ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 24/03/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


لماذا لا تقيم امريكا اي اعتبار لاصدقائها العرب؟

بوحفص بن شنوف

3/23/2010

القدس العربي

في أمريكا/إسرائيل، وهو كيان متعانق في التفكير والمنهج، شعاره: ليس للنقود قلب، فالنقود لا تعرف الرحمة، فهي تُكتسب وتُنفق وفق الحاجة والمصلحة.

يضع هذا الكيان أثرياء العرب جميعا دون استثناء في سلة واحدة ليس فيها قلب يخفق عاطفة ومودة، سلة معرّضة للكمات والنهب، ألزم هذا الكيان ترسانته العسكرية بمهمة قتالية في البلدان العربية والإسلامية المنتجة للبترول لغاية اقتصادية فهو يحتل الأرض وينهب الثروات بمساعدة المعتدلين من أبناء الوطن الضحية تحت عنوان إنقاذ الشعوب من الاضطهاد وتمكينها من الديمقراطية، أمريكا/إسرائيل تعرف معرفة جيدة منذ حقب تاريخية نقاط ضعف العرب وكشفت أسرارهم وشخصت نظام حكمهم بدقة متناهية وربطت علاقات ودية بأسرهم الحاكمة إلى أن أصبحت الأنظمة السياسية في الوطن العربي المنتج للبترول جزءا من مخططاتهم وأمنهم القومي، فهم ينظرون إلينا في صورة برميل نفط وحقل غاز وموارد مالية تدير رحى صناعتهم على الأمد البعيد، فلا يمكن أن نفكر بمجرد تصور افتراضي من عالم الخيال كيف ستصبح المدن الأوروبية والأمريكية بمرافقها الاجتماعية وأحيائها ووحداتها الصناعية وشبكة المواصلات دون بترول وغاز عربي، إنها حالة مخيفة تقترب من فناء شعوب هذه البلدان، يستنتج المرء من هذا الواقع المسدود الآفاق أن أمريكا/إسرائيل لا يسمحون لديمقراطية الشعوب العربية بأن تكون قاطرة تغيير نظام الحكم أو التداول عن السلطة.

 

لا فرق بين مهد ميلاد أمريكا ومهد ميلاد إسرائيل.

العواطف التي تتميز بها أمريكا وإسرائيل نمت وترعرعت في مهد متشابه، فالتوجهات الكبرى للسياسة الخارجية للكيان الذي يحتل أرضنا في فلسطين والجولان ولبنان وتوجهات الدولة الكبرى التي تفرض علينا حلولا جائرة ظالمة وديمقراطية صورية، هي واحدة متناسقة منسجمة من بوتقة واحدة بل، وبعبارة أدق، من مستنقع واحد تنبعث منه رائحة الجريمة ضد الإنسانية، فكانت ولادة دولة أمريكا فوق أرض مغتصبة عرفت إبادة سكانها الهنود الحمر وكان ميلاد الكيان الصهيوني في وادي دماء الفلسطينيين بعد طرد دفعات بالآلاف من العرب وتهجيرهم واحتلال أرضهم، ليس لأمريكا تاريخ أمة عريقة، فتاريخها يبدأ يوم فصل شمال القارة الأمريكية سنة 1783 عن مستعمرات إنجلترا ويوم أقيمت فوق أرض مغتصبة دولة الولايات المتحدة الأمريكية تأوي مرتزقة مغامرين من جنسيات أوروبية من إنجليز وفرنسيين وإيطاليين وكذلك من العبيد الزنوج الذين جاءوا بهم قهرا من إفريقيا، فأسسوا دولة هي الآن تسود العالم بقوة الحديد والنار، فبالنسبة لإسرائيل، لقد أقامت كيانها على الطريقة الأمريكية، فكان غزو فلسطين سنة 1948 من طرف مرتزقة متعددة الجنسيات من الغرب والشرق ومن جميع القارات تقريبا تمّ استقطابهم باسم العنصر اليهودي وجاءوا أيضا بزنوج من فلاشة الحبشة وهذا هو سر عواطف أمريكا/إسرائيل وسر ميل كفة الميزان بقوة لصالح الكيان الصهيوني.

 

الدين عامل مشترك في معتقدات أمريكا/إسرائيل.

لا بأس أن نذكر ساسة العرب المصابين بالعمى السياسي والتاريخي ونحن نتجرع مرارة الحقيقة بعامل آخر بالغ التأثير في عواطف أمريكا/إسرائيل وهو المعتقد الديني، فمسيحية أمريكا التي تولدت من رحم الديانة الإسرائيلية، تمتاز عن غيرها بالاعتقاد الراسخ في نفوس المؤمنين في كنائس أمريكا بأن المسيح عليه السلام ملك إسرائيل، قتله وصلبه الرومان، سيعود من جديد بعد حرب لا تبق ولا تذر وبعد تدمير هيكل سليمان عليه السلام الذي يتصدر مشروع بنائه مخططات إسرائيل وهم يعلنون قرب موعد تشييده فوق أنقاض مسجد الأقصى الشريف وهذا ما تضمنه صراحة قرار ضم تلك المقدسات الإسلامية إلى التراث اليهودي، فنجد هذه الأفكار الدينية راسخة في عقليات المتطرفين رجال ساسة أمريكا ورجال المصالح وأرباب العمل المتسلطين على مؤسسات الدولة وهي خلفية القرار السياسي الأمريكي في كل زمان ومكان، وهذا ما ينقله خطابهم السياسي في عدة مناسبات دون أن يكترث بأبعاده وحقيقته بعض قادتنا وبعض رجال سياستنا وإعلامنا وثقافتنا.

 

أمريكا / العرب، هو واقع إفتراضي.

أمريكا/العرب..؟ هي أمريكا التي يتخيلها العرب صديقة ودودة تحمي أمنهم وحدود بلدانهم وسلامة عروشهم وهذا ما يعتقدون بقوة رغم أنه مجرد واقع افتراضي كما هو في تقنيات السمعيات البصريات وعالم الخيال، إنه اعتقاد غامض المدلول والمفهوم لأنه من منظور العمش السياسي العربي، لنتصور من أحداث الساعة أن نائب رئيس أمريكا جو بايدن زار بلدا عربيا ما، وأن هذا البلد كان على وشك الإعلان عن قرار سياسي بخطورة وتحدي قرار إسرائيل في بناء المستوطنات، لاشك أن لسان حال رجال ساسة العرب سيقول ما يلي: (…إن إعلان القرار في وجه ضيفنا ليس من كرم الضيافة فهو ..عيب..) وبالتأكيد سيؤجل القرار إلى ما بعد الزيارة أو سيلغى تماما، هل هناك من له صوت مسموع ليصرخ في المنهج السياسي العربي، ليشطبوا العواطف من قاموس السياسة الخارجية العربية لقد أدت بقضايانا منذ سنوات من فشل إلى فشل، فضاعت أراضينا وترسّخ الاحتلال بالقبلات والترحيب وكرم الضيافة، وكل ما نخشاه هو، سيضيع ما بقي من مقدسات عربية في فلسطين وفي غيرها بالآهات والتمنيات وفي متاهة السلام الإستراتيجي، هل هناك مرة أخرى من يصيح في وجه الديبلوماسي والسياسي والمفاوض العربي، أن عزل العواطف بل اجتثاثها من السياسة الخارجية هو أكثر من ضرورة وأن طرح قضايانا واسترجاع حقوقنا في الأرض المحتلة وفي الاقتصاد هو مطلب غير قابل للمودة وحسن النوايا وأن المحيط السياسي العالمي يقوم على المصالح بكل صلابة وجدية ودون رحمة تذكر..؟

 

رزمة العواطف في الحقيبة الديبلوماسية العربية.

من تابع بعض وسائل أعلامنا وتعليق بعض السياسيين العرب كرد فعل حيال تصريحات قد تكون لاذعة لمسؤولين في أمريكا/إسرائيل، تصريحات هي في الكثير من الحالات صفعة مِؤلمة للمساعي العربية، ثم يقف في تفكير عميق ليتساءل عن الدوافع الغير مبررة لشرح تلك التصريحات وتأويلها بعاطفة فياضة إلى غايات بعيدة كل البعد عن مدلولها، فنذكر على سبيل المثال تعليق رجل سياسة عربي على ما قاله نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن ترحيبا برئيس الوزراء الإسرائيلي وهو يستقبله في مستهل زيارته لأمريكا، حيث قال - أن أمريكا تضمن أمن إسرائيل - فأوّل الرجل السياسي العربي هذا التصريح فقال، إن جو بايدن يريد بتصريحه هذا دغدغة عواطف الإسرائيليين وتلطيف الجو قبيل زيارته للمنطقة العربية، لا أحد يدري لماذا يرفض بعض المحللين السياسيين العرب ورجال السياسة المفهوم الصحيح لما يقوله قادة إسرائيل وحكام واشنطن..؟ لماذا لا نفهم أن بايدن يعلن صراحة التزام أمريكا بالدفاع عن أمن إسرائيل وعن كل مخططاتها دون أي اعتبار للأصدقاء العرب، وكان على هؤلاء العرب أن يعدوا عدتهم لمواجهة هذه الحقيقة بدل تلطيفها واللف والهف والدوران من حولها، نقرأ أيضا في رزمة سلة العواطف العربية أن القيادة الفلسطينية تشعر بإحباط شديد.. ونقرأ أن نائب الرئيس الأمريكي قلق وغاضب.. وأن الجامعة العربية تبدي غضبها من إعلان إسرائيل مخطط بناء المستوطنات.. وتصرح وزيرة الخارجية الأمريكية في سياق هذه العواطف الفياضة الملتهبة لتسكب الرأي العام العربي، بأن الإعلان عن مخطط إسرائيل أثناء زيارة نائب الرئيس الأمريكي لإسرائيل هو إهانة لأمريكا… فعلينا أن نتساءل بكل جدية، هل من السذاجة أن يتصور المرء أن الإدارة الأمريكية لم تعلم قبل زيارة نائب رئيسها إلى فلسطين المحتلة بكل كبيرة وصغيرة في الإدارة الإسرائيلية..؟ من يصدق أن نائب الرئيس بايدن وكذلك المبعوث الأمريكي جورج ميتشل لم يكونا على علم بقرار بناء 1600 وحدة سكنية استيطانية في القدس الشرقية…؟ وإذا تبين أن ما يحاك من دسائس في الوسط الصهيوني أصبح في منأى من آذان البيت الأبيض الأمريكي فهذا يعني بداية نهاية إدارة باراك اوباما.

*كاتب من الجزائر

=========================

التحريض على العنف

رأي القدس

3/23/2010

القدس العربي

السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية تمارس ابشع انواع النفاق والازدواجية السياسية والاخلاقية، باتهامها مسؤولين فلسطينيين بالتحريض على العنف بسبب احتجاجاتهم على بناء كنيس الخراب في القدس المحتلة.

فمن الواضح ان وزيرة الخارجية الامريكية تريد من الفلسطينيين، مسؤولين كانوا ام مواطنين عاديين، ان يستقبلوا هذه الخطوة الاسرائيلية بالورود والرياحين، وان يشاركوا المستوطنين اليهود احتفالاتهم بافتتاح هذا الكنيس على الاراضي الفلسطينية المحتلة، وإلا اعتبرتهم متخلّفين وارهابيين.

لا نستغرب مثل هذه التصريحات من السيدة كلينتون التي وردت في خطابها اثناء افتتاح المؤتمر السنوي لمؤتمر اللوبي اليهودي الامريكي المناصر لاسرائيل ومجازرها في الاراضي المحتلة، فلم تتردد مطلقاً، وفي الخطاب نفسه الذي يجسد اعلى مراتب النفاق، في التأكيد على ان 'ضمان امن اسرائيل اكثر من مجرد موقف سياسي بالنسبة لي، انه التزام شخصي لن يتذبذب ابداً'.

صحيح ان السيدة كلينتون قالت في الخطاب نفسه انه يجب ان تكون المحادثات غير المباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين 'جادة' وموضوعية، وان اقامة مستوطنات اسرائيلية جديدة في القدس الشرقية والضفة الغربية تعرض احراز تقدم للخطر، ولكنها لم تدن هذه الخطوة، ولم تؤكد بشكل حازم بأنها غير شرعية.

نتنياهو صرح، وفي قلب واشنطن، بان البناء في القدس العربية المحتلة مثل البناء في تل ابيب، وسيتواصل دون اي عوائق، وكأنه يقول للرئيس باراك اوباما والسيدة كلينتون معاً إنه، اي نتنياهو، الاقوى والحاكم الفعلي للبيت الابيض، ولا يعير اي اهتمام لاي انتقادات امريكية لسياسة حكومته الاستيطانية.

' ' '

 

'العنف' في الاراضي المحتلة الذي تخشاه كلينتون سينفجر دون محالة، والسبب الاستفزازات الاسرائيلية، وليس عمليات التحريض من قبل بعض المسؤولين الفلسطينيين، مثلما تقول كلينتون، فماذا تنتظر من ابناء الشعب الفلسطيني وهم يرون عمليات التهويد مستمرة لمقدساتهم، وإقدام المستوطنين اليهود على اقتحام المسجد الاقصى تمهيداً لهدمه واقامة هيكل سليمان المزعوم على انقاضه.

الادارة الامريكية تساوي بين الجلاد والضحية، وتحاول دائماً القاء اللوم على الشعب الفلسطيني في كل مرة توجه فيها انتقاداً خفيفاً الى الحكومة الاسرائيلية وممارساتها غير الشرعية. السيدة كلينتون فعلت وتفعل ذلك دائماً، وكذلك السيناتور جورج ميتشل مبعوثها للسلام في المنطقة، الذي لم يتردد في حض الفلسطينيين والاسرائيليين معاً على ضبط النفس من اجل المضي قدماً في المفاوضات غير المباشرة، وكأن الدبابات الفلسطينية تقف على ابواب تل ابيب، والسلطة الفلسطينية في رام الله هي التي تبني المستوطنات وتغتال قواتها المستوطنين اليهود.

انها عملية تزوير مفضوحة للحقائق على الارض تمارسها الادارة الامريكية على اعلى المستويات، وتجد في الجانبين العربي والفلسطيني من يوفر لها الغطاء لمثل هذا التزوير، سواء بالصمت، او من خلال امتداح بعض انتقاداتها السطحية لحكومة نتنياهو، والرد على اهاناتها وصفعاتها المتوالية.

امر معيب ان تنطلق المظاهرات المعادية لتهويد القدس والمقدسات الاسلامية في اندونيسيا وعواصم عربية واسلامية، بينما الحياة تسير بشكل طبيعي في مدن مثل مثل رام الله وجنين ونابلس وطولكرم، على بعد بضعة كيلومترات من المواجهات التي تحدث في باحة المسجد الاقصى بين المرابطين الشجعان والقوات الاسرائيلية.

السيد محمود الهباش وزير الاوقاف الفلسطيني قال ردا على هذه الظاهرة المؤسفة، انه يعارض اي اعمال عنف، ويؤيد 'المقاومة العاقلة'، وهذه هي المرة الاولى التي نسمع فيها مثل هذا المفهوم الجديد للمقاومة، و'الانتفاضة المجنونة' كمرادف له.

السيد الهيباش لم يوضح لنا بالضبط هذا المفهوم، ولكنه ربما يقصد اعمال العصيان المدني، والمظاهرات الاحتجاجية، وحتى هذه المقاومة العاقلة لا نرى لها اثرا في الضفة الغربية.

وربما يجادل البعض بالاشارة الى ما يحدث في نعلين وبعلين من اعمال احتجاج يقوم بها بضع عشرات من المتظاهرين ضد الجدار لمدة يوم او يومين في الاسبوع، وهذا صحيح، ولكن هل اعمال الهدم والاستيطان والجدار تحدث فقط في بعلين ونعلين، وماذا عن باقي مدن وقرى الضفة الغربية؟

اليس مؤلما ان تتحول مدينة جنين التي ضربت المثل في مقاومة الاحتلال عندما صمد مخيمها الذي لا تزيد مساحته عن كيلومتر مربع لاكثر من عشرة ايام في وجه الدبابات الاسرائيلية، واوقع المدافعون عنه 26 قتيلا عسكريا اسرائيليا؟ اليس مؤلما ان تتحول هذه المدينة البطلة الى مزار سياحي باعتبارها نموذجا للسلام الاقتصادي، ومقرا لقوات دايتون التي تريد خلق الانسان الفلسطيني الجديد؟

يبدو ان قوات دايتون والمنظرين لها، وفرسان السلام الاقتصادي قد خلقوا 'الفلسطيني الجديد' فعلا، من خلال تحويل نسبة كبيرة منه الى 'صحوات فلسطينية' من خلال الرواتب الشهرية التي تدفع لأناس يجلسون في منازلهم ولا يفعلون شيئا على الاطلاق، بما في ذلك التظاهر، لان هذا يعني قطع الراتب فورا.

فوجئنا في الوقت نفسه بتصريحات السيد محمود الزهار القيادي البارز لحركة 'حماس' في قطاع غزة التي اتهم فيها بعض مطلقي الصواريخ على المستوطنات الاسرائيلية بأنهم 'خونة'، نقول فوجئنا لاننا وقفنا دائما مع كل اشكال المقاومة التي مارستها حركة 'حماس' اثناء وجود السلطة في القطاع، بما في ذلك اطلاق الصواريخ، ورفضنا كل اتهامات السلطة وتوصيفاتها مثل 'صواريخ عبثية' او 'مواسير تنك'، وتخوين من يطلقونها والقول بأنهم يخدمون اجندات اسرائيلية.

نتفق مع السيد الزهار في ان توقيت اطلاق هذه الصواريخ ربما يوفر الذرائع لنتنياهو لشن عدوان على القطاع، الذي يعاني من الحصار والجوع وخذلان الاشقاء، ولكن نتمنى عليه عدم استخدام مصطلحات السلطة نفسها التي استخدمت ضد حركة 'حماس' في التعاطي مع حركات او فصائل اخرى يريد بعض افرادها الشهادة .فعندما تتوقف حماس عن المقاومة، ولو مؤقتا، ونتيجة حسابات سياسية صحيحة، انطلاقا من قطاع غزة، والتحريض عليها، اي المقاومة، في الضفة الغربية في الوقت نفسه، فإن عليها ان تتوقع وجود من يختلفون معها، ولقناعات لا تقل وطنية عن قناعات حركة 'حماس' التي حشدت غالبية الشعب الفلسطيني، وما زالت، خلفها بما جعلها تفوز في الانتخابات الاخيرة.

التهليل لبيان اللجنة الرباعية الذي صدر عن اجتماعها الاخير في موسكو حول قيام الدولة الفلسطينية في خلال عامين، هو اكبر عملية تضليل للشعب الفلسطيني، ومحاولة مدروسة لامتصاص بوادر انتفاضته التي بدأت تطل برأسها. وعلينا ان نتذكر ان جورج بوش الابن تعهد مرتين بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وذهب دون ان يفكك مستوطنة واحدة 'غير شرعية'، او حاجزا واحدا في الضفة، ناهيك عن قيام هذه الدولة.

الانتفاضة يجب ان تتعاظم، بالطرق والوسائل كلها، انتفاضة ضد كل السلام الاقتصادي ومنظريه، قبل الاحتلال ومستوطنيه، ففي الماضي كنا نبكي ضياع الارض وابتلاع معظمها من خلال الاستيطان، والآن على وشك ان نبكي ضياع الاماكن المقدسة عبر التهويد المتوحش، او نبكي الاثنين معا.

=========================

متى نرد الاعتبار لامتنا العربية؟

ميشيل كيلو

3/23/2010

القدس العربي

لم يعد الإفساد هامشا من هوامش الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية العربية، بل صار الجوهر الذي تتعين بدلالته الهوامش الأخرى جميعها، حتى ليمكن تصنيف حياتنا المعاصرة إلى قسمين: واحد كان الفساد فيه فاعلية جزئية ومتفرقة قامت على هامش إدارة وتداول للثروات والشؤون العامة أساسه العمل المنتج والمنضبط بالقانون، وآخر غدا الإفساد فيه مضمون الحياة الرئيس، حتى صار كل ما عداه موضوعا في خدمته.

وبما أن الإفساد ليس من جنس الحياة وضروراتها، فإن بروزه أصابها بتشوهات عميقة أصابت كل جانب من جوانبها ونشاط من أنشطتها، جعلتها حياة مربكة وعصيبة يمضيها المواطن تحت وطأة فواجع متنوعة تسببها، لا تترك له غير أحد خيارين: أن يقبل الإفساد فتفقد حياته عاديتها وطبيعيتها، ويلازمه إحساس بالعار يقوض احترامه لنفسه، مع أن الإفساد يغلق دروب عودته إلى حاله المألوف، ويوهمه أنه بواسطته وحده يستطيع مداراة عوراته الأخلاقية واكتساب مكانة اجتماعية، أو أن يرفضه فيعيش فقيرا ومنبوذا في المجتمع الفاسد، مع ما يعنيه ذلك من حرمان في مجتمع غارق في الاستهلاك، يذكره دوما بأنه يملك من مؤهلات الفساد ما يملكه سواه، فلا يجوز أن يظل ضحية شرفه واستقامته، ولا بد من أن يتخفف منهما.

