ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
إسرائيل واغتيال
المبحوح.. ملاحظات أساسية المستقبل - السبت 13 آذار 2010 العدد 3593 - رأي و فكر - صفحة 19 ماجد عزام() جريمة اغتيال القيادي في حماس محمود
المبحوح لم تنته فصولاً بعد،
وهي ستترك آثاراً بعيدة المدى
ليس فقط على العلاقات
الفلسطينية الإسرائيلية وإنما
أيضاً الفلسطينية الفلسطينية
في ظل اعتقال ضابطين من أجهزة
السلطة الأمنية والتجاذب
والخلاف حول المرجعية السياسية
والحزبية التي ينتميان إليها
كما في ظل الحديث عن اختراق ما
في صفوف حماس سهّل عملية
الاغتيال وتحديداً في الدائرة
المحيطة بالشهيد المبحوح. عموماً سيركز هذا المقال على الآثار
والتداعيات الإسرائيلية لجريمة
اغتيال المبحوح إن فيما يتعلق
بالسياق الداخلي أو ذاك الخارجي
الخاص بالعلاقات مع المحيطين
الإقليمي والدولي. اختلف التعاطي الإعلامي الإسرائيلي مع
الوقت تجاه الجريمة فبعد
الاحتفال والنشوة والتباهي
بقدرات الموساد الخارقة
والذراع الطويلة والإمكانيات
الاستخبارية والعمليات
الاستثنائية، تغيرت النغمة
بمجرد كشف شرطة دبي سيناريو
الجريمة غير الكاملة ووصل الأمر
بصحيفة هآرتس إلى المطالبة
بإقالة قائد الموساد مائير
داغان وانتقاد قرار التمديد له
لسنة ثامنة فى قيادة الموساد
على خلفية الغرور والجمود
المؤسساتي والتنظيمي كما
انتقدت الصحيفة الوزراء الذين
وافقوا على القرار بل والتصفيق
له من دون طرح الأسئلة الصائبة
عن جدواه وتداعياته على استقرار
الموساد ومعنويات الموظفين
والعاملين في ظل استقالة شخصيات
نوعية مهمة خلال السنوات الثمان
السابقة. عوضاً عن انتقاد داغان وأهليته لقيادة
الموساد فى المرحلة القادمة
خاصة مع ظل فشله فى عرقلة
المشروع النووي الإيراني بشكل
جدي طرحت وجهات نظر نقدية اخرى
حول دور الجهاز ككل وتحوله من
جهاز مخابرات لجمع المعلومات
ووضعها أمام صناع القرار الى
آلة للقتل والاغتيالات وفق
نظرية السكين بين الاسنان -
لمئير داغان - حتى ان أحد محللي
هآرتس استغرب كيف أن المخابرات
الإسرائيلية هي الوحيدة في
العالم التي تعتبر الاغتيال
قاعدة أساسية لعملها وليس
الاستثناء. الأمر وصل فى اسرائيل ايضا إلى مناقشة
مسألة او قضية الاغتيالات بشكل
عام التي اتبعتها إسرائيل منذ
تأسيسها حتى الآن، ومع
استثناءات ناجحة ومعدودة بدا
المشهد تاريخيا وكأنه نجاح
تكتيكي وإخفاق استراتيجي - في ظل
العدد الكبير من القادة
الفلسطينين الذين نجحت إسرائيل
في اغتياله عبر الموساد أو حتى
عبر الجيش وأجهزته المختلفة
دورية النخبة سييرت متكال - دون
تغيير جذرى فى سيرورة الصراع
فالقضية الفلسطينية لم تمت
ومطالبة الفلسطينيين بحقوقهم
لم تتوقف او تلين ورغم الخلافات
الداخلية المؤسفة والمحزنة إلى
أن الحد الأدنى المقبول هو نفسه
وبدونه لن تحل القضية ولن يسود
السلام والاستقرار في المنطقة. إقليمياً تؤكد جريمة الاغتيال معطيات عدة
إسرائيل لا تقيم وزنا جديا
للتطبيع والانفتاح على الدول
العربية لان مصالحها الامنية
الضيقة مقدمة على كل الاعتبارات
الأخرى، فهى نفذت الجريمة فى
مدينة دبى رغم مشاركة وزير
البنى التحتية في مؤتمر دولي فى
الامارة قبل ايام من الجريمة
بينما شاركت لاعبة التنس شاحر
فى بطولتها المفتوحة لهذه السنة
علما ان اللجنة المنظمة رفضت
مشاركتها العام الماضى وعندما
غيرت رايها كانت الجريمة بمثابة
المكافاة او الرد الصهيونى
المناسب وفق التعبير الشائع فى
إسرائيل. تكرّس الجريمة فى أحد دلالاتها ذهنية
الاستهتار والغطرسة والتعالي
تجاه الدول العربية كافة وامارة
دبي خاصة فقد استخف الموساد
بقدرات شرطة دبي وتصرف بمنطق
انه الجهاز الذى لا يقهر فاذا
شرطة دبي تظهره عاريا متلبسا
وحتى هذا المعطى اي النجاح
الاستثنائي لشرطة دبي تم
التعاطى معه بعنصرية بحجة ان
العقل العبري متفوق على العقل
العربي وبناء عليه فان الفعل
العبري الاصيل هو فعل شرطة دبي
بينما فعل الموساد هو الفعل
العربي المتخلف. أما فيما يتعلق بالعلاقات الإسرائيلية مع
الاتحاد الاوروبي وتحديداً بعد
استخدام جوازات سفر تخص بعض دول
الاتحاد، فان الامر لن يؤدي إلى
أزمة دبلوماسية جدية وسيتم
تجاوزه على المستوى الرسمي ولو
على المدى البعيد غير أن الأهم
برأيي يتعلق بصورة إسرائيل في
الشارع الغربي وتحديدا
الأوروبي عطفاً على تقرير
غولدستون الأمر الذي يستحق
الاهتمام والمتابعة وللتذكير
فقط فان جريمة الاغتيال حدثت فى
احدى المدن العالمية بامتياز -
دبي - واستخدت فيها جوازات سفر
غربية مزورة - سليمة ولكنها
استخرجت بالاحتيال والتزوير -
ما يبرهن على جوهر تقرير
غولدستون إسرائيل لا تتوقف عن
ارتكاب الجرائم وبالتالى لابد
من محاسبتها - غياب المحاسبة لا
يؤدي الى الاستقرار والسلام حسب
القاضى غولدستون - وفرض مزيد من
العزلة والمقاطعة عليها في
المستويات المختلفة السياسية
الاقتصادية والإعلامية
والقضائية والأمنية والعسكرية
وهنا تحديداً يمكن جبي الثمن عن
جريمة الاغتيال كما عن الجريمة
الأهم والأساس وهي الاحتلال
العسكري للشعب الفلسطينى ومنعه
من تحقيق آماله الوطنية وحقه فى
الاستقلال وتقرير المصير. () مدير مركز شرق المتوسط
للاعلام ============================== ضياء الفاهوم الدستور 13-3-2010 تفاؤلي بمؤتمر
القمة العربي المقبل لا حدود له.
أتدرون لماذا؟ للأسباب التالية
المصاغة بأكثر العبارات إيجازا
اكتفاء بالجوهر وتركا للتفاصيل
التي تكون أحيانا سببا لخلافات
في بعض وجهات النظر هذا ليس
وقتها. السبب الأول: هو الصلف الإسرائيلي الذي لم
يعد يطاق والمعروفة تفاصيله
ومآسيه ، والذي أعرب قادة الأمة
وأبناؤها والمناصرون للحق
والعدل في العالم عن استيائهم
البالغ منه. الثاني: أن العرب قد أعطوا السلام أكثر ما
يستطيعون من فرص وأن أحدا على
وجه البسيطة لا يستطيع أن ينكر
قيمة مبادرتهم السلمية الكريمة
التي أطلقوها عام 2002 من بيروت ،
والتي أساء الإسرائيليون
لأنفسهم كثيرا بعدم تلقفها حقنا
لدماء أبنائهم وأبنائنا. الثالث: عدم اكتفاء الإسرائيليين باعتراف
العرب بإسرائيل في حدود الرابع
من حزيران عام 1967 ومواصلة
استيطانهم في القدس الشرقية وفي
كثير من أنحاء الضفة الغربية
والجولان. الرابع: الانكشاف التام للعبة المماطلات
الإسرائيلية التي أطقها اسحق
شامير في مدريد عام 1991 والوضوح
التام لعبثية التفاوض على الشكل
الذي جرى عليه منذ أوسلو حتى
الآن. الخامس: الإسرائيليون يريدون الاستمرار
في احتلال كافة الأراضي العربية
المحتلة وسرقة التراث العربي
الإسلامي في كل فلسطين ومواصلة
قتلهم للفلسطينيين بكافة
الوسائل ومنع المناضلين
الأبطال من تحرير بلادهم بأسرهم
وأذاهم بكافة الأشكال والصور. السادس: الإسرائيليون يريدون لنا
الاستسلام ولهم الأمن والسلام
ولو بمزيد من الاستهتار
بالقرارات الدولية والشرعية
الدولية بتوجيه من الصهيونية
العالمية التي تخطط لأن تسود
العالم بأكمله ، ولن يتوقفوا عن
ذلك إلا بالردع. السابع: تقرير القاضي النزيه غولدستون
الذي أوضح بما لا يدع مجالا للشك
بأن الإسرائيليين قتلة أطفال
ونساء وشيوخ ومرضى وأنهم
عنصريون متطرفون في وقت نبذ
العالم فيه كل أشكال العنصرية. الثامن: التآخي العربي العظيم والمتواصل
بين المسلمين والمسيحيين الذي
يواصل الكثيرون من رجال الدين
العرب المسيحيين والمسلمين
بيان أهميته والإشادة به والعمل
بموجبه مثل المطران الرائع
عطاالله حنا والشيخ العالم محمد
عمارة وآلاف غيرهم. التاسع: قرف العالم المتحضر من البلطجة
الإسرائيلية وتعريض اسرائيل
الأمن والسلام الدوليين للخطر. العاشر والأخطر في نظري: الاعتداءات
المتكررة على أولى القبلتين
وثالث الحرمين الشريفين مسجدنا
الأقصى المبارك والقرار
الإسرائيلي الأخير بضم الحرم
الإبراهيمي ومسجد بلال إلى
التراث اليهودي في أعقاب قتل
اسرائيل بدم بارد للشهيد
الفلسطيني محمود المبحوح في دبي. الحادي عشر: تقاعس اليهود عن كبح جماح
متطرفيهم المرعب الذي إن استمر
فلن يدع أمامنا إلا العمل على
طردهم جميعا من ديار العروبة
والإسلام. الثاني عشر: مواجهات الأبطال الفلسطينيين
بصدورهم لجنود الاحتلال
المدججين بالسلاح في قرى ومدن
الضفة الغربية لفتت أنظار
العالم إلى أن السيل قد بلغ
الزبى فعلا وأن للصبر حدود وأن
هذا الشعب العربي الفلسطيني
العظيم سوف يدافع عن وجوده
وحقوق أمته بأقصى ما يستطيع إلى
أن يأتي نصر الله العلي القدير
الذي ندعوه من أعماق قلوبنا أن
يلهم قادتنا أعلى درجات الحكمة
والشجاعة والأخذ بأسباب النصر.
إنه سميع مجيب الدعاء. ============================== العوامل الجيوستراتيجية
للصراعات الإقليمية في الشرق
الأوسط أحمد جلال محمود 3/13/2010 القدس العربي شهدت منطقة الشرق الأوسط قدرًا من
التفاعلات الدولية الصراعية
منذ انهيار الاتحاد السوفييتي
سمحت بقيام صراعات إقليمية
عديدة، وقد زادت حدة هذه
الصراعات مع توسع دائرة
الجغرافيا السياسية التي نشأت
على يد عالم الجغرافيا البشرية
الألماني فردريك راتزل بعد نشر
كتابه 'الجغرافيا السياسية' في
عام 1897م، وظهور علم
الجيوبوليتيك ومصطلح
الجيوستراتيجيا او الجغرافية
الإستراتيجية الذي تعني بدراسة
الموقع الإستراتيجي للدولة أو
المنظمة الإقليمية، ومدى تأثير
هذا الموقع في العلاقات السلمية
أو الحربية وتعتمد الجغرافيا
الإستراتيجية في التحليل على
الدمج بين الجغرافيا السياسية
والطبيعية والبشرية والعسكرية
والاقتصادية، وتهدف الجغرافيا
الإستراتجية الى تخطيط ورسم
السياسة الخارجية للدولة وفق
الاعتبارات الجغرافية
والإستراتيجية. وتتخذ من المنهج
القومي إطارا للتحليل عند دراسة
العلاقة بين وضعية العوامل
الجغرافية ودورها في وضع
السياسة الخارجية للدولة،
ويمكن تعريف الجغرافيا
الإستراتيجية على أنها عبارة عن
دمج الاعتبارات الإستراتيجية
مع عناصر الجغرافية السياسية أو
التوجه الجغرافي لسياسة الدولة
الخارجية إلا أن التعريف العلمي
يشير إلى أن الجغرافيا
الإستراتيجية هي العلم الذي
يسعى إلى جمع وتحليل ودراسة
وتفسير المعلومات الجغرافية
الأساسية للدولة لاستخدامها في
إعداد الخطط الإستراتيجية
لإدارة الحرب. وتهدف الجغرافيا الإستراتيجية الى:
المساهمة في توضيح الأبعاد
الجغرافية التي تدخل في إطار
رسم السياسة الخارجية للدولة
لتحدد نمط هذه السياسة
وتوجهاتها، ووضع مفهوم متكامل
للمصلحة القومية من منظور
جغرافي إستراتيجي يأخذ كافة
الأبعاد السياسية والاقتصادية
والعسكرية والبشرية في الحسبان
وتحديد المواقع والمناطق
الإستراتيجية في العالم وفق
الاعتبارات الجغرافية. وأخيرًا
رسم وتوضيح الإستراتيجية
العامة للدولة في أوقات
الصراعات والحروب. وبتطبيق مفهوم الجغرافيا الإستراتيجية
على إقليم الشرق الأوسط الذي
يغطي المساحة ما بين أفغانستان
شرقا الى الدول الإسلامية، آسيا
الوسطى شمالا الى المغرب العربي
غربا الى السودان والصحراء
الكبرى جنوبا. تظهر الأهمية
الإستراتيجية لمنطقة الشرق
الأوسط حيث تعتبر شريان الحياة
الرئيسي بالنسبة للعالم
الغربي، وقد لعبت هذه المنطقة
دورًا بارزًا في الإستراتيجية
الدولية عبر السنين، فهذه
المنطقة تتوسط جميع الخطوط
البحرية والجوية الرئيسية
المتجهة من الشرق إلى الغرب أو
من الغرب إلى الشرق، كما أنها
تحوي الموانئ والمطارات
اللازمة لإيواء قوافل الانتقال
البرية والبحرية عبر المسارات
العالمية.كما أنها منطقة تعج
بمختلف أنواع الصراعات على كافة
أشكالها، وتحتل مكانة كبيرة في
إستراتيجيات القوى العظمى في
النظام الدولي الراهن. وقد ظهرت الأهمية الخاصة لهذه المنطقة
بعد اكتشاف النفط بها، وقد
حاولت قوى كبيرة الهيمنة على
هذه المنطقة من أجل مواردها
الاقتصادية والإستراتيجية من
أجل موقعها الجغرافي
والإستراتيجي وكذلك من أجل
أهميتها في التجارة العالمية
وربطها بين الشرق والغرب ووجود
شريان ملاحي هام وخطير وهو قناة
السويس. ويقصد بالعوامل الجيوستراتيجية للصراعات
أي العوامل المؤثرة التي تدفع
الدول للاهتمام بالبعد
الجغرافي الإستراتيجي في
معادلات الصراع والتعاون
والحرب والسلام. ومن أهم
العوامل الجيوستراتيجية التي
ساعدت على تخليق الصراعات
الإقليمية في الشرق الأوسط ما
يلي: الموقع الجغرافي الإستراتيجي المتميز
الذي يتمتع به إقليم الشرق
الأوسط كما ذكرنا سلفًا. تتمتع منطقة الشرق الأوسط وفي منطقة
القلب منها بثروات طبيعية وتعدد
مصادر الطاقة ومن أهمها البترول
الذي كان من أهم عوامل التدخل
العسكري الأمريكي في أفغانستان
للسيطرة على بترول آسيا الوسطى
وبحر قزوين. وجود دولة إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط
عامل ساعد على نشوب الصراعات
لضمان أمنها واستقرارها في ظل
صراعها مع دول الجوار العربية
واستمرار دعم الولايات لها
بالتسليح والمعونات العسكرية. انتشار منابع ومصادر الإرهاب في منطقة
الشرق الأوسط، وتحول ظاهرة
الإرهاب من النطاق الداخلي
والإقليمي إلى النطاق العالمي
وخير مثال هجمات ايلول( سبتمبر)
2001 والتي وقعت في الولايات
المتحدة. تفشي مظاهر الاستبداد في أنظمة الحكم في
إقليم الشرق الأوسط وعدم
تجاوبها مع احتياجات الشعوب
المحكومة بأساليب القمع. وجود الإسلام الراديكالي مما أثر على نمط
الثقافة الشرق أوسطية وأدى إلى
تزايد التنظيمات الإرهابية
والحركات الإسلامية. تتسم المنطقة بوجود أزمات اقتصادية وركود
سياسي نظام تعليمي فاشل ووجود
تهديد ثقافي كلها عوامل تدعو
إلى الإصلاح وضرورة نشر
الديمقراطية واحترام حقوق
الإنسان. سعي بعض دول إقليم الشرق الأوسط الى حيازة
أسلحة الدمار الشامل والأسلحة
النووية مثل إيران مما يهدد أمن
واستقرار الإقليم بزيادة
الأخطار النووية، كما تتسم هذه
المنطقة بوجود الدول المارقة
مثل سورية وليبيا ولكن ليبيا
تخلت عن برنامجها النووي. فشل أغلب النظم الشرق أوسطية في تحقيق
العدالة الاجتماعية، بسبب غياب
الديمقراطية، وافتقادها لأبسط
قواعد الحكم الديمقراطي، كما
أنها تسيء استعمال السلطة
وتنتهك حقوق الأقليات وهذا يضعف
شرعية وجودها، وتنتهك حقوق
المرأة وتؤخر تنمية المنطقة،
كما تتسبب في هجرة العقول
وتدمير الإنسان ونشر الأفكار
الهدامة والفوضى وإلغاء الآخر،
وأدى هذا إلى حالة من التمزق
والتشتت خاصة بشأن القضايا
المصيرية. في فترة الحرب الباردة كانت صراعات منطقة
الشرق الأوسط تحت السيطرة
والتحكم بفعل وجود قطبين
متنافسين، ولكن بعد انتهاء فترة
الحرب الباردة وانهيار الاتحاد
السوفيبتي بدأت الصراعات
والأزمات تتزايد بشدة سواء كانت
صراعات عرقية أو أثنية أو حروب
أهلية.إلى أن أصبح الشرق الأوسط
يغلي اليوم بالصراعات
والتوازنات التي تعيد تشكيله في
قلب النظام العالمي الجديد. مما سبق نؤكد أن الجغرافيا الإستراتيجية
ساهمت في تشكيل الإستراتيجية
الأمريكية في الشرق الأوسط
والتي يمكن أن نرصد أهم ملامحها
فيما يلي: تسعى الولايات المتحدة إلى خلق شرق أوسط
يتسم بالاستقرار والسلام
والرخاء لأن افتقار الولايات
المتحدة لأي عنصر من هذه
العناصر يخلق تهديدات للمصالح
الأمريكية وأول هذه التهديدات
هي مشكلة الإرهاب والتي يقوم
بها التيار السلفي من العالم
الإسلامي، وثاني هذه التهديدات
هي اضطراب أسعار البترول في
المنطقة مما يشكل تهديدا
للمصالح الحيوية الأمريكية حيث
أن الشرق الأوسط يساهم بالشريحة
الكبرى من الإنتاج العالمي من
البترول بامتلاكه غالبية
احتياطات العالم كما يملك أسهل
مخزون بترولي يمكن استخراجه. إن عدم استقرار الشرق الأوسط يرجع إلى ضعف
الأنظمة الحاكمة المستبدة
وافتقارها للشرعية والركود في
أنظمتها الاقتصادية وانتشار
أزمات البطالة وسوء التعليم
وانتشار مشاعر الغضب واليأس بين
الشعوب، وهذا يعني أن التوصل
إلى شرق أوسط أكثر هدوءًا لا
يمكن تحقيقه إلا بالسعي وراء
تحقيق هدف الإصلاح السياسي لجعل
الحكومات أكثر تجاوبًا للشعوب
والإصلاح الاقتصادي، من خلال
ترسيخ أسس مبادئ السوق الحرة
والإصلاح الاجتماعي من خلال
التأقلم بين القيم التقليدية
وضروريات الحداثة لخلق نظام
جديد يتسم بالليبرالية ويشبه
أنظمة الحكم في أوروبا الشرقية
وشرق أسيا. إن الإستراتيجية
الأمريكية في الشرق الأوسط
مرهونة بما يتحقق في العراق،
فإذا نجحت جهود إعادة الإعمار
وتحول المجتمع إلى الاستقرار
والتعددية سيكون هناك نموذج شرق
أوسطي لما يجب ان تكون عليه
الدولة العربية الليبرالية،
فإذا كان نجاح النموذج العراقي
من شأنه أن يساعد في دفع الإصلاح
الليبرالي عبر الشرق الأوسط فإن
فشلة قد تكون فيه نهاية هذه
العملية، وهذا يفسر لنا أهمية
الملف العراقي في الشرق الأوسط
تحديداً،لأن فشل النموذج
العراقي يعني عدم جدوى مشروع
الإصلاح الأمريكي في الشرق
الأوسط الإسلامي، ويعني أيضًا
انحدار العراق الى الفوضى
والحرب الأهلية مما يؤثر على
جيران العراق ويساعد على نشر
الفوضى في منطقة الشرق الأوسط
وتكون البيئة مواتية لإخراج
أسوأ أنماط الجماعات الإرهابية.
