرة، وتفرض على أتباعها اعتماد التسامح، والدعوة الى البرّ والتقوى. والحضارة الإسلامية الواحدة ملاذ المسلمين جميعهم، وصورتهم في العالم. وإذا كانت من نتاج كل المسلمين، بل وبمشاركة المسيحيين الموجودين في العالم الإسلامي الكبير، فإنها تفترض انتظاماً عاماً بعيداً من الفتنة الضالّة. أما الدواعي الاستراتيجية فإنها كثيرة، تكفي الإشارة الى المخاطر الصهيونية التي تسيطر على فلسطين وأهلها، وضرورة وحدة الأمة في مواجهتها. وكيف إذا كان العالم يشهد تحديات مالية واقتصادية واجتماعية من شأنها تهديد أمنه واستقراره؟

======================

مقبرة الأحزاب: الأفكار تموت أيضا

بقلم إغناثيو رامونيت مدير لوموند ديبلوماتيك-أسبانيا

باريس-وكالة انتر بريس سيرفس

مارس (آي بي إس)

الأفكار تموت أيضا. وتكتظ مقبرة الأحزاب ببقايا تنظميات أشعلت المشاعر وألهبت الجماهير ثم وقعت طي النسيان.

فمن يتفق في أوروبا علي الراديكالية في يومنا هذا، بعد أن كانت واحدة أهم القوي السياسية (الوسط-اليسار) علي مدي المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر؟. وأين ذهبت"الأناركية"؟ والشيوعية الستالينية؟.

وما الذي حدث لتلك الحركات الشعبية الجبارة وتعبأتها لملايين العمال والمزارعين والريفيين؟. هل كانت مجرد موضة عابرة؟.

تقف الديمقراطية الإجتماعية الأوروبية الآن علي حافة القبر جراء كل ما تنازلت عنه وتراجعت بشأنه بل وهجرته، فيبدو أن دورتها الحياتية قد أوشكت علي الإنتهاء.

بيد أن ذلك يحدث في وقت تجتاز فيه غريمتها الأزلية -الرأسمالية المتناهية في الليبرالية- أحد أسوأ مراحلها.

فكيف يمكن إذن أن تحتضر الديموقراطية الإجتماعية بينما تنغمس الرأسمالية متناهية الليبرالية في أزمة قاسية؟ الرد واضح: لأن الديمقراطية الإجتماعية عجزت عن توليد الحماس الشعبي الواجب، وذلك نتيجة لضعف إستجابتها للمشاكل الإجتماعية الملحة القائمة.

فتتلمس الديمقراطية الإجتماعية زعامتها دون بورصة أو نظرية، دون تنظيم أو أفكار، دون مذهب أو توجه، ودون هويته، وهذا أدهي وأدل.

الديمقراطية الإجتماعية كانت تنظيما أُفترض أنه أشعل ثورة، لتنصرف عنها فيما بعد. كانت حزب العمال، لتنحسر اليوم كحزب لطبقة حضرية متوسطة ومرتاحة.

لقد دللت الإنتخابات الأخيرة علي أن الديمقراطية الإجتماعية الأوروبية لم تعد تعرف كيف تستجذب ملايين الناخبين، أولئك الذين يقعون ضحية عالم ما بعد التصنيع الوحشي الذي أحضرته العولمة.

إنهم أولئك الملايين من العاملين "القابلين للإستعمال لمرة واحدة"، والفقراء الجدد في الضواحي، والمهمشين، والمتقاعدين حتي لو كانوا في سن العمل، والشباب المعرضين للخطر، وعائلات الطبقة المتوسطة المهددة بالعوز، وعامة كل الفئات التي أحلت صدمة النيوليبرالية اللعنة بها.

 

في منظور كل هذه الملايين، لم تعد الديمقراطية الإجتماعية قادرة فيما يبدو علي تقديم رسالة أو حلا. وأعطت الإنتخابات الأوروبية في يونيو 2009، مؤشرا واضحا علي حالتها الكارثية.