في القسم الأول، السابق لزمن الإفساد، كان عدد الفاسدين قليلا، وكان هؤلاء يمارسون فسادهم كطفيليين يعيشون على هامش الكد والعمل، يحرصون على سرية فسادهم، كي لا ينبذهم المجتمع ويدينهم زملاؤهم في العمل. لم يكن الفاسد فخورا بنفسه، ولم تكن أخلاق الإفساد قد انتشرت بعد وسيطرت وغدت لها قيم خاصة، ينظر الناس إليها بمعايير تتصل بالكسب، الذي يعتبرونه حلالا، وتجعلهم يرون في الفساد مصدر ثروة هي مصدر للشرف والفخار، ضمن عالم يمشي على قاعدة : 'لا يستوي الذين يملكون والذين لا يملكون' ويرفض طرح أية أسئلة عن مصدر الثروات الشخصية، وإنما يكتفي بإثبات حقيقة وجودها ويتباهى بما يترتب عليها من عز وجاه، خاصة وأنها تكون مدعومة دوما في مجتمع الإفساد والفساد بسلطة المال والسياسة، التي تمجد الثراء دون أن تسأل عن هويته الأصلية، وتكتفي بكون الفاسدين أثرياء قادتهم ثروتهم إلى نمط من الحياة ليس لأحد الحق في سؤالهم عن أي أمر سابق له، بالنظر إلى أن ثروتهم تفوق في قيمتها وتأثيرها سائر نعم مجتمع الاستهلاك، الفاسد والمفسد.

أما في القسم الثاني، الحالي، فقد غلب طابع الإفساد على كل شيء، وصار له اقتصاده السياسي وغدا سياسة رسمية مدروسة ومرعية الإجراء كما يقال ، يعاقب من يعترض عليها أو يناهضها، ويلاحق من يطلب التصدي لها أو الحد منها، وينظر إليه كعدو للأمر القائم، الذي أقلع عن توزيع الدخل الوطني بعدالة، وأحل محله الإفساد، الذي شوه الاقتصاد والسلطة وحامل السياسة الاجتماعي، وغيّر وظيفة ومعنى المواطنة والوطن، وبدل المنظومة الأخلاقية، التي نمت بنمو مجتمع العمل والنظر وتوسعت بتوسع أنشطته، الإنتاجية والفكرية، واستبدلها بمنظومة تقبل معاييرها الأخلاقية تفسيرات كيفية تتنوع بتنوع الأفراد، تعتبر جميعها شرعية مع أنها تتضارب من فرد لآخر وتؤدي إلى انحطاط عام يطاول الدولة والمجتمع والسلطة وتاليا حياة المواطنين الأفراد، الذين يجدون أنفسهم مدفوعين إلى حالة من الاحتراب تلغي كل شرعة تعاقدية بينهم، وتبطل ما ينجم عنها من أنماط سلوك تتصف بالقبول والشرعية، وتعيدهم إلى حالة من التوحش كتلك التي وصفها هوبز، حيث 'الإنسان ذئبا للإنسان'، وحتم التخلص منها وجود عقد اجتماعي وسياسي أسس الدولة وحمى الأفراد وملكيتهم وجعلهم مؤهلين لحكم القانون وقابلين به، وقلبهم إلى كائنات سياسية تحمل عموميتها المجتمعية في خصوصيتها الإنسانية والفردية ، بينما يردهم الإفساد في طوره الراهن إلى حالة ما قبل مدنية ومجتمعية، يجعلهم مؤهلين لأن يحكموا من خارج أي عقد أو قانون، ويحولهم إلى كائنات غير سياسية، ينفي مجرد وجودها حال المدنية السياسة - والمجتمعية الطبيعة - .

يقسم نمط إنتاج الإفساد المجتمع إلى مراتب تختلف عن الطبقات والفئات الاجتماعية، التي ترتبت على الاقتصاد الإنتاجي، فهو يقيم أصنافا اجتماعية لا ينطبق عليها وصف الطبقة، لأنه لا تتشكل في سياق إنتاج، ولا تقوم على مشتركات تلحمها فتكون منها مجتمعا تختلف بنيته عن بنية كل واحدة منها، وله مصالح أوسع من مصالحها منفردة ومجتمعة. في نمط إنتاج الإفساد، وهو يزيح تدريجيا العمل المنتج كنمط عيش، تقوض الأصناف الطبقات كتشكيلات اجتماعية/ سياسية تحمل مشروعا خاصا ميدانه المجتمع كله، أو تعيدها إلى مرحلة ما قبل تكونها داخل المجتمع الحديث، فلا تعود مصالحها الخاصة تتعين بالمصالح العامة، بل يحدث العكس، تنتفي المصالح العامة حيث تسود هي، ولا يبقى من أهمية لدورها في إنتاج واستهلاك وتوزيع الثروة، في حين يرتد المجتمع من طور يحمل بذورا مدنية إلى طور سابق له، هو طور ما قبل أهلي، يغلب على تكويناته طابع ناف ولاغ للمجتمع، يتوطد أكثر فأكثر ويصير حاضنة نمط إنتاج الإفساد وحامل سلطته السياسية، الأصنافية والفئوية مثله. بسبب هذا التشوه المزدوج، تفقد الملكية معناها ووظيفتها الاجتماعية وخصائصها التقدمية، ولا تعود حمايتها من مهام التعاقد، الذي ينتفي بدوره بانتفاء المواطنة والحرية والملكية الفردية المنتجة والقانونية.

ما أن تنطلق عملية الإفساد، حتى تتطور في مسارب تحفرها آلياتها الذاتية، ويصير من الصعوبة إن لم يكن من الاستحالة - بمكان كبحها أو إبقائها حبيسة أطر ضيقة أو محددة لا تتجاوزها. عندئذ، يقضي الإفساد على ما قد يعترض سبيله من أعراف وتقاليد وأخلاق وقوانين ودساتير، وعلى من يقاومه من المواطنين، ويسقط كل ما قد يحد منه أو يقيد انفلاته، ويتعزز هذا التطور بقدر ما يزول الفارق بين الملكية الخاصة والعامة ويتلاشى حق التملك ذاته وينهار النظام القانوني بما هو نظام شرعي ناظم لعلاقة الفرد بالمجتمع والدولة، وتحل إرادة تعسف ونهب عصاباتية وكيفية محل إرادة الهيئة العامة الضابطة والكافلة للكل المجتمعي، ولحياة وحرية الأفراد كمواطنين في دولة.

بذلك، يتخطى الإفساد شيئا فشيئا شرطه الاقتصادي وبيئته الذاتية، ويحكم قبضته على مجمل الحياة الخاصة والعامة، فلا تبقى الدولة دولة، ولا يرى المواطن في السلطة غير التسلط، وينقلب الإنسان الفرد من مواطن في دولة وعضو في مجتمع إلى فرد عدواني تسوقه غريزة طامعة ومدمرة، لا تترك في حياته أي مكان لأي شيء عام، بعد أن غدت حياة ذئب يعارك ويقاتل ذئابا، فريسته قطعة من جثة المجتمع والدولة والإنسان.

في أحد أعوام ثلاثينيات القرن الماضي، قال قائد الثورة الصينية ماو تسي تونج: إن الثورة تريد رد الاعتبار للأمة الصينية وجعلها طرفا فاعلا في التاريخ، بإنقاذها من الفساد. متى نرد الاعتبار لأمتنا ونجعلها طرفا مؤثرا وفاعلا في التاريخ، بإنقاذها من إفساد تقضي عليها التشوهات التي أحدثها في جسدها وروحها؟

' كاتب وسياسي من سورية

=========================

عندما يغضب جبل النار

ضياء الفاهوم

لم تحتمل العصابات الصهيونية مظاهرات رفض أهالي بورين لاستمرار الاحتلال الصهيوني لبلادهم يوم السبت الماضي فأباحت لنفسها إطلاق النيران بشكل عشوائي على المدنيين مسببة استشهاد اثنين من الأبطال وجرح آخرين جراح بعضهم خطيرة . وبذلك استفزت هذه العصابات المجرمة استفزازا مباشرا كل قرى ومدن جبل النار . وفي اليوم التالي قتلت القوات الإسرائيلية شابين آخرين في بلدة عورتا جنوب مدينة نابلس كانا يحرثان أرضهما . وقد علت حناجر آلاف مشيعي الشهداء بالثأر لدماء أبنائها ، وهي بذلك أعلنت للعالم أجمع أنه لم يعد هناك غير استمرار الغضب والنفير العام ونضال متواصل حتى دحر كل جنود الاحتلال بمقاومة شرسة متواصلة حيث لم تعد تثق الجماهير الفلسطينية والعربية والإسلامية بغيرها .

 

يبدو أن العصابات الصهيونية لم تدرس التاريخ ولم تعرف أن جبل النار لم يكن يوما إلا مع الأحرار والثوار . كيف لها أن تعرفه وهي دخيلة عليه وعلى فلسطين كلها ؟

 

إنها لا تعرف أنها بعملها هذا ستشعل النيران في منطقة جبل النار كلها دون استثناء ، وأن نابلس وجنين وطولكرم وقلقيلية وقراها العصية دوما على كافة أشكال الاحتلال ستنضم بكل قوة هذه المرة أيضا إلى المقاومين الأبطال في كل أنحاء فلسطين من رأس الناقورة شمالا إلى رفح والقدس والخليل ونعلين جنوبا ومن أريحا شرقا إلى الناصرة وعكا وحيفا ويافا غربا وإلى كافة القرى والمدن الفلسطينية في كل أنحاء فلسطين من أقصاها إلى أقصاها .

 

هذه العصابات وتلك التي سبقتها كلها لا يجدي معها مفاوضات و عرف العالم الآن تماما أنها كانت ضحكا على الذقون وأنه لا يفل الحديد إلا الحديد . وكم هو حري بهذا العالم - وقد اتضح له كل شيء - أن يصدق مع نفسه فلا يسمح لأحد بعد اليوم أن يكيل بمكيالين إذ أنه إن لم يفعل ذلك فإنه يضرب عرض الحائط بكل مبادئ الديانات السماوية وبميثاق الأمم المتحدة وبالقرارات الدولية ذات العلاقة بوجوب إنهاء الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية .

 

مسؤولو الكيان المغتصب للبلاد الفلسطينية وهضبة الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية أخطأوا خطأ فادحا منذ أن لم يتلقفوا مبادرة السلام العربية التي أطلقتها قمة بيروت العربية عام 2002 ، تلك المبادرة السلمية التي كشفت كل عوراتهم ، وبينت للواعين من البشر في كل أنحاء الدنيا أن الصهاينة لا يريدون السلام ولا يلتزمون بمعاهدات أو اتفاقات: وإنما يريدون لنا الاستسلام والتفريط بوطن عربي أصيل وإلى تحقيق أطماع لا يعلم مداها إلا الله .

 

ولقد أصبح من واجب العرب والمسلمين جميعا أن يتكاتفوا لإعادة الأمور إلى نصابها بالتحرك على كافة المستويات والجبهات لتخليص بلادهم من هذا الكيان المغتصب بدعم لا حدود له للشعب الفلسطيني الذي يناضل من أجل تحرير وطنه واستعادة حقوقه الكاملة .

 

عليهم أن يستفيدوا من الحراك الدولي الرافض للاستيطان اليهودي في قدسنا الشريف وفي كافة أنحاء فلسطين والأراضي العربية المحتلة الأخرى والداعي إلى إنهاء الصراع العربي الصهيوني على أساس حل الدولتين الذي لم يلق حتى الآن أي تجاوب صادق من قبل أعداء العروبة والإسلام ومن يقف مع الأطماع الصهيونية الخبيثة .

 

الشعب الفلسطيني الأمثولة في التضحية والصبر والفداء عرف طريقه تماما الآن ولن يثنيه شيء عن تخليص بلاده من براثن أبشع استعمار عرفه التاريخ مهما بلغت التضحيات واشتدت المحن ، وهو ينتظر مساندة كبيرة عاجلة على كافة المستويات من قادة أمته وشعوبها توازي غضبها العارم من تواصل الأفعال الدنيئة للعصابات الصهيونية التي آن لجمها والقضاء عليها دونما هوادة.

 

مسجدنا الأقصى المبارك أصبح في خطر داهم ، وكذلك كل مقدساتنا وتراثنا وأطفالنا ونسائنا وأبنائنا الأسرى وكل طموحاتنا ومستقبلنا وديارنا العربية الإسلامية ، ولم يعد من المقبول أبدا أي تقاعس عن القيام بواجبنا المقدس تجاه إنقاذ بيوت الله ونجدة الأبطال الذين يدافعون عنها بصدورهم وبكل إمكانياتهم .

 

لقد غضب جبل النار وآن الأوان كي تعود الوحدة الوطنية الفلسطينية إلى سابق عهدها المشرف وأن تتضامن كل أقطار الأمة تضامنا شاملا مع قطرها الفلسطيني في كل الميادين وأن تأخذ بكافة أسباب النصر وتتوكل على الله الذي يكره الظلم والظالمين ثم تتحرك بكل قواها وإمكانياتها لردع الطامعين في إخضاعها لهم وفي سرقة ثرواتها وتراثها وحضارتها ومستقبلها .

 

لقد أصبح في حكم المؤكد أن على جميع أبناء الأمة أن يقفوا وقفة رجل واحد وأن يقوموا بما عليهم أن يقوموا به ، وبرضى الله وتوفيقه وعونه سينتصرون كما انتصرنا في معركة الكرامة المجيدة.

=========================

أزمة حضارية بامتياز

حسين الرواشدة

الدستور

23-3-2010

مشكلة امتنا -اليوم - ليست سياسية كما يتصور البعض ، فالمآلات التي انتهت اليها السياسة مجرد اعراض ، فيما المشكلة - الأزمة ان شئت - حضارية بامتياز ، وعلاجها ايضا ، ناهيك عن تشخيصها مكانة هذه الحضارة الانسانية التي يقال بأنها "واحدة" وان تعددت اطوارها واختلفت الامم التي تداولت عليها ، واذا كان ثمة استسهال في تحميل الاقطار والحكومات التي تدير السياسة وتدبر شؤون الناس مسؤولية اخفاقنا في النهوض بما اشتمل عليه من اسئلة الكرامة والوحدة وحماية المقدسات ورد العدوان والتقدم وغيره ، فان الحقيقة اعمق من ذلك وابعد ، اذ ان دورة الحضارة التي تشبه دورة الشمس تماما قد تجاوزتنا الى امم اخرى ، فغمرنا الظلام ، ولم يعد بوسعنا ان نرى امامنا الا "اشباحا" تطاردنا من كل اتجاه.

 

الامة -كل الامة - تمر بمراحل ثلاثة: ولادة مشفوعة بالصحة والعافية ، تبقى فيها ما دامت تمتلك "فكرة" تدور حولها ، ايمانا وعملا ، وتراجع محفوف بالامراض والمخاطر ، تظل تعاني منه اذا تخلت عن فكرتها واستبدلتها بالركون الى الاشخاص ، واحساس بالنهاية وقرب الاجل ، حين تصبح الاشياء مركز اهتمامها ودورانها ، ولدى امتنا - بالطبع - "فكرة" مصدرها سماوي لكن سيرورتها في حياتنا لم تعد كما كانت ، وهي - بالتالي - للاستهلاك لا للانتاج ، للتزيين لا للتحضر ، للاحساس بالتلقي لا بالترقّي ، مما افقدنا ميزة الامساك بالحضارة كفاعلين او مشاركين وحوّلنا الى مستهلكين لها ، وعالة عليها ، وضحايا لحركة عجلاتها الدائرة.

 

كيف حدث ذلك؟ اعتقد ان الجواب يكمن في نقطة واحدة وهي غياب "الفكرة" التي يمكن ان توحّدنا وتدفعنا الى النهوض ، والغياب هنا لا يعني الاندثار او الانقراض ، وانما "التواري" او الهجرة ، بمعنى ان الباعث الاول لحضارتنا كان هو "الدين" هذا ما زال موجودا لكنه تحوّل في انماط تديننا الى مجرد طقوس او معان غير منتجة ، وحين تعطّل الباعث الاول تعطلت حركة "الحضارة" وتحولت الارض الجاذبة الى طاردة ، والمركز الى نقطة على الهامش ، والمنتجون الى مستهلكون ، واصبحت الامة -كلها - في دائرة الاستقبال لا الارسال ، والمفعولية لا الفاعلية ، والانكماش والابتلاع بدل التمدد والهضم والاطلاق.

 

هل نشعر باليأس؟ كلا بالطبع ، لكن الامل المغشوش وجه اخر لليأس ، مما يعني العودة الى المصارحة ، ومنطقها ان لدينا باعثا حضاريا او طاقة حضارية ، وهذا يمنحنا الامل باستعادة امتنا لعافيتها ، لكن وجود الباعث لا يكفي ، فهو بحاجة الى من يتفاعل معه ، ويحركه ليدور ويعمل ثم ينتج بالتالي حركة وفاعلية.

باختصار ، كل ما طرأ على مجتمعاتنا من اصابات ، سياسية كانت او اجتماعية او اقتصادية ، هي مجرد اعراض لمرض استقالتنا من (الحضارة) ، وافول شمسها عنها ، وتوهمنا - بما امتلكناه من مكدساتها وبضائعها - باننا ما زلنا من صناع الحضارة ، او على الاقل ، من المشاركين فيها ، وهذا غير صحيح ، فامتنا اليوم في منطقة اخرى انقطعت عنها (الطاقة) الحضارية الفاعلة ، وغابت عنها شمس الحضارة واشراقتها ، فارتبكت خطواتها ، وضلت اقدامها ، وتعثرت افكارها واعمالها.

دعونا نبحث في صيدلية (الحضارة) عن وصفة الدواء.. ودعونا نتوقف عن تحميل (اقطارنا) ومعها السياسة مسؤولية ما اصابنا من خراب.. فهذا الذي نعانيه اكبر من ان يختزل في دولة او حكومة ، في شعب او نخبة.. انه يتعلق (بأمة) فقدت حضارتها وعطلت طاقتها العقلية والروحية.. وهي تبحث الآن (هل تبحث حقاً؟) عمن يرشدها الى الصواب .

=========================

رسالة نتنياهو لهيلاري كلينتون

د. سمير قطامي

qatamisamir@hotmail.com

الرأي الاردنية

23-3-2010

نقلت أجهزة الإعلام ثورة وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، هيلاري كلينتون، على نتنياهو، لإطلاقه العنان لبناء المستوطنات في القدس، في الوقت الذي كان فيه جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، يزور إسرائيل لبدء المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.. وظهرت في كثير من الصحف العربية مانشيتات عريضة من مثل : كلينتون توبّخ نتنياهو.. كلينتون تصفع نتنياهو.. أمريكا تعلن غضبها على إسرائيل... وصرّح أكثر من مسؤول أمريكي أن على إسرائيل أن توقف الاستيطان وتدخل في مفاوضات مع الفلسطينيين لأن في ذلك مصلحة أمريكية،فانتشى الفلسطينيون والعرب بذلك، وأحسّوا ان ثمة تغيرا في الموقف الأمريكي، لكن تحرك اللوبي الصهيوني وضغطه على الإدارة الأمريكية دفعها إلى التراجع عن المواقف الحادة بسرعة البرق، لتتحول التصريحات النارية لكلينتون، بعد ساعات قليلة، إلى غزل بإسرائيل الصديقة والحليفة، وإلى التأكيد على العلاقات الاستراتيجية المتينة والثابتة، والالتزام بأمنها وتفوّقها، وإن كان هناك شيء من الاختلاف في وجهات النظر تجاه بعض القضايا! وليقوم الرئيس الأمريكي أوباما في مقابلة تلفزيونية، بالتأكيد على العلاقة الاستراتيجية مع إسرائيل، والالتزام بأمنها وحمايتها في كل الأحوال.

 

لقد تغيّرت مواقف الإدارة الأمريكية 180 درجة،ولجأت إلى السرية في التعامل مع الحكومة الإسرائيلية، وآثرت أن توصل رسائلها من خلال الاجتماعات الدولية، وأمين عام الأمم المتحدة، لتحافظ على ماء وجهها أمام أصدقائها وحلفائها العرب، ولكن كل ذلك لم يؤثر في نتنياهو وحكومته، فقد رفضت الحكومة الإسرائيلية، وباحتقار، قرارات الرباعية الدولية المطالبة بتجميد الاستيطان واستئناف المفاوضات، لإقامة الدولة الفلسطينية خلال سنتين.. ومن يعرف نتنياهو وتركيبة حكومته اليمينية غير المؤمنة بالسلام مع الفلسطينيين، يوقن أن الأمر لا يعدو كونه حلم صيف.. فنتنياهو يستبق مؤتمر الرباعية في موسكو، ويتصل بهيلاري كلينتون ليخبرها أنه سيوقف الاستيطان في القدس الشرقية مؤقتا، ودون إعلان، ويقدّم لها خطته ورؤيته للتعامل مع الفلسطينيين، مؤكدا لها أن لا أحد قادر على فرض رأيه على إسرائيل في ما يتعلق بأمنها ومستقبل أبنائها، في جو تنامي حركات الإرهاب في المنطقة.. ويذكّرها أنه قد هدّد زوجها سنة 1996 عندما حاول الضغط عليه، بأنه سيشعل النار في البيت الأبيض !! كان رد نتنياهو على المطالب الأمريكية : أنا أفهم العرب والفلسطينيين أفضل منكم، وسأدخل معهم في مفاوضات طويلة، ولن أعطيهم دولة مستقلة لتتحول إلى مركز تطرف إسلامي يهدد أمن إسرائيل، كما فعل شارون في غزة، ولن أتنازل عن القدس، عاصمة إسرائيل الأبدية، ولن أقبل بحق العودة، وسأستمر في تطويق مراكزهم السكانية، وتقطيع أوصال مدنهم، ومنعهم من التواصل مع الخارج، كي لا يصبحوا خنجرا في خاصرة إسرائيل، ولا تخافوا من صراخهم وضجيجهم، فنحن معتادون عليه، وقد استولينا على الحرم الإبراهيمي ومسجد رباح، وثبّتناهما مراكز تراثية يهودية، فصرخوا واستنكروا ثم قبلوا، وأقمنا الجدار العازل، فثاروا وصرخوا، ولكن بناء الجدار قد تمّ بمعاونة مسؤولي السلطة الفلسطينية الذين كانوا مقاولين لتوريد الأسمنت ! وبالأمس افتتحنا كنيس حوربا (الخراب)، (افتتح في 16 /3 / 2010 وهذا التاريخ حسب نبوءة عبرية هو يوم هدم الأقصى )، في القدس فثاروا وتظاهروا ثم قبلوا، لذلك لا تخافوا من ردّات فعلهم، فهم يرفضون ثم يقبلون بما نجود به عليهم، ونحن نعمل على الحيلولة دون قيام دولة إسلامية متطرفة في فلسطين كدولة حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، لأن في ذلك تهديد أمننا وأمنكم، فيجب أن تساعدونا لا أن تقفوا ضدنا.