هكذا تولي الولايات المتحدة منطقة الشرق
الأوسط أهمية خاصة في معظم
إستراتيجيتها وسياساتها فهل
تبقى الإستراتيجية الأمريكية
تجاه الشرق الأوسط دون تغيير
بعد مرور أكثر من عام على دخول
الرئيس الأمريكي باراك أوباما
البيت الأبيض أم أن الأيام
القادمة سوف تكشف عن رؤى مغايرة
مع التقلبات الشديدة التى
تشهدها القضايا السياسية
المعاصرة. باحث دكتوراه في العلوم السياسية
والعلاقات الدولية قسم العلوم
السياسية جامعة حلوان ============================== الرغبة الإسرائيلية
للسلام مفقودة عودة عريقات 3/13/2010 القدس العربي بعد مرور ثلاثة وأربعين عاما على احتلال
بقية فلسطين من قبل جيش الدولة
العبرية في عام 1967 ، والكلام
العربي حول السلام وضرورة
الانسحاب من الأراضي العربية
المحتلة متواصل حتى اليوم, ولقد
أشبع العرب والفلسطينيون مسامع
المسئولين في الغرب وإسرائيل
والعالم حول رغبتهم في السلام
العادل واستعدادهم للمفاوضات
والمباحثات والدخول فيها في كل
مكان وزمان عسى أن تثمر وتتمخض
عن نتيجة فعلية تحقق السلام. ورغم ذلك ورغم المفاوضات واللقاءات
والمباحثات الفعلية السابقة
المباشرة والمتعددة بين العرب
والفلسطينيين مع الأطراف
الغربية والإسرائيلية إلا أن
تلك الجهود باءت بالفشل ولم
تخرج بنتيجة بسبب التعنت
والممانعة الإسرائيلية، وأصبحت المراوغة الإسرائيلية والخداع
الإسرائيلي مكشوف للعالم، و ثبت
منذ زمن طويل أن الإسرائيليين
لا يريدون سلاما بل يتباكون
ويتحججون برغبتهم للسلام
بالكلام دون الأفعال بل أفعالهم
التي تسابق الزمن على الأراضي
الفلسطينية في هدم المنازل
العربية وبناء المستعمرات وهضم
المزيد من الأراضي العربية
الفلسطينية وتهويد المكان
والتراث خير شاهد على عدم
رغبتهم وجديتهم في الوصول
لاتفاق سلام عادل مع العرب
والفلسطينيين ، وفي ظل غياب
الرغبة والجدية الإسرائيلية في
تحقيق السلام مع العرب
والفلسطينيين ، فإن أي مباحثات
ومفاوضات مع الإسرائيليين بعد
الإعلان الإسرائيلي عن بناء
آلاف الوحدات الاستيطانية
الاستعمارية الجديدة في القدس
العربية المحتلة والضفة
الغربية المحتلة يعتبر من ضروب
العبث ومضيعة الوقت، ولذلك يجب على الإسرائيليين إن أرادوا
السلام الحقيقي إبداء الرغبة
الجدية الحاسمة في تحقيق السلام
وذلك من خلال الموافقة على
تحديد إطار الدولة الفلسطينية
مقدما والامتناع أيضا عن البناء
الاستعماري الاستيطاني في
القدس والضفة الغربية لإبداء
النوايا الحسنة إن وجدت وإبداء
الرغبة الصادقة ، وما قاله نائب الرئيس الأميركي جو بايدن
في زيارته الأخيرة للمنطقة بأنه
يأمل أن تفضي المحادثات الغير
مباشرة بين الفلسطينيين
والإسرائيليين إلى مفاوضات
مباشرة ما هذا القول إلا مشاركة
لإسرائيل في خداع العرب
والفلسطينيين، وهل الغاية من المفاوضات الغير مباشرة هي
الوصول إلى مفاوضات مباشرة،
ولقد تفاوض الفلسطينيون
والإسرائيليين سنوات طويلة
وجها لوجه فماذا كانت النتيجة،
وهل السيد بايدن يستهتر بعقولنا
وبوقتنا المهدور منذ نصف قرن من
الزمان تقريبا مرت على حرب
الساعات الستة الحاسمة في
الخامس من حزيران عام 1967 وبدعم
أمريكي وبريطاني لإسرائيل، فالمفاوضات الغير مباشرة تأتي للاتفاق
على إطار الحل الشامل بكل
مسمياته العريضة، وإن صار
لاتفاق من خلالها, فبعد ذلك تأتي
المفاوضات المباشرة لوضع جدول
أعمال زمني لتنفيذ الاتفاق لأن
هناك حاجة للتفاصيل والمتابعة
يلزمها اتصال مباشر بين الأطراف
المتفقة ، وإن وجدت النية المسبقة من جانب الطرف
الإسرائيلي للتوصل إلى سلام
عادل مع العرب والفلسطينيين فإن
باستطاعة الولايات المتحدة
الأمريكية خلال أسبوع جمع
الأطراف لمفاوضات غير مباشرة
والاتفاق على تحديد إطار الحل
الشامل ومن ثم مفاوضات مباشرة
للتنفيذ من خلال سقف زمني محدد، لقد أبدى الفلسطينيون كل التزام تجاه
خارطة الطريق والتزموا بأدق
التفاصيل لرفع أي عتب أو تحجج
إسرائيلي ، ولكن الجانب
الإسرائيلي لم يلتزم وتراجع عن
كل الاتفاقات تأكيدا لقول رئيس
وزراء إسرائيل السابق رابين (لا
مواعيد مقدسة) ولا مواثيق وعقود
واتفاقيات ولا شرعية دولية
مقدسة عندهم سوى مصلحتهم، ويستمر القادة الإسرائيليون في المراوغة
والاستهتار بالحقوق العربية
والفلسطينية، ويعبرون عن
توجهاتهم الفعلية التنفيذية
المستقبلية على الأراضي
الفلسطينية, ولا أدل على ذلك من
اعتذار نتن ياهو رئيس الحكومة
الإسرائيلية لنائب الرئيس
الأمريكي جو بايدن بأن التوقيت
عن إعلان بناء 1600 وحدة
استعمارية استيطانية في مدينة
القدس كان خطأ، مما يدلل على النية المبيتة والتخطيط
المسبق والإعداد ورصد
الموازنات وتجهيز العطاءات من
قبل الحكومة الإسرائيلية
لتنفيذ بناء المزيد من الوحدات
الاستعمارية الاستيطانية على
الأراضي العربية الفلسطينية
المحتلة، وأيضا إعلان الصحف الإسرائيلية عن بناء 50
ألف وحدة استيطانية بعد يوم من
مغادرة بايدن الأراضي
الفلسطينية ، فإن هذا يثبت
ويعبر عن اتخاذ الإسرائيليين
عملية المفاوضات تسلية ودحر
وإلهاء للجانب العربي ومضيعة
لوقت العرب والفلسطينيين وكسب
المزيد من الوقت في تهويد كامل
التراب الفلسطيني، وللأسف أيضا هناك بعض الأطراف العربية
سئمت من الهم الفلسطيني فلم تعد
جدية في طرح مواقفها المتعلقة
بالصراع العربي الإسرائيلي،
ونراها تحمل الانقسام
الفلسطيني سبب التعثر في
المسيرة السلمية، وترى أيضا في
الدخول مجددا في ماراثون لقاءات
ومفاوضات جديدة بين الجانب
الفلسطيني والإسرائيلي مخرج من
هذا الهم وتأجيل غير محدد
للقضية الفلسطينية لبحثها
جديا، وعدم جدية الإسرائيليين في مفاوضات جادة
تؤدي لسلام عادل يثبت عدم
رغبتهم في تحقيق السلام وإعطاء
الحقوق لأصحابها ويثبت أيضا عدم
الثقة بالجانب الإسرائيلي من
قبل الشعوب العربية , وحتى إذا
تم التوصل إلى اتفاق فلسطيني
إسرائيلي سيتساءل أي عربي من هو
بمقدوره إلزام إسرائيل بتنفيذ
الاتفاق، ولذلك فهناك مخاوف وحذر وترقب وعدم ثقة من
قبل الجماهير العربية وخاصة
الفلسطينية في توجهات وحركات
الحكومة الإسرائيلية تجاه
عملية السلام، ولذلك على العرب البحث عن مصدر الخلل في
معادلة المفاوضات العربية
والفلسطينية مع إسرائيل
وإصلاحه وتعديله وتقييم
المرحلة الماضية والوقوف على
أسباب الفشل وخاصة أسباب عدم
تجاوب الجانب الإسرائيلي مع
إستراتيجية العرب السلمية
والتي تحتاج الآن إلى تقويم
جذري وتصحيح لأنها فشلت فشلا
ذريعا في جذب وإقناع إسرائيل
للتجاوب والرضوخ للسلام، وأنه آن الأوان للعرب استعمال الأوراق
الرابحة لديهم والمؤثرة والتي
لن تسبب الضرر للعرب في
علاقاتهم مع العالم وخاصة الغرب
لأن حقوق العرب والشعب
الفلسطيني مشروعة ومكفولة وفقا
للقانون الدولي وقرارات الأمم
المتحدة، وكما أن إسرائيل حليف استراتيجي لأميركا
وهي فوق المصالح العربية
الأمريكية بالمفهوم السياسي
الأمريكي، فمن حق العرب اعتماد
الشعب الفلسطيني وقضيته حليف
استراتيجي لهم يستحق توظيف
المصالح الغربية عند العرب
للضغط والتأثير على إسرائيل
للرضوخ للشرعية الدولية
واستحقاقات السلام مع العرب والحق يؤخذ ولا يعطى. كاتب من فلسطين ============================== نصري الصايغ السفير 13-3-2010 «أميركا هي أميركا».. الصورة الملوثة،
الرأسمالية القاتلة، السفلة
الذين يوزعون الكوارث.. انها
صورة أميركا المهشمة كما نقلها
إلى الشاشة المخرج ايليا كازان. أميركا هي «الأميركي الجشع»، زمن الحروب
في الهند الصينية. أميركا التي
تغدر بحلفائها، من أجل شركائها
من الشركات العملاقة.. أميركا،
هي هذا «البشع»، الذي مثله
مارلون براندو، في أواخر
الستينيات. أميركا هي أميركا، ان كان على رأسها جون
كينيدي «بطل خليج الخنازير».. أو
ليندون جونسون، بطل «التورط
الدائم» في قصف المدنيين في
فيتنام، بالأسلحة المحرّمة
دولياً وحامي حمى اسرائيل في
عدوان حزيران.. أو، ان كان على
رأسها، رونالد ريغن، بطل اجتياح
بناما ومبارك اجتياح لبنان
ومحاصرة عاصمته بيروت.. أم كان
جورج بوش الأب مدمر العراق، أم
بيل كلينتون، بطل «ثعلب الصحراء»
ومنفذ حكم القصف الجوي
بيوغوسلافيا، أم جورج بوش
الابن، الذي تبوأ مركز الصدارة
في ارتكاب جرائم حرب... أميركا هي
أميركا، ولا شيء يشبهها أبداً،
حتى ولو كان على رأسها باراك
أوباما، «قديس العرب» الذي تم
تطويبه في القاهرة، مرشداً
روحياً، لكيفية الانتحار
السياسي، وقبول اسرائيل، بما هي
عليه، من وحشية وهمجية واستيطان.
هذا السرد السريع والمعروف هو للتذكير
فقط، فوقائع الويلات الأميركية
المتداولة منذ نصف قرن، لا
ينكرها أحد، وان كان يعنّ للبعض
أن يتجاهلها، طمعاً بفتات سياسي
مؤقت، تُلقيه واشنطن عن
مائدتها، كما تلقى «النفايات»
الجميلة، لكلاب الحراسة، من أهل
السياسة، في العالم الثالث،
وتحديداً، في قارة الامّحاء
العربي المعلن. ما يتغير في الولايات المتحدة الأميركية،
يقع في باب الاجتهاد والابداع
والتفوق، في ايجاد الآليات
الآيلة إلى مزيد من النفوذ
والتسلط والربح... وحتى «المساعدات
المالية»، هي استثمارات
سياسية، كما فسّرها الرئيس
جونسون في خطاب له أمام
الكونغرس. مناسبة هذا السرد، اكتشاف اللبنانيين أن
أميركا موجودة في جوارير وخزائن
الدولة اللبنانية.. وآخر ما تم
اكتشافه، اتفاقية أمنية، تجتاح
فيها الولايات المتحدة
الأميركية أجهزة الأمن، متخذة
حق «إمرة الاطلاع» و«إمرة الفرز»
و«إمرة التصنيف» و«إمرة
الإبعاد»، بلا قيد أو شرط، مع
ضرورة تأمين الحماية للمتدخلين
والحصانة لمن يقوم «بواجب
الإمرة». والنص واضح.. نشرت «السفير» بعض فقراته: «التحقق
بشكل سليم من ان جميع أفراد قوات
الأمن الداخلي الذين يتلقون
التدريب لا ينتمون بأي شكل من
الأشكال إلى أي منظمة تعتبرها
الحكومة الأميركية منظمة
إرهابية»... و«صرف أي طالب متدرب
إذا ثبت أنه خرق هذه الشروط».
