ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 01/04/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


المجتمع الأهلي ودولته!

ميشيل كيلو

3/31/2010

القدس العربي

كثيرا ما يتم الخلط بين المجتمع الأهلي والمجتمع المدني، فيقال المجتمع المدني عن الأهلي، ويقال الأهلي عن المدني. وكثيرا ما تنسب منظمات وتكوينات سياسية واجتماعية للمجتمع المدني، مع أنها منظمات وتكوينات يجب أن تنسب إلى المجتمع الأهلي. هذه التداخلات في المفاهيم شاعت حتى صار كثيرون يظنون أن المجتمع المدني هو نفسه المجتمع الأهلي، وأن المجتمع الأهلي هو المجتمع المدني، رغم ما بينهما من بون شاسع سأحاول إظهاره في هذه العجالة.

المجتمع المدني هو بأشد اختصار ممكن 'مجتمع المواطنين الأحرار'، الذي ركيزته الفرد (مواطن الدولة) الحر، ومعادله: الإنسان بوصفه فردا وذاتا حرة. أما المجتمع المدني فهو الهيئة العامة التي تضم هؤلاء الأفراد الأحرار، الذين هم، في الوقت نفسه، مواطنو الدولة. حيث لا يوجد الفرد الحر لا يوجد مجتمع مدني. وحيث يقوم مجتمع ليس الفرد الحر بنيته التحتية وركيزته وحامله نكون أمام مجتمع أهلي، كتلي، ينضوي الفرد فيه ضمن تكوين يجعل منه ويرى فيه موجودا تابعا وثانوي الأهمية. يقوم المجتمع الأهلي على تكوينات جماعية ذات أولية ينضوي فيها فرد يتعين وجوده من خلال عضويته فيها، كأن تكون قبيلة أو عشيرة أو طائفة أو حزب شمولي ... الخ. عندما لا تكون الأولية في مجتمع أو جماعة للفرد بما هو ذات حرة يتعين كل شيء بحريتها وينميها، نكون حيال مجتمع أهلي، أوليته جماعة يخضع الفرد لها، فليست حريته معيارها ووظيفتها ومقياس دورها ووجودها وهدفها، بل انضواؤه فيها وتبعيته ورضوخه لها هو هذا المعيار.

إذا كان هذا التفريق صحيحا، فإنه يعني أمرا يجب التأكيد عليه، هو أن بلداننا العربية لم تعرف في الماضي ولا تعرف اليوم أيضا المجتمع المدني، لأنها لم تعرف في الماضي ولا تعرف اليوم مجتمعات لبنتها الأساسية الفرد / المواطن / الإنسان الحر، وغايتها تنمية حريته والحفاظ عليها. وهو يعني أيضا أن أحزابنا ليست بدورها جزءا من المجتمع المدني، لأنه ليس بينها من يرى في نفسه تجمعا طوعيا لمواطنين هم ذوات حرة، أو يعطي الأولية لتنمية حريتهم، ولأن حرية الفرد ليست هدف برامج وأنشطة وسياسات أحزابنا، التي تستهدف إخضاع أعضائها لقيادتها، ولما تراه ملائما وصحيحا من سياسات.

ما عرفناه تاريخيا كان، في المرحلة الأولى، تكوينات ما قبل مجتمعية، ما دون أهلية من جهة وغير مدنية من جهة أخرى، أهمها القبيلة والعشيرة والطائفة والجهة الإتنية ... الخ. ثم عرفنا في مرحلة تالية مجتمعا أهليا قليل التماسك والكثافة، تكون من جمعات وجماعات، نسميه مجتمعا وأهليا من قبيل التساهل، فهو لم يكن يوما موحد الأهداف والغايات والفكر وطرق العيش، حتى تصح فيه تسمية المجتمع، ولم يكن مندمجا ومنسجما يعاد إنتاج أجزائه ومكوناته جميعها وفق أنماط وآليات واحدة، كي نسميه أهليا. الأصح القول: إنه كانت هناك مظلة عليا اسمها الدولة، تمسك من فوق بجماعات دنيا متناحرة متناقضة تخضعها بالقوة والتخويف والعنف لسلطة واحدة (غالبا ما كانت سلطة رجل واحد). لذلك يصح القول: إننا عرفنا هذه الدولة قبل أن نعرف المجتمع ككيان موحد ومنسجم ومندمج، وما زلنا في هذا الطور إلى اليوم، وإن كان نصيب الدولة قد تناقص ونصيب المجتمع الأهلي قد تزايد، فصار للدولة / السلطة هدف رئيسي هو كبح وإعاقة تطوره نحو مجتمع مدني، ومنعه من أن يقود إلى دولة / مجتمع حديثة، علما بأن الدولة / السلطة تستخدم للإبقاء على جماعات وتكوينات ما قبل مجتمعية  طوائف، قبائل، عشائر ... إلخ -، ما قبل أهلية، ولوقف نمو ما هو أهلي إلى شعب حديث متزايد الاندماج يستطيع تأسيس وحمل دولة حديثة تتجاوز تكوينات مجتمعها الجزئية. ومع أن مجتمعنا الراهن يعد أهليا في ما يتعلق بالمكانة الثانوية التي يعطيها للفرد، فإنه ليس أهليا، بل هو ما قبل أهلي / ما قبل شعبي، في ما يتعلق بدرجة اندماج وانسجام وتوافق مكوناته.

في الحداثة، الدولة هي الجزء الأعلى من بناء سياسي أساسه وحامله المواطن / الفرد الحر، ويمر بمجتمع المواطنين الأحرار، أي المجتمع المدني، وينتهي فوق إلى المؤسسات التي تسمى الدولة وتعبر عنه في مستوى السياسة. في المجتمع المدني، للمجتمع والدولة جذر واحد هو المواطن / الفرد الحر، الإنسان بوصفه ذاتا حرة. لذلك يوجد هنا دوما حد أعلى من الانسجام والتناغم بين الدولة والمجتمع، ووحدة تفاعلية / تكاملية تشدهما بعضهما إلى بعض، وتجعل كلا منهما يرى نفسه في الآخر وبدلالته، ولا يقيم له أي وجود خاص ضده أو بدونه. في مجتمع المواطنين الأحرار، إرادة المواطن الحر هي حامل الدولة، وهي التي تقرر نمطها وأسلوب عملها، حتى عندما ترفض ما لا يناسبها منهما. في هذه الحالة، يكون كل شخص في علاقة مع خصوصية الآخر المماثلة لخصوصيته، بحيث يتأكد كل واحد ويحصل على الإشباع بواسطة الآخر ويكون في الوقت نفسه ملزما بالمرور بالعمومية، التي تكثف مصالح الجميع، وتعد، كمحصلة لإرادة كل فرد، حامل الدولة ومصدر شرعيتها، ليصير هدف الفرد الذاتي أساس منظومة تبعية متبادلة داخل مجتمع التعاقد والتوافق الشاملين، الذي يسمى 'المجتمع المدني'. في هذا المجتمع ودولته، ثمة أساس يوحد مكوناته جميعها وإن اختلفت تعبيراتها وتظاهراتها، وعملت للهدف ذاته من خلال مستويات مختلفة. وثمة علاقة تفاعلية وتكاملية بين هذه المكونات تجعل وظائف الدولة ضامنة لمصالح الأفراد المتبادلة ومنمية لحرية واستقلالية حاملها : المواطن الحر. بدورها، تكون مهمة المجتمع تعزيز وصيانة حرية الفرد تحت، وقوة ووحدة وفاعلية الدولة فوق، بينما يقلص الفرد / المواطن تناقضاته وخلافاته ومصالحة الأنانية، التي تهدد العمومية، إلى الحد الذي يكفل ديمومة وسلمية العيش المشترك، ويحول دون انشقاق الهيئة المجتمعية العامة ، ويحافظ على حريات المواطن كاملة، ويبعد السلطة عن أي انزياح قد يغريها بالاستقلال بذاتها، مثلما هو حالها في النظم الشمولية، نظم المجتمع الأصنافي / ما قبل الأهلي. حيث يوجد مجتمع مدني، تكون الدولة الوسيط الأعلى والأعم، الذي يحتوي على سائر الوسطاء الآخرين، ويحفظ مصالحهم وحقوقهم. أما في المجتمع الأهلي، فالدولة هي بنيته التحتية القائمة على تكوينات جزئية، رغم أنها تقف فوقها وتستقل بصورة تكاد تكون تامة عنها. ليس المجتمع ما قبل الأهلي والمجتمع الأهلي حاملي الدولة في نمطي المجتمع هذين. هنا، الدولة ذاتها هي حامل نفسها، وهي التي تعزز وتعيد إنتاج تكويناتهما و'تحدثها'، كي تخدم مصالحها وطريقة إدارتها للمجتمع، بينما يغيب الفرد / المواطن / الإنسان كوجود مستقل وأرضية مشتركة بينها وبين المجتمع، وتنشأ قاعدة خاصة بالدولة / السلطة هي أجهزتها، حاضنة الآتين من تكوينات ما قبل مجتمعية، الذين يشكلون كتلة بشرية وازنة ترتبط بنمط إنتاج السلطة، وطرقها الخاصة في توزيع الدخل، وأيديولوجيتها، وأساليب إعادة إنتاج حياة عامة غدت حياتها، التي تفرضها بما هي نمط حياة للعموم. هذه الدولة، التي هي بنية تحتية لمجتمعها ،لها سمتان أساسيتان هما:

- الشمولية، ومعناها باختصار: إنتاج المجتمع والشأن العام انطلاقا من سلطتها وبدلالتها، مع ما يضمره ذلك من نفي للفرد ولمجتمع المواطنين الأحرار، وتعبئة واستخدام تكوينات المجتمعين ما قبل الأهلي والأهلي، التي كلما ازداد اختراقها لهما ازداد استقلالها عنهما وتعاظمت قدرتها على التحكم فيهما وضبطهما، وأمعنت في إنتاجهما على صورتها ومثالها : بقوة العنف والقمع والإفساد، وتدمير ما بين تكويناتهما من مشتركات يمكن أن تجعل منهما، في وقت ما، وبفضل تطورهما الطبيعي، كيانا متماسكا ومنسجما، شعبا ينمو ليصير مجتمعا مدنيا. الشمولية هي إبطال تطور الفرد والمجتمع الطبيعي نحو فرد ومجتمع سياسي مستقل / مدني بوسائل السلطة / الدولة، العنيفة والإكراهية، ولمصلحتها.

- هذه الدولة ليست دولة بدلالة المجتمع (دولة / مجتمع)، بل هي دولة بدلالة السلطة (دولة / سلطة). تعطل بما لديها من وسائل أهمها العنف ونمط محدد من تملك وتوزيع الدخل الوطني، أي تطور يمكن أن يؤسس لقيام الدولة / المجتمع، التي ترى نفسها بدلالة مجتمعها في طور أول، ويمكن أن تتطور إلى دولة مجتمع مدني في طور تال، يمثل قيامها ثورة سياسية توفق بين مصالح المواطن / الفرد/الإنسان ومصالح المجتمع والدولة، وتذهب من الفرد إلى المجتمع إلى الدولة وبالعكس. بوصفها دولة / سلطة، تقيم المؤسسات السياسية وجودها خارج مجتمع العمل والتعاقد والتوافق، وتتبنى نهجا استعماريا في تعاملها مع مجالها الخاص، فتفصل نفسها عنه إلى أبعد حد مستطاع، بينما تدمجه فيها دمجا عضويا خانقا لا يترك له أي خيار أو قرار حر، وتشطر الواقع إلى عالمين : سياسي يرتبط ارتباطا عضويا ولحظيا بخياراتها ومصالحها، وما قبل أهلي / ما قبل سياسي يتخبط فيه المنتمون إليه من أفراد وكيانات 'مجتمعية' تضمهم تخبطا عشوائيا يزيد من افتقارهم إلى إرادة عامة وحقوق ودور، ويستخدم القوانين السائدة ضدهم، بدمجها دمجا متعاظم في هياكل القمع المنظم، التي تعتبر روح الدولة / السلطة وحاملها الرئيسي وأداة نهب المجتمع عامة وحرمانه من عوائد ملكية أفراده الخاصة، التي يشحن استيلاؤها عليها المجال العام، على ضيقه وهشاشته، بضروب محدثة من البربرية الأكثر توحشا، كما كان يقول الفيلسوف الألماني هيغل. ليست الدولة / السلطة تعاقدية، أكان العقد بينها وبين الفرد وتكوينات المجتمعين ما قبل الأهلي والأهلي، أم بين الأفراد أنفسهم، أم بين هؤلاء والمجتمعين، أم بين هذين الأخيرين. ومع أنها وصلت إلى السلطة من خلال فرص أتاحها التعاقد، فإن إلغاءه كان أول شيء فعلته، لذلك تتسم علاقاتها مع داخلها بسمتين:

- كونها علاقات عمودية / رأسية.

- وعلاقات غير راجعة، فهي تنزل دوما من فوق إلى تحت ولا تصعد أبدا من تحت إلى فوق، وليست علاقات متعددة أو متنوعة الأطراف، فليس فيها غير طرف واحد هو الدولة / السلطة. بما أن التعاقد أخذ، تاريخيا، من الفرد عنفه وأنانيته، وعوضه عنهما بالحرية والملكية في إطار عقد اجتماعي صار سياسيا، وأسس للدولة الحديثة وللشأن العام بوصفهما ساحة للحرية والديمقراطية، فإن نفي التعاقد يعني نفي الحرية وتوابعها، وتقييد الملكية واحتمال نفيها في أي وقت، والتعويض عنهما بالأنانية والعنف: أنانية السلطة وعنفها، وأنانية وعنف كل فرد ضد كل فرد آخر، وأنانية وعنف المجتمعين في صورتيهما ضد بعضهما وضد الفرد والدولة . إنها أنانية شاملة تستخدم عنفا لا حدود له، تجعل الشأن العام خلوا من التوافق والحوار والسلام والقانون، وتحوله بصورة متزايدة إلى ساحة فتك وبطش يمارسهما الجميع ضد الجميع، مفتوحة على ضروب متنوعة من البربرية المحدّثة!. بانعدام التعاقد، يصيب السياسة تشوه بنيوي، وتنقلب إلى أداة عنف لا قيد عليه، يلغي أية فاعلية مجتمعية أو شخصية أو قانونية، حرة أو مستقلة (لكونها من مستلزمات تبلور المجتمع المدني). في هذه الوظيفة، تكمن حاجة الدولة / السلطة إلى تحديث العنف تحديثا متواصلا، وإلى نهب داخلها، وإعادة إنتاج أجهزتها في ضوء الحاجة إلى جعلها أجهزة عنف، بغض النظر عن طابعها الأصلي.

ثمة هوة هائلة بين نمطي الدولة في المجتمع المدني والمجتمعين ما قبل الأهلي والأهلي. إنها الهوة التي تفصل المجتمع الديمقراطي الحديث عن المجتمع الاستبدادي التقليدي، ومجتمع المواطنين الأحرار عن مجتمع الشمولية العمياء، التي لا تضم مواطنين أصلا كي يكونوا أحرارا.

أما عندنا، في الدول العربية، فقد حدث تراجع ملحوظ ومأساوي من نمط دولة بدأت تنفتح عقب الاستقلال على شيء من الحداثة، في رهاناتها وبعض جوانب بنيتها العامة وعلاقاتها مع المجتمع، حيث نمت فكرة الفرد الحر خلال حقبة النضال من أجل الاستقلال، مع ما ترتب عليها من بذور مدنية، ما بعد أهلية، مبشرة، وبدأ العرب يعودون إلى دولة حداثتها قمعية، أوقفت، بما لها من قوة وتنظيم، تحول مجتمعها الطبيعي والتدرجي نحو مجتمع مدني، وما كان قائما من مجتمع أهلي إلى مجتمع ما قبل أهلي، وما لبثت أن استندت إلى تكوينات منه، جعلتها قاعدة تعبوية لدولة/سلطة من نمط أقلوي/استبدادي، حدثت نفسها في إطار العصر الرأسمالي وكتابع له، قال ماركس ذات يوم إن لها وظائف ثلاث هي: نهب الداخل  عبر القمع - ونهب الخارج  عبر الحرب - وإقامة المشاريع الكبرى، فلم يبق منها اليوم غير نهب الداخل، الذي ما انفك يتزايد ويتعاظم، للتعويض عن ضياع وظيفتيها الثانية  نهب الخارج بالحرب والثالثة: إقامة المشاريع الكبرى: وسيلتها إلى الانفراد بملكية الأرض وتاليا بعوائد عمل المنتجين، التي جعلها عجزها عن إقامتها تتفنن في نهب الداخل: مصدر تمويل طبقتها ومجتمعها الخاص، وفي إحلال الريع الخارجي، الآتي من وضع نفسها في خدمة من يدفع لها ويحافظ عليها، محل نهب الخارج بالحرب، خاصة وأنها، بشرعيتها المستمدة إما من غياب مواطنيها عن الشأن العام بما هو شأنهم الخاص، أو من الخارج، تقوقعت على ذاتها وفقدت القدرة على مبارحة داخلها: المكان الوحيد الآمن في نظرها، كما لم تعد قادرة على خوض الحروب في الخارج، بينما لم يترك النهب والإفقار اللذان تمارسهما على مواطنيها فوائض تتيح قيامها بمشاريع كبرى.

لن أتحدث، هنا، عن النتائج المتنوعة والخطيرة، التي ترتبت على هذا التشوه، فهو يستحق حديثا خاصا يجب أن يفرد له، في مرة قادمة!.

' كاتب وسياسي من سورية

==========================

الموقف السوري قبالة إسرائيل

حسين نورالدين حموي

3/31/2010

القدس العربي

التاريخ يعطينا الحكمة من خلال تجربته الغنية لسنا ضد السلام هذه العبارة الآخّاذة التي يوحي معناها بكل خير و لكن واقعها الحقيقي لا ينبّئ إلا بكل ما هو عكس ذلك .

إسرائيل اليهودية لا تقبل و جود طرفٍ مستقلٍ بذاته و قوته و إمكانياته و خصوصاً حولها ولو كانت فعلاً نواياها سلميّة تجاهنا نحن السوريين لكانت أعادت الجولان سابقاً عندما كانت الضغوط الكبرى للواقع العسكري على الكيان الصهيوني في أوجها .

و هناك سرٌّ معلن أن الكيان الصهيوني يتعامل ليس فقط بصلافة و إنما بوقاحة أيضاً مع أي طرف آخر غير يهودي من منطلق الاعتداد بالقوة أولاً و ثانياً برغبة فرض مايريده من دون أن يتنازل ولو بأدنى درجات التنازل .. حتى التواضع أمام الحق الصريح يُعتبر بعرف الكيان الصهيوني ضعفاً .

التجربة تؤكد ذلك ..

أمريكا الولايات المتحدة الحليف الأول ل (إسرائيل ) لا تجرؤ أن تتعامل مع الكيان الصهيوني بأي أسلوب أو سياسة لا يرغبها و لا يوافق الكيان الصهيوني أو بالأحرى اللوبي اليهودي عليها مسبقاً .. هل نتذكرعلى سبيل المثال لا الحصر بيل كلنتون و ماحصل معه و هل نتذكر عندما هدد نتن ياهو سابقاً بحرق واشنطن .. لماذا ؟

لسنا ضد السلام سياسياً و لكن التجربة التاريخية التي نعيها تماماً نحن السوريين هذه التجربة المُدعَّمة بخبرة سياسية و عسكرية و أمنية تاريخية أيضاً أن الكيان الصهيوني و يهوده في العالم ليسوا بوارد أن يتركوا دولة عربية بسلام و خاصة دولة مثل سوريا وقفت وما زالت تقف موقفاً كان و مايزال له آثاره السلبية و ربما الكارثية على الكيان الصهيوني .

إسرائيل تحمّل سوريا مسؤولية أغلب الهزائم السياسية و العسكرية و النفسية التي منيت بها و تهدد وجود (إسرائيل) على المدى النسبي الطويل .

