ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 25/03/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ظاهرة الياسين

د. محمد إبراهيم المدهون

3/24/2010

القدس العربي

الشهيد الإمام أحمد الياسين ظاهرة ضخمة بكل أبعادها، فهي ضخمة بحيثيات نشأتها التاريخية، وضخمة بعطاءاتها الفكرية الثقافية، وهي كذلك متميزة في تصدّيها السياسي والعسكري. لقد كانت من الضخامة بمكان استطاعت معه أن تملأ الفراغ المرجعي للحركات الإسلامية الناتج من التقاعسات المتراكمة من جهة، ومن الهجمة الشرسة المخططة التي أحكم النظام العالمي الجديد تنفيذ فصولها من جهة أخرى. إنّ مواجهة الشهيد الإمام الياسين للإحتلال ومعاوله القاتلة الهادمة وقد مضى على عمله أكثر من خمسة عقود دامية، تفنّن فيها الإحتلال بكل ما يستطيع من أجل تدمير الشعب الفلسطيني، تقع في مصاف الأحداث التاريخية المتميزة في مسيرة النضال الفلسطيني من أجل إقامة النظام الإنساني الإسلامي.

لقد ملأ الإمام الياسين الفراغ وحوّل المأساة التي كانت تعيشها القضية الى مبادرة عطاء ضخمة أعادت الى الأذهان أيّام الله الكبرى يوم كان التصدي للغاصب الظالم يتشرف براية التوحيد والالتفاف الجماهيري الملتزم الزاحف حولها.

وهكذا اختلت الموازين وانبعث العملاق من قمقمه بعدما ظنّ الجلاّد أنّه قد أحكم سجنه ولا أمل في عودته ليملأ الدنيا من وجوده الكبير فيقود الياسين الطلائع المجاهدة والجماهير المؤمنة نحو الفجر الصادق بقيام المجتمع الإسلامي.

منذ أكثر من خمسة عقود كان الإمام الياسين مواكباً لمسيرة الحركة الإسلامية وحركة التغيير العالمي. فكان يتفاعل معها بوعي كامل ومشاركة جادة عبرت عن نفسها في كل مقطع زمني متميز بطريقة مناسبة ومدركة لمعطيات المرحلة وملابساتها. ومن خلال رصدنا لمشاركته في مسيرة التحرك الإسلامي الواعي في فلسطين. في البداية، كان تحرك الياسين دعوياً عاماً جاب المساجد والمؤسسات والأندية والشوارع داعياً إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة مؤسساً للعمل الخيري عبر إنشاء مؤسسات مثل الجمعية الإسلامية والمجمع الإسلامي. والمرحلة الثانية اتسمت بالرصد الدقيق للأحداث والمشاركة الحذرة، واستمرت هذه المرحلة منذ أواخر السبعينات واستمرت الى مرحلة العمل التنظيمي والسياسي في مطلع الثمانينات حيث اعتقل الإمام للمرة الأولى مع الزمرة الأولى من الرعيل الأول الذي يمثل المؤسس لحركة المقاومة الإسلامية وإن لم تحمل ذات الاسم في تلك المرحلة. لقد كان للشيخ الياسين تصوراً واضحاً للعمل السياسي والعسكري في تلك المرحلة وإن تبلور دلك لاحقاً مع إنطلاق الانتفاضة وكان له بها إسهام يتناسب مع هذا التصور.

والمرحلة الثالثة اتسمت بالتصدي القيادي، مستفيداً من الظروف التي كانت تمرّ بها القضية الفلسطينية لإعادة بناء التحرك الإسلامي على أسس رصينة، بعدما أوغل الإحتلال في تخريب ساحات ومفاصل هذا التحرك. لقد اتسمت هذه المرحلة من نشاط الإمام الياسين بأنها سعت لسد الفراغ القيادي من خلال التفاعل مع الواقع بكل أبعاده المثبطة أو المشجعة. ولم تنته هذه المرحلة باعتقال الإمام فقد ترك قاعدة تنظيمية رصينة بعد توفر مستلزمات الديمومة والإستمرار التي وفرها الإمام.

والمرحلة الرابعة جاءت بعد الإفراج عن الشيخ ومنذ اليوم الأول الذي خرج فيه الإمام من المعتقل بعد صفقة مشعل الشهيرة كان أكثر عزماً وأشد مراساً واستعداداً لمرحلة الصراع والصدام القادمة مع الاحتلال وذلك رغم كل الظروف التي كانت تعيشها حماس عقب ضربة 1996 وقد ختم الإمام الياسين تلك المرحلة بانتفاضة أشد بأساً وأكثر إيلاماً لإسرائيل ودفعت حماس الثمن الأبهظ عبر استشهاد خيرة الرعيل الأول من الجيل المؤسس، وعلى رأسهم الإمام الشهيد حيث ختم الياسين المرحلة بالشهادة.

ومن خلال المعايشة أو المتابعة لمسيرة الإمام الياسين يمكن القول إن هناك عملاً تراكمياً بين هذه المراحل تبنى بها كل مرحلة على سابقتها. كما أنّ هناك ثمة تداخلاً بين هذه المراحل، فالممارسة التنظيرية كانت مستمرة على طول الخط، كما أنّ التنظيم كأسلوب من أساليب العمل ظلت تلف الكثير من ممارسات الإمام رحمه الله. والعزيمة في كل مرحلة كانت مدرسة الإمام من أجل الانطلاق للمرحلة الأكثر تقدماً في عملية الصراع المتكامل في شتى الميادين مع الإحتلال. ومضافاً لهذه وتلك فإنّ عملية تطوير النظرية والممارسة كانت مواكبة للمتغيرات والأحداث الطارئة، مما يضفي نوعاً من المرونة في إنزال الأهداف، ويمكن القيادة من المناورة عند الضرورة.

الشهيد الياسين منذ أن بدأ تحركه الى آخر يوم من أيام حياته كان ينطلق من فهمه أنّ الإسلام هو الرسالة التي ينبغي أن تسود الحياة. هذه المنطلقات كانت الأسس التي اقام عليها الإمام الياسين معالم نظريته في التحرك، وهو ما مارسه منذ الستينيات، كما بيّنه في خطبه وتوجيهاته. أساسيات الانطلاق، أو لنقل إن أساسيات نظرية العمل السياسي عند الإمام الشهيد الياسين رحمه الله كانت واضحة منذ البداية. فمنذ شبابه كانت المنطلقات واضحة لديه، وكانت تلك المنطلقات هي الأسس الصلبة التي أقام عليها تصوراته للسياسة والمسيرة والعمل الإسلامي.

ولا شك ان هذا النداء الصادر من أعماق النفس، هو ألصق النداءات بالإنسان وأبلغها أثراً في نفسه، وإنّ الوصول الى الحق عن هذا الطريق لهو أيسر الطرق وأسهلها. لذا فقد كان الاعتراف بالإسلام وبعقائده سهلاً يسيراً وموافقاً للبداهة والفطرة، وللبرهان العقلي الصحيح.

والنظام الإسلامي هو النظام الأمثل الخالد، لأنه أحسن النظم البشرية وأصلحها للتطبيق. ودليل ذلك أننا نرى أنّ الفكر الحديث لم يسبق الإسلام بنظرية صحيحة صالحة للبقاء.. وبخاصة في مجالات التقنين والتشريع.

وإنطلاقاً من أنّ الإسلام سنّ مبدأ التكافل الاجتماعي وحثّ على معونة الفقراء وعتق الأرقاء. وحارب الاحتكار وتضخم الثروة. في زمان لم يكن يفكر بشيء من ذلك أحد إنطلق الإمام ليؤسس المؤسسات الخيرية التي ما تزال أياديها بيضاء وجهدها الأبرز في خدمة المجتمع الفلسطيني ودعمه بأسباب البقاء والمقاومة.

والمنهج التربوي في الإسلام، منهج واسع وعميق. يتكفل الفرد بالعناية والرعاية، منذ ولادته، ويسير معه في جميع أعماله وأقواله الى آخر لحظة من حياته. ومن هنا اهتم الإمام بإرساء قواعد العمل التربوي عبر المساجد ومؤسسات تعليمية وتربوية رائدة مثل الجامعة الإسلامية ومدارس الأرقم وغيرها. بل إنه قد لاحظ بثاقب نظره أن التربية من خلال الحياة غير كافية لأن تُنشئ فرداً صالحاً بمعنى الكلمة، وكما يريده الإسلام أن يكون، لذا نراه قد التفت الى الوالدين فأمرهما بإصلاح أنفسهما وتهذيب سلوكهما لكي لا يرضعا ولدهما الصفات الخبيثة والأخلاق الدنيئة، بل ليربيا جيلاً صالحاً يسعى في خير مجتمعه وأمته، يسطع في ربوعه ضوء الإسلام وتصعد البشرية بجهوده في سلالم الكمال.

وخلاصة القول أنّ الياسين كان ظاهرة في العمل الإسلامي ومدرسة في الموقف القيادي، كان ظاهرة رائدة ولدت في عصرها لتحدث التغيير في مرتكزات المفاهيم السائدة، وأخالف كل الذين يقولون أنّه ولد في غير عصره. لقد صنع الياسين العصر الذي يريد، وإذا بالشعب في فلسطين يفتح عينيه ليجد رافداً جديداً من العمل الرائد الأنمودج.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

============================

ساسة 'اسرائيل' يحفرون قبر كيانهم

د. سعيد الشهابي

3/24/2010

القدس العربي

اذا كان ظهور 'اسرائيل' مرتبطا بشكل او آخر بصعود المارد الغربي بعد الحرب العالمية الثانية سياسيا واقتصاديا (خصوصا القسم الامريكي من ذلك الغرب) فان تلاشي حظوظها مرتبط، هو الآخر، بتداعي حظوظ ذلك المارد.

وبرغم ما حققه الكيان الاسرائيلي من تقدم خلال العقود الستة الماضية فانه لن يستطيع الصمود بدون الدعم الغربي خصوصا مع استمرار روح المقاومة في صفوف ابناء الوطن الفلسطيني والرفض العربي - الاسلامي لذلك الوجود. ويمكن القول ان كلا من الغرب و'اسرائيل' يعاني اليوم من تداع بنيوي وسياسي واقتصادي من شأنه ان يؤدي الى تصدع الجبهة التي أصرت على تركيز دعائم الاحتلال طوال الفترة السابقة، وهو تطور نوعي في التوازن الاستراتيجي الذي كان مائلا لصالح الكيان الاسرائيلي. فخلال العقود الماضية كانت المقولة الاساسية لتبرير الدعم الغربي للكيان الصهيوني انه يمثل خط الدفاع الاول عن المصالح الغربية في منطقة تعتبر غير صديقة للغرب. وبغض النظر عن صحتها من عدمه، فقد كان لغياب (او تغييب) وعي الشعوب الغربية بحقيقة ما يجري في فلسطين، وطبيعة الاطماع والسياسات الصهيونية، اثره في تمرير مثل تلك المقولات التي توارثتها الحكومات المتعاقبة في اغلب البلدان الغربية خصوصا في الولايات المتحدة الامريكية. ويمكن القول ان تلك المقولة بدأت تتصدع تدريجيا. وربما من السابق لاوانه التنبؤ بحجم التصدع وما اذا كان سيصل الى الجذور والاسس التي تشكلت عليها الاستراتيجية الغربية، ولكن ثمة مؤشرات تزداد وضوحا بان تغيرات كبيرة في السياسات والامزجة والعلاقات بدأت تفرض نفسها على الواقع السياسي في ما يخص العلاقة الاستراتيجية بين الغرب و'اسرائيل'.

لقد حل التشاؤم مكان التفاؤل في النفسية العربية والاسلامية في الشهور الاخيرة، بعد ان اتضح عجز الرئيس باراك اوباما عن اتخاذ قرارات مختلفة ازاء الكيان الاسرائيلي، ولكن الديناميكية السياسية في المنطقة، من شأنها ان تدفع واشنطن نحو سياسات مختلفة عما كانت عليه. وليس مستبعدا ان تؤدي هذه الديناميكية الى حدوث تغيرات استراتيجية في التحالف الغربي - الاسرائيلي. وتشير وقائع التاريخ منذ 1948 الى وجود حالات من الصعود والهبوط في العلاقات الامريكية - الاسرائيلية، نتيجة السياسات والتطورات الميدانية. فبينما كانت الولايات المتحدة الدولة الاولى التي اعترفت بقيام الكيان الاسرائيلي، فان واشنطن هي التي تدخلت بقوة في 1956 لانهاء آثار العدوان الثلاثي على مصر، وطالبت القوات البريطانية والفرنسية والاسرائيلية بالانسحاب من منطقة القناة على الفور. وكان التورط البريطاني في ذلك العدوان واحدا من اهم عوامل سقوط الامبراطورية البريطانية. واذا كانت واشنطن هي التي اقامت جسرا جويا لنقل الاسلحة والمعدات ل 'اسرائيل' خلال حرب اكتوبر 1973، فانها هي التي اتخذت اجراء قويا في 1987 ضد احد مواطنيها، جوناثان بولارد، عندما تأكد انه كان يتجسس على بلاده لصالح الكيان الاسرائيلي. مشكلة الاسرائيليين شعورهم بالثقة المفرطة بالنفس الى حد الطغيان والاستبداد في الموقف. ولذلك يصعب على اية قوة غربية الاستمرار في تقديم الدعم غير المحدود زمانا ومكانا لهم. فقد كان الاعتداء الاسرائيلي في 1967 على الفرقاطة الامريكية 'ليبرتي' ومقتل اكثر من 90 من جنودها نقطة سوداء في العلاقات بينهما، دفع واشنطن للاصرار على قيام 'اسرائيل' بدفع تعويضات لضحايا العدوان. وثمة امثلة عديدة تشير الى امكان تغير المزاج الامريكي تجاه الكيان الاسرائيلي. وهناك الآن ضغوط شبه رسمية على اهم واجهات الضغط الصهيونية في الولايات المتحدة لتسجيل نفسها رسميا ك 'وكيل اجنبي اسرائيلي'، وهو تطور مهم سوف يزعج الاسرائيليين كثيرا. فقد وجه طلب بشكل رسمي لوزارة العدل الامريكية لتنظيم عمل 'لجنة الشؤون العامة الاسرائيلية الامريكية AIPAC'كوكيل اجنبي ل 'اسرائيل' لاسباب عديدة اوضحتها مذكرة الطلب المشار اليه. ومن بين تلك الاسباب ان هذه المؤسسة قامت كبديل ل 'المجلس الصهيوني الامريكي' الذي طلب منه في تشرين الثاني/نوفمبر 1962 تسجيل نفسه كذلك. وكان اثنان من موظفي تلك اللجنة قد ادينا بتوزيع وثائق سرية تم تسريبها من وزارة الدفاع الامريكية بهدف الضغط على الولايات المتحدة لضرب ايران. هذه المنظمة عقدت هذا الاسبوع مؤتمرها السنوي الذي تحدثت فيه وزيرة الخارجية الامريكية وقالت ان امريكا مستمرة في الصراحة مع 'اسرائيل' الى جانب التزام ادارة اوباما بحمايتها.

في الأوان الاخير ظهرت للمرة الاولى تساؤلات جدية خصوصا في اوساط القادة العسكريين الامريكيين حول مدى واقعية الفرضية القائلة بان 'اسرائيل' تحمي المصالح الغربية خصوصا الامريكية في الشرق الاوسط. هذه الفرضية هي الاساس القوي للاستراتيجية الغربية التي تتبنى الدعم المطلق للكيان الاسرائيلي، وضمان تفوقه العسكري على الدول العربية. ويعتبر التشكيك في مدى فائدة 'اسرائيل' لضمان المصالح الغربية، تطورا نوعيا من شأنه، فيما لو تم تدعيمه بعمل سياسي واعلامي عربي واسلامي، يمكن ان يحدث اختراقا نوعيا في تلك الاستراتيجية. ويمكن اعتبار نقطة التحول في التفكير الاستراتيجي الغربي منبثقة عن ظروف الحرب التي شنتها قوات التحالف ضد القوات العراقية التي اجتاحت الكويت في الفترة 1990 - 1991. فقد كان رد فعل الجماهير العربية الرافض لتلك الحرب عاملا جوهريا لمنع 'اسرائيل' من التدخل في تلك الحرب. وحتى عندما اطلقت القوات العراقية بعض الصواريخ ضد الكيان الاسرائيلي، طلب الامريكيون من الاسرائيليين عدم الرد، وقاموا بتنصيب شبكة متطورة من صواريخ 'باتريوت' في الاراضي المحتلة لاعتراض الصواريخ العراقية. منذ تلك اللحظة بدأ العد التنازلي لما كان هناك من 'أهمية' استراتيجية مزعومة للكيان الاسرائيلي كحام للمصالح الغربية في المنطقة، اذ اصبح في نظر الساسة الغربيين 'عبئا' عليهم وعلى سياساتهم، وكان التدخل الاسرائيلي سيفشل مشروع الحرب وما يتلوه من تسويات سياسية نظرا لحساسية العرب والمسلمين تجاه اي تدخل عسكري اسرائيلي. هذا التفكير تعمق تدريجيا مع التطورات اللاحقة. فكان صدور تقرير الامم المتحدة حول مجزرة 'قانا' التي ارتكبها الاسرائيليون خلال عدوانهم على لبنان في نيسان/ابريل 1996، محرجا للدول الغربية، وان كانت الولايات المتحدة قد استعملت حق النقض 'الفيتو' لمنع صدور قرار دولي عن مجلس الامن يدين تلك المجزرة. فلا شك ان ادارتي بيل كلينتون، وجورج بوش كانتا واقعتين تحت تأثير اللوبي الصهيوني الذي منع الساسة الامريكيين من مراجعة سياساتهم ومدى انسجامها فعلا مع المصالح القومية الامريكية. ولكن الديناميكية السياسية المرتبطة بالشرق الاوسط عامل مهم في احداث التغيرات التي تبدو مستحيلة احيانا. فالتداخلات السياسية تعقدت بدرجة جعلت المصالح الغربية معرضة لتهديدات اكبر بسبب التلازم الاستراتيجي الذي يصر عليه بعض الساسة بين الغرب و'اسرائيل'. واتضح الآن، بشكل واضح، ان الجنود الامريكيين يدفعون ثمنا باهظا لدعم حكوماتهم للكيان الاسرائيلي الذي لم يتردد في احراجها مرارا.

