ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 30/03/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


المصالح والمصائر التشابك والتواطؤ

بقلم :علي حرب

البيان

29-3-2010

«المصالح والمصائر» هو عنوان كتاب لي صدر حديثاً، والكاتب يسأل أحياناً عن فحوى ما ألفّه. وإذا جاز لي أن أقدم تعريفاً موجزاً عن هذا الكتاب، بنوع من القراءة، على القراءة، بوسعي القول إنه يدور حول صناعة الحياة المشتركة، من خلال فكرتين محوريتين: التشابك والتواطؤ.

والتشابك هو اليوم السمة الأبرز عند من يتأمل في الواقع الكوني الراهن، وما طرأ عليه من التحولات في بنيته وخريطته ونظامه، وذلك على غير مستوى:

أولاً؛ على المستوى العالمي.

فمع تصدع الحواجز الرمزية والمادية بين الدول والمجتمعات، بفعل ثورة الأرقام والاتصالات، وما صاحبها من تنامٍ واتساع لحركة الانتقال ومساحات التواصل والتبادل، تتداخل المصالح والمصائر بين البشر، على نحو لا سابق له.

بحيث بات الكل يتأثر بالكل ويؤثر فيه، على هذا الوجه أو ذاك، بالرغم مما يظهر من الصراعات والصدامات بين القوى الفاعلة على المسرح.

وهذا ما يحصل الآن؛ كل حدث مهم يقع في مكان يترك أثره في مختلف أرجاء الكرة، وكل أزمة تضرب في مجتمع ما تخلّف تداعياتها في سائر المجتمعات؛ تماماً كما أن كل اختراع أو إنجاز يتم في بلد ما، يمكن الإفادة منه واستثماره على وجه السرعة في سائر البلدان والأقطار، كما تشهد الأعمال والنماذج الناجحة في الإصلاح والإنماء.

 

الأمر الذي يحول العالم، في هذا العصر الرقمي المتسارع، لتدفق المعلومات والصور والرموز، إلى فضاء إعلامي واحد أو إلى سوق مالية واحدة، كما يحوله إلى مسرح واحد أو بيئة واحدة، كما تشهد الأزمات والكوارث المالية والأمنية والبيئة والصحية والمعيشية.

 

بهذا يتم تجاوز ثنائية المحلي والكوكبي أو الخصوصي والعالمي، ولا يعني ذلك إلغاء الهويات الثقافية، بقدر ما يعني أنه لا انفصال بعد اليوم، بصورة حاسمة أو قاطعة، بين الداخل والخارج، بين الوطني والإقليمي أو العالمي. ولذا فالممكن هو بناء أنظمة للوصل والفصل، تتيح تشكيل علاقات تبادلية مثمرة.

 

هذا ما نشهده أيضاً على المستوى الداخلي، في المجتمع الواحد وفي الدولة الواحدة، حيث تنكسر الحواجز وتنفتح الحدود بين مختلف المجالات والميادين والشرائح، بقدر ما تتراجع العلاقات المركزية والعمودية لمصلحة العلاقات الأفقية والتداولية؛ الأمر الذي يحول الفضاء الاجتماعي إلى شبكة من التأثيرات المتبادلة، أو إلى جملة من العلاقات المتحولة.

بذلك ننتقل من مجتمع النخبة إلى مجتمع الشبكة، ونكسر ثنائيات الزعيم والجمهور أو الراعي والقطيع، نحو مفاهيم الوسيط والشريك والمسؤول والفاعل.. هذا المنطق يعمل بين الحقول والقطاعات، بقدر ما يعمل داخل الحقل الواحد أو المجال الواحد.

والحصيلة هي تنامي مساحات التداخل والتقاطع، على نحو تزداد معه إمكانات التداول والتبادل أو التلاقح والتفاعل، إن في الخبرات والمهارات، أو في الأفكار والآراء، أو في الحلول والمعالجات..

من الشواهد، أن الأغنياء يهتمون اليوم بشأن الفقراء، ليس لأسباب أخلاقية أو إنسانية، بل لأنهم، وكما هي حال من يحسن قراءة المُعطى الراهن، يدركون أن مشكلة الفقراء هي مشكلتهم بالذات، إذ هي تنعكس على المجتمع وعلى البشرية قاطبة، إذا لم تجد لها حلولاً معقولة أو مقبولة، الأمر الذي يُعطي للعدالة طابعها العمومي وبُعدها العالمي.

 

ولعل من الأمثلة البارزة ما يشهده القطاع الأكاديمي، حيث تنفتح الفروع المعرفية بعضها على بعض، على سبيل احتكاك الآراء وتفاعل النظريات أو تكامل المناهج، وصولاً إلى مقاربات أكثر تركيباً ومرونة في مواجهة حراك الواقع وتعقيداته. وإذا كان الواقع يُقرأ اليوم كشبكة، فإن مفهوم الشبكة أصبح يستخدم أيضاً في وصف فعل التفكير نفسه.

 

بمعنى أن الأفكار الخصبة لا تحيل إلى ماهيات متعالية، بقدر ما هي شبكات من القراءة تحيل إلى علاقات وروابط بين الأشياء. وأخيراً، هذه هي اليوم حال العلاقة بين العلماء المنتجين للمعارف حول الواقع، وبين العاملين في بقية القطاعات.

 

لا انفصال بعد الآن، بصورة حاسمة بين النظري والعملي، بمعنى أنه ولّى الزمن الذي يخترع فيه الفلاسفة والعلماء نظريات أو نماذج تحتاج فقط إلى من يقوم بتطبيقها.

 

هذه أوهام تخلق المشكلات بدلاً من حلها. فالممكن هو الانفتاح والتداول والتكامل، عبر تبادل الخبرات، وعلى نحو يؤدي إلى تطوير النظريات وإغناء المعارف، بقدر ما يؤدي إلى اجتراح وسائل فعالة أو تركيب حلول ناجعة في ميادين الممارسة.

كل هذا يشهد على أنه لا انفكاك لفاعل عن سواه في ما ينتجه أو يبدعه، دون أن يفهم من ذلك إلغاء الخصوصيات والفروقات. نحن إزاء نظام للجمع والتفريق، يتيح التوليف الخلاق بين الفردي والجمعي أو بين الخاص والعام، كما يتيح التبادل البناء بين ما هو محلي وكوكبي.

وهكذا فالعالم يزداد تشابكاً وترابطاً. ومن ينفع في مكان، كأنما ينفع الناس جميعاً. وبالعكس، من يحدث ضرراً في مكان، كأنما يضر الناس جميعاً والأرض بأسرها. وهذا ما يقود إلى الفكرة الثانية: التواطؤ، حيث الضرر أو الدمار أو الفساد بات شاملاً.

والذي يحسب أنه يدافع عن مصلحته على حساب مصالح الغير أو ضدهم، إنما يلحق الضرر بنفسه أولاً. هذا ما يحصل اليوم على المسرح العالمي، في هذا الزمن الرقمي والآني.

فمع الانخراط في الواقع الفائق بسرعته البرقية ومنتجاته الأثيرية وشبكاته العنكبوتية، تبلغ الأشياء مآلاتها القصوى لكي ترتد على أصحابها، وتتشابك المصالح والمصائر بقدر ما يتواطأ الضد مع ضده في إحداث الهلاك والخراب المتبادل.

 

من هنا فإن العلاقة بين المصالح والمصائر هي، بوجهها السلبي، علاقة عكسية أكثر مما هي طردية. بمعنى أننا بتنا نهدّد مصائرنا فيما نحسب أننا نصون مصالحنا.

وهكذا فنحن نعلن الحرب على الإرهاب، لكي يزداد فتكاً وانتشاراً؛ ونرفع راية الدفاع عن حقوق الإنسان، لكي نزداد عنصرية وبربرية؛ ونشهر سيف الدفاع عن الخصوصية، فيما نحن لا نحسن سوى انتهاك الثوابت والمقدسات؛ وننخرط في السباق المحموم لجمع الثروات، لكي نحصد الأزمات الاجتماعية والانهيارات المالية؛ والأخطر أن الفحش في الإنتاج والاستهلاك، لا مآل له سوى تبديد الموارد وتلويث البيئة.

والحصيلة لذلك كله، هي هذا الداء الذي يفتك بالاجتماع المعاصر كما يتجسم في المنازع العنصرية، والممارسات الوحشية، والكوارث البيئية. من هنا أخذت قضية الحياة المشتركة تحتل الأولوية في المداولات العالمية.

 

والرهان، إذا لم نشأ حصد المزيد من المساوئ والمخاطر، هو فتح الإمكان لتغيير يمس نمط العيش وقيمه وأساليبه، بحيث ينكسر المنطق الذي يتحكم في وعي الإنسان وسلوكه، من خلال صوَر الألوهة والعظمة والبطولة والعبقرية والنخبة..

 

فالبشرية تحتاج إلى إعادة التربية والتأهيل والبناء، من حيث علاقاتها بأنفسها وبالأشياء، وفقاً لمعانٍ وقيَم وصورة جديدة، من مفرداتها التُقى والتواضع والاعتراف والتضامن والرعاية..

كاتب ومفكر لبناني

=======================

الإدارة الأميركية تُفشل نتنياهو

المستقبل - الاثنين 29 آذار 2010

العدد 3608 - رأي و فكر - صفحة 19

ايتان جلبوع

( بروفيسور محاضر في العلوم السياسية بجامعة بار إيلان، وخبير في العلاقات الأميركية-الإسرائيلية)

دخل باراك أوباما التاريخ بمجرد انتخابه أول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة، ونجاحه في تمرير الإصلاح الصحي للمرة الأولى. فهو انتُخب على أساس وعوده بتغيير النظام العالمي أيضا، ولا سيما النظام في الشرق الأوسط، وهو راغب في دخول التاريخ أيضا باعتباره دفع وحقق الحل الشامل للنزاع العربي-الإسرائيلي. لكن الإشكالية تكمن في أنه يعتبر نتنياهو وحكومته العنصر الأساسي الذي يعيق مبادراته وخططه.

كان يُفترض أن يكون آذار 2010 شهر المصالحة وإصلاح سوء التفاهم والأعطاب التي أصابت العلاقات الأميركية-الإسرائيلية. فزيارة نائب الرئيس الأميركي جون بادين، لإسرائيل والزيارة التي تلتها لرئيس الحكومة نتنياهو إلى واشنطن، خطط لها بدقة وعناية لتحقيق الأهداف المذكورة أعلاه. لكن بدل أن يحصل ذلك، كشفت الزيارتان الخلافات العميقة في الرأي التي أشك في إمكانية نجاح الطرفين بالتغلب عليها.

ظهور كل من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ورئيس الحكومة نتنياهو أمام مؤتمر إيباك، الذي أبرز وجهات النظر المتناقضة إزاء البناء في القدس؛ لقاء نتنياهو وبايدن الذي وُصف بأنه " صريح"، أي مشحون بالخلافات في الرأي؛ واللقاء مع أوباما الذي وُصف بأنه " خاص"، وحُجب عن التغطية الإعلامية بطريقة خارجة عن المألوف بحيث انه لم يتم حتى تصويره، كل هذه الأمور تدل على صعوبات وعلى علاقات متعكرة. اللقاء الوحيد الذي كان وديا، جرى بين نتنياهو ونانسي بلوسي، رئيسة الكونغرس. فالكونغرس يؤيد إسرائيل ويعكس التأييد الواسع للرأي العام الأميركي لسياستها. وقد سبق للكونغرس أن وبخ أوباما على تعامله مع إسرائيل عبر الرسالة التي بعث بها 71 عضوا من أعضائه من الحزبين في آب 2009.

الإعلانات عن خطط البناء الإسرائيلية في رامات شلومو أشعلت الأزمة، لكن الولايات المتحدة فاقمتها. واسباب مفاقمة هذه الأزمة انكشفت من خلال تصريحات كبار موظفي الإدارة الأميركية. فإدارة أوباما، التي لا تطيق نتنياهو ولا تثق به، أرادت استغلال الأزمة من أجل تغيير شروط دخول الفلسطينيين إلى محادثات التقارب ولإظهار الولايات المتحدة كمن قادرة على ممارسة الضغط على إسرائيل وتغيير سياستها.

مع استلام أوباما مقاليد الحكم، طلب استئناف المفاوضات فورا بين إسرائيل وبين الفلسطينيين، وحدد جدولا زمنيا من سنتين حتى ثلاث سنوات لتحقيق حل، ولإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفقا للمنظومة السياسية الأميركية وليس وفقا للظروف في المنطقة. لقد أراد أوباما تحقيق إنجاز تاريخي إضافي في الوقت الذي يُفترض به البدء في معركته الانتخابية لفترة ولايته الثانية. مثل هذا الانجاز يمكنه أن يُحسن فرص فوزه في الانتخابات القادمة.

خطوات جوهرية من نتنياهو

بغية إتاحة المجال لاستئناف المفاوضات، طرح أوباما مطالب تتضمن تغييرات وتنازلات من قادة إسرائيل، من الفلسطينيين ومن الدول العربية المؤيدة للولايات المتحدة. لكن الزعيم الوحيد الذي استجاب للمطالب، وإن بصورة جزئية ومتحفظة، كان نتنياهو، الذي قبل بفكرة الدولتين وأعلن عن تجميد البناء في المستوطنات. في المقابل، رفض الزعماء العرب كل مطالب أوباما لتقديم بادرات طيبة لإسرائيل، ورفضت السلطة الفلسطينية استئناف المفاوضات. على الرغم من ذلك، كان نتنياهو الوحيد الذي حظي بانتقاد شديد من جانب الإدارة الأميركية.

وقد استمر الانتقاد حتى بعد أن بعث نتنياهو إلى هيلاري كلينتون، قبيل زيارته إلى واشنطن ومن أجل إنهاء الأزمة، رسالة أعلن فيها مجددا عن قبوله الجزئي بمطالب أميركية لاستئناف المفاوضات. فقط طلب الأميركيون إلغاء خطة البناء في رامات شلومو، الإفراج عن أسرى فتح، رفع المزيد من القيود عن التحرك في الضفة الغربية، واستعدادا إسرائيليا للبحث في مواضيع اللباب خلال محادثات التقارب وليس فقط في المحادثات المباشرة كما أراد نتنياهو.

منذ دخول أوباما إلى البيت الأبيض، ترفض السلطة الفلسطينية استئناف المفاوضات مع إسرائيل وتضع شروطا مسبقة. ومن جملة الأمور، طلبت السلطة وقف البناء في كل أراضي الضفة الغربية والقدس، ومواصلة المفاوضات من المكان نفسه الذي توقفت فيه مع حكومة أولمرت.

إلى ما قبل عام، لم يشكل البناء في الضفة الغربية والقدس عائقا أمام أبو مازن لإدارة مفاوضات مكثفة مع حكومة أولمرت. لكن الطلب الأميركي بالوقف التام للبناء هو الذي أدى إلى تشدد الموقف الفلسطيني، وحتى عندما أعلن نتنياهو عن التجميد المؤقت في الضفة الغربية، وعلى الرغم من الترحيب الأميركي بهذه الخطوة، تمسكت السلطة الفلسطينية برفضها وطلبت من الولايات المتحدة عدم المساومة على موقفها الأولي.

 

أوباما يدفع المواقف الفلسطينية إلى التشدد

لقد حققت سياسة أوباما نتيجة معاكسة بالضبط. فالهدف كان استئناف المفاوضات، لكن النتيجة كانت تشدد الموقف الفلسطيني وغياب المفاوضات.

الجنرال ديفيد بتراوس، قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، قال أمام الكونغرس ان الدول العربية المؤيدة للولايات المتحدة تفقد الثقة بها لأنها غير قادرة على إحضار إسرائيل لطاولة المفاوضات مع الفلسطينيين، وأن غياب المفاوضات وحل النزاع يضع صعوبات أمامها للوقوف إلى جانب الولايات المتحدة في مسعاها لوقف السباق النووي الإيراني. وأضاف أن غياب الحل يتيح للمنظمات الارهابية الإسلامية المتطرفة ايضا تجنيد ناشطين ومؤيدين لها، وبذلك تكون سياسة إسرائيل تعرض للخطر حياة الجنود الأميركيين. هذه الأقوال الخطيرة، التي من شأنها المس بتأييد الجمهور الأميركي لإسرائيل، اقتبستها محافل في الإدارة الأميركية، على الرغم من أنه لا أساس لها من الصحة ابدا.

لقد انتقد نتنياهو هذه الأقوال بشدة خلال الخطاب الذي ألقاه أمام أعضاء ايباك، واوضح أن الوضع معاكس بالضبط، وأن إسرائيل تساعد الولايات المتحدة في المجال الاستخباري، وفي مجال السلاح والقتال، وأن هذه المساعدة تنقذ حياة جنود أميركيين.

بالفعل، لقد تآكلت صدقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط خلال عهد أوباما. هذه الخسارة لا ترتبط أبدا بإسرائيل ولا بالمفاوضات مع الفلسطينيين. فهي بدأت تحديدا في خطاب المصالحة التاريخي الذي ألقاه أوباما في جامعة القاهرة، والذي حقق نتائج عكسية: فدول عربية وإسلامية، صديقة ومعادية، رأت فيه مظاهر ضعف.

لقد تضررت مصداقية اوباما اكثر في أعقاب الفجوة التي اتسعت وتعاظمت بعد تصريحاته حول عزم وتصميم الولايات المتحدة على منع إيران امتلاك السلاح النووي، والفشل المتواصل لتحقيق هذا الهدف. ولا توجد أية صلة بين المنظمات الارهابية الاسلامية، وبين وضع المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية. فالقاعدة، طالبان، والسنة في العراق يحاربون الولايات المتحدة لأنهم يعتبرون أن قيمها وثقافتها تشكل خطرا على الاسلام، وبسبب الاحتلال العسكري الأميركي المتواصل للعراق وأفغانستان.

يمكن لسياسة أوباما أن تنجح على المدى القصير فقط. أما على المدى البعيد، فستفضي إلى نتائج معاكسة كما حصل في جميع الحالات السابقة. فمنذ اجيال يحلم الفلسطينيون والعرب بأن تقوم الولايات المتحدة بأداء العمل نيابة عنهم، أي الضغط على إسرائيل لقبول شروطهم للتسوية من دون أن يقوموا بأية تنازلات ضرورية من جانبهم. الأزمة الأخيرة تصب في مصلحتهم، وستزيد من تشدد مواقفهم، ومن شأنها إفشال فرص التوصل إلى تسوية سلام.

=======================

سورية و تركيا .. وخارطة الطريق إلى المستقبل«2/2»

إضاءات

الإثنين 29-3-2010م

خلف علي المفتاح

الثورة

قلبت العلاقة السورية التركية التكوين الجيوستراتيجي للمنطقة، وأصبحت من الحقائق التي تفرض نفسها في الحسابات السياسية على مستوى المنطقة والعالم لما للدولتين من أهمية ودور على الصعيد الدولي

ولاسيما قضية الصراع العربي الصهيوني مع إصرار سورية على الدور التركي المحوري في المفاوضات غير المباشرة بينها وبين إسرائيل، وما لذلك من دلالة ورمزية سياسية تدرك أمريكا وإسرائيل معناهما، فتركيا في التفكير الاستراتيجي الصهيوني والحسابات الأمريكية كانت الورقة الرابحة والقوة الضاغطة على العرب و سورية تحديداً، وأن تتحول الى الخندق الآخر أو تقف على الحياد، فهذا يشكل صدمة قوية لصانعي القرار في (تل أبيب) و (واشنطن) ويسجَّل في خانة النجاحات المهمة للسياسة السورية المنفتحة للسيد الرئيس بشار الأسد وفن إدارته لإحداثيات الصراع في المنطقة.‏

لقد اعتقد قصيرو النظر الذين قاربوا العلاقة السورية التركية أنها ذات طابع تكتيكي ومرحلي، تتركز حول دور وسيط سياسي في عملية المفاوضات بين سورية وإسرائيل، وربما عملية تسخين فقط، لتدخل في فضاء آخر، وكانت المفاجأة لهم أن البعد السياسي أو التفاوضي هو جزئية ومقطع صغير في مشهد استراتيجي كبير وضعته قيادتا البلدين في الحسبان، وهو ما أكد عليه السيد الرئيس بشار الأسد في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع السيد رجب طيب أردوغان في دمشق نهاية عام 2009، حيث قال: إن توقيع الاتفاقيات بين سورية وتركيا أعاد رسم خريطة الشرق الأوسط، واعتبر سيادته خلال المحادثات أن الاستقلال الثاني لأي دولة يتحقق عندما تمتلك القرار المستقل في إشارة واضحة من سيادة السيد الرئيس إلى تحرر الإرادة السياسية لكلا البلدين من الإملاءات الخارجية وتعبيرها عن إرادة سياسية متفاعلة مع رغبة شعبية واسعة.‏

إن المستوى الذي وصلت إليه العلاقة بين البلدين وتسارع إيقاعها وتناميها واستطالاتها إلى مختلف الأصعدة وديناميتها الداخلية وارتكازها إلى الدعم الشعبي، جعل منها أنموذجاً يحتذى به، بدليل أن الكثير من دول الجوار الإقليمي بدأ يحذو حذو سورية وتركيا في هذا الاتجاه، وهذا يؤكد صوابية الخيارات لدى القيادة السياسية لكلا البلدين، وسيرهما في الاتجاه الصحيح.‏

ولعّل التفاعل الخلاق الذي أبدته المؤسسات التنفيذية والمؤسسات الأهلية وترجمتها العملية للاتفاقات المبرمة بين البلدين على مختلف الأصعدة هو دليل عافية ومؤشر إيجابي على أن الطابع العملي والمؤسساتي هو الناظم لتلك العلاقة التي تسير وفق خط بياني صاعد تحكمه منهجية واضحة ومحددة.‏

إن ما يدعو إلى المزيد من التفاؤل بأفق العلاقة بين البلدين الجارين هو تطابق الرؤية لدى قيادتي البلدين حول طبيعة ومستوى وعمق تلك العلاقة التي ستصل إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، وهذا ما جاء على لسان كبار المسؤولين في البلدين حيث وصف رئيس الوزراء التركي السيد رجب طيب أردوغان العلاقة بأنها خطوة تاريخية في مسار العلاقة السورية التركية؛ وهي لا تهم منطقة الشرق الأوسط فقط بل العالم برمته، ووصف سورية بأنها بوابة تركيا المنفتحة على المنطقة ودارنا الثانية، وتركيا هي بمنزلة البلد الثاني للسوريين وبوابة سورية إلى أوروبا، مؤكداً القرابة التاريخية والثقافية بين البلدين، وأن الخيار الآسيوي العربي هو الأكثر عقلانية لتركيا ولعل ما ورد في كلمة السيد أردوغان في قمة سرت وتأكيده الطابع الاستراتيجي للعلاقة العربية التركية والدور الذي لعبه العرب والأتراك في الماضي وما يمكنهم فعله مستقبلاً من دور حضاري واستقرار عالمي هو مؤشر مهم على ذلك.‏

إن إلقاء نظرة على المشهد السياسي وطبيعة التحالفات في المنطقة في الوقت الحاضر مقارنة مع ما كان عليه الحال قبل عقود مضت، يعطي القارئ الموضوعي صورة تعكس حجم التحول البنيوي الذي حصل في طبيعة التحالفات في المنطقة، واصطفاف القوى الفاعلة فيها وتموضعها الجديد، وتأثير ذلك وانعكاسه على معادلة الصراع العربي الصهيوني؛ عندها يدرك المتابع السياسي حجم الإنجاز الذي حققته السياسة السورية ودورها في رسم صورة جديدة لمنطقة عربية وإسلامية تلامس طموحات أبنائها و سعيهم الجاد ليكون لهم موضع قدم في عالم لم يعد فيه مكان للضعفاء، تحكمه المصالح والتحالفات الكبرى في ظل عولمة ذات إيقاع سريع ليس في أبجديتها توقف أو انتظار.‏

khalaf-almuftah@hotmail.com

=======================

في العولمة الثقافية وآثارها

آخر تحديث:الاثنين ,29/03/2010

عبد الاله بلقزيز

الخليج

لم تكن النتائج والآثار الثقافية للعولمة أقل وطأة من نتائجها وآثارها الاقتصادية والسياسية حتى لا نقول إن معدل السوء فيها أعلى، وهو كذلك في مجتمعات الجنوب أكثر منه في مجتمعات الشمال، وإن أصاب هذه الأخيرة أكثر مما أصاب الأولى من مصائب الأمركة، وقد يكون من الخطأ - بل هو فعلاً من الخطأ - أن ينظر إلى التشديد على الأبعاد والوجوه الثقافية للعولمة وكأنه شكل من التمسك المرضي بأفكار الهوية والأصالة وما في معناهما يقابله الاعراض عما يحسب أنه الأدعى إلى الانتباه في العولمة (الوجه الاقتصادي - الاجتماعي)، أو كأنه شكل من التمسك بفرضية المؤامرة في تحليل ما جرى من انقلاب مروع في الموازين وعلاقات القوى بين الشمال والجنوب وداخل كل منهما منذ “هلّ” هلال العولمة في سنوات عشر بقين من القرن العشرين .

 

ذلك أن مثل هذا النظر المستريب في التحليل الثقافي للعولمة لا يلحظ ثلاث حقائق تفرض نفسها في هذا المعرض .

 

* أولها أن العولمة ما كانت ظاهرة اقتصادية وسياسية وتقانية فحسب، وإنما ظاهرة ثقافية أيضاً . فهي طالت بنتائجها مجال الثقافة والقيم، وكان لها فيه آثار بالغة . بل إن هذا المجال تحول إلى ساحة من ساحات فعلها المباشر، فاشتغلت السياسات العولمية على قيمه وحولتها إلى موضوع مباشر للاستثمار، إذ لما كانت المادة الثقافية (المكتوبة والمسموعة والمشاهدة) سلعة تستخدم لدرّ الأرباح، فقد كانت السيطرة على المادة الثقافية: صناعة وتسويقاً، في جملة أهداف السياسات العولمية الكبرى، وما الإنفاق الخيالي على برامج الإعلام الفضائي في الغرب، منذ ميلاد ال (CNN) قبل نحو عشرين عاماً، إلا المثال الأجلى عما عنته المادة الثقافية في استراتيجيات العولمة من رهانٍ ربحيٍ ومصلحي بعيد الأثر والفائدة، وما يقال عن الإعلام الفضائي ينطبق على مجال شبكة المعلومات الدولية وبرامج إنتاجها والتحكم في مادتها ومضمونها . حتى إن شدة الاهتمام بالوجه الثقافي للعولمة والانصراف إليه أوحى لكثيرين بأن الأخيرة إنما تختصر - أو تكاد - في ظاهرتين ثقافيتين: الإعلام الفضائي والانترنت .