 

هذه كانت رسالة نتنياهو لكلينتون، وأنا أرى أن الأمريكيين سيسيرون حسب المخطط الإسرائيلي، دون إعلان، والأيام القادمة ستثبت ذلك، فماذا سيفعل العرب والمسلمون وهم يشاهدون عمليات الإعداد لهدم الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم ؟

=========================

ساعة الحقيقة.. لا الحسم

بقلم :حسن عزالدين

البيان

23-3-2010

دقّت ساعة الحسم على ما يبدو فيما يخص لعبة الشد والجذب القائمة في المنطقة، وبتنا قاب قوسين أو أدنى من مرحلة تحديد الخيارات الصعبة، وأوّلها احتمال اندلاع مواجهة حقيقية شاملة، سيكون عنوانها الرئيسي فرض معادلة جديدة تنسحب تبعاتها على كل تفرعات الصراع..

 

من إيران إلى فلسطين.

 

وأقول إن ذلك يبقى احتمالاً، بالنظر إلى حركة الاتصالات المحمومة القائمة على أكثر من جبهة. فإما أن يبقى ذلك الاحتمال ماثلاً على الجو العام مع ظلاله القاتمة، أو ينتقل إلى مرحلة الحسم الواقعي مع كل ما قد يترتب على ذلك من آثار مدمّرة.

 

لكن مع بروز الخيارين المذكورين، أي احتمال المواجهة أو بقاء الستاتيكو الوضع الذي يراوح مكانه، نجد أنفسنا حيارى فيما يخص الفرص المتاحة لتحقيق الاختراق الموعود في ذلك الحسم، بسبب عدم توفر قراءة ملموسة بخصوص المدى الذي ستكون الأطراف المعنية مستعدة للذهاب إليه، في حال توفرت الظروف الموضوعية لتلك المواجهة.

 

والمقصود بذلك، الجانب العربي الإيراني الذي يصنّف نفسه في خانة الدول الممانعة، والذي لا ندري إن كان سيتجرأ أخيراً على التقاط قفّاز التحدي الذي ترميه في وجهه إسرائيل بشكل شبه يومي، إن كان من خلال مواقفها السياسية وإصرارها على الثبات الدائم في الأداء والممارسة، أو عبر تصرفات آلتها الدينية الممعنة في طموحها الجامح لتكريس جذورها في أرض المنطقة.

 

ولكي لا نكون مبالغين في التحليل، نقول ان المحور العربي الإيراني المواجه لا يظهر منه في الوقت الراهن غير سوريا وإيران، بالإضافة لحركتي المقاومة في لبنان وفلسطين المدعومتين روحياً ومعنوياً ومادياً من البلدين.

 

ومن الصعب حالياً تصور وجود دعم عربي شامل لأية مواجهة عسكرية، لأن ما تبقى من العالم العربي يمكن تقسيمه إلى ثلاثة محاور أساسية، متباعدة الانتماء والتوجّه السياسي: أوّلها مكبّل بالتزاماته في أحكام الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل.

 

وثانيها غارق في تفاصيل ترفه السياسي المحلي، وبالتالي لا يتعامل مع الموضوع القومي الأشمل إلا من خلال التزامه الخجول المحدد بضوابط مختلفة. أما ثالثها فغير آبه على الإطلاق بما يجري على صعيد المواجهة الاستراتيجية أو الجيوسياسية.

 

وهذا أمر لا يحتاج لعناء تفكير أبداً، حيث تكفي نظرة تقييمية سريعة لحالة الأمة العربية من أقصاها لأقصاها، ومقارنتها بوضع غريمها الأول في الوقت الحاضر، أي إسرائيل، لكي يصاب المرء بخيبة أمل كبيرة.

 

ولا نسمح لأنفسنا بأن نستعرض الفوارق التي قد تكون حتماً هائلة فيما يخص القدرات العسكرية لكل طرف، فذلك يبقى دائماً في إطار التخمينات غير الدقيقة وضمن التكتيكات المختلفة التي يتبعها كلّ طرف.

 

ولا يغيّر في واقع الحال أن يستعرض هذا الطرف عضلاته بين وقت وآخر، لأن ذلك يدخل في إطار الردع النفسي الذي تلجأ إليه الدول بين الحين والآخر.

 

على الصعيد الاقتصادي، حدّث ولا حرج. فلا أظن أن أي عاقل سيتجرأ على إجراء حالة مقارنة، ولو من باب الدراسة التحليلية فقط، بين اقتصادات الدول العربية والاقتصاد الإسرائيلي.

 

فالأول يتأرجح بين حالة التقوقع من جهة والتخلف من جهة أخرى، رغم وجود استثناءات مشرقة في بعض الدول والمناطق، والثاني تمكّن (لأسباب مختلفة لا مجال لتعديدها) من أن يحتل موقعاً بارزاً بين اقتصادات الدول المتقدمة في أكثر من مجال، لاسيما في المجالات الصناعية والتصديرية.

 

ورغم اختلافنا مع إيران بخصوص بعض سياساتها، إلا أنه يجب الاعتراف بالجهود البارزة والحثيثة التي تبذلها هذه الدولة لإثبات نفسها على الصعيد الاقتصادي والعلمي الدولي، وهي جهود محمودة إذا بقيت ضمن الإطار العلمي السلمي، ويمكن في هذه الحالة أن تكون رافداً علمياً ومعنوياً لدعم الدول العربية في المستقبل.

 

أما التضامن العربي على الصعيد السياسي، فما زال حلماً تزاحمه الكوابيس كل يوم. وتكفي نظرة سريعة قبيل انعقاد القمة العربية المقبلة، لاستشراف طبيعة المرحلة القائمة، الخالية كلياً من أي مؤشر ملموس على الشعور بضرورة تحقيق التضامن المنشود.

 

ناهيك عن أن القوى السياسية العربية تبدو متضاربة في ما بينها، وبالتالي غير قادرة على أن تنتقل من حالة التضامن العاطفي العابر، في بعض الأحيان، إلى حالة التضامن الفعلي الذي قد يجنب الأمة من أن تتذوق مجدداً طعم الهزيمة في أية مواجهة مقبلة.

 

الدول العربية، عشية القمة، منشغلة في هموم ومشكلات اليمن، وصراعات السودان، وانقلابات وانتخابات موريتانيا، وتفجرات الوضع في العراق الذي تبدو فيه حالياً تجربة ديمقراطية غير مكتملة المعالم.

 

فضلاً عن الأوضاع المتردية في الصومال... بل وحتى في طريقة توجيه الدعوات لحضور أعمال القمة!

 

إنها حالة التشرذم السائدة في أرجاء الوطن الكبير، والذي لم يعد يتّسع لأبنائه الهاربين من مرارة الواقع وصعوبة العيش، ولم يعد بالتالي قادراً على احتضان مشروع نهضوي شامل، لمجاراة التطور القائم على الصعيد العالمي.

 

لقد بشّرتنا الإحصائيات العلمية الأخيرة، بأن القدرة الاقتصادية الآسيوية ستصل إلى مستوى الاتحاد الأوروبي في غضون خمسة عشر عاماً، لتتقدم عليها في الأعوام التالية. أما حصة العالم العربي من هذه النهضة، فلا شيء يذكر، لأن التطور الصناعي مركّز في غالبه ضمن شرق القارة، لا في غربها.

 

إذاً، لا شيء يبشر بحدوث صدمة إيجابية على المستوى العربي الشامل في المدى المنظور.. فلنأمل، والحال كذلك، أنه قد آن الأوان لإدراك الحقيقة واستيعابها.. وأن ساعة الحسم التي كثر الحديث عنها، ستبقى احتمالاً، لا واقعاً قائماً.

=========================

استراتيجية ضالة وأخرى خائبة

آخر تحديث:الثلاثاء ,23/03/2010

علي الغفلي

الخليج

يقود رئيس الحكومة “الإسرائيلية” بنيامين نتنياهو سياسات توسعية ضخمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك حين يصر على المضي بوتيرة متصاعدة في تهويد ما تبقى من مدينة القدس، ويمعن في طمس معالمها الدينية الحقيقية، ويجاهر بالاستمرار في بناء الآلاف من الوحدات السكنية في المستوطنات اليهودية . تدرك تل أبيب أن مثل هذه السياسات تستفز الشعب الفلسطيني، إذ إنها تنهش في واقعية فكرة إقامة دولة وطنية للفلسطينيين يحلم هؤلاء بأن تكون القدس الشرقية عاصمة لها . بيد أن حكومة نتنياهو تعتقد أن لديها الاستعدادات اللازمة من أجل التعامل مع ردود الفعل الغاضبة التي يمكن أن تبديها قطاعات الشعب الفلسطيني، هذا الشعب الذي أشعل من قبل انتفاضتين جماهيريتين كبيرتين ضد مؤسسات وممارسات الاحتلال “الإسرائيلي” . لا تستبعد حكومة نتنياهو أن تثور انتفاضة فلسطينية ثالثة، ولكن مثل هذه الإمكانية تبقى في نظرها قليلة الاحتمال من الناحية الواقعية، وذلك في ظل الانقسام السياسي الذي يضرب بقوة في صفوف الفلسطينيين . لقد جربت الحكومات “الإسرائيلية” السابقة مختلف وسائل التطويق والعقاب والالتفاف السياسي حين تعاملت مع الانتفاضتين الأولى والثانية، ونجحت بالفعل في احتوائهما ومن ثم إيقافهما، ولا يوجد أي مبرر لدى “إسرائيل” للاعتقاد أنها غير مستعدة للتعامل بمختلف الأساليب المتاحة مع أية انتفاضة ثالثة محتملة، والاجتهاد من أجل إجهاضها، وغالباً النجاح في إيقافها .

 

كما أن سياسات التوسع التي تنتهجها الحكومة “الإسرائيلية” حالياً تستفز مشاعر عموم القطاعات الشعبية في العالمين العربي والإسلامي . مرة أخرى، تدرك تل أبيب عمق مشاعر السخط التي تعتمل في نفوس مئات الملايين من العرب والمسلمين، وذلك حين ترى هذه الشعوب أن عدوها الأول يزداد وحشية، وأن الكيان الاستعماري الجاثم على الصدور يتمادى في نهب المزيد من الأراضي الفلسطينية، وأن شهية السلب “الإسرائيلي” لا توفر المقدسات الإسلامية ولا تتورع عن اصطناع معالم يهودية مكذوبة، بغية تحقيق هدف واحد يتمثل في الفرار بالمدينة المقدسة المختطفة بعيداً، بعيداً حيث لا يتسنى للعرب والمسلمين استعادتها ثانية .

 

تعي حكومة نتنياهو تماماً أبعاد الغضب والسخط المستبدين بالشعوب العربية والإسلامية والتي تحدثها سياسات التوسع التي تتبعها، ولكن يبدو أن عصابات المتطرفين “الإسرائيليين” بقيادة نتنياهو مطمئنة تماماً إلى أن مشاعر اللامبالاة والإحباط سوف تحل سريعاً في ربوع أقطار العرب والمسلمين، إذ إن الاكتراث المستدام ليس من ضمن سجل أداء هذه الشعوب في العقود الماضية، كما أن العزيمة الفاعلة مفقودة هي الأخرى منذ أمد بعيد . تقدم مقولة الوهم الرسمي إن “السلام خيار العرب الاستراتيجي” الضمانة التي تحتاجها تل أبيب كي تتجرأ على ارتكاب جرائمها ضد الأراضي العربية والمقدسات الإسلامية، من دون أن تقيم لغضب الشعوب وزناً يذكر . إن كانت الحكومات العربية تؤمن حقاً بأن خيارها الاستراتيجي هو السلام مع “إسرائيل”، فإن مسار العقدين الماضيين يؤكد أن منطق هذا الخيار خائب، وأن تنفيذ هذه الاستراتيجية ساذج، وأن السلام المنشود وهم .

 

وفي إطار اعتناء إدارة باراك أوباما بإيجاد تسوية سلمية، والسياسة التي تبنتها بقوة هذه الإدارة من أجل العمل على إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، والالتزام الحالي من قبل واشنطن بمعالجة كافة مسائل الخلاف في القضية الأولى في الشرق الأوسط، فإن سياسات التوسع والتهويد والسلب “الإسرائيلية” التي تطال كلاً من الأراضي والممتلكات الفلسطينية والمقدسات الإسلامية تشكل تضاداً خطيراً للمبادئ السياسية التي تجسد الرؤية الأمريكية لحل الصراع في الشرق الأوسط . لا تخفي الإدارة الأمريكية اعتقادها بأن سياسات نتنياهو تمثل تحدياً غير مقبول بالنسبة لتوجهات التسوية السلمية التي وعد بها الرئيس الأمريكي، والتي نال من أجلها جائزة نوبل للسلام، والتي يفهم من خلالها الرئيس أن الجائزة لا تمثل تتويجاً لإنجاز حققه، بل حافزاً على طريق الحل السلمي يتعين عليه المضي به .

 

تدرك حكومة نتنياهو فداحة الاستفزاز الذي ينال من مصداقية الإدارة الأمريكية ويقوض من الخيارات المتاحة أمامها من أجل الدفع بعملية السلام إلى الأمام، غير أن تل أبيب مطمئنة إلى أن انزعاج واشنطن تجاه الاستفزاز والإهانة اللذين تسببهما ممارسات التوسع والاستيلاء التي تقترفها حكومة نتنياهو في الأراضي الفلسطينية والمقدسات الإسلامية لن يتطور إلى أبعد من مجرد عدم ارتياح الحليف الأكبر تجاه ممارسات الحليف الأصغر، وأن التوتر العابر بين الحليفين مجرد ثمن بخس لقاء المكاسب المادية والمعنوية التي سوف تحققها “إسرائيل” من خلال حملة ممارسات التهويد والاستيطان وطرد الفلسطينيين، وهي ممارسات يمكن على أية حال إبطاء إيقاعها أو تضييق نطاقها حين يتضح أن الغضب الأمريكي ينذر بصنع أزمة حقيقية بين تل أبيب وواشنطن . تسارع واشنطن إلى اتخاذ موقف خائب حيال بوادر التوتر بين الحليفين، وذلك بتكرار مقولات من قبيل إن “التحالف بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” هي علاقات استراتيجية”، أو إن “التزام الولايات المتحدة بأمن “إسرائيل” هو التزام مطلق” .

 

من الصعب تصور أن يصبح لدى حكومة نتنياهو أي دافع نحو احترام توجه إدارة أوباما بخصوص التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، أو أن تخشى تل أبيب انتقام واشنطن بسبب تعمد الأولى إحراج الثانية في ظل تشبث الأمريكيين بضلال العلاقات الاستراتيجية مع الكيان الصهيوني . ومن الصعب أن يتمكن العرب والمسلمون من ردع “إسرائيل” عن ممارسات الاستفزاز والتوسع على حسابهم، أو فرض هيبتهم في تفاعلات الصراع والسلام في ظل تشبث الحكومات العربية بملهاة خيار السلام الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني . كيف يتسنى ل”إسرائيل” تفويت فرصة تنفيذ هجمتها التوسعية بالشكل الذي تقوم به حالياً، تحت غطاء استراتيجية أمريكية ضالة وأخرى عربية خائبة؟ هذه فرصة لا يسع تل أبيب تفويتها بكل تأكيد .

* رئيس قسم العلوم السياسية، جامعة الإمارات

=========================

المؤسسة الدينية والقوة الناعمة المصرية

آخر تحديث:الثلاثاء ,23/03/2010

مصطفى الفقي

الخليج

أجمع المؤرخون وخبراء الجغرافيا البشرية والمعنيون بدراسة الهوية الوطنية على أن مصر تملك أدواتٍ ناعمة تفتقدها أمم كثيرة وأوطان لم يهبها التاريخ ولم تعطها الجغرافيا ولم يصنع فيها الإنسان ما وهبه الله للكنانة، وأنا أشير هنا صراحةً إلى المؤسسة الدينية المصرية بشقيها الإسلامي، والمسيحي، وأعني بذلك الأزهر الشريف والكنيسة القبطية، مرّكزًا على دورهما كأداتين فاعلتين في تشكيل الشخصية المصرية المعاصرة في الخارج، وأنا ممن يظنون أن التوظيف الأمثل لهاتين الركيزتين العظيمتين يمكن أن يؤدي إلى عائدٍ إيجابي ضخم للدور المصري الذي يتحدثون أحيانًا عن تراجعه!، وتبدو القيمة الحقيقية للأزهر الشريف والكنيسة القبطية في تأثيرهما الواسع لدى العالم الإسلامي والقارة الإفريقية، وربما كان دافعي في توقيت هذا المقال هو رحيل الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر بما عُرف عنه من وسطية واعتدال وتواضع، وبرغم أنه كان أكثر شيوخ الأزهر إثارة للجدل في العصر الحديث، وبرغم كل ما له وما عليه إلا أنه يبقى في رحاب الله قطبًا إسلاميًا تذكره الأجيال المتعاقبة، كذلك فإن قداسة البابا شنودة الثالث أمد الله في عمره يمثل هو الآخر علامة مضيئة في تاريخ بطاركة الكنيسة القبطية المصرية، كما سوف يذكر التاريخ دائماً بأن الفضل يرجع إليه في بلورة الهوية الوطنية لأقباط مصر عربياً ودولياً فضلاً عن إسهاماته في تعميق الوحدة الوطنية المصرية والتصدي للأزمات الطائفية خصوصاً في العقدين الأخيرين، والآن يكون واجباً علينا أن نفصِّل ما أجملناه في هذه المقدمة من خلال النقاط التالية:

 

* أولاً: إن دور الأزهر الشريف يمتد لأكثر من ألف عام في خدمة الإسلام والمسلمين والعناية بالشريعة والفقه والحفاوة باللغة العربية والثقافة الإسلامية، فضلاً عن دوره الضخم في الحفاظ على التراث ونشر الدعوة، إنه أزهر الأئمة العظام الذي تخرجت فيه كواكب سوف تبقى في ضمير الأمة الإسلامية إلى يوم الدين، نذكر منهم في القرنين الأخيرين أعلاماً مثل محمد عبده والمراغي وعبد المجيد سليم ومحمود شلتوت وعبد الحليم محمود وغيرهم من قمم علماء العقيدة ودعاة الدين الحنيف، ولم يقتصر دور الأزهر الشريف على ذلك بل امتد ليكون دائماً صوت الشعب المصري في مواجهة الطغاة والبغاة والغزاة، اعتلى منبره الثائر جمال عبدالناصر في مواجهة مؤامرة العدوان الثلاثي الغادر عام ،1956 كما امتد دور الأزهر التنويري إلى السياسة والأدب والفن، فخرجت من عباءته أسماء لامعة في الحياة السياسية والحركة الوطنية وقوافل من المفكرين والمجددين ونخب من الأدباء والفنانين من أمثال المنفلوطي وسلامة حجازي وسيد درويش وصولاً إلى زكريا أحمد وسيد مكاوي . فالأزهر كان دائماً شعلة للاستنارة ومصدرًا للحداثة ومركزاً لصلابة الوحدة الوطنية، بل إن التاريخ الأمني المصري يسجل له أعداداً ضئيلة من خريجيه اختاروا التطرف طريقاً والعنف أداة مقارنة بالجامعات المصرية الأخرى، وذلك يؤكد أن الفهم الصحيح للإسلام وإدراك جوهره العظيم يبعد أصحابه عن فيروس التطرف والغلو والشطط ويدفعهم نحو الاعتدال والوسطية والتسامح .