ونصت فقرة أخرى على «السماح
للحكومة الأميركية بالوصول إلى
الأجهزة والمعدات من دون عوائق
او قيود»... إلى آخره من النصوص
التي تثير في القارئ أسئلة من
نوع: «هل هذه دولة أو خيمة
كراكوز»؟ أو «هل هذا بلد أم
قارعة طريق في إحدى المدن
الأميركية أو إحدى ضواحي البؤس
الأميركي»؟ أو «هل هذا بلد
المقاومة المنتصرة، أم دولة
مكافحة «إرهاب» المقاومة
الإسلامية»؟ أو «هل من يحكمنا
هو مِنّا أم هو منهم عندنا»؟ أو
«إلى هذا الحد وصلت الإهانة
فحطت من أصحاب الرفعة والمكانة»؟
أو «هل لا يزال في لبنان، من يظن
أن أميركا حليفة له أو يراهن على
أنه حليف لأميركا»؟ هذه أميركا... وليست أي دولة أخرى. هذه أميركا، الأم والحاضنة والداعمة
لإسرائيل. هذه، بطريقة أخرى،
اسرائيل البعيدة، وتمثلها
عندنا، اسرائيل المقيمة في
فلسطين. ومن لا يصدّق، يستطِع
فقط أن يقرأ، فإن فهم، كان ذلك
حسناً، وإن لم يفهم، كان أخاً ل«أبي
جهل». أمس الأول وبفرح نموذجي، وغبطة بادية في
اللغة وتعبير الوجه، قال نائب
الرئيس الأميركي جو بايدن: «أنا
صيهوني». «لست بحاجة لأكون
يهودياً كي أكون صهيونيا..». كان
بإمكانه ان يقول، عن «أصدقائه»
من العرب، و«هم مثلي.. مسلمون،
لكنهم صهاينة»، إذ لا حاجة كي
تكون صهيونيا، ان تكون منتميا
لأي دين.. الانتماء إلى
الصهيونية في السياسة يعني «حصار
غزة»، يعني أيضا، حصار
المقاومة، إبان العدوان
الاسرائيلي في تموز. يعني ايضا
وأيضا، «التطنيش» على إسقاط
القدس والأقصى، بين جدران
المستوطنات. الصهيونية، دين اليهود السياسي في
اسرائيل وخارجها. وهي مذهب
إضافي، للساسة الأميركيين
وللسياسيين من عرب التخلي. صحيح ان بايدن قال، وهو معذور ربما بسبب
تنشئته: «ان الصهيونية دخلت
قلبي منذ الصغر وبلغت عقلي منذ
النضج»... والصحيح أيضا ان بعض
العرب، رضعها كبيراً، ولم يُفطم
عنها بعد، ولا عذر له في ذلك. «الأبانا» و«السلام» و«فاتحة» القول
الأميركي: «الأمن الإسرائيلي».
وعليه، فإن السفارة الأميركية
في لبنان، ناشطة في ملاحقة
وتطويق وترغيب وترهيب القوى
السياسية الليّنة، وما أكثرها،
كي تستمر في تعبئة جهودها،
العلنية والسرية، للإطاحة
بسلاح المقاومة. «أميركا هي أميركا». وأميركا، ليس لديها حلفاء أو أصدقاء..
لديها فقط، إما موظفون أو عملاء.
وعليه، فالمطلوب فتح جوارير المرحلة
السابقة، وانتزاع أميركا منها.
لا يجوز البتة، بعد هزيمة
اسرائيل وأميركا في تموز، ابقاء
ابتسامة كونداليسا رايس،
وقبلتها المشينة، علامة فارقة
في السياسة اللبنانية. وطن المقاومة، ليس من مصلحته اخفاء
أميركا في الكواليس، التي
أُدخلت إليها علانية وسراً، في
ظل حكومة السنيورة. لا بد من الانتهاء من فرز نتائج فحص الدم
ووضعها في إضبارات سرية،
للسترة، وليس للتعبير عن العار
الذي لحق بنا كلبنانيين، بسبب «أصدقاء»
أميركا، في أوج خضوعها
للصهيونية بصيغة الثنائي
نتنياهو ليبرمان، وفي حضيض
الخضوع العربي لهذه الصهيونية. ============================== الافتتاحية الجمعة 12-3-2010م بقلم رئيس التحرير: أسعد عبود الثورة نرحب بالمواقف الدولية والعالمية
والإقليمية.. نجمعها.. نعرضها..
نقدمها لمن يتابعنا.. ثم ماذا؟! بمواقف سابقة.. رفضت أوروبا كل تفاصيل
الاحتلال الإسرائيلي للأراضي
العربية.. رفضت الاستيطان.. ضم الجولان.. النشاط العسكري الصهيوني ضد
لبنان.. اعتقال الفلسطينيين..
تدمير منازلهم.. حصار غزة.. الخ.
كمواقف لم توافق أوروبا, لا كاتحاد ولا
كدول منفردة, على أي من هذه
الإجراءات الإسرائيلية.. فماذا
كانت النتيجة..؟! أعني: 1-كيف ردّت إسرائيل على جملة المواقف
الأوروبية؟! 2-كيف ردت أوروبا نفسها على مواقفها هي؟!
يصدر موقف إدانة.. رفض.. استهجان.. استنكار..
وفي اليوم التالي تجد قادة
إسرائيل ضيوفاً أعزاء لا يخصّون
بكرم الضيافة وترحاب الأصدقاء
وحسب.. بل بكل ما يطلبونه في
عملية تحد سافر للعرب لم يعد
يحسب فيها حساب لأي احتمالات أن
«يزعل العرب» منهم لا سمح الله.
أعيدكم إلى استقبال السيدة ميركل الأخير
لنتنياهو .. وما ظهر فيه من مواقف..
إن ألمانيا ومعها أوروبا تخاف
كثيراً من لوثة العنصرية في
تعاملها مع إسرائيل.. ولها الحق
في طريقتها بمعالجة ذيول تاريخ
مواقفها من اليهود.. لكن.. ليس
لها الحق في أن تعيد مواقف غير
عادلة من العرب فتقدم المصالح
العربية ضحية لغسل مواقفهم
السابقة من اليهود!! مثل هذه
المواقف تظهر الوجه الأوروبي
الحاضر ضاحكاً ساخراً من
المواقف الأوروبية المعلنة
سابقاً. كل مواقف أوروبا وإداناتها لإسرائيل
ورفضها للاستيطان والعدوان
وجرائم وقعت على البشر موصفة
بجرائم حرب.. لم تبعد إسرائيل
ولو قيد أنملة عن الشراكة
الكاملة.. وإلى حدود تقترب من
عضوية الاتحاد الأوروبي .. في
تحدٍ سافر للمعاناة العربية في
الشراكة مع أوروبا، أو المسعى
التركي لعضوية الاتحاد
الأوروبي. ليست أوروبا وحدها.. بل اخترناها مثالاً
وأنموذجاً.. روسيا.. الصين.. الأمم المتحدة.. ماذا قدمت
مواقفها. حتى الولايات المتحدة.. تتعرض مواقفها
لسخرية من إسرائيل. طبعاً نحن تعنينا المواقف الدولية.. ولو
كانت دون نتائج ملموسة على
الأرض. فهي ستبقى عاملاً مساعداً تاريخياً
لانتصار الحق.. لكن.. لقد احتج العالم على ما أعلنته إسرائيل
بعد التنازل الفلسطيني بغطاء
عربي باتجاه محادثات غير مباشرة
دون ضمانات أو مرجعيات، من أنها
ستبني 112 مستوطنة قرب بيت لحم و1600
مستوطنة قرب القدس.. ماذا كان
الرد الإسرائيلي؟. -الإعلان عن خطة لبناء 50 ألف مستوطنة
تماماً بعد ساعات من رفض دولي
وأميركي «جو بايدن الضيف» فماذا
تفعل المواقف؟! إن الكلام الوحيد الذي يتجسد حقائق على
الأرض هو ما يعبر عن استمرار
العدوان والتوسع الإسرائيلي..
ضاربة عرض الحائط بكل مواقف
العالم.. فما موقفكم؟! أنا أتساءل.. لماذا يسرع أصحاب هذه
المواقف إلى الأمم المتحدة
ومجلس الأمن الدولي لاتخاذ
قرارات ملزمة - الفصل السابع أو
غيره - رداً على رفض، دولة ما،
لقرارات ومواقف المجتمع الدولي..
ولو على الشبهات.. ولا يتوجه أحد
بمثل ذلك للرد على الرفض
الإسرائيلي بل الاستهزاء
والسخرية من هذه المواقف..؟! لماذا..؟! إن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي وكل
الهيئات الدولية تفوض أصحاب
القضية بحل قضيتهم.. على الأقل يجب أن نرى بدقة مايجري.. أن
نوصّفه بدقة.. أن نكف عن
المباريات العربية - العربية،
وجهود تسجيل نقاط لاتقدم
ولاتؤخر.. وإن نصغي لصوت يتابع
كل مايجري، ويعرف الحقيقة، هو
صوت سورية.. ولكم فيما جرى هذا
الأسبوع في مجلس جامعة الدول
العربية عزوة.. أما الموقف.. هو المقاومة. ============================== تغيّر لبنان ويتغيّر
بالحرب أو التطور السلمي آخر تحديث:السبت ,13/03/2010 سليمان تقي الدين الخليج خلافاً لما هو شائع عن استحالة التغيير في
لبنان علينا الانتباه لحجم
ومحطات التغيير وطبيعتها .
لبنان القديم منذ الاستقلال لم
يعد موجوداً بنمط حياته كلها
بما فيها الدولة والنظام
والمكونات السياسية
والسوسيولوجية . حكم هذا
التغيير تفاوت وتباين بين
المناطق والطوائف فكان مساراً
متعرِّجاً . لكن النخب الاجتماعية والسياسية تغيّرت
في جميع الطوائف وديناميات
المنافسة والصراع تبدّلت،
ومشاريع الجماعات وكتل الضغط
تبدّلت، ومنظومة العلاقات
ووسائل الفعل وأدواته وأهدافه
تغيّرت وكذلك التوازنات
الاجتماعية والسياسية . حصل ذلك
بتقاطع وتفاعل ثلاثة عناصر،
ديمغرافي له مضاعفات اجتماعية،
واقتصادي له مفاعيل في عمق
البنية الطبقية، وإقليمي يدفع
بهذه التطورات ويتجلّى على
المستويين السياسي والأمني . تصدرت المارونية السياسية في الماضي
والحاضر قوى المحافظة على
النظام بذريعة حاجتها إلى
الضمانات والمحافظة على “التوازن
الوطني”، وبعد كل مواجهة خسرت
الكثير من عناصر هذه “الضمانات”
المزعومة، وأخذت البلد كله إلى
المزيد من “الطائفيات المضادة”
على حساب مناخ الإصلاح . في اتفاق “الدوحة” قادت معركة العودة
إلى قانون انتخاب “الستين” وفي
معركة تشكيل الهيئة الوطنية
لإلغاء الطائفية قادت حملة رفض
تشكيلها، وفي إقرار قانون حق
التصويت للشباب قادت معركة
تعطيله . ولا نريد العودة إلى
مرحلة الستينات والسبعينات حين
تصدت للتجربة الشهابية في بناء
الدولة وانقلبت عليها . تتحمل
المارونية السياسية المسؤولية
الأولى عن لجوء الطوائف الأخرى
إلى التشكل في “نظام دولتي
طائفي” . عقلية استئثارها
بالسلطة قادت تلك المجموعات إلى
منافستها في المؤسسات الطائفية
الأهلية . وعقلية انطوائها على
مصالحها الطائفية قاد إلى بناء
مؤسسات رديفة بما في ذلك “الجيش
الطائفي” أو الأمن الطائفي .
فشلت المارونية السياسية في
الاحتفاظ بقيادتها الوطنية
وبمشروعها الوطني وتراجعت عن
الفكرة اللبنانية لصالح الفكرة
الطائفية . هي من تقود جمهورها
من إحباط إلى إحباط ومن خوف إلى
خوف أكبر . نشأت قطيعة بينها
وبين نخبتها الثقافية التي
حاولت تركيز الفكرة اللبنانية
ورعايتها . لم تسر في خط الدولة
منذ كانت أكثرية حاكمة مرَّة
بذريعة الوقوف بوجه القومية
العربية ومرَّة بذريعة الوقوف
بوجه المد الإسلامي . لم تكن هذه
الخيارات في صالح جمهور
الموارنة والمسيحيين عموماً،
ولم تكن منسجمة مع تاريخهم
وتراثهم . العروبة كانت أفق
المسيحيين قبل أن يتحولوا إلى
سلطة محلية ذات مصالح اجتماعية
نسجوا حولها اسطورتهم الطائفية
الخاصة . لم يتخلَّ الارثوذكس
والكاثوليك عن تفاعلهم مع قضايا
العروبة، لكن الموارنة فصلوا
تاريخهم الديني عن انطاكيا
والسياسي عن العروبة ومزجوا بين
الكنيسة اللبنانية والطائفة
وفكرة الدولة والكيان . كلما
انفتحت امام الموارنة فرصة
للخروج من ثقافة الأقلية جاء هم
زعيم أو زعماء يتنافسون على
القيادة باستخدام الخوف
الطائفي والدفاع عن موقع
الطائفة . هناك جاذبية خطيرة
وحنين مرضي لدى زعماء الموارنة
نحو زمن اللحظة التأسيسية
للكيان وأرجحيتهم فيه . ولأن هذا
مستحيل في الواقع يشدهم إلى
تطلب الزعامة الطائفية ومقاومة
خطوات الإصلاح في البلد . وما
أكثر ما يجدون من شركاء على
الطرف الآخر لأن الإسلام
السياسي المحافظ بطبيعته
التاريخية يجد في النظام
الطائفي مصدر قوته لمواجهة قوى
التغيير والحداثة وهو يبزّ
المارونية السياسية اليوم في
فلسفة تبرير النظام الطائفي
بشعار “الديمقراطية التوافقية”
. المارونية السياسية ليست كل الموارنة
والإسلام السياسي ليس كل
المسلمين . غير أن آليات تشكّل
الطوائف وصعودها وهبوطها هو
نفسه، والمأزق الذي تقود إليه
مشاريعها هو ذاته . لن تستقر
هيمنة طائفية، ولن يختصر لبنان
بطائفة ولن يعرف لبنان النهوض
من أزماته في ظل أية صيغة طائفية
. لم تعد الطائفية إلاّ الوجه
الآخر من انتاج الاستبداد
والشموليات والأصوليات
والتخلّف والموت الحقيقي لكل
معاني الحرية والديمقراطية
والتقدم . هذا المجتمع المريض لا
يعالج بإصلاح من هنا وإصلاح من
هناك أو بمطلب أو شعار أو ملف .
يتغيّر بالحروب الأهلية نحو
الأسوأ . كانت للطائفية مرجعية
وكان لها النموذج الملهم .
الطائفيات صارت متكافئة
متقابلة . تعطيل الدولة والنظام
سائر نحو انفجار الصيغة فهل
يفرز المجتمع كتلة الفصل والوصل
بما تراكم لديه من مشتركات
ومصالح أم هو بمستوى عجز الدولة
ويستدعي الوصاية مجدداً؟ تم تجديد النخبة السياسية في الانتخابات
الأخيرة . تغيرت الكثير من
الوجوه وأعيد بناء المرجعيات
الطائفية . تلتقي هذه المرجعيات
في المؤسسات الدستورية (الحكومة
والبرلمان) وخارجها في (هيئة
الحوار الوطني) . إطمأنت هذه
القوى لاحتكارها تمثيل
جماعاتها الطائفية . انتجت
الانتخابات زعامات قوية . يقال
إن الأقوياء يصنعون السلام
والتغيير . يفاوضون بصورة أفضل .