و عندما يكون التهديد يطال وجود ( إسرائيل ) فحينها يكون التهديد موجهاً ليس فقط ل ( إسرائيل ) بحد ذاتها و إنما لمشروع صهيوني عالمي مركزه و ركيزته ( أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل.(

هل نأمل نحن السوريون أن ينسى يهود إسرائيل و العالم أن سوريا وقفت بحزمٍ و ثبات في وجه مصالح ومطامع إسرائيلية قريبة و بعيدة .. مباشرة و غير مباشرة ؟

هل نأمل أنهم فعلاً ليسوا بوارد الانتقام منّا دولة و شعباً عاجلاً أو آجلاً ؟

و هل هناك فيما بين أيدينا من حقائق التاريخ أن بني إسرائيل تسامحوا و سامحوا و عفوا وصفحوا عمّن وقف معادياً لهم حتى ولو كان منطلق العداء أساسه الخلاف السياسي و ليس المبداً العقيدي الذي لايقبل المهادنة و موقف اسرائيل و اليهود عموماً هو أصلاً موقف عقيدي لا يقبل المهادنة بأي شكل من الأشكال ولذلك فالقاعدة القائلة أن مواجهتنا ل إسرائيل هي مواجهة وجود و ليست مواجهة حدود هي قاعدةٌ عقيدية لنا ولعدونا الصهيوني .

إسرائيل و أبناؤها في العالم لا يواجهون عدوّهم بالحرب إلا عندما يكونوا قد ضمنوا أن لاتكون خسارتهم كبيرة و لذلك فهم بمكرهم التاريخي المعروف يتبعوا أسلوب الإستدراج لخصمهم آملين أن يجردوا خصمهم من عوامل و أسلحة قوته ثم ينقضوا عليه من دون رحمة .

الموقف السوري الذي تحميه القوة هو الموقف الوحيد الناجع قبالة العدو الإسرائيلي و حقده التاريخي و جبروته الشيطاني .

كاتب سوري مقيم في السويد

==========================

نصر نتنياهو الأجوف

باتريك بيوكانان - «انفورميشن كليرنغ هاوس»

الدستور 31-3-2010

"لقد بنى الشعب اليهودي القدس قبل ثلاثة آلاف عام ، والشعب اليهودي يبني القدس اليوم. القدس ليست مستوطنة. إنها عاصمتنا".

 

بهذا الإعلان الذي يتسم بالتحدي ، وبتصفيق مدو في مؤتمر لجنة الشؤون السياسية الأميركية الإسرائيلية ، كان بنيامين نتنياهو يقول للولايات المتحدة أن القدس الشرقية ، التي أخذت من الأردن في حرب الأيام الستة ، ليست أرضا محتلة. هي أرض إسرائيلية وستبقى لإسرائيل إلى الأبد ، ولن تتقاسم الدولة الفلسطينية القدس. وأن إسرائيل وحدها هي من يقرر ما يبنى ، وأين ، في المدينة المقدسة.

 

مع هذا الإعلان ورفض التراجع عن قرار بناء 1600 وحدة سكنية جديدة في القدس الشرقية ، الذي انفجر خلال مهمة بايدن في المنطقة ، يعود "بيبي" إلى الوطن وقد انتصر على باراك أوباما.

 

لكنه احتفال مؤقت بالفوز ونصر مخادع - على حليف إسرائيل الأساسي. ذلك أن الصدام كشف النقاب عن أن مصالح إسرائيل الحيوية الملموسة تتعارض الآن مع المصالح الحيوية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

 

الأمر واضح أمامنا. هناك الآن اختلاف واضح مثل الشمس بين سياسة الولايات المتحدة والسياسة الإسرائيلية يمكن للعالم كله أن يراه. ولا يمكن لأميركا أن تتراجع دون أن تقضي على مصداقيتها في العالم العربي والإسلامي.

 

ما هي النقاط الرئيسة للخلاف؟

 

بالنسبة لنتنياهو ، كان الانسحاب من غزة خطأ استراتيجيا فادحا أدى إلى سيطرة حماس وإطلاق الصواريخ على إسرائيل. هذا الخطأ الفادح لن يتكرر مع الضفة الغربية. كانت إسرائيل قد أمضت وقتا صعبا حيث أجبرت ثمانية آلاف يهودي على مغادرة غزة ولن تجبر 250 ألف يهودي على مغادرة أرض الأجداد في الضفة الغربية لإنشاء دولة فلسطينية حيث سيكون هناك احتمال دائم لفوز حماس بالانتخابات وتصبح هي الحكومة. أما بالنسبة للقدس ، فحدود المدينة هي الآن حدود إسرائيل الدائمة. ضمها لا يمكن التراجع عنه.

 

الموقف الأميركي؟

 

الضفة الغربية ، بما في ذلك القدس الشرقية ، هي أراضْ محتلة. البناء هناك ينتهك القانون الدولي. السلام يتطلب تقسيم القدس ، وإعادة كل الضفة الغربية تقريبا وانسحاب المستوطنين اليهود منها. وأي أرض ضمتها إسرائيل يجب أن يتم تعويضها بأرض إسرائيلية وأن يتم التخلي عنها للفلسطينيين.

 

الموقف الأميركي هذا ليس موقفا معاديا لإسرائيل إنما تثبته حقيقة أن رؤساء الوزارءإ يهود باراك وإيهود أولمرت اقتربا من السلام مع الفلسطينيين بناءً على تلك المبادئ.

 

على أي حال ، نتنياهو لا يقبل بها. فقد فاز برئاسة الحكومة برفضه لها ، وفي ائتلافه الحاكم هناك أحزاب لم تعارض الانسحاب من غزة فحسب ، بل يعارضون قيام دولة فلسطينية.

 

نظرا لاستحالة التعامل مع الوضع ، والوصول إلى طريق مسدود ، لماذا لن تنتصر إسرائيل كما تنتصر دائما في مثل تلك الصدامات؟ لماذا لن يكون "رفض" بيبي لطلب أوباما بوقف بناء المستعمرات وإلغاء الوحدات السكنية ال 1600 في القدس هو الجواب النهائي الذي لا تراجع عنه والذي يجب على أوباما قبوله على مضض؟

 

الجواب: هناك طرف جديد في النزاع: جيش الولايات المتحدة ممثلا بشخص الجنرال ديفيد بترايوس.

 

وفقا لما جاء في مجلة السياسة الخارجية ، في شهر كانون الثاني ، فقد تم أرسال وفد من كبار المسؤولين من فرقة بترايوس لإطلاع رئيس هيئة الأركان المشتركة الأدميرال ميتشل مولن على الأمر.

 

وجاء في تقرير الوفد أن "هناك إدراكا متزايدا بين القادة العرب بأن الولايات المتحدة لم تكن قادرة على التصدى لإسرائيل ، وأن القيادة المركزية الأميركية لمعظم القواعد الجماهيرية العربية قد فقدت الإيمان في الوعود الأميركية الأميركية ، وأن العناد الإسرائيلي حيال النزاع العربي - الفلسطيني كان يعرض موقف الولايات المتحدة في المنطقة للخطر ، وأن (جورج) ميتشل نفسه كان عجوزا جدا ، وبطيئا جدا ، ومتأخرا جدا".

 

أوصل مولن تلك الرسالة القاسية للبيت الأبيض مباشرة - يُنظر إلى أميركا باعتبارها ضعيفة جدا للتصدي لإسرائيل ، وأن الوضع العسكري الأميركي يتآكل في العالم العربي نتيجة لذلك. لهذا السبب ، عندما عومل جوزيف بايدن بقسوة في إسرائيل ، من الواضح لأنه انتقد بيبي في جلساته الخاصة.

 

وفقا للتقارير ، قال بايدن لنتنياهو "لقد بدأ هذا الأمر يعرضنا للخطر. ما تقومون به هنا يقوض أمن جنودنا الذين يقاتلون في العراق ، وأفغانستان والباكستان".

 

جاء في صحيفة يديعوت أحرونوت أيضا: "قال نائب الرئيس لمضيفيه الإسرائيليين أنه بما أن العديد من الناس في العالم الإسلامي أصبحوا يدركون الصلة بين أعمال إسرائيل وسياسة الولايات المتحدة ، فإن أي قرار بشأن البناء يقوض الحقوق الفلسطينية في القدس الشرقية يمكن أن يكون له تأثير على الأمن الذاتي للجنود الأميركيين".

 

كان بايدن يقول: إن التعنت الإسرائيلي يمكن أن يكلف أرواحا أميركية.

 

كل تقرير جديد عن توسع الإستيطان ، وكل إستيلاء جديد على الممتلكات الفلسطينية ، وكل اصطدام جديد في الضفة الغربية بين الفلسطينيين والجنود الإسرائيليين يشعل الشارع العربي ، ويذل حلفاءنا العرب ، ويظهر أميركا كدولة ضعيفة لا يمكنها التصدي لإسرائيل ، ويعرض جنودنا ومهمتهم في أفغانستان والعراق للخطر.

 

بما أن الجنرال بترايوس قام بتسليم هذه الرسالة الآن لرئيس هيئة الأركان ، لا يمكن لأوباما ببساطة التراجع مرة أخرى. فإذا لم يدافع الآن عن مصالح الولايات المتحدة ، التي عرضتها الأعمال الإسرائيلية للخطر ، سوف يخسر دعم جنوده.

لقد وصلت العلاقات الأميركية الإسرائيلية إلى لحظة "إلى أي جانب أنت؟". إما أن يتراجع بيبي هذه المرة - أو يخسر أوباما جنوده.

==========================

لماذا تجرأ أوباما قليلا على نتنياهو؟

ياسر الزعاترة

الدستور

31-3-2010

قيل الكثير بخصوص الإهانة التي تعرض لها نتنياهو من قبل الرئيس الأمريكي أوباما خلال لقائهما في البيت الأبيض ، وهو ما يستحق بعض التفسير في ضوء الحقائق الموضوعية في الأروقة الأمريكية.

 

من المؤكد أننا لا نتحدث عن إهانة من العيار الثقيل ، لا سيما حين نتذكر كيف تسابق رموز السياسة الأمريكية على خطب ود الرجل والتأكيد على العلاقة الإستراتيجية بين الدولتين ، ومنهم نائب الرئيس ووزيرة الخارجية ، فضلا عن رئيسة مجلس النواب.

 

لم يرشح الكثير من حيثيات اللقاء الذي استمر لتسعين دقيقة بين الرجلين ، لكن ما لا ينبغي إنكاره هو أن ثمة قدرا من التوتر بين الطرفين ، وهو أمر يستحق التفسير في ظل حقائق موضوعية تقول إن حصة نتنياهو في الكونغرس الأمريكي هي أكبر من حصة أوباما ، وأن هذا الأخير لا يمكنه تغيير نمط العلاقة الإستراتيجية بين البلدين بأي حال ، حتى لو أراد ذلك أو آمن به ، مع أن الأمر لا يبدو كذلك تبعا لطموحه الطبيعي في الحصول على ولاية ثانية.

 

ما يفسر هذا الأمر ابتداء هو حاجة الإدارة الأمريكية إلى مجاملة الوضع العربي على مشارف القمة التي عقدت في سرت ، وحيث كان من الضروري دعم أصوات "الاعتدال" ودفعها إلى التأكيد على نظريتها في إحراج العدو أمام القوى الدولية ، وذلك بدلا من الانسياق خلف أصوات التصعيد ، وهو ما حصل بالفعل كما يعرف الجميع.

 

على أن الجانب الأكثر أهمية في هذا السياق إنما يتعلق بتوجهات واضحة وربما حازمة لدى البنتاغون خلاصتها أن أي تصعيد في الملف الفلسطيني ستكون له تداعياته على الجنود الأمريكان في العراق وأفغانستان ، وسيكون له تأثيره الكبير على عموم المصالح الأمريكية في المنطقة ، ما يعني ضرورة العمل على منعه بكل الوسائل الممكنة.

 

هذه الحقيقة هي التي رددها غير واحد من كبار المسؤولين الأمريكيين ، حيث قال نائب الرئيس جو بايدين للإسرائيليين أثناء زيارته الأخيرة بالنص: "ما تفعلونه هنا يمس بأمن جنودنا الذين يقاتلون في العراق ، في أفغانستان وباكستان. هذا يعرضنا للخطر ويعرض سلام المنطقة للخطر" ، بينما أقرّ قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال ديفيد بتريوس أمام أعضاء في مجلس الشيوخ بأن التوترات الحالية بين إسرائيل والفلسطينيين لها تأثير بالغ على القوات الأميركية العاملة في العالم الإسلامي ، مؤكدا أن جيش بلاده يراقب تلك التطورات عن كثب.

 

في مواجهة شيوع هذا الخطاب ، لم يكن أمام نتنياهو سوى الرد عليه في كلمته أمام "الإيباك" ، حيث قال بحسب صحيفة هآرتس "كراهية الإسلام المتطرف للغرب لا تنبع من أعمال إسرائيل ، بل هو يكره إسرائيل بسبب الغرب. الإسلام المتطرف يرى إسرائيل كموقع متقدم للحرية. أن تقاتل إسرائيل أعداءها فإنها تقاتل أعداء أميركا".

 

من هنا تحفل الصحافة الإسرائيلية كل يوم بمقالات وتحليلات تطالب نتنياهو بتسوية الأمر مع الإدارة الأمريكية ، مع تذكيره بأولوية المواجهة مع المشروع النووي الإيراني ، ولعل ذلك هو ما دفع هذا الأخير إلى تكرار القول بأن ما يفعله في القدس هو ما فعله الأسلاف ، وأنه لا يبتدع خطا جديدا ، وأن القدس هي عاصمة الدولة وليست مستوطنة ، وكل ذلك في سياق استنفار يهود الولايات المتحدة من أجل مساندته.

 

هنا يكمن مأزق أوباما في التعاطي مع هذا الملف ، فلا هو قادر على تحدي اللوبي الصهيوني ، ولا هو قادر على تجاهل مواقف البنتاغون والجنرالات الذين وعد بالاستماع عليهم في سائر الملفات ، ولعل ذلك هو ما يفسر مواقف رموز إدارته المجاملة لنتنياهو مقابل بعض التشدد من طرفه.

 

لو كان الوضع العربي بعافية ، لكان بوسعه التقدم خطوات إلى الأمام بدل استمرار المراهنة على غضب أوباما ، وهو غضب يعلم المعنيون تمام العلم أن نتاجه لن يتجاوز السعي من أجل إنشاء عملية تفاوض بشروط معينة تنفس الوضع الفلسطيني والعربي ، بينما لا تنتج شيئا على الأرض ، اللهم سوى تكريس مسار الدولة المؤقتة أو السلطة تحت الاحتلال ، فيما يتواصل الاستيطان والتهويد ، حتى لو جمّد لبعض الوقت من أجل المجاملة ، معطوفا على "حوافز" من اللون المعروف (تخفيف حواجز ، إفراج عن معتقلين ، نقل صلاحيات أمنية في بعض المدن) ، وهي حوافز لا تكلف الصهاينة سوى بعض الجدل الداخلي العابر.

==========================

أوروبا والعقد الضائع

تيتو بويري (أستاذ الاقتصاد بجامعة بوكوني في ميلانو) الراية القطرية

الرأي الاردنية

31-3-2010

لا تعترف بالفشل أبداً، وكلما وجدت نفسك على وشك تفويت هدفك، فما عليك إلا تأجيل الموعد النهائي .

يبدو أن هذه القاعدة البسيطة، والتي كانت متبعة إلى حد كبير في أوروبا الشرقية في أيام الاشتراكية، أصبحت اليوم تتمتع بشعبية كبيرة بين البيروقراطيين في الاتحاد الأوروبي في بروكسل.

في الرابع والعشرين من مارس 2010، سوف يتم نقش ما أدركه المراقبون الأوروبيون منذ أمد بعيد على الصخر: فقد فشل الاتحاد الأوروبي في تحقيق أهداف النمو الاقتصادي، والكفاءة، والتحديث التي تم تحديدها في لشبونة منذ عشرة أعوام. وبدلاً من التحول إلى الاقتصاد الأكثر نشاطاً على مستوى العالم ، فإن الاتحاد الأوروبي يخسر الأرض الآن.

إن الفجوة في الدخول الفردية بين بلدان الاتحاد الأوروبي الخمسة عشر الأصلية (البلدان الأعضاء قبل انضمام بلدان ما بعد الشيوعية في عام 2004) نسبة إلى الولايات المتحدة باعتبارها مرجعاً بالنسبة للعديد من الأهداف تظل بلا تغيير عند نسبة 30-40%، بعد التعديل وفقاً لمعادل القوة الشرائية.

والواقع أن الاتحاد الأوروبي بالكامل لم يحقق أياً من الأهداف الكمية السبعة عشر التي تم تحديدها في استراتيجية لشبونة. وكل الأهداف الكمية التي أضيفت في وقت لاحق من العملية لم تستخدم في الأساس إلا لتغذية البيروقراطية الوطنية التي تعمل على إعداد الخطط في إطار ما أطلق عليه طريقة التنسيق المفتوح .

وبدلاً من البحث في الأسباب التي أدت إلى هذا الفشل العام، فإذا بالاتحاد الأوروبي يصدر الآن وثيقة تدعو إلى أهداف طموحة جديدة لعام 2020. ويبدو أننا سوف نتمكن لعشرة أعوام أخرى من استئناف الأحاديث والأحلام الكبيرة.

ولكن ماذا فشل في استراتيجية لشبونة؟ كل شيء في الأساس والأسلوب في المقام الأول. إن وضع القواعد من دون الاستعانة بأي آليات مراقبة وتنفيذ ليس أكثر من خطب بلاغية جوفاء.

والواقع أن ضغوط الأقران التي كان من الواجب أن تمارس في أسلوب التنسيق المفتوح كانت تشكل أداة قوية لممارسة حماية الأقران في تبرير التأخر في بلوغ الغايات والأهداف.

ثانياً، كانت الأهداف ذاتها خاطئة، وكانت أكثر مما ينبغي. ولقد أحصى هؤلاء الذين حاولوا بشجاعة إعداد قائمة بها ما يزيد على المائة هدف.

والمبرر الوحيد لمثل هذه القائمة الطويلة هو أن كل حكومة تستطيع أن تزعم أنها حققت هدفاً واحداً على الأقل أو الغنيمة التي تستطيع أن تستعرضها أمام شعبها.

فضلاً عن ذلك فإن الأهداف كانت تشتمل في الأغلب على سياسات لا تتطلب أي تنسيق يتجاوز الحدود الوطنية، مثل السياسات العمالية، ورعاية الطفل، ومعاشات التقاعد. ومن ثَم، الأسلوب الناعم وغياب العقوبات التي كان من الواجب أن تُفرَض على البلدان التي تعمل على عرقلة العملية.

فضلاً عن ذلك فإن تحديد الأهداف بوجه عام تم على أساس النتائج وليس أدوات السياسة العامة. فالحكومة التي تتعرض لصدمة إيجابية تستطيع تحقيق أحد الأهداف حتى من دون القيام بأي جهد من أجل تحقيقه.

ولهذه الأسباب جميعاً فإن تأجيل لشبونة إلى عام 2020 أمر مفروغ منه ولا يستحق التفكير العميق. وبدلاً من إهدار الوقت والمال العام لتأسيس بيروقراطية لشبونة وصيانتها، فيتعين على الاتحاد الأوروبي أن يراقب عن كثب تحقيق هذه الأهداف الوطنية والأهداف الشاملة للاتحاد الأوروبي ككل والتي تنطوي على تأثيرات مهمة تنتشر عبر الولايات القضائية.

ومن بين الأمثلة الواضحة هنا مسألة حماية البيئة. فأهداف كيوتو لعام 2012 قابلة للتحقيق، وأي تأخير من جانب دولة واحدة في التحرك في هذا الاتجاه من شأنه أن يعرض الجهود المبذولة في بلدان أخرى للخطر.

ومن بين الأمثلة الأخرى مسألة توزيع الطاقة. إن الاتحاد الأوروبي ما زال بعيداً كل البعد عن إنشاء سوق موحدة للطاقة، وهو الأمر الذي يزيد من التكاليف التي تتحملها الشركات والأسر ويقلل من كفاءة استخدام الطاقة.

وهنا سنجد حجة قوية لوضع أهداف شاملة للاتحاد الأوروبي بدلاً من تحديد أهداف وطنية وفرض عقوبات على البلدان التي لا تحرر أسواقها.

وهناك أهداف أخرى يمكن تحديدها بدلاً من ذلك على مستوى الاتحاد الأوروبي، ومكافأة البلدان التي تساهم بأكبر قدر ممكن من الجهد من أجل تحقيقها.