 

* ثانياً: إن الأزهر الشريف قد اتخذ مواقف تاريخية معتدلة تجاه المذاهب الإسلامية الصحيحة، ولعب دوراً كبيراً في التقريب بينها من أجل وحدة العالم الإسلامي، ولعل جهود الإمام محمود شلتوت ومن قبله الإمام عبد المجيد سليم في هذا السياق معروفة للجميع، فالفتوى الشهيرة للشيخ شلتوت أجازت التعبد بالمذهب الشيعي (الاثني عشر) ومنذ ذلك الوقت والفقه الجعفري يجرى تدريسه في الأزهر أكبر مركز سني في العالم، كما أن صورة الأزهر الشريف في العالم الإسلامي وخارجه تحظى باحترام شديد ومازلت . أتذكر ما رواه لي أخي الكبير السفير شكري فؤاد ميخائيل مساعد وزير الخارجية الأسبق أنه عندما كان مستشارًا للسفارة المصرية في غانا وجاء موعد صلاة الجمعة طلب منه بعض الغانيين المسلمين أن يؤمهم للصلاة فشرح لهم بصعوبة أنه مسيحي الدين مصري الوطن، ولكنهم كانوا يقولون له إنك من بلد الأزهر الشريف وهذا يكفى! لذلك قام الأزهر بدوره الواسع في تصدير أقطاب الدعوة وملوك تلاوة القرآن وفقهاء الدين الحنيف إلى أقطار الدنيا بغير استثناء، ومازلت أتذكر أصداء زيارة القارئ الراحل عبد الباسط عبد الصمد للهند ومن بعده الشيخ محمد محمود الطبلاوي وكيف احتشد الملايين، من دون مبالغة، لاستماع تلاوة القرآن من الوافد من بلد الأزهر الشريف، ولقد طلبت مني السلطات النمساوية رسمياً عندما كنت سفيرًا لبلادي في فيينا موافقة الأزهر الشريف على إنشاء أكاديمية إسلامية وإشرافه عليها في العاصمة النمساوية على أن تكون نفقات إقامتها واستمرارها مدفوعة من الخزانة النمساوية احتراماً للإسلام وتقديرًا للأزهر، وما زالت تلك الأكاديمية النمساوية التي أعتز بها تمارس دورها في وسط أوروبا بنجاح مطرد، لذلك فإنني أقول صراحةً إن دور الأزهر الشريف بعد 11 سبتمبر 2001 مازال يمثل إحدى الفرص الضائعة أمام تلك القلعة الإسلامية الكبرى لأنني كنت أتصوره وهو يقود مسيرة الاعتدال أمام التطرف، مقدماً الصورة الصحيحة للإسلام بعظمته وتسامحه أمام الغرب عموماً والولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً، وأظن أن الإسلام الحنيف قد تعرض لظلم بيِّن في العقود الأخيرة وجرى ربطه افتراءً بالعنف والإرهاب وهو أبعد ما يكون عنهما، بل إنني أؤكد أن ذلك الدور الغائب للأزهر كان يمكن أن يمثل إحدى الممارسات الناجحة للقوة المصرية الناعمة، ويجب أن أعترف هنا أن الدور التركي الذي يحاول أن يرث الدور المصري سياسياً يتطلع أيضاً إلى وراثته بتقديم نموذج إسلامي معتدل يستهوي الغرب ويجذب تأييده .

 

* ثالثاً: إن الكنيسة القبطية المصرية هي الأخرى قوة وطنية ناعمة تضرب بجذورها في مصر والسودان والحبشة وأريتريا وتتجاوز ذلك إلى كثير من قارات الدنيا، ومازلنا نتذكر دور العلاقات الكنسية في دعم الثقة بين مصر وأثيوبيا والتي اختفت بنهاية حكم الإمبراطور هيلاسيلاسي الذي حضر مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والبابا الزاهد كيرلس السادس وضع حجر الأساس للكاتدرائية المرقصية بالعباسية، ولا شك أن الانتشار الواسع لعدد الكنائس القبطية في العالم هو تعزيز تلقائي للدور المصري في الخارج، وما زلت أتذكر عند بداية عملي الدبلوماسي في العاصمة البريطانية أنه لم يكن لنا إلا كنيسة قبطية واحدة مستأجرة بعض الوقت في منطقة هلبورن بلندن والآن لنا هناك عشرات الكنائس القبطية، وأتذكر عندما كنت سفيرًا لبلادي في النمسا وبعد أن فرغنا من إنشاء الأكاديمية الإسلامية بجهد من العالم الإسلامي المستنير الدكتور د .محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف وشراكة من الداعية صاحب الشعبية الشيخ د .أحمد عمر هاشم، وبمباركة من الإمام الراحل د .محمد سيد طنطاوي أن طلب مني الإخوة الأقباط في النمسا المساعدة في بناء كنيسة قبطية في العاصمة النمساوية لأنهم كانوا يؤدون شعائرهم في كنيسة صغيرة وقديمة ملحقة بمبنى المقر الثالث للأمم المتحدة وكانت خالية من الخدمات حتى من دورات المياه، فذهبت إلى الخارجية النمساوية وقابلت مدير الشرق الأوسط السيد كرستياني، وأبديت له رغبتنا ثم عرضت عليه شراء إحدى الكنائس الكاثوليكية القديمة المغلقة وتطويرها لكي تصبح كنيسة أرثوذكسية مصرية، ولكن الرجل انزعج من هذا الاقتراح وأشار علي بالذهاب إلى عمدة فيينا لشراء قطعة أرض نقيم عليها كنيسة قبطية مستقلة، وقد فعلت ذلك مع الأخوة الأقباط الذين أذكر منهم الراحل د .سمير أستينو الذي كان محل احترام في الأوساط المصرية والنمساوية، وأذكر أن عمدة فيينا قال لى يومها: يا سعادة السفير هل لي أن أسألك: هل أنت مسيحي الديانة؟ فقلت له إنني مسلم ولكني مسؤول عن المصريين جميعاً بلا تفرقة، وقيام كنيسة للأقباط المصريين هو تعزيز لدور بلادي واحترام لمكانتها، وقد أردت من ذلك أن أؤكد أن دور الكنيسة القبطية في تعزيز العلاقات مع دول العالم هو أمر يجب أن نهتم به وأن نحرص عليه، خصوصًا مع دول شرق إفريقيا وحوض النيل، بل إن المصريين في الخارج مسلمين وأقباطاً يمكن أن يكونوا رصيداً مؤثراً في دعم القوى الناعمة المصرية وهم كذلك في أغلب الأحيان بمن فيهم من نطلق عليهم خطأ صفة أقباط المهجر، وهم في ظني مصريون وطنيون، ولكننا لم نتمكن من احتوائهم جميعاً في حضن الوطن الدافئ بدلاً من تركهم فريسة للشائعات والمبالغات والأخبار المغلوطة، وأنا أتصورهم في المستقبل جزءًا من جماعات الضغط المصرية التي تعمل من أجل الوطن كله وليس الكنيسة وحدها .

. . تلك هي مصر الدين والوطن، الأرض والشعب، التاريخ والجغرافيا، الحضارة والثقافة، القوات المسلحة الباسلة والقوة الناعمة أيضاً .

=========================

نتانياهو في واشنطن على سجيته

الثلاثاء, 23 مارس 2010

مصطفى زين

الحياة

حلَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ضيفاً على واشنطن. فيها يجد نفسه على سجيته، أكثر مما لو كان في تل أبيب. في تل أبيب هو مضطر إلى تقديم تنازلات لهذا الحزب أو ذاك ليضمن تأييده في الحكومة أو في الكنيست. في العاصمة الأميركية كل الطبقة السياسية الحاكمة تؤيده، وتزايد عليه في ولائها للصهيونية. لا يجرؤ رئيس لجنة أو زعيم حزب في الكونغرس على معارضة سياسته. يتسابق الجميع إلى الضغط على البيت الأبيض لزيادة المساعدات العسكرية والمالية للدولة العبرية. ولاؤهم لها ليس محل شك. من يعارض ما تطلبه يصبح منبوذاً، ولا يعود يحلم بمنصبه مرة أخرى. أما إذا تجرأت الإدارة على ذلك فالاتهام بمعاداة السامية جاهز. والكونغرس حاضر للمحاسبة ولا يرحم.

ولاء الكونغرس للدولة العبرية ليس أيديولوجياً، على رغم بعض الأيديولوجيين المتصهينين. إنه مصلحة مالية في الدرجة الأولى. يقول أحد الصحافيين اللذين كشفا قضية ووترغيت المشهورة كارل برنستاين (الآخر هو بوب وودورد) أن عضو الكونغرس في الولايات الكبرى، مثل كاليفورنيا ونيويورك، يحتاج إلى عشرات ملايين الدولارات كي يرشح نفسه للمنصب مرة أخرى، لذا يقضي كل فترة ولايته باحثاً عن المال لدى اللوبيات الكثيرة، ومنها شركات تجارة الأسلحة والنفط والتأمين(من هنا كانت صعوبة تمرير برنامج الإصلاح الصحي الذي اقترحه الرئيس باراك أوباما واعتبر نجاحه ثورة في السياسة الداخلية) ولا ننسى لجنة الشؤون الأميركية -الإسرائيلية «إيباك»، وهي أقوى جماعات الضغط وأشدها نفوذاً.

على الكونغرس و»إيباك»، فضلاً عن مسؤولين في الإدارة، يعتمد

نتانياهو في مواجهته مع البيت الأبيض. الشيوخ والنواب يحتاجونه. فهو أحد زعماء أقوى العشائر. وصل به الأمر في التسعينات إلى تهديد واشنطن.

ويبدو أن إدارة أوباما التي انحنت أمامه في المواجهة الأولى، منذ أشهر، وشرعت له بناء المستوطنات، بعد تجميدها موقتاً، ضاقت به ذرعاً. غضبت لإهانة نائب الرئيس جو بايدن (هو ابتلع الإهانة في البداية وألقى خطاباً صهيونياً بامتياز). وعندما تغضب يغضب العالم. طالبته بالتراجع والاعتذار. حددت له شروطاً لتنفيذها. جندت ديبلوماسيتها، والرباعية الدولية، والأمين العام للأمم المتحدة. حددت له شروطاً لتنفيذها. بدأت تتحدث عن مخاطر دعمها غير المشروط لتل أبيب.أعلن قائد القيادة الوسطى، المسؤول عن حربي العرق وافغانستان الجنرال ديفيد بترايوس أمام الكونغرس أن هذا الدعم يعرض أرواح الجنود الأميركيين للخطر. ويفقد الولايات المتحدة ثقة الأنظمة العربية بعدما فقدت ثقة الشعوب من زمن بعيد.

يبدو كلام بترايوس كأنه تغيير استرتيجي بقرار اتخذه البيت الأبيض. لكن قراءة هادئة لما قال تؤكد أنه نوع من ممارسة الضغط على نتانياهو وحكومته، خصوصاً بعد التأكيدات المتكررة لأوباما وأركان حكمه أن أمن إسرائيل أولوية. وأن ما جمعه الله لا تفرقه مصالح ولا بشر ولا عرب.

ضغط لا يتوقع أن يكون أكثر من رد الاعتبار لبايدن وللإدارة المهانة. لذا ذهب نتانياهو إلى واشنطن مطمئناً إلى حضنها الدافئ. بعدما توصل معها إلى اتفاق على بناء المستوطنات من دون إعلان. وبعدما لبى بعض شروطها مثل تسهيل حركة الفلسطينيين عند الحواجز، والموافقة على المفاوضات غير المباشرة، شرط أن لا تطرح في المباشرة عودة اللاجئين أو التوسع في القدس أو العودة إلى حدود عام 1967 .

جندت واشطن كل قواها المحلية والدولية والعربية للضغط على إسرائيل. والحصيلة ان نتانياهو متمسك بالاستيطان في القدس «مثلما فعلت الحكومات الإسرائيلية السابقة» وكانت أميركا راضية، على ما قال، وأوباما الغاضب يستقبله ضيفاً كريماً في البيت الأبيض بعدما هدأت العاصفة وانتهى الاختلاف في وجهات النظر.

=========================

مشكلة الفلسطينيين مع المياه

الثلاثاء, 23 مارس 2010

سيريل تاونسند *

تدافع منظمة العفو الدولية عن حقوق الإنسان في أنحاء عالمنا المضطرب. فهي تسعى إلى معرفة الأماكن التي تغيب فيها العدالة ويفتقر فيها الأفراد إلى الحريات حتى تتدخّل. وكان بيتر بيننسون، مؤسس هذه المنظمة، يعتقد أن مكافحة الظلم تقوم على حشد حماسة الشعوب في كل البلدان لا سيما الشباب منهم.

لقد انضممتُ إلى فرع منظمة العفو الدولية في مدينة هونغ كونغ في الستينات. ولم تكن هذه المنظمة تحظى حينها باحترام كبير بل على العكس كانت تلاقي معارضة شديدة حتى أنني خشيتُ ألا يتنبهوا إلى عضويتي الجديدة.

تحظى المنظمة حالياً بمكانة دولية عالية. ويُطلب من السفراء وكبار المفوضين البريطانيين على مرّ السنوات زيارة فرع المنظمة في البلد الذي يعملون فيه والتحدّث إلى مدير الفرع الذي يراقب عن كثب ما يجرى في هذا البلد.

ولا تخلو حياة فريق عمل منظمة العفو الدولية من الصعوبات. فمعظم البلدان لا ترغب في أن تتمّ معالجة مشاكلها المتعلقة بحقوق الإنسان علناً وتسعى دوماً إلى تفادي الانتقادات الدولية. وقد دار نقاش داخلي حاد في أروقة منظمة العفو الدولية حول أفضل طريقة ممكنة للتعامل مع المعتقلين الذين أسيئت معاملتهم في معتقل غوانتانامو.

ولطالما اعتمدت منظمة العفو الدولية موقفاً واضحاً وحازماً تجاه المسألة الفلسطينية. إذ تعتبر مثلاً أن السلطات الإسرائيلية تفرض حصاراً على قطاع غزة على مدى أكثر من سنتين ما يعتبر خرقاً واضحاً لمعاهدة جنيف الرابعة.

وفي شباط (فبراير) الماضي، بعث فرع المنظمة في المملكة المتحدة رسالة إلى جميع الأعضاء ليلفت انتباههم إلى حرمان السلطات الإسرائيلية الفلسطينيين من المياه. ومن الواضح أن هذا الأمر مثير للجدل لكنه أساسي. كما يعتبر هذا الموضوع شائعاً منذ عقود عديدة علماً أن بعض الحكومات والمسؤولين فيها يميلون إلى غض النظر عنه.

إلا أن منظمة العفو الدولية لا تألو جهداً لوضع الإصبع على الجرح. فقد نشرت في مجلتها (عدد تشرين الثاني/ نوفمبر- كانون الأول/ ديسمبر الماضي) مقالاً بعنوان «سياسة حرق الأرض» جاء فيه ما يلي: «استهلاك المياه من قبل الفرد الفلسطيني هو أقل من المعايير الدولية المتعلقة بحماية الصحة العامة. ويؤثر النقص المزمن في المياه سلباً في وجوه الحياة الأساسية بما فيها النظافة والزراعة والصناعة وتربية المواشي.

ولا يكاد يصل الاستهلاك اليومي للفرد الفلسطيني إلى 70 ليتراً من المياه فيما يستهلك الفرد الإسرائيلي أربعة اضعاف ذلك. ويبدو التفاوت جلياً بين المجتمعات الفلسطينية والمستوطنات الإسرائيلية التي تحظى بأحواض للسباحة وحدائق ومزارع كبيرة مروية بمياه غزيرة. كما تفوق كمية المياه التي يستهلكها المستوطنون الإسرائيليون في أنحاء الضفة الغربية الكمية التي تستهلكها المجتمعات الفلسطينية المجاورة لهم ب 20 مرة».

ويشير المقال إلى أن «حوالى 200 ألف فلسطيني يعيشون في المناطق الريفية في الضفة الغربية لا يستطيعون الوصول إلى المياه الجارية. حتى أن صنابير المياه في القرى والمدن المتصلة بشبكة المياه جافة، ويتم شراء المياه بأسعار مرتفعة وتنقل بواسطة الصهاريج. وتصل المياه إلى الصنبور في مناطق عدة مرة واحدة في الأسبوع أو مرة كل بضعة أسابيع فيما تصل في مناطق أخرى مرة واحدة كل بضعة أشهر».

ويبدو الوضع أكثر سوءاً على صعد مختلفة. فالجيش الإسرائيلي هو من يقرر الطريق التي ينبغي على صهاريج المياه سلوكها لبلوغ القرى المعزولة، علماً أن هذه الطرقات قد تكون مغلقة أو محظوراً دخولها. وبحسب الفلسطينيين، قام الجنود الإسرائيليون بتدمير الأحواض الخاصة بجمع مياه الأمطار. وتلفت بعض التقارير إلى أن الأبراج المخصصة لتخزين المياه بالقرب من القرى الفلسطينية كانت تستخدم للتدرب على الرماية. كما تحدد إسرائيل التي استولت على حصة الفلسطينيين التاريخية من مياه نهر الأردن كمية المياه التي يمكنهم الحصول عليها وكمية مياه الأمطار والينابيع التي يمكنهم جمعها.

أما مشكلة المياه في قطاع غزة فأسوأ إذ أن 90 إلى 95 في المئة من إمدادات المياه غير صالحة للاستهلاك البشري. ولا يمكن نقل المياه من الضفة الغربية إلى قطاع غزة. كما يصب حوالى نصف كمية مياه الصرف الصحي في البحر الأبيض المتوسط من دون أن تتمّ معالجتها. وتمنع إسرائيل إدخال المعدات لبناء وإصلاح محطات معالجة مياه الصرف الصحي لقطاع غزة.

اعتبر أفيغدور ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي وزعيم الحزب اليميني المتشدد «إسرائيل بيتنا» أنه ينبغي استبعاد أي صفقة سلام دائمة مع الفلسطينيين للسنوات المقبلة، لافتاً إلى أنه «لم يتم التوصل بعد إلى حل شامل لعدد من النزاعات التي اعتاد الشعب على التعايش معها». ولا شك في أن ذلك يشمل حرمان الفلسطينيين من حصتهم العادلة من الموارد المائية.

ويعرف أفيغدور ليبرمان جيداً ما يحصل. فإسرائيل تقوم عمداً بالسعي إلى إخراج سكان القرى الفلسطينيين من الأرض التي عاشوا فيها على مدى قرون، ليس لبناء المزيد من المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية فحسب في الضفة الغربية بل لإخراجهم من الأراضي الفلسطينية وإبعادهم إلى الأردن والبلدان المجاورة. وستسمح هذه السياسة، التي تترافق مع رغبة اسرائيل بإقناع مصر بامتصاص قطاع غزة، بنشوء إسرائيل الكبرى على ما كان يعرف بفلسطين. وتعتبر منظمة العفو الدولية أنه حان الوقت كي يتحرك المجتمع الدولي للرد على ذلك.

* سياسي بريطاني ونائب سابق

=========================

مؤسسة القمة والعمل العربي

المستقبل - الثلاثاء 23 آذار 2010

العدد 3603 - رأي و فكر - صفحة 19

شمس الدين الكيلاني

مرّت الفكرة العربية، منذ نهاية القرن التاسع عشر إلى اليوم، على الصعيدين النظري والعملي، بثلاث مراحل، اتسمت المرحلة الأولى الإصلاحية بسيطرة النزعة الليبرالية الدستورية على فكر ممثليها في المشرق العربي، والذين كان جلّهم من أعضاء (الجمعيات العربية) كنجيب عازروي، وإلى جوارهم يقف الكواكبي، وانضم إليهم، بعد خضوع المشرق للاحتلالين البريطاني والفرنسي، رجال جدد أمثال الأمير شكيب أرسلان، والريحاني، وإدمون رباط، ومحمد كردعلي، فكانت الخطط تتجه بدعوتها إلى اتحاد فيدرالي بين دول دستورية ليبرالية، وهو ما ظهر جلياً في قرارات رجال الحركة العربية في مؤتمرهم بدمشق (المؤتمر الوطني السوري) عام 1920، وظهر جلياً، كذلك، في اقتراح أرسلان عام 1937، قيام اتحاد بين العراق والسعودية وسورية وفلسطين وشرقاً، وعبره يمكن استثارة مصر للانضمام إليه، وهي اقتراحات شبيهة بمشروع الريحاني (الاتحادي).

أثمرت جهود هؤلاء، فضلاً على تأثير المناخ، الفكري الوحدوي، الذي تركه منظّرو "الأيديولوجية القومية" العربية، وفي مقدمتهم ساطع الحصري، وقسطنطين زريق، والعلايلي، عن قيام الجامعة العربية في عام 1945، التي كانت أكثر اتساقاً مع المشاريع الاتحادية لهؤلاء الليبراليين، الذين مزجوا ما بين الليبرالية، والفكرة الدستورية، والصيغة الفيدرالية للوحدة، فكانت أقلّ من متطلبات الإيديولوجيون القوميون، وأصحاب الراديكاليات، على الرغم من أنها أسست إطاراً وحدوياً مفتوحاً على إمكانية تطوير مؤسساتها تبعاً لإرادة تلك الدول.

أما المرحلة الثانية والتي اتسمت بالراديكالية، حيث تحكّم أصحاب الأيديولوجيات (التقدمية) اليسارية باتجاهات السياسة العربية الرسمية والشعبية، على الأقل، ما بين عامي1956 و1970، والتي يمكن تسميتها "بالحقبة الناصرية" أو "الحقبة التقدمية"، تحولت فيها مصر بقيادة عبد الناصر إلى مركز للعمل الوحدوي، وقائدة له، فقد هيمن على توجهاتها نموذج (الدولة الأمة) الواحدة، أو الوحدة الاندماجية، التي يحتل فيها التقدميون موقع القيادة، بعد أن يضموا أقطارهم، عن طريق الانقلاب أو الثورة، الى القطر التقدمي المحوري، لا سيما مصر الناصرية (الإقليم القاعدة) من دون اكتراث بالأطر الدستورية الديموقراطية للدولة، طالما أن هؤلاء التقدميين قد أسقطوا الليبرالية والديموقراطية من أولوياتهم لحساب ما سموه الديموقراطية الاجتماعية، ودفعوا صيغة "الجامعة العربية" إلى خارج مرماهم الوحدوي، وحصروا دورها برعاية ما يسمى "التضامن العربي"، كحد أدنى للعمل الوحدوي.