في الاسبوع الماضي، وقف الجنرال ديفيد بترايوس، امام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الامريكي ليقول: 'ان العداء بين اسرائيل وبعض جيرانها يطرح تحديات متميزة لقدرتنا على الدفاع عن مصالحنا في المنطقة' مضيفا: 'ان الغضب العربي حول المسألة الفلسطينية تحدد قوة شراكة الولايات المتحدة وعمقها مع حكومات المنطقة وشعوبها'. جاءت هذه الافادات في ضوء التوتر الذي شاب العلاقات بين واشنطن وتل ابيب حول بناء المستوطنات. فقد جاء الاعلان الاسرائيلي عن وجود خطة لبناء 1600 وحدة سكنية في القدس وعدد آخر في الضفة الغربية ليحرج نائب الرئيس الامريكي، جو بايدن، الذي كان في زيارة رسمية للكيان الاسرائيلي. بينما قال ديفي أكسيلرود، المستشار السياسي الرئيسي للرئيس اوباما بان الاعلان عن بناء المستوطنات يهدف لاجهاض المحادثات غير المباشرة مع الفلسطينيين'.هذا الشعور الرسمي الامريكي يقابله شعور ليس خاصا بالعرب والمسلمين بل هو مختزن لدى غيرهم كذلك بالاستغراب من استمرار الهيمنة الاسرائيلية على القرار الامريكي. ومن هؤلاء السيد كريستوفر مايور، السفير البريطاني في واشنطن، الذي قال في مقابلة تلفزيونية مؤخرا ان التأثير الاسرائيلي على الحكومات الامريكية اكبر كثيرا من اية دولة اخرى'. المشكلة ان الولايات المتحدة هي التي تقود المشروع السياسي الغربي تجاه العالم خصوصا الشرق الاوسط، ولذلك يجد الغربيون انفسهم في موقف صعب وهم يتلمسون طريقهم نحو حل القضية الفلسطينية. مع ذلك يمكن الادعاء بان الاسرائيليين انفسهم بدأوا يقلقون من اتجاهات الرأي العام الغربي تجاههم. ففي السنوات الاخيرة تراجعت حظوظهم في اوروبا، حيث تصاعد ما يسمى 'المشاعر المعادية للسامية' في اغلب بلدان اوروبا، خصوصا بعد حربي تموز/يوليو 2006 ضد لبنان والعدوان على غزة مطلع العام الماضي. فهناك شعور يتوسع باضطراد ضد السياسات الاستعمارية والعدوانية في دول العالم الثالث، لا سيما في الاوضاع الاقتصادية المتردية التي تعصف بالولايات المتحدة وبريطانيا بشكل خاص.

وثمة شعور آخر بان الكيان الاسرائيلي نفسه يعيش ازمات على اصعدة شتى: الموقف ازاء الفلسطينيين ومشروع الدولتين الذي تلاشت حظوظ نجاحه تدريجيا لاسباب شتى من بينها التعنت الاسرائيلي، صعود التطرف اليميني الى الحكم، الشعور بالاحباط الذي انتشر في نفوس الكثيرين بعد الاداء العسكري الضعيف في الحربين الاخيرتين، حالة الصراع الداخلي بين مكونات الكيان الصهيوني، سياسيا وثقافيا، وشعور اليهود الشرقيين بوجود حالة تمييز واسعة ضدهم. يضاف الى ذلك توسع دائرة السخط السياسي في الاوساط الكنسية كردة فعل لسياسات الحكومة الحالية التي تستهدف المقدسات الاسلامية والمسيحية بشكل منهجي. وبرغم محاولات التصالح مع الفاتيكان حول قضايا التاريخ والانتماء الديني، لا تبدو آثار ذلك التصالح واضحة، بل ربما استبدل التصالح بالمزيد من الازمات وتوتر العلاقات. وتعمقت حالة الاحباط بعد الفشل الذريع الذي صاحب الجريمة التي اقترفها الاسرائيليون باغتيال الفلسطيني محمود المبحوح في دبي. صحيح ان الضحية المستهدف لم يفلت من الجريمة، ولكن تبعاتها خطيرة، حتى يكاد الفتق يستعصي على الراقع. فقد توترت العلاقات مع عدد من الدول الغربية خصوصا بريطانيا والمانيا وفرنسا وكندا، بسبب استعمال جوازات سفر هذه الدول في تنفيذ الجريمة التي شجبتها الامم المتحدة واثارت حفيظة المسؤولين في دولة الامارات العربية. وثمة تساؤلات داخل الكيان الاسرائيلي: هل الثمن السياسي الذي دفعته 'اسرائيل' يعادل النتيجة؟ ألم يكن بالامكان تحقيق الاغتيال بثمن أقل؟ فها هي بريطانيا تطرد دبلوماسيا اسرائيليا بعد ان مارس 'عملية استنساخ' للجوازات البريطانية التي استعملت في جريمة الاغتيال، فما النجاح الذي حققه الصهاينة؟ وكان بالامكان تنفيذ عملية الاغتيال بطرق أقل تعقيدا وبأثمان سياسية أوطأ تكلفة. وبالمقاييس المعتادة لا يمكن اعتبار عملية الاغتيال ناجحة، الا اذا استطاع منفذوها اخفاء آثارهم تماما.

لقد تمادى الاسرائيليون في استفزازاتهم ليس للفلسطينيين فحسب، بل لاصدقائهم كذلك. فبينما كان نتنياهو في طريقه لمقابلة الرئيس الامريكي في واشنطن، كان عمدة القدس، نير بركات، يعلن عن مشروع استيطاني جديد تحت اسم' حدائق الملك' في حي سلوان بالقدس الشرقية، على انقاض 80 منزلا فلسطينيا يزمع هدمها. انه تحد كبير لادارة اوباما، ومؤشر لمدى استعداد واشنطن لاتخاذ سياسات جديدة تحتوي الغطرسة الصهيونية المتصاعدة. فليس المقصود منها تسجيل موقف سياسي تفاوضي، بل فرض امر واقع يفرض نفسه على الآخرين، سواء الفلسطينيين ام الامريكيين. انها محاولة اخرى لتخفيف آثار الهزيمة النفسية للمستوطن الاسرائيلي التي تعمق مشاعر الاحباط واليأس في مجتمع ما يزال يبجث عن هوية وشرعية. بعض المحللين الغربيين يعزو ذلك للشعور المفرط بالعظمة والقوة بعيدا عن ادوات التقييم الواقعية والموضوعية. البعض الآخر يعتقد ان اعادة قراءة التجربة السياسية الواسعة من شأنه ان يوفر على المعنيين جهودا كبيرة تضيع في غير طائل. وستظل 'اسرائيل' تعاني من ازمتي الانتماء والهوية، وغير قادرة على تثببيت حدود كيانها السياسي، الامر الذي يحمل في ذاته استمرار الازمة وتصاعد العنف، والصراع ضد قيم الانسانية. الامر المؤكد ان 'اسرائيل' اليوم ليست كما كانت عليه في السابق، وان ضحايا العدوان اصبحوا اكثر من ان تحصيهم الارقام او تصمت على الجرائم بحقهم ضمائر الاحرار. الصهاينة يشعرون انفسهم في سباق مع الزمن لتثبيت امر واقع يستعصي على التغيير، ويتجاهلون ان الزمن قد تجاوزهم، وربما بلغت حركته نقطة اللاعودة ضد مشروعهم الاستيطاني التوسعي. اما واشنطن فهي في وضع لا تحسد عليه، بين ان تحمي مصالحها وجنودها بمفاصلة مع الكيان الاسرائيلي، او تستنهض التاريخ الحديث لتسير على خطى الرؤساء الذين كانوا متصهينين اكثر من الصهاينة. انه صراع ليس للحفاظ على مصالح 'اسرائيل' بل حماية المصالح الامريكية التي تدفع فواتير الاجرام الصهيوني الذي لا يتوقف. لقد فشل الساسة المدنيون في واشنطن، بينما أدرك العسكريون ان جنودهم يدفعون تلك الفواتير في افغانستان والعراق وفي البؤر الساخنة الاخرى، وبدأوا يرسمون خطوطا حمراء بين مصالحهم القومية والمصالح الاسرائيلية، وهو ما لم يدركه ساسة البيت الابيض بعد.

' كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

============================

حماية الأقصى ليست قضية الأمم المتحدة !؟

عرفات حجازي

 الدستور

24-3-2010

 أرتفعت أصوات أردنية وفلسطينية وعربية واسلامية تناشد الامم المتحدة والمجتمع الدولي لمنع اسرائيل من الاستمرار في استفزازاتها واعتداءاتها في القدس الشرقية وخاصة ما يتعلق بالمسجد الأقصى والأوقاف الاسلامية وبالرغم من التطمينات الكاذبة التي يعلنها المسؤولون الدوليون وخاصة في اللجنة الدولية واللجنة الرباعية في مجلس الأمن حول الاعتداءات على المقدسات الاسلامية ومواصلة الاستيطان في أراضي الوقف الاسلامي الا أن الجميع يدركون أن هذه المواقف الدولية كاذبة لأن المجتمع الدولي يدرك أن حق حماية هذه الأماكن هي لإصحابها الذين لا بد أن يضحوا من أجل حمايتها...

 

ولا بد هنا من أن نعود لنؤكد أن المرحوم أنور الخطيب الذي كان يشغل منصب محافظ القدس التابع للحكومة الأردنية طلب الاجتماع مع المرحوم ياسر عرفات بواسطتي بصفتي كنت في ذلك الحين مستشاره الاعلامي وحرص المرحوم الخطيب أن يكون الاجتماع سرياً للمحافظة على هيبة وكرامة السلطة الفلسطينية وفعلاً جرى الاجتماع في بيت المرحوم أبو جهاد وبحضوره أبلغ الخطيب الرئيس أبو عمار أنه حتى ذلك الحين جرى تأسيس أكثر من ثلاثين حزبا اسرائيليا جميعها تطالب الحكومات والمسؤولين الاسرائيليين من سياسيين الى متدينين لإتخاذ كل الاجراءات لهدم المسجد الأقصى واقامة هيكل سليمان المزعوم مكانه.

 

وبعد جدال طويل قال الخطيب: أنني أعرف أنكم تحاولون الشكوى للأمم المتحدة والمجتمع الدولي ولكن اؤكد لكم أن هذا لن يؤدي الى أية نتيجة لأن صوت اسرائيل أعلى من اصواتنا وأن للمسجد ربّا يحميه ولكن الرب الذي بارك هذه الأمة التي جعل المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وفضلها بذلك على كل العالمين جعل أيضاً حماية هذا المسجد والمقدسات من حوله من مسؤوليتها وما دام أن السلطة الفلسطينية قامت من أجل حماية المقدسات والأرض وكل الوطن فإن مسؤولية حماية الأقصى هي مسؤوليتها وحدها ...

 

وقال الخطيب أنني أمثل الأردن في موقفي الرسمي الوظيفي في القدس وقد أتخذت كل الإحتياطات منذ سنوات لمنع أي عدوان على المسجد والمقدسات وقمت بتعيين حراس مدربين لمنع صعاليك المتدينين من الوصول الى المسجد وساحاته ولكن لأنكم في السلطة الفلسطينية تشعرون أنني أتدخل في شؤونكم ورفعتم شعار"القرار الفلسطيني المستقل" رأيت أن نلتقي وأعلن أننا نحرص على أن يكون القرار الفلسطيني مستقراً ولكن أن يكون قراراً فاعلاً لهذا جئت لأقول لكم أن محاولات اليهود في انتهاك حرمة المسجد لم تتوقف بل هي في إزدياد وأنكم لم تفعلوا شيئاً مع أن الحل في أيديكم وهو أن نتعاون بتعيين مائتي حارس من المدربين والمؤمنين بشرف القيام بهذه المهمة وأنني أضع بين أيديكم قائمة بهذه الكمية من الحراس المؤمنين بقضيتهم وأني اقترحت رواتب رمزية لهم وهي مئة دينار شهرياً فقط لا غير وأنني أعتقد أن هؤلاء هم فقط الذين سيحفظون للمسلمين مسجدهم وللعرب كرامتهم وليس الأمم المتحدة التي تقابل محاولات الاعتماد عليها بالهزء والسخرية لأنهم هم أول من يشجع اسرائيل على انتهاك حرمات المسلمين كما يعرف حتى الطفل الفطيم.

 

ولا زلت أذكر كيف تحمسَ المرحومان أبو عمار وأبو جهاد وابلغا أنور الخطيب موافقتهما الفورية وطلبا منه الاستعداد لدعوة الحراس المقترحين ، وأن القضية لا تستحمل أكثر من أيام حتى يمكن توفير المبلغ المطلوب.

 

وقبل وفاة المرحوم الخطيب التقيت به وسألته عن الموضوع فقال وهو يشعر بالحزن : على ما يبدو أن هناك عجزا في تأمين قيمة رواتب الذين سيحرسون الأقصى ويحفظونه من كل سوء.

وأرجو ألا يبقى تعيين الحراس عائقاً حتى هذا الوقت الحزين ..

============================

نتنياهو في واشنطن لانقاذ اوباما أم لتوريطه؟

محمود ابراهيم الحويان

 الدستور

24-30-2010

رسالة واضحة ، ارسلها نتنياهو قبل ان يغادر الى واشنطن ، عنوانها (الاستيطان في القدس ، لا يختلف ابدا عنه في تل ابيب) ، ولمن يريد تفسيرا اكثر ، فانه اعتبر ان القدس جميعها بالنسبة له ولحكومته ، مثلها مثل تل ابيب ، فأي اجراء على الارض ، يتم في واحدة ، يمكن ان يتم في الاخرى.

 

هو يعلم ، انه يرتكز على لوبي صهيوني في الكونغرس الامريكي ، قادر على زحزحة الكرسي الرئاسي في ذلك المكتب البيضاوي ، الذي يجلس عليه باراك اوباما ، بصفته رئيسا للولايات المتحدة الامريكية.

 

لكن الكارثة الكبرى ، ان الادارة الامريكية ، ترى نفسها وقد احرجت بكثرة الحديث عن حل الدولتين ، ورجاء اسرائيل ان توقف المستوطنات ، لان ذلك يضعف من صورتها امام اصدقائها العرب.

 

لدرجة ان الخارجية الامريكية ، وعلى لسان كلينتون قالت ، ان حكومة نتنياهو ، تدخل امريكا في حرج ، ليس مع العرب فقط ، بل مع دول العالم ، وهذا يؤثر بشكل واضح ، على وضعها في العراق ، وافغانستان.

 

ولان أمريكا ، ومنذ غزوها للعراق ، وحتى هذه الايام ، أي بعد ما يزيد على سبع سنوات على سقوط بغداد ، تعلم جيدا هي وجنودها (المرابطين) هناك ، انهم لم يحققوا نصرا ، ولم يأتوا بأي ديموقراطية حقيقة.

 

بل مزيد من التجويع والتركيع للعراق ، لدرجة ان الحكومة العراقية ، طلبت مؤخرا قرضا من البنك الدولي ، بقيمة مئة وخمسين مليون دولار ، لتسيير امور اساسية مستعجلة ، بعد ان كان العراق يصدر النفط للعالم في يوم من الايام.

 

وكذلك فان المسألة الايرانية ، وتسخين الاجواء بين طهران وواشنطن ، وما يتعلق بزيادة فرض عقوبات اقتصادية ، تعلم الولايات المتحدة انها لن تضر ايران كثيرا ، ولن تتأثر بها على الاطلاق ، بل سيزيد من تعاطف بعض الدول المجاورة والحليفة لها.

 

لكن اوباما ، حتى وهو يظهر على التلفاز ، مخاطبا الشارع الايراني وحكومته ، ومستثنيا نجاد من الحوار ، لا يعرف ان الايرانيين ، وان اختلفوا مع رئيسهم ، الا انهم لن يقدّموه على طبق من ذهب ، لعيون امريكا.

 

فهل وصلت الادارة الامريكية ، بهذه الدرجة من السخافة والسطحية ، بحيث تصبح العوبة بيد الصهيونية واسرائيل ، لكي تقوم باستعداء الدول ، واحدة بعد الاخرى ، من اجل عيون تل ابيب.

 

حتى بعد وصول الاقتصاد الامريكي ، الى درجة مخجلة ومتردية ، نتيجة الاستنزاف الجائر ، بدفع تكاليف الحروب ، سواء في العراق او افغانستان ، او على مستوى الدعم اللوجستي ، للقواعد الامريكية في المنطقة.

 

وربما يتساءل الامريكيون ، ما لنا والشرق الاوسط ؟ ولماذا نستعدي تلك الدول ؟ فالنفط يصل الينا بيسر وسهولة ، وليس من عائق يمنع انسيابه ، حتى اصبحنا ملعونين في العالم العربي والاسلامي ، من اجل خاطر اسرائيل.

 

ويتألمون ، وهم يرون الصور ، التي يعود فيها الجنود من افغانستان ، فأما ان يكونون في نعوش ، او ينتظرون على الدور ، في قوائم طويلة ، من اجل تركيب اطراف صناعية ، او يترددون على عيادات نفسية ، من روعة وهول ما رأوا ، وقتلوا.