ومن بين هذه الأهداف العمالة الماهرة المهاجرة. فالحق أن أوروبا تخسر في السباق العالمي من أجل الفوز بالمواهب، فضلاً عن ذلك فإن الركود العالمي يوفر الفرصة لإعادة تصميم جغرافية رأس المال البشري.

إن سياسات الهجرة الانتقائية وتوفير البيئة المواتية للمواهب، والمدعومة على المستوى الأوروبي، من الممكن أن تعمل بشكل كبير على تحسين توازن الهجرات الماهرة، والذي ظل حتى الآن بالسلب أو عند مستوى الصفر في بلدان الاتحاد الأوروبي.

وهناك رصيد يقرب من 300 مليون خريج يمكن البناء عليه، وطبقاً للأدلة القاطعة، فإن هؤلاء الخريجين يتجاوبون بشكل جيد مع التغيرات الطارئة على الحوافز الاقتصادية فيما يتعلق باختياراتهم للمواقع.

وفي هذا السياق، فإن المواهب تذهب إلى حيث تجد الكتلة الحرجة من فرص العمل. وكثيراً ما ينتقل الناس كقوة مجمعة في البحث عن الوظائف الجيدة. ومع تراجع الوجهات الشعبية للهجرة مثل الولايات المتحدة وكندا في مجال الإنفاق على الأبحاث والتعليم العام ومواجهة الحاجة إلى رفع الشرائح الضريبية العليا، فإن أوروبا لديها فرصة سانحة لاجتذاب المهاجرين المهرة والحد من الهجرة الجماعية للباحثين الأوروبيين.

حتى الآن، لم تحرز عملية البطاقة الزرقاء نجاحاً كبيراً، وكان ذلك راجعاً إلى غياب الحافز لدى كل بلدٍ على حِدة لتنسيق سياساته. ولكن ماذا لو كان حصول الباحثين الوطنيين على الدعم مشروطاً بتبني سياسات الهجرة الانتقائية؟ إن هذا سوف يشكل الخطوة الأولى الجادة نحو تأسيس سوق موحدة للعمالة في أوروبا.

وإذا كان لأوروبا أن تتخذ مثل هذه الخطوات، فإنها لن تكتسب هيئة أرض إعادة التوزيع فحسب، بل وسوف تتحول إلى مكان حيث تولى البيئة الرعاية اللازمة، وحيث يتسم توزيع الطاقة بالكفاءة، وحيث تجد المواهب المكافأة التي تستحقها.

==========================

سياسة أوباما: الحب القاسي!

بيان العبداللات

alabdullat.b@gmail.com

الرأي الاردنية

31-3-2010

كان المعلق الأميركي الراحل جيمس رستون يقول ان الخلاف بين أميركا واسرائيل هو «شجار عاشقين». وليس خارج المألوف أن ينتهي الشجار الأخير باستقبال الرئيس باراك أوباما لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد أيام من إهانة تل أبيب لنائبه جو بايدن. ولا خارج التوقعات أن يرد نتنياهو على أربعة أمور طلبتها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بعد توبيخه في اتصال هاتفي بالمرونة في الشكل والتصلّب في الجوهر. فالتسليم بالبحث في قضايا الحل النهائي في المفاوضات غير المباشرة مشروط بأن يبقى ، من دون التوصل الى تفاهمات، متروكة للمفاوضات المباشرة. والاستيطان في القدس الذي كان عنوان الخلاف هو مشروع استراتيجي التزمته حكومات اسرائيل جميعاً ولن تقدم أية حكومة على وقفه، مهما اعترفت أميركا وأوروبا والرباعية الدولية والجامعة العربية.

 

ذلك أن نتنياهو يكرر في واشنطن أمام مؤتمر الإيباك ما قاله في الكنيست: (القدس ليست مستوطنة بل عاصمتنا، والبناء فيها مثل البناء في تل أبيب). والواقع أن اسرائيل «مستوطنة كبيرة». فلا الاستيطان سوى تعبير واضح يكشف الغموض الديبلوماسي في عملية التسوية. ولا الخلاف على إقامة 1600 وحدة سكنية في القدس سوى رمز لخلاف على التسوية التي ترفضها حكومة نتنياهو.

 

ولم يشفع للوزيرة كلينتون ما أعلنته أمام مؤتمر الإيباك عن «حب» إسرائيل والتزام أمنها ودعمها المبني على الصخر. ولا زحزح حكومة نتنياهو عن موقفها المتعنت المخاطر التي أشارت اليها كلينتون في غياب التسوية، والأسباب والمصالح التي تفرض الذهاب إليها. من ازدياد الكره لأميركا في العالمين العربي والاسلامي إلى التطورات التكنولوجية عبر الصواريخ والديموغرافية عبر استمرار الاحتلال التي تشكل مخاطر على اسرائيل نفسها. ومن تهديد حياة الجنود الأميركان في العراق وأفغانستان إلى اعتبار التسوية محطة إجبارية على طريق المواجهة مع المشروع النووي الايراني، وبالتالي مع نفوذ طهران في المنطقة.

 

إذ ليس في اسرائيل، على كثرة أحزابها، سوى حزبين، كما يقول البروفسور في الجامعة العبرية برنارد افيشاي في مقال نشرته النيويورك تايمز: (الحزب الذي ترهبه خسارة اسرائيل الكبرى، أي حزب المستوطنات، والحزب الذي ترهبه عزلة اسرائيل الدولية، أي حزب أميركا). وما يفعله نتنياهو هو اللعب بين الحزبين لكن قاعدته في حزب المستوطنات.

 

والسؤال هو: ما الذي يفعله الرئيس أوباما؟ هل يتراجع كالعادة أمام نتنياهو واللوبي الصهيوني، بحيث يقوي حزب المستوطنات أم يمارس فعلاً ما سماه سياسة «الحب القاسي» بالضغط على نتنياهو، بحيث يقوي حزب أميركا؟ تلك هي المسألة.

==========================

ميركا وإسرائيل تستغفلان العرب

الياس سحاب

السفير

31-3-2010

لان أميركا، منذ العام 1967، لا تعترف بأن احتلالا إسرائيليا قد وقع على الأراضي العربية، فتلغي كلمة الاحتلال في وصف هذه الأراضي، وتتبنى بذلك التسمية الإسرائيلية لها: «المناطق».

ولأن أميركا تراقب وتلاحظ، أن إسرائيل لا تنفك منذ العام 1967، تهوّد ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية، وخاصة القدس، من دون أن يقوم العرب بأي ردة فعل موازية، إلا الصراخ الفارغ الأجوف، على طريقة «أسمع جعجعة ولا أرى طحينا».

ولان ثلاثة وأربعين عاماً قد مرت على هذا السياق، لم يفعل فيها العرب عمليا إلا انسحاب الأنظمة الرسمية من مسؤوليات الصراع العربي  الإسرائيلي، ولم تشعر الولايات المتحدة يوماً أن مصالحها الحيوية في المنطقة العربية قد أصابها أي ضرر، أو صدر حتى أي تهديد كلامي أجوف بإلحاق الضرر بهذه المصالح.

لكل هذه الأسباب مجتمعة، ولأسباب أخرى مكملة، توصلت عبقرية التحالف الأميركي  الإسرائيلي الى أبسط الحلول، وأشدها سذاجة، لمشكلة إصرار إسرائيل على بناء المستعمرات في الضفة الغربية (وخاصة القدس)، مع احتمال أن يؤثر ذلك على مسيرة المفاوضات المزعومة، واحتمال أن يؤثر ذلك بالتالي على المصالح الأميركية في المنطقة العربية اذا تواصل الإصرار على الموقف الإسرائيلي. وهو حل في غاية البساطة والسذاجة كما قلنا. قالت واشنطن لتل أبيب: استمروا في استعمار الضفة الغربية والقدس ما طاب لكم، بشرط وحيد، هو ألا تعلنوا عن ذلك.

ثم التفتت واشنطن الى الأنظمة العربية الرسمية، وعلى رأسها السلطة الفلسطينية قائلة: الآن، هيا الى المفاوضات، بلا قيد أو شرط، وبلا أي التزام مسبق من قبل إسرائيل باحترام الشرعية الدولية على الأقل.

طبعا، لم تعتمد واشنطن قبل اختيار هذا الحل السحري العجيب على سذاجة العرب فقط  وقد اختبرتها طويلا  بل اعتمدت على تجارب العقود الثلاثة الأخيرة من الصراع، التي كان الخط البياني العام لها يشير الى انه كلما أمعنت إسرائيل في عنادها وفي مواصلة التهويد الشرس لما تبقى من أرض فلسطين، أمعنت الأنظمة العربية الرسمية في الإقبال على كل ما من شأنه أن يكرس حالة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، درجة درجة، وبقدر يضمن عدم استفزاز أو استدراج أي تحرك شعبي عربي، قد يقلب هذا الوضع الساكن السائد، رأسا على عقب.

لقد وصل الدلع السياسي بإسرائيل حد توجيه صفعات متتالية لنائب الرئيس الأميركي، ولمبعوث الرئيس الأميركي الشخصي للشرق الأوسط، وللإدارة الأميركية بكامل هيئتها، ومع ذلك، كان رد الفعل الأميركي الرسمي، المسارعة الى فتح أبواب البيت الأبيض أمام بنيامين نتنياهو، رمز التطرف الصهيوني، مع تأمين برنامج مقابلات حافل له، يشمل الصف الأول في طاقم الإدارة الأميركية، إضافة الى لقاء احتفالي مع منظمة «ايباك»، رأس اللوبي الصهيوني الضاغط دائما وأبدا على الإدارة الأميركية.

هذا عن الموقف الرسمي الأميركي، أما الموقف الرسمي العربي، فلم تصدر عنه أي إشارة حياة أو إشارة وجود، رغم مرور أيام على الإعلان عن استغفالهم الكامل على أيدي أميركا وإسرائيل، وهو استغفال قائم ومستمر، على أي حال، منذ أربعة عقود متواصلة.

كلمة السر الأميركية في هذا المسار، هي المصالح الأميركية، فما دامت هذه المصالح مصونة، وما دام خطر أي تحرك شعبي عربي يهددها ما زال بعيدا (برأي واشنطن)، فإن بوسع التحالف الأميركي  الإسرائيلي أن يفعل ما يشاء بأرض فلسطين وبحقوق شعبها وبمصير العرب كلهم، ما دام استغفال العرب ممكنا، وقابلا للاستمرار عقدا وراء عقد.

==========================

هل تتأثّر الصورة الثلاثية في دمشق

بفعل الكلام على "حزب الله" والمحكمة ؟

هيام القصيفي

النهار

31-3-2010

ماذا تغيّر منذ ان ظهرت صورة القمة الثلاثية في دمشق الى ان بدأ التصوير الثلاثي البعد في بيروت، ومن دون ان تظهر حتى الآن صورة النائب وليد جنبلاط في العاصمة السورية؟

في خضم الهروب الى الامام الذي كانت تعيشه الساحة اللبنانية، بالبحث العقيم في التعيينات والانتخابات البلدية والملفات اللبنانية – السورية، أوحت اجواء سياسية ان لا خطوات مستعجلة على خط المحكمة، ولا قرار ظنيا قبل نهاية السنة، وان المفاوضات السورية السعودية طوت هذه الحقبة، وان الوقت متاح حاليا للانصراف الى متابعة التحضيرات الاسرائيلية لاحتمالات حرب في المنطقة.

لكن فجأة انفجر ملف المحكمة الدولية معيدا الامور الى النقطة الصفر حيث كانت قبل خمسة اعوام، وراسما سقفا عاليا من المخاوف حول مصير الوضع الداخلي. في وقت يختصر احد المسؤولين الامنيين الغربيين في مجلس خاص الوضعَ اللبناني الحالي بأنه يقترب من حافة الخطر. وحذّر من التقاهم ان ثمة استحقاقات داهمة، متسائلا عن قدرة لبنان على تحمل العاصفة التي تهب حاليا من باب المحكمة الدولية.

ورافقت هذه التحذيرات معلومات تتداولها مراجع امنية عن ان لبنان عاد ساحة تجاذب سياسي يمكن اي طرف الافادة منه، وان الحد المطروح اليوم يراوح بين احتمالات عدة، إما عودة لبنان الى 7 ايار او 12 تموز 2006، وإما – كما تسرب من معلومات امنية – احتمال حدوث عمليات اغتيال تتناول شخصيات رفيعة ضمن لائحة ضيقة ومن اكثر من اتجاه سياسي، وصولا الى الحديث عن تهديد "اليونيفيل" بعدما جرى الحديث سابقا عن حاملي الجنسية الاجنبية واحتمال تحويلهم رهائن، بما يذكر بفترات سوداء من الحرب اللبنانية.

مع بداية الحديث عن امور تقنية بحتة حول فريق عمل التحقيق الدولي وتصويره مسرح جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أعلن الوزير السابق وئام وهاب استدعاء فريق التحقيق عناصر من "حزب الله" الى التحقيق. فاجأ الخبر اوساط المعارضة والاكثرية على السواء، وخصوصا ان مصدره ليس الاكثرية او حتى محسوبين عليها، انما احدى شخصيات المعارضة المحسوبة على سوريا، واستتبع الأمر بحملة من شخصيات سياسية واعلامية في المعارضة على دور ما ل"حزب الله"، في لعبة كرست زج اسم الحزب في عملية لم تتبنّها المحكمة الدولية ولم يصدر بعد قرار ظني فيها. واخطر ما في الامر ان الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله اضطر الى الدخول على خط سجال اعلامي وسياسي، لا يزال من دون اسس واضحة، وكأن الاستدراج لزج اسم الحزب نجح لبنانيا بعدما نجح في "در شبيغل" الالمانية وصحيفة "الموند" الفرنسية، وحتى في كتاب السلسلة الفرنسية البوليسية "لائحة الحريري".

من هنا بدأت الاسئلة تطرح حول عما وراء الخبر، وهل ثمة ايحاء سوري للحديث عن الاستدعاءات، في محاولة لتقديم فواتير مسبقة واثمان لإبعاد سيف المحكمة عن دمشق؟

تعيد اوساط سياسية رسم المشهد اللبناني منذ اغتيال الحريري، والتداعيات التي تركها تشكيل المحكمة الدولية. ففي الاشهر الاولى التي تلت الاغتيال، كانت سوريا في قفص الاتهام، ولم يكن ثمة اشارة ولو مبطنة الى دور ل"حزب الله" في العملية لا من قريب ولا من بعيد، بل ثمة من اعتبر حينها ان الحزب، كان يكرس بتنظيمه تظاهرة 8 آذار تحت عنوان "شكرا سوريا" مفهومَ الدور السوري في التدهور اللبناني الذي اسفر عن خروج الجيش السوري من لبنان.

الا ان تسلسل الاحداث تباعا، طرح مخاوف من ان تكون المحكمة اداة لعقاب فريق لبناني، الامر الذي دفع الطرف الشيعي الى تسجيل مواقف تصعيدية، اولا من خلال الانسحاب من الحكومة يوم اغتيال النائب جبران تويني، ثم الذهاب الى طاولة الحوار لمناقشة تداعيات القرار 1559، الذي نص على حل الميليشيات، والذي أعادت المعارضة بعد تشكيل الحكومة المطالبة بإلغائه ليطوى الملف مجددا.

بعد اشهر قليلة على انطلاق الحوار اندلعت حرب تموز، التي رأت التقارير الامنية الغربية حينها انها ذريعة سورية لابعاد شبح المحكمة عنها، وصولا الى استقالة الوزراء الشيعة في تشرين 2006، ثم الاعتصام في كانون الاول لمنع صدور قرار انشاء المحكمة عن الحكومة، واصداره عن مجلس الامن، وهو الامر الذي حصل فعلا.

ومع كل خطوة تصعيدية كانت المحكمة الدولية تسير بعملها في صورة تصاعدية، الى ان جاءت حوادث 7 ايار بعد سنة ونصف سنة على اعتصام بيروت، لتعيد خلط الاوراق مجددا، في ضوء التحضير للانتخابات النيابية وما اسفرت عنه من نتائج واعادة تموضع لجنبلاط، وانفتاح سوري - سعودي تكرس بزيارة رئيس الحكومة سعد الحريري دمشق.

في هذه الاجواء، بدأ الحديث عن رغبة سعودية في ابقاء سيف المحكمة بعيدا عن لبنان، وخصوصا ان للرياض دورا اساسيا في تمويل المحكمة منذ اللحظة الاولى، وضرورة حصر تداعياته. لكن تجربة المحاكم الدولية في يوغوسلافيا ورواندا، بحسب ما كتبته المدعية العامة كارلا دل بونتي والناطقة الاعلامية باسمها فلورانس آرتمان اثبتت ان مسار المحكمة القضائي لا يمكن التراجع عنه ولو ضغطت الدول المعنية، ناهيك بأنه سبق للحريري ان رفض الخضوع للضغط السعودي، حين جرى الحديث سابقا عن زيارة قام بها النائب علي حسن خليل ومسشار نصرالله حسين خليل للرياض.

وفق هذا المسار ما هو المرتقب؟

تختلف رؤية القوى السياسية عن تلك التي تتعامل بها المراجع الامنية، لكن الطرفين يعتبران ان لبنان دخل مبكرا في نفق، يتطلب تجاوزه عقلا لبنانيا راجحا وجهودا اكثر من استثنائية لتحييده عن مطبات امنية، فيما تعيش المنطقة ادق لحظاتها في الملف الايراني وتداعيات الخلاف الاميركي – الاسرائيلي حول معالجته، الامر الذي يخشى معه ان يدفع طرف ما ثمن اي تسوية وان تكن مرحلية.

وعلى هذا، لا تثق بعض القوى بامكان ان تنجح سوريا في تحييد نفسها تحييداً كاملا عن سيف المحكمة، تحت وطأة الحوارات التي تجريها مع واشنطن واوروبا والسعودية وتركيا، ولا سيما انها توجه اشارات متناقضة، فهي تارة تقول على لسان الرئيس بشار الاسد ان المحكمة الدولية "بازار"، ويعيد تقديم نفسه صاحب كلمة في وضع "حزب الله" بعد قمة دمشق، ثم يكشف احد حلفائها عن استدعاء المحكمة لعناصر من "حزب الله" الى التحقيق، الى درجة سؤال بعض القوى الاساسية عما اذا كان ثمة رغبة في ان يدفع الحزب ثمن تسوية ما، والى اي حد يمكن الحزب بما يملك من قوة عسكرية وامنية ان يسمح بأن يكون كبش محرقة في صراع اقليمي وداخلي.

من هنا جاء فتح ملف المحكمة في شكل مبكر والحديث عن قرب الاستدعاءات الى لاهاي، ليطرح اسئلة عن الاحتمالات الموضوعة، من احتمال انفجار الوضع الحكومي من الداخل او الذهاب بالوضع الامني الى اقسى السيناريوات، التي لا يمكن لبنان ان يتحملها. وهذا يطرح السؤال استطرادا: كيف يمكن ان تواجه القوى السياسية رد الحزب على لسان امينه العام، على محاولة اتهامه، وأولهم جنبلاط المتموضع تحت وطأة 7 ايار قرب الحزب، الى الاكثرية التي قاد الرئيس فؤاد السنيورة مسار مطالبتها بالمحكمة، وصولا الى دعوته اخيرا الى تجنب الحديث عنها في بيان البريستول في 14 آذار "لان مسار المحكمة ماشي ولن يوقفه احد".