يقال إن التوازن الطائفي يفتح
باب الإصلاح . في واقع الأمر
سقطت مطالب إصلاحية عديدة (تخفيض
سن الاقتراع- انتخاب المغتربين-
تعديل قانون البلديات إيجاد
آلية للتعيينات الإدارية . .) خرج
أحد النواب ليقول: إن النظام
الطائفي عصي على الإصلاح . هو
نفسه من كتلة تدعم “التوافقية
الطوائفية” . لم يكن ممكناً
لقوى المجتمع المدني الناشطة
منذ سنوات حول هذه المطالب ان
يفعلوا شيئاً . مطلب الشباب وهم
الكتلة التي يجب أن تتضامن من كل
التيارات السياسية فشلت في
مواجهة تهريب الإصلاح . لا
يستطيع المجتمع المدني العمل
المؤثر من دون هوية سياسية . لم
يشكل نقيض سياسي للنظام . لا أفق
بعد للتغيير السلمي الديمقراطي
. ============================== عن "الفرمان"
الأخير للجامعة العربية آخر تحديث:السبت ,13/03/2010 عبد العزيز المقالح الخليج “الضرب في الميت حرام”، بيد أنني كلما
تذكرت هذا التعبير المتداول
تذكرت معه الجامعة العربية، أو
“بيت العرب” كما تحاول بعض
الجهات تسميتها، في حين أنها لم
تعد منظمة جامعة للعرب، ولا
بيتاً يأوون إليه عند الشدائد
شأن أي بيت حقيقي يجمع ولا يفرق،
ويحتوي المشكلات ويعمل على حلها
بدلاً من افتعالها وتعقيدها
والعمل على توسيع دائرتها، ولم
تعد هذه المنظمة حتى غرفة في
بيت، ومن يعيد النظر في مواقف
هذه الجامعة عبر تاريخها لا يرى
موقفاً واحداً يبعث على الأمل
أو التفاؤل، وباستثناء
التصريحات التي كانت تبدو في
بعض الأزمات نارية، في حين أنها
كانت تنزل على أعداء العرب
برداً وسلاماً، لأنهم يعرفون
مصدرها، ومن هم القائلون بها،
من موظفين لا يملكون من أمرهم،
ولا من أمر القضايا التي
يتحدثون عنها شيئاً . والغريب أنه كلما نسي المواطن العربي هذه
الجامعة، وانصرف عن متابعة
أدوارها شديدة الخواء، عادت
فذكرته بوجودها من خلال خطأ
معين أو موقف غير مسؤول ترتكبه
باسم العرب أو بالأصح باسم
الأنظمة، وآخر ما ذكّرنا به،
هذا الإطار غير الجامع، هو
القرار الأخير عن مواصلة
المفاوضات غير المباشرة بين “السلطة
الفلسطينية” والعدو الصهيوني،
متناسية - أي الجامعة العربية -
كل ما يحدث في القدس، وفي ساحة
المسجد الأقصى وما يحدث في
الضفة . ولم ترفق ذلك القرار
بإشارة واحدة إلى عنجهية
العدوان اليومي المستمر،
وإصرار الكيان الصهيوني على ضم
المقدسات العربية الإسلامية
إلى ما يسمى بالموروث اليهودي،
فضلاً عن حملات الاعتقالات
اليومية المتواصلة ضد أبناء
الشعب العربي الفلسطيني . لقد اقتصر فرمان الجامعة العربية على
موضوع واحد، هو ضرورة القبول
الفوري والعاجل بالمفاوضات غير
المباشرة . ولم يفكر “حكماء”
الجامعة العربية بأن ما فعلوه
ليس سوى خدمة مباشرة للكيان
الصهيوني وحكومته المتوحشة،
وتغطية غير مباشرة لجرائمه
الراهنة التي لم تتوقف لحظة
واحدة، وكان المطلوب - على أقل
تقدير - ربط هذه المفاوضات التي
توصف بغير المباشرة بإيقاف
الاستيطان، ووقف مطاردة
الفلسطينيين في القدس والضفة،
ومنع الاعتداء اليومي على
الأقصى، وذلك أضعف الإيمان،
بدلاً من اقتصار “الفرمان” على
تنفيذ التوجيهات الأمريكية
التي تسعى إلى ذر الرماد على
العيون، وإثبات ما تدعيه من
حرصها على إقامة السلام . والملاحظ أنه لا أحد من عرب المشرق
والمغرب ولا من الأشقاء
الفلسطينيين، يريد شيئاً من
الجامعة العربية، لأن فاقد
الشيء - كما يقولون - لا يعطيه،
ولكن ما يريده الجميع منها أن
تتوقف عن إصدار “الفرمانات”،
وعن الاستجابة للإملاءات
الأمريكية، والضغط على
الفلسطينيين بمزيد من
الاستسلام، والسير في درب
مفاوضات خادعة طال أمدها، ولم
يصدر عنها سوى مزيد من قضم الأرض
وقتل الأبرياء، وتهديم المنازل
وإقامة مزيد من المستوطنات،
ومحاصرة المواطنين الفلسطينيين
في أقل مساحة من أرضهم . واليوم جاء رد العدو “الإسرائيلي” عليهم
جميعاً، فقد وافقت وزارة
الداخلية في هذا الكيان على
بناء مستوطنات جديدة في الأرض
المحتلة ============================== بقلم :ياسر سعيد حارب البيان 13-3-2010 قبل ألفين وخمسمئة عام، كان طموح
الإمبراطورية الفارسية أكبر من
رقعتها الشاسعة، وكانت تنظر إلى
مدن مثل إسبارطة وأثينا، على
أنهما مدينتان مارقتان ويجب
إرجاعهما إلى سيطرة
الإمبراطورية. فبدأت جيوش الفرس العتيقة تزحف على مدن
الغرب الفتية، عندها لم يجد
حكام المدينتنين، اللتين كانتا
في تناحر دائم، غير الاتحاد
لمواجهة ذلك العدو العملاق.
وبعد عدة معارك ضارية وهزائم
دامية تكبّدها الإغريق،
استطاعت بسالة فرسانهم إلحاق
هزيمة نكراء بالجيش الفارسي،
وتحطيم أسطوله البحري الذي كان
يعد أسطورة في ذلك الزمن. عندما عادت الجيوش الإغريقية إلى مدنها،
كان الفقر يخيم على المجتمعات،
فلقد قضت الحرب على كثير من
رجالهم، وأفلست خزائنهم. كانت الحالة في إسبارطة على وجه الخصوص
سيئة جداً، فرجالها لم يكونوا
أهل تجارة أو صناعة، وكل ما
كانوا يقومون به من أعمال في
حياتهم، يصب في مصلحة التسلح
والاستعداد للحروب والمعارك،
شأنهم في ذلك شأن أقرانهم
الأثينيين، إلا أن الأخيرين
هؤلاء كانوا أصحاب حنكة ودهاء
في السياسة والاقتصاد، أكثر
منهم في الحرب. فلقد قاموا بتحويل الأسطول البحري
العسكري بعد الحرب، إلى أسطول
تجاري، وبدأوا بنقل البضائع فيه
ومخر عباب البحر الأبيض
المتوسط، لتتحول أثينا بعد مدة
إلى مدينة تجارية ذات شأن، بعكس
إسبارطة التي ما فتئت تنتقل من
حرب إلى أخرى، حتى بدأ اسمها
يبهت من كتب التاريخ، ليحل
محلّه اسم أثينا، منارة الحكمة
والفلسفة. عندما نقرأ تاريخ الفلسفة لا نكاد نجد اسم
فيلسوف من إسبارطة، على الرغم
من أنها تغلّبت على أثينا وفرضت
عليها، لفترة من الزمن، نظام
الحكم المسمّى ب «الأليغاركية».
وتعني حكم الأقلية، في محاولة منها لسحق
الروح الديمقراطية في تلك
المدينة العظيمة. إلا أن أثينا
تحولت على رغم ذلك، إلى مركز
تجاري عالمي، وتهيّأ فيها الجو
العام لشروق الحكمة الإغريقية
التي مازالت تعد أساس الفلسفة
الإنسانية. حيث ظهر سقراط وأفلاطون وزينوفون وأرسطو
وغيرهم من فلاسفة وحكماء ما
زالت كلماتهم وأفكارهم محل نقاش
وجدل بين الفلاسفة حتى اليوم. لم
يكن مجتمع أثينا إبان ظهور
هؤلاء الفلاسفة مجتمعاً
فقيراً، وعلى الرغم من أنّه كان
يضج بالتغييرات السياسية
والفكرية أيام سقراط، إلا أن
الحكمة الإغريقية نشأت في أكناف
مجتمع ديمقراطي غني. فأرسطو على سبيل المثال، الذي كان مربي
الإسكندر الأكبر، خصص له سيّده
ألف رجل يجوبون العالم ويأتون
له بكل ما هو غريب من حيوان أو
نبات، لكي يعاينه ويفحصه ثم يضع
ملاحظاته واكتشافاته حوله، مما
فتح أمامه أبواباً جديدة في
الفلسفة الطبيعية، لم يطرقها من
سبقه من الفلاسفة. وكما يقول «ويل ديورانت» في سياق تفصيل
حياة أرسطو في كتابه قصة
الفلسفة: «استقر أرسطو أخيراً
بين حدائق الأكاديمية الهادئة»،
ويعني بها أكاديمية أفلاطون
التي كان يدرّس فيها الفلسفة
والحكمة. وفي التاريخ الإسلامي لم تبرز الاختراعات
العلمية والإنتاج الأدبي
المتراكم، إلا بعد أن اشتد
اقتصاد الدولة ونما، ناهيك عن
الاستقرار السياسي وتوفر
البنية التحتية. ولا نكاد نرى مجموعة علماء أو أدباء
سطّروا أسماءهم في كتب التاريخ،
إلا وكانوا يرفلون في مجتمع
مزدهر أو في حقبة زمنية غنية،
توفرت فيها مقومات الإنتاج
الأدبي والفكري، كالأصمعي
مثلاً، الذي نشأ مع مجموعة من
الأدباء والشعراء في كنف
الرشيد، وساهموا مساهمة جمّة في
الأدب العربي. وفي نهاية القرن الثاني عشر الميلادي،
رفع الإيطاليون شعاراً هو «يجب
أن يتقدم الطعام على الفلسفة،
والثراء على الفن»، فعملوا على
إزالة القيود أمام التجارة
الداخلية، وقاموا بتأمين
البضائع التي تمر من خلال مدنهم
التي تتوسط خط التجارة آنذاك،
وقللوا الضرائب على التجار، بل
ذهبوا إلى توفير خدمات كالضيافة
والمبيت وغيرها، للتجار الذين
يستخدمون المدن الإيطالية لشحن
بضائعهم أو بيعها فيها. فازدهرت التجارة ونمت الصناعة، وأصبحت
مدن مثل البندقية إحدى أهم
المدن الصناعية في العالم،
وفلورنسا إحدى أهم المدن
التجارية، ومن ثمّ وجد الرسامون
والنحاتون بيئة جاهزة وغنية،
لشراء بضاعتهم التي يدعونها «فناً»،
لتتحول إلى تجارة حقيقية لا
تبور مع تقادم الزمن. انظر حولك، وستجد أن المدن التي تباع فيها
ملايين الكتب والروايات
سنوياً، هي مدن غنية وذات
اقتصاد متنامٍ. ابحث عن المتاحف
العالمية، ستجدها تشرئب إلى
جانب البنوك المالية والمراكز
التجارية. ابحث عن المسارح،
وستجدها غالباً في الأماكن
المزدحمة من المدن الكبيرة. تمشي في لندن أو في نيويورك أو في باريس أو
في طوكيو، فتجد متحفاً هنا،
ويفاجئك مسرح هناك، ولا تكاد
تنعطف في شارع ما إلا وترى مكتبة
عند كل زاوية، فتتساءل كالعادة؛
لماذا لا نجد هذا في مدننا
العربية؟ الجواب هو أننا في المدن العربية نحاول أن
نبيع الرواية لمن لا يستطيع
شراء دواء لأطفاله، وندعو من
يعمل في ثلاث وظائف في اليوم
ليسد قوت أسرته، لكي يحضر
مسرحية في المساء. أما أولئك الذين يعيشون في ترف ونعيم،
فثقافتهم البسيطة تقول لهم ان
المتاحف مضيعة لوقتهم الثمين،
الذي يقضونه في سوق الأسهم أو في
سوق العقار. قبل أن نبني متحفاً، علينا أن نصلح الطريق
المؤدية إليه، وقبل أن نبني
مكتبة، علينا أن نوفر الكهرباء
التي ستضيئها، وقبل أن نبني
داراً للأوبرا، علينا أن نبني
دُوراً لأفراد المجتمع. يقول
الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر:
«تكون الفلسفة أكثر فائدة، إذا
بنيت على الحقيقة». ============================== بقلم :حسين العودات البيان 13-3-2010 أجاز العرب للسلطة الفلسطينية أن تبدأ
مفاوضات غير مباشرة مع حكومة
نتانياهو، استجابة لطلب
الإدارة الأميركية، وخضوعاً
للعنت الإسرائيلي الذي سد جميع
المنافذ المحتملة لسلوك طريق
التسوية. وبديلاً عن الحال المستنقعي الذي أصبحت
عليه المفاوضات ومحاولات
التسوية، وإيهاماً بأن المسألة
مازالت حية، وأن السعي جاد
للوصول إلى النهايات السعيدة..
والأمر كله في نهاية التحليل،
خداع للنفس وتكريس للأوهام،
وقبض للريح، فكيف تحل مفاوضات
غير مباشرة خلال أربعة أشهر، ما
عجزت عقود من الحروب والمفاوضات
عن حله؟! لم يحدد القرار ماهية المفاوضات غير
المباشرة ولا أهدافها، ولا
مستوى المتفاوضين، ولا
المرجعية القانونية للمفاوضات،
ولم يتمسك بأية ضمانات
لإنجاحها، كما لم يحدد دور
الراعي الأميركي فيها
بالتفصيل، أو مسؤوليته في هذه
المفاوضات، أو اشتراط تعهده
بالإشارة إلى أسباب فشلها وإلى
المسبب في هذا الفشل عند حصوله (وهو
سيحصل لا محالة). وهكذا تنطلق المفاوضات من فراغ، وتعمل في
فراغ، ولا يخشى المفاوض
الإسرائيلي فشلها، بل يسعى إلى
هذا الفشل، وكل ما يهمه الآن هو
أن يظهر نفسه للعالم وكأنه يسعى
إلى مفاوضات وتسوية وسلام،
ببراءة وإخلاص، طمعاً في تنظيف
بعض من ممارساته الهمجية
والعنصرية. وتجديد الزعم بأنه هو أيضاً يعمل للسلام،
بينما يستمر في سياساته
وإجراءاته العنصرية
والاستعمارية، سواء بالاستمرار
في الاستيطان في الضفة والقدس،
أم في هدم البيوت، أم الإمعان في
استكمال جدار الفصل العنصري، أم
بزيادة الحواجز على طرقات
الضفة، أم في حصار غزة وتجويع
شعبها، والتي لم يشترط العرب
وقفها خلال المفاوضات على الأقل.
لماذا المفاوضات غير المباشرة، ما دامت
غير مشروطة بأي شرط يوحي
بالاعتراف بالحق الفلسطيني أو
بإيقاف الاستيطان أو تجميده،
وليس لها أسس أو معايير، ولا
تنطلق من ثوابت، ولا يلام
مستقبلاً من يقودها إلى الفشل
ويودي بها، ولا تعتمد على أية
مرجعية لا دولية ولا غير دولية،
أو على أي التزام أميركي أو
أوروبي يستقوي بالقانون
الدولي، لمعاقبة من يتنصل منها
أو يفشلها أو يحولها إلى مباراة
كلامية ومزاعم لا أساس لها؟! وهي بهذا ستقوم بدور سلبي تحجب من خلاله
وراءها، جرائم الحكومة
الإسرائيلية وآثامها وسياستها
العدوانية ورفضها لأية اتفاقية
تسوية، حتى لو كانت اتفاقية
إذعان، لأنها تريد استسلاماً
فلسطيناً وعربياً كاملين، ولم
تعد تكتفي بمجرد اتفاقيات
الإذعان. عقدت الأطراف العربية مفاوضات غير مباشرة
وأخرى مباشرة في تسعينات القرن
الماضي، في مدريد أولاً، ثم في
الولايات المتحدة. ففاوض
الأردنيون والفلسطينيون
والسوريون، إسرائيل مباشرة
ومداورة، وبرعاية أميركية
مباشرة وجادة، فقاد العنت
الإسرائيلي هذه المفاوضات إلى
لا شيء، واستعاض عنها
الفلسطينيون بمفاوضات أوسلو،
والسوريون بمفاوضات «واي
بلانتيشن». وتوصل الفلسطينيون والإسرائيليون إلى
اتفاقية أوسلو التي نزعت عنها
إسرائيل حيويتها و«دسمها» فيما
بعد، وحولتها إلى اتفاقية من
مادة واحدة، هي اعتراف منظمة
التحرير الفلسطينية بإسرائيل،
مقابل لا شيء جدياً وجوهرياً.