 

ترى ، ما الذي سوف يمليه نتنياهو هذه المرة ، على الرئيس الامريكي ؟ هل سيطلب منه اسلحة حديثة ومتطورة جدا ، لقصف المفاعلات النووية الايرانية ؟ ويقول لواشنطن ، نحن اولى واقرب ، والاقربون اولى باشعال الفتيل؟.

 

هل سيسمح لمن بقي من العقلاء الامريكيين المستقلين ، ان يرفض ذلك الطلب ، بان يذكّره ان في ذلك ، اشعال للمنطقة عن بكرة ابيها ؟وبالتالي لا بترول ولا مصالح ، ولا تجارة ولا حلفاء.

 

المؤكد ان نتنياهو ، هو الذي سيفرض رايه ، وان البيت الابيض هذه الايام ، لا حول له ولا قوة ، فهو غارق حتى اذنيه ، في العراق وافغانستان ، وبالتالي ، لا يبحث عن حرب من نوع اخر مع ايران ، رغم كل هذا التصعيد ، الذي نراه ونسمعه يتكرر يوميا من قبل المسؤولين الامريكان.

 

اللافت في الزيارة انها ليست الاولى ، بخصوص هذا الموضوع بالذات ، فقبل خمس سنوات ، وفي عام 2005 ، طلب ارائيل شارون ، من الرئيس الامريكي السابق بوش الصغير ، الضغط لنقل الملف النووي الايراني ، الى مجلس الامن ، اضافة الى بحث الخيار العسكري ، ضد المنشآت النووية الايرانية.

 

المشكلة بالنسبة لتل ابيب ، هي عدم قدرتها على عمل عسكري فاعل ، تدمر من خلاله المشروع النووي الايراني ، لانه موزع في مواقع عدة ، ومحصنة بعشرات الامتار تحت سطح الارض ، وهو ما يحتاج الى قوة عظمى.

 

نتنياهو هناك اليوم في واشنطن ، ولنفس الطلب ، وربما بصورة اخرى ، فهل طوّرت اسرائيل صواريخ وقنابل حديثة ، لكي تقوم بالضربة لوحدها ؟ ام انه يريدها بمشاركة القوات الامريكية ؟ وباقرب وقت ممكن.

 

وتبقى مسألة مهمة ، هي هل ستكون نتائج محادثاته هناك ، من اجل انقاذ اوباما ، ام من اجل توريطه ؟ الصيف اقترب ، والخيارات مفتوحة ، والشارع العربي مشغول بتوافد الرؤساء العرب على ليبيا بعد يومين ، لمؤتمر لن يأتي بجديد.

============================

إسرائيل وسياسة الفوضى المبرمجة

د. جلال فاخوري

الرأي الاردنية

24-3-2010

تعتبر قضيتا السلام والعدل من أعمق الفضائل الإنسانية رغم صعوبة التوثيق بينهما على نحو دائم، فتفضيل السلام في تحقيق الأمن والاستقرار قد يعني التضحية بالعدل حين يؤدي السلام إلى تجميد حالة عدم التكافؤ القائمة، وعلى العكس فإن تفضيل العدالة أملاً في إشباع المطالب المشروعة، ربما يفضي إلى السماح بمشكلات قد تعرّض السلام للخطر. ويُلاحظ أن هذا التناقض والتعارض قد أنهى مسألة التكامل التي يفترض أن تكون بين السلام والعدل مما يعني عدم القدرة على تطبيق هذه المسائل. ورغم أن المدارس والمذاهب السياسية التي يجب أن تستمد قواعدها ومرتكزاتها من المدارس السياسية النظرية إلاّ أن الواقع أقوى من كل هذه المذاهب والمرتكزات. هنا نجد أنفسنا أمام السؤال العميق إلى أي المدارس والمذاهب السياسية تنتمي إسرائيل؟ من المعروف أن المدارس السياسية تقسم إلى ثلاثة أو أربعة أقسام أو اتجاهات: فالمدرسة الأخلاقية التي تأخذ منها إسرائيل طابعها الديني تذهب إلى أن الدين عامل مهم في تكييف السياسات الواقعية والأخلاقية من حيث الهدف والقصد والعدالة في المطلب وهذا ما يجعل إسرائيل دوماً تنظر إلى أن الدين اليهودي يجب أن يسيطر على الأخلاق اليهودية وبالتالي أن يتحكم في السياسة. ومما يلاحظ أن الهدف وسلامة القصد وعدالة المطلب هي من المرتكزات التي لا تتجاهلها إسرائيل ولعل الطلب الإسرائيلي مؤخراً في ضرورة الاعتراف بيهودية الدولة هو شرط أساسي تلزم إسرائيل نفسها به ولذلك ترى إسرائيل أن كل تصرف لها مبرر دينياً أو هو واجب ديني يصعب تجاهله وهذه المسألة كان على العرب أن لا يتجاهلوا أو يسقطوها من تفكيرهم تجاه إسرائيل، لكن السؤال الذي يجب أن تواجهه إسرائيل هو هل الاكتفاء بالأخلاق الدينية توفر العدالة والسلام؟ المسألة من وجهة نظر إسرائيل معقّدة لأنه ليس بإمكانهم تجاهلها ولا في قدرتهم الاحتفاظ بها. أما المدرسة الثانية هي المدرسة السياسية الواقعية الميكافيللية المستندة إلى العقل والمنطق في الحكم السياسي والمرتكزة بدورها إلى عدم إسقاط فكرة ممارسة الحرب مطلقاً من اعتباره حيث كل الوسائل مشروعة طالما أنها تؤدي إلى الهدف. ويُلاحظ أن إسرائيل تسلك حسب المفهوم الميكافيللي الذي يذهب إلى ضرورة تحقيق الهدف بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة وفي حالة إسرائيل كل الوسائل غير المشروعة هي مشروعة في نظرها. أما المدرسة الفلسفية الثالثة هي مدرسة توماس هوبس التي تذهب إلى أن الإنسان هو دوماً في حالة صراع مع أقرانه من البشر ومن وجهة نظر إسرائيل أن الصراع العربي الإسرائيلي أمر طبيعي. يًُلاحظ أن إسرائيل في سلوكها السياسي تنتمي إلى جميع المدارس حيث تأخذ ما يهمها من هذه المدارس. والسؤال الآن هل فهم العرب منذ ستين عاماً إلى أين تتجه إسرائيل أو إلى أي مدرسة أو مذهب تنتمي؟ إن الفكر الإسرائيلي لا يستطيع أن يكون منظماُ بل هو دائم الفوضى لأن النظام له مفهوم معيّن أما إسرائيل فيصعب فهمها تبعاً لمصالحها وأهدافها.

 

و رغم الفوضى الفكرية السياسية الإسرائيلية إلاّ أنها تستند إلى نظرية فكرية فلسفية علمية بعكس المفهوم العربي الذي يخلو من أية نظرية فلسفية فكرية علمية قادرة على المواجهة. وإذا كان السؤال عن إسرائيل إلى أي المدارس تنتمي فإننا نوجّه سؤالنا إلى العرب إلى أي المدارس السياسية ينتمون؟.

============================

وستشتعل القدس مجدداً!

بقلم: عكيفا الدار‏

ترجمة

الأربعاء 24-3-2010م

ترجمة : ريما الرفاعي

الثورة

كان بنيامين نتنياهو محقاً بالفعل عندما قال انه منذ 1967 لم توقف أي حكومة اسرائيلية البناء في القدس بشقيها الشرقي والغربي.

ومنذ أن طبقت حكومة ليفي اشكول السيادة الاسرائيلية على القدس الشرقية وضمت اليها القرى حول المدينة، جرى التعامل مع «القدس الموحدة» بالنسبة لكل الحكومات المتعاقبة كجزء لا ينفصل عن اسرائيل.‏

لقد كان بوسع رئيس الحكومة ان يأمر وزير الداخلية أن يؤخر قليلا البحث في اللجنة اللوائية لخطة توسيع حي يهودي وراء الخط الاخضر، وكان يستطع ان يطلب الى رئيس البلدية تأجيل تقديم خطته لتغيير وجه الحوض المقدس، لكن لا يستطيع اي رئيس حكومة صهيوني ان يتلفظ بعبارة «انا التزم بتجميد البناء في القدس».‏

كما ان محمود عباس محق تماما. فمنذ 1967 لم تعترف أي دولة بضم شرقي القدس الى اسرائيل. كما ان القدس الشرقية والغربية لا تستضيف أي سفارة أجنبية. بل إن الرئيس جورج بوش الذي اعتبر داعماً كبيراً للصهيونية، حرص على أن يوقع في كل ستة أشهر على تعليق القانون ساري المفعول منذ سنة 1995 والخاص بمنع نقل سفارة الولايات المتحدة الى القدس. ويرى الفلسطينيون انه لا يوجد اي فرق بين إجازة خطة لبناء مئات الوحدات السكنية في رمات شلومو وبين إقامة بؤرة استيطانية جديدة قرب عوفر. بل ان تعزيز الوجود الاسرائيلي في القدس الشرقية ، عند منحدرات الحرم الشريف ، يضر بهم اكثر من إقامة منطقة صناعية جديدة قرب مستوطنة اريئيل بأضعاف مضاعفة.‏

والرئيس الاميركي باراك اوباما محق هو ايضا. فقد توقع الوسيط الاميركي ان يمتنع بنيامين نتنياهو في الاشهر القليلة المقبلة عن تغيير الوضع الراهن في المناطق التي هي مطروحة على مائدة التفاوض. لقد أدركوا في واشنطن ان نتنياهو لا يستطيع ان يسمح لنفسه بأن يعلن تجميد البناء في شرقي القدس، لكنهم أرادوا في المحصلة العامة ألا تعلن اسرائيل توسيع البناء في شرقي القدس. وللأسف خاب أمل الاميركيين ألا تفاجئهم حكومة نتنياهو بالاعلان عن خطة جديدة في اثناء زيارة نائب الرئيس وعشية البدء بمحادثات التقارب.‏

والرئيس الايراني محمود احمدي نجاد محق اكثر من الجميع وهو مرتاح اليوم لأن القدس هي جبهة ايران وحلفاؤها المفضلون للمواجهة مع الولايات المتحدة . لا تستطيع طهران تأمل مكان اكثر راحة وتوقيت أفضل وهي ترى الجماعة الدولية مكشوفة وعاجزة حيال اسرائيل بينما قادة الدول العربية الذين سيجتمعون في طرابلس، لن يكون أمامهم سوى الترحم على مبادرتهم السلمية المعروضة منذ 2002 دون أن يشتريها أحد.‏

وحسب تجربة الماضي، لعل نتنياهو كان يتوقع أن يخف الاهتمام بالبناء في رمات شلومو كما يخف الاهتمام بحوادث الطرق القاتلة. بعد يوم او يومين تعود الحياة الى مسارها السابق، حيث واشنطن السياسية ستكون مشغولة بانتخابات الكونغرس التي ستجرى بعد أقل من ثمانية أشهر. ومن المعروف أن سنة الانتخابات هي موسم ازدهار جماعات الضغط الموالية لاسرائيل والتي لها تأثير كبير في الحزبين وفي حزب الرئيس اوباما بالذات. وعبارة «القدس الموحدة، عاصمة الشعب اليهودي »، كانت دائماً السلاح الامضى لليمين الاسرائيلي واليهودي في الانقضاض على مبنى الكبيتول.‏

تذكر قصة رمات شلومو جميع محبي القدس الحقيقيين بأن هذه المدينة الصعبة هي صخرة وجود السلام بين اسرائيل والفلسطينيين، وبين الأديان الثلاثة التي تؤمن بقداستها. الأزمة الجديدة حول الإخلال بالوضع الراهن في شرقي القدس تجسد الخطر الكامن في تأخير حل الخلاف بشأن السيادة على المدينة والذي سيظل بمثابة برميل بارود الى نهاية المباحثات في التسوية الدائمة. واذا ظل البرميل مفتوحاً، فسوف يكون هناك متطرف او غبي، او رئيس بلدية مثل نير بركات او أي شخص آخر يرمي الثقاب.‏

سوف تشتعل القدس ، إن لم يكن ذلك غداً فبعد غد. وأزمة تجميد البناء هي المؤشر الأخير على اقتراب موعد الانفجار. وليس ثمة وقت اضافي لمحادثات التقارب ولرحلات مكوكية أخرى لمبعوثين رئاسيين رفيعي المستوى. هذا هو وقت زعيم القوة العظمى باراك اوباما كي يدفع بخطته القائمة على إقامة دولتين عاصمتهما القدس، وكل تأخير سوف تدفع ثمنه شعوب المنطقة والسياسة الاميركية نفسها التي يتوقع منها أن تتعامل مع هذه التطورات بالحزم المطلوب قبل فوات الأوان.‏

============================

سحر الأيديولوجيا وسرُّها

بقلم :محمود حيدر

البيان

24-3-2010

لم تغب الايديولوجيا لكي تعود. والذين أعلنوا موتها قبل نحو عقدين، عادوا هم أنفسهم ليراجعوا أحكامهم الصارمة. وحين وصفها أحد علماء الاجتماع في الغرب بأنها أشبه ب«قنبلة في الرأس» يستحيل تفكيكها، كان في ذلك يعني أن الايديولوجيا تتصل بنا اتصال الأسماء والصفات.

فلا تغادرنا، حتى ونحن في ذروة ادعاء الحياد وعدم التحيُّز. هنا سوف نحاول الاقتراب من الايديولوجيا، من نافذة التأويل..

 

لو كان لنا أن نأتي بتمرين لفظي يدل على مفعول الكلمات في الناس وفي الأشياء، لتحصَّل لنا ذلك بالأيديولوجيا، ففي هذا التمرين مثل عزَّ نظيره في عالم المفاهيم.

 

لكننا لسنا على يقين من أننا إزاء الأيديولوجيا أمام مفهوم اعتيادي. فلئن كان كل مفهوم على ما نعلم، هو وعي بالقوة لا يغادر حصنه الذهبي إلاَّ بإرادة تحيله إلى مهمة في الواقع، فالأيديولوجيا هي الوعي والإرادة في آن.

 

فإنهما لا يفترقان ولا يتباينان، ولا يتقدم أحدهما على الآخر ولا يتأخر. فالمفهوم كما يسري في هذه المنطقة المعرفية، التي تسمَّى الايديولوجيا، هو المهمة وأفكارها.. الممارسة وخطابها، حيث تطلع الكلمات من الحقل ثم ينداح الحقل بفعل الكلمات.

 

المسألة هنا هي مسألة الفاعل الذي هو الإنسان، فهو الذي يحفر في الحقل بالكلمات، ليعود الحقل إيَّاه فيسدِّده ويوعِّيه ويرشده، أو ليضيف ويعدِّل من لغة الفاعل.. وذلك كله في رحلة لا نهاية لها.

 

وإذا كانت خصيصة كل مفهوم، تكمن في ما يستدعي ظنيَّة الدلالة عليه، فإن الأيديولوجيا لا تُرى إلاَّ في كونها أمراً محمولاً على الظن واليقين معاً. ذلك أنها فكرةٌ وحدثٌ في آن. فإذا كانت الفكرة مبعثاً للظن، فالحدث بما هو وجود عياني ومتشخص، هو مبعث لليقين.

 

فكيف إذا كان الحدث والفكرة متَّحدين في مجال واحد! الأيديولوجيا إذاً، هي فكرة حادثة، وفي الوقت عينه هي حادث يستولد الأفكار كلما طال أمد اشتغال الفاعلين في حقولها.

 

هل يعني هذا تعذُّر التوصيف أو بلوغ معنى محدد للإيديولوجيا؟

 

كل صفة تكتسبها الايديولوجيا تتأتى من فعلها، ولا تتحصَّل الكلمات المؤسِّسة للخطاب الايديولوجي إلاَّ بفعل التبادل بين النَّسق والفعل، بين البنية والحدث، وبين خصوصيات الحيِّز الاجتماعي والفاعلين فيه.

 

إن الكلمات، على ما تبين التأويلات المعاصرة، تعدُّ جزءاً من البنية بوصفها قيمة اختلافية، وهي بهذا المعنى ليست سوى افتراض دلالي. كما تُعدُّ جزءاً من الفعل ومن الحدث، وبهذا فإن آنيتها الدلالية تكون معاصرة لآنية العبارة المقدرة للتلاشي.

 

تتصف الأيديولوجيا بكونها متعددة الصفات كفاعلها، أي الإنسان المتحيِّز. ولقد كان من أبرز إنجازات كارل مانهايم، أنه أدرك هذه المشكلة فراح يوسع مفهوم الإيديولوجيا إلى النقطة التي أصبح معها يضم الشخص الذي ينادي به نفسه.

 

بمعنى أن المفهوم صار هو الشخص الذي يمارس عملية الفهم، أي ذاك الذي يختبر فكره وشعوره وشغفه بالأمر المراد، إلى الحد الذي يمتلئ بكلماته ويقول؛ أنا هو الإيديولوجي..

 

أنا هي الأيديولوجيا. سوف يدحض مانهايم بقوة وجهة النظر القائلة بوجود متفرِّج مطلق، بمعنى وجود شخص غير متورط في اللعبة الاجتماعية، ويعتبرها ضرباً من المستحيل.

 

وأن نصِف شيئاً بأنه أيديولوجي، فلا يعني أبداً أننا نصدر حكماً نظرياً مجرداً، بل إن وصفاً كهذا ينطوي على معاينة اختبارية، لممارسة معينة، أو لرأي يتحرك في الواقع، تقدمه لنا هذه الممارسة. فكل منظور يتم التعبير عنه، هو أيديولوجي بشكل ما.

 

الشخص الأيديولوجي هنا، متعدد، في رأي مانهايم. ذلك أن كل إنسان هو في نفس الوقت استيهام وإدراك، لاعقلانية وعقلانية، لاوعي ووعي.. حياة على أرضية من الموت.. ذاتية جذرية وضرورة موضوعية، حب للذات وارتماء في أحضان الموضوع، فطرية واكتساب، مصير وتشكل، وكذلك استلاب وحرية.

 

الأيديولوجيا هي كذلك؛ إنها كل تلك الثنائيات المتعاكسة، المتفارقة، لكن الموحِّدة لها جميعاً في الوقت نفسه. يعني هذا أنها متعددة كأحوال فاعلها. لذلك يمكن القول إن فلسفتها تقوم على وجود جامع بين البساطة والتركيب. بين التناقض والتكامل.

 

وبالتالي، هي متعالية ومتحيزة. لكن لا يمكن الحكم عليها في منطقة التعالي، من دون أن تُرى صورتها في المتعيَّن السياسي والاجتماعي. لذلك سوف تُعرف الأيديولوجيا بالتثنية، أي بالمقابلة بين شيئين وأكثر.

 

وهي تُعرف باتحاد الكلمات والأشياء، حيناً على شكل تصور في الذهن، فتصبح وجوداً بالقوة، ثم لا تفتأ الإرادة أن تتدخل لتنقله بشغف حميم إلى وجود بالفعل. وحيناً آخر تُعرف على نحو التمثيل لوجودات واقعية تحمل على التفكُّر في أمرها، إما لجهة الإبقاء او لجهة الاستمرار لقلب السيرورة إلى وجهة أخرى.

 

ولأن الأيديولوجيا بسيطة، فإنها لا تدرك إلاَّ بالتركيب. لذا فهي في هذا المعنى عالم علاقات، لا تقوم إلاَّ به. أي عبر تفاعل الأجزاء الحية لذلك العالم، بما يمكن القول إن ثمة شَبَهاً بين الأيديولوجيا والعلاقة.

 

إذ تبعاً لقاعدة البساطة والتركيب، يبدو المفهومان وكأنهما يستويان على نصاب واحد. فالعلاقة لا تحدث إلاَّ بين حدَّين وأكثر. لو لم توجد الحدود فلا وجود للعلاقة. فإنها أي العلاقة على ما تنظر الفلسفة، هي أوهن مقولات الفكر، وهي الأكثر زوالاً وتبدلاً. ومع ذلك فهي موجودة مع كونها غير قائمة بذاتها.

 

بها تظهر الأشياء متحدة من دون أن تختلط، متميزة من دون أن تتفكك. وبها تنتظم الأشياء، وتتألف فكرة الكون. إنها تقتضي الوحدة والكثرة في آن. هي واحدة، وكثيرة بحكم خصيصة الألفة التي حظيت بها بين البساطة والتركيب.

 

إنها صوب آخر، تطلُّع، وميلٌ، ومرجعٌ، ويقتضي دائماً لظهوره وجود كائنين متقابلين على الأقل؛ صاحب العلاقة وقطبها الآخر، ثم الاتصال بينهما.

 

لو قُيِّض لنا أن نرى إلى الأيديولوجيا بوصفها كينونة فلسفية، لقلنا إنها العلم بممارسة الأفكار. أو العلم بجدلية ارتباط الأفكار المُحدِثة للأشياء، بالأشياء المحدِثة للأفكار. أما مجال عملها فيمكث على خط العلاقة الذي يصل الفكرة بالحدث، والحادث بالفكرة التي يعيد صنعها على نشأة أخرى.

 

أما خط العلاقة فيشتد ويرتخي، ينقبض وينبسط داخل حركة جوهرية، تتفاعل فيها الإرادة المنتجة للفكرة، بإرادة الموضوع الذي تقصده تلك الفكرة لتغيِّره. فيتحصَّل من ذلك خروج الظاهرة الأيديولوجية إلى ميدان الحركة والصراع.

 

عالم اليوم هو عالم ممتلئ بأفكار لا مناص لها من التحيُّز. ولكي تجد سبيلها إلى التحقق، فلن تكون بريئة ولا محايدة.. بل هي تبدو كما لو أنها تستأنف رحلتها على أحصنة ضارية!

باحث ورئيس تحرير «مدارات غربية»

============================

العراقيون أين المسار؟

بقلم :سيار الجميل

البيان

24-3-2010

يبدو واضحاً من خلال عملية الانتخابات العامة التي جرت في العراق مؤخراً، أن العراقيين تقدّموا خطوات واسعة للأمام، مقارنة بما كانوا عليه في تجربة الانتخابات السابقة. ورغم كل الهنات والأخطاء الإجرائية، ورغم كل الأمراض السياسية، وغيبوبة الإصلاحات الدستورية التي وعد بها كل العراقيين..

 

ورغم بقاء الانقسامات السياسية والاجتماعية التي فتّت في عضد المشروع الوطني حتى اللحظة، إلا أن زحف ملايين العراقيين إلى صناديق الاقتراع، لاختيار خارطة طريق جديد لمستقبلهم، وما حصلنا عليه من نتائج حتى الآن.

 

يمنحنا القدرة على القول إن العراقيين، بشكل عام، أدركوا الحاجة الملحة والضرورية لحياة سياسية جديدة ترعاها قوى وأحزاب مدنية، وتختفي منها كل أشكال التحزبات الدينية والطائفية والشوفينية الفاشلة..

 

سعياً لتأسيس مشروع جديد ترعاه قيم وطنية، ويكون بديلاً عن كل التجارب الصعبة التي مرت بالعراقيين في نصف قرن مضى، وبالأخص التجربة المؤلمة التي مروا بها على عهد الاحتلال.

 

إن تجربة انتخابات 2010 التشريعية، ورغم اعتمادها دستوراً نختلف مع بعض بنوده، ورغم كل ما أشيع عن تزويرات وخروقات، إلا أن مجرد زحف العراقيين لاختيار ممثليهم ضمن قوائم مفتوحة، قد منحنا الأمل في أن الشعب العراقي لا يمكنه البقاء متقوقعاً على نفسه.

 

ولا يمكنه أن يستمع من دون أن يقول كلمته، وأنه قد تعّلم كثيراً من التجارب القاسية التي مرت عليه، بكل ما تحمله من فواجع ومآس. صحيح أنه اليوم منقسم على نفسه طائفياً وقومياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً، جراء السياسات الصفراء التي مورست ضده.

 

إلا أن الانتخابات الأخيرة أوضحت أن العراقيين يرفضون كل القوى السياسية التي جاءتهم بعباءة دينية، أو بعمامة طائفية، أو بأجندة شوفينية. لقد سقطت أسماء معينة بذاتها، كونها لم تكن مؤهلة منذ البداية لأن تكون في أية سلطة تشريعية أو تنفيذية!

 

ولقد توضّح جلياً أن إرادة العراقيين أقوى من كل من يريد أن يجعل العراق رهينة للمحتل، أو ميداناً للفوضى، أو ساحة للإرهاب، أو مثوى للجهالة، أو منطلقاً للطائفية.

 

إن مجرد الوصول لتحقيق النسب التي أفرزتها الانتخابات في 2010، يكفي للقول إن العراقيين بدأوا يفكرون باختيار خارطة طريق لمستقبلهم، وإنهم يرفضون رفضاً باتاً أي طريق آخر قد يأخذهم إلى الدكتاتورية، أو يوصلهم إلى الفناء.

 

لقد علمتهم الريح الصفراء كثيراً، وسحقهم الإرهاب طويلاً، وعرفوا أن بلادهم التي بقيت موحدة وعصية على الانقسام حتى الآن، لا يمكنها أن تكون أبداً مستلبة ولقمة سائغة في أفواه الآخرين.

 

إن العراقيين، بشكل عام، ورغم انقساماتهم اليوم، فهم بحاجة أساسية إلى مشروع وطني متمدن، يجمعهم من خلال تشكيل حكومة مهما كان نوعها، إلا أنها تأتي وفي يديها برنامج واضح، وخطط عملية لتحقيق الأمن في الداخل، وللعمل من أجل تلبية ضرورات العراقيين الذين هرعوا بالملايين للتعبير عن إرادتهم.. وقالوا كلمتهم، واختاروا من يرونه الأصلح لقيادة البلاد.

 

وسواء كان هذا أو ذاك قد وصل من أجل مصالح ذاتية، أو مكاسب مادية، أو أهداف شخصية، إلا أن المشكلة الآن ليست في الشعب الذي أدى مهمته، بل المشكلة أساساً في القوى والأحزاب التي ستحكم البلاد لمرحلة مقبلة!

 

أعتقد بأن العراق سيمر في مخاض عسير آخر، وهو يواجه تحديات من نوع آخر، وأمامه خطوات صعبة أخرى، ولكن العراقيين يطالبون بتحقيق الحدود الدنيا من فرص العيش الكريم، والضرب بيد من حديد على كل المتجاوزين والمفسدين والقتلة والمجرمين..

 

ويطالبون أيضاً بالتحقيق في كل ما ارتكب من جرائم، وإظهار كل الحيثيات والأدلة، ومحاسبة كل الذين تجاوزوا واعتدوا وكانوا من الآثمين. إنهم يطالبون بتعديل كل المواد والبنود التي تضمنها الدستور، والتي وعد بتعديلها ولم تعدّل حتى اليوم، كي تبدأ صفحة جديدة من حياة العراق المدنية.

 

إن واقع العراقيين، بكل تشظياته وانقساماته اليوم، لا يمكن إصلاحه في سنة أو سنتين. إنه بحاجة إلى بداية حقيقية يقوم بها قادة وإداريون، اختارهم الشعب ليحققوا أهدافه ويصلحوا واقعه ويهندسوا حياته ويحققوا أحلامه.. وليس زعماء ليس لهم إلا التفرقة والطائفية والتحزب والتخندق والمصالح الخاصة.

 

لقد اختار العراقيون في تجربة الانتخابات الأخيرة، طريقاً جديداً لهم، واختاروا ممثليهم بالأسماء، وجسّدوا مطامحهم بمنطلقات مدنية لا غيرها أبداً. فمطلوب من الفائزين تجسيد إرادة شعبهم، والاتفاق على نهج جديد للبلاد، ومطلوب من كل نخب العراقيين التخفيف من غلواء الانقسام، والخروج من أثواب التعصب، والتوقف عن زرع الكراهية وبث الفتنة..

 

على من يتولى أمر العراق محاسبة نفسه قبل محاسبة الآخرين، وعلى العراقيين أن يحترموا بعضهم بعضاً، بلا تنكيل، وبلا تجريحات، وبلا إقصاء، ولا تهميش.. لتطوى ذكرى الماضي الكسيح، وتراعى حقوق الجميع وواجباتهم..

ربما لا يتفاءل البعض بالمستقبل، ولكن دعونا نشعل شمعة لتنير الظلام، كيلا يبقى العراق مزرعة للفوضى، أو محرقة للاجيال المقبلة.

مؤرخ عراقي

============================

قمة مواجهة الذات

آخر تحديث:الأربعاء ,24/03/2010

الخليج

عبدالله علي الشرهان

تُرى كيف سيواجه زعماء المروءة والنخوة والشهامة، وهي صفات عربية أصيلة، بعضهم بعضاً في العاصمة التي انتقلت إليها “أمانة القومية العربية”، وهي أم القضية الفلسطينية، منذ رحيل الزعيم الخالدة ذكراه جمال عبدالناصر، فيما القدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، تئن وتستغيث من الدنس الصهيوني الذي بلغ أوجّه في الأسابيع الأخيرة بشكل غير مسبوق منذ احتلالها عام 1967؟

 

ما تراهم فاعلون وهيكل الخراب قد دشّن فعلاً في وضح النهار أمام عيونهم في المكان الذي يزعمون فيه وجود أنقاض لهيكل سليمان المزعوم؟

 

ما تراهم قائلون بعدما صارت باحات المسجد الأقصى تستباح جهاراً نهاراً بشكل عادي، ويمنع حتى خطيبه وخطباؤه من دخوله لإلقاء خطبة الجمعة فيه؟ بل وبات يمنع أهل القدس نفسها، وليس من يقدمون إليه من مدن الضفة الغربية، دون الخمسين من دخوله؟

 

ما تراهم فاعلون بمصادرة مسجد “مؤذن الرسول” بلال؟ والاستمرار في محاولة مصادرة مسجد خليل الرحمن سيدنا إبراهيم (المسجد الإبراهيمي) في الخليل، والسطو على معالمها ورموزها الدينية والتاريخية والأثرية؟

 

ما تراهم قائلون بعدما لم يبق أحد من غير ما تبقى من أهل القدس الذين طرد معظمهم، وهدمت بيوت معظمهم يدفعون بصدورهم العارية مخطط التهويد الشامل الذي يستهدف كل المدينة المحتلة بشرقها وغربها بلا استثناء، فيما يمنع حتى إخوتهم في مدن الضفة الغربية من المشاركة في “هبّة الدفاع” عن واحدة من أعز مقدسات المسلمين تحت التخويف من “مواجهة مسلحة غير متكافئة مع عدو لا يرحم”؟ أو إخوانهم في غزة بسبب الحصار؟ أو إخوانهم في الأراضي المحتلة عام 1948 من الوصول إليه تحت طائلة خرق القانون؟

 

ما تراهم فاعلون، وما تراهم قائلون، بعدما ضنت حكوماتهم حتى بإصدار بيانات “الشجب والتنديد” التي كنا نسخر منها في السابق وما عدنا نسمع عنها شيئاً حتى الآن؟

 

هل تحمرّ وجوه البعض منهم خجلاً؟ هل تفور حماسة البعض ولو تمثيلاً؟ أم هل يتراشق البعض منهم بمنافض السجائر وأكواب المياه والأطباق كما حدث في القمة التي تلت الغزو العراقي للكويت؟ أم سيذهبون إلى القمة، يلقي كل منهم خطابه ويعود، كما كان الحال في السابق”؟

 

إن “قمة ليبيا” تختلف عن أية قمة عربية عقدت قبلها، فهي المرة الأولى التي تنعقد فيها القمة بإعلان استباقي من عدو الأمة عن “حرب دينية” تمثلت حتى الآن بتدشين “هيكل الخراب” بملاصقة أساسات المسجد الأقصى المبارك (تمهيداً للضربة القاضية)، والإعلان عن بناء ثلاثة كنس أخرى في شرق القدس، وتهويد نسبة أكبر من محيط “الحرم الإبراهيمي” الشريف، ومصادرة “الحرية الدينية” للفلسطينيين في الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948 بمنعهم من الوصول للصلاة في أهم مساجدهم، وعدم السماح بالصلاة في القدس والخليل، لأعمار تقل عن كبار السن والعجزة الذين لا يستطيع الكثير منهم التحرك، وكشف النية عن إزالة أحياء سكنية بأكملها من شرق القدس لإقامة مشاريع صهيونية ذات طابع يهودي عليها (مثل حي سلوان الذي يريدون إقامة حديقة توراتية مكانه بعد إزالته)، وكل هذا بالإضافة إلى الإعلان أسبوعياً عن إقامة وحدات استيطانية جديدة حتى تغطي المدينة المقدسة وتخنق بالكامل بالمستوطنات .

 

وفي ظل الأمر الواقع المفروض على غزة (بالحصار الكامل منذ أكثر من ألف يوم)، وعلى الضفة الغربية (بسلطة لا تملك أن تسمح لشعبها بالخروج في مواجهات مع قوات العدو لإنقاذ القدس نتيجة ما وصلت إليه المفاوضات والاتفاقيات مع هذا العدو المخادع)، هل تسمح المروءة والنخوة والشهامة العربية للمسؤولين العرب بالسكوت أكثر عما سكتوا عنه حتى الآن، وبعدما أوصلتنا سياسة التعاطي مع هذا العدو وكرم الخواطر مع أمه الحنون “أمريكا” إلى ما أوصلتنا إليه من حضيض؟

 

نحن في هذا لا نطالب المشاركين في القمة بتحريك الجيوش ونصب راجمات الصواريخ وإطلاق الطيران الحربي، فتركيا لم تحرك جندياً ولا صاروخاً ولا دبابة ولا طائرة، ولم تعلن عن إطلاق برنامج نووي لجعل العدو نفسه يركع أمامها في ذلة أشد من الذلة التي وضع فيها الكيان الصهيوني “نفراً دبلوماسياً تركياً واحداً” في تل أبيب .

 

وأمام العرب الكثير مما يفعلونه كما فعل الأتراك: هناك المبادرة العربية فمزقوها، وهناك المقاطعة الاقتصادية فأحيوها، وهناك مصالح العدو الاقتصادية المنتشرة في شتى أنحاء العالم فواجهوها بمصالح منافسة، وهناك الكرامة العربية فتمسكوا بما بقي منها .

 

المطلوب من قمة طرابلس ليس إعلان الحروب الصورية أو تحريك الجيوش التي رأينا فعالية اسلحتها في مواجهة شعوبها الغاضبة، بل المطلوب منها مواجهة الذات ومساءلة نفسها أولاً: هل نواصل لعبة الحروب العسكرية (1984) والسياسية (1967 - 1990) والاقتصادية (من التسعينات حتى الآن)، والتي خسرناها جميعاً لنسلّم بخسارة الحرب الدينية الجديدة (التي بدأت الآن) أيضاً؟

 

أم إلى هنا وكفى . . ويجب رد الصاع صاعين؟

 

على قمة ليبيا، التي حملت أمانة القومية العربية، إن أرادت أن تنجح، أن تطرح هذا السؤال على نفسها، وإلا فليسأل المسؤولون أنفسهم كيف ستستقبلهم شعوبهم إن عادوا وتركوا “إسرائيل” تفلت بكل الجرائم التي ارتكبتها حتى الآن، أو تركوا لها فسحة لارتكاب مزيد من هذه الجرائم بمنحها فرصة أخرى للتحاور في “مفاوضات” أياً كان اسمها أو شكلها أو طبيعتها؟ ذلك أننا طوال ستة عقود من الزمن كنا نحن من تغير (بالتنازلات)، أما “إسرائيل” فلم تتغير أبداً (بالتوسع والتهويد)، وهي لن تتغير ما لم تنجر مذلولة “على النمط التركي الذي أمهلها بالساعة والدقيقة” إلى المفاوضات التي نريدها نحن وبشروطنا نحن، لا تلك التي تريدها تل أبيب وواشنطن بأي شكل أو شروط .