==========================

إسرائيل جزء من مشكلة أميركا ؟

سركيس نعوم

النهار

31-3-2010

اثناء الحرب الباردة، بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، انتهجت الاولى سياسة اقامة تكتلات وتحالفات سياسية وقواعد عسكرية في عدد من المناطق الاستراتيجية في العالم وذلك بغية تحقيق توازن مع الثاني يمنعه من توسيع نفوذه على حسابها ويمهد لازالته من موقع المنافس لها على الزعامة العالمية. وقد حققت الولايات المتحدة كل اهدافها بواسطة استراتيجيا التوازن ولواحقها. وكان آخرها انهيار الاتحاد السوفياتي وزوال المعسكر الشرقي الشيوعي من معظم مناطق العالم. بعد انتهاء الحرب الباردة عادت الولايات المتحدة الى العمل لتحقيق توازنات في مناطق عدة في العالم وخصوصاً حيث يسود التوتر والنزاعات والحروب المرشحة للتوسع. فهل نجحت في ذلك؟

طبعاً لا احد يستطيع اعطاء جواب نهائي وحاسم عن هذا السؤال الآن لأن زعامة اميركا الاحادية للعالم اربكتها اكثر مما اراحتها وهددت مصالحها اكثر مما حافظت عليها، وذلك ربما بسبب فوضى انهيار النظام العالمي الثنائي وعدم نجاح الولايات المتحدة في ارساء نظام عالمي بديل منه. لكن ما يستطيعه البعض ومعظمه من الباحثين والخبراء الاميركيين المشهود لهم هو درس وضع اميركا في منطقة من العالم تشكّل بمحاورها المضطربة والمفتوحة على الاشتعال خطراً كبيراً على مصالحها، ومحاولة البحث عن افضل السبل لحماية المصالح الاميركية اذا كان ذلك ممكناً. انطلاقاً من ذلك اخذ هؤلاء الباحثون المنطقة التي تسمى الشرق الاوسط مجازاً، ربما لأنها اوسع منه بكثير، فلاحظوا وجود ثلاث مناطق مهمة ومتوازنة اذا جاز التعبير، ويُفترض ان تبقى كذلك كي تستمر المصالح الحيوية الاميركية بعيدة من الخطر. المنطقة الاولى، هي منطقة التوازن العربي – الاسرائيلي. والثانية، هي منطقة التوازن العراقي – الايراني. والثالثة، هي منطقة التوازن الهندي – الباكستاني. والهدف الاميركي في هذه المناطق الثلاث المذكورة هو الاستقرار بفضل تبادل اللاعِبَيْن المتواجِهَيْن في كل منها تعطيل الآخر او تحييده.

لكن هؤلاء الباحثين والخبراء لاحظوا امراً آخر مهماً هو انهيار اثنتين من مناطق التوازن الثلاث المذكورة اعلاه. فالغزو الاميركي للعراق عام 2003 اسقط نظام صدام حسين لكنه اخفق في اقامة بديل قوي منه في سرعة، ولا يزال الاخفاق مستمراً، وبذلك سقط التوازن وصارت لايران الكلمة الاساسية في العراق وامتلكت القدرة على زعزعة الاستقرار في جوارها وخارجه. والتوازن الهندي – الباكستاني مهدد بالسقوط ايضاً في اي لحظة. فالأوضاع داخل باكستان غير مستقرة وقد يؤدي ذلك الى انهيار النظام وتالياً الى فوضى وحرب اهلية او ربما الى حكم عسكري جديد. وساعد في ذلك، اضافة الى عوامل داخلية معروفة، ما يجري في افغانستان التي كانت اداة في يدها وخصوصاً ايام حكم "الطالبان" لها. ويبقى التوازن الثالث اي الصراع العربي – الاسرائيلي. وهو لا يزال مستقراً وإن في حده الادنى. فاسرائيل التي هي حليف استراتيجي لاميركا تهدد هذا الاستقرار اليوم، علماً انها هددته سابقاً، عبر رفض حكومة بنيامين نتنياهو الكثير من الاقتراحات الاميركية لمعاودة المفاوضات مع السلطة الفلسطينية. ويهدده في الوقت نفسه رفض الفلسطينيين واستطراداً العرب "البصم" على السياسة الاسرائيلية الرافضة فعلياً اي سلام جدي مع الفلسطينيين. ويهدده ثالثاً التوتر الاسرائيلي – الايراني والعربي – الايراني واحتمال انفجار الوضع العسكري في المنطقة على نطاق واسع سواء بحرب اسرائيلية ضد غزة او لبنان او ايران او بحرب ايرانية ضد اسرائيل سواء مباشرة او عبر غزة ولبنان. وهذه تطورات لا تريدها اميركا وتحديداً ادارتها الحالية لأنها تهدد مصالحها الحيوية والاستراتيجية، ولأنها قد تجعل من اسرائيل دولة مسيطرة على جوارها بل على العرب. وذلك ايضاً غير مقبول اميركياً رغم التحالف الاستراتيجي المزمن بين واشنطن وتل ابيب. لذلك كله فإن ما تريده اميركا اليوم من اسرائيل هو عدم زعزعة الاستقرار لأنه سيعقّد امورها واوضاعها في كل الشرق الاوسط الكبير.

هل تتجاوب اسرائيل مع اميركا؟

لا يمكن التكهن بالتطورات من الآن، يجيب الباحثون والخبراء الاميركيون انفسهم. لكنهم يعرفون ان اميركا بالنسبة الى اسرائيل هي بوليصة تأمين على الحياة اي الوجود. وهي تعرف ذلك. ويعرفون ايضاً ان اسرائيل نتنياهو تعتقد ان اميركا تحتاج اليها لإقامة التوازن في المنطقة ولذلك فإنها لا بد ان تتسامح معها إزاء اعمال معينة مرفوضة ومُحرِجة اميركياً. لكن المشكلة ان اسرائيل التي كانت دائماً جزءاً من الحل في المنطقة في استراتيجيا اميركا قد تصبح جزءاً من المشكلة في نظر اميركا اذا لم تراع المصالح الاميركية. وربما توفّر تركيا الديموقراطية نوعاً من البديل من اسرائيل في عملية التوازن هذا اذا أصر حكامها على تشددهم وتفتتهم. الا ان اسرائيل، يلفت الخبراء والباحثون الاميركيون، تعرف انها رغم قدرتها حالياً على الاستغناء عن اميركا لا تستطيع ان تستغني عنها على المدى الطويل لأنها عاجزة وحدها عن احتمال اي تهديد جدي لوجودها ولدورها الشرق الاوسطي.

==========================

أوروبا في مواجهة وكالات التصنيف وصناديق الائتمان

لوموند

ترجمة

الأربعاء 31-3-2010م

ترجمة: منير الموسى

الثورة

خلال جولته الأوروبية لم يطلب رئيس وزراء اليونان ولو سنتاً واحداً لتخفيف العجز في بلاده، بل طالب برد أوروبي موحد على المضاربين وصناديق الائتمان ووضع شروط للائتمان موحدة في جميع دول أوروبا.

وتقود أزمة الموازنة الأخيرة في اليونان إلى الجدل حول دور الاتحاد الأوروبي ومستقبله، ولاسيما أن معظم وسائل الإعلام تتحدث عن مشكلات الموازنة في اليونان على أنها قضية داخلية من دون انتقاد المسؤولين الفعليين عن هذه الحال، وتبتعد وسائل الإعلام عن قصد أو دون قصد عن إثارة الرأي العام واطلاعه على المأزق الحقيقي الذي تعاني منه أوروبا لأسباب خارجية.‏

اليونان لم تكن قطعاً وراء الأزمة بل هي ضحية لها كغيرها من البلدان الكثيرة التي تعاملت مع المصارف الأميركية على أساس الثقة، وعلى أثر قضية الرهن العقاري وقعت ضحية احتيال دولي لم يسبق له مثيل، حيث كان مصرف ليمان براذرز أحد المسببين الأساسيين لها،ولهذا رزحت دول عديدة تحت الديون وكبلت نفسها بها لإنقاذ مصارفها وشركات التأمين لديها، وبالتالي اقترضت أكثر فأكثر بنية فرض الاستقرار في نشاطها الاقتصادي وإطلاق النمو مرة أخرى.‏

وبناء عليه انتهزت وكالتا التصنيف الأنجلو-أميركيتان ستاندر آندبورز وموديز آند فيتش الفرصة لزيادة أرباحهما بتصنيف البلدان ذات المديونية الكبيرة بدرجة سيئ وزيادة تكلفة الإئتمان المستحقة عليها، فكانت النتيجة أنه على الرغم من وجود معايير اقتصادية موحدة في جميع دول منطقة اليورو من جهة العجز أو المديونية إلا أن تكلفة الائتمان الضروري لتمويل الإصلاحات البنيوية والاقتصادية فيها غدت تختلف من بلد إلى آخر بسبب وكالات التصنيف التي ترفع أو تخفض من درجة المخاطر، علماً أن الوكالتين المذكورتين سبق لهما أن تلاعبتا في التصنيفات ولاسيما عندما صنفتا مصرف ليمان برذارز بدرجة ممتاز قبل إفلاسه بأيام قليلة.‏

وبناء على ما تقدم فإن ألمانيا تقترض من الأسواق بمعدل 4٪ تقريباً على حين أن اليونان على أثر تصنيفها راحت تقترض بمعدل 6٪ أو 7٪، وبذلك فإن تصنيف الشركتان لهما تصنيفاً منخفضاً أدى إلى وقوعها في عجز وصل إلى 12،7٪ من ناتجها القومي الإجمالي، علماً بأن سقف العجز المقبول لمنطقة اليورو يبلغ 3٪ فقط، بينما العجز في الولايات المتحدة وصل إلى زهاء 11٪ في ناتجها القومي الإجمالي والرقم ذاته في إسبانيا وإيطاليا.‏

أما العجز في فرنسا فبلغ 9٪ وتخطى في بريطانيا 12٪ وفي إيرلندا بلغ 14٪ على حين أن الدين في اليونان وصل إلى 113٪ ويقترب من المعدل في إيطاليا التي بلغ فيها 120٪ وهو يتجاوز معدل الدين في الولايات المتحدة 100٪ ولكنه أقل عن معدله في اليابان 200٪.‏

وفي النهاية أساءت وكالتا التصنيف لليونان التي تعرضت بسبب ذلك إلى ضربات صناديق الائتمان التابعة لبلدين لديهما خبرات هما الولايات المتحدة وبريطانيا اللتان مؤشراتهما الاقتصادية ليست أفضل بالتأكيد.‏

ويبدو جلياً أن الهدف من هذه الضربات هو زعزعة استقرار منطقة اليورو ولا شك أن المضاربين يقفون بالمرصاد الآن لإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وإيرلندا من خلال الآليات المالية التقنية التي تضعها صناديق الائتمان إضافة إلى وكالات التصنيف وتصنيفاتها.‏

وبناء على ذلك تتضح الصورة، فالمصارف وصناديق الإئتمان ووكالات التصنيف الإنجلو أميركية هي التي تقود اللعبة في الأسواق الدولية عن طريق تشجيع المضاربات ومعاقبة الدول الأوروبية من أجل الربح وضرب استقرار منطقة اليورو.‏

فما دور أوروبا في كل ذلك إذاً؟ لا دور لها لأن المتداولين في مصارف أوروبية عديدة يستغلون إلى حد بعيد هذا الوضع عن طريق المضاربة لإفلاس الدول الأوروبية، والنموذج الأوروبي لا يعني لهم شيئاً قياساً إلى الأرباح التي تجلبها المضاربات، ولذلك فإن أوروبا بحاجة إلى خطة إنقاذ.‏

==========================

ديمقراطية أمريكا

آخر تحديث:الأربعاء ,31/03/2010

ميشيل كيلو

الخليج

من الصعوبة بمكان الحديث عن الديمقراطية في أمريكا، ليس لأن لها بنى وسمات خاصة تميزها عن بقية بلدان الرأسمالية/ الغربية وحسب، بل كذلك لاختلاف ممارسات مواطني أمريكا عن مواطني هذه البلدان، وتباين علاقاتهم مع الدولة والمؤسسات السياسية، المختلفة بدورها عن مثيلتها الأوروبية، سواء في هياكلها أو في وظائفها .

 

يقوم نظام الحكم الأمريكي على ركيزتين توازن كل واحدة منهما الأخرى هما: السلطة التشريعية ممثلة في مجلسي النواب والشيوخ، والسلطة التنفيذية، المتركزة حول الرئاسة . أما المبدأ الناظم لعلاقات السلطتين فهو الرغبة في تقييد السلطة التنفيذية وضبط جموحها المحتمل في بلد عملاق يملك إمكانات هائلة . هذا التقييد هو ما تعلمته أمريكا من تجربة روما القديمة، ودول أوروبا الحديثة، وخاصة تجربة الثورتين البريطانية والفرنسية، على ما بينهما من تباين وفروق . يدير الرئيس الأمريكي النظام بالتعاون مع الكونجرس، السلطة الموازية والموازنة، التي تملك من الصلاحيات ما يتيح لها ضبطه، في حين يملك هو قدرات دستورية وعملية تمكنه من تحقيق ما يريد، ضمن علاقة مع الكونجرس تتسم بالتنازع والتوافق في معظم الأحيان والحالات . يكتسب الرئيس وزنه من كونه، مثله مثل الكونجرس، منتخباً من الشعب أيضاً، فهو يستمد الشرعية من الجهة التي تضفيها على السلطة التشريعية . وفي حين يمتلك الرئيس أجهزة مساعدة ذات نفوذ ودور مقررين في إدارة وحفظ الدولة، كالجيش والشرطة والبيروقراطية، يمتلك الكونجرس صلاحيات تمنحه سلطات تجعل منه مرجعية الدولة في مسائل مهمة كإعلان الحرب والتوصل إلى السلام، رغم وجود مواصفات عملية وقانونية متنوعة تقيد حريته حتى لا يتحول إلى مصدر للاستبداد التشريعي، وتمكن الرئيس من تفاديه أو القفز من فوقه، وخوض الحرب من دون إعلان، خاصة إن كانت له أغلبية حزبية فيه، إذ خاضت أمريكا حرب فيتنام من دون إعلان رسمي، ومن دون موافقة مسبقة من الكونجرس .

 

عندما تنظر إلى الدولة الأمريكية تظن أنه لا يوجد في أمريكا مجتمع، وعندما ترى المجتمع تعتقد أنه لا توجد فيها دولة . هذا القول لماركس يعطي فكرة عن نمط ثان من التوازن هو التوازن في أمريكا بين الدولة والمجتمع . تتمركز السلطة الأمريكية حول الرئيس، فهي جد مركزية، وتتصل حصرا بمصالح وشؤون الاتحاد، الذي يجب على الرئاسة الحفاظ عليه وإدارة أموره والتوفيق بينها . أما إدارة المجتمع، وخاصة شؤون الولايات المحلية، فهي غير مركزية، بما أن أمريكا دولة اتحادية، مكونة من مجموعة ولايات/ دول، يختار المجتمع حكامها، إلى جانب دوره المهم في إدارة شؤونه المباشرة وتقرير نمط وشكل حياته .

 

هناك، أخيراً، نمط ثالث من التوازن، يقوم بين الفرد من جهة وبين الدولة والمجتمع من جهة مقابلة . أمريكا بلد ديمقراطي منضبط من فوق، تراقب حركاته وسكناته أجهزة جبارة وقادرة، تضبط كل شيء في الأوضاع العادية، وتتدخل بطرق عنيفة في مراحل التوتر الاجتماعي والأزمات الاقتصادية . لكنها أيضا بلد حريات فردية وشخصية تكاد تكون بلا قيود، خاصة في حالات السلام والتوازن الاجتماعي والاقتصادي . ثمة، في أمريكا، فضاء داخلي مفتوح وواسع يتحرك الفرد فيه بحرية تحت أعين أجهزة تسهر على تصرفاته، التي غالباً ما تكون شرعية، إن هي اتفقت مع القانون، وغير شرعية إن تعارضت معه . في الحالة الأخيرة، تكون يد السلطة شديدة، علماً بأن العلاقات مع جهات تنفيذية وتشريعية، مركزية ومحلية، وجو الحرية الواسع يشجع على مخالفة القانون وفتح ثغرات فيه، كما يشهد على ذلك نشاط وتاريخ الشركات الكبرى والمافيا . عند الالتزام بالقانون، لا تتدخل الدولة في شؤون الفرد، حتى ليظن المرء أنها غير قائمة في أمريكا، بينما يفسح المجتمع مجالاً واسعاً للحراك الفردي، فلا يرتطم الأفراد داخل فضائهم الخاص ارتطاماً عدائياً بعضهم مع بعض أو مع المجتمع والدولة، ويحافظون على السلامة العامة، وهي مفهوم يحتل مكانة مميزة من عقل أمريكا كمجتمع مهاجرين يخشى خطر التصدع . هذه الحرية الفردية والشخصية مقدسة في نظر الأمريكي، ومع أنه تم تقييد جوانب منها لبعض الوقت، خلال حقب معينة، فإنها حامل الحياة العامة الأمريكية، القائمة على الحرية في كل شيء، بما في ذلك أكثر الأمور غرابة وخطورة كتشكيل منظمات مسلحة بأسلحة ثقيلة وسيطرة المافيا والعصابات المسلحة على أحياء ومدن بكاملها . ومع أن الدولة قد تتدخل لحجب الحرية عن قطاعات أو أشخاص بعينهم، فإنها لا تقوض أسس الحرية المتعارف عليها، وإن كانت قد بدأت تضيق حرية بعض الفئات، بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول عام 2001 . بالمقابل، تشوب ديمقراطية أمريكا عيوب ونواقص متنوعة منها:

 

وجود قوى مؤثرة جداً في المجتمع الأمريكي، تتصرف بمقدرات اقتصادية هائلة الحجم وتمارس دورا مقررا بالنسبة إلى مجمل النظام، كما تؤخذ مصالحها بعين الاعتبار في كل تدبير أو قرار، مع أنها لا تكاد تخضع لأية رقابة، بسبب سيطرتها العميقة على مفاتيح ومراكز الحياة العامة من مدارس وجامعات ووسائل إعلام ولجان نيابية ومؤسسات صناعية ومرافق عسكرية ومراكز أبحاث وابتكار . هذه القوى تعمل خارج النظام، رغم أنها فاعلة فيه، وتقرر، بما لها من قدرات، مصالحه العليا . إنها الشركات الرأسمالية عابرة الأمم والبلدان، التي تحد من مجال حركة ونفوذ الدول القومية في مناطق عديدة من العالم، وتلعب أدواراً كانت بالأصل من اختصاص الدولة، لكنها لا تنضوي، كقوى، ضمن النظام الديمقراطي، ولا تخضع بالضرورة لمعاييره الداخلية وللقوى الفاعلة فيه، بل هي فوقها أو خارجها .

 

إلى جانب هذه القوى، توجد في أمريكا مصالح وتكوينات تقوم إلى جانب المصالح والتكوينات القانونية والشرعية، الممسكة بمفاصل الحياة العامة والشخصية . هذه القوى والتكوينات “الفرعية” تفيد من هوامش الحريات الواسعة، ومن الثغرات القانونية، ونقاط الضعف الإدارية، وتناقضات وتوازنات المؤسسات التنفيذية والتشريعية، والتهافت على الثروة والثراء، وتلعب دورا مؤثرا في الحياة العامة، بما في ذلك خلال اختيار كبار ممثليها وقادتها وانتخابات الرئاسة، لتمارس دورها خارج القانون، أو للإفادة من عيوبه وثغراته .

 

من الصعب نقل تجربة أمريكا الديمقراطية إلى خارج الولايات المتحدة، باستثناء ما يتصل منها بالحرية الفردية والشخصية . إنها تجربة تقوم على توازنات تتطلب مهارة خاصة في إدارتها، كثيرا ما تكون لحظية وتختلف من حالة لأخرى . وبالنظر إلى صعوبة أو استحالة إعادة إنتاج هذه التوازنات خارج أمريكا، فإن التجربة الأمريكية تبقى خاصة ببلدها وفريدة في نوعها، فلا معنى إطلاقا لاتهام أنصار الديمقراطيين العرب بالرغبة في استنساخ هذه التجربة في بلدانهم، لاستحالة ذلك .

 

ليست أمريكا بلداً ديمقراطياً بمعنى الكلمة . إنها بلد حريات واسعة وتعقيدات سياسية وإدارية تتم معالجتها بصورة علنية وقانونية غالباً، بما يعزز التوازنات داخل دولة قوية القبضة، وبينها وبين مجتمعها المستقل نسبيا عنها والمفتوح، وبين هذا وبين الفرد الحر . إنها خلطة من ديمقراطية أثينا الحرية الفردية وروما الحكم القوي وفرنسا الثورية المجتمع المدني الحر . يفسر هذا سر قوتها، ويبين نقاط ضعفها، ويجعلها تجربة فريدة وغنية ووطيدة، أكثر من أية تجربة أخرى عرفتها الديمقراطية الحديثة .