كما عقد السوريون مفاوضات
مباشرة مع ممثلي أكثر من حكومة
إسرائيلية، من اليسار (رابين،
باراك) ومن اليمين (نتانياهو)،
ثم عقدوا مفاوضات غير مباشرة
برعاية تركية (مع إيهود أولمرت). وفي الحالات كلها عاد المفاوضون من
مفاوضاتهم صفر اليدين، وكانت
المفاوضات كلها في الواقع
مباريات كلامية ومضيعة للوقت،
لم يستفد منهأ أحد سوى الحكومات
الإسرائيلية، التي لم تغير (كرمى
للمفاوضات على الأقل) شيئاً من
سياسساتها، بدءاً من العدوان
وهدم البيوت والاستفزاز،
وصولاً إلى توسيع الاستيطان. والتطلع إلى أن تكون هي القوة الإقليمية
الرئيسية صاحبة القرار الفصل في
تقرير مصير المنطقة، وإعادة
تشكيل «الشرق الأوسط» بزعامة
إسرائيلية، بل بأوامر
إسرائيلية. للمرة الثانية، تقرر لجنة الشؤون
الخارجية في المجلس النيابي
الأميركي، أن الدولة العثمانية
ارتكبت أعمال إبادة في حق
الأرمن، وأمام موقف الحكومة
التركية الصلب والجاد وتهديدها
المصالح الأميركية، بدءاً من
إغلاق قاعدة «أنجرليك»
العسكرية، وانتهاء بالدور
التركي المعتدل في المنطقة،
اضطر المجلس النيابي الأميركي
إلى عدم الموافقة على قرار
اللجنة في المرة الأولى. ومن الواضح أنه لن يوافق على هذا القرار
الآن، خاصة بعد تصريح إدارة
الرئيس أوباما بأنها ستتدخل
لتجنب الموافقة. وهكذا، حتى
أقوى دولة في عالمنا وفي
التاريخ، انصاعت للتهديدات
التركية، وخشيت من استخدام
تركيا ما تملك من أوراق تضر بها
وبمصالحها. وفي ضوء ذلك يصبح
التساؤل مشروعاً؛ لماذا لا
يستخدم العرب ما لديهم من أوراق
التهديد (تهديد فقط) لأميركا
وإسرائيل؟ بل لماذا لا يوظفوا هذه الأوراق فعلاً في
«لعبة» المفاوضات (المباشرة
وغير المباشرة)، ما داموا
متيقنين أن أي موقف عربي متصلب
وجاد سيضطر إدارة الرئيس أوباما
وحكومة نتانياهو لأن تعيدا
النظر في مواقفهما، خاصة وأن
الأولى تخشى خشية جدية من تفاقم
الأمور في الشرق الأوسط، ومن
احتمال نكسة لها ولسياستها في
العراق، وأن الثانية تخشى من
تفكيكها من الداخل، فضلاً عن
خشيتها من انفضاض الرأي العام
الإسرائيلي عن تأييدها إذا تأكد
من أخطار سياستها! كان بإمكان هذه المفاوضات غير المباشرة،
إذن، أن تضع المفاوضين على
بداية طريق التفاوض الجدي
والمتكافئ، لو رافقها استخدام
العرب ما يملكون من أوراق ضغط
وتهديد، ولوحوا بتفعيل
إمكانياتهم السياسية
والدبلوماسية والاقتصادية
والعسكرية، مما يضطر الإدارة
الأميركية لأن تخشى من الآتي. والإدارة الإسرائيلية لأن تأخذ الأمور
على محمل الجد، وتتخلى ولو
جزئياً عن استخفافها بالعرب
وحقوقهم وإمكانياتهم. ليس الخطأ
في مبدأ عقد المفاوضات غير
المباشرة، وإنما في عدم إيجاد
الظروف الموضوعية لتحقيق
جدواها ونجاحها، والاستفادة من
الإمكانيات العربية جميعها. أما في ظروف الواقع القائم، فمن المتوقع
أن تتحول هذه المفاوضات إلى
مباراة كلامية وإلى لغو لا طائل
منه، لأن السلطة الفلسطينية
ستكون خلالها كساع إلى الهيجا
بدون سلاح. كاتب سوري ============================== خيرالله خيرالله الرأي العام 13-3-2010 كان الخيار واضحاً بالنسبة إلى كل من لديه
حد أدنى من العقل والتعقل. هل من
وسيلة أخرى لاسترداد الأرض غير
المفاوضات، هل هناك خطة عربية
لخوض حرب مع إسرائيل... أم هناك
خطة سلام عربية وافق عليها
العرب بالاجماع؟ لذلك، ولأن
الفلسطينيين، ممثلين بالسلطة
الوطنية، تصالحوا مع العقل ومع
أنفسهم في الوقت ذاته، لم يكن من
خيار آخر أمامهم وأمام العرب
سوى القبول بالمفاوضات غير
المباشرة مع إسرائيل تحت سقف
زمني محدد لا يتجاوز الأربعة
أشهر. كان أن استخدم العرب
والفلسطينيون عقلهم، وهذا حدث
نادر في التاريخ الحديث، فتولوا
تغطية العودة الفلسطينية إلى
المفاوضات وذلك في سياق السعي
إلى إعادة الحياة إلى مبادرة
السلام العربية التي أقرتها «قمة
بيروت» في العام 2002. هذا السياق
يشكل بدوره غطاء للعرب الذين
شاؤوا إيجاد مبرر لموقفهم من
المفاوضات الفلسطينية-
الإسرائيلية. كان الجانب الفلسطيني في حاجة إلى
التغطية العربية لسبب في غاية
البساطة. يعود هذا السبب إلى أن
حكومة بنيامين نتانياهو تستفز
الفلسطينيين يومياً، وتفعل كل
ما في استطاعتها من أجل أن
يدخلوا أنفسهم في لعبة
المزايدات التي لا طائل منها
والتي ستقودهم في طبيعة الحال
إلى الاصطدام بالسياسة
الأميركية. هناك هدف إسرائيلي
لم يتغيّر يوماً. يتمثل هذا
الهدف في قطع طريق واشنطن على أي
مسؤول فلسطيني. ألم يعتبر ارييل
شارون في العام 2001 أنه انتصر على
ياسر عرفات، رحمه الله، بالضربة
القاضية لمجرد أنه استطاع إغلاق
أبواب البيت الأبيض ابتداء من
العام 2001 في وجه الزعيم
التاريخي للشعب الفلسطيني؟ تبدو العودة إلى المفاوضات اللعبة
الوحيدة المتاحة امام
الفلسطينيين. يبدو واضحاً أنهم
استفادوا من أخطاء الماضي
القريب. رفضوا قبل كل شيء أن
يكونوا وقوداً في معارك لا
علاقة لهم بها يخوضها المحور
الإيراني- السوري هذه الأيام
بأدواته الإقليمية المعروفة مع
الإدارة الأميركية بهدف التوصل
إلى صفقة ما معها على حساب كل ما
تقع عليه يدا المحور، أكان ذلك
في فلسطين أو لبنان... أو العراق. في الواقع، كان هناك خياران آخران أمام
الجانب الفلسطيني. يتمثل الخيار
الأول في رفض العودة إلى
المفاوضات غير المباشرة التي
سيرعاها الأميركي. وهذا يعني
عملياً الاستسلام لبيبي
نتانياهو الذي سيؤكد عندئذ نجاح
سياسته القائمة على الادعاء أن
لا وجود لشريك فلسطيني يمكن
التفاوض معه. في النهاية
نتانياهو هو التلميذ النجيب
لأسحق شامير الذي لم يذهب إلى
مؤتمر مدريد في العام 1991 إلاّ
تحت الضغط الأميركي. ولما ذهب
إلى مدريد، صرح بأن إسرائيل
ستفاوض عشرة أعوام من دون
التوصل إلى نتيجة، لكنها ستعمل
على خلق وقائع على الأرض في
اثناء المفاوضات. هناك الآن
رغبة إسرائيلية واضحة في خلق
وقائع على الأرض تكرس الاحتلال
للقدس الشرقية وجزء من الضفة
الغربية عن طريق الاستمرار في
توسيع الاستيطان وحتى إقامة
مستوطنات جديدة. لكن الجانب
الفلسطيني الذي يعي تماماً هذا
الواقع يعمل على مقاومته عن
طريق ابقاء مشكلة الاستيطان
مطروحة بشكل دائم، وهو لن يكون
قادراً على ذلك من دون المحافظة
على علاقة طيبة مع الإدارة
الأميركية، بغض النظر عن مدى
ضعف إدارة باراك أوباما تجاه كل
ما هو إسرائيلي من جهة، وعدم
قدرتها على تنفيذ الوعود التي
قطعتها في الماضي لرئيس السلطة
الوطنية السيد محمود عبّاس من
جهة أخرى. أما الخيار الآخر أمام الجانب الفلسطيني،
فكان خيار المقاومة المسلحة.
هذا الخيار يخدم بيبي نتانياهو
أكثر مما يخدمه خيار الاكتفاء
بالإعلان عن رفض التفاوض. كانت
تجربة عسكرة الانتفاضة في أواخر
العام 2000 وأوائل العام 2001 أفضل
دليل على ذلك. كذلك، تعطي تجربة
غزة والحرب الأخيرة التي شنتها
إسرائيل على أهل القطاع فكرة
مختصرة عن مخاطر العودة إلى
السلاح. إلى الآن، ورغم مضي
أربعة عشر شهراً على توقف
الحرب، لا يزال عشرات الآلاف في
العراء ولا يزال الحصار الظالم
لغزة مستمراً، ولا تزال «حماس»
أسيرة الأسير الإسرائيلي جلعاد
شاليط. الأهم من ذلك، أن
الصواريخ التي كانت تطلقها «حماس»
من غزة والتي كان مفترضاً أن
تحرر فلسطين من البحر إلى
النهر، صارت بقدرة قادر صواريخ
«الخيانة الوطنية»، وصارت «حماس»
تلاحق مطلقي الصواريخ. إذاً، ستكون هناك عودة إلى المفاوضات. من
فوائد الإعلان عن تلك العودة
بغطاء عربي أنها تأتي قبل أيام
من انعقاد اجتماع في موسكو
للجنة الرباعية التي وضعت «خريطة
الطريق» التي تقود إلى قيام
دولة فلسطينية مستقلة. ستعقد
اللجنة اجتماعاً في العاصمة
الروسية بحضور وزيري الخارجية
الأميركي والروسي والأمين
العام للأمم المتحدة وممثلي
الاتحاد الأوروبي. سيؤكد الجانب
الفلسطيني قبل انعقاد اللجنة
أنه لا يزال ملتزماً «خريطة
الطريق» وأنه نفذ ما عليه
تنفيذه. ليس مستبعداً أن تكون
نتائج اجتماع موسكو في التاسع
عشر من الشهر الجاري في مصلحة
الجانب الفلسطيني. ولكن ما
سيكون أهم بكثير من الاجتماع
الموقف الذي ستتخذه الولايات
المتحدة خلال المفاوضات
المباشرة. هل ستقدم اقتراحات
خاصة بها، هل تؤكد ما سيق
وأعلنته مراراً عن أن
المفاوضات، أي مفاوضات، أكانت
مباشرة أو غير مباشرة، لا يمكن
إلا أن تستند إلى مرجعية واضحة
هي خطوط العام 1967؟ في كل الأحوال، مثلما أن إسرائيل تسعى إلى
خلق وقائع على الأرض، فإن
الجانب الفلسطيني لا يمتلك سوى
مقاومة هذا الخيار سلماً بعيداً
عن المزايدات والشعارات
الفارغة. كيف ذلك؟ تكون
المقاومة باستغلال المفاوضات
من أجل متابعة بناء مؤسسات
الدولة الفلسطينية «القابلة
للحياة». على الجانب الفلسطيني
ألا يفقد الأمل. لديه قضية محقة
ولديه برنامج سياسي واضح وهو
يعرف أن النجاح الكبير الذي
تحقق في الأعوام الأخيرة، أي
منذ انتخاب «أبو مازن» رئيساً
للسلطة الوطنية وتشكيل حكومة
برئاسة الدكتور سلام فيّاض،
تختصره الأوضاع السائدة في
الضفة الغربية. هناك أمن في
الضفة الغربية، وهناك حركة
استثمار، وهناك مشاريع بناء،
وهناك ما هو أهم من ذلك كله. لم
تعد الأرض الفلسطينية أرضاً
طاردة لأهلها كما يشتهي
الاحتلال الإسرائيلي. تلك هي
المقاومة الحقيقية. تلك هي
المقاومة التي تبني ولا تهدم
والتي تشكل شوكة في حلق إسرائيل
والاحتلال، وكل الكلام الفارغ
عن «مواقع أثرية» للاحتلال
والمحتلين في الخليل وبيت لحم. كاتب لبناني مقيم في لندن ============================== السبت, 13 مارس 2010 حازم صاغيّة الحياة بات من المتّفق عليه أنّ الذين نعوا
الإيديولوجيا وأعلنوا موتها
تملّكهم التسرّع واستولى عليهم
إحلال رغباتهم الذاتيّة محلّ
الواقع ووقائعه. وهذا، بدوره،
لا يخلو من حمولة إيديولوجيّة
وازنة تناقض المقدّمات التي
انطلقوا منها. لكنّ ما يبدو صحيحاً بالمقدار نفسه أنّ
الإيديولوجيّات النزاعيّة
تواجه مأزقاً كبيراً لا تنفع
اللغة الانتصاريّة في التستّر
عليه. آخر الدلائل على ما نقول القائمة التي
أذاعتها «لجنة حماية
الصحافيّين» على نطاق عالميّ،
وفيها أنّ ثلث الصحافيين
المسجونين في العالم مسجونون في
إيران، وذلك بعدما ارتفع عدد
الإعلاميّين المحتجزين هناك
إلى 52. أمّا الصين فتحلّ في
المركز الثاني بعد إيران، حيث
يبلغ عدد الصحافيّين المسجونين
24، فيما تحتلّ المرتبة الثالثة
جزيرة كوبا حيث هناك 22
إعلاميّاً محتجزاً. وهذا، إذا ما قيس بأعداد السكّان، يجعل
كوبا الأولى بلا قياس، فيما
يُحلّ إيران في الموقع الثاني،
دافعاً الصين بعيداً إلى الموقع
الثالث. غنيّ عن القول إنّ البلدان الثلاثة
المتفوّقة لا تستنفد خريطة
زاخرة في قمع الإعلام
والإعلاميّين تضمّ قائمة طويلة
من الدول. مع هذا يبقى السبق
لافتاً هنا. ذاك أنّنا نتعامل مع أنظمة ثلاثة
إيديولوجيّة تتميّز عن نمطين
آخرين من الأنظمة القمعيّة:
الديكتاتوريّات العسكريّة
والنسق السابق على الحداثة
والإحكام الإيديولوجيّ. فهذان
الأخيران يقمعان باعتباطيّة
يصعب إدراجها في وجهة كما يصعب
اشتقاق منطق مُلزم منها. وهما
يطمحان إلى منع الإعلام من
التأثير في نحو يخدم النقد
والمعارضة، ولهذا ينزل ألمهما
بالجسد الإنسانيّ فحسب،
لكنّهما لا يطمحان إلى تغيير
العقول، لا عقول الإعلاميّين
ولا عقول من يتلقّاهم. هكذا يقف
أذاهما عند عتبة الأرواح. النُظم الإيديولوجيّة، في المقابل،
تعبّر منهجيّاً، عن أزمة
منهجيّة، في عصر يصفه البعض ب»عصر
الشيوع والمعلومات». ومصدر هذا
التأزّم كامن تحديداً في كونها
إيديولوجيّتها. فهي ضدّ المعلومات، معظم ما تقوله وتفعله
يصطدم اصطداماً رأسيّاً
بالمعطيات والحقائق. وهي،
تالياً، ضدّ الشيوع الذي يتهدّد
إرخاء سيطرتها على السلطة
ويهدّد بإخراج فئات متعاظمة من
قبضة النفوذ الإيديولوجيّ الذي
تمارسه. لكنّها، أيضاً، ضدّ
الحياة وسيولتها في زمن جعلت
العولمة أجزاءه في المتناول
البصريّ لأجزائه الأخرى. هكذا
بات دعاة القضايا المقدّسة
مدعوّين إلى سوق شعوبهم بالعصا
كي يحافظوا على تلك القضايا،
غصباً عنهم وعن رغباتهم في
الانصراف عن الحروب وتحسين
مداخيلهم ومستويات معيشتهم
وقدراتهم الاستهلاكيّة. لكنْ إذا كان العنصر الإيديولوجيّ يزجّ
أنظمته في مجابهات متّصلة مع
الحقائق، فما يزيد الطين بلّة
أنّ العنصر المذكور يتبدّى، هو
نفسه، مأزوماً مع ذاته نفسها. فالصين مدعوّة لأن تدافع عن أشرس
رأسماليّة معاصرة بعدّة الفكر
الاشتراكيّ. والشيء إيّاه، وعلى
تفاوت، يمكن قوله في كوبا منذ
سماحها بتحويلات المهاجرين إلى
الولايات المتّحدة وبسياحتهم
في وطنهم الأمّ. أمّا إيران، فلا
تكاد تخرج من حرج تتسبّب به «ولاية
الفقيه» حتّى تدخل في حرج ثانٍ.
وقد بيّنت حركة المعارضة
الداخليّة وتركيبها أنّ هذا
الانشطار جوّانيّ جدّاً، لا
يصدر عن «أعداء الثورة»
التقليديّين. على النحو هذا جاز القول إنّ الحريّات
الإعلاميّة تدفع ثمن تناقضين في
آن معاً: واحد بين الإيديولوجيا
والحياة في زمننا الراهن، وآخر
بينها وبين نفسها. ============================== مرحلة التهديد بالحرب...
لمنع الحرب! السبت, 13 مارس 2010 سليم نصار * الحياة كانت القدس هذا الأسبوع هي الموضوع
المركزي الذي أبرزه المسؤولون
في السعودية عبر الخطاب السياسي
الرسمي والشعبي. ففي كلمته أمام مجلس الشورى، حرص الملك
عبدالله بن عبدالعزيز، على
التذكير بدعم القضية
الفلسطينية على مسارين
متوازيين يهدفان الى إقامة دولة
مستقلة عاصمتها القدس الشريف
وتوفير المساعدة المادية
لإعادة إعمار غزة. وحول تاريخ القدس وفلسطين، افتتح الأمير
سلمان بن عبدالعزيز، أمير
الرياض، المعرض الذي نظمه مركز
الملك فيصل للبحوث والدراسات
الإسلامية بحضور رئيس وزراء
تركيا رجب طيب أردوغان. ويهدف
المعرض الى إبراز المعالم
الحضارية والدينية والتاريخية
لمدينة القدس في محاولة للتنبيه
الى الممارسات التي تحاول طمس
هوية القدس وفلسطين معاً. أي
الممارسات التي وصفها روجيه
غارودي بأنها مشروع لتسييس
الدين، ومنحه امتيازاً مقدساً
لتحقيق الصهيونية ولو بالقوة
والعنف. وهذا ما اكتشفه أردوغان
من خلال وساطته بين سورية
وإسرائيل، الأمر الذي زاده
اقتناعاً بأن دولة اليهود ترفض
التنازل عن الأراضي المحتلة.