لقد انتعش هذا المشروع الفكري تحت قيادة عبد الناصر، التي انجذبت إليها الكتلة الأساسية من الجمهور العربي، إثر "نكبة" عام 1948، وتدهور سمعة النظم الليبرالية، وانكشاف عجز (الجامعة العربية) عن مواجهة متطلبات المعركة، فلاح لسنوات وكأن العرب قد اقتربوا من تحقيق وحدتهم، التي تحولت إلى واقع فعلي بعد اتحاد سورية ومصر عام 1958، إلاّ أن انفصال سورية عام 1961، وصعود نظم عربية "تقدمية" منافسة لعبد الناصر بدلاً من أن تكون معاضدة له، ولا سيما سلطات البعث في سورية والعراق، قاد إلى استنزاف المشروع الوحدوي (التقدمي) برمته، وزاد من عمق التشرذم العربي، وذلك بإضافة محور جديد للصراع ادخل النظام العربي في مناخ (الحرب الباردة) العربية، المستعرة آنئذٍ، بين الأنظمة المحافظة، والأنظمة التقدمية، وهو ما شكل الوضعية التاريخية لهزيمة حزيران 1967، ولتراجع المشروع الوحدوي (التقدمي) برمته، لحساب شعار (وحدة الصف) لخدمة استراتيجية (إزالة آثار العدوان)، وبالتالي إلى استعادة الجامعة العربية لدورها في خدمة هذه الاستراتيجية.

المرحلة الثالثة، وهي التي ترافقت مع انكشاف استنفاد "النظام التقدمي" لطاقته، وتراجع شعبيته، وانهيار مفاهيمه العامة في البناء التنموي، أو الوحدوي، إذ أنه بعد أن دارت الأفكار دورتها، وتقدمت المسرح أفكار جديدة، واستُعيد الاعتبار فيها للمفاهيم قديمة، وفي مقدمتها مفاهيم الديموقراطية، ومؤسساتها، والنظم الدستورية، ودور الشعب والمشاركة، وازداد الانتباه أكثر فأكثر إلى دور الجامعة العربية ودور مؤتمرات القمة، كحاضنة لا بد منها للارتقاء بالعمل العربي (الوحدوي)، وإطار واقعي ومؤسسي متدرج لرعاية هذا العمل.

فبعد أن استخفّت الحقبة التقدمية طويلاً بالجامعة العربية، وغيبت دورها، لحساب طرائقها (الانقلابية) في الوحدة، يتأكد الآن أكثر فأكثر أهمية تفعيل مؤسساتها المختلفة لاستنهاض العمل العربي المشترك، مع التأكيد على حقيقة، أنه لا بديل عنها إذا أراد العرب فعلاً تطوير علاقاتهم في ما بينهم على طريق بناء تكتل عربي جماعي، يمكن أن يقودهم تدريجياً إلى شكل من الاتحاد، أو الوحدة، يأخذ في الاعتبار العمل المؤسسي، والتدرجي، وأن يدرك الجميع، بما فيهم أصحاب أيديولوجية القومية، أن ما لا تستطيع أن تقوم به الجامعة، ليس حجة عليها بل على أعضائها، وأن الجامعة بالنهاية تعكس ما يريده العرب، أو ما يقدرون عليه. لهذا فإن الارتقاء بعمل الجامعة يتعلق، على كل حال، بمدى ترسخ الحياة الديموقراطية في الأقطار العربية، وبقدرة الشعب على التأثير في مجريات الأحداث، وبمدى ابتعاد الزعامات العربية عن سياسة المحاور، وعن الادعاء بأنهم وحدهم ممثلون للأمة، ولعل في انتظام انعقاد مؤسسه القمة الأمة، وتعزيز المصالحة العربية، على قاعدة المساواة والاحترام المتبادل بأشخاصهم ودولهم، سيقود إلى وصل ما انقطع مع توجهات أصحاب الفكرة العربية الدستورية الديموقراطية الاتحادية.

=========================

دفعنا الثمن من استقلال القضاء

فهمي هويدي

السفير

23-3-2010

اذا قرأنا قرار تعيين المرأة قاضية من وجهة النظر النسوية فقد يبدو اننا كسبنا نقطة. اما اذا نظرنا اليه من زاوية المصلحة الوطنية التي يشكل استقلال القضاء ركيزة اساسية لها، فسوف نكتشف اننا خسرنا اكثر من نقطة.

 

1-

لقد التزمت الصمت إزاء الموضوع طوال الاسابيع الخمسة التي استغرقها هبوب العاصفة. وآثرت الانتظار حتى تقول المحكمة الدستورية كلمتها التي كان من اليسير على اي متابع لاتجاه الريح ومدرك للضغوط التي مورست، ان يتنبأ بما يمكن ان تخلص اليه. وهو امر مؤسف لا ريب، يتعين ادراجه ضمن سلبيات ما جرى. وكان دافعي الى العزوف عن الاشتراك في اللغط والصخب الذي ثار اقتناعى بأن القضية لم توضع في اطارها الصحيح، بحيث انزلقت في مدارج الغلط كل ما بني على الخطأ في الطرح. كما انني لا اخفي شعوراً بالدهشة ازاء الخلل الذي اصاب اولوياتنا ونحن نتعارك ونتراشق بسبب جلوس المرأة على منصة القضاء، في حين تتعلق ابصار العرب والمسلمين بما يجري في الارض المحتلة. آية ذلك انه في اليوم الذي احتل فيه قرار المحكمة الدستورية العليا بشأن الانتصار للمرأة القاضية العنوان الرئيسي لصحيفة «الاهرام» (يوم 3/15) كان الخبر التالي في الاهمية هو الاشتباكات الحاصلة في القدس، التي سجلتها صورة للشبان الفلسطينيين وهم يرشقون بالحجارة الجنود الاسرائيليين الذين كانوا يردون عليهم بزخات الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع.

ايا كان الامر، فالثابت ان ملف المرأة القاضية احتل حجماً اكبر مما ينبغي، التبس في ظله الامر على كثيرين، كما انه اغرى بعض المتحمسين بتحويله الى ساحة جديدة للاثارة والمزايدة. كما اتاح لآخرين من الناقدين والناقمين فرصة قمع معارضيهم في الرأي وتلويث سمعتهم. أما الذين حولوا المسألة الى اشتباك مع تعاليم الاسلام وتجريح لها فحدث عنهم ولا حرج، لان بعض مثقفينا اصبحوا ينتهزون كل فرصة لتجديد ذلك الاشتباك وتصعيده، مرة باسم الدفاع عن الدولة المدنية، ومرة باسم التصدي للاصولية والسلفية، ومرات باسم ما اعتبروه خلاصا من تأثير الخرافات والغيبيات وغير ذلك من مخلفات «عصور التخلف والانحطاط».

2-

نصيب مجلس الدولة من هذه السهام كان وفيرا، فقد صور بحسبانه منحازاً ضد المرأة، وكان اطلاق هذه الشائعة كفيلا بفتح باب التسابق على وضعه في قفص الاتهام، وإطلاق دعاوى محاكمته بتهم السلفية والاصولية. وكان ذلك امرا مثيرا للدهشة حقاً، ليس فقط لانه يعبر عن اصرار على مصادرة وجهة نظره في الموضوع، ولكن ايضا لان سجل المجلس يحفل بالمواقف التي تشرفه وتبيض صفحته وتجعله ابعد ما يكون عن تلك الشبهات. ذلك ان الذين اطلقوا تلك الاتهامات تجاهلوا ان المجلس هو الذي اجاز قانون الخُلع، وأبطل قرار وزير الداخلية الذي كان يشترط الا تسافر المرأة بغير اذن زوجها. وهو الذي قضى بألا تسجل في بطاقة هوية اي شخص ديانة غير ديانته الحقيقية. كما ان مجلس الدولة هو المؤسسة المدنية الوحيدة التي اختارت رئيسا قبطياً مرتين (هما المستشاران حنا ناشد ونبيل ميرهم). ولا ينسى ايضا ان مجلس الدولة هو الذي الغى قرار تصدير الغاز الى اسرائيل، وهو الذي قضى بعدم شرعية وجود «الحرس» في الجامعة.

الذي لا يقل اهمية عن كل ذلك ان القضاة ومجلس الدولة لم يتبنوا موقفا ضد تعيين المرأة قاضية. وإنما هناك اتفاق بين الاغلبية الساحقة على ان حق المرأة في ولاية القضاء تجيزه الشريعة الاسلامية، ولا يتعارض مع الدستور والقانون. وان مبرر البت في الامر ليس المرجعية الفقهية او القانونية، بل هو الظروف الاجتماعية والبيئية بالدرجة الاولى.

لقد ارتأى أعضاء الجمعية العمومية لمجلس الدولة تأجيل البت في الموضوع وعدم التسرع في إقراره، ليس لانهم يعترضون على المبدأ، ولكن لانهم يرون ان الامر يحتاج الى ترتيب يوفر ظروفاً مؤاتية لانجاح دخول المرأة في هذا المجال. ذلك ان الذين ينتمون الى الهيئة القضائية محكومون مثلا بقواعد في أداء عملهم، بعضها يتعلق بسنوات اداء خدمتهم في المحافظات المصرية المختلفة، الامر الذي يثير اكثر من سؤال حول وضع النساء في هذه الحالة، وهل سيخضعن لهذا النظام ام سيقتضي الامر استثناءهن منه، وتسكينهن مع اسرهن. وإذا خضعن لترتيبات التنقل بين المحافظات المختلفة، فهل سيتطلب ذلك تخصيص استراحات خاصة لهن كما هو الحاصل مع اعضاء الهيئة القضائية من الرجال. وإلى جانب ذلك فهناك الملاءمات المتعلقة باستقبال المتقاضين والمجتمع لهذه النقلة المفترضة. الى غير ذلك من التفاصيل يرى القضاة انها تحتاج الى روية وعدم التسرع في اتخاذ القرار.

القصة قديمة في ما يبدو لان ثمة قضية شهيرة اثير فيها هذا الموضوع قبل نصف قرن (في عام 1952)، حين رفعت احدى اوائل خريجات حقوق القاهرة (عائشة راتب الدكتورة والاستاذة والوزيرة لاحقاً) قضية امام مجلس الدولة مطالبة بحقها في التعيين في النيابة العامة، ولكن المجلس برئاسة المستشار السيد علي السيد، قضى بأن الظروف الاجتماعية والبيئية لا تسمح بذلك، وقرر انه لا يستند في ذلك الى الشريعة او الدستور، بل الى حق الجهة الادارية في مراعاة الظروف والملاءمات التي يعمل في ظلها الموظف.

3-

يرى المستشار احمد مكي نائب رئيس محكمة النقض ان ملف اشراك النساء في الهيئة القضائية تداخلت فيه عوامل عدة خارجية وداخلية شكلت عنصر ضغط في الموضوع. وقد سمعت منه، ان الموضوع أثير في اعقاب احداث 11 سبتمبر 2001، وأن وفدا من نادي القضاة اجرى حوارا حول الفكرة مع وزير العدل آنذاك المستشار فاروق سيف النصر رحمه الله، وقد سمع منهم الوزير ملاحظاتهم حول الموضوع، لكنه افهمهم ان ثمة ضغوطا دولية استدعت ذلك، مورست في اطار ما سمي آنذاك بالحرب على الارهاب. والملاحظ انه بعد هذا اللقاء تم تعيين السيدة تهانى الجبالي عضواً في المحكمة الدستورية العليا بمصر، كما تتابع تعيين الوزيرات في العديد من الدول العربية، والخليجية منها بوجه اخص.

ما حدث ايضا في الآونة الاخيرة تفوح منه رائحة الضغوط الداخلية، التي تمارس من قبل جهات عدة في مقدمتها المجلس القومي للمرأة. ذلك ان المجلس الخاص في مجلس الدولة الذي يضم اقدم ستة مستشارين اضافة الى الرئيس كان قد ناقش موضوع قبول طلبات تعيين النساء في اجتماع عقده يوم 18 كانون الثاني الماضي، وفي الاجتماع تم الاتفاق على عرض الموضوع علي الجمعية العمومية للمجلس التي كان موعد اجتماعها العادي في 15 فبراير للنظر في ترشيح النواب ووكلاء المجلس. في هذا الاجتماع الذي حضره 380 مستشارا فما فوق، ارتأى 87٪ من الاعضاء تأجيل البث في الموضوع، ولكن وزير العدل سارع في اليوم التالي مباشرة (16/2) الى ارسال خطاب الى رئيس الوزراء احمد نظيف ابلغه فيه بأن خلافاً وقع بين المجلس الخاص وبين الجمعية العمومية لمجلس الدولة حول تعيين النساء، ولم يكن خلاف في حقيقة الامر لان المجلس الخاص هو الذي قرر الرجوع الى الجمعية العمومية. يوم 17/2 طلب الدكتور نظيف من وزير العدل الاحتكام الى المحكمة الدستورية العليا في حسم الامر. وفي نفس اليوم (لاحظ السرعة) وجه الوزير رسالة الى رئيس المحكمة الدستورية بالمعنى المطلوب.

يوم 18/2 عُرض على هيئة المفوضين تقرير حول ما قيل انه «خلاف» بين المجلس الخاص والجمعية العمومية لمجلس الدولة. في 22/2 انعقد المجلس الخاص لمجلس الدولة وصوت 4 من اعضائه مع الارجاء، وصوت 3 لصالح الاستمرار في قبول طلبات التعيين. ولكن ضغوطا مورست بعد ذلك ادت الى تغيير المواقف، بحيث اصبح اربعة يؤيدون تعيين النساء وثلاثة صوتوا لصالح الارجاء.

استشعر مستشارو مجلس الدولة ان هناك اتجاهاً لتحدي ارادتهم، فتداعوا الى جمعية عمومية في 10/3 حضرها 319 مستشارا صوت 317 منهم لصالح الارجاء، ورفضه اثنان فقط، احدهما زوج ابنة رئيس مجلس الدولة. وفي مساء اليوم ذاته (10/3) دعا نادي القضاة الى جمعية عمومية حضرها 944 قاضياً، صوت 934 منهم لصالح الارجاء. ولكن المحكمة الدستورية اصدرت قرارها في 14/3، الذي تبنى موقفاً مناقضاً للرأي الذي اجمع عليه القضاة، وقرر الاستمرار في تلقي طلبات تعيين النساء، بناء على موافقة المجلس الخاص بمجلس الدولة.

4-

الوقائع المتتالية اكدت ان هناك رغبة عليا لاقرار التعيين، رغم تحفظات القاعدة العريضة من القضاة، وذلك ما يفسر مسارعة وزير العدل الى ابلاغ رئيس الحكومة بخلاف لم يكن صحيحاً بين المجلس الخاص والجمعية العمومية. ومسارعة رئيس الحكومة بالرد، والركض بعد ذلك نحو المحكمة الدستورية للاستجابة للرغبة العليا. بموازاة ذلك تلاحقت فصول الحملة الاهلية للاحتجاج على الجمعية العمومية لمجلس الدولة، التي قادتها وزيرة القوى العاملة من ناحية، وامينات المرأة في الحزب الوطني في القاهرة والاسكندرية ومحافظات اخرى من ناحية ثانية. وكانت تلك بادرة طريفة لانها المرة الاولى التي تحرك فيها الحكومة والحزب الوطني حملة احتجاج. بالتوازي مع ذلك اطلقت الاقلام والابواق الاعلامية في حملة تشهير بمجلس الدولة والقضاة واتهمتهم بالرجعية والظلامية. وكانت النتيجة ان العملية مثلت عدوانا صارخاً على استقلال القضاة وحقهم في تنظيم اوضاع مرفق العدالة، شارك فيه وزير العدل ورئيس الحكومة، الذي استغرب القضاة تدخله المباشر في الموضوع. وكان واضحاً ان السلطة التنفيذية اتخذت موقف التحدي لارادة القضاة. كما اسفر المشهد عن الايقاع بين المحكمة الدستورية وبين جماهير القضاة، ناهيك عن الاضرار الادبية التي ترتبت على حملة التجريح والتشويه الاعلامية التي اهانت القضاة وحطت من قدرهم.

ليس لدى اي تحفظ على تعيين المرأة في القضاء، ولكن اعتراضي الاساسي ينصب على الاسلوب الذي اتبع والثمن الذي دفع لقاء ذلك. ذلك انني تمنيت ان يعتمد ذلك الاسلوب على الحوار وليس الاملاء. ولا اعرف لماذا لم يسأل القضاة مثلا: اذا كنتم تعتبرون ان الظروف غير مؤاتية لتعيين النساء في الهيئة القضائية، فكيف يمكن التغلب على تلك الظروف، وما هو الاجل الذي يستغرقه ذلك؟

ورغم اننا اعتدنا مكرهين على الاملاء في مجالات عدة، الا انه حين يؤدي الى العدوان على استقلال السلطة القضائية، فانه يصبح خطراً ينبغي درؤه، لانه يفتح الباب للتلاعب بالحقوق وبالعدالة التي هي صمام الامان في تحقيق السلم الاهلي. وهي المعركة التي يخوضها القضاة منذ عقدين على الاقل، مؤيدين في ذلك بالجماعة الوطنية في مصر. ان شئت فقل انها كارثة ان يتم الضغط والعدوان على استقلال القضاء من جانب اي سلطة او طرف في الداخل. اما ام الكوارث حقا فهي ان يكون العدوان استجابة لضغط خارجي.

ان الغيرة على استقلال القضاء والقلق على التدخل في شؤونه سحبا بعضاً من رصيد الحفاوة بتقرير حق المرأة في اعتلاء منصة القضاء، الامر الذي يعيد الى اذهاننا الخبر المأثور عن نجاح العملية، ووفاة المريض.

=========================

مقاطعة قمة طرابلس الغرب؟

علي حماده

النهار

23-3-2010

لندخل في الموضوع مباشرة وبلا مواربة: ثمة قمة عربية بعد أيام ستعقد في العاصمة الليبية طرابلس الغرب، وثمة قضية مطروحة تتعلق بمشاركة لبنان او عدمها للمرة الاولى منذ تأسيس الجامعة العربية ومؤسسة القمم العربية. فثمة مشكلة عالقة بين لبنان وليبيا مرتبطة بمصير الامام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين الذين اختفوا في ليبيا قبل اكثر من ثلاثين عاما. وحتى اليوم لم يكشف النقاب عما حل بالامام الصدر ورفيقيه، مع العلم ان جميع التقديرات والمعلومات التي تراكمت على مدى ثلاثة عقود من مصادر ديبلومامسية واستخبارية عربية او دولية تشير الى ان الثلاثة جرت تصفيتهم في ليبيا، وخصوصا انه جرى التحقق من انهم لم يصلوا الى ايطاليا كما زعمت السلطات الليبية. وأغلب الظن انه جرت تصفية الامام ورفيقيه وسط صمت عربي مريب، وفي ظل سباق على المرجعية بين مراكز قوى في ايران في الايام الاولى للثورة الاسلامية. وحالت أوضاع لبنان الذي كان يمر بحرب اهلية اقليمية ودولية على ارضه دون فتح القضية كما كان ينبغي. وفي مرحلة معينة كانت ليبيا تمول بطريقة غير مباشرة قوى وشخصيات كان يفترض فيها ان تخوض معركة "الكشف عن مصير الصدر وفيقيه" بجدية اكبر تتجاوز الاطار الاعلامي. وربما جاء يوم ينفضح فيه التواطؤ العربي والجبن اللبناني في التعامل مع قضية بخطورة خطف رجل بحجم الامام موسى الصدر الذي يمثل اليوم اكثر من اي وقت مضى من خلال مسيرته وتعاليمه وثقافته الصورة التي ينبغي ان تكونها القيادات المهيمنة على القرار الشيعي ولا سيما تلك المتمترسة خلف عباءة الدين.

المهم هنا ان بين لبنان وليبيا قضية عالقة كبرى. وحتى اليوم ثمة أجوبة لم يتلقها لبنان بشأن حقيقة ما جرى للصدر ورفيقيه. وحان الوقت لكي تتحمل ليبيا مسؤولياتها في هذه القضية وتكشف ما حصل حقيقة، فالقضية تحتاج الى ان تغلق نهائيا، ولا تبقى دماء موسى الصدر ورفيقيه جدارا لا يمكن اجتيازه بين البلدين. وعندما نقول البلدين فلاننا نعتبر ان قضية الصدر لبنانية وتهم كل اللبنانيين، فلا يجوز حشرها في اطار حركة "أمل" و"حزب الله". فإرث موسى الصدر لبناني اولا قبل ان يكون شيعيا او حزبيا.