==========================

ثلاثية الهجرة والتوسع والاستيطان

آخر تحديث:الأربعاء ,31/03/2010

فيصل جلول

الخليج

في 27 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1967 عقد الجنرال شارل ديغول مؤتمراً صحافياً شهيراً علق خلاله على نتائج حرب حزيران/يونيو وقد انطوى على تقدير للتطورات اللاحقة كان صائباً في قسمه الأكبر وهو يلقي أضواء كاشفة على ما يدور هذه الأيام في فلسطين .

 

قال الرئيس الفرنسي الراحل “ . . طرح قيام وطن صهيوني لليهود (في فلسطين) خلال الحربين الأولى والثانية وقيام دولة “إسرائيل” بعد الحرب في حينه عدداً من المخاوف والتساؤلات حتى لدى بعض اليهود حول إنشاء هذه الدولة وما إذا كان سيتسبب بصراعات لا نهاية لها .

 

وكان البعض يخشى على (مصير) اليهود الذين كانوا حتى ذلك الحين مشتتين، ولكنهم ظلوا كما كانوا على مرِّ التاريخ شعباً من النخبة واثقاً من نفسه ونازعاً للغلبة . . وكانت القوى (العظمى) التي وافقت على إقامة هذه الدولة تأمل في أن يجد (الكيان) وسيلة للتعايش السلمي مع محيطه، إلى أن اكتشفنا في العام 1956 دولة “إسرائيلية” حربجية مصممة على التوسع . وقد عمدت من بعد الى مضاعفة عدد سكانها عبر الهجرة وكان ذلك يوحي بأن الأراضي التي حصلت عليها(بقرار التقسيم ) لن تكفيها لوقت طويل وأنها ستبادر الى التوسع عندما تحين الفرصة المناسبة .

 

لذا تخلت الجمهورية (الفرنسية) الخامسة عن الالتزامات التي تعهد بها النظام السابق (الجمهورية الرابعة) تجاه هذه الدولة . . طبعاً حافظنا على علاقات ودية مع “إسرائيل” والتزمنا ببيعها السلاح الذي تحتاج إليه للدفاع عن نفسها، وقلنا للعرب إن هذه الدولة هي أمر واقع ولا نسمح بتدميرها . . .في 2 حزيران يونيو جاءنا ابا ايبان (وزير الخارجية) وقلت له إذا تعرضتم للاعتداء لن نسمح بتهديم دولتكم وإذا بادرتم للقتال سندين مبادرتكم . طبعا أنتم أقلية في محيطكم لكنكم موحدون ومنظمون ومسلحون أفضل بكثير من العرب، ولا أشك في أنكم ستحققون نجاحات عسكرية ولكن ستتحملون كل السلبيات الناجمة عن هذه النجاحات . ومع الأسف لم يسمع صوت فرنسا . واليوم تنظم “إسرائيل” احتلالها للأراضي التي احتلتها وستلجأ الى القمع والاضطهاد والتهجير وستنهض ضدها مقاومة (فلسطينية) وستسمى المقاومة بالإرهاب . . إن الحل الوحيد يكمن في التخلي عن الأرض التي استولت عليها “إسرائيل” بالقوة وإنهاء حال العداء والاعتراف المتبادل بين دول المنطقة .”

 

يدين هذا التقدير الديغولي لتطورات ما بعد حرب حزيران (يونيو) لخبرة الجنرال الطويلة في الجزائر ولحسه التاريخي ومعرفته الوثيقة باليهود والعرب على حد سواء، ذلك أن تلازم الهجرة اليهودية وخاصة الروسية مع الاستيطان والتوسع كان يؤسس لحرب صهيونية دائمة تحمي الأرض المقضومة والمستوطنين، وإذ تلقت هذه السيرورة ضربات قاصمة في جنوب لبنان وغزة فإنها لم تردع الصهاينة عن التمدد في الضفة الغربية والقدس والجولان والتخطيط لتهجير ما تبقى من الفلسطينيين في أرضهم التاريخية قبل عام 1948 .

 

أغلب الظن أن الثلاثية الصهيونية المذكورة ما كان لها أن تصطدم بالراعي الأمريكي لولا الاستنتاج الذي خلص إليه الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات الأمريكية المركزية في الشرق الأوسط من أن مخارج الحرب في العراق وأفغانستان وباكستان مرهونة بإقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة والقطاع والقدس الشرقية، الأمر الذي يمس إلى هذا الحد أو ذاك نمط وجود “إسرائيل” . فهل توصلت واشنطن الى هذه القناعة وهل تقبل على المدى الأبعد البحث في نمط آخر للوجود والبقاء “الاسرائيليين” وهل يصح وصف نتنياهو للرئيس الأمريكي بانه اكبر كارثة يواجهها الكيان الصهيوني؟

 

ما من شك في أن العلاقة الاستراتيجية، بل المصيرية بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” تحيل سؤالاً من هذا النوع إلى خانة الهزل، وبالتالي تغلب رأي القائلين بأن الخلاف الراهن بين الدولتين تكتيكي وأن واشنطن تحتاج إلى هذا الموقف لكسب المزيد من الوقت في حروبها شرق الأوسطية ما يعني أن الرهان العربي على هذا الموقف كان ينبغي أن يكون محكوماً بطابعه لا أن يتعداه الى التمسك بالخيار الاستراتيجي للسلام وبالمبادرة العربية ورفض المقاومة كخيار بديل أو مواز .

 

ومن حسن الحظ أن القرار الذي اتخذته قمة سرت في هذا الشأن انطوى على مخرج شكلي يقضي بالعودة إلى بحث هذا الموضوع خلال أسابيع واتخاذ الإجراء اللازم بشأنه .

 

تبقى الاشارة إلى إن “إسرائيل” يمكن أن تقطع الطريق على العرب المفاوضين وعلى بترايوس وغيره عبر تغيير أو تعديل حكومي، والتظاهر بموقف مختلف يؤدي إلى استئناف المفاوضات واستئناف السيرة السابقة، ذلك أن الكيان كله مستوطنة وكل توقف للاستيطان يفضي بالضرورة إلى وضع “الشرعية” الصهيونية بين هلالين .

 

ولعل طرفين فقط يدركان جوهر هذه المعادلة حق إدراكها: المستوطنون والمقاومون العرب مع فارق كبير هو أن الطرف الأول يتولى الحكم فيما الطرف الثاني لم يصل صوته بعد وقد لايصل إلى آذان كل الحكام العرب .

==========================

دور العرب في عالم يتشكل من جديد

المستقبل - الاربعاء 31 آذار 2010

العدد 3610 - رأي و فكر - صفحة 19

محمد حلمي عبد الوهاب()

على مدار ثلاثة أيام عقد في مكتبة الإسكندرية المؤتمر السابع للإصلاح العربيّ في الفترة من 1 إلى 3 آذار تحت عنوان "عالم يتشكل من جديد... أين دور العرب؟!" وذلك بمشاركة نحو خمسمئة مثقف عربيّ. المنتدى الذي بدأ بجلسة افتتاحية لمدير المكتبة الدكتور إسماعيل سراج الدين، ناقش عبر محاوره العامة قضايا الإصلاح السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ والثقافيّ باحثاً عن دور للعرب في عالم العولمة وذلك عبر تركيزه النقاش حول مجموعة من القضايا الحاسمة.

ففي الجلسة العامة التي عقدت تحت عنوان: "العناصر الحاسمة في تشكيل العالم اليوم" والتي شارك فيها كل من: الدكتور أسامة الغزالي حرب، رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية ورئيس حزب الجبهة الديموقراطي المعارض، والدكتور حسام بدراوي عضو أمانة السياسات بالحزب الوطني الحاكم، والأستاذة آمال فرامي من تونس، والأستاذ عدنان عمران رئيس البرلمان العربيّ. خرج المشاركون بما يشبه الإجماع على أن التعليم والديموقراطية يمثلان عنصرين رئيسيين في تشكيل العالم الجديد. ثم سرعان ما دخلت على الخط عناصر أخرى على رأسها: المعلوماتية، المجتمع المدني، تمكين المرأة.

ثم توالت الجلسات اللاحقة لتبحث كيفية صنع المستقبل في عالم يتغير بسرعة فائقة، وذلك من خلال إلقاء نظرة أولية على "الأوضاع الإقليمية وحالة العلاقات العربية"، كما أفرد المنتدى جلسة خاصة لبحث مسألة التغيرات المناخية تحت عنوان "حسم غائب وموقف عربيّ غائم" حيث تساءل المشاركون عن موقف الدول العربية ما بعد كوبنهاغن؟! حيث نقد المشاركون الموقف العربي الرسمي من قضايا المناخ، خصوصاً ذلك الذي اتخذته الدول الخليجية، من اتفاقية كوبنهاغن وتقديمها الربح المالي الناتج عن الثروة النفطية على حساب قضايا المناخ.

ومن بين الجلسات المهمة تلك التي ناقشت إشكالية "تأثير العلاقات الإقليمية على حالة الحوار الداخلي" وشارك فيها مثقفون مصريون ولبنانيون وعراقيون وسودانيون برئاسة الدكتور يحيى الجمل. أيضاً شهد المؤتمر جلسة مهمة بعنوان: "دور الإعلام العربي في الخلافات العربية العربية". أما الثورة الرقمية، الموضوع الأثير لدى جيل الشباب والوسط، فكانت موضوع المحور الثالث الذي تمحور حول واقع الرقمنة في العالم العربي، وشهد جلسة مهمة بعنوان "مستقبل اللغة العربية في ظل الرقمنة"، وأخرى خصصت لمناقشة موضوع "حقوق الملكية الفكرية في ظل الرقمنة".

أما الجلسة الختامية في اليوم الثالث، فقد خصصت لعقد مناقشات واسعة حول المستقبل العربي في ظل العالم الجديد الذي بات يتشكل بسرعة جارفة تجعل من الصعوبة بمكان اللحاق به، كما تزيد من اتساع الهوة بين الدول المتقدمة والدول النامية، خصوصاً في ما يتعلق بمستوى الدخل والتقدم العلمي مع ما يصاحب ذلك من مشاكل في العالم الآخر يأتي على رأسها: قضايا الجوع والفقر، والتصحر، وندرة المياه، والتغير المناخي، وارتفاع سطح البحر المتوسط، ما يهدد أغلب الدول العربية المطلة عليه خصوصاً مصر وتونس والجزائر ولبنان والمغرب حيث من المتوقع بالنسبة لمصر بصفة خاصة أن يتسبب ارتفاع سطح المتوسط في غرق ثلث مساحة الدلتا!!

وبطبيعة الحال، تعرّض بعض المشاركين لمشاريع الإصلاح الخارجية التي طرحتها أو تبنتها قوى دولية كالولايات المتحدة الأميركية ومجموعة الثمانية وبعض دول الاتحاد الأوروبي والتي كان لها تأثير قوي في صياغة حالة الجدل العام في البلاد العربية بشأن قضية الإصلاح تحديداً سياسياً كان أم اقتصادياً.

ومما لا شك فيه أن المؤتمرات السبعة التي قامت بها المكتبة منذ أن عُقد مؤتمر الإصلاح العربيّ الأول في آذار/ مارس 2004 وتمخضت عنه "وثيقة الإسكندرية" التي شارك في وضعها 158 من المثقفين العرب، حتى الآن تعد انعكاساً لذلك الزخم العام داخلياً وخارجياً حيث انشغلت تلك المؤتمرات في مناقشة العديد من قضايا الإصلاح طارحة مجموعة من الرؤى المختلفة والأفكار التي وجدت طريقها إلى النشر من خلال مطبوعات المكتبة. ومن ثم يمكن القول إن قضية الإصلاح ومشاريعه قد أصبحت هَمّاً مطروحاً على تفكير الناس والنخب في عالمنا العربي بصورة لافتة.

هذا ومن بين الإنجازات المهمة لمنتدى الإصلاح العربيّ، مشروع "مرصد الإصلاح العربي" الذي أصدر تقريره الثاني في 248 صفحة من القطع الكبير وذلك في فصول خمسة، تناول أولها القسم المنهجيّ من الدراسة موضحاً "منهجية تصميم مؤشر الإصلاح العربيّ ونتائجه". أما الفصل الثاني من التقرير فرصد ما سماه "إدراك النخبة للإصلاح السياسيّ" مبرزاً تقييم هذه النخبة للمناخ السياسيّ السائد، ولبرامج الإصلاح السياسيّ. فيما تناول الفصل الثالث "إدراك النخبة للإصلاح الثقافيّ" متحدثاً عن مصادر التأثير الثقافيّ، وكوابح العمل الثقافيّ، ونوعية مشاركة الجمهور العربيّ في الأنشطة الثقافية المختلفة.

وأخيراً ناقش الفصل الرابع من التقرير "إدراك النخبة للإصلاح الاقتصاديّ"، حيث عرض لبرامج الإصلاح الاقتصاديّ في العالم العربي، وتداعيات الأزمة المالية العالمية على دول المنطقة، كما تحدث عن "التكامل الاقتصاديّ العربيّ بعد قمة الكويت". كما ناقش الفصل الخامس والأخير من التقرير "إدراك النخبة للإصلاح الاجتماعيّ" مبرزاً إشكالية التفاوتات المجتمعية، وموقع الجمعيات الأهلية والعمل الاجتماعيّ من عملية الإصلاح.

ومع ذلك غلب على المشاركين بالمؤتمر تفاقم الإحساس برتابة مسيرة الإصلاح في عالمنا العربيّ مقارنة بنظائرها في شتى بقاع العالم، ليس فقط على المستوى السياسيّ فحسب، وإنما أيضاً على المستوى الثقافيّ حيث يعاد إنتاج نفس الخطابات حول الإصلاح وضرورته من دون تلمس آثر له على أرض الواقع!!

() أكاديمي وباحث مصري

==========================

أوباما بدأ الآن

زين الشامي

الرأي العام

31-3-2010

نصران كبيران حققهما الرئيس الأميركي باراك أوباما في غضون أقل من أسبوع على الصعيدين الداخلي والخارجي وذلك أن بعد أن بدأ نجمه يخفت، وبعد استطلاعات للرأي أشارت إلى هبوط شعبيته إلى أقل من خمسين في المئة.

الانتصار الأول كان انتصاراً داخلياً تمثل في تصويت الكونغرس على قانون الرعاية الصحية وذلك بعد توقعات بعدم اقراره والتصويت عليه بسبب حجم المعارضين له وقوة نفوذهم في الكونغرس، وربما كانت التوقعات بعدم اقراره أقوى من التوقعات المتفائلة لدرجة أن هناك من قال ان خسارة اوباما لمعركة الرعاية الصحية تعني أنه خسر فرصة الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، ومعه خسر «الحزب الديموقراطي» حظوظه في كسب معركة الرئاسة أمام «الجمهوريين» بعد نحو ثلاثة أعوام.

لكن اوباما ومشروعه انتصرا في آخر الأمر، ولا يخفى على أحد قيمة هذا الانتصار الداخلي نظراً لأن قوة الرئيس الأميركي، أي رئيس أميركي، تبدأ أولاً من قوته في الداخل ومدى التأييد الشعبي الذي يمثله وهذا ما يعطيه الثقة اللازمة للخوض في مشاريع أخرى ومعارك جديدة مع خصومه، كما أنه يقوي من مكانته على الصعيد الخارجي.

الانتصار الآخر لأوباما كان انتصاراً خارجياً وتمثل في الاتفاق على توقيع معاهدة «ستارت» جديدة مع روسيا لخفض نحو الثلث من مخزون الأسلحة النووية الاستراتيجية في كلا البلدين. ان هذا الانتصار له قيمة كبيرة نظراً لأن اوباما قرر انتهاج سياسة الحوار مع الخصوم منذ البداية، وقد أكد الاتفاق على توقيع المعاهدة أنه من الممكن تكرار ذلك مع بلدان أخرى، وفي ملفات أخرى مثل الملف النووي الإيراني، والملف الكوري الشمالي، وربما لاحقاً قضية السلام في الشرق الأوسط.

وفي ما يخص هذه القضية، نقصد عملية السلام المتوقفة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، أو بين إسرائيل وبقية الدول العربية، بعد وصول اليمين الإسرائيلي إلى السلطة، فإن الإدارة الأميركية تدرك جيداً أن المشكلة اليوم تكمن في حليفتها إسرائيل، وفي الحكومة اليمينية نفسها وليس في الفلسطينيين أو العرب، كما كانت عليه الانطباعات في الداخل الأميركي إبان عهد الإدارة الأميركية السابقة التي لم تعر أصلاً هذا الملف الجهد والوقت الكافيين.

صحيح أن هذا الملف من أصعب الملفات التي ستواجه إدارة الرئيس الأميركي لكن لابد من الاعتراف أنه وللمرة الأولى نجد أن الولايات المتحدة تتخذ مواقف متشددة تجاه حليفتها إسرائيل، وتبلغ العلاقة الثنائية بينهما درجة كبيرة من الاختلاف وربما التدهور رغم سعي المسؤولين في كلا البلدين لانكار ذلك واستبعاده.

في هذا السياق، ظهر الكثير من المؤشرات في الآونة الأخيرة تثبت أن شيئاً كبيراً قد بدأ ينكسر في العلاقة الأميركية - الإسرائيلية، وأن مرحلة ما قبل اوباما هي غير ما بعدها، ولعل المثال الساطع على ذلك هو حجم التحريض في داخل إسرائيل ضد الرئيس الأميركي وتصويره كما لو أنه نصير للعرب والفلسطينيين، ونعته بالرئيس الأسود، وغيرها من الممارسات التي تؤكد أن اوباما ليس بالرئيس السهل وأنه لن يوافق اليمين الإسرائيلي على كل ما يقوم به وما يمارسه من تعطيل لعملية السلام.

مؤشر آخر برز في الآونة الأخيرة في الصحافة الإسرائيلية يدل على حجم الاستياء الإسرائيلي من اوباما وهو ما نقلته صحيفة «يديعوت احرنوت» عن مسؤول مقرب من نتنياهو حين وصف اوباما «بالكارثة» وهو الأمر الذي استدعى من رئيس الوزراء الإسرائيلي نفيه وتعبيره عن تنكره منه والاستياء مما تنشره الصحافة الإسرائيلية.

ما يجب قوله والتأكيد عليه هو أن الرئيس اوباما لا يملك عصا سحرية لحل أزمة الشرق الأوسط بين العرب والإسرائيليين، وأنه لا يمكنه أن يغير الكثير ما بين ليلة وضحاها، لكن يجب على العرب أن يكونوا منتبهين ومتيقظين جيداً لما يحصل اليوم وأن يثبتوا مهارة كبيرة في تعاطيهم مع هذه المرحلة الحرجة والجديدة في العلاقات الأميركية الإسرائيلية، خاصة وأن إسرائيل وسمعتها عالمياً ماضية في التدهور منذ الحرب على غزة مروراً بوصول اليمين الإسرائيلي إلى السلطة ووصولاً إلى قيام الموساد باغتيال محمود المبحوح، القيادي في حماس في دبي، وهو الأمر الذي تسبب بحرج كبير لإسرائيل اوروبياً ودولياً.

في عموم الأحوال، يمكن القول ان «ماكينة» اوباما قد بدأت في التحرك وما على الساسة والمسؤولين العرب إلا الانتباه إلى ذلك ومحاولة اعطاء هذه الماكينة الأهمية التي تستحق، ودفعها إلى الأمام أكثر لا وضع العراقيل أمامها بسياسات وتصريحات طائشة من هنا وهناك.

كاتب سوري

==========================

الاقتصاد يجمع ما تفرقه السياسة

الاربعاء, 31 مارس 2010

عبدالله اسكندر

الحياة

انتهت القمة العربية في سرت، قبل ثلاثة ايام، مثلما انتهت سابقتها قبل عام كامل، وكما انتهت قمم سابقة في الأعوام الطويلة الماضية. هذه المراوحة، التي في جوهرها تعني التقهقر، لم تثر حتى الإحباط لكثرة تكرارها. وحتى الخلافات التي تظهر، في فترة الإعداد للقمة، يبدو أن وظيفتها لا تتجاوز إظهار أن ثمة مناقشة تُجرى خلال الجلسات وأن تسويات يتم التوصل اليها، وأن القادة العرب الحريصين على وحدة الصف تمنكوا من التفاهم على حد ادنى. وميزة قمة سرت أنها لم تظهر حساسية ازاء هذا المظهر، فرحلت الخلافات الى قمة مقبلة.