فقد تقهقرت غالبية الأحزاب الديمقراطية الإجتماعية الحاكمة تقهقرا مدويا، وكذلك الأمر بالنسبة لنظيراتها المعارضة، خاصة في فرنسا وفنلندا، إذ عجزت عن إقناع المصوتين بإن لديها ردا علي التحديات الإقتصادية والإجتماعية المترتبة علي غرق سفينة الرأسمالية.

ودليل آخر علي فشل الديمقراطيين الإجتماعيين في تبني منظورا مختلفا عن منظور قيادة الإتحاد الأوروبي، ما قدمه رئيسا وزراء أسبانيا خوسيه لويس ثاباتيرو، وبريطانيا غوردون براون، من دعم مخزي لإنتخاب جوزيه مانويل باروسو -السياسي متطرف الليبرالية- كرئيس للمفوضية الأوروبية.

والمعروف أن جوزيه مانويل باروسو كان هو "الرجل الرابع" في قمة جزر أزوريس في مارس 2003 التي إجتمع فيها جورج بوش وطوني بلير وخوسيه ماريا أثنار، لإتخاذ قرارهم الخارج عن القانون بغزو العراق.

وقد يجدر التذكير بأن الديمقراطيين الإجتماعيين كانوا يمارسون الحكم في 15 دولة أوروبية في عام 2002. أما الآن، وعلي الرغم من إفلاس الليبرالية المتطرفة إجتماعيا وأخلاقيا وبيئيا جراء الأزمة المالية، يحكم الديمقراطيون الإجتماعيون مجرد خمس دول، الا وهي أسبانيا، اليونان، البرتغال، المجر، والمملكة المتحدة.

فهم لم يعجزوا فقط عن إغتنام الفرصة، بل وسينتهي الأمر بحكومات ثلاث دول منها -اليونان، أسبانيا، البرتغال- بأن تفقد المزيد من مصداقياتها وشعبيتها تحت وطأة أزمة الأسواق المالية والديون، الآن وقد شرعت في تنفيذ برامج التقشف والسياسيات غير الشعبية الوليدة عن منطق الإتحاد الأوروبي ومن يقوده.

 

فالواقع أن تنصل الديمقراطيين الإجتماعيين الأوروبيين لمبادئهم وأصولهم قد أصبح دائا مزمنا. فقد قرروا منذ سنوات تبني مذهب الخصصة، وتقليص ميزانيات الإنفاق علي المواطنين، والمناداة برفع سن التقاعد، وتفكيك القطاع العام، وتشجيع إندماج الشركات العملاقة، وتدليل المصارف.

فتحولت الديمقراطية الإجتماعية رويدا رويدا ودون تأنيب للضمير، إلي ليبرالية إجتماعية، وأسقطت من أولوياتها أهدافا كانت تشكل جزأ لا يتجزأ من تركيبتها الحيوية كالعمالة للجميع، والدفاع عن المنافع الإجتماعية المكتسبة، وتنمية الخدمات والمرافق العامة، وإستئصال الجوع والفقر.

فحتي ثلاثينات التسعينات كانت الديمقراطية الإجتماعية، بدعم من اليسار والنقابات، تتصدي لمحاولات زحف الرأسمالية، من خلال مبادرات مبتكرة وتقدمية: حق الإقتراع للجميع، التعليم المجاني للجميع، حق العمل للجميع، والتأمينات الإجتماعية للجميع، وغيرها.

أما الآن، فتفتقر الديمقراطية الإجتماعية الأوروبية إلي رؤية إجتماعية جديدة. لقد تغييرت الأزمان وغلب حتي علي أقل المقتدرين، القول القائل بأن الإستهلاكية قد إنتصرت ومعها الرغبة في الثراء والمتعة والوفرة.

وفي مواجهة مذهب التمتع المهيمن هذا، المختوم بشكل دائم في أذهان الناس عن طريق الإعلانات بدون هوادة وتلاعب وسائل الإعلام، لم يجسر قادة الديمقراطية الإجتماعية الوقوف ضد التيار.

فقد عملوا علي إقناع أنفسهم بأنفسهم أنه من غير المؤكد أن الرأسماليين يثرون علي حساب إستغلال العمال، وإنما العكس تماما، أي أن الفقراء يستفيدون من الضرائب التي يدفعها الأغنياء.