الحقيقة ان قضية كقضية الصدر كانت تستأهل لجنة تحقيق دولية، مثل قضية اغتيال كمال جنبلاط فلربما ما تمادت آلات القتل من هنا وهناك في استباحة الدماء اللبنانية لو كان ثمة من يلاحق ويحاسب. من هنا أهمية التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وسائر شهداء الاستقلال الثاني. فمن هذه الزاوية يكون احقاق العدالة في قضية الحريري تعويضا وان جزئيا للتقصير الذي حصل في السابق في قضايا ممثلة.

ما من أحد يساوره أدنى شك في ان الامام الصدر ورفيقيه تعرضوا للتصفية الجسدية. وفي هذا الاطار لا يجوز ان يقبل لبناني واحد ابقاء الموضوع أسير التساهل وغض الطرف عنه. فالمطلوب مبادرة ليبية شجاعة، وفي الانتظار على اللبنانيين جميعا ان يتفقوا على افضل وسيلة للتذكير بقضية الصدر ان عبر المقاطعة الشاملة او بالمشاركة الهزيلة كرسالة للجهة المضيفة مفادها ان ثمة دماء عالقة بين البلدين.

ان قضية الصدر هي صنو قضية رفيق الحريري. فلنتعامل معها كما يجب، وليلاق لبنان رفيق الحريري وسائر شهداء الاستقلال الثاني لبنان موسى الصدر، لأن العدالة لا تتجزأ كما هي الجرائم الارهابية! هذا ما نتوقعه في قضية موسى الصدر اليوم، وهذا ما نتوقعه في قضية رفيق الحريري غدا.

=========================

حتى لا تتكرر تجربة كلينتون

علي إبراهيم

الشرق الاوسط

23-3-2010

لا بد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو, وكذلك كبار مساعدي الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي شاركوا في إدارة سلفه الديمقراطي كلينتون، يتذكرون المعركة التي جرت بين الجانبين في التسعينات عندما نجح كلينتون في إقصاء نتنياهو بالتوجه إلى الرأي العام الإسرائيلي مباشرة.

بعدها سار بيل كلينتون في طريق طويل من المفاوضات الماراثونية, وصلت ذروتها بمفاوضات كامب ديفيد بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها إيهود باراك التي ارتفعت معها الآمال باتفاق وشيك ثم فجأة انفضّ المولد, وتبادلت الأطراف الاتهامات ثم تفجرت الانتفاضة الثانية التي أخذت شكلا مسلحا, ومن وقتها لم يحدث تقدم حقيقي في عملية السلام, وعلى العكس تهدمت أو قُلّصت مؤسسات السلطة, وانتهى الوضع على ما هو عليه اليوم.. حماس في غزة والسلطة في رام الله, والاستيطان يتزايد, والحقوق الفلسطينية تتراجع.

وخلق ذلك جوا من اليأس والإحباط تظهره استطلاعات الرأي, فالفلسطينيون لا يثقون في أن حل الدولتين سيتحقق في المستقبل المنظور, كما لا يثقون بنيات إسرائيل وحكوماتها, ورؤيتهم للمستقبل متشائمة وكذلك الرأي العام الإسرائيلي الذي ضعف وسطه تيار السلام, وأصبحت وجهات النظر اليمينية لها اليد العليا، ويظهر ذلك في القضية المتفجرة وهي الاستيطان.

في هذه الأجواء السلبية تأتي جهود إدارة أوباما للوصول إلى السلام في الشرق الأوسط, وهي جهود تأخرت دون أي مبادرات مثمرة في العام الأول للإدارة، ثم عندما بدأت تأخذ زخما أخيرا اصطدمت بالموقف الإسرائيلي من قضية الاستيطان في القدس الشرقية التي أحرجت نائب الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل بما فجر الأزمة الحالية في العلاقات بين إسرائيل وواشنطن, واضطُرّ نتنياهو بعد توبيخ أميركي علني إلى الاعتذار والتراجع في بعض النقاط مع استمرار تمسكه بقضية الاستيطان التي تبدو حيوية بالنسبة إلى تماسك ائتلافه الحكومي.

وبدا أمس من خلال حديث وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أمام أقوى لوبي لإسرائيل في واشنطن (إيباك) أن الضغط مستمر على نتنياهو من خلال تجديدها الدعوة لإسرائيل لاتخاذ قرارات صعبة وانتقادها مجددا الاستيطان في القدس الشرقية, وهي الرسالة المتوقع أن يسمعها نتنياهو مرة أخرى خلال لقائه أوباما اليوم.

ومن الصعب التخمين أو التنبؤ بالكيفية التي ستنتهي بها هذه الأزمة، فالشرق الأوسط منطقة رمال متحركة, وفي كثير من الأحيان تكون هناك مفاجآت, أو يقدم الجانب العربي أو الفلسطيني ما يخدم الحجة الإسرائيلية بأعمال فيها تهور وعدم حصافة.

لكن تبدو السلطة الفلسطينية هذه المرة قد استفادت من الدرس، فهي حتى الآن, ورغم تسجيل موقفها من الاستيطان، ما زالت ملتزمة بالمفاوضات غير المباشرة خصوصا بعد رسالة التوضيحات الإسرائيلية لواشنطن التي نقلها المبعوث الأميركي جورج ميتشل للسلطة أمس.

والمهم في الفترة المقبلة هو عدم ارتكاب الأخطاء أو تقديم الذرائع للتهرب الإسرائيلي من المفاوضات, والبناء على الزخم والحركة الدبلوماسية الجارية, والتعهدات الأميركية, بما يخلق قوة دفع ذاتية للمفاوضات والسلام وصولا إلى حل نهائي. فقد ضاعت قبل ذلك فرصة الحل في زمن كلينتون وكانت الخسائر كبيرة، وسيكون ثمن إضاعتها في عهد أوباما أكبر, وقد لا تتكرر الفرصة بعدها.

====================

الحلفاء الذين يرفضون العقوبات على إيران ينبغي عليهم أن يدفعوا الثمن

الضغط على لولا

بقلم جيمس بيه روبن*

نيوز ويك

23-3-2010

الكل توقع من روسيا والصين أن تقاوما الجهود الهادفة إلى فرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي. ولكن أمريكا تواجه في الأمم المتحدة معارضة للقيام بذلك من أصدقاء مثل تركيا والبرازيل أيضا.

ويأتي هذا المأزق المثير للإحباط وسط سلسلة من التحديات للزعامة الأمريكية. فحتى نهاية الأسبوع الماضي واصلت الحكومة الإسرائيلية مقاومة المطالب الأمريكية بإلغاء الإعلان عن خطط لبناء وحدات سكنية يهودية جديدة في شرق القدس. والعلاقات الأمريكية الصينية تمر هي الأخرى بفترة جديدة من التوتر، فيما تدافع بكين عن عملتها الزائدة القيمة أكثر من اللازم وتواصل حملتها القمعية ضد الناشطين المدافعين عن الديموقراطية وتواصل انتقاد مبيعات الأسلحة الأمريكية لتايوان. مفاوضات التغير المناخي تراوح مكانها بعد انهيارها في قمة كوبنهاغن. ومحادثات التجارة العالمية شطبت من الأجندة الدولية بالكامل. بل إنه لم يتم التوصل حتى إلى اتفاق حول معاهدة بسيطة لضبط الأسلحة مع روسيا، للحلول محل معاهدة ضبط الأسلحة الاستراتيجية التي انتهى مفعولها أخيرا، وذلك على الرغم من "إعادة إطلاق" العلاقات الأمريكية الروسية.

والآن تواجه إدارة أوباما جعل حليف في الناتو (تركيا) ودولة ديموقراطية في أمريكا اللاتينية (البرازيل) يعملان على المساعدة على منع إيران من حيازة سلاح نووي. لا ينبغي أن يكون هذا أمرا صعبا جدا. فقد أوضحت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أحدث تقرير لها أن طهران مازالت ترفض تعليق برامج التخصيب النووي لديها كما تطالبها بذلك قرارات سابقة للأمم المتحدة، كما أن الوكالة تشير في تقريرها إلى أن هناك أسبابا كبيرة تدعوها إلى الاعتقاد أن برنامج إيران يهدف إلى بناء سلاح نووي. إن على دول مثل تركيا والبرازيل اللتين لهما مصالح هائلة في استقرار النظام الدولي أن تردا حين تصدر وكالة دولية كهذه مثل هذا التقرير.

جزء من المشكلة هو أن الجميع يعترفون بأن القيادة الحالية في إيران لا يحتمل أن تستسلم نتيجة للقيود التي ستفرض على أنشطة الشحن والتأمين والسفر الخاصة بها. ولما كانت الاحتمالات بعيدة بأن تبادر إدارة أوباما إلى خوض حرب أخرى في هذه المنطقة الهشة أصلا، فإن بمقدور واشنطن أن تجادل بأن العقوبات هي بديل أفضل من هجوم عسكري إسرائيلي [على إيران]، ويجب على إيران على أي حال أن تدفع ثمن عدم تقيدها بالقرارات الدولية.

وجزء آخر من المشكلة يتعلق بالانطباع الخاص بالقوة والنفوذ الأمريكيين الآن. إن تغيير الرئيس أوباما لسياسات عهد سلفه بوش بشأن الاحتباس الحراري العالمي، وغوانتانامو والقانون الدولي ساعد على استعادة الاحترام المفقود للولايات المتحدة. وفي زيارة إلى البرازيل في نوفمبر الماضي، ادعى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بأن الولايات المتحدة تمارس التمييز ضد الدول الصغيرة التي تحاول استعمال التقنية النووية للأغراض السلمية» وأعرب الرئيس البرازيلي لويس أناسيو لولا داسيلفا عن مشاعر مشابهة خلال زيارته لإسرائيل الأسبوع الماضي.

الصين عارضت العقوبات تاريخيا في معظم المواقف وهي تمر الآن بمرحلة من الاعتماد المتنامي على النفط والغاز الإيراني. وبينما بدت روسيا أكثر استعدادا للتعاون أخيرا، فإنها هي الأخرى باتت تشعر بالتعب إزاء استعمال العقوبات الاقتصادية كأداة من أدوات الدبلوماسية الدولية وتقول إنها ستنجز قريبا بناء مفاعل للطاقة النووية في إيران. ويبدو أن بكين وموسكو غير مستعدتين لتقديم الكثير من العون للإدارة الجديدة وربما أنهما تقومان بامتحان عزم وتصميم الرئيس أوباما.

إن هذه فرصة لعرض القوة والتصميم الدبلوماسيين الأمريكيين. إن زعيما منتخبا ديموقراطيا ويحظى بالإعجاب مثل الرئيس البرازيلي لولا له الحق في اختيار أصدقائه واتباع سياسة بلاده الخاصة بالطاقة من دون تدخل من جانب الولايات المتحدة. ولكن البرازيل تطمح إلى لعب دور أكبر في الشؤون الدولية. فنتيجة لديناميكيتها السياسية وحجمها ونجاحها الاقتصادي، فهي تريد أن تنضم إلى أكثر الأندية نخبوية في العالم: تريد مقعدا دائما في مجلس الأمن الدولي. وعليه فإن لم يكن المنطق البسيط قادرا على ضمان الدعم البرازيلي (فإيران تنتهك القواعد الدولية» ويجب أن تكون عرضة للمحاسبة)، فإنه ينبغي والحال هذه على الولايات المتحدة أن توضح بأنها ستأخذ موقف البرازيل إزاء قضية البرنامج النووي الإيراني في الاعتبار في تقريرها ما إذا كانت ستؤيد الرغبة البرازيلية في العضوية الدائمة في مجلس الأمن.

إن النظام الجيوسياسي الجديد يتسم بصعود قوة واستقلالية دول وسيطة مثل البرازيل والهند وجنوب أفريقيا وإندونيسيا. وهي دول تقول كلها إنها تريد نظاما دوليا قائما على القواعد والأنظمة. هذا أمر معقول. ولكن إذا كانت دول كالبرازيل تريد أن تلعب دورا أكبر أهمية، فإن عليها أن تتحمل مسؤولية صيانة هذه القواعد والأنظمة. فحين تعلن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران تنتهك هذه القواعد والأنظمة، فإن على الدول المسؤولة أن ترد وتعاقب الدول التي تخترق هذه القوانين.

النوايا الحسنة والاحترام ليس دائما كافيين. ففي بعض الأحيان ينبغي أن تفهم حتى الدول الصديقة أنها ستدفع ثمن تحديها للولايات المتحدة. والأرجح أن هذا النهج سينجح. وبقية العالم ستلاحظ ذلك. ربما لا يؤدي هذا إلى حل الأحجية الإيرانية، ولكنه على الأقل سيمثل بداية.

*روبن هو أستاذ مساعد للشؤون الدولية في جامعة كولومبيا. وكان مساعدا لوزير الخارجية في عهد الرئيس كلنتون.

=========================

المشهد الختامي لمسرحية التوتر الأمريكي "الإسرائيلي"

طارق حمود

القدس العربي 3/22/2010

أسدل الرئيس الأمريكي 'باراك أوباما' الستار على مسرحية التوتر في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بمقابلة أجرتها معه قناة 'فوكس نيوز' الأمريكية، وقال أوباما: علاقتنا بإسرائيل لن تتأثر بشيء، وأمن إسرائيل شيء مقدس، وأن الأصدقاء يختلفون!، لكن أوباما الذي استخدم تعبير القداسة عن أمن إسرائيل متقدماً بذلك على سلفه بوش في هذا التعبير لم يشر إلى أن الأصدقاء يختلفون وفي النهاية يهين أحدهم الآخر وتعود المياه إلى مجاريها!، هنا المفارقة في كلام أوباما فإشارته للمبدأ وتعميم المبدأ على التفاصيل هو هروب من واقع الإهانات المتكررة له ولإدارته من قبل حكومة نتنياهو، وكلام أوباما يأتي عقب أيام معدودة على صفع نائبه بايدن وما يمثل من إدارة من خلفه حين زار 'إسرائيل' التي أعلنت بوجوده عن بناء 1600 وحدة استيطانية وأخفت بناء أكثر من 400 وحدة استيطانية أخرى. بهذا المشهد الأوبامي المستحق لجائزة نوبل للسلام وفي الوقت الذي تمارس فيه سلطات الاحتلال أوقح ممارساتها المخالفة للرأي العام والنداءات الدولية في مدينة القدس، يثبت أوباما للعالم صدق المشككين بخطابه الموجه للعالم الإسلامي في القاهرة قبل أقل من عام، ويثبت معها للجميع أن الاحتفاء بإوباما في عالمنا العربي والإسلامي هو من قبيل (الهبل السياسي) وعدم الإدراك لطبيعة العلاقة العضوية بين 'إسرائيل' وحاضنة مشروعها الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، وهو إثبات جديد أن كل من شكك في أوباما قبل وحين وبعد تسلمه لمفاتيح البيت الأبيض يفوق الكثير من الزعماء والملوك في إدراكه السياسي و وعيه العميق وهذا من قبيل حسن الظن بالزعماء، أما سوء الظن فهو أن نعتبر هؤلاء ممن يفهم طبيعة هذه العلاقة العضوية بين 'إسرائيل' وأمريكا ومع ذلك يتصرف بخلاف ما يدرك، اليوم يعيش الوضع العربي والإسلامي مرحلة سياسية لا تتسم بالاستقرار، وموقف أقل ما يقال فيه أنه ضعيف، بمقابل موقف إسرائيلي وضع اعتبارات مشروعه الداخلي الاستيطاني المعارَض دولياً كأولوية ممارساً بذلك الاستهزاء العملي بموقف الجامعة العربية التي أعطت غطاء لمفاوضات غير مباشرة بين السلطة و'إسرائيل'، ومن الطبيعي في ظل فقدان خيارات الرد على هذا التعنت والصلف أن يكون موقف أكبر دولة في العالم بعيداً عن موقف الضعفاء، فمشكلتنا أننا لا زلنا نتعامل بمنطق القبيلة وعلاقاتها مع القبائل الأخرى، علاقات قائمة على حسن الظن، وتقديم المواقف المجانية لإحراج كرم وشهامة الآخرين، هذا المنطق لم يعد موجوداً إلا في مسلسلات الدراما الأردنية (البدوية)، ولا يمكن أن تكون هذه المفاهيم أساساً سليماً للعلاقات الدولية في عالم تحكمه مفاهيم القوة التي تتحول لمفاهيم عدالة وحكمة متى شاءت وأين شاءت لأنها القوة والقوة فقط. منذ سنوات طويلة ونحن نسمع ذات الكلام مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية، وفي كل مرة تفاضل شعوب العالم الثالث ما بين الديمقراطي والجمهوري على أساس من كان الحاكم السابق؟ فإذا كان جمهورياً فلا شك أن رئيساً ديمقراطياً سيغيّر، والعكس صحيح، وفي كل مرة يفشل الرهان ونخرج بنفس النتيجة المؤلمة، وستبقى هذه النتائج تتكرر طالما أن الفهم السياسي لدينا يقصر فهم صناعة الأحداث بناء على الشخص، وإسقاط الحالة السياسية العربية والإسلامية على كل ما هو سياسي في العالم.

قبل أربع سنوات تقريباً وفي وقت لم يكن أحد في عالمنا العربي الإسلامي وربما في الولايات المتحدة نفسها قد سمع باسم 'أوباما' قرأت تقريراً تحليلياً لم أستطع توثيق مصدره حتى اليوم، يتحدث عن أن الرئيس الأمريكي الذي سيلي بوش الابن يجب أن يكون 'أسود' لأن الولايات المتحدة ستكون قد دخلت عتبة المرحلة التي تركز فيها اهتمامها خصوصاً الاقتصادي في القارة السمراء، لم يكن هذا الكلام ذا أهمية في ذلك الوقت، لكنه اليوم يجب أن يشكل نقطة تحول في فهم كيف يُصنع صانع القرار الأمريكي؟ وعلى أي أساس؟ وعبثاً حاولت استعادة ذلك التقرير ومحاولة البحث عنه أو عن مصدره، وبغض النظر عن التقرير وما جاء فيه في فترة سبقت مجيء أوباما إلى الحكم بسنوات، لكن الشاهد في الموضوع ليس الاستخدام الوظيفي لبشرة 'أوباما' الداكنة، ولكن الشاهد أن تراتبية الدورة القيادية في الولايات المتحدة إن (صح التعبير) لا تأتي وفق مساق طبيعي وبسيط كما نتخيل، فمستقبل الولايات المتحدة لا يصنعه الناخبون، بل تصنعه مراكز أبحاث وتخطيط متخصصة ومحترفة، ترسم كيفية توجيه الناخب الأمريكي قبل رسم خارطة مرشحيه، وكنا نتوهم أن لعبة اللوبي الصهيوني الضاغط في الولايات المتحدة هي لعبة الناخبين اليهود ولمن يصوتون، ولكن اليوم يجب أن ندرك أن لعبة هذا اللوبي هي لعبة مراكز البحث والتخطيط ودوائرها الأمريكية، وأبسط مثال على ذلك أن الكونغرس وهو أعلى هيئة تشريعية في الولايات المتحدة الأمريكية، من الطبيعي أن يقوم بتحديد سياسيات هذه المراكز، ومعروف لدى الجميع أن الكونغرس يعد لعبة (الإيباك) الذي يمثل أقوى مكونات اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، بل أكثر من ذلك حقيقة أن أعداد المسلمين والعرب في الولايات المتحدة تفوق أعداد اليهود ولكن دون جدوى انتخابية، بل أن اليهود من غير الضروري أن يكونوا ناخبين لمرشح واحد في الولايات المتحدة، وكل هذا دون التقليل من أهمية هذا العامل المتمثل بقوة تنظيم الناخبين اليهود.

أمام هذا المشهد سيكون من العبث المراهنة على أزمة دولية بين أمريكا و'إسرائيل'، أو بين أوروبا و'إسرائيل'، فالعلاقة بين هذه الأطراف أقوى من أن يحول مسارها استخدام جوازات سفر، أو بطاقات ائتمانية بشكل غير مشروع، فالحديث سيتم في نهاية المطاف أن الهدف كان شخصية إرهابية لتنظيم إرهابي في لوائح أوروبا وأمريكا، ومع انتهاء الضجيج الإعلامي ستكون القضية قد طوتها الأدراج، لنسجل مشهداً آخر على طبيعة العلاقة الغربية 'بإسرائيل' وطبيعة تفكيرنا.

=======================

النضال الإسلامي اللاعنفي

ممثّلا بمؤسسة "الأقصى للوقف والتراث وإعمار المقدّسات الإسلامية في فلسطين"

محاضرة الدكتورة إبتسام إبراهيم

(أستاذة مادة العلوم الإجتماعية في الجامعة الأميركية بواشنطن)

في ندوة "مركز الحوار العربي" في واشنطن، بتاريخ 17 مارس/آذار 2010

حول: "المقاومة اللاعنفية لدى الحركة الإسلامية في الأراضي الفلسطينية"

مقدّمة

منذ أوائل التسعينات، بدأت السلطات الإسرائيلية بسياسة تضيق للخناق على القدس الشرقية تشمل توسيع مسطح حدود البلدية، فرض ضرائب متعددة ومتنوعة على السكان الفلسطينيين، خاصة ما يعرف بضريبة الأرنونا، أي ضريبة البلدية، وجعل حصول السكان الفلسطينيين على تأشيرة للسماح لهم ببناء أو ترميم منازلهم ليس فقط مستبعدا بل مستحيلا. وتهدف هذه العوائق الى تفريغ مدينة القدس من سكانها العرب وتشجيعهم على الهجرة خارج القدس الشرقية. وبدت سياسة الخناق بأنّها تُصعّب على السكان العرب منذ بداية انفجار انتفاضة الأقصى. بينما في الواقع بدأت سياسة شد الحصار على مدينة القدس منذ عام 1993 عندما أصبح ممنوعا على سكان المناطق المجاورة للمدينة وعلى سكان الضفة الغربية وغزة الوصول للمدينة ممّا أسفر عن إغلاق حوالي 50% من المحلات التجارية في المدينة.