لقد تبارى كثيرون في هجاء العمل العربي المشترك. لكن معظم هذا النقد تركز على الفشل في الوصول الى قرارات نافذة في ما يسمى القضايا المصيرية. وهي قضايا سياسية بحت تختلف الدول العربية في النظر اليها وفي طريقة معالجتها. و يتكرر بعضها، وتُضاف اليها سنوياً ازمات جديدة تتكرر هي ايضاً في جدول الأعمال. وبالتأكيد ليس من الصدف ان تكون القضايا السياسية وحدها محط اهتمام القمم العربية وإهمال شؤون اخرى لا تقل مصيرية عن السياسة، خصوصاً تلك المتعلقة بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية واستغلال الثروات والتكامل الاقتصادي.

لا بل لا يمكن تصور اي تقدم في قضايا السياسة المشتركة ما لم يتم التقدم في قضايا الاقتصاد والاجتماع. ولم يعد مجرد القول بالانتماء الى امة واحدة والشعور به قادراً على الانتقال من الخلاف الى التوافق والتزام هذا التوافق. لقد باتت القمم الى حد بعيد مناسبة، بالنسبة الى بعض البلدان العربية، هاجساً محلياً وليس هاجس عمل مشترك وتوافق.

لا بل في ظل الواقع الحالي يأخذ هذا التوافق معاني مغايرة من بلد الى آخر، تظهر مدى السعي الى الاستفادة من مناسبة العمل المشترك من اجل تثبيت الهاجس المحلي.

ولقد عبر رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بوضوح عن هذه الحال، في معرض نفيه للخلافات العربية. اذ أكَّد تعليقاً على فكرة «رابطة الجوار العربي» بُعيد انتهاء اعمال قمة سرت، «عدم وجود خلاف (في شأن هذا الاقتراح الذي قدمه الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى)... وقطر تؤيدها، ولا بد لكل الدول العربية ان تتوافق عليه». وهنا بيت القصيد في مفهوم العمل العربي المشترك. فما دام الأمر يعجبني فلا بد ان يوافق عليه الجميع، وما لا يعجبني فلا بد ان يرفضه الجميع.

وبما ان القمم المتعاقبة لا تضع في جدول اعمالها سوى القضايا السياسية التي لا تلقى بالضرورة هذا التوافق، والتي قد يكون التوافق في شأنها مفيداً لبلد، مضراً بمصلحة آخر. وهذا يصح على الموقف من المفاوضات مع اسرائيل، ومن المقاومة المسلحة لها، ومن استمرار العلاقات الديبلوماسية معها، مثلما يصح على الموقف من إيران وطبيعة العلاقة معها ومفهوم هذه العلاقة والسلوك الإيراني، مثلما يصح على كل القضايا السياسية التي ترد في جدول اعمال القمم.

بكلام آخر، لم ينتج عن السعي الى موقف موحد من القضايا السياسية اي عمل مشترك، ما دام هذا العمل يخدم مصلحة هذا البلد ويتناقض مع مصلحة ذاك. ولم تسع القمم، على كثرتها، الى الانطلاق من الأساس الصلب لأي عمل مشترك وتكاملي، اي الاقتصاد.

صحيح عُقدت قمم عربية أطلقت عليها صفة الاقتصادية. لكن هذه المناسبات تحولت في جزء منها الى السياسة وفي الجزء الآخر الى الأعمال الخيرية. اذ اقتصر الاقتصاد على إقرار مساعدات لهذا الصندوق التنموي او ذاك او التبرع لهذا البلد او ذاك. ولم تطرح مرة فكرة التكامل الاقتصادي العربي جدياً، بما هي اجراءات وقوانين تضمن انفتاح الأسواق وتنقل السلع والرساميل والاشخاص، بعيداً من التقويمات السياسية. لأن مثل هذا التكامل يقتضي ضبط النظم الداخلية على وقع شروط الاقتصاد وتحرره، بما يلغي كثيراً من القوانين التي يستخدمها الحكم لتثبيت اوضاعه، ويفرض اخرى تتيح الانفتاح، بما قد يتجاوز مصلحة هذا الحكم.

=====================

رسائل مغفلة من التوقيع

الافتتاحية

الأربعاء 31-3-2010م

بقلم : رئيس التحرير - أسعد عبود

الثورة

لم يكن فشل القضايا العربية أكثر من فشل مشاريع تحديها ومحاولة الهيمنة عليها.. بل على العكس.. وبمفهوم المخالفة..

كانت انتصاراتها « ولا وهم أو تقديرات خاطئة لدينا إذ نعرف ماتعانيه» أكثر من انتصارات مشاريع الهيمنة عليها وتصفيتها.‏

الطريق إلى النصر النهائي للقضايا العربية أقل صعوبة من الطريق إلى التصفية النهائية لها.. و«المقاومة أقرب طريق للسلام من المفاوضات بلاضمانات أو مرجعيات».‏

هذا العرض الدائم للموقف العربي وبما يسمى أحياناً «الثوابت» يحرج تجاوزه كثيرين.. لذلك مايخرج للعلن من قرارات مفاصل العمل العربي المشترك.. هو الذي يتبنى هذه الحقائق..‏

وهي رسائل موقعة دون أي احتمالات أو ارتياب.‏

بينما تدور الاوراق المغفلة من التوقيع.. أو المكتوبة بكل الألوان على أوراق ملونة. بحيث يتماهى حولها البصر ويتشتت الذهن.‏

ماخرجت به القمة العربية في سرت واضح.. يستمد قوته من وضوح مايتفق عليه العرب دون حرج من موقف المواطن أو الشارع.‏

الرسائل التي وصلت الى القمة مغفلة من التوقيع، قُرأت كما يجب أن تُقرأ.. و وضّحت كما يجب أن تُوضّح .. من أجل القدس .. من أجل غزة.. من أجل مفاوضات السلام.. من أجل رابطة دول الجوار العربي.‏

وضّحت على أساس:‏

1-أولوية الصراع العربي الإسرائيلي وتقدمه على كل ما يطرح.‏

2-مواقفنا من كل الدول تبنى على أساس موقفها من هذا الصراع أولاً وقبل كل شيء.‏

3-الدول التي تقف معنا بوضوح وعلانية في هذا الصراع «إيران» أو غيرها دول صديقة.‏

نتحاور معها كدول صديقة.. وليس كمشكلة في المنطقة.. إذ ليس من حق أحد أن يتجاهل الوجود التاريخي والجغرافي والسياسي لإيران في المنطقة.. ودورها في قضايانا الأساسية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.‏

الحوار نعم.. ودائماً .. وهو راية حملتها سورية طويلاً ونادت بها ولاتزال.. لكن.. لايمكن تحويل الحوار مع إيران إلى قضية نتلقى عليها رسائل أو نبعث منها رسائل في موقع للعمل العربي المشترك.. بما يجعل من إيران والحوار معها مشكلة.. أو قضية.‏

نحن وايران نعمل معاً.. ونحن وإيران نحاور غيرنا مدعومين بقوانا كدول المنطقة.. الدول العربية ودول الجوار العربي.‏

القمة تنشّط الذهن العربي.. وتنشّط غيره أيضاً.. فيها يتمفصل العمل المشترك بمستواه الأعلى وصورته الأوضح، سلباً وإيجاباً.. وإليها تُبعث رسائل، ومنها تصدر رسائل.. غير القرارات .. غير التوصيات.. غير الكلمات حتى إن بعض عشاق قراءة ماوراء المعلن، يرون أن المعلن هو للتغطية فقط.‏

الجيد أنه مازال ثمة مايحرج البعض في مواقفهم .. هذا يعني أنهم يقدرون خطورته.. ويريدون له غطاء .. فيسعون بطرق عديدة بينها القمة.. وبالتالي يبقى مايصدر عن القمة علناً هو وحده الذي يمثل الإجماع العربي.‏

لايستطيع أي ذهن عربي أوموجَه للعرب، أن يدعو مثلاً لمفاوضات وإسرائيل ماضية في عبثها الجنوني في القدس، لأنه يعرف موقف المواطن العربي من ذلك، فيلجأ إلى القمة أو مفصل من مفاصل العمل العربي المشترك ليوجه رسالته..‏

ما الذي يحرجهم..؟!‏

يحرجهم موقف الشارع أو المواطن العربي..‏

لايستهان أبداً بعدد ومقدرة الذين يودون أن يسقطوا من حساباتهم موقف هذا الشارع.. ولاسيما أن النصر لم يكن دائماً حليف القضايا العربية..‏

a-abboud@scs-net.org

====================

أردوغان في قمة سرت: تركيا ليست دولة حيادية

سمير صالحة

الشرق الاوسط

31-3-2010

عندما قرر عبد الله غل وكان وقتها رئيس الوزراء التركي زيارة مبنى جامعة الدول العربية الواقع في ميدان التحرير بالقاهرة في منتصف كانون الثاني 2003 ومفاجأة الأمين العام للجامعة عمرو موسى بتقديم اقتراح قبول تركيا عضوا مراقبا في المنظمة، كنا في طليعة المنتقدين لهذا الحماس والاندفاع المبالغ فيه والسابق لأوانه. فأنقرة التي كانت توصف وقتها من قبل المتشددين الإعلاميين والسياسيين العرب ب«رأس حربة المتآمرين على دول المنطقة وشعوبها» بسبب علاقاتها الاستراتيجية المميزة مع إسرائيل أولا وبسبب علاقاتها الدائمة التوتر مع جارتيها العراق وسورية لأسباب مائية وحدودية وسياسية ثانيا، كانت تحتاج إلى تقديم أكثر من مؤشر ودليل على أنها لن تكون «المتحدث باسم إسرائيل في المنظمة» كما قيل يومها.

ردود الفعل الصادرة عن الكثير من القيادات والزعماء العرب التي لم تتأخر في الانقسام حول الطلب التركي بين متحفظ ومتردد ومجموعة أخرى من المساندين لا يزيد عددها عن أصابع اليد الواحدة خيبت وقتها آمال حزب العدالة والتنمية الذي كان قد تسلم دفة القيادة لتوه في البلاد وكان يستعد لفتح صفحة جديدة من العلاقات مع العالم العربي. لكن حزب رجب طيب أردوغان لم يتراجع عن طلبه هذا رغم أن أحد الدبلوماسيين العرب وصف الطلب التركي وقتها بالنكتة التي سرعان ما ننساها بعد دقائق من سماعها ورغم أن البعض الآخر انتقد يقول: «إن قبول الطلب التركي سيعني تشجيع إسرائيل على التقدم بطلب مماثل باسم شراكتها مع أنقرة ومن منطق المعاملة بالمثل».

في قمة سرت الأخيرة كان رئيس دولة البلد المضيف العقيد معمر القذافي يقف جنبا إلى جنب مع الأمين العام للجامعة ليصفق لأردوغان وقوفا تقديرا ودعما وترحيبا وهو الذي لم يتردد قبل سنوات في قول كل ما عنده ضد السياسة الخارجية التركية في وجه الزعيم الإسلامي نجم الدين أربكان الذي دفع سياسيا ثمن ذلك باهظا. ويجدد ذلك في قمة الجزائر عام 2005 مطالبا حكومة العدالة والتنمية بمراجعة سياساتها ومواقفها المقربة من الغرب وإسرائيل تحديدا والتي تضر بعلاقات تركيا مع العالم العربي.

قد تكون قمة الخرطوم عام 2006 هي نقطة التحول في مسار العلاقات بين العرب والأتراك. فأردوغان جاء يشارك ضيفَ شرف يتابع عن قرب رغم تغيب الكثير من القيادات والزعامات العربية. وهو كان يعرف وقتها أن الموقف التركي من الحرب الأميركية على العراق لم يكن كافيا لإقناع العالم العربي بالتحول القائم في السياسة الخارجية التركية نحو الشرق والعالمين العربي والإسلامي تحديدا. وكان لا بد من تدعيم ذلك بوقفة أخرى جاءت مع العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف العام نفسه حيث فجرت أنقرة كل غضبها في وجه تل أبيب منددة بهذه الحرب التدميرية التي لا يقبل بها أي قانون دولي وأي قواعد إنسانية وأخلاقية معلنة أن التعاون مع الدولة العبرية لن يكون على حساب دول المنطقة ولن تمنح تركيا لتل أبيب شيكا على بياض تضمن من خلاله تحييد أنقرة وإبعادها عن هموم وأزمات ومشكلات المنطقة. لتكون نقطة الحسم في الموقف التركي من العدوان الإسرائيلي التدميري على غزة في مطلع 2009 وانتقال العلاقات إلى خط اللا عودة بسبب الممارسات والسياسات الإسرائيلية القائمة.

ها هو أردوغان التركي يقف أمام منبر الجامعة العربي ليطلق نداءات وتحذيرات وتهديدات لإسرائيل التي سلمته قبل أيام من قدومه إلى ليبيا شحنة من طائرات «هيرون» في محاولة لتجنب غضبه وتخفيف انتقاداته لكن كل ذلك لم ينفع. فهو جاء يحدث المؤتمرين عن وحدة القدر والمصير المشترك». قواسم مشتركة كثيرة تجمعنا وتوحدنا وتحولنا لا إلى أصدقاء بل إلى إخوة. التطاول على القدس ومحاولة إشعال النار هناك يعني تفجير المنطقة بأكملها. القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع وهي مفتاح السلام في الشرق الأوسط».

هل هي رسالة مباشرة لإسرائيل أن تركيا لم تعد دولة حيادية وأن الخطوات اللاحقة ستكون أكثر موجعة ومؤلمة باقتراب الوصول إلى نقطة النهاية في علاقاتهما عندما طالب أردوغان «برؤية نهاية الطريق لا خارطة الطريق»؟

ترحيبه أيضا بمشروع رابطة دول الجوار الإسلامي رسالة تعني العالم الغربي ومشروع الشراكة بين تركيا والاتحاد الأوروبي وربما أرادها هنا أن تكون رسالة إلى رئيسة الوزراء الألمانية ميركل المعارض الأكبر لقبول تركيا في هذا الاتحاد وهي تستعد لزيارة العاصمة التركية.

نسي أردوغان مرة أخرى أنه يستعد لمواجهة سياسية طاحنة مع المعارضة السياسية التي تتربص للانقضاض في الأيام المقبلة لإلزامه بالتراجع عن مشروع إطلاق رزمته الجديدة من التعديلات الدستورية وأنه يغامر بإطلاق خطب من هذا النوع يريد حزب الشعب الجمهوري سماع المزيد منها لتعزز ما يحاول جمعه من دلائل «تدين» العدالة والتنمية وتوقفه «بالجرم» العربي والإسلامي المشهود إذا ما سلمنا أن بعض الأقلام العربية لم تعد هي الأخرى ترى فيه أي «تهديد يحاول الاقتراب من العالم العربي باسم إسرائيل ونيابة عنها».

*كاتب وأكاديمي تركي

=====================

تقدم النساء هو تقدم البشرية.. وتقدم البشرية هو تقدم النساء

هيلاري رودام كلينتون

الشرق الاوسط

31-3-2010

قبل خمس عشرة سنة اجتمعت في بكين مندوبات من 189 دولة في مؤتمر المرأة العالمي الرابع للأمم المتحدة. لقد كان هذا الاجتماع بمثابة نداء للعمل، نداء موجه إلى المجتمع العالمي للعمل من أجل إصدار القوانين، وإدخال الإصلاحات، والتغييرات الاجتماعية الضرورية لضمان حصول جميع النساء والفتيات في كل مكان على الفرص التي هن جديرات بها من أجل تحقيق القدرات التي منحها الله لهن والمساهمة بالكامل في تقدم وازدهار مجتمعاتهن. وقد استجابت النساء حول العالم لهذا النداء.

في هذه اللحظة، في المدن والقرى والبلدان والقارات، تدير النساء الملاجئ الخاصة بالهاربات من العنف المنزلي وبرامج مكافحة الاتجار بالبشر. وهن يقمن بإنقاذ الفتيات من دورالدعارة في كمبوديا، ويخضن حملات للفوز بالمناصب العامة في الكويت، ويساعدن في معالجة النساء اللواتي يتعرضن للإصابة أثناء الولادة في إثيوبيا، ويدرن مدارس للاجئين في بورما، ويقمن بإعادة بناء المنازل في أعقاب الزلازل في كل من هايتي وتشيلي. ودون اعتراف بهن ومن دون تهويل، وفي أغلب الأحيان حتى من دون دعم يذكر، تعمل النساء من أجل تحسين نوعية حياتهن وحياة الناس جميعا.

وها هي جهودهن تتكلل بالنجاح. وتؤتي ثمارها. فهناك اليوم عدد أكبر من الفتيات في المدارس في جميع أنحاء العالم. وهناك المزيد من النساء اللواتي يعملن في الوظائف ويشغلن المناصب العامة. وقد سنت عدد متزايد من البلدان قوانين تقر للمرأة بحقوقها في المساواة، على الرغم من أن الكثير جدا من القوانين، التي تم سنها فعلا، لا تؤثر فعلا على حياتهن اليومية.

ولكن التقدم الذي حققناه لا يزال بعيدا كل البعد عن اعتباره منجزا. إذ لا تزال النساء يشكلن الغالبية العظمى بين الفقراء، وغير المتعلمين، وغير المعافين صحيا والذين يعانون من نقص الغذاء في العالم. ورغم أن النساء يشكلن الغالبية بين أعداد المزارعين في العالم، فإنهن يحرمن في أحيان كثيرة من ملكية الأراضي التي تقوم النساء كل يوم بزراعتها، أو من الحصول على الائتمان اللازم لجعل تلك المزارع مربحة. ورغم أن النساء هن اللائي يعتنين بالمرضى في العالم، فإن النساء والفتيات أقل حظا في الحصول على العلاج عندما يمرضن. ومع أنه من النادر أن تتسبب النساء في اندلاع الحروب، فإنهن دائما هن اللاتي يتحملن عواقبها وكثيرا ما يستبعدن من المشاركة في مفاوضات السلام. ولا يزال العنف ضد النساء يمثل وباء عالميا.

إن وضع المرأة في العالم ليس فقط مجرد مسألة أخلاق وعدالة، بل هو أيضا واجب سياسي واقتصادي واجتماعي. والأدلة على ذلك دامغة لا لبس فيها: عندما تكون المرأة حرة في تنمية مواهبها وتساهم مساهمة كاملة في مجتمعاتها، فإن ذلك يعود بالخير على الجميع.

فحين تكون المرأة حرة في التصويت والترشح للمناصب العامة، تكون الحكومات أكثر فعالية وأكثر استجابة لشعوبها. وعندما تتمتع النساء بالحرية في كسب أرزاقهن ولقمة عيشهن، وبدء مشاريع أعمال تجارية، عندها يصبحن القوة المحركة للنمو الاقتصادي. وعندما تمنح النساء فرصة الحصول على التعلم وإمكانية الوصول إلى العناية الصحية، عندها تزدهر أسرهن ومجتمعاتهن الأهلية. وعندما تملك النساء حقوقا متساوية تصبح الدول أكثر استقرارا، وسلاما، وأمنا. إن تحقيق المساواة للمرأة وتعزيزها هو في صلب السياسة الخارجية للولايات المتحدة. إننا نؤمن بأن المرأة تعتبر حاسمة الأهمية في حل كل التحديات التي نواجهها تقريبا، وأن الاستراتيجيات التي تتجاهل حياة ومساهمات النساء لا تتوفرأمامها فرص كبيرة للنجاح. ولذلك فإننا نقوم بدمج النساء في جميع ما نقوم به من عمل حول العالم.

في أفغانستان، تعتبر مشاركة المرأة الأفغانية في عملية صنع القرار حول مستقبل بلدها أمرا بالغ الأهمية لتحقيق التنمية المستدامة والحكم الرشيد والسلام. وهذا هو السبب الذي جعلنا ندرج ضمن استراتيجيتنا ما سميناه ب«خطة عمل المرأة» من أجل تعزيز الدور القيادي للمرأة في القطاعين العام والخاص، وزيادة فرص حصول النساء على التعليم، والصحة والعدالة، واستحداث فرص العمل للنساء وخاصة في مجال الزراعة. وباختصار، فإن المرأة تشكل أهمية حاسمة لضمان مستقبل أفضل لأفغانستان.