 

* ثانيها أن العولمة لم تتوسل بالتقانة الحديثة وبأدوات الاقتصاد والتجارة والمال والسياسة والحرب - فحسب - قصد تحقيق استراتيجيتها للسيطرة والهيمنة، وإنما توسلت إلى ذلك بأدوات ثقافية أيضاً، بل إن هذه الأدوات كثيراً ما كانت أظهر ضمن ترسانة الموارد والوسائل المستعملة لأنها كانت - وما زالت - أفعل من حيث الأثر وأقل كلفة من الناحيتين المادية والأدبية .

 

وليس التهافت المتزايد بين القوى العولمية على السيطرة على المجالين الإعلامي والمعلوماتي لتسخيرهما في معركة الهيمنة (العولمية) تلك إلا البرهان الأفقع على المكانة الحيوية والقيمة الوظيفية للأدوات الثقافية في مشروع العولمة واستراتيجيات قواها .

 

* ثالثها، أن للعولمة ثقافة خاصة يمكن تسميتها بثقافة العولمة: الثقافة التي تبشر بقيم العولمة وتروج لها وتلمّع فوائدها ومكاسبها وتغضي عن مساوئها أو تهون من وطأتها، وليست ثقافة العولمة هذه سوى ايديولوجيا العولمة، أي تلك المنظومة من الأفكار والمفاهيم التي تبررها (العولمة) وتقدمها للرأي العام في صورة البديل الإنساني الأكثر نجاعة للمستقبل، وهو تبرير قارب التعبير عن العولمة في صورة فكرة مهدوية، أو خلاصية، جديدة وليس يغير من هذه الحقيقة أن ايديولوجيا العولمة فقيرة معرفياً ولا تملك ألسنة مثل ألسنة جدتها الرأسمالية في حقبتيها: الصناعية والاحتكارية (كينز، جان ستيوارت ميل، ليو شستراوس، ريمون آرون . .)، ذلك أن قوتها الفعلية - ما خلا بعض جهد نظري لفرانسيس فوكوياما، العائد إلى هيغل وشروح كوجيف - هي قوة إنجازها المادي، وهذه تملك من وسائل الإقناع ما تعجز عنه الايديولوجيا نفسها .

 

هذه حقائق (ثلاث) ترد على كل مسعى إلى إسقاط مكانة البعد الثقافي في العولمة، لكن أكثر ما يواجه التحليل الثقافي للعولمة من اعتراض هو ذهاب ذلك التحليل إلى رصد فعاليات الهيمنة الثقافية العولمية، وإعماله مفاهيم مثل الاكتساح والاستباحة والغزو لتعيين نمط فعل العولمة الثقافية، والنظر إلى هذه المفاهيم بعين الريبة أو حسبانها شكلاً من الإفصاح عن موقف هوياتي نكوصي، وهذا ما لا يكف عن ترداده كل من اعتقدوا أن نقد العولمة الثقافية وثقافة العولمة نقد للثقافة الغربية ودعوة إلى الانكفاء عن العصر واللوذ بالموروث الثقافي، وعندي أن الأمر في هذا الاعتراض يتعلق بسوء فهم وتقدير، إن نحن أحسنا الظن به وأصحابه، ذلك أن ثقافة العولمة والقيم التي عليها تتأسس، لا تمثل مبعث قلق وخوف بالنسبة إلى الثقافات غير الغربية - وفي جملتها الثقافة العربية - فحسب، وإنما هي تبعث على القلق والخوف في الغرب نفسه: الخوف على قيم الثقافة الغربية التي انتهلت البشرية وثقافاتها منها، والخوف من ابتذال هذه القيم وتزويرها وتجويفها من كل مضمون انساني وجمالي رفيع . ثم إن هذه العولمة (الثقافية) لا تفرض نفسها على العالم من طريق الحوار والإقناع، وإنما بأبشع أنواع العنف الرمزي والعدوان الأدبي إلى حد استفزاز مراكز تاريخية للثقافة الغربية (الاستنفار الثقافي الفرنسي ضد الاختراق الأمريكي)، فكيف بما تفعله ب “الهوامش” الثقافية: ثقافات المجتمعات المغلوبة على أمرها .

 

نقول هذا إن أحسنا الظن . إن أَسَأْنَاهُ، يختلف الأمر: يصبح الاعتراض حينها تزييفاً مقصوداً ومتعمداً للحقيقة وليس مجرد خطأ في التحليل أو مجانبة للتقدير السليم . نخشى أن يكون أكثر المعترضين على نقد الوجه الثقافي للعولمة من هذه الطينة التي يساء بها الظن .

=======================

دولة شريرة في نظر العالم

آخر تحديث:الاثنين ,29/03/2010

محمود الريماوي

الخليج

هل يذهب المرء بعيداً بالخلوص أن الصراع العربي “الإسرائيلي” وما يحف به، يمثل عنصر اختلال في موازين السياسية، الدولية، ومصدر تهديد للسلم العالمي؟

 

لينظر المرء نظرة سريعة الى أحداث الاسابيع القليلة الماضية: دولة في الشرق الاوسط تغتال شخصاً في دولة شرق أوسطية أخرى وتقوم بتزوير جوازات تابعة لعدة دول غربية . في ظروف عادية يتم قطع العلاقات أو سحب السفراء مع هذه الدولة المعتدية، لكن مسؤوليها يبدون زهواً مفرطاً لما يتوفرون عليه من مهارات في ارتكاب جرائم عابرة للحدود .

 

الولايات المتحدة ومعها دول الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا وبقية دول العالم تدين الاستيطان في الأراضي العربية المحتلة، مع ذلك يقف العالم عاجزاً عن فعل شيء لوقف ما هو موضع إدانة .

 

معهد زغبي الأمريكي للاستطلاعات يفيد في استطلاع أجراه مؤخراً أن 81 في المائة من الأمريكيين يرون أن الصراع العربي “الإسرائيلي” يضر بالولايات المتحدة، وأن الدولة العظمى مهددة بفقد هيبتها نتيجة عجزها عن التعامل وفق سياسة معتدلة مع هذا الصراع . لا تمثل هذه النتائج انقلاباً لدى الرأي العام الأمريكي، فما زال هناك 65 في المائة من الأمريكيين يناصرون الكيان، غير أنه من الواضح أن الفجور “الإسرائيلي” بات مصدر حرج متزايد لأصدقاء تل أبيب، ففي المملكة المتحدة الراعية التاريخية لنشأة الكيان الصهيوني، تصدر مذكرات توقيف بحق مسؤولين “اسرائيليين” ويتم طرد دبلوماسي “اسرائيلي” عُلِم أنه عضو في الموساد . مواقف تنم عن الضيق البالغ، لكن هذا التبرم الشديد لا يذهب إلى مداه الطبيعي . لا عقوبات، لا طرد أو استدعاء سفير من تل أبيب، لا ضغوطات اقتصادية كما هو الحال في الأزمات التي تقع بين الدول .

 

ثمة جرثومة تتسلل إلى الجسم السياسي والإعلامي الغربي تحول دون وقوع تفاعلات طبيعية . أوباما يحقق نصراً داخلياً باعتماد التأمين الصحي ل 95 في المائة من الأمريكيين ويهزم أصحاب المصالح ومع ذلك يعجز حتى عن تظهير خلافه مع نتنياهو، والأخير يحاربه بسلاح الكذب من قبيل القول إن البناء في القدس مثل البناء في تل أبيب، وقد ارتفع صوت للحزب الشيوعي “الإسرائيلي” شبه الهامشي الأسبوع الماضي قائلاً، إن البناء في القدس هو مثل البناء في رام الله وبيت لحم وكل أرض محتلة .

 

يستند العرب في خطاباتهم وتحركاتهم الى المجتمع الدولي . حسناً ولكن هذا المجتمع لن يكون عربياً، ولا يؤرقه أن ينتزع الحقوق ويعيدها الى أصحابها . الارتخاء يعقد الأزمة ويقوم بترحيلها من جيل الى جيل . على العرب إذا كانوا معنيين بدوام وحسن علاقاتهم مع المجتمع الدولي، أن يبقوا الأزمة عند مستوى ساخن على نحو يدفع الآخرين دفعاً للتدخل، حتى لا يبدو المجتمع الدولي وكأنه يحمل راية العرب، فيما العرب يرددون أناشيد محفوظة عن مبادئ العدالة والشرعية، وبما يتيح لدهاقنة تل أبيب القول إن هذه الدولة أو تلك منحازة للعرب .

 

أبعد من ذلك، فإن التسخين يسهم في حل أزمة التردد والمراوحة الممتزجة بالضيق لدى المجتمع الدولي، بما يتعلق بالصلافة “الاسرائيلية” التي لا تقف عند حد، والتي بلغت في أطوارها الأخيرة محاولة توريط دول عديدة في ارتكاب جريمة ارهابية مع العبث بجوازات السفر، وهي الوثيقة الدولية التي تحفظ أمن الأفراد وكرامتهم كما كرامة الدول وأمنها، وحتى اختراق المجال الجوي لدولة أوروبية ومن دون سابق إنذار هي هنغاريا، والكذب بشأن هذا الاختراق وتصويره على أنه متفق عليه . ثم الامتناع عن استقبال أرفع مسؤول دولي هو الأمين العام للأمم المتحدة،في رسالة واضحة يفهم منها أن احترام الشرعية وأحكام القانون الدولي، التي يمثلها بان كي مون هي آخر ما يشغل الحاكمين في تل أبيب .

 

وخلافاً للتدخلات ومحاولات الاختراق، التي كانت تتم في زمن الحرب الباردة للتسلل الى هذه الدولة أو تلك من الدول المؤتلفة مع المعسكر الآخر، فإن “إسرائيل” لا تتورع عن توريط واستباحة دول صديقة لها، وهذه من بعض مآثر الدولة المارقة ذات النشأة غير الطبيعية . والحال أن التهاون العربي يبث رسائل بأن الوقوف في وجه الشذوذ السياسي “الاسرائيلي” متعذر، فإذا كان الضحايا والمتضررون بصورة مباشرة ودائمة من الأذى “الاسرائيلي” يجنحون للسلامة بأي ثمن، ويتوسلون للدولة المارقة أن تحد من منسوب أذاها، فكيف ستكون تبعاً لذلك مواقف بقية الدول البعيدة عن التأثر المباشر بمجريات الصراع؟

 

قد يراهن البعض على استفزازات تل ابيب لأصدقائها وحلفائها، بحيث تتطور ردود فعل هؤلاء الى مناوأة واجراءات عقابية .غير ان التباعد العربي عن التأثير في مجرى هذه التطورات لا يفيد، وسيجعل التفاعلات بين تل أبيب ودول العالم، محكومة بأولويات الآخرين وحساباتهم ومصالحهم . ولا يكفي أن تقول القمة العربية كلاماً صائباً، فالمهم هو السياسات الفعلية التي تتخذ ويتم العمل بمقتضاها، وما إذا كانت هذه السياسات محكومة بمصلحة الأمن الجماعي العربي ام بمصالح ثنائية فحسب، وما إذا كان سيتم استثمار صورة الدولة الشريرة التي تحيط بدولة الاحتلال أم سيتم ايكال استعادة الحقوق العربية للمجتمع الدولي . تلك هي بعض الأسئلة التي ينطق بها الحال السياسي الراهن .

=======================

سياسة الاغتيال.. تهديد لأسس الدولة الحديثة

موقع: GLOBAL RESERCH

ترجمة

الاثنين 29-3-2010م

ترجمة: ريما الرفاعي

الثورة

بعد التحقيق والبحث الدؤوب الذي قامت به شرطة دبي ومن ثم التحقيق مع فلسطينيين اثنين تآمرا مع الموساد، قالها رئيس الشرطة علانية: إن العملية من إنتاج وبطولة وإخراج جهاز الموساد.

وتثير سياسة الاغتيالات الإسرائيلية في ما وراء البحار قضايا صعبة تهدد أسس الدولة الحديثة القائمة على السيادة ودور القانون والأمن الشخصي والوطني.‏

إسرائيل تبنت سياسة انتهاك سيادة أي دولة وكل دولة من أجل تصفية أو خطف خصومها. وهذا انتهاك للقانون الدولي وقانون أجهزة الأمن لدى أي دولة. إذا أصبحت السياسة الإسرائيلية اجراء عادياً في الخارج فسوف ندخل إلى غابة مليئة بالحيوانات المفترسة يتم خلالها استهداف الأشخاص من قبل جماعات اغتيال خارجية مجرمة لا تخضع لأي قانون أو سلطة وطنية، ويصبح تالياً من حق كل دولة فرض قوانينها واجتياز الحدود من أجل اغتيال مواطنين دولة أو مقيمين في تلك الدولة دون عقاب.‏

إن عمليات الاغتيال الخارجية التي تقوم بها إسرائيل هي في الحقيقة تسخر من قوانين وسيادة تلك الدول. وهذه العمليات (تصفية الخصوم) شبيهة بعمليات أجهزة مخابرات سابقة مثل غستابو النازي و الجهاز التابع لستالين وجهاز DINA أيام بونشيه أصبحت اليوم مجازة وقانونية للقوات الخاصة الأميركية وللقسم السري لدى جهاز الاستخبارت الأميركي CIA. مثل هذه السياسات هي من سمات الدول الامبريالية والديكتاتورية والاستبدادية التي تدوس وتسحق الحقوق السيادية للآخرين. وقيام إسرائيل بعملية اغتيال على أراضي دولة أخرى يعكس استباحتها وانتهاكها للمبادئ الأساسية للقانون وتجاهلاً لدور أجهزة الامن الأخرى في الحفاظ على حياة مواطنيها أو زوارها. وتأتي عمليات التصفية الإسرائيلية لخصومها خارجياً خطوة تصعيدية بعد عمليات الاعتقال واسعة النطاق داخل إسرائيل والأراضي الفلسطينية بالاعتماد على قوانين عنصرية إضافة إلى قوانين الاعتقال الإداري والإبعاد خارج الأراضي الفلسطينية التي تمارسها بحق الفلسطينيين، ما يعكس انتهاك إسرائيل الواضح للقوانين الدولية. وفرقة الموت التابعة للموساد تعمل مباشرة تحت أوامر رئيس الوزراء الإسرائيلي، والذي اتضح أنه وافق شخصيا على عملية اغتيال المبحوح.‏

معظم الإسرائيليين يؤيدون عمليات الاغتيالات هذه، وخاصة عندما يستطيع الجناة الفرار وعدم الوقوف أمام المحاكم. وتعد مثل هذه العمليات تهديداً خطيراً لأي ناقد أو كاتب أو قائد سياسي أو ناشط مدني يجرؤ على انتقاد إسرائيل. وتؤسس عمليات الموساد الخارجية حدوداً خارجية للضغوط والكبح التي يمارسها مؤيدي إسرائيل في المنظمات الصهيونية الكبرى ومعظمها قد ساعد إسرائيل ويساعدها حاليا في انتهاكها للسيادات الوطنية عبر طرق قتل أخرى. إذا صفت إسرائيل خصومها ومنتقديها جسديا، فإن 51 منظمة يهودية في الولايات المتحدة تضطهد منتقدي إسرائيل في الولايات المتحدة، وتمارس هذه المنظمات ضغوطها على الموظفين ورؤساء الجامعات والمسؤولين في كل مكان لطرد أي موظف أو اكاديمي أو مهني يتجرأ على الحديث أو الكتابة ضد الممارسات الإسرائيلية الظالمة بحق الفلسطينيين.‏

وتدور الانتقادات الحالية لعملية الموساد الأخيرة في دبي حول عدم كفاءة منفذي العملية بما في ذلك السماح بالتقاط صورهم الأصلية، وتسجيل أشرطة فيديو لهم غير مهتمين بكاميرات المراقبة المنصوبة في الفندق وكيف بدلوا المهام فيما بينهم، ويرى البعض أن هذه العملية لوثت صورة إسرائيل في الخارج وقدمت أسلحة لمنتقديها. طبعاً لم ينتقد الكونغرس الأميركي أو البيت الابيض أو رؤساء المنظمات الإسرائيلية الكبرى في الولايات المتحدة هذه العملية.‏

وبينما تتعرض عملية الموساد الخرقاء لكل هذا الانتقاد، أصبح من الصعب على القوى الغربية تقديم غطاء دبلوماسي لإسرائيل لعملياتها في الخارج، ولكن مع ذلك لم يتم التعاطي مع الموضوع الجوهري، امتلاك الموساد لجوازات سفر بريطانية وفرنسية وألمانية وايرلندية واسترالية لمواطنيين إسرائيليين لهم جنسيات مزدوجة، وهو يؤكد طبيعة إسرائيل الشريرة في استغلال الجنسيات المزدوجة لمواطنيها في الملاحقة الدامية لخصوم سياساتها الخارجية.‏

إن استخدام الموساد لجوازات سفر صادرة عن عدة دول أوروبية لمواطنيها من أجل اغتيال قائد فلسطيني في فندق بدبي يثير سؤالا: ما وراء الإسرائيليين من ذوي الجنسيتين ؟ وكيف ينخرطون في الدفاع أو مساعدة عمليات الاغتيال الإسرائيلية فيما وراء البحار؟‏

شكراً لإسرائيل باستخدامها جوازات سفر بريطانية للدخول إلى دبي وقتل شخص معارض لإسرائيل. فاعتباراً من اليوم سيصبح كل رجل اعمال بريطاني أو سائح يسافر إلى الشرق الأوسط مثار شك أن يكون له علاقة مع إسرائيل ومجموعات القتل لديها، ومع انتخابات هذا العام واعتماد حزبي العمل والمحافظين على الأثرياء الصهاينة لتمويل حملاتهم الانتخابية، يبقى لنا أن نرى كيف يتصرف رئيس الوزراء غوردن بروان حيال هذا الموضوع الخطير والمهين.هل لديه ما يفعله أكثر من التذمر و الاستكانة ؟‏

=======================

«قمة القدس» بين الأمل الآتي من... واشنطن وأنقرة!

الإثنين, 29 مارس 2010

جورج سمعان

الحياة

لم يكن منتظراً من القمة العربية في سرت أن تقدم أكثر مما قدمت. ليس لأن قادة بارزين غابوا عنها فحسب، بل لأن القدرة العربية على التأثير في مجرى الأحداث في المنطقة تكاد تكون معدومة. والصورة القديمة للشرق الأوسط صارت جزءاً من التاريخ. والشرق الجديد، «الصغير» أو «الكبير» يتشكل بسرعة قياسية، منذ سقوط نظام «طالبان» وبعده الغزو الأميركي للعراق، ثم «حرب تموز» 2006 في لبنان فحرب غزة نهاية 2008 ومطلع 2009. وكلها أحداث قلبت موازين القوى رأساً على عقب. وقضايا العرب لم تعد قضاياهم وحدهم. وإذا كان المسرح العراقي والفلسطيني واللبناني يطغى على اهتماماتهم، فإن ما حدث ويحدث في السودان واليمن بعد الصومال لا يغيب عن أبصارهم أيضاً، وإن اكتفوا بترداد مواقفهم من كل هذه الأزمات فقرات تتكرر في بيانات ختامية من قمة إلى أخرى.

كان مهماً أن تتبنى قمة سرت إجراءات لإدارة الخلافات العربية. وأن تقر خطة لإنقاذ ما تبقى من القدس من براثن الزحف الاستيطاني. وأن تكرر تمسكها بوحدة العراق والسودان والصومال، وبدعم لبنان. وأن تدعو مجدداً إلى شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل، ورفض جر المنطقة إلى الحرب. وأن تبدي رغبتها في حوار ندي ومثمر مع إيران، على ما دعا الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى. وأن تسعى إلى إصلاح هيكليات الجامعة... إلى آخر ما تعودناه من البيانات العربية.

كل هذه مواقف لا قيمة لها ما لم تقم في إطار رؤية أو استراتيجية موحدة طالما نادت بها القمم، تؤسس لدور عربي فاعل في السباق الاقليمي والدولي المحموم لبناء «الشرق الجديد» وإعادة تشكيل المنظومة الأمنية في المنطقة.

أما دعوة الأمين العام للجامعة عمرو موسى، في افتتاح القمة، إلى قيام رابطة لمنطقة الجوار العربي فقد تأخرت كثيراً. فدور دول الجوار قائم ولا يحتاج إلى تأشيرة دخول. من دور تشاد وآخرين من أفارقة وغيرهم في دارفور بعد الجنوب، إلى دور اثيوبيا واريتريا في الصومال. ومن دور إيران في كل من العراق ولبنان وفلسطين، إلى دور تركيا في بلاد الرافدين وفي مسيرة التسوية من سورية إلى غزة والضفة الغربية. وكلها أدوار تؤشر إلى غياب الدور العربي أو عجزه. وليست دعوة عمرو موسى التي يفرضها منطق الجغرافية والتاريخ والسياسة وترابط المصالح سوى دعوة إلى «شرعنة عربية» متأخرة لكل هذه العناصر المستجد حضورها والمتعاظم في المنظومة الأمنية للأقليم.

وفي هذا الإطار، كان بليغاً أن يشارك في القمة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، فيما كانت إيران الغائبة حاضرة بثقل ملفها النووي. وسمعت جيداً صوت زعيم «حزب العدالة والتنمية» وهو يتحدث عن القدس «قرة» عينه، مستعيراً من لاوعيه العثماني ما كانت الخلافة في اسطنبول تسميه «درة التاج العثماني» في الاشارة إلى «سورية الطبيعية». ولعل من المفارقات الأكثر بلاغة ورمزية هذا الحضور التركي في «التفاصيل» أيضاً، وإن عن غير قصد. فشركة «ركسوس» التركية فازت بالمناقصة لتقديم خدمات الاقامة والطعام والاستقبال لضيوف العقيد معمر القذافي. وحلت حسناوات الأناضول هذه المرة محل حسناوات الزعيم الليبي اللواتي كن يرافقنه إلى مثل هذه اللقاءات!

حضور تركيا هذا أثار بلا شك حفيظة الجمهورية الاسلامية، على رغم الزيارات المتبادلة والود المتنامي والعلاقات التجارية المتعاظمة بين البلدين. وهو حضور يعزز التنافس المتبادل بين الغريمتين الكبيرتين، أو يجدد حلميهما بامبراطورتيين غابرتين. وإن دل هذا التنافس على شيء فإنما يدل على فداحة الغياب أو العجز العربي المتعاظم منذ سقوط الحرب الباردة، حتى سقوط بغداد رهينة التنافس بين الولايات المتحدة والجمهورية الاسلامية، ومن العدوان الاسرائيلي الأخير على لبنان فغزة الى حروب الحوثيين المتناسلة.

إن حضور أردوغان القمة العربية في سرت يؤكد رغبة عربية - تركية صريحة متبادلة في أداء أنقرة دوراً أكبر في المنطقة، لإيجاد حد أدنى من التوازن مع الاندفاعة الإيرانية من «البوابة» الشرقية للعالم العربي حتى المتوسط وغزة... ولإشراكها في مسيرة التسوية العربية – الاسرائيلية، لمنع طهران من الاستئثار بالملف الفلسطيني، ولقدرتها على تهديد علاقات تل أبيب ببعض العالم الاسلامي والعربي وتعميق مخاوف الاسرائيلين من غياب التسوية أو السلام. والتأنيب الذي وجهه أردوغان إلى الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز في دافوس قبل عامين ثم موقف أنقرة من الحرب على غزة فأزمة السفير التركي في تل أبيب عينات لم تتوقف... إلى إعلانه أول من أمس في القمة ان القدس «قرة» عينه، مستعيداً ربما من لاوعيه العثماني ما كانت الخلافة في اسطنبول تسميه «درة التاج العثماني» في الاشارة إلى «سورية الطبيعية». ومستعيداً ربما رفض الخلافة المبكر لمساعي هرتزل إلى اقتطاع فلسطين دولة لليهود!

إن حضور تركيا قمة سرت، وإن ضيفاً، والتعويل العربي وغير العربي على عودتها المتجددة إلى المنطقة يعطيان العرب بالتأكيد ثقلاً وازناً في مواجهة إسرائيل وصلفها، ويخففان من اندفاعة إيران. فالعرب، ومعهم الغرب، لا ينظرون إلى عودتها إلى المنطقة نظرة اعتراض أو خوف. بل يرون إليها عنصراً فاعلاً في بناء متطلبات الاستقرار والسلم في المنطقة بما يلبي حاجات المجتمع الدولي ومصالحه. بخلاف نظرتهم إلى الجمهورية الاسلامية التي يرون فيها «عاملاً مقوضاً» لمسيرة التسوية في المنطقة تسعى إلى الهيمنة في قوس من الأزمات يمتد من المتوسط إلى أفغانستان مروراً بلبنان وفلسطين والخليج.

كذلك إن هذا الحضور المتنامي لتركيا، بعد غياب طويل، لا ينبع من رغبة عربية ودولية فحسب، بل هو أولاً وأخيراً يستجيب طموحات العثمانيين الجدد ومصالحهم الممتدة من أوروبا إلى آسيا الوسطى فالعالم العربي. فتركيا اليوم معنية بالقضية الفلسطينية وبمستقبل القدس مثلما هي معنية بقضية تمدد إيران غرباً وشرقاً وبملفها النووي... وبهذا الربط المحكم الذي عقدته إسرائيل بين القضيتين. وهي تدرك أن اشتعال الحرائق الصغيرة في المنطقة هنا وهناك يضعف تأثيرها ويقوض طموحاتها المتنامية اقتصادياً وسياسياً وأمنياً من سورية إلى العراق والخليج. فهل يمكن أنقرة أن تتغاضى عن حلم بعض الدوائر الاسرائيلية بطرح الدولة العبرية نفسها مظلة نووية تقي بعض العرب من أخطار إيران نووية؟ أم هل يمكنها أن تننتظر انفجار الملف النووي الايراني «حرباً شاملة» تطيح معها كل مصالحها الحيوية والنفطية خصوصاً؟ إن مثل هذه المتغيرات وتداعياتها المحتملة يحفز أنقرة على أداء دور فاعل في المنطقة.

هذا الثقل التركي الذي يُضاف إلى المجموعة العربية، لا يعني بالضرورة تغليباً لدور أنقرة على دور إيران سعياً إلى تغييب الأخيرة. فالحقائق التاريخية والواقع الجغرافي والتاريخي والمذهبي لا يمكن تجاهلها. ولعل جل ما يطمح العرب إليه هو إبعاد شبح الصراع المذهبي السني – الشيعي، ومنع اندلاع الحرب الرابعة على سواحل الخليج ومناطق انتشار النفوذ الإيراني، والدخول في سباق تسلح نووي محفوف بالمخاطر. وقبل هذا وذاك سعيهم إلى قيام الحد الأدنى من التوازن في المواجهة مع حكومة اليمين الاسرائيلي. ولا شك في أن تركيا، بما لها من علاقات متينة مع الجمهورية الاسلامية، قادرة على التحاور معها من اجل ترميم جسور الثقة بينها وبين عدد كبير من الدول العربية... أو في أسوأ الأحوال تعديل ميزان القوى بما يخفف من جموح طهران.

طوت العقود الثلاثة الماضية تجارب لرفد المنظومة الأمنية العربية بزخم يحد من الأطماع والتدخلات الخارجية الاقليمية والدولية لكنها لم تفلح. فلا التكتلات العربية الجهوية التي قامت شرقاً وغرباً إبان الحرب – العراقية – الإيرانية عمرت. ولا مشروع دول «إعلان دمشق» بعد تحرير الكويت حقق الهدف المنشود والتوازن المطلوب بين المصالح العربية ومصالح القوى الكبرى بعيدها وقريبها. ولا الرافعة الثلاثية السعودية – المصرية – السورية وفت بالغرض. ولا شيء في الأفق يوحي بأن «قمة القدس» ستشكل منعطفاً، فيما العجز عن فرض المصالحة الفلسطينة وتنقية الأجواء بين أكثر من بلد عربي مقيم ومعمر... في انتظار الفرج ربما من تداعيات العلاقات المأزومة بين إدارة الرئيس باراك أوباما وحكومة بنيامين نتانياهو، والأمل في توافق دول الجوار التي استنجد بها عمرو موسى من سرت على الرحمة بجامعته!

=======================

عن كلام الرئيس السوري

نايلة تويني

النهار

29-3-2010

في ظاهر الكلام وجه الرئيس السوري بشار الاسد اكثر من رسالة ايجابية تجاه لبنان خلال حديثه المتلفز الاربعاء الماضي، وكان طابعه انفتاحيا، متسامحا، حريصا على "الاخوة" الشائكة بين البلدين "الشقيقين" رغما عنهما.

لكن الواقع ان ثمة تناقضات لم يرد كثيرون ان يتنبهوا لها. سواء من حلفاء دمشق الدائمين الذين لا يرون الاشياء على حقيقتها، او ربما لا يريدون وضوح الرؤية ولا يطلبونها، وربما، وهو الاصح، انهم لا يجرأون على ذلك. ام من حلفاء دمشق الجدد الذين ندم بعضهم على مرحلة سابقة، ويحاول البعض الآخر التفتيش عن الايجابيات سعيا الى تمتين علاقة مبتدئة، باقتناع داخلي او بارادة خارجية، لا فرق ما دامت النتيجة واحدة.

في التناقضات التي من الواجب التوقف عندها، بل لنقل ابرزها الآتي:

- شدد الرئيس الاسد على عدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية الا ان الملف اللبناني استأثر بمعظم الوقت. ولا يمكننا القول ان مقدم البرنامج تمكن من الذهاب بالحوار الى حيث يريد، فما هكذا تتم المقابلات مع رؤساء الدول بل تحضر بدقة متناهية.

- قال انه هو من طرح موضوع قيام السفارتين في بيروت ودمشق في العام 2005، والواقع انه مطلب تاريخي للبنان ولم يتحقق الا في لحظة التحول السياسي الدولي والاقليمي والذي لم يكن مؤاتيا لنظام دمشق.

- تحدث الرئيس السوري عن "بازار المحاكم الدولية الذي فقد وهجه" بينما اكد مرارا اصراره على معرفة الحقيقة وتبرئة سوريا في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، ولم يطلعنا على كيفية بلوغ هذه الحقيقة اذا كانت سوريا لا تتعاون مع التحقيق، ولم تبادر الى البحث عن حقيقة ما جرى عندما وقعت جريمة وجرائم في عهد وصايتها وسيطرتها على البلاد.

- تحدث بايجابية عن النائب وليد جنبلاط لكنه ترك امر استقباله وتحديد موعد الزيارة الى السيد حسن نصرالله ولاحظ ان جنبلاط "قال المضمون الذي نريده". فماذا بعد وهل صحيح "ان سوريا لا تبحث عن اعتذار وليست لدينا عقدة القوة"؟

- في موضوع مزارع شبعا كان الرئيس السوري ايجابيا وسلبيا في الوقت عينه اذ انه لا يملك صك ملكية الارض لكنه يرفض البدء بترسيم الحدود من الجنوب، ويفضل البدء من الشمال، فلا تصل العملية الى المزارع قبل اعوام، هذا اذا تمكنت الفرق المكلفة من المسح والترسيم في المنطقة.

- قال الرئيس الاسد ان سوريا تدعم الرئيس سليمان وهذا ايجابي. لكن "بالقدر نفسه الذي دعمنا به الرئيسين السابقين الياس الهراوي واميل لحود"، فهذا غير ايجابي على الاطلاق، اذ تحول الدعم في مراحل عدة خناقا على رقبتي الرئيسين لم يتمكنا في ظله من اتخاذ اي قرار قبل نيل الموافقة والرضى السوريين.

لا نريد ان نعادي سوريا لهواية في العداوة، ولا نعترض على كلام لرغبة في الاعتراض، لكننا ننتقد لتحسين تلك العلاقة وجعلها "شقيقة واخوية" من باب التعاون الحقيقي البناء، والشفافية، والندية، ولا اعلم لماذا صاروا يخافون تلك الكلمة، فسوريا لا تتعامل مع دول العالم الا بالندية، فهل يجوز لها ما لا يجوز لغيرها؟

=======================

اختبار إرادات بين أوباما ونتنياهو !

سركيس نعوم

النهار

29-3-2010

 قرار بناء 1600 وحدة سكنية في القدس العربية، الذي أعلنه وزير "شاس" في حكومة بنيامين نتنياهو بعد اتفاق الاخير وادارة باراك اوباما على معاودة المفاوضات مع السلطة الوطنية الفلسطينية، لم يكن بريئاً على الاطلاق في رأي متابعين اميركيين ليس لعملية السلام فحسب بل للعلاقة بين اسرائيل والولايات المتحدة. كان قراراً مقصوداً الهدف منه اختبار نتنياهو وحكومته ادارة الرئيس اوباما وخصوصاً ان الأخيرة على اعتاب انتخابات تشريعية نصفية تحتاج فيها ليس الى أصوات اليهود الاميركيين فقط بل وقبل ذلك الى جهود اللوبي اليهودي الاميركي المؤيد اساساً لاسرائيل، وذلك لمعرفة اذا كان لديها عصب لرفض مطالب اسرائيلية معينة واذا كانت قوة هذا العصب كافية للدخول في مواجهة مع اسرائيل اذا كانت مطالبها غير مقبولة وماسة بهيبة اميركا ومصالحها الحيوية والاستراتيجية في هذه المنطقة من العالم. ويبدو ان الرئيس اوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون ادركا ومنذ البداية النية الاسرائيلية المقصودة فكان رد فعلهما سلبياً. وقد ظهر ذلك في وضوح اثناء الزيارة الاخيرة لنتنياهو الى واشنطن التي غابت عنها الشكليات التي كانت تعبّر عادة ليس فقط عن الحفاوة والترحيب بل ايضاً عن العلاقة الفائقة الجودة بين اميركا واسرائيل والاتفاق الدائم على معظم المسائل والقضايا المطروحة. طبعاً لم يتراجع نتنياهو عن قرار حكومته الاستيطاني في القدس العربية، لكن واشنطن ايضاً لم تتراجع عن رفضها اياه أو بالاحرى عن اعتبارها اياه معطلاً معاودة المفاوضات مع الفلسطينيين. وكأنها ارادت بذلك توجيه رسالة الى الفلسطينيين بل الى الدول العربية كلها وفي مقدمها التي منها على تحالف وثيق معها، فضلاً عن الاسرائيليين، تفيد ان الرئيس اوباما مصمم على المضي قدماً في احياء عملية السلام وخصوصاً على المسار الفلسطيني – الاسرائيلي وعازم على بذل كل الجهود اللازمة بغية وضع حد لهذا الصراع الاقليمي الذي ألحق اضراراً بالغة بالمنطقة منذ عقود والذي بدأت اضراره تصيب المجتمع الدولي وفي مقدمه اميركا ومصالحها الحيوية والاستراتيجية.

ماذا كان رد فعل القيادة الاسرائيلية الرسمية على اختبار القوة الذي حصل بين بنيامين نتنياهو وباراك اوباما؟

طبعاً لم يتغير موقفها من موضوع الاستيطان في القدس العربية، اذ اعتبرت انها عاصمة اسرائيل وليست مستوطنة وأن من حق الاسرائيليين البناء فيها، وان هذا موقف تبنته حكومات اسرائيل كلها منذ "توحيد القدس" واستعادة الجزء العربي منها في حرب 1967. لكنها لم تعطِ موقفاً نهائياً من الاقتراحات الاخرى التي قدمتها ادارة اوباما بغية معاودة المفاوضات مع الفلسطينيين. ولا يبدو انها في وارد اعطاء موافقة تامة عليها، ويقال إن عددها سبعة. أولاً، لأن تاريخها مع العرب وحتى مع اميركا لم يكن يوماً متساهلا. وثانياً، لأنها لا تبدو راغبة في حل يوصل الى دولتين بل ساعية الى مفاوضات مستمرة تمكنها من الاستمرار في قضم ما تريده من اراضٍ سواء في القدس أو في الضفة الغربية في حد ادنى من الهدوء والاستقرار. لكن ذلك لا يعني، يلفت المتابعون الاميركيون أنفسهم، ان القيادة الاسرائيلية لم تفاجأ بالموقف الاميركي أو بصلابته التي قد يختلف العرب على حجمها. وما فاجأها اكثر كان وقوف غالبية اليهود الاميركيين ومؤيدي اسرائيل سواء في الكونغرس أو في الحزب الديموقراطي "الحاكم" الى جانب الرئيس اوباما في اختبار القوة الذي جرى بينه وبين نتنياهو واعتبارهم اياه امتحان إرادات. كما كان اعراب هؤلاء كلهم عن تأييدهم التوصل الى حل نهائي لأزمة الشرق الأوسط ولبها الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي.

هل تستطيع الولايات المتحدة الذهاب بعيداً او الى الآخر كما يقال في اختبار القوة هذا أو في اختبار الارادات مع اسرائيل؟

المتابعون الاميركيون انفسهم يقولون ان ادارة الرئيس اوباما لا تستطيع، بعدما اوضحت بقوة وجلاء موقفها امام نتنياهو، الذهاب أبعد في "الاختبارين" المشار اليهما أعلاه. ويقولون ايضاً انها الآن، ولكن من موقع قوة، تحاول التوصل الى مخرج من المأزق الراهن في العلاقة مع اسرائيل أو بالأحرى في الخلاف مع اسرائيل حول موضوع الاستيطان في القدس العربية ومعاودة المفاوضات مع الفلسطينيين. وهي تعمل على ذلك مع الحكومة الاسرائيلية. ويفترض في "المخرج"، اذا تم التفاهم عليه، ان يحقق هدفين: الأول، حفظ ماء وجه رئيس حكومة اسرائيل نتنياهو. والثاني، عدم تقويض منزلة الرئيس اوباما ومكانته وهيبته. علماً، يركز المتابعون انفسهم، ان اسرائيل تحتاج الى الرئيس الاميركي في اختباري القوة والارادات الجاري بينها وبين الجمهورية الاسلامية الايرانية. ذلك ان نتنياهو يعرف تمام المعرفة ان بلاده لا تستطيع وحدها التعامل مع "الخطر الايراني"، وسيكون عليها ان تفسح في المجال امام عودة مفاوضات السلام مع الفلسطينيين واستطراداً العرب بل أمام وصولها الى نهايات إيجابية وذلك كي تكون اميركا جاهزة، في حال اخفقت العقوبات الجديدة على ايران في ثنيها عن متابعة "مغامرتها النووية"، للتعاون مع اسرائيل في استعمال وسائل اشد قوة لاقناع ايران بالتجاوب او ربما لدعم اسرائيل اذا قررت اللجوء الى وسائل كهذه. كل هذه الأمور، يقول المتابعون الاميركون انفسهم، يجري البحث فيها الآن بين واشنطن وموسكو. ويبدو ان الرئيس اوباما يحقق نجاحات معقولة في محاولة دفع القيادة الروسية الى الاقتراب من "موقفه الايراني"، ويعني ذلك في اختصار شديد ان اللجوء الى القوة العسكرية سواء من اسرائيل أو من أميركا أو منهما معاً سيحتاج من دون أي شك الى ان "تعطي" اسرائيل على المسار الفلسطيني وربما اكثر مما تريد. وهذا أمر يعرفه قادتها حق المعرفة.

=======================

مصالحة سورية مصرية؟

رأي القدس

3/29/2010

القدس العربي

اذا صحت الانباء التي افادت بان الرئيس السوري بشار الاسد بصدد 'التعريج' على منتجع شرم الشيخ المصري للاطمئنان على صحة الرئيس حسني مبارك بعد العملية الجراحية التي اجريت له، فإنها مبادرة طيبة تحتمها الاعراف والاخلاق العربية، وتعكس رغبة في تحقيق المصالحة العربية المنتظرة وازالة العقبات التي تحول دون اتمامها.

وساطات عديدة، قامت بها اطراف عدة، لازالة الجفوة التي تخيم على العلاقات المصرية السورية، وبين زعيمي البلدين على وجه الخصوص، ولكنها اي الوساطات هذه اصطدمت دائما باصرار الرئيس مبارك على قدوم الرئيس بشار الاسد الى القاهرة، باعتبارها بيت العرب، وربما لان الرئيس المصري اكبر سنا، واقدم في سدة الحكم.

العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز بذل جهودا كبيرة للتقريب بين الرئيسين المصري والسوري، سواء اثناء قمة الكويت الاقتصادية التي أرادها قمة مصالحة عربية، او بدعوتهما الى الرياض لحضور قمة رباعية بحضور امير دولة الكويت الشيخ صباح الاحمد الصباح، ولكن هذه الجهود لم تكلل بالنجاح. فالملك عبدالله لم يرد ان يتمم المصالحة مع سورية، مع بقاء الخلافات بين الاخيرة ومصر، خاصة ان البلدين، اي السعودية ومصر، شكلا حلفا قويا ضد سورية على ارضية ازمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، والتحالف القوي بين دمشق وطهران.

الرئيس الاسد كان يرفض زيارة القاهرة ويصر على ان يقوم الرئيس مبارك بزيارة دمشق في المقابل، وكان يردد، حسب المقربين منه، انه زار القاهرة سبع مرات، بينما لم يزر الرئيس مبارك دمشق الا مرتين في المقابل، احداهما اقتصرت على ساعات محدودة في مطارها.

لا نعرف ما اذا كانت الزيارة ستتم، ومدى نجاحها في حال اتمامها في كسر الجليد الصلب المتراكم على العلاقات بين البلدين، لكن من المؤكد انها ستساهم في ازالة الكثير من الجفوة في العلاقات الشخصية على الاقل بين الزعيمين، الامر الذي قد يسهل ترطيب العلاقات على مستوى البلدين.

وقد يجادل البعض بان الخلافات السورية المصرية ليست شخصية، حتى تزال من خلال زيارة بورتوكولية لبضع دقائق (بسبب تضارب الانباء حول صحة الرئيس المصري واوامر الاطباء له بالراحة التامة لمدة اسبوعين)، فالخلافات اعمق من ذلك بكثير، وتتمحور حول قضايا استراتيجية تتعلق بالتباين الكبير بين موقف البلدين تجاهها.

سورية تقيم تحالفا استراتيجيا مع ايران وفصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية، بينما تقف الحكومة المصرية في الخندقين الامريكي والعربي المعاديين للطموحات النووية والعسكرية الايرانية في المنطقة.

الانفتاح السعودي على سورية تزامن مع انفتاح امريكي، واحاديث اسرائيلية عن مفاوضات جدية حول عودة هضبة الجولان لسورية، والهدف من كل هذه التحركات هو ابعاد سورية عن ايران وفصم عرى التحالف الاستراتيجي بين البلدين، ولكن جميع هذه المبادرات لم تحقق اي نجاح في هذا المضمار حتى الان على الاقل، وجاءت زيارة الرئيس الايراني احمدي نجاد لدمشق الشهر الماضي، وعقده 'مجلس حرب' مع الرئيس السوري بشار الاسد والسيد حسن نصر الله زعيم حزب الله، لتؤكد مدى عمق هذا التحالف، مثلما كشفت عن استعداد الاطراف الثلاثة لمواجهة اي عدوان اسرائيلي يستهدفها مجتمعة او منفردة.

زيارة المريض واجب تحتمه الاخلاق والاعراف، ولكن التعويل عليها لتحقيق المصالحة امر سابق لاوانه، لان المصالحة حتى تتم تتطلب ان يتنازل طرف للآخر، او حتى يلتقيا في منتصف الطريق، ولا نعتقد ان ايا من الاحتمالين ممكن في الوقت الراهن بسبب الهوة الواسعة بين موقفي البلدين، وهي هوة مرشحة للاتساع اكثر في الاشهر المقبلة، مع اقتراب الحصار الاقتصادي او الحرب ضد ايران او الاثنين معا، ونأمل ان نكون مخطئين.

=======================

الحرب المنسية

لورانس فانس - «أنتي وور»

الدستور

29-3-2010

الحرب الأهلية في كوريا ، التي امتدت من عام 1950 إلى عام 1953 ، حيث شاركت الولايات المتحدة بحماقة لأول مرة في نزاع رئيس ، دون إعلان من الكونجرس للحرب ، تُعرف بالحرب المنسية. عدد الجنود الأميركيين الذين قتلوا في هذه الحرب تجاوز 36 ألفا. رغم ذلك ، بقيت كوريا منقسمة عند حدود ما قبل الحرب حتى اليوم. الحديث يدور عن موت دون جدوى. لم يمت أي من هؤلاء الجنود دفاعا عن الولايات المتحدة ، فجميعهم ماتوا من أجل الأمم المتحدة وسياسات هاري ترومان الغبية ، وبسبب الدبلوماسية الفاشلة للحرب العالمية الثانية.

 

معظم الأميركيين لا يعرفون أنه ما زال هناك أكثر من 24 ألفا من جنود الولايات المتحدة متمركزين في كوريا الجنوبية (لا شك أن بعضهم أحفاد الجنود الذين قاتلوا في الحرب الكورية). ومن المحتمل أن القليل منهم يعرف شيئا عن الحرب التي وضعتهم هناك أصلا.

 

هناك حرب أخرى أصبحت سريعا حربا منسية: الحرب في العراق. العام الماضي ، في مثل هذا الوقت ، أبديت أسفي أننا لم نعد نسمع كثيرا عن الحرب في العراق. بالرغم من أن المرشح باراك أوباما كان قد تعهد في عام 2007 أن أول ما سيقوم به إذا تم انتخابه هو إعادة الجنود إلى أرض الوطن وإنهاء الحرب ، لكن ، وحتى قبل أن يتم احصاء الأصوات الإنتخابية ، كانت المعارضة الديمقراطية للحرب تلاشت.

 

الآن ، في الذكرى السابعة للحرب غير الدستورية ، واللاأخلاقية ، والعدوانية ، والظالمة ، وغير الضرورية ، والمختلقة ، والتي تم التلاعب بها ، والتي لا معنى لها ، وهي الحرب في العراق ، فإن تصعيد الحرب في أفغانستان قد تفوق على أي ذكر للحرب المستمرة في العراق. وهذا بالرغم من حقيقة أنه مازال هناك 130 ألف جندي أميركي في العراق.

 

عندما كتبت عن حرب العراق في ذكراها الثالثة ، كان قتل 2317 جنديا أميركيا من أجل كذبة. وفي الذكرى الرابعة ، ارتفع هذا العدد إلى ,3218 في الذكرى الخامسة ، زاد إلى ,3992 العام الماضي ، في الذكرى السادسة للحرب ، ارتفع عدد القتلى الأميركيين إلى ,4259 حاليا ، 4385 هو إجمالي عدد القتلى ، 157 منهم منذ أن أصبح أوباما رئيس هيئة الأركان الجديد. لكن ، قيل ، انظر كيف ينخفض عدد القتلى. أوافق ، لكن هذا ليس عزاء لأم أو أب أو زوجة أو إبن الجندي الذي قتل دون جدوى وبسبب كذبة.

 

بالرغم من أن عدد قتلى المعارك ينخفض في العراق (بالتأكيد ليس في أفغانستان) ، فإن ما زاد بين الجنود العائدين إلى البلاد هو محاولات الانتحار ، واعتلالات ما بعد الإصابة ، وتفكك العائلات ، والإيذاء الجسدي ، والبطالة ، والذكريات المرعبة ، والجراح الدائمة ، والأحلام المحطمة ، وأعمال العنف ، والنشاط الإجرامي. وبالطبع ، مازالت الحرب تكلف دافعي الضرائب الأميركيين بلايين الدولارات أسبوعيا.

 

لكن حتى لو أن جنديا أميركيا واحدا قد قتل منذ الشهر الماضي ، وحتى لو أن جنديا أميركيا واحدا فقط قتل منذ الذكرى الأخيرة للحرب ، حتى لو أن جنديا أميركيا واحدا فقط قتل منذ أن تولى أوباما السلطة ، وحتى لو أن جنديا أميركيا واحدا فقط قد قتل منذ بداية الحرب ، فإن هذا الواحد يظل كثيرا جدا.

 

الساذج جدا فقط ما زال يعتقد أن هذا القتال والموت في العراق هو من أجل حرياتنا أو لجعلنا في مأمن من الإرهاب. الحقيقة على الأصح هي أنه منذ بدء الحرب على الإرهاب تدهورت حرياتنا باضطراد ونحن من أوجدنا المزيد من الإرهابيين.

 

قبل أن تجتاح الولايات المتحدة العراق ، لم يكن أميركي واحد قتل على يد أي عراقي. لكن لا يجب أن يموت جندي أميركي واحد في أي حرب ضد العراق. جلب "الديمقراطية" للعراق ، وتخليص البلد من صدام حسين ، وتدمير أسلحة العراق لا تستحق حياة أميركي واحد. كلها لا تستحق إراقة قطرة دم أميركية واحدة.

 

لكن هذا ليس كل شيء. لا يجب أن يموت جندي عراقي ، ولا يجب أن يموت مدنيون عراقيون ، وما كان يجب أن يموت الأطفال العراقيون بين الحربين بسبب عقوبات الولايات المتحدة القاسية.

 

رغم ذلك ، الأميركيون الذين انتحبوا على العدد غير المنطقي من الجنود الأميركيين القتلى ، دون أن ننسى أعدادا لا حصر لها من القتلى العراقيين ، والذين شجبوا هذه الحرب من البداية ، هؤلاء الذين وصموا بعدم الوطنية ، وبأنهم غير أميركيين ، وشيوعيون ، وخونة. هذا التجاهل بقسوة لحياة البشر- أميركيين وعراقيين ، شيء ، خصوصا بين هؤلاء الذين يدعون انفسهم ضد الإجهاض وأنصارا للحياة.

 

إذا كنت تحب ما تبقى لجمهوريتنا وتريد لأميركا أن تكون محبوبة بدلا من مكروهة ، ومباركة بدلا من ملعونة ، ومحترمة بدلا من مهانة ، وأن تكون انموذجا يحتذي لا عرضة للهجوم ، حينها عليك أن ترغب بخروج الولايات المتحدة من العراق والشرق الأوسط - وأن تبقى خارجا. قد يتطلب الأمر سنوات ، أو حتى عقود ، حتى تستعيد أميركا الحظوة في عيون العالم ، لكن علينا أن نبدأ أحيانا ، إذا كان ما زال لديها الفرصة لتخطي ذلك.

 

هل اعتقد أن الجنود الأميركيين سوف لن يغادروا العراق أبدا؟ يمكنني الإجابة عن هذا بسؤال: هل مازال لدى الولايات المتحدة جنود في كوريا الجنوبية؟.

=======================

إيران «الخائفة» تسعى للحصول على أسلحة نووية

ماثيو هاتشينز - «انفورميشن كليرينغ هاوس»

الدستور

29-3-2010

حتى أكثر المحافظين راديكالية يمكن أن يتفق مع ناعوم تشومسكي حول شيء واحد على الأقل. "لا يمكن أن يرغب أي شخص عاقل بأن تطور إيران أسلحة نووية". لكن بالنسبة لتشومسكي ، حظر الانتشار النووي يتطلب توافقا متبادلا ، أكثر مما يتطلب إدانة دولية. سمعة تشومسكي كمؤلف كتب غزير الانتاج حول مواضيع تشمل اللغويات والفلسفة والعلوم الادراكية والعلوم السياسية والإعلام يمكن أن تجعل المرء يعتقد بأن آراءه نابعة من براهين نظرية غريبة لا يفهمها سوى عدد قليل من الأشخاص ، ولكن تشومسكي ينتهج رؤية براغماتية للعلاقات الدولية. استنتاجه هو أن إيران تطور أسلحة نووية من منطلق خوف منطقي على أمنها القومي بسبب أسلوب التهديد المنظم الذي تنتهجه الولايات المتحدة وإسرائيل.

 

أثناء حديث له في كنيسة ميموريال في هارفارد مطلع هذا الشهر ، انتقد تشومسكي السياسة الخارجية للرئيس أوباما وشرح الأسباب التاريخية التي تجعل إيران ترى حاجة الى تطوير أسلحة نووية. "اذا لم يطوروا سلاح ردع نوويا ، فهم مجانين". يقول تشومسكي أن المشكلة هي إصرار الولايات المتحدة ، الجريء والمتسم بالنفاق على توجيه التهديد المستمر بعمل عسكري ضد إيران كعقاب لها على عدم التزامها بتوصيات الأمم المتحدة. "أعمال الولايات المتحدة العدائية وعميلتها إسرائيل ، تعد عاملا رئيسيا في قرارات إيران حول ما إذا كانت ستطور سلاح ردع نووي أم لا".

 

بنظر تشومسكي ، قرار مجلس الأمن 1887 ، الذي أيده الرئيس أوباما بقوة ، يدعو جميع الدول الى المشاركة سلميا في الأنظمة الدولية لحظر الانتشار النووي. ويشجع الدول على تطوير تكنولوجيا نووية مدنية ، ويؤكد على ضرورة الالتزام بنظام الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتفتيش ، وقال تشومسكي أن الحديث عن العمل السلمي كان موجها بشكل أساسي الى الولايات المتحدة وتهديداتها المبطنة بأن "علينا أن نبقي جميع الخيارات مطروحة". في الواقع ، بوجود غواصاتها المجهزة بصواريخ نووية في أماكن قريبة بشكل كاف لضرب إيران ، يعتقد تشومسكي أنه من غير المحتمل فعليا ان تقوم إيران باستخدام سلاح نووي مستقبلي لأغراض عدوانية. ولكنه حذر بأن: "التهديدات لها أثر في حث إيران على تطوير رادع".

 

بالنسبة لتشومسكي ، تصعيد التوترات بين إيران والولايات المتحدة أمر سخيف في ضوء القبول الواسع لحقوق الايرانيين في تطوير تكنولوجيا نووية مدنية. ويرى أن شعبية الامبراطورية الأميركية تكمن في انتقادات حكومتها لإيران بسبب رفضها تنفيذ مطالب المجتمع الدولي ، والسبب هو أن تعريف "المجتمع الدولي" المستخدم في هذه الخطابات لا يختلف كثيرا عن الرأي السائد في العاصمة واشنطن وبين حلفائها. لقد اشار إلى نفاق الولايات المتحدة بعلاقاتها التاريخية مع الدول الثلاث التي لم تصادق على معاهدة حظر الانتشار النووي: إسرائيل والهند وباكستان. يقول تشومسكي أن هذه الدول الثلاث حصلت على تكنولوجيا نووية من الولايات المتحدة منتهكة بذلك قرارات مجلس الأمن ، لكن معظم الأميركيين لم يكن بإمكانهم ملاحظة ذلك ، نظرا للتحيز الإعلامي المؤيد للحكومة.

 

يعتقد تشومسكي أن السياسة الخارجية للرئيس أوباما جسدت استمرارا لسياسات جورج بوش في ولايته الثانية في البيت الأبيض. ولكنه يعتقد أننا محظوظون لأننا نعيش في وقت تُعتبر فيه الحركة المناهضة للحرب أقوى بكثير مما كانت عليه في الستينيات من القرن الماضي. لقد استذكر مظاهرة شارك فيها عام 1965 ، عندما فرقت الشرطة حشدا من المتظاهرين. في اليوم التالي ، البوسطن غلوب ، أكثر الصحف ليبرالية في البلاد ، انتقدت المتظاهرين بشدة. بعد ثلاثة أعوام فقط ، وفي أعقاب هجوم تيت ، تحركت المشاعر الشعبية بما يكفي لتصبح المظاهرات أصبحت أمرا اعتياديا. في نظرة إلى الوراء على الدروس المستفادة من تلك الحرب ، قال تشومسكي أن الولايات المتحدة قد حققت بصورة أساسية هدفها الرامي الى "تلقيح" المنطقة ضد الأحداث المتتابعة لنظرية الدومينو بحلول عام 1970 من خلال تعيين حكام ديكتاتوريين في الدول المجاورة ومساعدة سوهارتو في الوصول الى السلطة في أندونيسيا.

 

ايمي غودمان ، أشارت إلى أن تشومسكي قد لعب دورا حاسما في جذب انتباه العالم الى الاضطهاد الذي مارسته إندونيسيا ضد شعب تيمور الشرقية. وروت أعمال الضرب والمجازر التي شهدتها أثناء تجوالها هناك كصحافية ، بالإضافة الى السعادة البالغة عندما حصل الشعب على الاستقلال. "لقد انتصر هذا الشعب الصامد. لقد قاوموا وانتصروا". تشومسكي ، أكد على الحاجة الى المثابرة المستمرة. "لن تنتصروا في الغد. ستمرون بالعديد من الهزائم ، ولكن عليكم مواصلة العمل بجد".

=======================

صعود الصين.. وإعادة اكتشاف الهوية

 سباستيان مالابي

الرأي الاردنية

29-3-2010

عندما كنت أعيش في اليابان في أوائل التسعينيات، انكب شعبها على عملية بحث واسعة عن هويته؛ حيث كانت البلاد قد تحولت إلى قوة اقتصادية عالمية، ولكن سياستها لم تكن تواكب تطورها الاقتصادي ولم تكن طوكيو حينها تعرف ما تفعل بوزنها الجديد في العالم. فالبعض كان يعتقد أن على اليابان أن تصبح لاعبا عالمياً بدون تغيير اللعبة الدولية، وأن عليها أن تقبل النظام العالمي مثلما أنشأه الغرب؛ غير أن أصواتاً أخرى كانت قد بدأت تتعالى مطالِبة بأكثر من ذلك، حيث دعت اليابان إلى تحدي «إجماع واشنطن» في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وكسر شرنقة التحالف الأمني الأميركي- الياباني، وإطلاق سياسة خارجية خاصة. أي أن التحديث، بعبارة أخرى، لا ينبغي أن يعني الأمركة -ولاسيما عندما يتعلق الأمر بثقافة آسيوية عريقة وفخورة بذاتها.

وبالطبع، كتم ركودُ اليابان الطويل طموحاتها، غير أن نقاشات التسعينيات تلك حضرتني هذا الشهر عندما قضيتُ تسعة أيام بين مثقفي العاصمة الصينية بكين. فعلى غرار يابان ما قبل عشرين عاماً، فإن معجزة الصين الاقتصادية الراهنة ربما تفوق حنكتها السياسية، في نظر البعض. ومثلما يقول «سون جي» من جامعة «شينخوا» في بكين، فإن البلاد اليوم تعيد إلى الأذهان صور الظهور الأول للاعب كرة السلة الصيني الموهوب «ياو مينج» في مباريات الدوري الأميركي، عندما كانت ثقته أثناء المباريات لا تواكب بما يكفي حجم قامته الطويلة ومهارته الكبيرة. وعلى غرار يابان ما قبل العقدين الماضيين، فإن الصين اليوم تبحث عن هويتها.

في الثمانينيات، كان المثقفون الصينيون يرون في الغرب نموذجاً أعلى وكان يقال «إن القمر في الولايات المتحدة أكثر لمعاناً»؛ كما قام المتظاهرون خلال احتجاجات ساحة «تيانآمين» بتشييد «صروح الديمقراطية» التي يبلغ طولها 9 أمتار، مستوحين ذلك من «تمثال الحرية» في نيويورك.

غير أن حرب العراق، والأزمة المالية، وتعثر جهود إعادة إعمار «نيوأورليانز» بعد إعصار كاترينا الشهير، ساهمت جميعها في الإساءة لصورة أميركا في الصين إلى درجة أنه بات من الدارج القول في بكين اليوم: «لقد تعلمنا من الاتحاد السوفييتي وانهار، وتعلمنا من اليابان وانهارت، وتعلمنا من الولايات المتحدة وانهارت».

وفي اليابان، شملت النشاطات والتحركات القومية اهتماماً متجدداً بالتاريخ؛ وأصبح تاكاموري سايجو، وهو مقاتل ساموراي عارض انفتاح البلاد على الغرب في القرن التاسع عشر، موضوعاً لسلسلة من الكتب الرائجة التي بيعت منها 8 ملايين نسخة. وفي الصين، وجدتُ أشخاصاً يتحدثون عن أعمال «يان زويتونج»، وهو أستاذ آخر في جامعة «شينخوا» تربط كتاباتُه تطلعات الصين الحديثة بفلسفتها القديمة، حيث يرسم «يان»، في كتاب ستتميز نسخته الإنجليزية بشهادة لهنري كيسنجر على ظهر الغلاف، ملامح ما يمكن وصفه بسياسة خارجية كونفيشوسية.

ومن وجهة نظر الغرب، تبدو بعض التقاليد التي أخرجها «يان» من تحت التراب مطَمئنة، حيث يشير إلى أفكار المفكر الصيني القديم «زون زي»، الذي قال إن على القوى العظيمة أن تحترم الآخرين إن هي كانت تتطلع إلى أن تكون «آمنة كالصخرة المصمتة». وإضافة إلى ذلك-يقول «يان»- فإن التقاليد الصينية تنص على أن تساعد الدولُ القوية الدولَ الضعيفة؛ فإذا هدد قراصنة مواطني بلدان تفتقر إلى القوة البحرية الضرورية للتصدي لهم، فإن من واجب بلد يمتلك قواتٍ بحرية قوية فرضَ القانون في البحار. وإذا كان ذلك يعني أن صيناً قوية ستصبح شرطياً عالمياً حميداً، يمكن القول إن صعودها سيصبح أمراً مرحباً به، على المسرح الدولي.

غير أن خلاصات «يان» تثير القلق أيضاً؛ فهو يشرح مثلا أن التقاليد الصينية ترفض فكرة أن للحياة البشرية قيمة محددة ومنسجمة إذ يقول «إن حياة الناس غير متساوية... فالشخص غير المتحضر -الهمجي- حياته أقل أهمية».

 وعلى هذا الأساس، يتابع «يان»، فإن صيناً قوية لن تجد حجة قوية لمحاربة أزمة صحية عالمية مثل الإيدز، لأن الهمجيين لا يستحقون أن يتم إنقاذهم. ولكن، هل يمكن أن ترغب صين قوية في مساعدة «الهمجيين» على الوصول إلى حالة تحضر؟ «يان» يقول لا: ففي التقاليد المسيحية، يسعى المبشرون إلى تغيير ديانات الناس. أما في التقاليد الكونفشيوسية ، فإن المعلمين لا يفترض أن يجنِّدوا التلاميذ. ذلك أن «الهمجيين» يستطيعون التعلم من نموذج الصين؛ غير أنهم إذا لم يفعلوا، فتلك مشكلتهم. وعليه، فإن الصين ستتعامل معهم، ولكنها لن تحاول تغييرهم.

إن تأملات أستاذ صيني لا تمثل بالضرورة تنبؤاً بسياسة بلده؛ ما في ذلك شك، ولكن على غرار بريطانيا والولايات المتحدة قبلها، فإن الصين لا تستطيع الاستثمار والتجارة على الصعيد العالمي من دون أن تُظهر قوّتها عالمياً. ذلك أنه بينما يستمر مواطنوها وشركاتُها في تطوير شبكاتهم حول العالم، فإن حكومتها ستسعى للدفاع عن مصالحهم. والواقع أن الإصغاء باحترام الذي يحظى به «يان» من مواطنيه يشير إلى أن أفكاره تسد فراغاً مهماً لأن بعض الصينيين ربما فقدوا الثقة في الشيوعية، ولكن حتى أكثر الأساتذة شجاعة الذين تحدثتُ إليهم لم يكونوا يرغبون في احتضان الديمقراطية الغربية.

وبذلك يمكن القول إن الصين تبحث عن مستقبلها في ماضيها، وتعمل على إعادة بعث وإحياء التاريخ الذي دفنه الشيوعيون ذات يوم.

ونتيجة لهذه العملية، فإن الأفكار ستطفو على السطح؛ وبالنظر إلى النزاعات التي لا مفر منها حول العملات وحرية الإنترنت وغيرها، سيتميز رد فعل بعض الأميركيين بالغضب.

ولكن الخيار الذكي بالنسبة للغرب هو السماح لرحلة اكتشاف الذات الصينية بأن تأخذ مجراها. فصعود الصين أمر لا مفر منه، وعلى الصينيين أن يقرروا من هم وماذا يريدون. ومن يدري؟ فقد يتبين في الأخير أن احتضان النموذج الغربي مناسب لهم.

(محلل سياسي أميركي) - واشنطن بوست الاميركية

=======================

لا يحل اضعاف الشراكة الاستراتيجية

دوري غولد

3/29/2010

القدس العربي

التوترات الاخيرة بين ادارة أوباما وحكومة اسرائيل ولدت اشاعات تقول ان الولايات المتحدة تحسب ان 'عدم مرونة' اسرائيل في المسيرة السلمية تعرض جنودها في العراق وافغانستان للخطر. ولما كان الأمر كذلك فقد أحسن رئيس الحكومة نتنياهو الفعل عندما قرر الحديث عن العلاقات الاستراتيجية بين اسرائيل والولايات المتحدة في أثناء خطبته في الايباك.

لم يكن مصدر تلك الاشاعة الجنرال ديفيد باتريوس رئيس القيادة المركزية لجيش الولايات المتحدة الذي حضر امام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ في 16 آذار (مارس). ذكر الجنرال في هذا الحضور في الحاصل العام، في الصفحة 12 من شهادته ان 'التوتر بين اسرائيل والفلسطينيين يتطور احيانا ليصبح عنفا'، وأضاف ان اوضاعا كهذه 'تؤجج مشاعر عداء امريكا'. أي ان شهادة باتريوس لم تحدد ان اسرائيل سبب تعريض جنودها للخطر، بل نشوب انتفاضة ثالثة مؤيدة بتحريض معاد لامريكا.

مع ذلك الفكرة التي تقول ان اسرائيل تعرض قوات امريكية للخطر بدأت تنتشر في واشنطن. في 14 آذار (مارس) سأل جيك ترابر مراسل ال'اي بي سي' في البيت الابيض، ديفيد اكسلرود مستشار أوباما السياسي أتعرض 'قضية البناء' الاسرائيلي حياة قوات الجيش الامريكي للخطر؟ وعندما رفض اكسلرود الجواب أصر ترابر وكرر السؤال. لا شك ان الامر يشهد على مبلغ عمق تغلغل هذا التصور عند مراسلين سياسين في واشنطن.

لم يكن باتريوس هو المصدر. فقد كتب الصحافي جيفري غولدبرغ في عامود صحافي ظهر في مجلة 'ذا اتلانتك مانثلي' ان الربط بين رمات شلومو والقوات الامريكية في الشرق الاوسط ولد في التقارير الصحافية الاسرائيلية عن لقاء رئيس الحكومة نتنياهو مع نائب الرئيس بايدن. أنكر مكتب نائب الرئيس هذه التقارير أمام غولدبرغ. لكن التأثير المتراكم لاشاعات من هذا النوع عرض اسرائيل على انها عبء استراتيجي وقد وقع في أرض خصبة.

يبين فحص تاريخي عن هذا الزعم انه داحض تماما. فعلى سبيل المثال نجح الموساد في آب (أغسطس) 1966 في تجنيد طيار من سلاح الجو العراقي طار بطائرته ميغ 21 الى اسرائيل. أشركت اسرائيل واشنطن في المعلومات الاستخبارية عن الطائرة وهي معلومات تبين انها ذات قيمة كبيرة للولايات المتحدة لان هذه الطائرة كانت السلاح المركزي لسلاح الجو في فيتنام الشمالية. في السنين التي تلت ذلك زودت اسرائيل الامريكيين بنظم سلاح سوفييتية كاملة، من مدفع 130 ميلمتراً الى دبابات تي 72. اقتبس من كلام الجنرال جورج كيغان الذي كان في الماضي رئيس استخبارات سلاح الجو الامريكي في صحيفة 'نيويورك تايمز' في التاسع من آذار (مارس) 1986 يقول ان الولايات المتحدة لم تكن قادرة على احراز المعلومات الاستخبارية التي حصلت عليها من اسرائيل حتى لو كان عندها 'خمس وكالات استخبار مثل سي آي ايه'.

ظلت اسرائيل بعد الحرب الباردة ايضا حليفا مهما. مثلا في 2007 كشف السفير الامريكي في اسرائيل عن أن القوات المسلحة الامريكية تستعمل تكنولوجيا اسرائيلية في العراق لتدفع عن نفسها الغاما جانبية سببت أكبر عدد من الجنود القتلى العراق، أي ان اسرائيل ساعدت في انقاذ حياة أمريكيين في العراق.

قبل نحو من ثلاث سنين قال رئيس القيادة الاوروبية الجنرال بنتس كرادوك، امام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب أن 'اسرائيل في الشرق الاوسط هي أقرب حليف للامريكيين'. كشف رئيس الحكومة في مؤتمر الايباك عن أن اسرائيل تتعاون اليوم مع الولايات المتحدة 'في كل ما نعلم عن العدو الجديد'.

أحيانا عندما تدفع دول مثل اسرائيل والولايات المتحدة الى عدم اتفاق دبلوماسي، تميل وسائل الاعلام على نحو طبيعي للبحث عن دراما. كانت خطبة رئيس الحكومة نتنياهو في الايباك خطوة من اسرائيل ترمي الى التيقن من أن عدم الاتفاق على شأن القدس لن يبلغ الى مجال الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين. تلقى الآن على الرئيس اوباما مسؤولية ان يكف التوتر مع اسرائيل لمنع تهديد العلاقات الاستراتيجية القائمة على مصالح بعيدة الأمد اسهمت اسهاما كبيرا في أمن الدولتين.

=======================

أثبت الديمقراطيون قدرتهم على ممارسة الحكم.. فهل بإمكانهم الاستمرار؟

هارولد ميرسون

الشرق الاوسط

29-3-2010

من خلال تمرير قانون إصلاح الرعاية الصحية، نجح الديمقراطيون، الذين أحيانا ما كانوا يبلون بسوء الحظ، وغالبا ما كان اليأس يتملكهم، في تحويل أنفسهم إلى أمر لم تشهده أميركا منذ عقود: حزب حاكم. وعبر تمريرهم أهم تشريع اجتماعي في تاريخ البلاد منذ ستينات القرن الماضي، تخلص الديمقراطيون من طريق مسدود ظل قائما منذ منتصف فترة رئاسة رونالد ريغان. كما نجحوا في إعادة المصداقية لفكرة تكاد تكون غريبة عن الأذهان الآن، وهي أنه رغم تنامي دور المال في الحياة السياسية أكثر من أي وقت مضى، تبقى للانتخابات أهميتها أيضا.

وترجع هذه الصحوة في جزء منها إلى قرار الديمقراطيين تنشيط قاعدتهم. الملاحظ أن «أوباما من أجل أميركا» وهي منظمة تضم 13 مليون عضو من أنصار الرئيس دخلت في حالة من السبات بعد انتخاب باراك أوباما. إلا أنها استعادت نشاطها في الأسابيع الأخيرة وبذلت جهودا كبرى لحشد تأييد المشرعين الذين لم يكونوا قد حسموا رأيهم بعد. وبعث أعضاء المنظمة مليون رسالة نصية وأجروا نصف مليون مكالمة هاتفية لديمقراطيين مترددين خلال الأيام العشرة السابقة لإجراء التصويت على القانون داخل مجلس النواب، الأحد. إضافة إلى ذلك، كثفت النقابات والمنظمات الأخرى التي كانت تضغط بالفعل على المشرعين الديمقراطيين لتأييد التشريع جهودها خلال هذه الفترة.

بطبيعة الحال، لم يكن أي من هذا ممكنا لو كان الرئيس قرر التراجع عن قوة مواقفه في أعقاب فوز الجمهوري سكوت براون في انتخابات مجلس الشيوخ في ماساتشوستس في يناير (كانون الثاني) الماضي، مما حرم الديمقراطيين من أغلبيتهم الكبرى داخل المجلس التي بلغت حد 60 صوتا. وجاء إصرار الرئيس على مشروع قانون ضخم يكفل تغطية تأمينية شاملة وهو موقف شجعته على التمسك به نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب ليحفز منظمات عدة تمثل القاعدة الجماهيرية للإعلان علانية عن تأييدها لمشروع القانون، حتى في الوقت الذي طلبت من البيت الأبيض إعادة تنشيط المجموعة الهائلة من أنصاره.

في خضم ذلك، تحول أوباما وبيلوسي إلى قوة تشريعية لم يعاين الديمقراطيون مثلها من قبل منذ عهد ليندون جونسون. ويعد إسهام بيلوسي، الذي لا يقل في حجمه عن إسهام أوباما، تاريخيا بمعنى الكلمة. ورغم أن القرن الماضي شهد تولي كثير من الديمقراطيين البارزين رئاسة مجلس النواب مثل سام رايبورن وتيب أونيل فإن أحدا منهم لم تتزامن رئاسته مع حقبة إصلاح كبرى، بينما رؤساء المجلس الذين عاصروا مثل هذه الحقب بالفعل، مثل هنري ريني وجوزيف بيرنز خلال حقبة «الاتفاق الجديد»، وجون مكورماك في الستينات، لم يضطلعوا بدور يذكر في سن التشريعات التاريخية المميزة لهذه الفترات. وعليه، تعد بيلوسي أول رئيس لمجلس النواب منذ أكثر من 100 عام تضطلع بدور أساسي على نحو يتعذر الاستغناء عنه في تمرير إصلاح ضخم.

ومع ذلك لم يتمكن أي من بيلوسي وأوباما والمنظمات الديمقراطية من حشد تأييد جميع أعضاء الحزب الديمقراطي. الملاحظ أن غالبية أعضاء مجلس النواب من الديمقراطيين الذين صوتوا بالرفض ضد القانون ينتمشون إلى ضواحي يهيمن على سكانها البيض من أفراد الطبقة العاملة الذين نظروا إلى الإصلاحات الديمقراطية منذ ستينات القرن الماضي باعتبارها مصممة لمساعدة «أناس آخرين»، خاصة أصحاب البشرة السمراء. جاء 18 من إجمالي الديمقراطيين ال34 الذين صوتوا بالرفض ضد القانون من ولايات جنوبية أو ولايات سبق وأن تورطت في الحرب الأهلية: ثلاثة منهم (مايكا مكماهون وستيفين لنتش ودان ليبينسكي) ينتمون إلى ضواحي حضرية (ستيت آيلاند وساوث بوسطن وجنوب غربي شيكاغو، على الترتيب)، التي شكلت منذ فترة بعيدة جيوبا عنصرية للبيض المعروفين بحدة مشاعرهم العنصرية (على سبيل المثال، تشتهر ساوث بوسطن وجنوب غربي شيكاغو بمقاومتهما، العنيفة في بعض الأحيان، لجهود الاندماج العنصري).

إلا أنه ينبغي على أي عضو ديمقراطي دءوب في الكونغرس العمل على مكافحة المعارضة الآيديولوجية والعنصرية التي استهدفت إصلاحات حزبه ورئيسه من خلال توضيح لأبناء دائرته الانتخابية أن السياسات التي أقرت، الأحد، لا تستهدف فئة عنصرية معينة، وإنما تتميز بطابع شامل، بما في ذلك بعض الإجراءات التي ستصبح سارية قبل انتخابات التجديد النصفي، ومنها حظر استثناء الأطفال من الفئات التي كانت مستثناة من قبل من التأمين الصحي، وحظر فرض حدود على المدفوعات المتعلقة بالتأمين السنوي والتأمين مدى الحياة، وحظر إسقاط جهات التأمين لأفراد ملتحقين لديها عندما يمرضون، والسماح للأطفال بالبقاء تحت المظلة التأمينية الخاصة بالوالدين حتى يبلغوا ال26، ومطالبة الجهات المؤمنة بتغطية الأموال التي يدفعها المؤمن عليه مباشرة إلى جهة توفير الرعاية الطبية فيما يخص الرعاية الوقائية.

كي يمضوا في طريقهم كحزب حاكم فيما بعد نوفمبر (تشرين الثاني)، يجب أن يطبق الديمقراطيون الدروس التي استفادوها من انتصارهم المرتبط بقانون إصلاح الرعاية الصحية على القضايا الأكثر شعبية. إنهم بحاجة لإقامة وكالة قوية لحماية المستهلك وكبح جماح أعمال المضاربة التي تقوم بها المصارف، وهي قضايا يبدي بعض أعضاء الكونغرس من الديمقراطيين رفضهم لتأييدها. يجب أن يعمل باقي أعضاء الحزب على ممارسة ضغوط مستمرة على هذه المجموعة، مثلما فعلوا مع من ساورهم التردد حيال قانون الرعاية الصحية. وعلى الديمقراطيين السعي لاستصدار مزيد من التشريعات المتعلقة بالوظائف، ولتكون البداية بمشروع القانون الذي طرحه النائب جورج ميلر، من كاليفورنيا، لإنقاذ وظائف في مجال التدريس والسلامة العامة داخل كثير من الولايات، ومشروع القانون الذي تقدمت به روزا ديلورو، عضو مجلس النواب من كونيكتيكت، لإقامة مصرف يعنى بالبنية التحتية لإحياء قطاع البناء والتشييد على مستوى البلاد.

حتى لو خسر الديمقراطيون في تصويت أو اثنين فيما يخص مثل هذه القضايا، فإن هذه القضايا تحظى بشعبية واسعة تمتد إلى ما وراء قاعدتهم الجماهيرية، والمؤكد أن المعارك التي ستدور حولها ستحقق تعبئة في صفوف الناخبين من المواطنين العاديين. إنها قضايا جديرة باهتمام حزب حاكم؛ خاصة إذا ما كانت لديه الرغبة في الاحتفاظ بهذه المكانة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