============================

وحدة وطنية راسخة

آخر تحديث:الأربعاء ,24/03/2010

ميشيل كيلو

الخليج

عام ،2005 طالب تاجر من دين سماوي يدعو للمحبة والسلام، بدين له في ذمة زبون يؤمن بدين سماوي آخر يقول بتأدية الأمانات إلى أصحابها ويحرم قتل النفس، فما كان من الثاني إلا أن شن هجوما عاما على منزل وحارة الأول، بدعم من أسرته المسلحة، فجوبه بمقاومة مسلحة ضارية من الأول وأسرته، وسقط عدد كبير من القتلى والجرحى من الطرفين في معركة دارت على مرحلتين فصلت بينهما أيام قليلة . بعد المرحلة الأولى، صرح ناطق حكومي أن ثمة وحدة وطنية راسخة تسود بلاده، لا تتأثر بأحداث عابرة كالتي جرت . وأضاف أن الحكومة قررت اتخاذ تدابير مهمة لمنع تكرار “سوء التفاهم” الذي وقع . بعد المرحلة الثانية، التي أخذت شكل حرب أهلية مصغرة، قال المحافظ: إن ما جرى أكد عمق الوحدة الوطنية ورسوخها .

 

في العام نفسه، وفي عصر يوم ربيعي جميل، زار رجل من قرية تقع قرب ساحل بحر عربي بيت صديق له في قسمها الآخر، تصاحبه زوجته . خلال الزيارة، انتقدت زوجة المضيف مذهب زوجة الضيف، فما كان من هذه إلا أن أمرت زوجها بمغادرة المكان وهي تعلمه بما حدث . ذهب الصديق إلى بيته، ثم عاد وبيده بندقيته الآلية، ليقتل تسعة من أسرة صديقه ويجرح ثلاثة . لم يعلق أي مسؤول على الخبر، ليس لأنه لم يقع، بل لأنه لا يجوز أن يقع، فإن حدث ووقع، كان السكوت على وقوعه دلالة رسوخ الوحدة الوطنية، التي يضيرها الإعلان عنه ويكفي لتفادي ضرره الامتناع عن إعلان حدوثه . هنا أيضا، من ثوابت الكلام المكررة أحاديث رسمية تشيد برسوخ الوحدة الوطنية، رأس مال الوطن في دفاعه عن حريته .

 

حين يطالب تاجر زبوناً بدين يرفض هذا تأديته، يتم الذهاب إلى القضاء . وحين تختلف امرأة أمية جاهلة مع امرأة أخرى أمية وجاهلة، يحتكم الرجال إلى عقولهم، فإن كانوا بلا عقول، احتكموا إلى بعض من يتوسمون فيهم الدراية والخبرة . وحين تختلف جهتان حول أرض، أو تظن إحداهما أن الأخرى تريد انتزاعها منها، يستجار بالشرطة أو بالمحاكم . أما أن تؤدي المطالبة بدين إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى في قرية يعيش أهلها معا منذ مئات وربما آلاف السنين، وأن تفضي خناقة بين امرأتين جاهلتين إلى إبادة أسرة عن بكرة أبيها، ويؤدي بناء سور حول كنيسة في أرض ليست ملكا لها إلى اشتباكات وحرائق واعتقالات بالعشرات، فإنه يصير من الصعب جدا الحديث عن الوحدة الوطنية، راسخة كانت أم غير راسخة، ويكون من الحماقة الشديدة الحديث عن “الزوبعة والموقف العابر، الذي لا يؤثر في الوحدة الوطنية” .

 

هل يكفي اختلاف العقيدة لتفسير ما يقع ويتجدد هنا من اقتتال؟ أعتقد انه لا يكفي، وإلا لما كان ساد بينهم أي سلام وتفاهم في أي وقت، ولما كانت الحوادث المتكررة تكاثرت في أجواء بعينها، سادت خلال العقود الأخيرة فأفقدتهم ما كان بينهم من أواصر مشتركة، وأوصلتهم إلى حال انعدمت فيها الروابط الجامعة، السياسية والدينية والاجتماعية والأخلاقية . . . إلخ، التي تلاشت بتلاشي الدولة ودورها التوفيقي، وتراخت مع تراخي يدها الموحدة والرادعة، وزالت كعامل يلحم الأطراف الاجتماعية المختلفة في كلية مجتمعية/وطنية واحدة، ليس لأي منها مصلحة في إلحاق الأذى بغيره، لأنه بذلك يؤذي نفسه، ولا يقدم أي تكوين من تكويناتها على التصرف وكأن المجتمع غدا ميدان صراع وتفكك ينجو بنفسه بقدر ما يقضي على غيره، سواء بالمناورات والألاعيب المتباينة أو بالقوة . لم تعد الدولة في نظر المواطن دولة جميع مواطنيها، ولم يعد حاملها المجتمع في عموميته، بل هي تنهض على تكوينات سلطوية جديدة أو على كيانات ما قبل مجتمعية، تحتم فاعليتها أن تكون لها مصلحة في إثارة تناقضات ونزاعات المجتمع وتغذيتها، كي تتوحد ضدها وتطيح بالممسكين بالسلطة فيها . ثمة، في بلد هذه حاله، جدلية قاتلة، ففي حين تشق السلطة/الدولة المجتمع إلى فئات متناحرة توازن نفسها من خلال إدارة صراعاتها، وإذا تطلب الأمر اقتتالها، لا يجد المواطن/الفرد، الضعيف والمعزول والخائف، بالمقابل، ملاذا جامعا يحميه، فينتمي إلى تكوين ما من التكوينات ما قبل المجتمعية/ما قبل الوطنية والحديثة، كالعشيرة والقبيلة والطائفة والعائلة الممتدة . . . إلخ . في هذا الوضع، حيث تتحول السلطة إلى جهة تتربص بالناس، ويكون القمع والإكراه والتخويف وسيلتها الرئيسة في التعامل معهم، لا يجد المواطن العادي في جاره، المنضوي في تكوين مغاير، والمختلف عنه في العقيدة أو الانتماء، رفيقاً يتكامل ويتكاتف معه، بل عدواً يصارعه يصير الاقتتال معه مسألة وقت ومناسبة . بقول آخر : في وضع ليست انقساماته بالدرجة الأولى عمودية، وتالياً طبقية، تقوم على تعبئة حشد كبير من البشر وراء مطالب واحدة تخص المجتمع بأسره، وإنما انقساماته أفقية، تضع المنتمين إلى الصف والصعيد عينه في مواجهة بعضهم بعضاً، يصير كل شخص خصماً أو عدواً محتملاً لمن يجاوره، إن كان ينتمي إلى فئة منافسة أو مغايرة لفئته . عندئذ، يختزن المجال الشعبي العام عناصر تفجر يمكن أن تنطلق في أية لحظة ولأي سبب تافه، ما دام التفكك القائم على صعيد القاع المجتمعي مصلحة سلطوية عليا، وما دام غياب دور الدولة الضامن لأمن وسلام وحياة وملكية وحرية المواطنين، يزين لكل فرد أن كل فرد آخر هو مصدر خطر عليه، وأن أمنه وسلامه يتوقف على إزالته كفرد، وإلا استحالت إزالته كخطر .

 

يشعر المرء بأسى قاتل وهو يقارن وضعنا الحالي بالأمس القريب، حين كنا نؤمن بأفكار جامعة توحدنا، تتصل جميعها بالأصعدة العليا من وجودنا كمجتمع كأمة، ولا تنبثق من مصالح ورؤى تكوينات ما قبل مجتمعية، مع أن هذه كانت موجودة آنذاك، وكان لدينا نمط من الدولة يتطلع لأن يصير لجميع مواطنيه، الذين كانوا يحتكمون أكثر فأكثر إلى قوانينه، عندما يختلفون أو يتنازعون سلميا حول مصلحة أو أمر من الأمور . في ذلك الأمس، لم يكن أحد يتحدث عن الوحدة الوطنية، لأنها كانت ملموسة وتتبلور وتتوطد في نفوس المواطنين كما في الواقع . ولم يكن أحد يعتبر اقتتال الناس “زوبعة وحدثاً عابراً”، مع أنه كان نادراً أو معدوماً، ولم يكن، كما هو الوضع اليوم، حدثاً شبه يومي، في أكثر من بلد عربي .

 

يواجه وطننا العربي خطران : خارجي وداخلي . ومع أنه لا يجوز الإقلال من جسامة الخطر الخارجي، فإنه، ضمن شروط معينة، ليس الخطر الأكثر تهديدا لنا . وإذا كانت فاعليته تزداد، فلأن وضعنا الداخلي هو الذي يزيد من سهولة سقوطنا أمامه، رغم طبول اللغة الجوفاء، التي تدق ليل نهار ممجدة وحدتنا الوطنية الراسخة .

============================

السقوط الفادح «للتفوق النوعي» الإسرائيلي

ليلى نقولا الرحباني

السفير

24-3-2010

منذ حرب تموز 2006 وبعد العدوان على غزة وما استتبعه من تقارير دولية، تعيش إسرائيل أزمات منهكة وخسائر فادحة، أقلّها تقويض الصورة التي استمر الإسرائيليون في رسمها ما يزيد عن ستة عقود.

عمل المنظّرون الأوائل للحركة الصهيونية على محاولة رسم صورة تمّ فيها استجلاب العديد من مفردات الخطاب الديني اليهودي، بهدف إدخالها ضمن النسق الفكري الداعي الى أحقية بناء وطن قومي لليهود في فلسطين، وأدرج هذا الأمر ضمن «قيم معيارية ونسق متكامل» من صور «الأنا» و«الآخر»، سرعان ما أضيفت إليها صور أخرى بعد تأسيس الدولة.

وفي كتابه «الدولة اليهودية» يقول صموئيل هرتزل: «فلسطين هي الوطن التاريخي لليهود، ومن هناك سوف نشكّل جزءًا من استحكامات أوروبا في مواجهة آسيا كموقع أمامي للحضارة في مواجهة البربرية».

الصورة التي رسمها هرتزل وعملت الصهيونية العالمية على ترسيخها في ما بعد، ترتكز على معايير ثلاثة:

1 التركيز على تمجيد الذات ورفع «الأنا» الى مستوى أعلى من البشر الآخرين، وهي تتلاءم مع الصور التي تقدمها النصوص الدينية.

2 العمل على تشويه صورة الآخر، فهو «البربري العنيف» مقابل «الحضارة والرقي والتمدن».

3 للدولة الموعودة وظيفة ودور يتجليان في حيازة «موقع أمامي متقدم» لأوروبا في مواجهة «العدو»، بغض النظر عن الصفات التي يتخذها هذا «العدو» والتي تتبدل بتبدل الأحداث التاريخية.

بعد نشوء الكيان، أضيفت الى الصورة الأساسية صورة «الضحية المظلومة المهددة في وجودها وكينونتها»، وهي صورة لازمة من المنظور الصهيوني لاستدراج العطف اللازم لتأسيس الدولة، واستجلاب اليهود من أنحاء العالم الى فلسطين ومع الدعم الدولي الضروري لذلك.

في هذه المرحلة انتقل الفكر الصهيوني الى تحديد أكثر للعدو فلم يعد مجرد «بربري» بل بات له اسم وهوية: إنه العربي «المسلح» الذي يهدد اليهود في وجودهم وحياتهم، ثم أطلق عليه، في ما بعد، صفة «الإرهابي».

ويمكن أن نلخّص الصورة التي كانت قد أنتجتها وروّجتها إسرائيل عن نفسها عشية حرب لبنان عام 2006، بما يلي:

 وق أخلاقي وحضاري مقابل أعداء إرهابيين منحطّين أخلاقيًا ومتخلّفين حضاريًا، وهم بالمجمل «معادون للسامية».

 إسرائيل هي الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.

 لإسرائيل دور ووظيفة تؤديهما، ووجودها ضروري لحماية المصالح الأميركية والغربية في المنطقة.

 هي الضحية المظلومة التي تقاتل للدفاع عن نفسها ضد أعداء يريدون إلغاءها.

 الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأقوى الذي لا يُقهر، وأي حرب يخوضها يخرج منها منتصرًا بسهولة.

وبالرغم من تناقض صورة الضحية مع صورة القوة التي لا تقهر، فقد استطاعت إسرائيل بشكل يثير العجب أن تجعل العقل الغربي يقبلهما سويًا، ويروّج لهما.

لكن، ما رسمته الدعاية الصهيونية خلال ما يزيد عن قرن من الزمن وكل الجهود التي بذلتها إعلاميًا وسياسيًا وفكريًا لترسيخ صورة إسرائيل، بدأت ملامحه الحقيقية تنكشف منذ حرب تموز 2006 ولغاية اليوم. وبدأت ألوان الصورة المزيفة تتحلل، وتتكشف يومًا بعد يوم، وذلك على الشكل التالي:

1 في صورة القوة العاتية ووهم الوظيفة والدور

كان لحرب لبنان 2006 وحرب غزة في ما بعد، تأثيرات هامة على صورة الجيش الإسرائيلي «الذي لا يُقهر»، فقد أثبتت هذه الحروب نظرية «عجز القوة» وتبين أن القوة والهيبة الإسرائيليين والردع الذي امتلكته منذ عقود وبالتحديد منذ عام 1967، قد اهتز.

أما الوظيفة والدور اللذان حددتهما إسرائيل لنفسها كموقع متقدم للجبهة الغربية في حربها واستعمارها للمنطقة، فقد أتت التطورات التي حصلت منذ مجيء الأميركيين عسكريًا الى المنطقة واحتلالهم العراق، وبعدها هزيمة الذراع العسكرية للغرب في حرب تموز 2006، لتكشف أن إسرائيل لم تعد مصدر ثقة للغرب وبالتالي فهي غير قادرة على أن تضطلع بالوظيفة والدور المنوطين بها، وأهمها أن تكون «شرطي المنطقة»، وهو ما عبّر عنه الجنرال بترايوس بتشكيكه في قيمة إسرائيل الاستراتيجية.

2 في صورة الضحية وادعاء التفوق الأخلاقي

أما الصور القيمية الأخلاقية الزاهية التي استمرت إسرائيل في رسمها أكثر من قرن من الزمن، فقد لطختها دماء الأطفال الفلسطينيين والشواهد الدامغة التي أتت بها التقارير الدولية التي أثبتت بالدليل القاطع أن الجيش الاسرائيلي «استخدم الأطفال دروعًا بشرية» وانه قصف المناطق الآهلة والمدارس والمستشفيات ومقارّ الأمم المتحدة «متعمداً». واستكمل بالتقارير التي كشفتها الصحافة الأوروبية حول قيام القوات الإسرائيلية بسرقة الأعضاء البشرية للشهداء الفلسطينيين والمتاجرة بها.

وبالإضافة الى مصداقية المنظمات التي أدانت اسرائيل، كان تعيين القاضي الجنوب أفريقي غولدستون، ضربة قاصمة لمقولة «معاداة السامية» التي يلصقها الإسرائيليون بكل معارض لهم أو منتقد لسياساتهم، فالقاضي المذكور هو من اليهود المؤيدين لإسرائيل وتاريخه وتصريحاته تشهد له بذلك، بالإضافة الى أن عدداً من التظاهرات التي انطلقت في العالم ضد الحرب على غزة قادها يهود أو كانوا من المشاركين الأساسيين فيها، وفي انتقاد الممارسات الإسرائيلية.

3 ادعاءات «الدولة الديموقراطية الوحيدة» في الشرق الأوسط

بدأت هذه الادعاءات بالاهتزاز بعد تهم الفساد التي تواجه معظم القيادات الإسرائيلية، وآخرها محاكمة أولمرت على ضلوعه بالفساد خلال فترة توليه منصبه والتي استؤنفت في شباط الماضي.

واليوم تتعالى أصوات يهودية من الداخل الإسرائيلي وخارجه تتحدث عن سياسات حكومية إسرائيلية «مكارثية» كرد على تقرير غولدستون، حيث تقوم الحكومة بالتضييق على منظمات حقوق الإنسان بسبب «مساهمتها في تشويه صورة إسرائيل دوليًا»، بحسب الادعاء الإسرائيلي.

وبسبب دور مزعوم لهذه المنظمات الإنسانية في الحقائق التي استند اليها تقرير غولدستون، تحاول الحكومة الإسرائيلية تمرير قانون يضيّق هامش الحريات التي تتمتع بها المنظمات غير الحكومية، ويضع عليها شروطًا تعجيزية سيؤدي في حال تصديقه الى سجن معظم رؤساء منظمات حقوق الإنسان الداعية للسلام، وهذا ما يدفع بعض الإسرائيليين الى التشاؤم واعتباره توجهًا إسرائيليًا نحو الديكتاتورية.

هكذا إذًا، بدأت أجزاء الصورة التي رسمتها الصهيونية عن إسرائيل وشعبها «المختار المتفوق أخلاقيًا» تتهاوى، الى حد وصف كثير من اليهود لدولة إسرائيل بأنها تشبه نظام «الفصل العنصري في أفريقيا».

على العرب واجب أن يرسخوا هذه الصورة إعلاميًا وسياسيًا وثقافيًا، ليس في العالم العربي فحسب بل في العالم أجمع، لا أن يندفعوا لمد اليد والقبلات ومحاولات التطبيع معه لإخراجه من «أزمته الوجودية» التي بدأت تلوح في الأفق.

============================

"الاستماع الى شخص لا يعني اتهاماً والأمل أن تُدان إسرائيل"

لماذا الربّط بين العواصف السياسية والمحكمة الدولية ؟

سمير منصور

samir.mansour@annahar.com.lb

النهار

24-3-2010

بدا لافتاً أن بعض السياسيين درج في كل مرة على اختصار العواصف السياسية الداخلية ولا سيما تلك التي تهب فجأة من دون مقدمات بالقول: "فتّش عن المحكمة". وفي الوقت عينه ليس في استطاعة أي كان في لبنان الادعاء أنه يعرف ما يدور في قاعات المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما أعقبها من جرائم سياسية مماثلة. وحتى من يُفترض أنهم يعرفون اكثر من غيرهم، أو قبل غيرهم على الأقل، لا يعرفون ولا يدّعون المعرفة. واذا عرفوا شيئاً، يقولون صراحة "نحن لا نحكي أبداً في كل ما يتعلق بعمل المحكمة الدولية وأساساً لا ندّعي المعرفة"، وفي طليعة هؤلاء القريبون من الرئيس سعد الحريري، وقد نأوا بأنفسهم، ككل مرة، عن الخوض في كل ما يثار من حين الى آخر حول عمل المحكمة، او حتى عن الرد عن سؤال حول معلوماتهم أو حقيقة ما يجري، وآخره ما سرب عن استماع محققين الى شهادات عناصر حزبية قيل إن بعضها ينتمي الى "حزب الله" أو من القريبين منه، مما دفع البعض الى رسم علامات استفهام واشارات تحذير من محاولات افتعال فتنة على غرار محاولة مماثلة برزت من خلال التقرير الشهير الذي نشرته مجلة "در شبيغل" الالمانية و"تبرأ" منه الجميع ولم يتوقف عند مضمونه أحد وقد اعتبر "مدسوسا".

وتحرص أوساط سياسية لبنانية مواكبة لعمل المحكمة الدولية على التأكيد ان الاستماع الى شهود حزبيين أو غير حزبيين او التحقيق معهم، لا يعني اطلاقاً ادانتهم او اتهامهم، وإلا لوجب اتهام مئات الاشخاص الذين استمع قضاة المحكمة الى افاداتهم. وفي الوقت عينه تستغرب هذه الاوساط ما تسميه "الهجوم على المحكمة من حين الى آخر واتهامها بالتسييس استنسابيا"، وتطرح سلسلة تساؤلات: "لماذا لا تكون المحكمة الدولية مسيسة عندما تتهم مجموعات معينة مثل الاصوليين الاسلاميين او ما يسمى "مجموعة أبو عدس" او مجموعة "الحجاج الاوستراليين" وما شابه، وأو عندما تتهم إسرائيل ودولاً بعدم التعاون معها وتسهيل عملها مثل اميركا وبريطانيا، وأما اذا استمعت الى شهود معينين بعضهم ذو صلة قرابة مع عنصر حزبي، تصبح مسيّسة؟ ومن قال أساساً ان الاستماع الى افادة أي كان في لبنان أو في أي مكان يعتبر اتهاما؟".

وعن اتهام جهات سياسية محلية وجهات خارجية بالتأثير على عمل المحكمة وقراراتها، تقول هذه الاوساط "إن المقصود في الاتهام هو تجمع قوى الاكثرية أو 14 آذار. لو كان الامر كذلك هل كانت المحكمة مثلا لتتخذ قرارا باطلاق الضباط الاربعة قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات النيابية؟ ناهيك بأن عمل المحكمة أكبر بكثير من السياسات المحلية او التأثر بها. المحكمة في لاهاي ومرجعيتها الامم المتحدة وتقوم بعملها".

وعما يقال حول استخدام المحكمة دولياً لغايات ومآرب شتى وتخوف البعض من تسييسها وافتعال فتنة، تقول هذه الاوساط: "إن أقصى أمنيات المعنيين بالأمر وكل اللبنانيين ان تخلص المحكمة الى ادانة اسرائيل باغتيال الرئيس رفيق الحريري"، وأن "المطلوب تعامل افضل مع عمل المحكمة، واذا كان هناك من يريد عدم التوصل الى اكتشاف مرتكبي الجريمة وسائر جرائم الاغتيال السياسي، فليقل ذلك صراحة".

واللافت ان هذه الاوساط تضع بعض الحملات السياسية ومنها تلك التي استهدفت المديرية العامة لقوى الامن الداخلي "في اطار محاولات التأثير على عمل المحكمة الدولية من خلال الحد من التعاون معها ولا سيما من الاجهزة الامنية، وقد حققت قوى الامن انجازات نوعية في هذا المجال".

وما علاقة المحكمة باتفاق تعاون ومساعدات اميركية لقوى الامن الداخلي سجل البعض عليه ملاحظات محددة؟

تجيب الاوساط نفسها: "المأخذ على الاتفاق انه يشترط عدم الافادة من خلاله أشخاص ينتمون الى منظمات أو أحزاب مصنفة ارهابية من الادارة الاميركية. ولعل الرد الأوضح هو أن مؤسسة قوى الامن تشترط ككل المؤسسات الامنية عدم انتماء من يترشحون لدخولها الى أحزاب سياسية سواء خضعت لتصنيفات اميركية أم لا. وللمناسبة هناك اتفاقات وهبات أميركية مماثلة ل750 بلدية في مختلف المناطق اللبنانية وضمن الشروط نفسها التي وضعت في الاتفاق المتعلق بقوى الامن. وثمة أعداد كبيرة من هذه البلديات تابعة لقوى 8 آذار، بمعنى أن مجالسها كانت مدعومة من هذه القوى في الانتخابات وبعضها تابع لها مباشرة. فهل نحاكم كل هذه البلديات على قبولها الهبات الاميركية ونعتبرها مشبوهة وخصوصا ان ما ينطبق عليها ينطبق على قوى الامن؟ فإذا كان هناك اصرار على اعتبارها كذلك، فلنلغ كل الاتفاقات ذات الصلة بالمساعدات الاميركية أيا تكن طبيعتها".

وعن اشتراط الاتفاق مع الاميركيين طلب لوائح بمراكز التخابر والاتصالات بما يعني "التجسس" على اللبنانيين، تقول هذه الاوساط: "إن هذا الطلب رفض من الاساس ومن وزارة الداخلية تحديدا، والمديرية العامة لقوى الامن تابعة لها".

ولئن يكن في هذا الجواب بعض التبسيط، فان المهم هو أن يقتنع به أصحاب الحملة على المديرية العامة لقوى الامن على خلفية هذا الاتفاق، أم ان "المشكلة تكمن في مكان آخر"، كما يرى المدافعون عن موقف مديرية قوى الامن؟

============================

أوباما بلع الإهانة... ماذا عن العسكر؟

خيرالله خيرالله

الرأي العام

24-3-2010

مرة أخرى، الحرب الأميركية- الإسرائيلية لن تقع بسبب الاستيطان وإصرار حكومة بيبي نتنياهو على ما يسميه مسؤول كبير في البيت الأبيض «إهانة» الولايات المتحدة. يؤكد ذلك، كلام الرئيس اوباما إلى شبكة «فوكس» قبل أيام وفيه إشارة إلى استعداده لبلع الإهانة الإسرائيلية، أقله في الوقت الراهن. لكن ذلك لا يعني أنه لن تحصل مواجهة، وإن غير مباشرة، بين الجانبين. ما يجعل المواجهة محتملة دخول عنصر جديد على خط العلاقة الأميركية- الإسرائيلية. هذا العنصر هو رأي القيادة العسكرية بما يدور بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتأثير ذلك على وضع القوات الأميركية وأمنها في الشرق الأوسط والمناطق المحيطة به والقريبة منه وصولاً إلى أفغانستان وباكستان. ليس من عادة القيادة العسكرية الأميركية التدخل في الشؤون السياسية أو اعطاء رأيها، خصوصاً إذا لم يطلب منها ذلك. لكن الجنرال ديفيد بتريوس قائد القيادة المركزية الأميركية، التي تشرف على حرب افغانستان والوضع في العراق، قال في شهادة له قبل أيام أمام إحدى لجان الكونغرس أن التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين لها تأثير «بالغ» على القوات الأميركية العاملة في العالم الإسلامي، وأن الجيش يراقب كل التطورات عن كثب.

ما قد يكون أهمّ من الشهادة الأخيرة لبتريوس الاجتماع الذي عقده ضباط كبار يمثلون القيادة المركزية مع رئيس هيئة الأركان المشتركة الأدميرال مايكل مولن في البنتاغون. عقد الاجتماع في السادس عشر من يناير الماضي وقدم فيه الضباط عرضاً مدعوماً بخرائط وصور استمر خمساً وأربعين دقيقة ترك أثراً كبيراً لدى الأدميرال مولن. أبرز ما تضمنه العرض أن الجنرال بتريوس، الذي تحارب القوات التي في امرته على غير جبهة، بات «قلقاً» من غياب التقدم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأن الزعماء العرب بدأوا يفقدون ثقتهم بالإدارة الأميركية، وأن الموقف المتصلب الذي تتخذه إسرائيل يشكل تهديداً لموقع أميركا في الشرق الأوسط. وذكرت مجلة «فورين بوليسي» التي أشارت إلى هذا الاجتماع المهم أن أحد كبار المسؤولين في البنتاغون لم يتردد في وصف إرسال المبعوث الرئاسي جورج ميتشل إلى الشرق الأوسط، بأن هذا التحرك مرتبط بشخص «عجوز وبطيء أكثر من اللزوم» وأنه جاء «متأخرا». لم يسبق لقائد للقيادة المركزية أن اتخذ مواقف سياسية من هذا النوع. ولذلك حرص الضباط الذين التقوا رئيس هيئة الأركان المشتركة على توضيح أن العرض المقدم هو نتيجة جولة لهم في عدد من بلدان الشرق الأوسط التقوا فيها مسؤولين كباراً بناء على توجيهات من بتريوس. وكانت حصيلة الجولة أن الرسالة التي تلقيناها، «أينما ذهبنا»، هي نفسها. تتلخص الرسالة بأن «أميركا لم تعد ضعيفة فحسب، بل ان هيبتها العسكرية تتآكل أيضاً».

سبق لعدد كبير من المسؤولين العرب أن حذروا الإدارة الأميركية السابقة والإدارة الحالية من مخاطر التصلب الإسرائيلي وترك السلام تحت رحمة المتطرفين، خصوصاً اليمين الأسرائيلي. كان الملك عبدالله الثاني في غاية الجرأة عندما ألقى خطاباً في مارس من العام 2007 أمام مجلسي الكونغرس تطرق فيه إلى العذابات التي مرّ فيها الشعب الفلسطيني، وإلى النتائج المأسوية التي ستترتب على غياب التسوية العادلة القائمة على خيار الدولتين. لم يرد أحد في واشنطن سماع صرخة العاهل الأردني الذي بدا وكأنه صوت في البرية. ذهب عدد من زعماء الكونغرس إلى حد انتقاد عبدالله الثاني بسسب وضعه كل اللوم على إسرائيل متفادياً أي إشارة إلى «حماس». الآن، بعد ثلاثة أعوام على الخطاب، لا يزال كل شيء يراوح مكانه. تبين بكل بساطة أن الحكومة الإسرائيلية لا تريد التفاوض في شأن مستقبل الضفة الغربية وانهاء الاحتلال رغم أن الشريك الفلسطيني موجود، وأن «حماس» عزلت نفسها بنفسها بعدما حصرت طموحها بالسيطرة على امارتها الطالبانية في غزة. والأهم من ذلك، يتبين أن الأميركيين في حال من الضياع لأسباب لا علاقة لها بالأيديولوجية كما كانت الحال مع إدارة بوش الابن، بمقدار ما إنها مرتبطة حالياً بنظرية تقول ان النيات الطيبة كافية لصنع سياسة. ربما يمتلك الرئيس اوباما كل النيات الطيبة في شأن كل ما له علاقة بالشرق الأوسط. ولكن يبدو أن عليه التعرف إلى المنطقة أوّلاً كي يكتشف أن آخر ما تحتاج إليه هو النيات الطيبة، وأن لا شيء ينفع مع تطرف إسرائيل والمتطرفين، من عرب وغير عرب، في الجانب الآخر، الذي يؤازرونها من حيث يدرون، سوى العصا الغليظة.

هل يحمل اوباما أخيراً العصا الغليظة ويرفعها في وجه التطرف أم يستمر عاجزاً عن القيام بأي مبادرة من أي نوع كان تجاه الشعب الفلسطيني، أقله لجهة تحديد مرجعية أي مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة؟ في كل الأحوال، ان ما حصل في الأسابع القليلة الماضية في واشنطن لا يمكن الاستخفاف به. للمرة الأولى، ترفع المؤسسة العسكرية صوتها. يترافق ذلك مع نشر المجلات والصحف الأميركية كلاماً من نوع أن هناك «لوبيات» كثيرة قوية في العاصمة الأميركية وهناك «لوبيات» لديها انتشار في كل أنحاء الولايات المتحدة، مثل ذلك اللوبي الذي يؤيد حق المواطن في امتلاك سلاح فردي، أو لوبي المحامين، ولوبي الأطباء، أو اللوبي الإسرائيلي الذي يمتلك تأثيراً كبيراً داخل الكونغرس. لكن اللوبي الأقوى يظل المؤسسة العسكرية التي خرجت أخيراً عن صمتها. لم يسبق للمؤسسة العسكرية، ممثلة بالقيادة المركزية، أن أرسلت فريقاً إلى البنتاغون ليشرح لرئيس هيئة الأركان المشتركة تفاصيل العلاقة بين التسوية في الشرق الأوسط، خصوصاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين من جهة، وبين المخاطر التي يتعرض لها الجنود الأميركيون في العراق وأفغانستان وباكستان من جهة أخرى. كل ما أرادت المؤسسة العسكرية قوله ان العلاقة الأميركية بإسرائيل مهمة، لكنها ليست بأهمية حماية الجنود الأميركيين والمحافظة على أرواحهم.

انه عامل جديد لا يمكن تجاهله في سياق التطورات التي تشهدها العلاقات بين واشنطن وحكومة بيبي نتانياهو. لعلّ أفضل ما يفعله الفلسطينيون المحافظة على ضبط النفس، رغم من أن الهجمة التي تتعرض لها القدس كفيلة بجعل أي عربي يفقد أعصابه!

كاتب لبناني مقيم في لندن

============================

طي الصفحة الرأسمالية أو انتصار العقل على الإفراط

«لوديبا» الفرنسية

الاربعاء, 24 مارس 2010

الحياة

 انفجرت أزمة الرهونات العقارية العالية المخاطر، في 2007، عندما هبطت قيمة سندات القروض التي سلفتها المصارف أو الصناديق الى الأسر ذات الدخل المحدود (أسْت - بيْكيد سيكوريتيز ABS). والسبب في هبوط قيمة هذه السندات هو عدوى عجز عن التسديد انتشرت في صفوف المقترضين غير الميسورين. وكانت ركدت أسعار السوق العقارية الأميركية الفخمة، في أواخر 2006، جراء توقف السوق هذه عن التوسع، وقصورها عن تلبية حاجة الفقاعة العقارية الى التمدد. وحين ظهور أعراض الأزمة في شباط (فبراير) 2007، كان حجم الخسائر المتأتية من التوقف عن التسديد معروفاً. وانقضت 6 أشهر الى آب (اغسطس) 2007، في اثنائها خسرت السندات على قروض اصحاب الدخل المحدود مشتريها، أياً كان ثمن عرضها عليهم.

فسادت الشكوك سوق المعاملات الرأس مالية بين المصارف، وظن كل مصرف في شريكه أو زميله العجز عن التسديد، والتعرض للمشتقات المسمومة، واحتواء محفظته شطراً كبيراً منها. فأصابت إذ ذاك الأزمة القطاع المصرفي كله، الوطني المحلي والعالمي. وتهددت الأزمة المؤسسات المالية بالتوقف الكامل عن التسديد. والحل الأول للأزمة الهاجمة هو إنشاء مصارف تمتص الأصول المريضة، بعد تمييزها من الأصول الصحيحة. وسبق ان أنشئت مصارف على هذا المثال في 1933، في إطار «العقد الجديد»، وفي 1989، علاجاً لأزمة صناديق التوفير الأميركية. وأصابت بريطانيا، في 2008، بأزمة تشبه الأزمة الأميركية. وفي كلتا الحالين بلغت نسبة مديونية الأسر فوق 100 في المئة من مدخولها السنوي الصافي. وحملت الحسابات البريطانية الدولة على ترك هذا الحل والتخلي عنه حين تحقق ان كلفة إنشاء شبكة مصرفية تمتص الأصول الفاسدة لا تحتملها المالية العامة.

وحدها ألمانيا اختارت هذا الحل، بينما انصرفت الولايات المتحدة وبريطانيا الى حل بديل وأقل كلفة يقضي بتجديد رسملة المصارف المهددة. وتتولى المصارف، في هذه الحال، أصولها المسمومة بنفسها، على ان تعطى الأموال التي يضمن لها احتياط يفوق مستوى ملاءة التسديد. والحق ان هذا الحل أضعف من شبكة امتصاص الأصول الفاسدة، وأقل أماناً، ولكنه أضعف كلفة من الشبكة. واحتسبت قيمة تجديد رسملة القطاع المالي على أساس سعر ثابت للسوق العقارية. وفي الأثناء، كان السعر يتردى، وانتشرت عدوى الأزمة المالية في الاقتصاد، وتعاظمت البطالة، وتفشى العجز عن التسديد خارج دائرة الرهونات العقارية العالية المخاطر المباشرة. وقياساً على هذا، بدت الرسملة حلاً موقتاً وغير مستقر، واقتربت المصارف تدريجاً من التوقف الكامل عن التسديد والتداول.

والتمست المؤسسات المالية الحل في تسعير الأصول المسمومة، حين ظهورها في موازنات المؤسسات، فوق سعر السوق المعتمد الى حينه. فأسرعت رابطة المصرفيين الأميركيين («أميريكان بانكرز اسوسييْشن») الى طلب تعديل المادة 157 من قانون المحاسبة، وهي المادة التي تسن قواعد التقويم في الموازنات. وتقدمت الرابطة بطلبها في 12 آذار (مارس) 2009 إلى مجلس معايير المحاسبة المالية الأميركي (FASB) بواسطة برلمانيين، وأقر التعديل في 4 نيسان (ابريل). وخوّل المصارف التسعير بأسعار «أقرب الى الواقع»، وعلى «ميزان النموذج». وقال المستثمر المعروف وارن بوفيت ان تسعيرها على «ميزان الأسطورة»، فمعيار التسعير هو سوق لا تشكو أزمة. واقتفى حاكم المصرف المركزي الأوروبي، جان - كلود تريشيه، مثال المجلس الأميركي، ولبت المفوضية الأوروبية الطلب على مضض.

وعلى هذا، ختمت المؤسسات المالية الأميركية التسديد المصرفي بوسائل «غير تقليدية» ولا معهودة. وأقر المصرف التجاري ويلز فارغو أن قاعدة المحاسبة الجديدة خولته زيادة ممتلكاته 4.4 بلايين دولار. وشهدت البورصة الأميركية منذ 4 نيسان، زيادة في أسعار الأسهم دامت الى منتصف حزيران (يونيو). وصادف في 4 نيسان اختتام مجموعة العشرين قمتها. فعزت الصحافة تحسن البورصة الى القمة العتيدة، على خلاف الحقائق والوقائع. وضحية الإجراء الأولى هي الشفافية. ولكن ما ينبغي ألا يغفل هو ان الاختيار بين مصرف الامتصاص وبين تجديد رسملة المصارف المهددة بالتوقف عن التسديد، لم يكن واقعياً أو فعلياً، فحجم كلفة مصرف الامتصاص فاق طاقة الهيئات العامة. وكانت الرسملة المصرفية بئراً لا قاع لها في الحال المتردية يوماً بعد يوم، وفي ضوء الأمرين الممتنعين، بدا تزوير الأرقام ضرورياً. ووحده تعليق التوقف التام عن التسديد في وسعه تجنيب الآلة الاقتصادية الشلل التام.

وعندما أعلنت أرقام الخسائر التي أصابت النظام المالي، وهي بلغت تريليونات او آلاف بليونات الدولارات، شُده الجمهور. وبلغت ديون المصارف والمؤسسات المالية بعضها على بعضها الآخر، وقيمة العجز عن التسديد، المبالغ نفسها. وكان على التمويل المفترض ان يتولاها، وينهض بها. وتتهدد النظام المالي في هذه الحال أخطار قاصمة. والقول ان المصارف المركزية تطرح نقداً حين تقتضي الحال طرح النقد الإضافي لا يُغفل ان النقد هو نظير ثروة ولّدها الاقتصاد. وهذه المرة، لم يكن النقد نظير ثروة بل لقاء ثقب ضخم لا ينبغي سده بالوسائل المتاحة. وبلغت قيمة إصدارات السندات (المتوقعة) في 2009، في العالم كله، 5300 بليون دولار، 3018 بليوناً في الولايات المتحدة. ويساوي المجموع 9 في المئة من الناتج الإجمالي الداخلي في العالم في 2008. وليس هذا في متناول النظام المالي.

وبلغ دين الموازنة الأميركية في 2009، نحو 11 ألف بليون دولار. ويتوقع ان يزداد ألف بليون في السنة طوال الأعوام العشرة القادمة. وعليه، يبلغ دين الموازنة 20 ألف بليون دولار في 2019، على شرط ألا تزيد الفائدة عن متوسط 3 في المئة. وتساوي الفوائد 30 في المئة من الموازنة الاتحادية. وهذه نفقات لا تطيقها أمة، ولا ترتضيها. وأزمة 2009 غير مسبوقة. فالرأسمالية المهددة لم يسعها الخروج من الأزمة بوسائل «تقليدية» في متناولها، ولا بوسائل «غير تقليدية» ولكنها في مطالها. وأدخل الحل، اي تزوير المحاسبة، النظام المالي الدولي في حقبة التشبيه والمحاكاة. وأُنقذ المصرفيون قبل الأسر، على شاكلة «تايتانيك» وأتحيت فرصة لتعظيم المصرفيين نفوذهم.

ومنذ 1975، زعم الرأي الاقتصادي الغالب ان التدبير الاقتصادي يتولاه تقنيون لا شأن لهم بالسياسة، ولا شأن للسياسة في إجراءاتهم ومقترحاتهم. ولو شاء التقنيون التدخل لحالت غلبة تحرير الاقتصاد من القيود والخصخصة، في اثناء ال35 سنة المنصرمة، بينهم وبين مغالبة الوجهة الطاغية. فالنظام المالي خرج من دائرة التدبير والإجراء. وانفرد مدراء المصارف، وكبار موظفيها، بهذين، من غير رقيب ولا حسيب. فوزعت مصارف جي بي مورغان تشايز وغولدمان ساكس ومورغان ستانلي علاوات ومكافآت ب18 بليون دولار، نسبتها من ال45 بليوناً التي بلغتها قيمة التقديمات 40 في المئة. فصح في الحكومة الأميركية اسم «حكومة ساكس»، كناية عن عمل وزير الخزانة السابق هنري بولسون في المصرف العتيد.

وذهب سيمون جونسون، رئيس اقتصاديي صندوق النقد الدولي سابقاً، الى نعت إدارة أوباما ب «الأوليغارشية». وحمل إجراءاتها على هزيمة الحكم أمام «الأوليغارشية»، نافخاً في بوق ثوري. ولم تشارك بقية العالم الولايات المتحدة تقوقعها على تجديد الرأسمالية في صيغتها القديمة. فبريطانيا أقرت تأميمات لم تخشَ تسميتها باسمها (رويال بنك أوف سكوتلند)، وتنصيب موظفين على رأسها. وتلكأت الحكومة الأميركية، على خلاف الحكومة الصينية، عن انتهاج سياسة عمالة روزفلتية، وترددت في إقرار خطة حماية مرافق عمل. وأسهمت السوق الصينية في تحسين الصادرات اليابانية في الشطر الثاني من 2009. وبعض الشركات الأميركية، مثل «انتل» الإلكترونية، تدين الى المستهلك الصيني بأرقامها المرتفعة. وهذا من أعراض الضعف الأميركي، ومن القرائن على دخول الرأسمالية طوراً غير معهود. ف «خصخصة» الأرباح والإشراك في الخسائر، حل يعصى على التطبيق بعد ان بلغت الخسائر حجماً يفوق الشراكة فيها، وعجز المكلفون عن تسديده. وحين يحل نظام جديد محل الرأسمالية، فلن يبدو ان نظاماً جديداً خلّف نظاماً معطوباً، بل يبدو ان العقل انتصر على طبقة فاسدة قضت صريعة إفراطها.

* باحث في الاقتصاد والأناسة، عن «لوديبا» الفرنسية، 11-12/2009، إعداد وضاح شرارة.

============================

إسرائيل تدفع المنطقة إلى حرب دينية

الاربعاء, 24 مارس 2010

ماجد كيالي *

الحياة

كأن إسرائيل لم تتّعظ من «حادثة» الكرسي المنخفض مع السفير التركي، حتى أتبعتها بحادثة أخرى بإعلانها مخطط بناء 1600 وحدة سكنية في القدس، إبان زيارة نائب الرئيس الأميركي لإسرائيل، ما شكل نوعاً من الإهانة أو الاستخفاف بالولايات المتحدة، وبسياساتها في المنطقة.

ويمكن اعتبار هاتين «الحادثتين» نوعاً من فقدان أعصاب، أو اتزان، لدى إسرائيل، التي باتت تجد نفسها في مواجهة تحديات صعبة ومعقدة، كتحدي الخطر الديموغرافي الفلسطيني، وتحدي نزع الشرعية عنها (على الصعيد الدولي)، وتغير الواقع الإقليمي، لجهة التعايش مع إيران نووية، وتضعضع علاقاتها مع تركيا، وتراجع صورتها كدولة ردعية.

أيضاً، ثمة مؤشرات أخطر تتمثل بقيام إسرائيل بالحضّ على حرب دينية في المنطقة، بدءاً من إصرارها على تهويد القدس (أرضاً وسكاناً)، مروراً بانتهاكاتها المسجد الأقصى، وصولا إلى مطلبها الاعتراف بها كدولة يهودية. وضمن ذلك يأتي إعلان نتنياهو عن ضم بعض المقدسات الإسلامية الى التراث اليهودي، وهدم بيوت في البلدة القديمة، وافتتاح كنيس «الخراب» بجوار المسجد الأقصى.

وربما تعتقد إسرائيل في وضعها الحرج هذا، إزاء عملية التسوية والولايات المتحدة والعالم، وإزاء محيطها الإقليمي المعقد، تعتقد أن «تديين» الصراع يشكل مخرجاً لها، لتغطية طابعها كدولة استعمارية وعنصرية، تسيطر على شعب آخر بوسائل القوة والقهر، وتظهير نفسها بمظهر «الضحية» في مواجهة ظاهرة الإسلام السياسي المتطرف، والإيحاء من وراء ذلك بأنها تقف في خندق الحرب الدولية على الإرهاب. لكن كثيراً من المحللين الإسرائيليين حذروا من أن «الحروب الدينية هي الأشد وحشية ودماراً بين الحروب في العالم» (دان كسبيت، «يديعوت أحرونوت»- 14/12/2009).

عموماً فإن الحديث عن اضطراب السياسة الإسرائيلية بات متداولا، وبالذات في المحافل الأميركية والإسرائيلية. هكذا علّق توماس فريدمان (في «النيويورك تايمز») على إعلان مخططات بناء في القدس، باعتبار أن إسرائيل يقودها قادة ثملون. أما محاولات نتانياهو تبرير ما حصل بطبيعة ائتلافه الحكومي، فردّت عليها مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، بكلام معبّر قالت فيه: «يجدر بنتانياهو أن يبدأ بالقلق من الولايات المتحدة وليس من ائتلافه». («معاريف»، 15/3 الجاري) وعلّقت «هآرتس» في افتتاحيتها (يوم 15/3) قائلة: «الأفضل أن يزاح عن الطريق خطأ شائع: إسرائيل ليست الذخر الاستراتيجي للولايات المتحدة، الولايات المتحدة هي مصدر القوة الإسرائيلية وثمة واجب في كبح جماح الجنون الذي يهدد بتحطيم العلاقة بين الدولتين».

طبعاً من السابق لأوانه المراهنة على هذه الحادثة أو غيرها لتفكيك العلاقة الإستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة، سيما أن إسرائيل تعمل في إطار اللعبة السياسة الأميركية، وتتمتع بهامش واسع يسمح لها بمناورة الإدارات الأميركية. وفوق ذلك فأي تغيير في علاقة الطرفين يحتاج إلى مزيد من المعطيات الداخلية والخارجية. وطبعاً لا يمكن أن يستنتج من ذلك أن إسرائيل هي التي تملي على الولايات المتحدة سياساتها، فالعكس هو الصحيح، لكن ذلك يتطلب إدارة حاسمة، كما يتطلب توفير الضغوط المناسبة، والعوامل اللازمة للدفع في هذا الاتجاه. وربما هذا يفسّر إصرار نتانياهو على تعزيز الأنشطة الاستيطانية في القدس، على الرغم من المطالب التي طرحتها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. وهذا يفسر شعور نتانياهو بأنه في وضع يسمح له بتوسيع هامشه، وفرض أولوياته، في مواجهة سياسات إدارة أوباما التي لن تفعل شيئاً، كونها مهمومة بالانسحاب من العراق، وبمواجهة «طالبان» في باكستان وأفغانستان، وبملف إيران، وببعض الملفات الداخلية.

لكن رهانات نتانياهو هذه يمكن أن تفضي إلى نتائج سلبية وخطيرة على المنطقة وعلى المصالح الأميركية، فليس ثمة مصلحة للولايات المتحدة ولا لأوروبا، ولا لأحد في المنطقة (وضمن ذلك إسرائيل) بالدفع نحو حرب دينية، وليس ثمة مصلحة لإسرائيل، على المدى البعيد، بإضعاف إدارة اوباما، أو الحط من هيبتها. فإذا كانت هذه الإدارة لا تستطيع شيئاً إزاء إسرائيل، فكيف سيكون الأمر مع إيران؟!

من الواضح أن نتانياهو في ظل هذا الوضع محرج جداً، فهو مخير ليس بين بقاء ائتلافه (حيث يمكن له جلب «كاديما» الى الحكومة)، وإنما بين مبادئه وقناعاته الأيديولوجية (كما حصل في السابق مع رابين بمعنى ما)، وبين الحفاظ على مكانة إسرائيل كحليف استراتيجي للولايات المتحدة في المنطقة، ويأتي ضمن ذلك تسهيل سياساتها الشرق أوسطية، لا تعقيدها، أو وضع العراقيل أمامها.

ومشكلة نتانياهو اليوم أن الولايات المتحدة في ظل إدارة أوباما باتت أكثر قناعة بضرورة حل الصراع العربي الإسرائيلي باعتبار ذلك مصلحة قومية أميركية، مع وجود أكثر من مئتي ألف جندي أميركي في العراق وأفغانستان، ومع محاولات كبح التوجه النووي لإيران. ومشكلة نتانياهو أن هذا التوجه بات يشمل المستوى العسكري أيضاً في الولايات المتحدة. وهذا ما عبّر عنه صراحة قائد القيادة الأميركية الوسطى الجنرال ديفيد بترايوس، في مداخلة له أمام لجنة من الكونغرس الأميركي أكد فيها أن هذا الصراع «يثير المشاعر المعادية للولايات المتحدة، بسبب الانحياز الأميركي لإسرائيل».

لكل ذلك تبدو اسرائيل متخوّفة ومضطربة من إمكان فقدان السيطرة في المنطقة وفي عملية التسوية، مع ضعف التوجه الدولي للعمل ضد إيران، ومع ميل الإدارة الأميركية، والدول الأوروبية، لإنفاذ حل الدولتين، في غضون سنتين (بدءاً من تعيين حدود دولة فلسطين)، بالتوافق مع إسرائيل أم من دون ذلك، أي عبر مجلس الأمن الدولي، باعتبار أن هذا الوضع قد يساعد في استقرار المنطقة، ويخدم المصالح الغربية فيها. لا سيما أن ثمة مبادرة في هذا الاتجاه، يعمل عليها وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير ونظيره الاسباني ميغيل موراتينوس». («هآرتس»21/2/2010)

هكذا، وبحسب تعبير فريدمان، ثمة قيادة ثملة في إسرائيل، لا تدرك وضعها ومحيطها. أما بحسب تعبيرات محللين إسرائيليين فإن «رب البيت جن جنونه»، لهذا ينبغي إبداء الكثير من الحذر والقلق لما يمكن أن تقدم عليه إسرائيل في ظل هذا الوضع، لا سيما في ظل ضعف وتشتت الوضع العربي.

* كاتب فلسطيني

============================

غواية استيراد الحكمة

المستقبل - الاربعاء 24 آذار 2010

العدد 3604 - رأي و فكر - صفحة 19

ممدوح الشيخ

يموج العالم بنقاش ساخن حول التنظيم الاقتصادي/ السياسي وتداعياته وبخاصة لجهة الكفاءة الاقتصادية للدولة. وخلال السنوات القليلة الماضية نجحت اميركا بعد زوال النظام ثنائي القطبية في أن تحفر مجرى نهر يمثل القيم التي تراها "حاكمة" للنظام الاقتصادي/ السياسي، واستطاعت، ولو جزئيا، أن تدفع العالم للسير فيه عبر مؤسسات دولية كالبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية.. .. وغيرهما. لكن الجدل حول القضية عربيا ما زال يأخذ منحى مغايرا تغلب عليه رغبة عميقة في إثبات أن التقدم ممكن دون حرية، وأن على العالم العربي أن يحرم على نفسه لأسباب غير مبررة عقليا الاستفادة من التجربة الغربية التي أكدت على نحو قاطع أن الديموقراطية شرط لازم للنهوض.

وبعد عقود من نقل تجارب الاقتصاد المخطط مركزيا والشمولية السياسية: مرة بالانحياز للتنظيم السياسي المخطط مركزيا من أعلى كطريق للنهوض، ومرة باستنساخ النموذجين الفرنسي والألماني في التنظيم السياسي عبر دولة مركزية صاهرة تسيطر على الاقتصاد والسياسة والثقافة.. .. حتى الأحلام!!.

والآن يعود مثقفون عرب لخوض معارك أصبحت بالفعل محسومة، باحثين عن "شهود" يؤكدون صحة قناعاتهم المسبقة، بعد أن أصبحت التقارير التنموية الدولية مناسبة لشعور عربي عميق بالحرج من حصيلة تجارب النهوض المخططة من أعلى سياسيا واقتصاديا. ومؤخرا كان المفكر السينغافوري كيشوري محبوباني بطل قصة من هذا النوع انطوت على مفارقات كثيرة، بعضها أقرب إلى الكوميديا السوداء!

ومحبوباني حاليا عميد معهد "لي كوان يو" للسياسات العامة بجامعة سينغافورة وكان قبلها دبلوماسياً تقلد مناصب عديدة، كان آخرها ممثل بلاده بالأمم المتحدة. كان محبوباني ألقى كلمة بمؤتمر دولي للفكر بكندا تشكك بإمكانية تطبيق المفاهيم الغربية المتصلة بالديمقراطية وحقوق الإنسان عالميا، وهو ما احتفى به الإعلام العربي بشكل غير مبرر. وقبل أن تهدأ الضجة كانت أطروحته عن "أعمدة الحكمة السبعة" قد ترجمت وصدرت بالعربية وهي صدرت لأول مرة عام 2008 في كتابه: "العالم الأميركي الجديد: تحوّل لا يقاوم للقوة العالمية نحو الشرق".

وقد لخص محبوباني في كتابه القيم الغربية التي نقلها الآسيويون من الغرب وساهمت في النهوض الآسيوي، في سبع: اقتصاد السوق الحرة، العلم والتكنولوجيا، الجدارة والكفاءة الشخصية للفرد، ثقافة السلام، احترام سيادة القانون، التعليم، والبراغماتية. وجميعها قيم تؤسس للديموقراطية، ومن الخطأ تصور أنه يمكن نقلها لمجتمع ما ومنعها من أن تؤدي للديموقراطية، وهو ما راهنت عليه القيادة الصينية حتى حدثت كارثة أحداث "تيان آن مين".

وبينما يمتلئ الإعلام العربي بتحليلات مضللة تؤكد أن التجربة الصينية شهادة نجاح للاقتصاد المخطط مركزيا فإن محبوباني "يعترف" بأن الصين حققت قفزتها "فقط" بعدما هجرت مبادئ ماو في التخطيط المركزي وأدخلت اقتصادات السوق الحرة. وهو يقول في عبارة موحية: "كثير من الناس عملوا عن نمو الصين المدهش، لكن القلة فقط فهمت فعلاً المعدلات المتفجرة التي نما بها الاقتصاد الصيني".

وفي المسافة بين المعرفة والفهم انتشر الخطاب التحليلي الانتقائي الذي أكد دائما أن التقدم سيحدث دون تغيير ديموقراطي!

وفي مقابل الاحتفاء المبالغ فيه بانتقادات محبوباني للديموقراطية يتم تهميش كتاباته عن الهند (الديموقراطية الأكبر في العالم) وقد كتب مؤكدا أن الشراكة بين مانموهان سينج رئيس وزراء الهند وسونيا غاندي رئيس حزب المؤتمر الحاكم، تعني اتجاه الهند لمزيد من الإصلاح والتحرر الاقتصادي، ما يتيح أن ينطلق "النمر الهندي الناشئ". وكما قال سينغ ذات مرة: "رغم السوق المحلية الضخمة التي تمتلكها الهند إلا أن تجربتنا مع السياسات السابقة المنعزلة نسبياً، وكذا التجربة العالمية في هذا الصدد، تشير بوضوح إلى إمكانات النمو التي يوفرها التعاون التجاري والاقتصادي مع الاقتصاد العالمي".

ويرى محبوباني أن "الثقة الثقافية الجديدة" التي اكتسبتها الهند ستكون دافعاً للنهوض الكبير، فهل يمكن أن ينكر أحد مركزية الديموقراطية في التجربة الهندية؟

وقد كان نادي الصناعيين في مومباي ميالاً إلى الحماية على نحو متأصل. واليوم أصبح رجال الصناعة أنفسهم يؤيدون الإصلاحات التي تبناها سينغ، بعد اقتناعهم أن الهند أصبحت قادرة على منافسة الأفضل. وتجربة سينغ "الديموقراطية" من جانب آخر تؤكد إمكان الموازنة بين السياسات الداعمة للسوق والسياسات المناصِرة للفقراء.

ولم يتوقف موقف محبوباني عن التطور فكتب بعد الأزمة المالية العالمية عن مزيد من الانخراط الآسيوي في الشأن الدولي لا عن مزيد من الاحتماء ب "الدولة"، وبعد أن كان الآسيويون يقدسون الثبات أصبحوا قادرين على التكيف والتغير. وبعد كانوا يهتمون أشد الاهتمام بحماية سيادتهم حذرين من التعامل مع أي توجه متعدد الأطراف قد يضعف هذه السيادة أصبحوا يدركون أن العمل الجماعي لا يؤدي لتأكّل السيادة بل إنه يحميها. وقد اتفقت البلدان الآسيوية، رغم انتقاداتها لصندوق النقد بعد الأزمة المالية التي ضربت المنطقة عام 1997، فإنه تسهم بمليارات الدولارات في صندوق النقد الدولي عقاب الأزمة المالية العالمية الأخيرة. وفي إطار حسهم العملي يحافظ الآسيويون على استعدادهم لتقبل الزعامة الأميركية المستمرة وهيمنة المؤسسات العالمية، وهم كذلك لا يتحدون المظلة الأمنية التي تتزعمها اميركا لحماية منطقة آسيا والباسيفيك.

إن العالم العربي مصاب ب "غواية" استيراد الحكمة، لكن هذه الغواية توشك أن تتحول إلى وسيلة لتأكيد القناعات المسبقة لدى شرائح من النخبة تريد "الدولة" في محيطنا العربي "سجنا" لا "حصنا"، وقد طاش سهمهم هذه المرة، عندما قرروا خوض المعركة وراء درع "كيشوري محبوباني"!.

============================

وزير عدل الفشل

مايكل غيرسون

الشرق الاوسط

24-3-2010

إريك هولدر وزير العدل الأميركي شخصية مثيرة للجدل لليسار، نظرا لاحتفاظه بكثير من البنيان القانوني لإدارة بوش في شن الحرب على الإرهاب. كما أنه مثير للجدل لدى اليمين، لأنه تجاهل أجزاء من ذلك البناء بصورة بدت قاصرة ومتهورة. لكن هولدر أكثر وزراء إدارة أوباما عرضة للخطر لعدد من الأسباب، فكل ما يتبناه من قضايا تأتي بمردود عكسي.

قائمة أخطاء هولدر مثيرة للدهشة بالفعل، أولها كان القرار بالإفراج عن وثائق التحقيق مع معتقلي غوانتانامو في عهد إدارة بوش، وإعادة فتح التحقيق مع محققي وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بعد أن أفرج عنهم المدعون العامون. اعتقد هولدر أن هذه الأفعال ستثير غضب الرأي العام، لكنها أثارت، عوضا عن ذلك، نقاشات واسعة حول الأمن القومي، دفع سبعة من رؤساء وكالة الاستخبارات السابقين - عملوا في إدارات نيكسون وريغان وبوش الأب وكلينتون وبوش الابن - يحذرونه بأن ما يقوم به يمكن أن يساعد القاعدة في التملص من الاستخبارات الأميركية والتخطيط لعمليات مستقبلية، وهو ما تسبب في حدوث صدع خطير بين وزارة العدل ومجتمع الاستخبارات.

تمثل الخطأ الثاني في رفض هولدر التبريرات القانونية التي ساقها جون يو وجاي بيبي، محاميا إدارة بوش، بشأن وسائل الاستجواب المحسنة. فأدان مساعدوه المحاميين بسوء السلوك المهني، لكن المدعي العام بوزارة العدل أخلى سبيلهما ما أثار حرج هولدر.

أما خطأه الثالث فتمثل في التعامل مع قضية الانتحاري الذي أخفى المتفجرات في ملابسه الداخلية. ولحسن الحظ فقد أبدى عمر فاروق عبد المطلب تعاونا. لكن قرار هولدر بمنحه الحق في الصمت عملا متسرعا ولم يتم التشاور فيه مع مسؤولي الاستخبارات، حيث تعامل هولدر مع مسألة الأمن القومي كقضايا قانونية محضة. وقد قال دينيس بلير مدير الاستخبارات أمام الكونغرس في وقت لاحق: «إن تلك الوحدة (مجموعة التحقيق مع السجناء ذوي القيمة العالية) تم إنشاؤها خصيصا لهذا الغرض لتحديد ما إذا كان الشخص المعتقل يمكن اعتباره حالة يمكن تقديمها للمحاكمة الفيدرالية أو لبعض الوسائل الأخرى. لم نشرك الوحدة في هذه التحقيقات، لكن كان من الواجب علينا القيام بذلك». ويبدو أن بلير فاته أن الوحدة لم تنشأ بعد.

رابع هذه الأخطاء هو الفشل في إغلاق معتقل غوانتانامو ومحاكمة خالد شيخ محمد والمتهمين الآخرين في أحداث 11 سبتمبر (أيلول) أمام محاكم مدنية. فليست هناك خطة جادة لإغلاق غوانتانامو، كما لم يتمكن هولدر من صياغة مبررات نقل بعض قضايا الإرهاب إلى محاكم مدنية، فيما تحاكم أخرى أمام محاكم عسكرية. وأن أسس محاكمة القرن التي وضعها شابها القصور من جميع الأوجه. ونظرا لفقد البيت الأبيض الثقة في قدرة هولدر على التعامل مع قضايا الإرهاب تولى المسؤولية الكاملة عن العملية. ولذا لا يتوقع أن تتم محاكمة أي من المدانين في اعتداءات 11 سبتمبر على أي من الأراضي الأميركية. بيد أن التراجع عن هذا الالتزام ستكون له كلفته. أضف إلى ذلك سلسلة الأخطاء العامة عندما صرح بأن أميركا «أمة من الجبناء، وأن إمكانية القبض على أسامة بن لادن غير قائمة».

في بعض الأحيان قد يثير العجز التعاطف، لكن هولدر يمزج الفشل بالتظاهر بالتمسك بالأخلاق. ويقول عن منتقدي هذه الخيارات المثيرة للتساؤل إنهم «يفتقدون الثقة في النظام القضائي الأميركي».

لكن ربما يكون هناك احتمالية أخرى وهي أن منتقدي هولدر - في الكونغرس والبلاد والبيت الأبيض - يفتقدون الثقة في حكم هولدر على الأمر.

===========================

لماذا يقوم الرجل بتوجيه الاساءة والعنف المرأة ؟

ترجمة الرابطة الأهلية لنساء سورية – 23/3/2010

تعمل عدة نظريات على تفسير ظاهرة العنف الموجه ضد المرأة من قبل الرجل ، و تبين أن الأسباب وراء هذه الظاهرة قد تكون : صعوبات مالية أو مشاكل أسرية أو مشكلات في التواصل بين الأفراد أو انعدام وغياب الإيمان، و قد تكمن المشكلة في المرأة، حين تقوم في بعض الحالات باستفزاز الطرف الآخر ليتصعد الموقف، لكن قد تكون تلك الأسباب في الحقيقة جزءاً من المشكلة الرئيسة إلاّ أنها وبشكل قطعي ليست الأسباب الحقيقية التي تقف وراء ظاهرة العنف ضد المرأة، و حتى لو أُزيلت تلك العوامل التي تساهم في تلك الظاهرة فإن العنف ضد المرأة لن يتوقف .

تبدأ المشكلة عندما يلجأ المعتدي إلى العنف والضرب كوسيلة فعالة للحصول على مبتغاه، ويستمر في ذلك لفرض سيطرته الكاملة على الضحية لتحقيق أغراضه، ومن المؤسف أن المعتدي لا يظهر أي ندم أو تراجع نتيجة سوء عمله.

يكشف لنا التاريخ أن قضية العنف ضد المرأة لم ينظر إليها عبر الزمن على أنّها فعل شائن يندرج تحت مسمّى (الجريمة) ، ويثبت ذلك عدم وجود قانون عقوبات وغرامات قانونية ضد الجُناة فمن النادر أن يحبس رجل أو يغرم على ضربه أو إساءَتِهِ لامرأة، كما أنّ المجتمع المحيط بمثل تلك الشريحة من الرجال يتقبلهم بشكل طبيعي.

و لا يمكن التنبؤ في كثير من الأحوال أو الجزم بكون شخصاً ما معتدياً، حيث ينحدر جميع المعتدين من خلفيات و طوائف وشخصيات متنوعة، إلا أنّنا قد نجد سِمات عامة في شخصية المعتدي وهي :

 

1- ينظر المعتدي إلى النساء على أنّهُنّ أدوات لا كائنات بشرية ، حيث لا يظهر الاحترام للمرأة وهي في نظرة لا تتعدى كونها أداة ووسيلة جنسية و حسب .

 

2- غالبا ما يكون لدى المعتدي عدم تقدير للذات، حيث يشعر أنه ضعيف عديم النفع، وقد تكون مظهره خادعاً بأن يظهر للملأ أنّه إنسان ناجح لا عيوب فيه إلا أن شعوراً بالنقص يبقى ملازماً له .

 

3- يجد المعتدي لنفسه أعذارا ً داخلية تبرر له ما يقوم به من أفعال مشينة بحق المرأة ، كأن يتذرع بأن يومه كان سيئا أو أنه كان فاقدا للوعي نتيجة تعاطي المخدرات أو أنه تناول المشروبات الكحولية، أو قد يبرر فعلته بأن زوجته أو شريكته قد أثارت غضبه وغيرها من الذرائع التي قد تخطر في باله .

 

4- قد يرتدي المعتدي قناع الوسامة والجاذبية التي يخدع بها العالم من حوله ليبدو رجلاً لطيفاً .

 

5- قد تصدر عن المعتدي علامات تبين أن سلوكه غير سوي ، كنوبات الغضب أو العنف مع الحيوانات أو الغيرة المفرطة ، أو حب التملك أو استخدام الألفاظ النابية ، الخ ......

 

. هل أظهر شريكك أي من الخصائص آنفة الذكر ؟

 

. هل سبق وأن وقعت تحت وطأة الإساءة أو الضرب من قبل شريكك؟

. اذا كان الجواب نعم ! فعليك اتخاذ الإجراءات والخطط المناسبة للخروج من دائرة المعاناة ، والتخلص منها للآبد .

. من النادر أن يتراجع المعتدي عن أفعاله، وغالباً ما تتفاقم المشاكل ، ويتمادى المعتدي في أفعاله حتى ينتهي الأمر بموت الضحية .

لماذا تستمر المرأة في علاقات تكون فيها ضحية للإساءة ؟

 

إن السؤال المُلِح هو لماذا تستمر المرأة التي تعاني الاضطهاد أو الضرب في خوض تلك العلاقة غير السوية ؟ ويكمنُ الجواب في أن المرأة غالباً ما تتعرض للوم , وكثيراً ما تسمع الجمل التالية : "إما أن تحتملي ذلك ، أو تتوجب عليك المغادرة". " أو أنت واحدة من النساء الشديدات الغيرة" , أو" أنت تستحقين ذلك ", أو" لديك تقدير متدن لنفسك ".

لا يوجد في الواقع إنسان سوي يرضى أن يكون ضحية لإساءة أو يحب أن يتعرض للضرب و الإهانة، وليس صحيحاً أن المرأة المعنفة تعاني من عدم تقدير لذاتها مما يجعلها ترغب في أن تضرب أو تعنف .

 

تعد أسباب بقاء النساء في دائرة العلاقات التي تتسم بالعنف والاضطهاد أكثر تعقيداً من أن تكون ضعفاً في شخصية المرأة، فقد تجازف المرأة بحياتها إذا تركت شريكها وتعرض نفسها للموت لتصبح الأمور أكثر صعوبة، خاصة عندما تكون معتمدة بشكل كلي على شريكها اقتصادياً واجتماعيا، فيغدو تركها له أنها ستعيش في خوف أبدي، و قد يكون الأطفال السبب الحقيقي لعدم تركها شريكها، حيث تعرض نفسها لخسارة أبنائها ، وقد تعتقد أن خسارتها لزوجها تعني فشلها في أن تكون زوجة وأُمّاً ، لأن العديد من النساء تربين على أنّ المرأة هي الطرف الأساسي الذي يقع على كاهله مسؤولية الحفاظ على رباط الزوجية والحفاظ على رجلها .

 

كما قد يَعزِِل المعتدي المرأة تماما عن محيط أصدقائها وعائلتها لِغيرَتِهِ وحُبِهِ للتملك وبذلك يتسنى له احكام سيطرته عليها ، أو قد تفضل الابتعاد عن الآخرين وتنغلق على نفسها لإخفاء آثار الضرب والاعتداء في جسدها، وبهذا يتولد لديها شعور بأن لا مكان لها في المجتمع لتعيش محاطة بالآخرين على نحوطبيعي كغيرها من النساء . وقد تبرر المرأة في بعض الأحيان سوء تصرفْ شريكها بسبب الكحول والمخدرات أو فقدان العمل أو وجود مشاكل فيه وغيرها من الأُعذار.

 

وقد لا تتعرض المرأة إلى الإساءة بشكل مستمر طوال الوقت حيث تمر حياتها في فترات لا عنف فيها ، يتخلَلُها بعض الرومانسية والمعاملة الجيدة من قبل شريكها ، تشعر فيها المرأة أنّ عليها التغاضي عن زلاّت شريكها وأن عليها الحفاظ على رجلها الجيد، وبذلك تكون مصرّة على الاستمرار في تلك العلاقة مُقْنِعَة نفسها بأن زوجها هو إنسان جيد جوهريّاً إلاّ أن أمور عرضية تحدث له و تتسبّب في نوبات غضب تؤدي به إلى ضربها .

 

هل تستخدمين أي من الذرائع آنفة الذكر لتبرير أفعال شريكك ؟

هل تريدين حقا الاستمرار ما بقي لك من عمر مع ذلك الشخص على الرغم من شعورك الدائم بالخوف من ما قد يحدث لك معه؟

تأكدي أن دائرة العنف لن تتوقف ! وعليك أتخاذ الاجراءات اللازمة للخروج من تلك الأزمة والبقاء بعيدا عنها .

عليك اتخاذ القرار الآن قبل أن تخسري حياتك !!!

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