وأصبحوا يعتقدون أن "الاشتراكية ليست ممكنة إلا عندما تتجاوز المحنة السعادة، وتفوق المعاناة السرور، وتنتصر الفوضي علي الهيكل"، على حد تعبير الفيلسوف الإيطالي سيموني رافاييل.

ومع ذلك، وفي المقابل، قد نكون نشهد في بعض بلدان أمريكا الجنوبية (بوليفيا وإكوادور وفنزويلا) ولادة جديدة متميزة بالقوة والإبداع لإشتراكية القرن 21 الجديدة، فيما تدق الأجراس في أوروبا من أجل ديمقراطية إجتماعية.

(آي بي إس / 2010)

======================

حقيقة الاقتصاد السري في ظل تضاؤل الموارد

تجارة الجنس .. طوق النجاة لآلاف اللاجئين العراقيين في سوريا

إيلاف 10/3/2010

يتربح المئات بل الآلاف من اللاجئين العراقيين في سوريا من تجارة الجنس من أجل كسب المال، حيث تنتشر الملاهي الليلية التي تتضمن الغرف المظلمة وكذلك قاعات للرقص واخرى للفرق الموسيقية التي تعزف في مكان ما خلف المسرح بصورة صاخبة.

القاهرة: هنالك عالم سري يتربح المئات بل الآلاف من اللاجئين العراقيين في سوريا من العمل به، ويتمثل هذا العمل بتجارة الجنس من أجل كسب قوت يومهم خاصة، ومن المعروف أن العاملين في هذه المهنة من غير المسموح بالنسبة لهم أن يقوموا بشغل وظائف في دمشق. ويتضمن هذا العالم السري الكثير من التفاصيل المثيرة التي تكشف بوضوح عن حقيقة "الاقتصاد غير المشروع" الذي يعيش من خلاله اللاجئون العراقيون في سوريا.

وتسرد مراسلة مجلة "فورين بوليسي" الأميركية التي اعدت تحقيقاً مطولاً حول الموضوع، تفاصيل الزيارة التي قامت بها خلسة رفقة سيدة عراقية تدعى "أم نور" إلى أحد الملاهي الليلية في العاصمة السورية. ثم تمضي لتصف الأجواء هناك، بدءاً من هؤلاء الرجال الذين يرتدون سترة سوداء عند الباب الأمامي للملهى إلى الداخل حيث تواجد الزبائن، ومعظمهم من العراقيين. ثم تنتقل في السياق ذاته لتقول إن القاعة الخاصة بالملهى عبارة عن غرفة واسعة ومظلمة، تسلط فيها الأضواء على المنطقة المخصصة للرقص، بالإضافة إلى تلك الفرقة الموسيقية التي تعزف في مكان ما خلف المسرح بصورة صاخبة.

وبعد استعراض الأجواء في الداخل، حيث يوجد ما لا يقل عن 100 مائدة، ويجلس معظم الزبائن في مجموعات صغيرة بالقرب من خشبة المسرح، ويتناولون المشروبات المُسكِرة ويتبادلون أنفاس الدخان، وتتواجد كذلك مجموعات عائلية على موائد في المنطقة الخلفية، ( حيث الآباء والأمهات والبنات صغيرات السن )، تمضي ديبورا لتشير إلى أن كثيرين بدأوا يتحولون إلى ذلك الاقتصاد السري، في ظل تضاؤل الموارد. وضمن هذا السياق، تلفت إلى أن الأسر التي تُعيلها سيدات تُشكل تقريبا ربع اللاجئين المُسجلين لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. وهؤلاء السيدات هنَّ إما أرامل، أو مطلقات، أو منفصلات عن أزواجهن بسبب الحرب، ولدى أعداد كبيرة منهن أطفال أو والدان مسنان مسؤولات عن رعايتهم.