وبدلاً من إظهار بعض الاحترام
لإدارة الرئيس الأميركي باراك
أوباما، اختار بنيامين
نتانياهو موعد زيارة جو بايدن
ليعلن موافقته على بناء 1600 وحدة
استيطانية جديدة في القدس
الشرقية. وكان بهذا الإعلان
يريد إقناع المفاوض بأن
الاستقواء بواشنطن لن يعيقه عن
توسيع المستوطنات، وبأن موقف
أوباما المعارض لاستخدام القوة
العسكرية ضد إيران لم يمنع
نائبه بايدن من تجديد التزام
بلاده الدفاع عن إسرائيل في وجه
أي خطر حربي من أي طرف كان. وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك،
أبلغ صحيفة «هآرتس» أن واشنطن
رفضت طلباً للحصول على عتاد
عسكري هجومي من شأنه تحسين
قدرات الطيران الإسرائيلي
الحربي ضد المواقع النووية
الإيرانية. وقال للجريدة إن
إدارة أوباما أبلغته أنها لن
تسمح للطيران الإسرائيلي
باستخدام المجال الجوي العراقي
للوصول الى إيران. لذلك تقرر أن
يكون لجو بايدن مهمة مركزية
واحدة تتمثل بتهدئة القيادة
الإسرائيلية، والتأكد من أنها
لا تخطط لنسف جهود إدارة أوباما
من طريق مهاجمة المواقع النووية
الإيرانية. وبسبب القلق الأميركي من هجوم إسرائيلي
مفاجئ، أرسلت واشنطن الى تل
أبيب ثلاثة وفود عسكرية يتقدمها
وفد رئيس الأركان الأميرال
مايكل مولن، صديق رئيس الأركان
الإسرائيلي غابي اشكنازي. كما
عملت وزيرة الخارجية هيلاري
كلينتون بالتنسيق مع المبعوث
جورج ميتشيل، على صوغ مبادرة لا
تحرج الفريقين. والسبب أن الرئيس أوباما في بداية
ولايته، اشترط على إسرائيل
تجميد بناء المستوطنات مقابل
استئناف المفاوضات مع
الفلسطينيين. وكان من نتيجة
تشبث رئيس السلطة محمود عباس
بهذا التعهد، أن أضاع ميتشيل
سنة كاملة تقريباً، على جولات
مكوكية لم تحقق الغرض المطلوب.
وبعد مضي أشهر عدة من المراوحة،
اقترح ميتشيل اختراق جدار
الجمود «بمحادثات تقارب». ومعنى
الأمر أن يتقرر مكان معين
يتواجد فيه الوفدان، بينما يقوم
المبعوث الأميركي بنقل الرسائل
بينهما. والهدف من هذا الإخراج
المعقد عدم اضطرار نتانياهو الى
وقف الاستيطان، وإعطاء أبو مازن
فرصة أخرى لتحريك المفاوضات. في البداية، تلقى الرئيس عباس الضوء
الأخضر من «فتح»، ثم قام بجولة
عربية أملاً في الحصول على دعم
الزعماء المعنيين. وقد شجعه عدد
من وزراء الخارجية العرب، ما
عدا ثلاثة تحفظوا عن محادثات
غامضة عجزت واشنطن عن تحويلها
الى مفاوضات مباشرة. ومن أجل إحراج أبو مازن، ودفعه الى
الإحجام عن القبول بمحادثات غير
مباشرة، أعلنت إسرائيل أنها لن
توقف مشروع بناء المستوطنات في
القدس الشرقية. الإهانة التي تلقاها نائب الرئيس
الأميركي، كادت تصدع الحكومة
الائتلافية الإسرائيلية، لولا
تدخل نتانياهو الذي أجبر وزير
الداخلية إيلي يشاي، على إصدار
بيان الاعتذار والتراجع. وفيه
يؤكد أن توقيت صدور الإعلان عن
المستوطنات ليس مرتبطاً بزيارة
جو بايدن. ويبدو أن نتانياهو أعرب عن سخطه من تفجير
الأزمة مع الولايات المتحدة،
خصوصاً عندما بلغه أن المسؤول
الأميركي هدد بالعودة الى بلاده
وإلغاء الزيارة. وظل هذا
الاحتمال قائماً لولا تدخل دنيس
روس، ولكن هذا لم يمنع بايدن من
التأخر ثلاث ساعات على حفلة
عشاء أقامها رئيس الوزراء على
شرفه. كما لم يمنعه من الإعراب
عن استيائه وغضبه عن طريق إصدار
بيان التنديد بالقرار
الإسرائيلي. أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى أجرى
اتصالات مع رئاسة القمة
العربية، قادته الى الاستنتاج
بأن اعتذار نتانياهو لا يبرر
لمحمود عباس مشاركته في مفاوضات
غير مجدية. ذلك أن الاعتذار كان
شكلياً ولم يكن جوهرياً، بحيث
أنه جدد دعمه لقرار وزير
الداخلية حول استئناف مشروع
بناء المستوطنات فور عودة بايدن
الى واشنطن. وبسب هذا الاعتبار
قررت الجامعة العربية سحب
التفويض السابق من محمود عباس،
وإحالة الموضوع الى القمة
العربية التي ستعقد في ليبيا
آخر هذا الشهر. سورية اعترضت على تكليف أبو مازن إجراء
مفاوضات مباشرة وغير مباشرة، من
دون الحصول على مرجعية القمة
العربية. واعتبر وزير خارجيتها
وليد المعلم، أن القمة العربية
السابقة أوكلت للجنة مبادرة
السلام العربية عملية التسويق،
الأمر الذي يخالف مبدأ التفرد
بقضية تخص كل العرب. ولكن الجمود على المسار الفلسطيني لم
يمنع وزير خارجية تركيا أحمد
داود أوغلو، من الإعراب عن
رغبته في تحريك قضية الجولان
لاقتناعه بأن المناخ السياسي في
المنطقة جاهز لإحياء مبادرة
السلام مع سورية. وكان الرئيس
الفرنسي ساركوزي قد تبرع لإحياء
هذا المسار المجمد خلال لقائه
الأخير مع الرئيس بشار الأسد.
ولكنه لم يجد لديه التشجيع
المطلوب لأن ممارسات الحكومة
الإسرائيلية لا توحي
بالاطمئنان الى نياتها المبيتة.
ولهذا أبلغت سورية ساركوزي بأن
أنقرة مهتمة بتحريك هذه المسألة. قبل أكثر من اسبوعين تقريباً وزعت الأمم
المتحدة تقريراً يشير الى
انتقال 300 ألف عائلة سورية من
المناطق الشرقية الى المدن بسبب
الجفاف وانخفاض منسوب المياه
التي تتغذى من مياه الفرات.
ويذكر التقرير أن المزروعات
التي تستهلك كميات ضخمة من
المياه كالقمح والقطن، قد تأثرت
بسبب الجفاف الشديد. ويبدو أن
العراق أيضاً يشترك مع سورية في
المعاناة من نتائج انخفاض نسبة
المياه في دجلة والفرات. لهذه
الأسباب وسواها كتبت صحيفة «يديعوت
احرونوت» مطلع هذا الشهر،
افتتاحية حملت فيها على تركيا
لأنها تريد حل قضية الجولان،
واستعادة مياه بحيرة طبريا
لنقلها بالأنابيب الى شرقي
سورية. كذلك حذرت الصحيفة من
احتمال انتقال مليون مواطن سوري
الى مرتفعات الجولان، الأمر
الذي يعرض شمال إسرائيل لخطر
المقاومة. ومن المؤكد أن هذه
المزاعم الملفقة سيستغلها وزير
الخارجية ليبرلمان، لتجديد
رفضه التفاوض على مستقبل
الجولان المحتل. بعد إقفال كل أبواب التسوية أمام سورية
ولبنان والفلسطينيين، يصبح
الصدام المسلح أمراً حتمياً
ومنطقياً. ومع أن توازن القوى لا
يعمل لمصلحة الدول العربية، إلا
أن هنري كيسنجر لا يتعب من تذكير
إسرائيل بأن العرب لا يعتمدون
معايير التوازن العسكري إذا
شعروا بأن كل الطرق ستقودهم الى
الفناء واستمرار الاحتلال. وهذا
ما يسقط نظرية الرئيس شمعون
بيريز، بأن الحرب مستبعدة في
الربيع والصيف المقبلين. المعلق روجر كوهين كتب في «نيويورك تايمز»
مقالة ادعى فيها بأن العقوبات
التي تهيئ لها إدارة أوباما مع
دول صديقة لا يضمها مجلس الأمن،
مثل كندا وأستراليا وأميركا
الجنوبية. هي دول تسمح لضغوط
التجارية بأن تؤثر على موقف
إيران. ناهيك عن العمل الدؤوب مع
روسيا والصين على أمل أن تقتنع
الدولتان الكبيرتان في مجلس
الأمن بالضمانات النفطية التي
وفرتها الولايات المتحدة من دول
خليجية. هذا كله من أجل توسيع
العقوبات على إيران، وإعطاء
القناة الديبلوماسية مزيداً من
الوقت لاستنباط صيغة حل وسط
يسمح للأسرة الدولية باستكمال
عملية تخصيب اليورانيوم خارج
الحدود الإيرانية. وبسبب الاستعدادات العسكرية التي تقوم
بها سورية حالياً، بدءاً بتوزيع
الجنود على ثكنات متباعدة...
وانتهاء بتحريك قواعد
الصواريخ، ألغت إسرائيل
المناورة الأخيرة وجمدت قرار
استدعاء وحدات نظامية، خشية
اندلاع حرب خاطفة يشعلها صاحب
نظرية الضربة الاستباقية. وقد
يكون من مصلحة إيران إشعال حرب
بالواسطة – كما فعلت صيف 2006 –
إذا تأكدت أن إسرائيل ستغامر
بتدمير بعض مفاعلاتها النووية
ولو أدى ذلك الى إغضاب إدارة
أوباما. أو إذا ما شعر النظام في
إيران بأن العقوبات ستضعف سلطته
الداخلية وتفتح ضده جبهة
المعارضة. في مطلق الأحوال، يصعب على سورية الوقوف
في صفوف المساندة أو المراقبة،
إذا ما انفجرت حرب لبنان، لأن
إسرائيل تريد تصفية حساباتها مع
«حزب الله» من جهة... ومع الدولة
اللبنانية التي تبنت طروحات
الحزب من جهة اخرى. كما أن الصواريخ الإيرانية المصوبة نحو
المدن الإسرائيلية – ونحو
مفاعل ديمونا بالذات – لن تبقى
صامتة إزاء حرب تكون هي فيها
المحور الأساسي والهدف الأول.
وعليه يرى المراقبون، أن حرباً
مدمرة بهذا المقياس، لن تحدث
بسبب خوف الدول المعنية من
فقدان مصالحها الحيوية تحت
الأعمدة الشمشونية الممثلة
بآلاف الصواريخ المنتشرة من
إيران حتى لبنان! * كاتب وصحافي لبناني ============================== فرض عقوبات على إيران
سيأتي بنتائج عكسية أبو الحسن بني صدر الشرق الاوسط 13-3-2010 في زيارتها الأخيرة للخليج العربي، أكدت
وزيرة الخارجية الأميركية،
هيلاري كلينتون، الحقيقة
الواضحة التي أصبحت أخيرا جلية
للعالم الخارجي؛ وهي أن إيران
تتجه صوب الديكتاتورية
العسكرية. ومع ذلك، فإن الحل
الذي اقترحته من فرض عقوبات
قاسية تستهدف إضعاف نظام آية
الله علي خامنئي والرئيس محمود
أحمدي نجاد وحلفائهما من الحرس
الثوري سيكون له أثر عكسي؛ حيث
إنه سيسهم في تعزيز نفوذهم. ومن
منطلق تعزيز الديمقراطية،
ستلقي حكومة الولايات المتحدة
بطوق النجاة للنظام الإيراني
الغارق. وستؤتي العقوبات نتائج عكس المرجو منها
نظرا لأن التهديد بأزمة دولية
أصبح المصدر المتبقي الوحيد
للنظام الإيراني لإضفاء
الشرعية على نفوذه الاستبدادي.
وذلك حيث إن دعائم تأييد السلطة
في طهران - الإقطاعيات وطبقة
التجار والملكية، ورجال الدين -
قد انهارت بالفعل عبر الحركات
الثورية التي توالت على مدار
السنين. حيث تم إجبار الشاه على
التخلي عن الإقطاع في الستينات،
كما قامت ثورة 1979 بخلع الملكية.
ولم تكن الدكتاتورية التي أعقبت
انقلاب 1981 التي خلعت حكومتي
تحظى سوى بدعم رجال الدين. ونظرا لأن شرعية الانقلاب الذي دبر له
رجال الدين كانت هشة للغاية،
فإن رجال الدين الراديكاليين
الذين كانوا يقفون خلف ذلك
الانقلاب لم يكن بإمكانهم سوى
تعزيز نفوذهم من خلال دفع
البلاد إلى حالة مستمرة من
الصراع والمواجهات. وقد بدأوا
هذه الاستراتيجية من خلال
احتلال الطلاب للسفارة
الأميركية قبل أن يتم اختياري
رئيسا، وأصروا على ذلك المسار
من خلال الاستمرار في الحرب ضد
العراق بعدما قبل صدام حسين
الشروط الإيرانية بإنهاء
الأشهر التسعة من الغزو في 1980.
ومنذ أن استولى أحمدي نجاد على
السلطة، ابتعد معظم رجال الدين
عن النظام أو أجبروا على
الابتعاد. ومع ذلك، فما زال
الموقف هشا للغاية؛ حيث إن خلق
أعداء دوليين هو أمل النظام
الأخير في البقاء والحفاظ على
السلطة. وعلى الرغم من أن خطة جورج بوش لمواجهة
إيران كانت بمثابة هدية للنظام
الإيراني، حيث ساعدت أحمدي نجاد
على تعزيز سلطاته من خلال
الصمود في مواجهة الولايات
المتحدة، فإن سياسة باراك
أوباما التي تعتمد على تجنب
المواجهات سحبت «الهدية» وخلقت
فراغا سياسيا للإيرانيين
وعارضت النظام. وإذا تخلى
أوباما الآن عن سياسته التي
تعتمد على تجنب المواجهات وعاد
إلى مقاربة عصر بوش، فسوف يجعل
استمرار الإيرانيين في مهمتهم
الهرقلية طويلة الأمد - التي
تهدف إلى استبدال ديمقراطية
داخلية بالمافيا العسكرية
المالية الحاكمة - أكثر صعوبة. وبالتالي، ننصح الرئيس أوباما بأن يتجنب
السياسات التي تعتمد على
المواجهة مثل العقوبات
الاقتصادية أو التهديد بشن
هجمات عسكرية. وبدلا من ذلك يجب
على الولايات المتحدة أن تسمح
للإيرانيين بإدارة صراعهم فهم
قادرون تماما على ذلك. وإذا كانت الحكومات تؤيد بإخلاص الحركة
الديمقراطية في إيران، فيجب
عليها تبني موقف الحياد
الإيجابي. ومثل هذه السياسة لن
تجنبنا فقط المواجهات، ولكنها
سوف تعني أيضا أن نتخذ موقفا
إيجابيا من قضايا حقوق الإنسان
ونشر المعلومات التي تحتوي على
قوائم الأشخاص والممتلكات
المالية للأعضاء الأساسيين في
النظام سواء في البنوك الغربية
أو غير الغربية ووقف مبيعات
التكنولوجيا التي يمكن
استعمالها للرقابة والقمع،
بالإضافة إلى تعزيز جهود محاكمة
زعماء إيران على جرائمهم ضد
الإنسانية، الذين يزداد لجوؤهم
إلى القمع كلما ازداد انعزالهم. وسوف يوفر تبني تلك السياسات عونا عظيما
للإيرانيين في صراعهم من أجل
تأسيس دولة ديمقراطية. حيث إن
المواجهة مع الغرب الذي تتزعمه
الولايات المتحدة هي ما يرنو
إليه الحرس الثوري، وآية الله
الخميني، والرئيس أحمدي نجاد،
ومن دونها، لن تتمكن
الديكتاتورية العسكرية من
النجاة من المعارضة الإيرانية
نفسها. * أول رئيس للجمهورية الإسلامية
الإيرانية.. يعيش الآن في المنفى
بفرنسا. ====================== أحمد داود أوغلو" ...