 

كما أن جدار الفصل العنصري الذي أقامته إسرائيل في الاراضي الفلسطينية لأسباب أمنية زاد بشكل سافر المتاعب وأثقل على حياة السكان العرب المقدسيين وضعضع اقتصاد المدينة أكثر مما كان عليه، وعزلها عن بقية المناطق الفلسطينية أكثر مما كانت عزلتها عليه سابقا. أما من بقي عليه التمكّن من الوصول للقدس من دون عائق فهم فلسطينيو الداخل أي فلسطينيو مناطق ال-1948، أي من هم من السكان المعروفين بمواطني دولة إسرائيل.

 

هذه الورقة تناقش ظاهرة الزيارات اليومية لفلسطينيي الداخل للقدس والمسجد الأقصى والتي تقوم بتنظيمها مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية والتراث والتي تديرها الحركة الإسلامية في منطقة ال-1948، وكيف أن هذه الرحلات والتي أخذت وما تزال طابعا دينيا متمثلة بعمل فرض ديني ولكنها تهدف بالوقت نفسه لتثبيت الهوية العربية لمدينة القدس، وتعبيرا عن رفض السياسة الإسرائيلية التي تهدف الى محو الطابع العربي لمدينة القدس وتفريغها من سكانها العرب وتحويلها، خاصة البلدة القديمة، مرتعا لليهود.

 

لكي نستطيع أن نتعرف على أهمية الدور النشط لمؤسسة الأقصى للوقف والتراث الإسلامي ومن أجل إعمار المقدسات الإسلامية وتثبيت الهوية العربية لمدينة القدس ودعم اقتصادها، سأقدم مقتطفاً يوضّح الأسس التي قامت عليها مؤسسة الأقصى ودورها كظاهرة سياسية تناضل ضد السيطرة الإسرائيلية للمواقع والأماكن المقدسة الإسلامية وحتى المسيحية في داخل إسرائيل وفي القدس العربية. ولكن سأضطر قبل ذلك أن أعطي فكرة عن دور الحركة الإسلامية في منطقة فلسطين ال48.

 

مؤسسة الأقصى والحركة الإسلامية في إسرائيل

تختلف الحركة الإسلامية في منطقة ال1948 عن بقية الحركات الإسلامية في فلسطين وفي العالم العربي، وبالتحديد تختلف بوسائل نضالها عن حركة حماس والجهاد الاسلامي في المناطق الفلسطينية المحتلة، وذلك لأن وضع فلسطينيي الداخل، حسب تصريحات قيادييها، يختلف بشكل جذري عن الوضع العربي ككل وعن المناطق المحتلة بالأخص. ولذلك، فإن اهتمام ونشاطات الحركة الإسلامية في إسرائيل ما هو الا عبارة عن ميكانيكية بديلة لدعم الأقلية الفلسطينية في إسرائيل. وبما أنها مؤسسة غير حكومية مُصرّح لها فمعظم جهود الحركة ترتكز في تعزيز  الطابع الإسلامي لمسلمي الداخل الفلسطيني من خلال إقامة مشاريع تطويرية مختلفة تشمل مشاريع اقتصادية، تعليمية، دينية، اجتماعية، ومؤسسات خدماتية إنسانية. ولقد حدّد الشيخ كمال خطيب مهمّة الحركة الإسلامية لفلسطينيي ال 1948 في إحدى المقابلات معه قائلا: "ليس مهمة الحركة الإسلامية في البلاد أن تتحمّل مسؤولية العالم الإسلامي أجمع بل مسؤولية حركتنا تصب في حفظ النسل والنفس والأرض والدين والعقل والمال ودفع المظالم النازلة علينا كمسلمين في هذه البلاد ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وفي هذه الأثناء تصبح مهمة الحفاظ على مقدساتنا وعلى رأسها المسجد الأقصى من ضمن مسائل حفظ الدين كعلامات دالة عليه وذلك بما نملك من وسائل وآليات وإمكانيات وقدرات." (أجرت المقابلة وكالة قدس نت، 2004).

 

وماذا تقصد الحركة الإسلامية بموضوع الميكانيكية البديلة لدعم الأقلية الفلسطينية في إسرائيل؟ المقصود هنا هو مبدأ مشروع المجتمع العصامي والذي حدّده قياديو الحركة بأنه عبارة عن فكر ومشروع يعبّر عن رفض الحركة الإسلامية للخيارات السياسية المطروحة، مثل خيار جعل إسرائيل "دولة كل المواطنين" أو فكرة "الحكم الذاتي" أو "دوله ثنائية القومية"، كما وضّحها باحثو علم الاجتماع والعلوم السياسية لفلسطينيي الداخل، وأذكر بالتحديد نهاد علي (2004) وأسعد غانم ومهند مصطفى. (2009).

وفكرة المجتمع العصامي تعني "بناء مؤسسات أهلية مستقلة في مجالات الحياة المختلفة... بهدف خدمة الجماهير العربية حسب المنظور الإسلامي، ولقطع التبعية بين الوسط العربي وبين دولة إسرائيل ومؤسساتها... [وذلك من خلال] إقامة مجتمع يعتمد على ذاته (أي بما يعني: مجتمع عصامي)." (غانم ومصطفى، 2009، ص. 241-5 )

فعلى سبيل المثال: فمنذ    انتفاضة الأقصى تمّ إنشاء 30 جمعية ومؤسسة قطرية تعكس فكر المجتمع العصامي وترعى شؤون الطفولة، الطلاب الجامعيين، الإغاثة، الرياضة والشباب، الإعلام، الأدب والفن، الأبحاث والدراسات، الأرض والمقدسات، الرعاية الصحية والمستشفيات الأهلية والمدارس الأهلية.

فكما جاء على لسان الشيخ رائد صلاح صاحب فكرة المجتمع العصامي، فإن المشروع يعتمد على ثلاثة أصول:

1. إحياء الموارد المالية. من أجل تأصيل إحياء الموارد الذاتية من خلال المنظور الإسلامي، مثل إحياء فريضة الزكاة وباب الوقف الإسلامي وباب الصدقة وباب الوصية، وهذا بحد ذاته "يفكك حالة التبعية الموجودة ويعمق من استقلالية القرار السياسي العربي، ويؤكد على ثوابته ويزيد من استقلالية المجتمع العربي دون الانفصال عن الدولة." (غانم ومصطفى، ص.342)

2. إقامة مشاريع ذات صلة شمولية والمقصود مشاريع من شأنها بناء الحياة الاقتصادية والصحية والاجتماعية وإدارتها بأيد عربية، مثل إقامة المدارس والمستشفيات الأهلية. وبالفعل تمّ تطبيق هذا المشروع فتمّ بناء مدرسة أهلية في أم الفحم وبناء مستشفيات أهلية في طمرة، الناصرة وأم الفحم.

3. التواصل مع العالم العربي الإسلامي من حيث تشجيع التواصل في الخبرات والقدرات المالية ورفض فكرة التواصل مع الجمعيات والمؤسسات الأوروبية والأميركية الداعمة والتي تهدف وتسعى الى الهيمنة من خلال تقديم المساعدات المالية تحت شعار كاذب تسمّيه المساعدات الإنسانية." (المصدر نفسه).

 

إحدى أهم مؤسسات الحركة الإسلامية والمعروفة في الداخل الفلسطيني هي مؤسسة الأقصى للوقف والتراث ولإعمار المقدسات الإسلامية الفلسطينية في إسرائيل، والتي أُنشئت في عام 1991، من أجل إعادة بناء المقدسات الإسلامية، وأيضا المسيحية، والتي قسم كبير منها هُدّم وتضرّر على أيدي الدولة اليهودية قاصدة بذلك اقتلاع الجذور التاريخية للشعب المسلم والمسيحي الفلسطيني في البلاد، فهدمت ما يزيد عن 1200 مسجد، وجرفت مئات المقابر وصادرت الأوقاف الإسلامية، وحوّلت الكثير من المساجد إلى خمارات وحظائر للأبقار وفنادق ومواقف سيارات، ووضعت يدها على الأوقاف الإسلامية متذرعة بعشرات القوانين التي سنّت خصيصاً لمصادرة الأراضي، وعلى رأس هذه القوانين قانون أملاك الغائب.  وما زالت إلى الآن عشرات من المساجد تنتهك حرماتها، فبعضها تستخدمه بعض الجهات الإسرائيلية خمارات ومطاعم وحظائر لتربية المواشي، وتقوم دائرة أراضي إسرائيل بوضع المخططات الخبيثة الرامية إلى تهميش الوجود الإسلامي، فقامت بتحويل مسجد قيساريا ومسجد عسقلان وعين حوض إلى خمارات، وتصوير فيلم للعراة داخل المسجد الأحمر في صفد، وتحويل المساجد إلى حظائر للأبقار والأغنام.

وقد اعتمدت مؤسسة الأقصى في عملها في الدفاع عن المقدسات الإسلامية وحمايتها من  خلال ترميم المقدسات وصيانتها. كما ونجحت بذلك في إيقاف الكثير من الاعتداءات مثل جرف المقابر الإسلامية والمسيحية في القرى المهجَّرة. ثم نجحت أن تسترد الكثير من هذه المقدسات بعد أن حاولت السلطات المؤسسات الإسرائيلية طمس هويتها. وعملت المؤسسة أيضا على إنقاذ عشرات المساجد والمقابر التي كادت تطمس بسبب الإهمال وعدم رعايتها، ووصول بعضها إلى درجة الانهيار أحياناً. وقد تم ذلك من خلال القيام بتنظيم المعسكرات العملية التي كان يشارك فيها المئات من الشباب الذين عملوا على إعادة بنائها وترميمها، كما وشمل العمل على صيانة المقدسات في المدن المختلطة (عكا، حيفا، يافا، اللد والرملة) التي يسكن فيها اليهود والعرب والتي تعرّضت فيها كثير من المقدسات الإسلامية والمسيحية الى الطمس.

بالإضافة الى ذلك، عملت مؤسسة الأقصى على توثيق كل الأوقاف والمقدسات بالكتابة والصورة الفوتوغرافية وأشرطة الفيديو وبادرت إلى إعداد النشرات المرشدة إلى مواقع الأوقاف والمقدسات لزيارتها. ثم تابعت وما زالت مؤسسة الأقصى أي تطور أو انتهاك، وتقوم بمعالجته بالطرق القانونية كنصب خيام الاعتصام والتوعية الإعلامية. ومنذ بدء عملها حتى يومنا هذا عملت مؤسسة الأقصى وما تزال على مطالبة الجهات الإسرائيلية بتحرير جميع المساجد التي حُوّلت إلى خمارات وبارات ومخازن.

 

العقبات التي تواجه مؤسسة الأقصى خلال عملها كثيرة وأهمها المعوقات التي تتلقاها من قبل المؤسسات الرسمية في البلاد، مثل " دائرة أراضي إسرائيل " والتي تسمّى "المنهال"، التي تضع أيديها على كثير من الأراضي الوقفية الإسلامية، تحت ستار قانون "أملاك الغائبين"، فتمنع قياديي وناشطي المؤسسة من الدخول الى المواقع الإسلامية في البلاد، ويتعرضون في حال دخولهم للملاحقة القانونية والشرطية. كما وواجهتهم عقبات وعراقيل من خلال أقسام الهندسة القطرية التي تقوم بتغيير الإحداثيات الهندسية، البلوكات والقسائم والخرائط التفصيلية. ثم أن أهم ما يصعب على عمل المؤسسة هو ما يسمّى بـِ" سلطة الآثار " التي تملك قوة قانونية هائلة، وتقوم بالدخول الى المواقع الإسلامية دون إذن من أحد وتنتهك حرمة المساجد في القرى المهجرة أو المقابر، ويصعب مواجهتها بسبب الدعم القوي الذي تتلقاه من قبل المؤسسة الإسرائيلية. ثم إن هناك عراقيل من قبل السلطات المحلية اليهودية أو الشركات الإسرائيلية الرسمية والتي لها سلطة على بعض المواقع الإسلامية في البلاد والتي لا تبدي تعاونا مع مؤسسة الأقصى فيما يخص الأوقاف الإسلامية التي تحت سلطة هذه المجالس المحلية والبلديات اليهودية.

كما أن التعامل من قبل محاكم القضاء الإسرائيلي التي كثيرا ما تتهرب من إصدار القرارات بحق الأوقاف الإسلامية بحجّة أنها غير مخولة بإصدار مثل هذه القرارات.

زد على ذلك تخاذل الشرطة الإسرائيلية المتعمّد من القيام بدورها في المحافظة على الأوقاف الإسلامية أو منع الاعتداء عليها أو انتهاك حرمتها، خاصة أن هناك محاولات كثيرة من قبل جماعات يهودية متطرفة تهدف لتحويل بعض المصليات والمساجد الى كنس يهودية، كما أن وزارة الأديان الإسرائيلية تنكر حق المؤسسة بإقامة مشاريع لصيانة المساجد والمقابر.

كل هذه العقبات والعراقيل توضع أمام أعمال مؤسسة الأقصى، وهي لا شك عقبات كبيرة تحاول مؤسسة الأقصى تقليصها ومواجهتها وتجاوزها.

 

وقد اعتمدت مؤسسة الأقصى في نضالها من أجل إعادة الممتلكات التابعة للوقف الإسلامي  والمسيحي من خلال حملات نضال لا عنفية متمثلة، كما ذكرت، بمتابعة قضائية ضد السلطات الإسرائيلية ومتمثلة بالتأكيد على التسامح الديني والعمل المشترك مع الأديان الاخرى وبالذات الديانة المسيحية  من أجل إعادة هذه الممتلكات لأصحابها الشرعيين.

 

لكن معظم نشاطات جمعية الأقصى واجهت رد فعل عدائي من السلطات الإسرائيلية، وكما جاء على لسان المؤرخ الإسرائيلي ميرون بينبينيستي "تحدث مشادات بين المؤسسات الإسرائيلية الحكومية والجهات البلدية وبين مؤسسة الأقصى وعلى فترات متباعدة."  ولكنْ قياديو الحركة الإسلامية يدركون بأن السلطات الإسرائيلية ناقمة على مشاريع مؤسسة الأقصى وبالذات على مسيرة البيارق من خلال التضييق على سائقي حافلات " مسيرة البيارق " إمّا بسحب رخصهم أو بتغريمهم الغرامات المالية العالية وفرض أوامر على المشاركين في مسيرة البيارق تمنعهم من دخول المسجد الأقصى المبارك لمدة فترات زمنية محددة.

 

ومع استمرار النقمة والعداء من قبل المؤسسات الحكومية والملاحقة القضائية لمؤسسة الأقصى وقيادييها، تحافظ هذه المؤسسة على نوع من التعامل السلمي بالوسائل القانونية/القضائية ورفض الانجرار لاستعمال العنف، ووفق منشوراتها على موقع الإنترنت، تؤكد المؤسسة بتمسكها بالنضال السلمي المتسامح والذي يعبّر عن ماهية وطبيعة الدين الإسلامي المتسامح.

 

القدس والمسجد الأقصى

إضافة لتأكيدها على إعادة الوقف الاسلامي لأصحابه الشرعيين وإعمار المقدسات التى هُدّمت على أيدي الإسرائيليين في داخل إسرائيل، فإن ما تقوم به مؤسسة الأقصى خاصة في القدس المحتلة هو تعبير عن مؤازرة ومساندة فلسطينيي الداخل للأهل في الاراضي الفلسطينية وبالتحديد مؤازرة أهل القدس الشريف من أجل تثبيتهم في بيوتهم وممتلكاتهم والتي تعتبر، أي تلك الممتلكات، صمّام الأمان للمسجد الأقصى المبارك.

 

ولقد حظي المسجد الأقصى المبارك باهتمام كبير من قبل مؤسسة الأقصى، وذلك لمكانته الرفيعة لدى المسلمين بشكل عام كونه أول القبلتين. ومن خلال النداء بأن "الأقصى في خطر" تخاطب مؤسسة الأقصى كل المسلمين في العالم وخاصة المسلمين الفلسطينيين في إسرائيل، للتأكيد على أن وجود الأقصى وكل الحرم الشريف في خطر. وبذلك فقد عزّزت المؤسسة الحس الديني والتضامن الوطني لدى الاوساط المختلفة في المجتمع الفلسطيني وتعزيز النضال من أجل الأقصى.

وتعتبر المؤسسة بأن الواجب القومي والديني يفرض عليها العمل من أجل حماية الأقصى ونشر تقارير مفصلة عن الحفريات الإسرائيلية في أسفل المسجد الأقصى والمناطق المحيطة به وخطر هذه الحفريات مما أدّى الى تصدعات وانهيارات والتي بدت تظهر علنا في بعض الجوانب من مباني المسجد والبيوت في القدس القديمة والتي بات أهلها يعيشون في خطر دائم لتعرض منازلهم للانهيار بأي وقت.

 

قياديو مؤسسة الأقصى واعون لدور السلطات الإسرائيلية بتوفير الإمكانيات للمتشددين اليهود والذين يعملون على إثارة الشغب من خلال وصولهم للأقصى ومحاولاتهم المستمرة بتنفيذ أضرار لإحدى أهم المقدسات الإسلامية في القدس العربية. ولهذا، قامت المؤسسة بإنجاز عدّة أنشطة.

 

من برامج وفعاليات مؤسسة الأقصى بالحرم الشريف القيام بمعسكرات عمل أسبوعية ثابتة منذ عام 1996 وتحت إشراف وإدارة هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار في المسجد الأقصى المبارك، والتي يتطوع فيها الشباب المسلم من مناطق الجليل، المثلث، النقب، مدن الساحل مثل عكا، حيفا، يافا، اللد والرملة، وأيضا من القدس والقرى المجاورة ملبيين بالمئات نداء مؤسسة الأقصى من أجل نجدته، فأنجزت هذه الإنجازات العملية والتي هدفت المؤسسة  من خلالها الى إعمار المسجد الأقصى وحل مشكلة الإزدحام فيه والمساعدة على ترميم ما يحتاجه هذا البناء المقدس.

 

بينما يعتبر أهم مشروع تقوم به مؤسسة الأقصى من أجل حماية  المسجد الأقصى هو مشروع "مسيرة البيارق" وهو مشروع شد الرحال إلى المسجد الأقصى، حيث تسير عشرات الحافلات يومياً إلى المسجد الأقصى مجاناً من جميع القرى في الداخل الفلسطيني على نفقة مؤسسة الأقصى حاملة معها الآلآف من مسلمي فلسطينيي الداخل من الجليل والمثلث والنقب لتأدية الصلوات في الحرم الأقصى الشريف وأيضا من أجل تثبيت وتعزيز التواجد الإسلامي العربي في القدس العربية بشكل يومي خاصة بعدما منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلية أهالي المناطق المحتلة في الضفة والقطاع وحتى القرى المجاورة لمدينة القدس من الدخول الى القدس.

 

سميَّ هذا المشروع بالبيارق تيمناً بالمسيرة التاريخية التي نادى بها صلاح الدين الأيوبي والذي جندَّ جيوش المسلمين من كل البلاد العربية والإسلامية وخاصة مصر وسوريا للانضمام لصفوف حملة الدفاع عن القدس وتحريره من أيدي الغزاة الصليبيين في عام 1187. فبعد التحرير، أعلن الأيوبي عن يوم ثابت في كل عام، يستنفر فيه المسلمين من خلال تنظيم مسيرات تنطلق من كل الولايات العربية الإسلامية وتسير بعشرات الآلاف باتجاه المسجد الأقصى المبارك في الدفاع عنه وأيضا لدعم وإظهار مساندة للتواجد العربي والإسلامي في القدس. وسمَّى صلاح الدين هذا اليوم بيوم البيارق، كما شرحها الشيخ رائد صلاح، لسببين:

1. أن المسيرات الحاشدة التي سٌيرت للمسجد الأقصى كانت ترفع البيارق، أي الاعلام.

2. كما أن البيارق، وهي جمع بيرق والبيرق يعني النور، فلذا عُرفت مسيرة الأنوار، إذ أن المشاركين في مسيرة البيارق كانوا يحملون الأعلام نهارا والأنوار أي "المشاعل" ليلا من أجل إدخال الرعب في قلوب الصليبيين من حجم الآلاف المؤلفة المتجهة من أكثر من قطر إسلامي الى القدس وثم من رفع قيمة ومكانة المسجد الأقصى في قلوب أبناء الأمة الإسلامية وتذكيرهم بقبلتهم الأولى. 