ثم تنتقل ديبورا لتتحدث عن أحد المشاهد المعتادة للسيدات في هذا الملهى، حيث يجتمعن كل ليلة أمام مرآة في أحد المراحيض العامة، لضبط الماكياج والملابس الضيقة التي تبرز مفاتنهن. وتنقل المراسلة عن إحداهن قولها: " لن أرقص مطلقا حتى أصبح في حالة سُكر". وتنقل عن أخرى تدعى عبير قولها: "حاول زوجي تهريب أولادنا إلى السويد، لكنهم ضُبِطوا وأعيدوا مرة أخرى إلى بغداد". ثم تلفت ديبورا إلى أن عبير أخبرتها بأنها انفصلت عن زوجها، عندما تركها وغادر إلى السويد، وأنها قد وافقت على الانفصال من أجل طفليها. وتشير إلى أنها تعيش الآن رفقة شقيقتها، وتشعر بالقلق على أولادها. لذلك، تقوم بإرسال ما تكسبه من الملهى إليهم.

وعن سبب قدومها إلى دمشق، تابعت عبير بقولها: "كنت أعمل صحافية، ثم عملت كمراسلة في عام 2007 لإحدى المحطات التلفزية في بغداد، إلى أن عثرت والدتي على خطاب بحديقة منزلنا، وكُتِب َ فيه (غادروا في غضون 48 ساعة، وإلا سنقتلكم)، وحينها كانت سوريا الحدود الوحيدة المفتوحة أمامنا".

وفي النهاية، تعاود المجلة لتؤكد أن هذا الملهى كان يتميز عن غيره، فأم نور تفضله على غيره، لأن نظام التكاليف والمكافآت المعمول به هناك يُفضِّل السيدات اللواتي يرغبن في فرض قدر من السيطرة على عملهن. كما أنه يشبه السوق الحرة بالنسبة إلى السيدات العاملات هناك. وتلفت المجلة في الختام إلى أن السيدات يقمن في نهاية كل ليلة بدفع مبلغ من المال للرجال السوريين الموجودين في الخارج، إن غادروا بصحبة رجل - حيث يتحصلون من كل سيدة على مبلغ قدره 500 ليرة سورية.

=======================

التجربة التركية.. كيف يراها الإسلاميون؟

علي عبدالعال

الإسلاميون.نت

تباينت رؤى الإسلاميين في تقييمهم "التجربة التركية" كنموذج للحكم يصلح الاقتداء به في بلادهم التي يعصف بها الاستبداد من جهة، ويشوب العداء علاقتهم بمؤسسات السلطة فيها من جهة أخرى، فبينما رآها البعض النموذج الأمثل الذي يسعى جاهدا لتطبيقه، دون أن تكون له عليها شائبة تذكر، اعتبرها آخرون محاولة جديدة لاحتواء حركة الإسلام السياسي الصاعد، بينما تحفظ عليها البعض الآخر فلم ينكر إيجابياتها، وإن كان لم يقصر وهو يعدد مآخذه عليها.

 

وحيث تتطلع شرائح عديدة من الإسلاميين للبحث عن مخرج من المأزق التاريخي بين الحركة الإسلامية والسلطة، الذي تسوده مظاهر: الإقصاء، والمطاردة، وغياب الثقة، وحملات التشويه، يرجع تباين الرؤى بين الحركات الإسلامية بالأساس إلى تباين المدارس الفكرية التي ينتمي إليها الإسلاميون، وهم يتوزعون إلى ثلاث مدارس فكرية كبرى: مدرسة الإخوان المسلمين، وأصحاب المنهج السلفي، والتيار الأيديولوجي الشمولي الذي ينشد المفاصلة مع الأنظمة الحاكمة، سياسياً كحال حزب التحرير أو عسكرياً كالحركات الجهادية.     

 

نسخة مصرية للعدالة والتنمية

 

وفي إطار الجهود لعملية استنساخ فعلي على الأرض، تنظر أوساط ثقافية وإعلامية إلى (حزب الوسط) باعتباره "النسخة المصرية" من العدالة والتنمية؛ حيث ينطلق الحزب المصري تحت التأسيس من استلهام تجربة الحزب التركي الحاكم، ويربط مراقبون بين شخصية مؤسسه المهندس أبو  العلا ماضي -القيادي السابق في الإخوان المسلمين- وبين شخصية رجب طيب أردوغان في الخلفية الإسلامية مع "التطور الفكري الذي يواكب العصر بمفهوم إسلامي"، خاصة وأن ماضي كان قد أشاد بأردوغان وجماعته في مواقف ومناسبات عديدة.

 

ويرى مؤسس الوسط في العدالة والتنمية "نموذجا ممتازا لظروف تركيا" خاصة في التحول الديمقراطي، وعلاقة الإسلاميين بالسلطة، وحجم الإيجابيات غير المسبوق، مشيرا إلى أنه "قدم نموذجا حقيقيا للإسلام بدون رفع لافتة صارخة.. والعبرة بالمضمون وليست باللافتات". وفي حديثه لـ"الإسلاميون.نت" لم يتذكر ماضي سلبية واحدة يأخذها على قيادات حزب العدالة والتنمية، خاصة أن خصومهم أنفسهم أقروا بنجاحاتهم، وإن أشار إلى أنه "لا توجد تجربة تخلو من الأخطاء".

 

وحول مدى إمكانية استنساخ التجربة في مصر، يرى أبو العلا ماضي أنها تجربة "تستحق الاحترام، ويستفاد منها"، لكنها في الوقت نفسه تجربة "لها خصوصية، ولا نستطيع التعميم، لو نجح أي حزب له مشروع كهذا واستطاع الوصول إلى السلطة ويحقق نجاحات فما المانع في هذا؟".

 

بين العدالة والإخوان

وفي تعليقه، ربط علي صدر الدين البيانوني -المراقب العام لإخوان سوريا- بين مشروع العدالة والتنمية ومشروع جماعة الإخوان المسلمين التي  أعلنت "قبولها التعددية والتداولية والتشاركية، وقبولها الاحتكام إلى صناديق الاقتراع"، في أكثر من قطر عربي قدمت فيه برنامجها السياسي؛ وهو ما يعني -برأيه- أن استنساخ التجربة التركية "بروحيتها ممكن ومفيد، في كل من مصر وسوريا وغيرها من البلدان العربية".

 

إلا أن هذا المستنسخ بحاجة إلى أن يولد في ظروف مثل الظروف التي وجدها في تركيا، وهو ما يصفه البيانوني بالشروط "الصانعة لإطار التجربة: وهي الثقافة الديمقراطية، والتقاليد الديمقراطية، واحترام سيادة القانون"، فمن مفارقات الأوضاع بين الأقطار العربية وبين تركيا أن الدولة العلمانية هناك "أكثر احتراما لسيادة القانون"، بينما هذه القوانين في الأقطار العربية "لا تلقى أي احترام".

 

وبالرغم من أن الظروف التي كانت مهيأة في تركيا يوجد أكثر منها في العالم العربي، الذي تحتفظ مجتمعاته "بحالة إسلامية أكثر تقدما" من مثيلتها في تركيا، ويمتلك لاعبين جادين، ويفرض الحجاب نفسه فيه بقوة، وهو ما يشكل رصيدا مهما للحركات الإسلامية، فإن الفرصة لم تسنح لبلد مثل سوريا "حيث لا يوجد قانون للأحزاب أصلا، وحيث يكرس الحزب الحاكم حزبا قائدا للدولة والمجتمع"، ولعل غياب هذه الحقيقة عن أذهان بعض المتابعين يجعله يظن أن مشكلة الحركات الإسلامية في عالمنا العربي هي مشكلة عناوين أو أسماء أو مصطلحات أو برامج، لكن "الحقيقة هي أن أي وجود سياسي مغاير للأنظمة محكوم عليه بالرفض في عالمنا العربي، ليس بسيف القانون -كما هو الحال في تركيا- ولكن بسيف إرادة الحاكم أو مزاج الأجهزة الأمنية".

 

من جهة أخرى، يبدي البيانوني تفهمه لحاجة اللاعبين الأتراك لـ"المصانعة"؛ نظرا لخصوصية وظروف الدولة التركية والمجتمع التركي، فحين تفهم الإسلاميون الأتراك شروط الحركة في بلدهم تكيفوا معها، ونشطوا من خلالها، ومن ثم حققوا "تجربة ناجحة" لا يجد المراقب العام لإخوان سوريا "سببا" يدعوه لتجريدها من "الوصف الإسلامي".

 

حركة علمانية برتوش إسلامية

على العكس تماما، يبدي حزب التحرير الإسلامي -وهو حزب عابر للحدود يكرس جهوده لاستئناف الحياة الإسلامية من خلال إعادة بناء دولة الخلافة- مواقف شديدة المعارضة لحزب العدالة والتنمية الحاكم في آخر دولة احتضنت الخلافة الإسلامية، وهي مفارقة ربما يتلاشى الغموض حولها بالنظر إلى رؤية التحرير للعدالة والتنمية التي تتلخص في اعتباره "حركة علمانية برتوش إسلامية تساهم في إبعاد الناس عن المشروع الإسلامي الأصيل"؛ حيث يتهم حكومة أنقرة بشن الحملات الأمنية والإعلامية ضد أعضائه، ونعتهم بالتطرف والإرهاب، فضلا عن مداومة إلغاء مؤتمراته وندواته ومهرجاناته في تركيا.

 

ففي بيان رسمي (بتاريخ 5/3/2010) قال الحزب -الذي ينتشر أعضاؤه في جميع بلدان العالم تقريبا ومن بينها "ولاية تركيا": "إن حكومة العدالة والتنمية جعلت وحداتها الأمنية (زنازين السجون) بيوتا لشباب حزب التحرير"؛ وذلك في أعقاب اعتقال الأجهزة الأمنية (يلماز شيلك الناطق الرسمي باسم حزب التحرير في تركيا) واتهامه بالعضوية في "تنظيم إرهابي والترويج له"، بينما تسمح لحزب الشعب الجمهوري "الذي قام في ذكرى هدم الخلافة بتمزيق الجلابيب الشرعية ووطئها بالأقدام بإظهار ابتهاجهم بذكرى قيام جمهوريتهم العلمانية الكمالية"، وهو ما يؤكد بصورة واضحة "حقيقة ما عليه حزب العدالة والتنمية من عقلية لا تمت إلى الإسلام بصلة"، على حد قول البيان.

 

إذ يرى حزب التحرير الإسلامي أن العدالة والتنمية "مجرد أداة تستعملها الولايات المتحدة الأمريكية للتخلص من هيمنة الجنرالات المناوئين لها في تركيا، أصحاب الولاء التقليدي الراسخ لأوروبا، والمتنفذين الحقيقيين رسميا في البلاد منذ انهيار الخلافة العثمانية عام 1924م"، حسبما تظهر العديد من نشرات الحزب على موقعه الرسمي على الإنترنت، وهي نفس الرؤية التي يعكسها على زعيم العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان، الذي "يتقن صناعة المواقف المفتعلة لإشباع رغبات الناس بانتصارات مزيفة، وشعارات تدغدغ مشاعر الجماهير لتحقيق شعبية له"، بينما تطبق حكومته - التي ارتضت التبعية للكافر المستعمر (أمريكا)- "أنظمة الكفر" في آخر دار للخلافة، حسبما قال المهندس حسن الحسن (أحد كوادر الحزب المعروفين) في تصريح خاص لـ"الإسلاميون.نت".

 

السلفيون تحفظوا على التجربة

السلفيون اتخذوا موقف وسطا، إذ يرون أنه يجب التفرقة بين "الفرحة لتنامي الصحوة الإسلامية" في تركيا، وبين ما اختلط بذلك من أمور غير شرعية "لا يجوز إلا بغضها والاعتراض عليها"، في إشارة إلى قبول الإسلاميين الأتراك الديمقراطية والعلمانية كأسس ونظريات ثابتة للحكم، فضلا عن وجودهم في الوقت الذي يجري فيه سن قوانين مخالفة لأحكام الشرع الإسلامي كقانون البغاء "لاسيما أن حزب العدالة الإسلامي بأسره وجول (الرئيس التركي) نفسه أقسم على المحافظة على علمانية البلاد"، على حد قول الشيخ عبد المنعم الشحات -أحد رموز الدعوة السلفية في  الإسكندرية- في مقالة بعنوان: (السلفيون ودخول الحجاب إلى القصر التركي).

 

ومدللا على ما قال يضيف : "معلوم أن الحكومات "الإسلامية" المختلفة التي حكمت تركيا بداية من حكومة "أربكان"، ومن جاء بعده التزمت باستخراج تصاريح البغاء للبغايا، بل إن إلغاء تحريم الزنا قد سنه البرلمان الذي يسيطر عليه حزب العدالة"، فهي تجربة بها إيجابيات كثيرة بنظر السلفيين، ولكن ذلك لم يمنعهم من أن يسجلوا تحفظاتهم الشرعية عليها.

 

سلفيو الإسكندرية -الذين يرفضون دخول العملية السياسية تحت أي مظلة غير مظلة الإسلام- يرون أن المسلم غير مضطر لقبول العلمانية والديمقراطية والتعامل معهما بحجة أن "العلمانية والغرب (...) لن يسمحا مطلقا للإسلاميين بالتواجد إلا تحت مظلتهم"؛ إذ لا يُسمح بالمداهنة في مجال الدعوة، وهنا يتساءل الشحات: "ماذا سيجني الإسلام إذا ما وجه أبناؤه المخلصون كل جهودهم ليصلوا إلى سدة الحكم، ويطبقون هم العلمانية بأيديهم حتى وإن عملوا على كبح جماح غلوها شيئا فشيئا؟ ومن الذي يضمن لنا عدم تشبع الأجيال الشابة من هذه الأحزاب الإسلامية بهذه الأفكار العلمانية التي يرون قادتهم يطبقونها، بل وينسبون الكثير منها إلى الإسلام".

 

ويخشى السلفيون من أن يفقد الناس الثقة في الدين "لاسيما أن الداخلين في هذه اللعبة يزعمون أن ما يقولونه ويفعلونه هو من الدين"؛ مما يجعل الدين ألعوبة في يد كل متلاعب، ويجعل الناس يتساءلون: "هل هو فيه بالفعل، أم أنها المساومات السياسية؟ وهل يمكن أن يُفتَى في بلد شديد التطرف في العلمانية بجواز استخراج الموظف المسلم لتصريح البغاء للبغايا، بينما يُفتَى في بلد آخر أقل تطرفا في تطبيق العلمانية -كالكويت مثلا- بوجوب سعي النواب الإسلاميين إلى منع الحفلات الماجنة؛ لأن من واجبات ولي الأمر الأخذ على أيدي الفاسقين، وينسب هذا وذاك إلى الشرع".

 

نجاح باهر

وعلى عكس المتوقع، اعتبر الملا كريكار -مؤسس جماعة (أنصار الإسلام) الكردية العراقية المصنفة في قائمة السلفية الجهادية- أن ما حدث في تركيا على أيدي العدالة والتنمية "كان نجاحا باهرا يستحق الدراسة والمتابعة"، لكن -ومن منطلق أن "لكل بلد ظروفه"- لا يرى كريكار في تجربة العدالة والتنمية نموذجا أمثل للحكم ينبغي على الإسلاميين استنساخه؛ فتركيا شاركت بنسبة 60% في تطور بروز الإسلاميين، والسند القانوني فيها كان قويا "كلما هدم العسكر مسنده رجع بحزبه من جديد ولكن باسم جديد وهذا لا يتوفر في بلد آخر"، وكذلك العوامل الاقتصادية، والسوق الحر، وتكافؤ الفرص للجميع "الذي فسح المجال لسبعة من أكبر تجار تركيا أن يساندوا الأستاذ أربكان ويجعلوه وحزبه غير محتاج إلى معونات الدول المشروطة"، ومن جهة أخرى "لم يتعرض إسلاميو تركيا -والحمد لله- خلال هذه السنين إلى حملات التصفية التي تعرض لها الإسلاميون في كثير من بلاد أخرى".