وليس "كيسنجر تركيا" د.إبراهيم البيومي غانم مارس 2010 إسلام أون لاين كنت قد وصفت وزير الخارجية التركية
الجديد الدكتور أحمد داود أوغلو
بأنه "كيسنجر السياسة
التركية"، وشرحت هذا الوصف في
محاضرة عامة ألقيتها عن "النموذج
التركي" في 26 أغسطس 2008 بجامعة
القاهرة ضمن محاضرات "برنامج
الدراسات الحضارية وحوار
الثقافات"، وتناقلت وسائل
الإعلام هذا الوصف بسرعة لافتة. وبعد بضعة أيام فقط من المحاضرة تلقيت
اتصالا هاتفيا من أحد الأصدقاء
في أنقرة استفسر مني فيها أولا
عن معرفتي بالدكتور أحمد، وهل
قرأت كتبه أو بعضا منها، ودهشت
لهذه السرعة في المتابعة لما
يقال عن تركيا ومسئوليها في
الخارج، وخاصة في العالم
العربي، وبصفة أكثر خصوصية في
مصر، وعرفت من لهجة سائلي أنه
ربما يكون عاتبا علي لأنني وصفت
الدكتور أحمد بأنه مثل "كيسنجر"،
وأن الأولى هو أن نصفه فقط باسمه
وهو أنه "أحمد داود أوغلو"!. شرحت لسائلي هدفي من وصفي للدكتور أحمد
بأنه "كيسنجر" تركيا، وهو
تقريبه من أذهان مستمعي في
المحاضرة لا أكثر ولا أقل، وقلت
له إنني أعرف الدكتور منذ سنة 1987
عندما تزاملنا مدة عام في
الدراسات العليا بقسم العلوم
السياسية بجامعة القاهرة؛ حيث
حضر ك"مستمع" للمحاضرات،
وكي يطلع على أحوال مدرسة
العلوم السياسية المصرية،
ويجمع بعض عيون الكتب من سور
الأزبكية الشهير بالقاهرة، وقد
جمع منها قدرا معتبرا وعاد به
إلى بلده. تعمقت الصداقة بيننا، وقمت بترجمة كتابين
من كتبه صدرا سنة 2006 عن مكتبة
الشروق الدولية بالقاهرة،
الأول بعنوان "الفلسفة
والسياسة"، والثاني بعنوان
"العالم الإسلامي في مهب
التحولات الحضارية"، وقبلهما
ترجمت له دراسة مهمة بعنوان "انبعاث
الفكر الإسلامي في تركيا: دراسة
في عملية التحول من الفكر
العلماني إلى الإسلام"،
نشرتها صحيفة الشعب المصرية في
عدديها الصادرين بتاريخ 26 يوليو
و2 أغسطس 1988، ولكن كل ذلك لم يشفع
لي في إزالة نبرة اللوم على
تشبيهي له بكيسنجر. أوغلو.. ونظريات "النهايات" ولهذا انتهزت أول فرصة علقت فيها على
التعديل الوزاري الأخير في
برنامج قناة الجزيرة "ما وراء
الخبر" -مساء يوم 3/5/2009- لأصحح
هذا الوصف، وخاصة أن مقدمة
البرنامج استخدمته، وأكدت على
أن وصفنا للدكتور أحمد داود
بأنه مثل كيسنجر فيه ظلم له
ومحاباة لكيسنجر؛ لأن الدكتور
أحمد داود صاحب رؤية إستراتجية
أصيلة تنسب إليه وحده دون غيره،
وأن الصحيح فعلا هو أن نصفه
باسمه "أحمد داود أوغلو". صحيح أن ثمة أوجه تشابه بين الرجلين،
فكلاهما درس العلاقات الدولية
وتخصص فيها، وكلاهما انخرط بشكل
رسمي في الوساطات بين العرب
والإسرائيليين ضمن جهود
المفاوضات من أجل السلام،
وكلاهما تولى منصبه وزيرا
للخارجية وهو في الخمسين من
عمره (كيسنجر سنة 1973 وهو من
مواليد سنة 1923، وأحمد داود سنة
2009، وهو من مواليد سنة 1959)، لكن
أوجه الشبه لا تبرر إلحاق
أحدهما بالآخر، وجعل الأول (كيسنجر)
هو المرجعية في التعرف على
الثاني (أحمد داود)، ولدينا من
الأدلة المعرفية والموضوعية ما
يبرهن على خطأ تشبيهه بكيسنجر،
مع إقرارنا بعبقرية كيسنجر،
وأنه كان داهية من دواهي الزمن
في تاريخ السياسة الخارجية
والعلاقات الدولية في القرن
العشرين الماضي. الدليل الأول: أن هنري كيسنجر انطلق في
دوره الأساسي في الصراع العربي
الإسرائيلي خلال السبعينيات من
ثوابت السياسة الأمريكية
المتحيزة بفجاجة للجانب
الإسرائيلي على حساب الحقوق
العربية، وانصب جهده على ترويض
الجانب العربي من أجل الاندماج
في فلك الإستراتيجية الأمريكية
عبر سياسة "الخطوة.. خطوة"
التي اشتهر بها. أما أحمد داود أوغلو، فدوره في الصراع
العربي الإسرائيلي ينطلق من
ثوابت "الرؤية الحضارية"
التي يؤكد من خلالها على
نظريتين لديه: الأولى يقول فيها إن "الثقة بالذات
الحضارية" مصدر قوة إضافية
للدولة في علاقاتها الخارجية،
وخاصة إذا اقترنت بتجاوز عقدة
النقص، وبالتغلب على الشعور
بالدونية تجاه الطرف الآخر،
وهذا هو ما فعله خلال وساطته بين
السوريين والإسرائيليين، وبين
الفلسطينيين والإسرائيليين
أيضا خلال الأعوام الماضية،
وصبت في هذا الاتجاه دعوته لوفد
حماس عقب فوزها في الانتخابات
مطلع سنة 2006 لزيارة تركيا، في
الوقت الذي بدأت فيه القوى
الدولية محاصرة حماس
ومقاطعتها، هذا هو جهد أحمد
داود، أما على الطرف الآخر فقد
كان جل جهد كيسنجر منصبا على قطع
الطريق على أية إمكانية
لاسترداد الثقة بالذات لدى
الأطراف العربية عقب انتصار
أكتوبر المجيد سنة 1973، بل
والسعي لإفقاد ما تبقى من ثقة
لدى هذه الأطراف العربية التي
جلبها إلى حلبة المفاوضات مع
الإسرائيليين عقب تلك الحرب
مباشرة. النظرية الثانية لدى الدكتور أحمد داود
مفادها هو أنه: كي تكون ناجحا في
إدارة العلاقات الدولية يتعين
عليك مراعاة "التوازن"
الدقيق بين قوة الأمر الواقع،
وقوة الحق الأصيل، وأنه لا يجوز
المغامرة بمواجهة قوة الأمر
الواقع دون استعداد كاف، كما لا
يجوز التفريط في قوة الحق
الثابت الأصيل، وأنه يمكن إنجاز
الكثير في المسافة القائمة بين
"قوة الأمر الواقع"، و"قوة
الحق الأصيل" في ضوء موازين
القوى التي تتحرك باستمرار ولا
تعرف السكون أو الجمود. هذا هو لب تفكير أحمد داود أوغلو، أما
كيسنجر فقد كان لب تفكيره،
وجوهر رسائله للأطراف العربية
هو أن التيئيس من إمكانية تغيير
موازين القوى القائمة على أرض
الواقع، والتهوين من قوة الحق
الأصيل، إلى حد طمسه والتعفية
على آثاره بغبار ما كان يسميه
"الواقعية السياسية"، أو
"البرجماتية"، وشتان بين
هذا المنطق، ومنطق أحمد أوغلو. الدليل الثاني: أن هنري كيسنجر يعتبر من
الآباء المؤسسين لنظرية "صدام
الحضارات" التي بلورها صمويل
هنتينجتون، ونظرية "نهاية
التاريخ" التي بلورها
فرانسيس فوكوياما، ونظرية
الفوضى الخلاقة والحروب
الاستباقية التي تبنتها إدارة
بوش الابن فعليًّا خلال السنوات
الماضية وأذاقت العالم الأمرين
من نتائجها، فيما أحمد داود يقف
على النقيض من هذه النظريات. لقد نبه كيسنجر قبل ثلاثين عاما؛ أي سنة
1979 إلى الفكرة الأساسية التي
ارتكز عليها هنتينجتون في
مقولته عن "صدام الحضارات"،
وأكد أن الصراع في المستقبل
سيكون بين الهويات الثقافية
والدينية والحضارية، وليس بين
الدول القومية بحدودها
وسيادتها التي ارتسمت في
العلاقات الدولية منذ معاهدة
وستفاليا سنة 1648. ويبيح مفهوم كيسنجر الجديد لسيادة الدولة
أن تتدخل القوى الأكبر في شئون
الدول الأضعف لإجبارها على
تغيير مواقفها، أو حتى حكوماتها
ولو باستخدام القوة العسكرية،
في إطار ما عرفته إدارة
المحافظين الجدد بزعامة جورج
بوش الابن ب"الحرب
الاستباقية"، وتستند فلسفة
الحرب الاستباقية على فكرة
فوكوياما عن "نهاية التاريخ"،
وتجد هذه الفكرة تأصيلها إلى
نظرية "الواقعية" التي برع
فيها كيسنجر، وأعاد من خلالها
الاعتبار للمبدأ الروماني
القديم الذي يقول "القوة تخلق
الحق وتحميه"، ومن ثم أكد
صاحب نظرية نهاية التاريخ على
أن "استخدام القوة هو الحكم
النهائي في العلاقة بين دول
التاريخ، ودول ما بعد التاريخ؛
على الرغم من الدرجة المتزايدة
من الاعتماد المتبادل في المجال
الاقتصادي". وإلى أفكار كيسنجر وكتاباته ترجع أيضا
نظرية "الفوضى الخلاقة"
التي تبناها المحافظون الجدد في
عهد بوش، وكان كيسنجر قد تبنى
نظرية "التفكيك وإعادة
البناء" باستبدال بعض الدول
أو الكيانات القائمة بدويلات
أصغر تتحارب مع بعضها؛ بهدف
تسهيل تحقيق أهداف الأمن القومي
الأمريكي. وفي ضوء هذه الأفكار المركزية التي أسهم
في وضعها كيسنجر نفهم بوضوح كيف
تبرر السياسة الأمريكية فرض
العولمة على العالم، ولو
بالقوة، لمنع أي بديل حضاري آخر
يبدو منه تهديد للنظام الذي
انتهى إليه التاريخ بحسب نظرية
فوكوياما؛ هذه النظرية التي تجد
جذورها لدى كيسنجر ذاته،
وكتابات كيسنجر مثل: (مفهوم
السياسة الخارجية الأمريكية،
والدبلوماسية من القرن 7 إلى
القرن 17، وهل تحتاج أمريكا إلى
سياسة خارجية: نحو دبلوماسية
للقرن 21، ..إلخ) لا تزال مرجعا
أساسيا لتلك الأفكار التي تجد
طريقها للتطبيق في السياسة
الأمريكية بين الحين والآخر،
ولا يزال هو شخصيا يحظى باحترام
بالغ في أوساط صناع السياسة
الأمريكية ومراكز أبحاث الأمن
القومي فيها، وقد حصل من أحدها،
وهو معهد واشنطن لشئون الشرق
الأدنى في السادس من أكتوبر 2008
على جائزة رجل دولة من الطراز
الأول. أحمد داود أوغلو يقف على النقيض من كل تلك
النظريات التي تنتمي إلى كيسنجر
وحوارييه، وله مدرسته الخاصة
ونظرياته الأصيلة في ميدان
العلاقات الدولية، وقبل أن يضع
نظرياته، انتقد بعمق أهم بعض
نظريات كيسنجر وتلامذته، وركز
انتقاداته على نظرية "صدام
الحضارات"، و"نظرية نهاية
التاريخ"، وانتقد في طريقه كل
نظريات النهاية التي أنتجها
الفكر الغربي خلال القرن الماضي
"نهاية الدين، ونهاية
الأيديولوجيا، ونهاية التاريخ"
(انظر كتابه الذي ترجمناه إلى
العربية بعنوان: العالم
الإسلامي في مهب التحولات
الحضارية -مكتبة الشروق
الدولية، 2006). توصل الدكتور أحمد إلى أن النظرية الأولى
التي تحاول أن تشرعن استخدام
القوة لحماية مصالح القوى
الكبرى وفق المبدأ الروماني
السابق ذكره، وهو مبدأ مفرغ من
المضمون الإنساني، ويرى أحمد
داود أن المشكلة هي في "صدام
المصالح" وليس فيما أسماه
هنتينجتون "صدام الحضارات"،
أما النظرية الثانية فهي تحاول -في
رأيه- قطع الطريق على البدائل
الحضارية التي تتبلور في مناطق
مختلفة من العالم، وتؤذن
بانتقال الهيمنة الحضارية من
المحور الأطلسي إلى محاور أخرى
لا تزال في مرحلة التشكل، يأتي
في مقدمتها "المحور
الباسيفيكي" حول الصين
والهند واليابان، أو "المحور
الحضاري الإسلامي" وفي القلب
منه تركيا وإيران وباكستان ومصر. الحضارة الغربية برمتها -في رأي أحمد داود-
تمر بأزمة، وأزمتها تتلخص في
عجزها عن توفير الأمان الوجودي
والحرية؛ وهما هدفان أبديان
للإنسان على مر التاريخ، وكل
حضارة تفشل أو تتراجع عن
تحقيقهما تصبح متوترة
وانفعالية تجاه الآخرين،
ويستدل مفكرنا على عجز الحضارة
الغربية عن توفير "الأمان"
و"الحرية" للإنسان
برعونتها في التعامل مع بقية
شعوب العالم، وعدوانيتها تجاه
الآخر، وانتهاكها للتوازن
الفطري بين القيم المادية
والقيم الأخلاقية/الروحية،
وحتى للتوازن البيئي إلى حد
التسبب في خرق طبقة الأوزون،
إضافة إلى أن نزعتها الطاغية
نحو العولمة تهدد بإلغاء
التعددية الحضارية، وفرض نمط
واحد عن طريق مزيد من القسر
والإكراه. وفي ضوء ذلك سنفهم بشكل أفضل أبعاد أول
تصريح للوزير أحمد داود عندما
قال: "تركيا سوف تستشار،
ويحترم رأيها في كل القضايا
العالمية، من المناخ والاحتباس
الحراري، إلى قضايا الشرق
الأوسط". الدليل الثالث: أن للدكتور أحمد داود
إسهاما أصيلا في صوغ نظريات
العلاقات الدولية انطلاقا من
"رؤية معرفية إسلامية للعالم"،
وليس عالة على كيسنجر أو غيره من
أساتذة العلاقات الدولية، حتى
يصح أن نصفه منسوبا إلى غير ذات
نفسه كأن نقول إنه "كيسنجر
تركيا"، صحيح أنه استفاد
بطريقة نقدية خلاقة من اطلاعه
الواسع على أفكار ونظريات
كيسنجر وغيره من فطاحل العلاقات
الدولية (كان يستضيف منهم مثلا:
جوهان جالتونج النرويجي صاحب
النظرية الإمبريالية البنيوية
في العلاقات الدولية، ليحاضر في
مؤسسته العلمية في إستانبول،
التي تحمل اسم "العلم صناعة
الوقف!"). أوغلو.. ثلاث نظريات متماسكة للدكتور أحمد داود ثلاث نظريات أساسية
تعبر عن رؤيته للعلاقات الدولية
تعبيرا أصيلا في نسبته إلى
أفكاره، وإدراكه لذاته
الحضارية/الإسلامية، بحسب
مصطلحاته هو في كتاباته، وهي:
نظرية التحول الحضاري، ونظرية
العمق الإستراتيجي، ونظرية
العثمانية الجديدة. 1- نظرية "التحول الحضاري": طرح فيها أحمد داود رؤيته لمستقبل
العلاقات الدولية، وفيها يبرهن
على أن ما يجري في العالم منذ
سقوط الاتحاد السوفييتي ليس
تعبيرا عن انتصار الرأسمالية/الليبرالية،
ولا عن نهاية التاريخ، وإنما هو
تعبير عن تحول حضاري واسع
المدى، وبموجب هذا التحول ينزاح
–تدريجيا- "المركز الحضاري
الأطلسي/الأمريكي"، وتحاول
القارة الأوروبية العجوز
استرداده مرة أخرى من خلال "الاتحاد
الأوروبي"، كما تحاول آسيا
"المركز الباسيفيكي" بناء
هذا المحور الجديد بقيادة الصين
والهند واليابان، كما يحاول
العالم الإسلامي من خلال حركات
الإحياء الإسلامي أن يبني محورا
حضاريا جديدا أيضا مرتكزا على
تماسك رؤيته للعالم، وفي القلب
من هذه الرؤية تقع قيمتا الحرية
والأمان الوجودي بالمعنى
الإنساني/الإسلامي. يقول: "... فالحرية في المنظور الإسلامي
هي تعبير عن نضج روحي يمكن
الإنسان من أن يتحكم في أنانيته
الذاتية، الحرية ليست موضوعا من
موضوعات القوة بقدر ما هي موضوع
للوعي بالذات ومعرفة النفس،
وكذلك الأمن يكمن في شخصية
الإنسان ووعيه الذاتي، ولا
يأتيه من خارجه". ويرى أوغلو أن "النموذج الإسلامي" في
رؤيته للعالم يضمن السلام مع
البيئة بخلاف النموذج الغربي؛
لأن المسلم يدرك أن الكون هبة
الله، وهو حق مشترك للجنس
البشري، ولذا لابد من المحافظة
على البيئة لأنها شرط جوهري
لصلاحية الكون للحياة". كذلك
يؤكد على أن النموذج الإسلامي
يعبر عن الأصالة والتعددية؛
فتصوره للتاريخ والزمن يؤكد على
الطبيعة الدائرية وليست الخطية
الأحادية كما الحضارة الغربية،
ومن هنا أهمية التجديد وقدرة
الحضارة الإسلامية على استعادة
مكانتها، فالسيادة الحقيقية لا
تنطلق من التفوق المادي وحده،
وإنما من التفوق القيمي والروحي
أيضا". في نظريته هذه، شرح د. أحمد داود العقبات
التي تعترض نهضة المحور الحضاري
الإسلامي، فنبه منذ منتصف
التسعينيات إلى أن المحور
الحضاري/الأمريكي سيسعى
للاحتفاظ بتفوقه بشتى الوسائل
الأخلاقية وغير الأخلاقية بما
في ذلك أن يتلاعب بالأسس
الداخلية للمراكز الحضارية
البديلة له، وكشف ببراعة وثقة
كبيرتين عن جذور أزمة الأفكار
والمؤسسات التي تعاني منها
الشعوب الإسلامية، وأرجعها إلى
"انفصال النخب الفكرية
العلمانية عن المرجعية
الإسلامية، ومحاولة النخب
الحاكمة والمسيطرة فرض ثقافة
جديدة مطابقة للمفاهيم الغربية
وإنجاز التنمية الاقتصادية
وبناء القوة العسكرية لتحقيق
موقع أفضل على الساحة الدولية،
وفي نفس الوقت تسويغ السياسات
الاحتكارية لهذه النخب في مختلف
المجالات". ولكنه أكد أيضا أن
هذه النخب العلمانية تواجه
مأزقا اليوم لفشلها في إنجاز أي
من الأهداف الكبرى التي حددتها
منذ بدايات القرن العشرين على
الأقل، وأولها الفشل في تكوين
ثقافة قومية مستقلة عن المرجعية
الإسلامية للمجتمعات العربية
والإسلامية رغم احتكار
التغريبيين لأغلبية قنوات
التنشئة الاجتماعية والثقافية
بسيطرتهم على أجهزة الدولة،
وثانيها الفشل في تحقيق التنمية
الاقتصادية، وثالثها الفشل في
تحقيق مكانة دولية متقدمة على
مدرج هرمية القوة الدولية. إذن: طبقا لنظرية "التحول الحضاري"
لأحمد داود، فإن المرحلة
الراهنة من تاريخ العلاقات
الدولية تشهد منازعة بين أكثر
من مركز أو محور حضاري باتجاه
"نظام عالمي جديد". وهو
يؤكد حضور العالم الإسلامي في
خضم هذه المنازعة، ويرسم تصورا
من أربع مراحل قطع منها المحور
الإسلامي ثلاثة ودخل في
الرابعة، أولها مرحلة الخضوع
للنزعة الاستعمارية، وثانيتها
مرحلة تحدي الهوية بعد سقوط
الخلافة العثمانية إلى قيام
ثورات التحرر من الاستعمار،
وثالثتها مرحلة نشأة دولة ما
بعد الاستعمار وسيطرة النخب
المتغربة عليها، ورابعتها
يسميها "مرحلة تجدد الإدراك
الذاتي الإسلامي" وتخلصه
تدريجيا من عقدة الدونية التي
سيطرت على الذهنية المسلمة إبان
الحقبة الاستعمارية. ويضرب داود مثالا على ذلك بخروج تركيا منذ
منتصف الثمانينيات من سياسة
الانكفاء على الذات، والعزلة عن
محيطها الإستراتيجي الإسلامي،
والقبول المتنامي لهذا التوجه
في السياسة الداخلية التركية. وعندما يصل إلى هذه النقطة نجده يمسك بأول
خيط ينسج به نظريته الكبرى
الثانية، وهي نظرية "العمق
الإستراتيجي"، التي خصص لها
كتابه الضخم، الذي أضحى معلما
في الفكر الإستراتيجي للدكتور
أحمد داود، واعتمد مرجعا أساسيا
في الكليات العسكرية التركية،
وأعيد طبعه أكثر من 17 مرة منذ
صدور طبعته الأولى سنة 2001،
وأخبرني قبل يومين من توليه
وزارة الخارجية أن قناة الجزيرة
القطرية حصلت على حقوق ترجمته
من التركية وعلى وشك الصدور
بالعربية لأول مرة. 2- نظرية "العمق الإستراتيجي": عبر أحمد داود عن هذه النظرية بكلمات
موجزة في أول تصريح له عقب توليه
الوزارة أول مايو الجاري بقوله:
"إن تركيا لديها الآن رؤية
سياسة خارجية قوية نحو الشرق
الأوسط والبلقان ومنطقة
القوقاز.. سنسعى لدور إقليمي
أكبر، ولم نعد بلد رد فعل".