وتشكل المرأة نقطة اهتمام مركزية في الجهود التي نبذلها للارتقاء بمستوى التنمية كدعامة رئيسية من دعائم سياستنا الخارجية، إلى جانب الدبلوماسية والدفاع. فكما هي الحال بالنسبة للنساء اللواتي يزرعن غذاء العالم، ويجمعن الماء، ويجمعن الحطب، ويغسلن الملابس، وبصورة متزايدة يعملن في المصانع، ويدرن المتاجر، ويطلقن شركات الأعمال التجارية ويوفرن الوظائف، فإن النساء يشكلن قوة هائلة في أي نمو اقتصادي أو تقدم اجتماعي.

إن النساء هن محط تركيز ثلاث مبادرات رئيسية يجري تنفيذها في السياسة الخارجية الأميركية.

فمبادرتنا للصحة العالمية هي التزام بقيمة 63 مليار دولار لتحسين الصحة وتعزيز النظم الصحية في جميع أنحاء العالم، وإحدى أولوياتها الرئيسية هي تحسين صحة الأم والطفل.

وبرنامجنا للأمن الغذائي العالمي هو التزام بقيمة 3.5 مليار دولار لتعزيز الإمدادات الغذائية في العالم، وقدرتها على الوصول إلى الأسواق، بحيث يستطيع المزارعون كسب ما يكفي لدعم أسرهم ولكي يصبح الغذاء متاحا أمام جميع الناس في كل مكان، كما أنه يركز على دعم النساء اللواتي يشكلن الأغلبية بين المزارعين في مزارع الدول النامية.

واستجابة للتحدي المتمثل في تغير المناخ، تعهدت الولايات المتحدة بتخصيص مبلغ 100 مليار دولار سنويا بحلول العام 2020 من أجل معالجة حاجات التكيف والتخفيف المناخية للدول النامية. ففي الوقت الذي سيشعر فيه الجميع بتأثيرات تغير المناخ، إلا أن تأثيره سيكون شديدا بشكل خاص على النساء في الدول النامية لأنهن غالبا ما يتحملن مسؤولية تأمين المواد الغذائية والوقود لأسرهن. ولهذا فإن خطتنا تهدف إلى تمكين هؤلاء النساء من أن يصبحن جزءا من الحل لهذه الأزمة العالمية.

هذه المبادرات تجسد قيمة أساسية للسياسة الخارجية الأميركية وهي أن العالم لا يمكن أن يحرز أي تقدم إذا ظلت النساء والفتيات محرومات من حقوقهن وتخلفن عن اللحاق بالركب.

وهكذا، فإنه بغض النظر عما إذا كنا نعيش في نيويورك أو في نيودلهي أو لاغوس أو لاباز، فإن النساء والفتيات يشاركن في الكثير من التحديات والطموحات ذاتها. إن مبدأ مساواة النساء هو حقيقة بسيطة ثابتة لا تحتاج إلى دليل، ولكن العمل على تحويل هذا المبدأ إلى ممارسة نادرا ما يكون بسيطا. إنه يتطلب سنوات وحتى عقودا من العمل الصبور والمثابرة ليس فقط من أجل تغيير قوانين دولة ما، بل وأيضا من أجل تغيير عقلية الناس، ومن أجل دمج الحقيقة غير القابلة للمناقشة حول قيمة المرأة وحقوق المرأة، في الثقافة والتقاليد وفي الخطاب العام وفي وجهات النظر الخاصة. في عام 1995، أعلن العالم وبصوت واحد أن حقوق الإنسان هي حقوق المرأة وأن حقوق المرأة هي حقوق الإنسان. واليوم، يجب علينا أن نقول دوما وبصوت واحد إن تقدم المرأة هو تقدم البشرية وإن تقدم البشرية هو تقدم المرأة.

==================

الغطرسة الإسرائيلية وتداعياتها أميركياً

بقلم :د.منار الشوربجي

البيان

31-3-2010

 كنت في الأسبوع الماضى قد عرضت للأزمة التي طرأت على العلاقات الأميركية الإسرائيلية، منذ زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل، التي أعلن الإسرائيليون خلالها عن بناء 1600 وحدة سكنية جديدة في القدس الشرقية، وتناولت الجهد الكبير الذي بذله لوبي إسرائيل في الولايات المتحدة، لاستعادة السيطرة على أجندة الشرق الأوسط في واشنطن.

 

فليس سراً أن خطة عمل «إيباك» لهذا العام، كانت تقوم على أن تتصدر تلك الأجندة قضيتان؛ الأولى هي المشروع النووي الإيراني، والثانية هي مكافحة الحملة الدولية لنزع الشرعية عن الاحتلال وفضح ممارساته.

 

لذلك اعتبر لوبي إسرائيل أن الخلاف الإسرائيلي الأميركي بخصوص الاستيطان، يمثل عرقلة لتلك الأجندة ويصرف الانتباه عنها، ومن ثم لا بد من استعادة زمام الأمر من جديد.

 

وبناء عليه، مارست المنظمات المناصرة لإسرائيل، ضغوطاً شديدة عشية مؤتمر «إيباك»، وبالفعل حدث نوع من التهدئة في الخطاب الرسمي الأميركي، وعادت نغمة الالتزام الأبدي بأمن إسرائيل للمقدمة في ذلك الخطاب.

 

وبدأ مؤتمر «إيباك»، أقوى المنظمات المناصرة لإسرائيل واللوبي الرسمي لها، في تلك الأجواء، وانطوت كلمة هيلاري كلينتون أمام المؤتمر على لغة بالغة القوة في دعم إسرائيل، وتخفيف الحدة التي تحدثت بها مسبقاً عن موضوع الاستيطان.

 

فهي قالت إن التزامها شخصياً «والتزام أوباما والإدارة كلها بأمن إسرائيل ومستقبلها، صلب كالصخر ولا يهتز ومستمر وإلى الأبد».

 

ورغم أن كلينتون لم تتراجع عن موقف الإدارة بشأن المستوطنات، إلا أنها قدمت اعتراضها عليها، لا باعتبار تلك المستوطنات غير شرعية  كما قال أوباما في القاهرة  وإنما باعتبارها أولاً مهددة لإسرائيل ذاتها، في ضوء الوضع السكاني على الأرض.

 

غير أن الحكومة المتطرفة في تل أبيب، لم تساعد لوبي إسرائيل في واشنطن. فهي أطلقت خلال تلك الفترة مجموعة من التصريحات المستفزة، منها الإعلان عن 20 وحدة سكنية إضافية في القدس الشرقية، وكان آخرها كلمة نتنياهو نفسه التي ألقاها أمام مؤتمر «إيباك»، بعد ساعات قليلة من خطاب هيلاري كلينتون.

 

فقد كانت لغة الخطاب التي استخدمها نتنياهو، تنطوي على غطرسة لا تخطئها العين، ومثلت تحدياً علنياً بالغ الوضوح لأوباما وإدارته.

 

فهو قال صراحة إن «القدس ليست مستوطنة، وإنما هي عاصمة» إسرائيل، وهو ما يعني أيضا أنه لا وقف للاستيطان فيها. وبينما أثنت كلينتون في خطابها على السلطة الفلسطينية، كال لها نتنياهو الاتهامات، ووصفها بأنها لا تفعل شيئا من أجل السلام.

 

بل إن خطابه انطوى على كذب صريح في ما يتعلق بالسلطة الفلسطينية، فهو قال على سبيل المثال، إن السلطة دعمت تقرير غولدستون، بينما الحقيقة أن السلطة كانت للأسف وراء تأجيل عرضه أمام الأمم المتحدة، بل هي التي طلبت الآن، أيضاً، تأجيل مناقشة تقرير ريتشارد فولك أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

 

ولا يقل أهمية عن ذلك أن الخطاب كان ينضح برؤية معادية للعرب بامتياز، لا تريد إدارة أوباما بالقطع أن يرتبط بها اسم الولايات المتحدة. فهو قال على سبيل المثال، إن إسرائيل تسعى للإسهام في إيجاد بدائل للطاقة.

 

مضيفاً أنه «حين يحدث ذلك، فإننا سنتوقف عن تحويل مئات المليارات إلى النظم الراديكالية التي تدعم الإرهاب»، وهو ما يقصد به تحديداً دول الخليج. ولم يتورع نتنياهو عن استخدام الخطاب التلفيقي نفسه، الذي كان سائدا وقت إدارة بوش الابن الذي كان يتبنى فكرة بائسة، مؤداها أن المسلمين يكرهون الغرب بسبب حرياته وتقدمه.

 

فقد قال نتنياهو، على سبيل المثال، إن «كراهية المتعصبين للحضارة الغربية تعود إلى ألف عام قبل إنشاء إسرائيل»، وإن كراهية الغرب ليست نابعة من كراهية إسرائيل، وإنما كراهية إسرائيل هي التي نبعت من كراهية الغرب، لأن هؤلاء «يرون في إسرائيل امتداداً للحرية والديمقراطية (الغربية) التي تمنعهم من السيطرة على الشرق الأوسط».

 

بعبارة أخرى، أجج نتنياهو النار بدلاً من أن يساعد على إطفائها، فكانت النتيجة أن استقبله أوباما في البيت الأبيض ورفض أن تتم تغطية اللقاء إعلامياً. فلا مؤتمر صحافياً مشتركاً، ولا حتى شريط فيديو للقاء.

 

واضطر نتنياهو لمد زيارته لواشنطن مرتين، لمحاولة رأب الصدع والوصول إلى موقف توفيقي.

 

وعادت إدارة أوباما للتعبير العلني عن خلافها مع إسرائيل. فها هو وزير الدفاع الأميركي يقول صراحة إنه «ليس لديه شك» في أن غياب التسوية، يؤثر سلباً في المصالح الأميركية في المنطقة.

 

والخطاب العلني لإدارة أوباما حول خلافها مع إسرائيل، له أهمية بالغة. ذلك أن التطور الحقيقي الذي يجري هذه الأيام في أميركا تجاه القضية الفلسطينية، لا يأتي من إدارة أوباما.

 

وإنما يحدث في الساحة السياسية الأميركية وعلى صعيد الرأي العام. فلأول مرة صار هناك من يعبّرون بوضوح عن وجود تباين بين المصالح الأميركية والمصالح الإسرائيلية، وأن إسرائيل صارت عبئاً على الولايات المتحدة.

 

والجديد هنا ليس التعبير عن ذلك المعنى، فهو موجود في المجتمع الأميركي طوال الوقت. الجديد أن هذا النوع من الخطاب لم يعد يتم تداوله على هامش الساحة السياسية، ولا في الخفاء، وإنما صارت هناك رموز تقوله بصوت عال، وفي منابر ظلت دوماً في قلب الحياة السياسية الأميركية لا في أطرافها.

 

وهو ما أثر في موقف الرأي العام الأميركي، فهو على الرغم من أنه يؤيد إسرائيل، فإن نسبة معتبرة منه صارت اليوم ضد الاستيطان في الأرض المحتلة.

 

والحقيقة أن تعبير إدارة أوباما بشكل علني عن خلافها مع إسرائيل، يغذي هذا التحول ويكرسه.

 

بعبارة أخرى، القضية ليست ما إذا كانت إدارة أوباما ستقوم بلي ذراع إسرائيل. ففي ظل الضعف العربي الراهن، فإن هذا التحول على صعيد الداخل الأميركي، هو في الواقع المقدمة الضرورية لمثل ذلك الضغط على إسرائيل.

كاتبة مصرية

========================

الأتراك قادمون

فهمي هويدي

صحيفة الرؤية الكويتيه

31/3/2010

رؤساء الوفود العربية الذين شاركوا في قمة «سرت» لاحظوا أنه كان في استقبالهم بمقر إقامتهم سرب من الفتيات الجميلات ممشوقات القوام، اللاتي كن يرددن عبارات الترحيب بعربية مكسرة، أو بإنجليزية أفضل حالا، كانت مهمتهن مقصورة على الحفاوة بالضيوف وتوزيع الابتسامات عليهم، ثم اصطحابهم إلى حيث يريدون، سواء أكانت أجنحة الإقامة أم قاعات الطعام، حيث كان يتسلمهم هناك فريق آخر من الشبان ذوي القامات الطويلة والبشرة البيضاء والعيون الزرقاء، الذين كانوا يرددون نفس عبارات الترحيب بالعربية المكسرة، في حين أن إنجليزية بعضهم أفضل بصورة نسبية.

 

لم يمض وقت قصير حتى اكتشف أحد الضيوف أنهم يتبادلون الحديث فيما بينهم باللغة التركية، وجاءه من يؤكد المعلومة، مشيرا إلى أن شركة تركية فازت بمناقصة تقديم الخدمات لجميع المشاركين فى مؤتمر القمة (مقابل عشرة ملايين دولار). وشملت هذه الخدمات تقديم وجبات الطعام. ولذلك فإن الشركة جلبت من تركيا 90 ٪ من المواد الأولية المطلوبة لإطعام الوفود. وكان مما أحضروه زيت الزيتون والمخللات والألبان والعصائر والخضراوات والأسماك واللحوم. وهي الخامات التي استخدمها طهاة أتراك في تقديم الأكلات التركية التي أبدعوا وتفوقوا فيها.

 

من المعلومات التي ذكرت في هذا الصدد أن الشركة التركية استقدمت ألف شاب وفتاة لتقديم الخدمات للضيوف، وكان من بين هؤلاء 64 شابا كانت مهمتهم تنظيف الملابس وكيها.

 

نشرت صحيفة «الحياة» تقريرا فى 27/3 حول مظاهر الحضور التركي الأخرى في المؤتمر، قالت فيه إنها لم تقتصر على الخدمات والإجراءات، ولكنها شملت أيضا البنية التحتية، التي فازت بها شركة «ناليتكو» ووقعت عقدا بهذا الخصوص قيمته نحو 150 مليون دولار. وبمقتضاه قامت الشركة ببناء القصور وأماكن الضيافة والفنادق في مدينتي سرت وطرابلس. وهي المهمة التي تم إنجازها خلال تسعة أشهر. إذ بنت فندق ركسوس الذي ضم نحو 150 غرفة إضافة إلى 22 فيلا في طرابلس، ومجمع سكني ضم نحو مائة فيلا إضافة إلى 450 شقة في سرت.

 

وكان القرار السياسي الليبي قد استقر على عقد القمة في سرت مسقط رأس العقيد القذافي ومعقل قبيلته، بدلا من طرابلس العاصمة، بعدما تبين أن الترتيبات الأمنية والتنظيمية أفضل في الأولى، إضافة إلى وجود 24 جناحا رئاسيا قرب قاعة «واغة دوغو» التي استضافت أعمال القمة.

 

خلال الأشهر التسعة سابقة الذكر أقيمت بنايات شاهقة وقصور فخمة، والفارق كبير بين القصور التي أقامت فيها الوفود الرسمية والشقق التي خصصت للمراقبين والصحافيين. لكن القاسم المشترك بين هذه وتلك تمثل في «الجسر التركي»، ذلك أن الطعام والأثاث والأدوات الصحية والملاعق والسكاكين والشوك والصحون والثلاجات والنوافد والأبواب، جاءت كلها من بلاد الأناضول.

 

أضاف تقرير الحياة أن تلك هي المرة الخامسة التي فازت فيها الشركة التركية بعطاءات تنظيم وتقديم قمة أو حدث كبير في ليبيا خلال السنوات الأخيرة. أسهم في ذلك لا ريب أن البلدين ألغيا تأشيرات الدخول فيما بينهما قبل أشهر قليلة، الأمر الذي فتح الأبواب لتدفق انتقال الأشخاص والبضائع ووسع من نطاق تبادل المصالح بينهما.

وهناك خطة لرفع قيمة التبادل التجاري مع ليبيا إلى عشرة بلايين دولار في السنوات الخمس المقبلة، بعدما وصل إلى 1.6 بليون العام الماضي. علما بأن حجم التجارة بين البلدين كان في حدود 225 مليونا فقط في سنة 2003، ولعلمك كانت تركيا قد ألغت في العام الماضي تأشيرات الدخول مع دول عربية أخرى مثل سورية ولبنان والأردن.

وقد زار وفد ديبلوماسي تركي القاهرة قبل أكثر من أسبوع لترتيب العلاقة بين أنقرة والجامعة العربية، تمهيدا لعقد مؤتمر كبير بإسطنبول في شهر يونيو المقبل، يشترك فيه وزراء الخارجية ورجال الأعمال.

 

إذا أضفت إلى ما سبق التحركات السياسية النشطة التي تقوم بها تركيا في العالم العربي، فسوف تجد أنها تتقدم بخطى حثيثة في فراغنا المخيم، وإن دول المنطقة وفي المقدمة منها مصر، ستتحول إلى «كومبارس» في نهاية المطاف، لأسباب عدة أهمها أنها رسبت في اختبارات الحضور.

========================

كلمة في ندوة تركستان الشرقية

استانبول 20/21/2010

منتدى المفكرين المسلمين – الكويت

25/3/2010

في وصفه لتركستان الشرقية وصف ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان البلاد بأنها: « خصب يزيد عن الوصف ويتعاظم أن يكون في جميع بلاد الإسلام وغيرها مثله »، ولسنا ندري إن كان هذا «الخصب» الذي لم نجد له مثيلا في العالم الإسلامي ولمسناه في حواراتنا ولقاءاتنا يشمل أخلاق وأدب ورقة وتواضع وكرم التركستانيين الذين حرصوا على الالتصاق بنا ومرافقتنا خطوة بخطوة قبل انعقاد الندوة حيث وصلنا وفي جولاتنا في استانبول وحتى بوابات المطار.

 

 فقد كنا هناك بعد أن تلقينا دعوة رسمية من منظمة الإغاثة الإنسانية IHH لحضور فعاليات ندوة تركستان العالمية (استانبول 20 – 21 / 3 / 2010)، حيث شارك الأستاذ عبد الرحمن جميعان المنسق العام لمنتدى المفكرين المسلمين والأستاذ محمد العنزي (الكويت) ود. ربيع الحافظ (لندن) والأستاذ وإبراهيم العسعس (الأردن). أما د. أكرم حجازي (الأردن) فقد قدم، بطلب من المنظمة ودعم من المنتدى، عرضا واسعا عن أحوال البلاد تناول: « تطورات ما بعد الحرب الباردة و تداعيات ١١ أيلول».

 

 كان من المفترض أن تفتتح الندوة بجلسة تضم رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته وأمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي ورئيسة المؤتمر الإيغوري العالمي ربيعة قدير ورئيس حكومة تركستان الشرقية في المنفى وكذا عدد من الشخصيات الدولية في مقدمتهم نيلسون مانديلا والديلي لاما وجورج غالاوي. لكن يبدو أن الضغوط الدولية حالت دون مشاركة هؤلاء في افتتاح الندوة. بل أن الصينيين، كما علمنا من مسؤولي ال IHH زاروا المنظمة في مقرها وطالبوا بإلغاء الندوة وهم الذين تمنعوا عن الاستجابة لمطالبها في الاجتماع بهم إثر انتفاضة أروميتشي الدامية التي وقعت في 5/7/2009 من العام الماضي.

 

 في أربع جلسات رسمية، وعلى مدار يومين ثقيلين من العمل الحثيث، وجمهور غفير لا يكل ولا يمل من الحضور والاستماع، ومتابعة من الفضائيات التركية ووسائل الإعلام المختلفة وسط تضامن واسع النطاق من القوى السياسية مع تركستان الشرقية، وجهود فنية جبارة من المترجمين الفوريين في مختلف اللغات، قدم المشاركون من دول مختلفة أوراقا عديدة غطت مجمل الأوضاع ماضيا وحاضرا لتكشف عن مأساة عميقة الجذور ومتشعبة وبالغة الشدة والقسوة لشعب يجري استئصاله وتفتيته وطمسه في نطاق الديمغرافيا الصينية بلا وجه حق إلا من الرغبة الصينية الراهنة في أن تكون تركستان أساس ومنطلق المشروع الاقتصادي الصيني في القرن ال 21.