 

وحول الجدل بشأن إسلامية التجربة، دفع كريكار بأنه إذا لم يكن الحزب إسلاميا "لكن بالتأكيد المؤسسون والقادة والموجهون مسلمون، ويحبون مناصرة الإسلام بأقوى أسلوب، لكن المتوفر هو ما يسمح به واقعهم"، مشيرا إلى تعقيدات الواقع التركي، والأجواء المحيطة بالإسلاميين التي يعتقد أنها "لا تسمح بأكثر مما كان"، ملمحا إلى بعض مآخذ الإسلاميين على العدالة والتنمية التي تتمثل في "عمق الفهم الشرعي، وصرامة الالتزام الديني، وجرأة البلاغ"، وإن كانت هذه ضوابط ليس شرطا أن تتوفر للجميع "فما يستطيع أن يمارسه الباكستاني لا يستطيع المصري ممارسته، وما يمارسه المصري لا يمارسه غيره".

 

بداية النهاية لمشروع علمنة تركيا

وفي قراءته للتجربة التركية، يشرح الشيخ راشد الغنوشي -زعيم حركة (النهضة) التونسية- ما حدث بأنه "ثورة بيضاء ضد منتظم سياسي ميت أصلا، فجاءت صناديق الاقتراع لتعلن عن دفنه، إنه من الناحية الرمزية إعلان كذلك عن إفلاس مشروع علمنة تركيا وتغريبها، وبداية النهاية لذلك المشروع".

 

وفي إطار الجدل حول إسلامية وعلمانية التجربة، يتابع الغنوشي في قراءته التي بعنوان: "العدالة التركي.. تجاوز أم تطور؟" مؤكدا أنها "قاعدة إسلامية" وعت بيقين أن التمادي بنفس السياسات والوجوه "ليس من شأنه غير استمرار اشتباك غير قابل للتسوية، قد غدا معوقا لتحقيق المشروع الإسلامي"، فلا مناص من التغيير في الخطاب والوجوه والتكتيكات "فكان العدالة والتنمية"، "ولو أننا تأملنا في جملة ما أعلنه حتى الآن حزب العدالة والتنمية من سياسات" -يتابع الغنوشي- "لوجدناه امتدادا متطورا لتراث الحركة الإسلامية التركية، مع مرونة أكبر في التنزيل، وحرص أكبر على ترتيب الأوليات بطريقة عقلانية ذكية"، خاصة أنه لم يصدر عن جماعة العدالة والتنمية تصريحات مما يحمل على الظن أن الأمر يتعلق بتحولات فكرية.

 

وحيث النقد، يوجه للعدالة والتنمية باعتبار ما قدم من تنازلات، يرد الغنوشي أن الإسلاميين الأتراك ليسوا هم وحدهم "من فرض عليهم صياغة أيديولوجيتهم بما يتواءم مع السياج المفروض عليهم، بل إن جملة التيار الإسلامي في العالم ولاسيما في البلاد التي منيت بتحديث فوقي صارم، مثل تونس والجزائر ومصر، قد اضطرت للإقدام على نوع من تلك المواءمة"؛ فقد تخلى الكثير منهم عن مسمى الإسلام في الراية التي يرفعونها للانسجام مع قانون الأحزاب، مع أنه لا أحد قد صرح بأنه قد تنازل عن شي‏ء من إسلامه.

 

وعلى عكس غيره من المفكرين الإسلاميين، لا يرى الغنوشي في سعي القادة الأتراك للالتحاق بالاتحاد الأوروبي قدحا، بل يعتبر هذا الحرص "نوعا من تجريد الخصم من سلاحه، وتجريد ظهيره الخارجي من أوهامه، وعرض صداقة بديلة عنه"، مشيرا إلى أن عرض الإسلاميين بالذات لهذه الصداقة أو الشراكة ترفع الغطاء عن المتطرفين العلمانيين والاستئصاليين، لا في تركيا فحسب، بل في عدد كبير من بلاد العالم الإسلامي، معتقدا أنه لا يعيب الشعب التركي أن يدخل أوروبا مسلما، بقيادة إسلامية شابة، مدعومة بقوة من شعبها، متصالحة مع تاريخها ومع محيطها العربي والإسلامي.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