 

عملا بتجربة صلاح الدين الأيوبي قررت مؤسسة الأقصى تسيير حافلات تنقل كل من يريد شد الرحال الى المسجد الأقصى الشريف. وقد بدأت المؤسسة بهذا المشروع في عام 2001 بتسيير حافلات/باصات تنقل مجانا من يود السفر الى المسجد الأقصى من القرى والمدن في المثلث والجليل والنقب والمدن الساحلية  لأداء الصلاة في ساحات المسجد الأقصى المبارك. ففي الشهر الأول للمشروع شاركت 17 حافلة ونقلت 850 مصلي ومصلية الى الأقصى. أما في الشهر التالي فقد وصل عدد الباصات الى 74 ونقلوا 3700 رجل وامرأة. ومنذ ذلك الحين ازدادت شعبية المشروع وأصبحت تصل العشرات من الباصات بشكل يومي الى القدس محمَّلة بالمصلين من كافة القرى العربية في الشمال والجنوب الفلسطيني. وحسب احصائيات المؤسسة، وصل الأقصى حوالي 3158 باصا حاملا 157900 مصليا في عام 2001، وفي عام 2002 وصل عدد الباصات الى 6406 حاملا 325300، وأما في عام 2009، فقد وصل عدد الباصات الى 10500 باصا حاملا 610800 مصليا.

 

والأهداف من وراء مشروع "مسيرة البيارق" كثيرة وأهمها:

1. تضامن ودعم الأهل الفلسطينيين المسلمين في القدس من أجل الدفاع عن مسجد الأقصى. السياسات الإسرائيلية عززت سيطرتها على منطقة الجامع من أجل السيطرة. بل إنّ هذا ما تهدف اليه الجماعات اليهودية المتشددة. أما الرحلات المتكررة وبشكل يومي ستزيد من عدد المصلين المسلمين بشكل كبير، وهذا التواجد يحمي بحد ذاته المسجد ويعمّق الصلة الروحية بينه وبين المصلين. كما أن الفعاليات السنوية مثل "مهرجان الأقصى في خطر، ومهرجان صندوق طفل الأقصى، واحتفالات مصغرة في كل بلد عربي في فلسطين ال1948 يصب في تعميق الصلة مع الأقصى.

2. هداية جيل الشباب المسلم الى الطريق السليم من خلال توفير دروس دينية في باحة الأقصى من أجل تعميق صلتهم بالأقصى وربطهم به ربطا عقديا وحسيا. ويؤكد الشيخ علي سعيد أبو شيخة رئيس مؤسسة الأقصى بأنه من خلال جلب وإعادة جيل الشباب إلى درب الهداية من خلال الدروس اليومية في الأقصى المبارك وإحياء سنَّة الاعتكاف في المسجد الأقصى وزيادة عدد المصلين يكون "إحياء الأيام الخوالي والدور الريادي للأقصى المبارك عبر تكثيف وجود المرابطين فيه لتعود للأقصى منارته المفقودة."

3. انعاش ورفع الاقتصاد في البلدة القديمة (داخل أسوار القدس) والذي تعرض وما زال لظروف صعبة نتيجة الحصار وتضييق الخناق من قبل السلطات الإسرائيلية. ففي هذا الدعم الاقتصادي نوع من التثبيت للأهل في القدس " البلدة القديمة " والرباط حول المسجد الأقصى المبارك.

4. إعادة التواصل بين فلسطينيي ال1948 بالأقصى من خلال تكرار هذه الزيارات.

 

وتقريبا لا يوجد بيت أو عائلة مسلمة من فلسطينيي ال1948 الا ورافق بعضٌ من أفرادها الرحلات المجانية ل"مسيرة البيارق" الى القدس. فقد جاء على لسان الشيخ كمال خطيب، أحد قياديي الحركة الإسلامية، أنه بمعدل 30000 شخص رافقوا مسيرة البيارق في كل شهر من عام 2004 مع العلم أن العدد الاجمالي لسكان مناطق ال1948 قد وصل تقريبا الى المليون ومائتين ألف عربي، حيث يصل عدد المسلمين إلى 900000 ولكن أكبر عدد يرافق مسيرة البيارق عادة ما يكون في شهر رمضان. فعلى سبيل المثال، في رمضان 2002 وصل 940 باصا إلى القدس من مناطق ال1948 بينما وصل عدد باصات مسيرة البيارق في رمضان 2009 إلى 1500.  ووصل عدد الباصات الآتية من مناطق ال1948 في ليلة القدر في رمضان 2009 إلى أكثر من 200 باص.

 

يمكن تفسير إقبال الناس وتزايد الأعداد المرافقة لمسيرة البيارق خلال شهر رمضان بالتحديد بتعميق وازدياد الحس الديني والذي بالطبع يحتل حيزا أساسيا في قرار الناس بالسفر الى القدس من أجل الصلاة بالأقصى. ولكن، المعطيات من خلال المقابلات التي أجريت مع المسافرين يظهر أن الرغبة بالتسوق وعمل مشتريات العيد في سوق البلدة القديمة بالقدس يعتبر أيضا عاملا مهما في قرار السفر. وهذا العامل بالذات ترك أثرا بالغا على الاقتصاد والتجارة في بلدة القدس الشرقية والتي كانت تعتمد سابقا وبشكل أكبر على أهل القرى الفلسطينية في ضواحي القدس وأهل الضفة الغربية، بالإضافة لفلسطينيي 1948. ولكن ومنذ تفجر انتفاضة الأقصى انخفض مدخول التجارة بمدينة القدس العربية الى نسبة 40% مقارنة لعام 2000 حسب ما جاء في بحث عزام ابو السعود عام 2007.  وهناك عوامل عدة ساعدت على هذا الانخفاض:

  حواجز الجيش الإسرائيلية والتي منعت مواطني قرى الضواحي ومناطق الضفة وغزة من الدخول للقدس الشرقية؛

  انخفاض حاد بمعدل الدخل للفرد في القدس والاكتفاء بشراء المؤن الاساسية وبمقادير قليلة؛

  انعدام السياحة في القدس العربية خاصة بين الأعوام 2002 – 2004؛

  وانخفاض حاد في عدد الزائرين المسلمين والمسيحيين للأماكن المقدسة في البلدة القديمة للقدس نتيجة الحصار الإسرائيلي والتوتر السياسي بالمنطقة. (أبو سعود، 2007، ص.106).

 

ومع أن هذا االتدهور الاقتصادي القاس والحاد والذي استمر خلال كل سنوات انتفاضة الأقصى، إلا أن أَوجُه اشتد منذ البدء ببناء جدار الفصل العنصري خاصة وبعدما أصبح مستحيلا على سكان بعض أحياء المدينة وقرى الضواحي القاطنين خارج الجدار من الدخول للمدينة. وحسب بحث لبرنارد سابيلا (2007)، فإن الجدار منع أكثر من 55000 مواطن قدسي من حاملي البطاقات الزرقاء والذين يسكنون في الأحياء الشمالية والشرقية للمدينة مثل حي الرام وأبو ديس من العبور الى القدس بعدما فصل الجدار أحياءهم وبيوتهم من التواصل مع مدينة القدس وفرَّق حتى بين أفراد العائلة الواحدة. (سابيلا، 2007، ص.30). 

وهذا يؤكد بأن الهدف الرئيس لإسرائيل من بناء جدار يفصل قسم من سكان المدينة  الواحدة بهذا الشكل هو التخلص من أكبر عدد ممكن من سكان القدس الفلسطينيين وفرض واقع ديموغرافي جديد يقلل من التواجد العربي في المدينة مع زيادة التواجد اليهودي الإسرائيلي بالوقت نفسه. ولهذا، فإن جدار الفصل، ونتيجة التقييدات المفروضة على تحرّك وتنقل السكان العرب والتقييد على نقل البضائع من وإلى القدس الشرقية، بأن ما تهدف اليه إسرائيل بلا شك هو ضرب وخنق اقتصاد القدس العربية، كما جاء على لسان ليلى فرسخ. (2006). 

 

قياديو مؤسسة الأقصى يعللون انضمام آلآف المسلمين الفلسطينين من مناطق ال1948 لرحلات مسيرة البيارق المتكررة للقدس العربية وبتعريف ظاهرة عادة التسوق في سوق البلدة القديمة بعبادة اقتصادية شبيهة بعادة الزكاة، وهدفها دعم وتضامن مع الأهل الفلسطينيين المصممين على البقاء في القدس رغم عمليات الحصار والتهويد من خلال سياسة فرض الضرائب القاسية على أهل القدس.

فعلى سبيل المثال: يقول أحد أصحاب المحلات التجارية القريب من باب الحديد وهو أحد أبواب المسجد الأقصى بأنه "عبر مسيرة البيارق أصبحت الحركة التجارية تتقدم شيئا فشيئا خاصة في أيام السبت"، أما آخرٌ من الباعة في الطريق المؤدية إلى باب الأسباط فيقول: "مع اقتراب عيد الأضحى المبارك نرى هناك تزايداً في عدد الوافدين من عرب الداخل ونرى حركة تجارية نشطة خاصة أيام السبت ".

 

وما أناقشه في بحثي هذا أن هناك وجهاً آخر لازدياد شعبية مسيرة البيارق يهدف الى خلق وجه معنى جديد لفكرة التضامن وخلق هوية جديدة عند عدد كبير من فلسطينيي ال1948 داخل الخط الأخضر.  فالمشاركون برحلات المسيرة يرون بأن هذه الرحلات عبارة عن دعم لمدينة القدس والتأكيد على إبقائها مدينة حية يملؤها حضور وتواجد عربي وإسلامي من خلال زياراتهم اليومية والمتكررة لأقدس المقدسات الإسلامية في فلسطين، وأيضا من أجل الحفاظ على اقتصاد القدس العربية حيا ومزدهرا.   فرغم أن هناك اختلافا عميقا بين الحافزين—الصلاة والتسوق—اللذين يجعلان كثيرا من الناس تنضم لرحلات مسيرة البيارق إلا أنهما يصبان في هدف واحد ألا وهو تعزيز الهوية العربية والمسلمة للقدس وتعزيز بالوقت نفسه الهوية الفلسطينية والإسلامية للسكان المسلمين العرب الفلسطينيين في إسرائيل.

 

هل  هي عادة أم عبادة

كما ذكرت سلفا، فإن عددا من الذين تمّت مقابلتهم خلال الرحلات المنظمة لمدينة القدس بحافلات مسيرة الأقصى أجابوا بأن الهدف الأول للذهاب للقدس هو الصلاة ومن ثم التسوق في سوق البلدة القديمة. وظاهرة التسوق أصبحت تعتبر عادة وأن أداء فريضة الإيمان لا يكتمل إلا إذا تضامنوا مع أهل القدس من خلال التسوق من متاجرهم ودكانينهم بعد صرف بضع ساعات وبضع مئات من الشواقل قبل الدخول لمنطقة الحرم يقضونها في التبضع مما يحتاجونه من كتب، وملابس، وحتى بعض الأغذية والمواد التموينية مثل الحلويات والفواكه وورق العنب الطازج من فلاحات قرية الخضر وقرى الخليل. المقابلات التالية جمعتها من نشرات مؤسسة الأقصى والتي أرسلها لي أحد قيادييها عبد المجيد أغبارية. 

 

   فمثلا سفيان من أم الفحم: "اعتدت في الأشهر الأخيرة زيارة المسجد الأقصى والمشاركة في مسيرة البيارق، أقضي معظم وقتي داخل المسجد الأقصى للعبادة من صلاة وتسبيح وقراءة القرآن...، لا أذهب إلى السوق ولكني اعتدت بعد الخروج من المسجد الأقصى عبر باب الأسباط أن أشتري دائما بعض الهدايا لطفلي عبد الحميد من ألعاب وملابس وبعض المستلزمات البيتية، وبصراحة أشتري لأنني قد تعودت دائما في كل سفر أن أحمل بعض الهدايا للبيت... وأرى فعلا أن هذا التسوق يمكن أن يتحوّل من مجرّد عادة إلى عبادة يراد بها وجه الله وتثبت الأهل حول المسجد الأقصى المبارك ".

 

أمّا عبد الفتاح فيؤكد بأنه اعتاد منذ انطلاقة مسيرة البيارق المشاركة أسبوعيا كل يوم سبت وشدّ الرحال إلى المسجد الأقصى، فالركعة هناك بخمسمائة ركعة. ولا يترك فرصة سنحت خلال أيام السنة من عطل واستراحات في العمل إلا واستغلها لزيارة المسجد الأقصى المبارك: " إن هذه المسيرة التي انطلقت قبل أعوام قليلة تعتبر مبادرة هامة من أجل إعمار المسجد الأقصى، أذهب أسبوعيا للصلاة، وأُكثِر من اصطحاب العائلة والأولاد معي كنوع من التوعية والارتباط مع المسجد الأقصى... أمّا عن المشتريات فأنا شخصيا أقوم بشراء الأشرطة الإسلامية والكتب والهدايا والألعاب، لنفسي ولأهلي وأقربائي وجيراني. وقد نويت هذا الأسبوع شراء معظم مستلزمات عيد الأضحى المبارك من السوق في القدس من حلويات وهدايا".

"إننا نقوم بذلك كنوع من التعاطف والدعم لتثبيت سكان القدس القاطنين حول وقرب المسجد الأقصى، خاصة مع الوضع الاقتصادي الخانق هناك، وحبذا لو بادرت مؤسسة الأقصى بإقامة سوق مرتب ما بين باب الأسباط والموقف الذي تقف فيه الحافلات، فالوضع هناك بحاجة إلى تنظيم وترتيب، الأسعار الرخيصة نسبيا هي أحد أسباب إقبال الناس على الشراء، ولعل هذا سبب إضافي يجعل فكرة وإقامة سوق مرتب خاصة أيام الجمعة والسبت وفي مواسم الأعياد فكرة في محلها. حبّذا لو خرجت إلى حيّز التنفيذ ".

 

أكثر جمهور المتسوقين من المشاركين في مسيرة البيارق هم من النساء، والحاجة تمام تسافر أسبوعيا وغالبا يوم السبت إلى الأقصى عبر مسيرة البيارق. كانت تسافر من قبل ولكن بعد انطلاقة مسيرة البيارق ازداد سفرها وشد الرحال الى المسجد الأقصى وترى أن التجاوب يزداد يوما بعد يوم. والمبلغ الذي تصرفه الحاجة تمام محسن في كل رحلة ليس بالقليل: "أقوم بشراء الهدايا من ألعاب، وملابس لنساء أخوتي وهدايا لأبناء أخوتي وأخواني بمبلغ 600-700 شيكل في كل مرة ".

الحاجة تمام صاحبة دكان وهي تلاحظ أن الحركة التجارية مشجعة، وأن ما تقوم به هو نوع من التشجيع لأصحاب المحلات التجارية كي يعمروا الأقصى ويقفوا في وجه الخناق والتضييق في لقمة العيش عليهم، وهي في الوقت نفسه تشجّع الجميع على التسوق هناك، فالأسعار مقبولة وشعبية والأمر مهم."

الحاج محمود خضر "أبو خليل" وزوجته رافقا تطور مسيرة البيارق منذ انطلاقها. كانا عندما انطلقت ينتظران هما وبعض الأفراد القلائل مرور  حافلات مسيرة البيارق عبر الشارع الرئيسي، أمّا اليوم فينتظر المئات أسبوعيا الحافلة داخل القرية كل يوم أربعاء وسبت، وهذا أكبر دليل على ازدياد التجاوب والزائرين للمسجد الأقصى المبارك.

الحاج "أبو خليل" لا يوفّر جهدا لاقناع جيرانه وأهله وأقاربه وأهل بلده بالتوجه الى المسجد الأقصى، ويفنّد بكل ما أوتي من قوة الاشاعات المغرضة  التي يحاول البعض من خلالها تخويف الناس من الأوضاع الأمنية وإمكانية التعرّض للضرر حين المشاركة في مسيرة البيارق وزيارة المسجد الأقصى المبارك.

 يتحدث "أبو خليل" عن حاجة سكان القدس وخاصة داخل الأسوار وبجانب الأقصى الى الدعم المادي، ويجعل من التسوق إسهاما مباركا لمثل هذا الدعم، فقد صارحه أكثر من تاجر " في الأيام التي لا تأتي به حافلات مسيرة البيارق " لا نستفتح – لا نبيع شيئاً". هذا دليل واضح على مساهمة مسيرة البيارق بالانتعاش الجزئي للاقتصاد في المحور القريب من المسجد الأقصى المبارك. إن هذا البائع يعرف أو يعترف أن هذه المئات التي تشتري وتحمل البضائع والهدايا لا تفعل ذلك لرخص في الاسعار فحسب، بل تفعل ذلك كنوع من التثبيت والعون والدعم للباعة وأصحاب المحلات.

 

تلخيص

وأودّ أن أنهي وأكرّر بأن مؤسسة الأقصى للوقف والتراث الفلسطيني في منطقة 1948 ومنذ بدء تأسيسها ركّزت كل مهامها ونشاطاتها بمواجهة السلطات الإسرائيلية من أجل الحفاظ على المقدسات الفلسطينية في أراضي ال48 والحفاظ على المسجد الأقصى، واعتمدت في مواجهة مخططات الحصار على الأقصى بالعمل بمبدأ نضال اللاعنف. فقد رأى قياديو الحركة الإسلامية في مناطق ال48 بأن طبائع وعقائد الدين الإسلامي من أجل عمل الخير والمعروف ومساندة الضعيف والمظلوم فرضت عليهم الاعتماد في نضالهم على مبدأ اللاعنف في مواجهة السياسيات الاسرائلية، ليس فقط لشؤون فلسطينيي الداخل بل شؤون وقضايا كل الأهل في الوطن الفلسطيني وبالتحديد قضية المسجد الأقصى والقدس.

فقد بادرت مؤسسة الأقصى بعدة مشاريع تشمل مشروع الخارطة المفصلة للمقدسات، ويعني ذلك مسحاً وتوثيقاً هندسياً وتاريخياً لكل المقدسات الإسلامية والمسيحية في البلاد؛ ترميم المقدسات وصيانتها وتنظيم زيارات المصلين بشكل مستمر لهذه المقدسات؛ إظهار وفضح الدمار الإسرائيلي للمقدسات الإسلامية والمسيحية من خلال نشرات وكتابات بشكل مستمر عن الموضوع وخاصة من حفريات وهدم تحت وبجوار المسجد الحرم الشريف والأقصى؛ وتأسيس فكرة وتنظيم الرحلات اليومية لمسيرة البيارق الى القدس والحرم الشريف.

بقدر ما تعتبر رحلات مسيرة البيارق كمنسك ديني تأتي يوميا بالآلآف من المصلين الى الأقصى بقدر ما تعتبر بالوقت نفسه وسيلة لدعم وتثبيت الهوية العربية والإسلامية لمدينة القدس من خلال رفضهم للسياسة الإسرائيلية الهادفة الى تفريغ المدينة من سكانها العرب. وهذا الرفض يأتي من خلال تعزيز التواجد العربي الإسلامي وتعزيز الهوية الفلسطينية المسلمة عند غالبية فلسطينيي ال48.

بحثي هذا لم ينتهِ بعد بل ما زلت أعمل عليه، وكما يقولون ما زال قيد البحث. هناك حاجة لإجراء مقابلات مُعمّقة مع قياديين آخرين في مؤسسة الأقصى والحركة الإسلامية لدى فلسطينيي ال48. هذه المقابلات سوف تفسر مدى نجاح المؤسسة بتعزيز التواصل وربط فلسطينيي الداخل بالقدس وأهالي القدس والأهمية السياسية لما ينتج من تعزيز الهوية العربية للقدس وبمَ يختلف عمل مؤسسة الأقصى في القدس وعن ما تفعله أحزاب ومؤسسات نضالية أخرى في فلسطين الداخل.

كما أنني قرّرت مع باحث زميل مراجعة الانشقاق في الحركة الإسلامية ورؤية خاصة بأن عمل مؤسسة الأقصى بدأ قبل أن يحدث انشقاق في عام 1996. فعلى سبيل المثال، نود معرفة ما إذا كانت نشاطات مؤسسة الأقصى تمثل الحركتين معاً أم الحركة الشمالية فقط والممثلة بقيادة الشيخين رائد صلاح وكمال الخطيب؟

 

Work Cited

   Mohammed Abu-Nimer. Nonviolence and Peace Building in Islam. University of Florida Press، 2003.

   Azzam Abu Saud. “Closures and Separation and Their Impact on East Jerusalem ’s Economic Sectors.”

   Nohad Ali، “Political Islam in an Ethnic Jewish State: Historical evolution، Contemporary Challenges and Future Prospects.” Holy Land Studies. 3.1 (2004) 69-92

   Meron Benvenisti. City of Stone : The Hidden History of Jerusalem . University of California Press، Berkeley، 1996

   Meron Benvensiti. Sacred Landscape: History of the Holy Land since 1948. University of California Press. Berkley، 2003

  اسعد غانم ومهند مصطفى. الفلسطينيون في إسرائيل: سياسات الأقلية الأصلية في الدولة الأثنية. مدار المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، رام الله. نيسان 2009

   Mahdi Abdul Hadi، “The Ownership of Jerusalem: A Jordanian View.” In Ghada Karmi. Jerusalem Today: What Future for the Peace Process? Garnet & Ithaca Press، 1997.

   Andre Raymond، “The Arabs، Islam، and Jerusalem.”  In Salma Khadra Jayyusi & Zafar Ishaq Ansari (eds). My Jerusalem : Essays، Reminiscences، and Poems، Olive Branch Press. 2005

   Omar Karmi. “Arab identity under threat.” The National. (a new English newspaper launched by the Abu Dhabi Media Company، UAE).  March 22. 2009

   Rekhess، Eli. “The Arabs of Israel after Oslo : Localization of the National Struggle.”  Israel Studies. Volume 7، Number 3، 2002، pp. 1-44

http://www.alwan.co.il/full.php?ID=1210

http://www.iaqsa.com/Web/Pages/Details.aspx?ID=151

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