 

 وبدا واضحا أن المنظمة الراعية للندوة وكافة موظفيها وخبرائها ومثقفيها بذلت جهودا خارقة في تنظيم عقد الندوة من حيث استقبال المشاركين وتسهيل تنقلاتهم ورعايتهم وترجمة نحو عشرين ورقة وبحث إلى أربع لغات هي العربية والإنجليزية والتركية والأويغورية، ونشرها في إصدار واحد بلغ نحو 1200 صفحة تم توزيعه مجانا على الآلاف من الحضور.

 

 لكن أكثر ما لفت انتباهنا في الندوة هو ما توجسنا منه خيفة قبل المشاركة. فقد تأكد لنا أمورا على قدر من الأهمية نأمل من الأخوة التركستانيين أن يتأملوا بها جيدا، فلعلها تفيد في التفكير والعمل المستقبلي:

 

  فقد لاحظنا غيابا شبه كلي للعالم الإسلامي والعربي حتى عن العلم بمأساة تركستان الشرقية، فلولا مشاركتنا بوفد من منتدى المفكرين المسلمين، وحضور طارئ لبعض الأخوة الجزائريين، لاقتصر الحضور العربي والإسلامي، عدا التركستانيين والأتراك، على د. ماجدة مخلوف من مصر بعد غياب لكل من د. على الورداني والأستاذ فهمي هويدي.

 

  ضعف الفعل الثقافي والعلمي والإعلامي التركستاني في التعريف بقضية تركستان الشرقية، فضلا عن غياب غير مبرر للعلاقات والتواصل مع العالمين العربي والإسلامي. هذا الأمر ساهم بشكل فعال في غياب تركستان عن العمق الإسلامي وبالتالي غياب النصرة والعلم بالقضية. لذا فقد بدا الحرص الصيني محموما لجهة منع أية محاولة لنقل مأساة تركستان إلى خارج الحدود. وهكذا لم تجد تركستان من يستمع لأنين ضحاياها مثلما أن الصين لم تجد حرجا في ارتكاب أفظع المجازر على امتداد قرنين من الزمان داخل أسوارها. أما اليوم فهي تبذل كل ما تستطيع لإبقاء المأساة طي السجل الصيني بحيث لا يعلم بها أحد، حتى أنها أغلقت البلاد منذ بضع سنين فلم تعد تسمح بالخروج منها أو الدخول إليها بينما يكتفي الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتوجيه مواعظ تدعو إلى ضبط النفس! وكأن قدر التركستانيين أن يواجهوا مصيرهم وحدهم ليقتل من يقتل ويعذب منهم من يعذب بلا رقيب أو حسيب لأمة لا بواكي لها من هنا أو هناك.

 

  لاحظنا أيضا أنه ثمة خوف لدى التركستانيين يستعصي على الفهم. فهم كالفلسطينيين ينتشرون في الجوار الإقليمي وفي بقاع الأرض بمئات الآلاف وحتى في السعودية ومصر لكنهم ليسوا فاعلين مطلقا في الانتصار لقضيتهم. بعض المبررات تبدو منطقية خاصة وأن بعض الدول تمنعهم من أي حراك يذكر وبعضها الآخر كالباكستان تشن عليهم بين الفينة والأخرى حملات أمنية تنتهي بتسليمهم إلى الحكومة الصينية بحيث يصعب فيما بعد نجاتهم من القتل أو السجن أو العقاب بأبشع الوسائل. والأغرب أن بعض الدول العربية رأت في انتفاضتهم صيف العم الماضي عملا إرهابيا! لكن كل هذا لا يبرر الخوف الذي يبدو أنه استوطن بهم على مدار القرون.

 

  يبدو أن التركستانيين في المهجر، كما لمسنا ذلك من خلال الحوار معهم، يعانون من مشكلات داخلية جعلتنا نحتار في تحديد ما يريدون بالضبط. فالصينيون وصفوا كل احتجاج ضد الاحتلال بمحاولات انفصالية، ووصفوا إسلام التركستانيين بالتطرف، وبعد هجمات 11 سبتمبر وصفوا مجاهديهم بالإرهاب. وفي حين تبدو الأهداف الصينية واضحة تجاه تركستان ومصيرها نجد على العكس تماما عدم وضوح الأهداف لدى التركستانيين. فلسنا نعرف على وجه الدقة ما يريده التركستانيون. وقد سمعنا في الندوة مطالب بتركستان الحرة أو حق تقرير المصير أو التطبيق الفعلي للحكم الذاتي أو المساواة أو احترام حقوق الإنسان، لكننا لم نسمع عن أهداف مرحلية وأهداف استراتيجية رغم أن البلاد مهددة بالابتلاع في بضع سنوات! ولما تكون الأهداف غامضة أو مشوشة فمن المؤكد أن التضامن معهم أو إغاثتهم أو الانتصار لهم سيكون ضبابيا وصعبا، وربما يؤدي إلى مزيد من التجاهل والعزوف عن تقديم النصرة لهم.

 

  غياب أية فضائية إعلامية تعرف بالقضية التركستانية ومطالب أهل البلاد، وهو ما اقترحناه عليهم، خاصة وأن لهم كوادر لا بأس بها في مجال الإعلام والعلاقات العامة.

 

 كل هذا يعني أن جانبا كبيرا من المسؤولية يتحمله الأخوة التركستانيين. ولا شك أن هذا يفسر إلى حد كبير احتفاءهم وترحيبهم الشديد بوفد المنتدى الذي بدا الوفد العربي الإسلامي الوحيد الذي شارك بفعالية في اللقاءات والحوارات التي جرت معهم. ويبدو أنهم يتأملون خيرا، في مرحلة أولى، بنقل قضيتهم إلى رحاب الأمة، وهو ما سيعمل عليه المنتدى لاحقا سواء عبر تنظيم المؤتمرات أو حشد الدعم الإعلامي أو تقديم المساعدات لشعب تركستان عبر مؤسسات الإغاثة الإنسانية.

========================

اختبار الأمة في امتحان القمة

فهمي هويدي

صحيفة الوطن الكويتيه

30/3/2010

- نجاح إسرائيل في تهويد القدس يطلق يدها في المنطقة بأسرها باعتبارها رأس حربة لمشروع الهيمنة الغربية

- ثمة إصرار من الإسرائيليين والأمريكيين على استثمار الانبطاح العربي الراهن في تصفية القضية بتوقيع فلسطيني

عندما قال رئيس الوزراء التركي أمام القمة العربية إن مصير استانبول مرتبط بمصير القدس، وإن مصير تركيا مرتبط بمصير العالم العربي، فإنه بدا وكأنه يغرد خارج السرب، لأن أغلب سامعيه من القادة العرب يبدو وكأن لهم رأيا آخر في المسألة.

- 1 -

فاجأنا السيد رجب طيب أردوغان وذكرنا بحقيقة استراتيجية نسيها كثيرون وتجاهلها الباقون، وهي أن نجاح إسرائيل في تهويد القدس واقتلاع الفلسطينيين منها يعد تتويجا لانتصارها وتمكينا يطلق يدها في المنطقة بأسرها، ليس فقط باعتبارها مشروعا توسعيا واستيطانيا، ولكن أيضا بحسبانها رأس حربة لمشروع الهيمنة الغربية، الراعي الحقيقي للدولة العبرية.

وأمام ذلك التمكين فإن أحدا لن يكون بمنأى عن الخطر، ليس في العالم العربي وحده، وإنما أيضا في تركيا وإيران تحديدا، ذلك أن القدس من هذه الزاوية ليست مدينة فلسطينية عادية يتم تهويدها وابتلاعها، ولكنها رمز للعالم الإسلامي كله.

لقد وصف أردوغان ما تفعله إسرائيل في القدس بأنه ضرب من الجنون.

وتلك قراءة صحيحة من المنظور الاستراتيجي. لذلك فإن الاستمرار في ممارسة ذلك الجنون، ومن ثم تحويل اللامعقول إلى معقول وترجمة العربدة الهوجاء إلى واقع يفرض نفسه بالقوة على الآخرين، يطرح معادلة جديدة تماما في المنطقة، تقلب موازينها وتهدد مستقبلها وتفتح شهية «المجانين» للإقدام على مزيد من التغول والاستقواء.

هذا الذي أدركه رئيس الوزراء التركي، استحق ان يصفه الشاعر مريد البرغوثي بأنه «العربي الوحيد» في القمة، لكن الملاحظ ان العواصم العربية تتعامل معه بقدر مدهش من التراخي واللامبالاة، يختزل رد الفعل في بيانات للتنديد فقدت معناها وجدواها، وقرارات حذرة ليست في مستوى التحدي أو الخطر، تراوحت بين إنشاء مفوضية للقدس، وإعانة أهلها بخمسمائة مليون دولار، والاستغاثة بمحكمة العدل الدولية، التي سبق لها أن أدانت إقامة الجدار، ولكن إسرائيل قابلت قرارها بازدراء واستهتار مشهودين، ونفذت مخططها كاملا، بمباركة ورعاية من جانب أركان الهيمنة الغربية، ممثلة في الولايات المتحدة والرباعية الدولية.

- 2 -

حين انعقدت القمة في «سرت» كان التحدي صارخا ومحرجا للقادة العرب. فالسيد نتنياهو أعلن صراحة في واشنطن - في عقر دار الراعي الأمريكي - أن القدس خارج المناقشة، وأن عملية تهويدها واقتلاع الفلسطينيين منها لن تتوقف. ولم يكذب رئيس بلدية المدينة خبرا، فلم يتوقف لحظة عن عملية الهدم والبناء سواء في الأحياء العربية أو بجوار المسجد الأقصى وتحته. حتى أصبح انهياره مسألة وقت لا أكثر. وهو جهد توازى مع استمرار محاولات اقتحام المسجد الأقصى من جانب مستوطنين وبرعاية الشرطة. في الوقت ذاته فإن حملة بناء الوحدات الاستيطانية تشهد اندفاعة قوية في الضفة الغربية وغور الأردن والجولان.

بل ذهبت إسرائيل في تحديها وتوحشها إلى حد الاستيلاء على المساجد القديمة، وتحويلها إلى آثار يهودية. كما حدث مع المسجد الإبراهيمي في الخليل ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم.

لقد نجح نتنياهو في إجهاض الوعود التي أطلقها الرئيس باراك اوباما في بداية العام بخصوص القضية الفلسطينية، التي كان وقف الاستيطان (مؤقتا بطبيعة الحال) مدخلا لإطلاق مفاوضات تمهد لإقامة الدولة الفلسطينية، بل إنه تحدى نائب الرئيس الأمريكي، حين أعلن عن بناء 1600 وحدة استيطانية جديدة أثناء زيارة نائب الرئيس الامريكي جو بايدن لإسرائيل (9 مارس). وهو ما سبب للرجل حرجا قيل إنه أحدث أزمة في العلاقات مع الولايات المتحدة، من ذلك النوع الذي يحدث داخل أي أسرة.

حكومة نتنياهو فعلت ذلك كله قبل انعقاد القمة العربية، ومن الواضح أنها لم تكن قلقة من أي رد فعل عربي، ومطمئنة إلى أن القمة عاجزة عن أي فعل، بل عاجزة عن اتخاذ أي قرار سياسي جريء (سحب المبادرة العربية مثلا أو قطع العلاقات واستخدام ورقة المصالح التجارية).

في حين أن إسرائيل لم تكترث بالقمة وحولت انعقادها في ليبيا إلى مادة للسخرية عبر عنها بعض المعلقين في صحفها، فإن قلقها كان أكبر من ردود الأفعال الغربية على تزوير بعض جوازات سفر مواطنيها واستخدامها في جريمة قتل محمود المبحوح قيادي حركة حماس في دبي، ذلك أن قرار بريطانيا طرد أحد رجال الموساد في السفارة الإسرائيلية بلندن بسبب اتهامه بالتواطؤ في العملية آثار القلق في تل أبيب من احتمال أن تحذو كل من أيرلندا واستراليا وفرنسا وألمانيا حذوها، بعدما ثبت أن جوازات سفر مواطنيها استخدمت أيضا في العملية.

المشهد من هذه الزاوية مسكون بمفارقة مخزية فإسرائيل لم تبد أي قلق من جانب العالم العربي وهي تفتك بالقدس وتطلق مشروعاتها الاستيطانية الوحشية في الضفة، لكنها عبرت عن قلقها من ردود الأفعال الأوروبية على تزوير جوازات سفر مواطنيها واستخدامها في جريمة قتل المبحوح.

- 3 -

قراءة إسرائيل للموقف العربي لم تكن خاطئة، فقد ذكرت التقارير الصحفية التي خرجت من اجتماعات سرت أن مصر والأردن اعترضتا على استخدام القمة كورقة ضغط على إسرائيل. وهو ما تم أثناء اجتماعات وزراء الخارجية أعضاء لجنة مبادرة السلام. إذ عارض وزيرا خارجية البلدين اتخاذ أي قرارات تتعلق بإلغاء أو تجميد المبادرة العربية، بحجة أنها تشكل أساسا «لتسويق» الموقف العربي. ومما له دلالته الرمزية في هذا السياق أن المندوب السوري اقترح أن يطلق على اجتماع القادة قمة «التحدي»، ولكن وزير الخارجية المصري استثقل الكلمة باعتبار أنها ليست واردة في قاموس «الاعتدال»، فاقترح تسميتها قمة القدس وهو عنوان أكثر حيادا أخذ به.

لم يكن مفاجئا الإبقاء على المبادرة العربية، التي كان العاهل السعودي قد أعلن في قمة الكويت الاقتصادية التي عقدت أوائل العام الماضي أنها لن تبقى طويلا على الطاولة. ورغم مضي ثماني سنوات على إطلاقها فإنها مازالت فوق الطاولة، ولم يملك القادة العرب شجاعة سحبها أو حتى تجميدها - ولأنها لم تحقق شيئا حتى الآن سوى مساندة الادعاء بإبراء الذمة العربية، فإنه بات يحق لنا أن نعتبرها حيلة للتسويف وليست ورقة للتسويق. أما الطاولة فلم تعد كذلك، ولكنها تحولت إلى مشجب علق عليه القادة المبادرة ثم انصرفوا.

أي متابع لمؤشرات العلاقات العربية - الإسرائيلية لا يفاجأ بحدود السقف الذي حكم موقف القمة وأداءها. ذلك أنه قبل عقد المؤتمر بأيام قليلة «في 3/24» نشرت صحيفة «الشروق» المصرية أن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة (ايباك) وجه التحية إلى مصر، لقيامها ببناء السور الفولاذي العازل بين سيناء وغزة. في هذا الصدد تحدث روبرت ساتلوف مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ممتدحا موقف مصر الذي اعتبره «ناضجا وشجاعا»، «لأنها أوشكت على الانتهاء من آخر مراحل الحاجز «السور» الذي يضيق الخناق على حماس، الأمر الذي يشكل خطوة مهمة نحو إحداث تغيير داخل غزة». وقد استقبلت كلمته بتصفيق شديد من جانب الحضور، كما ذكر مراسل الجريدة في واشنطن.

قبل ذلك بأيام قليلة «في 3/19» نشرت صحيفة «المصري اليوم» أن وفدا عسكريا أمريكيا قام بزيارة منطقة الحدود المصرية مع القطاع لتفقد المرحلة الأخيرة من الجدار الفولاذي والاطمئنان إلى حسن سير العمل في المشروع.

في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة الإسرائيلية عن مخططات التوسع الاستيطاني واستمرار عمليات تهويد القدس، نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» (عدد 3/23) تقريرا عن تقدم خطوات التطبيع بين إسرائيل والمغرب (التي ترأس لجنة القدس!)، تمثلت في عقد سلسلة من المؤتمرات منها ندوة عن تاريخ هجرات اليهود من منطقة المغرب العربي عقدت بمدينة الصويرة، وقبلها عقد الملتقى الدولي الثاني لليهود المغاربة في مراكش، وشاركت فيه 17 شخصية من إسرائيل، وفي الرباط عقدت ندوة عن المحرقة التي تعرض لها اليهود. وقبل هذا كله شهدت تسيبي ليفني وزيرة خارجية إسرائيل السابقة أحد المنتديات السياسية التي عقدت في مدينة طنجة.

الحاصل في المغرب يتكرر بصورة أكثر حذرا في منطقة الخليج، التي استقبلت أحد الوزراء الإسرائيليين بحجة مشاركته في أحد المؤتمرات الدولية، وقام أحد الوزراء الخليجيين أكثر من مرة بزيارة رام الله بتأشيرة إسرائيلية، كما عقد بعض المسؤولين الأمنيين اجتماعات تنسيقية اشترك فيها نظراء لهم من مصر والأردن، إضافة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل.

ولأول مرة هذا العام وجهت إدارة مهرجان الجنادرية في المملكة السعودية دعوات المشاركة لعدد من دعاة التطبيع العلني مع إسرائيل، الذين ترددوا عليها أكثر من مرة.

أما في الضفة الغربية فإن الأجهزة الأمنية تحكم قمع الجماهير وتكبلها لكي تتجنب احتمال انفجار الغضب الفلسطيني واندلاع شرارة انتفاضة ثالثة. وهو ما أعلنه حاتم عبدالقادر وزير شئون القدس في حكومة سلام فياض السابقة، إذ نشرت له صحيفة «الشرق الأوسط» في 3/17 حوارا قال فيه إن حكومة فياض الراهنة تمنع إطلاق يد الفلسطينيين في الضفة الغربية للقيام بأي أعمال من شأنها أن تؤدي إلى اندلاع مواجهات مع قوات الاحتلال، وأضاف أن ما تقوم به الحكومة بمثابة إجراءات غير مسبوقة لم يعهدها الفلسطينيون أدت إلى كبت الشارع وعدم السماح له بالتعبير عن غضبه وسخطه إزاء الجرائم الإسرائيلية المتلاحقة.

- 4 -

 

في كل مرة ينتقد الاستسلام العربي المهين أمام إسرائيل يتم إسكات الأصوات الناقدة بدعوى أن الخيار الآخر هو الحرب، ورغم أن إسرائيل لم تستبعد ذلك الخيار، ولاتزال تخوض تلك الحرب بين الحين والآخر، إلا أن الطموح في العالم العربي أصبح أكثر تواضعا. إذ لم يعد أحد يتطلع في الوقت الراهن إلى تحرير فلسطين، وإنما أصبح الرجاء ألا يتم تضييع فلسطين.

وأزعم في هذا الصدد أن عمليات المقاومة التي تمت إلى الآن لم يفكر قادتها في أنها ستؤدي إلى تحقيق التحرير، بقدر ما أرادوا بها إشعار الإسرائيليين بأن الاحتلال له تكلفته، وإنهم لن يظلوا في أمان وهم محتلون للأرض، وهذه التكلفة العالية هي التي دفعت إسرائيل إلى الانسحاب من غزة والخلاص من «همها». ورغم أن أحدا لا يستطيع أن يدعى بأن حكومة حماس هناك أنجزت شيئا على صعيد التحرير المنشود، إلا أن أحدا لا يشك في أن وجودها عطل مسيرة بيع فلسطين والتفريط في ثوابتها.

من ثم فتصوير الانقسام الحاصل بحسبانه صراعا على السلطة بين فتح وحماس هو تبسيط لا يخلو من تدليس، لأنه في جوهره خلاف حول أسلوب التعامل مع الملف، وهل الممانعة والمقاومة هما الحل، أم أن الحل في التسليم والدوران في دوامة المفاوضات التي لم تثمر شيئا طوال التسعة عشر عاما الماضية؟

قبل أيام قليلة (في 3/25) نشرت صحيفة الحياة اللندنية حوارا مع السيد رمضان شلح الامين العام لحركة الجهاد الإسلامي، سئل فيه عن بدائل العرب وخياراتهم في التعامل مع إسرائيل،

فكان رده أنه ليس مطلوبا من الدول العربية في الوقت الراهن أن تستسلم أو تخوض حربا، وإنما غاية المراد منها أن تلتزم بحدود اللاحرب واللاسلم، وأن تترك الفلسطينيين بعد ذلك يتدبرون أمورهم مع الإسرائيليين.

حتى هذا المطلب صار عسيرا لأن القرار العربي لم يعد مستقلا، ولأن ثمة اصرارا من الاسرائيليين والامريكيين على استثمار الانبطاح العربي الراهن في اغلاق الملف وتصفية القضية بتوقيع فلسطيني واجماع عربي!

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