هذه الكلمات المقتضبة لها
تفاصيل وافية في كتابه "عمق
الإستراتيجية: المكانة الدولية
لتركيا"، الذي أشرنا إليه،
وخلاصتها تتمثل في إخراج تركيا
من بلد "طرف"، أو "هامش"
يقتصر دورها في كونها عضوا في
محاور وعداوات، إلى بلد "مركز"
على مقربة واحدة من الجميع، وفي
الوقت نفسه إلى بلد ذي دور فاعل
ومبادر في كل القضايا الإقليمية
والدولية. في إطار هذه النظرية يبدي أحمد داود
حساسية عالية جدا تجاه الرؤى
الغربية والأمريكية التي وضعت
بلاده في مكانة هامشية، أو
طرفية ضمن النظام العالمي،
وخاصة في مرحلة ما بعد الحرب
الباردة، يتحدث بثقة غير مفتعلة
عن خطأ ما ذهب إليه "الكاتب
هنتينجتون" من أن تركيا أطراف
"دولة ممزقة توجد على أطراف
الغرب من جهة وعلى أطراف الشرق
من جهة أخرى، فهي تمثل أطراف
أوروبا كما تمثل أطراف العالم
الإسلامي". ويلقن أحمد داود هنتينجتون درسا قاسيا في
علم الإستراتيجية والعلاقات
الدولية، وهو يفند وصفه لبلده
تركيا بأنها "دولة أطراف"،
يقول: "إن تركيا دولة مركزية،
والدليل على ذلك هو تواجد تركيا
في مكان قريب من الجغرافيا التي
تسمى "أفروآسيا"؛ أي
إفريقيا وأوروبا وآسيا؛ فهي هنا
ليست دولة أطراف، هي من الناحية
الجغرافية دولة مركز وليست دولة
أطراف، فتركيا ليست دولة
أوروبية وحسب، بسبب موقعها
المركزي، بل هي دولة آسيوية
أيضا؛ وليست دولة آسيوية وحسب
بل هي دولة أوروبية أيضا، وهي
ليست دولة واقعة ضمن حوض البحر
الأبيض المتوسط وحسب، بل هي
واقعة في حوض البحر الأسود
أيضا، كما توجد أجزاء من تركيا
في البلقان والقوقاز والشرق
الأوسط... فتركيا، والحالة هذه،
تمتلك القدرة على التأثير
والتأثر بالدول المحيطة بها،
وإذا ما ألقينا نظرة تاريخية،
نجد أن تركيا تقع وسط المكان
الذي تشكل فيه تاريخ الحضارات
الموجودة في المنطقة، وعندما
نلقي نظرة إلى حضارة ما بين
النهرين والحضارات المصرية
واليونانية والإسلامية
والرومانية والعثمانية، نجد أن
تركيا ليست دولة أطراف، بل هي
دولة توثر في عدة حضارات وتتأثر
بها في الوقت نفسه؛ فهي دولة
مركز من الناحيتين التاريخية
والثقافية". ويكمل داود بالقول: "إذا ما ألقينا نظرة
إلى خطوط تدفق الطاقة، نجد أن
هذه الخطوط تتوه وتُضيع طريقها
إذا ما حذفتم تركيا عن الخريطة،
إذ أنه يمر من تركيا خطوط أنابيب
النفط والغاز الطبيعي وخطوط نفط
باكو تبليس وجيهان، وخطوط
أنابيب كركوك يمورتالك، وخطوط
أنابيب أخرى". العمق الإستراتيجي كما يتصوره أحمد داود
ينطوي على أبعاد حضارية،
وثقافية، وتاريخية، وجغرافية،
ودينية، لا تشكل عبئا عليها كما
يتصور البعض، وإنما تشكل في
مجملها فرصة كي تقوم تركيا بدور
فعال ليس فقط في النظام
الإقليمي المحيط بها، وإنما في
النظام العالمي أيضا. يقول أيضا: "إذا ما وحّدنا فضيلة الشرق،
أي فضيلة الحضارة الإسلامية مع
عقلانية الغرب ومع خصوبة اقتصاد
الشمال مع البحث عن العدالة في
الجنوب (وأنا مؤمن بأن ذلك
سيتحقق) نجد أن تركيا تمتلك
المؤهلات التي تمكنها من أن
تصبح دولة نموذجية للمعطيات
الثقافية للعولمة
وللأفروآسيوية، وتمتلك قوة
تستطيع من خلالها التدفق نحو
محيطها.. نحن لسنا دولة أطراف"،
قال ذلك وهو يرد مرة أخرى على
هنتينجتون. وكأن هنتينجتون -المقرب من كيسنجر- قد
لامس الكبرياء العثماني لدى
أحمد داود أوغلو، فانبرى يعرفه
أصول الحديث عن "تركيا" في
السياسة العالمية، وعلى أساس
"نظرية العمق الإستراتيجي"،
وضع الدكتور أحمد داود عدة
نظريات "أقل" اتساعا،
وأكثر عملياتية في شئون السياسة
الخارجية التركية، ومن أهمها
نظريته التي تقول: "إن التفوق
العسكري لا يعوض ضعف المرونة
الدبلوماسية"، ونظرية أخرى
تقول: "الضعف هو اعتبار جار أو
خصم غير موجود"!!، وثالثة تقول:
"في علاقاتنا الدولية لسنا مع
أحدهم ضد الآخر"، ومن هذه
النظريات، وأمثالها، أمسكنا
بنظريته الثالثة الكبيرة "العثمانية
الجديدة"، أو بالأدق "نظرية
الثقة بالذات". 3 - نظرية العثمانية الجديدة: هذه النظرية (وإن لم يسمها أحمد داود بهذا
الاسم في كتبه) هي الأكثر إثارة
للجدل على المستوى الداخلي؛
لأنها تقع في صميم معركة بين
الحداثة والتقليد، أو الأصالة
والتغريب، أو "الإسلام
والعلمانية"، وهي المعركة
التي تخوضها تركيا على أكثر من
صعيد منذ ما قبل تأسيس
الجمهورية وإلغاء الخلافة سنة
1924. يخلص أحمد من قراءته المتقصية للتاريخ
العثماني على مدى أكثر من أربعة
قرون، ولتاريخ الجمهورية
الكمالية خلال العقود الثمانية
الماضية من القرن العشرين، إلى
أن تركيا تصرفت بأقل من
مكانتها، وبأدنى من إمكانياتها
في سياساتها الإقليمية
والعالمية منذ تأسست الجمهورية. وانضم في رؤيته هذه إلى حركة المراجعة
التي قادها في منتصف
الثمانينيات الرئيس تورجوت
أوزال (وظهر مفهوم العثمانية
الجديدة آنذاك لوصف سياسته
التجديدية، وإفساحه المجال
لنمو التيار الإسلامي بدرجة
ملحوظة). ووجد أحمد داود -هو
وغيره من تيار العثمانية
الجديدة- أن السبب في تراجع
تركيا خلال الحقبة الماضية يعود
إلى سياسة "القطيعة" التي
سعت لفصل ماضي تركيا العثمانية
وعمقها الإستراتيجي عن حاضر
الجمهورية الكمالية ومحيطها
الإقليمي، والتي عمقت أيضا
الانقسام بين "العلمانية"،
و"الإسلامية"، وغلبت الأمن
على الحرية، وأحدثت أزمة "هوية"
في أوساط النخب التركية، وخاصة
بعد أن تبين فشل العسكر في فرض
هوية جديدة بالقوة على المجتمع
من أعلى هرم السلطة التي أمسكوا
بها. والحل هو في تبني "عثمانية جديدة"،
والعثمانية الجديدة لا تعني بعث
السياسات التوسعية للدولة
العثمانية، ولا العودة للماضي
الغابر، وإنما قوامها ثلاثة
مرتكزات، أولها: أن تتصالح
تركيا مع ذاتها الحضارية
الإسلامية بسلام، وتعتز
بماضيها "العثماني" متعدد
الثقافات والأعراق، وتوسع
الحريات في الداخل، وتحفظ الأمن
في الخارج، وثانيها: استبطان حس
العظمة والكبرياء العثماني
والثقة بالنفس عند التصرف في
السياسة الخارجية، والثالث:
الاستمرار في الانفتاح على
الغرب، مع إقامة علاقات متوازنة
مع الشرق الإسلامي. "العثمانية الجديدة" تعني باختصار
الاعتماد على القوة الناعمة لا
الخشنة في السياسة الخارجية..
إنها تعني: "علمانية أقل
تشددا في الداخل، ودبلوماسية
نشطة في الخارج، وخاصة في
المجال الحيوي لتركيا". وهناك
بالفعل جدل متواصل حول جدوى
المعايير الكمالية في التعامل
مع القضية الكردية؟! وكيف أن هذه
المعايير عندما تسيطر على
السياسة التركية تغدو قلقة،
وانفعالية، وغير واثقة من
نفسها، وهناك أيضا جدل آخر حول
"العلمانية السلبية"، و"العلمانية
الإيجابية"، ويقود هذا
الجدلَ عددٌ من منظري حزب
العدالة والتنمية، إلى جانب
أحمد داود، ومنهم وزير الخارجية
الأسبق يشار أكيش. في كتابات أحمد داود أوغلو نجد بذور نظرية
"العثمانية الجديدة"، ولكن
دوائرها تتسع رويدا رويدا في
أوساط النخبة التركية بأطيافها
السياسية والفكرية، وربما تكون
قد وصلت إلى النخبة العسكرية
ممثلة في رئيس هيئة أركان
القوات المسلحة إيلكر باشبوغ -وهو
ليس مجرد قائد عسكري من طراز
رفيع، وإنما مثقف واسع الاطلاع
على الفلسفات والنظريات
السياسية والأدبية العالمية-
ففي الخطاب السنوي لرئيس
الأركان الذي ألقاه باشبوغ يوم
14 أبريل 2009، عبر عن رؤية جديدة
أكثر مرونة وانفتاحا تجاه
الأكراد عندما تحدث عن "هوية
تركيا"، و"شعب تركيا"،
ولم يستخدم تعبير "الهوية
التركية"، ولا "الشعب
التركي"، وبذلك تكون
العسكرية/الكمالية قد غادرت
واحدة من ثوابتها في التركيز
على القومية التركية في المقام
الأول، ثم بعدها تأتي القوميات
الأخرى: العربية، والكردية،
والأرمينية، والألبانية. تحدث
أيضا هذه المرة عن أن الجمهورية
الحديثة تتحقق "بالديمقراطية"،
وليس "بالعلمانية" كما
درجت قيادات الجيش على ذلك في
السابق، والأهم من ذلك كله أنه
شدد في خطابه على احترام
المؤسسة العسكرية للدين،
واستدعى كلمات لأتاتورك قال
فيها: "لا يمكن للأمم أن تستمر
دون دين، ولا يمكن للجيش التركي
إلا أن يحترم قيم شعبنا، بل إن
أحد الألقاب الشائعة للجيش وسط
مجتمعنا التركي هو أنه "مدرسة
النبي محمد" صلى الله عليه
وسلم. في رأينا أن ما ورد في هذا الخطاب الأخير
لرئيس هيئة الأركان هو بمثابة
"ثورة صامتة" في إدراك
المؤسسة العسكرية، وخاصة أنه
جاء على لسان باشبوغ الذي يوصف
بأنه من أقوى حراس العلمانية
شكيمة في الجيش، وجاء أيضا
متوافقا مع ذكرى مرور مائة سنة
على وقوع أول انقلاب عسكري ضد
أطاح بالسلطان عبد الحميد سنة
1909. لا تزال ملامح "العثمانية الجديدة"
تتشكل كأحد الفروع التي تنمو
يوما بعد يوم على جذع شجرة "نظرية
التحول الحضاري"، ونظرية "العمق
الإستراتيجي"، وهما
النظريتان العملاقتان اللتان
وضعهما أحمد داود أوغلو قبل
أكثر من عشر سنوات، وستظل
مرتبطة باسمه، ويعرف بها، وتعرف
به، كإسهام أصيل في حقل
العلاقات الدولية والدراسات
الإستراتيجية من خارج المركزية
الأوربية/الأمريكية المهيمنة
على هذا المجال منذ أكثر من قرن
من الزمان. ومن المرجح أن تكتسب نظريات أحمد داود قوة
دفع كبيرة للأمام بعد تعيينه
وزيرا للخارجية، وقد يشهد
العالم في وقت ليس ببعيد بروزه
كشخصية تقف في مصاف وزراء
خارجية عظام مروا على فترات
متباعدة في تاريخ العالم خلال
القرنين الماضيين، ابتداء من
الأمير كليمنصو فون ميترينخ
مستشار النسما الذي خطط لمؤتمر
فيينا 1815 ووضع أسس النظام
الأمني الأوروبي الجديد بعد
تراجع المد البونابرتي، مرورا ب"بسمارك"
المستشار الألماني ووزير
خارجية بروسيا في عهد الملك
فيلهلم الأول خلال السبعينيات
من القرن التاسع عشر، وفؤاد
باشا الصدر الأعظم ووزير خارجية
السلطان العثماني عبد العزيز في
النصف الثاني من القرن التاسع
عشر، وكذلك جون فوستر دالاس
وزير خارجية الرئيس الأمريكي
إيزنهاور الذي قاد أمريكا (19531961)،
وصولا إلى هنري كيسنجر الذي عمل
مع عدة رؤساء أمريكيين، وكان
وزيرا للخارجية في عهد الرئيسين
نيكسون وفورد من 1973 إلى 1977... يقف
أحمد داود أوغلو في مصاف أمثال
هؤلاء، قامته بقامتهم، وكعبه في
العلم يفوق كثيرين منهم، وليس
من الإنصاف أن ننسبه لغير ذات
نفسه... ليس هو "كيسنجر تركيا"،
هو "أحمد داود أوغلو". أما نحن العرب، فأولى بنا أن نقرأ ما
يكتبه هذا الرجل، وأن نغتنم
فرصة وجوده في وزارة الخارجية
وله "هوى عربي"، وأن نهتم
أكثر بالنجوم الصاعدة في سماء
السياسة التركية بفضل "فضيلة
الديمقراطية" التي اكتشفت
أحمد داود أوغلو، ومن قبله
أردوغان، وعبد الله جول، وبولنت
أرينج. وعيب أن يظل اهتمامنا
محصورا في نجوم المسلسلات
التركية مثل "نور"، و"سنوات
الضياع"، و"قصة شتاء"،
عيب كبير!!. ___________ أستاذ العلوم السياسية ورئيس
قسم الرأي العام بالمركز القومي
للبحوث الاجتماعية - مصر. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |