ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 04/04/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


المحافظون واختيار المرشد الاعلى القادم

جمال عبد الكريم أيوب

4/3/2010

القدس العربي

لم يكن للجمهورية الاسلامية الايرانية طوال 30 عاما من تاريخها سوى مرشدين اثنين فقط، في السنوات العشر الأولى كان مؤسس الثورة الاسلامية الكبير آية الله خميني مقبولاً بشكل لا يقبل الشك ولم يثر أية تحفظات على صعيد الشخصيات الدينية المهمة، أما في السنوات العشرين الأخيرة فإن شخصية المرشد الأعلى علي خامنئي لم تحظ منذ البداية بما حظيته شخصية آية الله الخميني من قبول، وتنبع مشكلة آية الله خامنئي في الأساس من حقيقة مفادها أنه ومنذ البدء كان يعتبر اختياره لهذا المنصب خياراً غير مرجح فهو في رأي معارضيه لم يكن يملك تلك الكاريزما الدينية البارزة التي تمثل أساس بناء الفكرة المركزية للدولة الاسلامية، كما كان الحال عليه لدى الخميني ناهيك عن أن اعلان خامنئي مرشداً أعلى في الجمهورية الاسلامية خلفاً للخميني لم يأت الا بعد موت الخميني وبدا ذلك وكأنه اختيار اللحظة الأخيرة، فالدولة الاسلامية يجب أن تكون تحت سلطة أكثر الناس تفقهاً بالقانون الأسلامي في إيران وهذا ما لم ينطبق على خامنئي وذلك لوجود رجال دين كثر في قم أكثر تفقهاً وقبولاً في إيران.

الآن ومع التصاعد الملحوظ للشائعات التي تتناقلها المعارضة الإيرانية كموقع 'بيك نت' القريب من الحزب الشيوعي الايراني 'تودة' وغيره من المواقع الاخبارية الدولية فقد نسبت اخبار إلى مصادر في داخل ايران تفيد أن الأوضاع الصحية لآية الله خامنئي غير مستقرة، علماً بأن هذه ليست المرة الأولى التي تتردد فيها أنباء عن الظروف الصحية لخامنئي، وقد عزز تلك الشائعة أن خامنئي ومنذ فترة قريبة أعاد نشر وصيته، التي كان قد كتبها قبل اندلاع الثورة، وقد أثارت هذه الخطوة تساؤلات كثيرة حول الأسباب الحقيقية وراء إعادة نشر الوصية وفي هذا التوقيت بالذات وربما تكون هذه الوصية هي السبب الرئيسي في خروج شائعة تدهور صحته، وفي هذا السياق فإن مسألة خلف آية الله خامنئي لا بد أن تلوح عاجلاً أم اجلاً في أروقة المحافظين والاصلاحيين في إيران، لكن هل يوجد الآن بين رجال الدين البارزين في ايران كاريزما تستطيع أن توافق كل التيارات؟

من المعروف أن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران يشكل قمة السلطة الروحية والدينية والسياسية، فهو صاحب القرار الأخير في المواقف الحساسة والحاسمة في القضايا المختلفة، وقد عرف خامنئي بموقفه الداعم للنظام الحالي برئاسة أحمدي نجاد ضد أصوات الاصلاحيين، الذين أصروا على عدم نزاهة الانتخابات الرئاسية السابقة، لكن خامنئي ظل منحازاً لصف المحافظين حتى النهاية، بل وتراوحت نبرته تجاه الإصلاحيين بين الترغيب والترهيب ودعا رموز الاصلاحيين لعدم إثارة القلاقل وارباك النظام والتوقف عن إثارة الشغب بين صفوف الشعب الايراني، واتهم في كثير من تصريحاته جهات خارجية بالتحرك لإشاعة الفتنة في البلاد. وكانت وقفة خامنئي مع نظام أحمدي نجاد المحافظ هي المقياس الأول والأخير لشرعيته، في مواجهة المعارضة التي ما زالت تشكك في مشروعية هذا النظام، ومن ثم يصبح خامنئي مركز القوة الأكبر الذي يحتفظ به النظام حالياً لتبرير وجوده، وبغيابه يختفي جزء كبير من مصداقية ومشروعية النظام الحالي، وعلى الأغلب فأن النظام الايراني الحالي في حال غياب آية الله خامنئي سيدخل في حسابات أخرى من شأنها أن تجدد أعمال الشغب والعنف والجدل في من له الحق في الامساك بمقاليد الحكم في ايران.

إن أهمية خامنئي بالنسبة للنظام الإيراني الحالي هي التي أدت إلى ارتباك موقف النظام، وعدم مسارعته إلى إعلان الحقيقة وراء الشائعة، ويرجح البعض أن النظام بقيادة أحمدي نجاد يعد لخلافة خامنئي بمرجعية دينية تضمن بقاء نظام المحافظين وتدعم مواقفه، مع العلم أن مجلس الخبراء، الجهة المعنية باختيار المرشد الأعلى للثورة، يترأسها هاشمي رفسنجاني المحسوب على الإصلاحيين، والذي خاض معهم معركة ما بعد الانتخابات، وهو المرشح لخلافة خامنئي في حالة تردي حالته الصحية أو موته، فكيف ستتعامل هيئة تشخيص مصلحة النظام في مسألة خليفة خامنئي؟ وهل مؤسسة الحرس الثوري ذات الحضور هي من سيملي على هيئة تشخيص مصلحة النظام في اختيار المرشد الأعلى القادم؟

 

حجم تأثير الصوت الانتخابي

 

إن الانقسام الأكبر داخل النظام الايراني والذي طفى على السطح تمثل جلياً في أزمة تحديد مدى تأثير الصوت الانتخابي (أي الشكل الجمهوري للدولة) الذي يجب أن يكون عليه في الجمهورية الاسلامية أو بعبارة أخرى ما هو حجم الصوت الانتخابي الذي يجب على الشعب أن يمتلكه في بلدٍ يعد رسمياً ذا حكم ديني إسلامي دستوري؟

في قم قلب المؤسسة الدينية يوجد شعور له اعتباره في أن حكم رجال الدين يجب أن يكون خاضعاً للدستور وسيادة الشعب ولهذ السبب فأن بعضاً من رجال الدين البارزين دافعوا عن حق مؤيدي المعارضة في تحدي نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في الثاني عشر من حزيران (يونيو)العام الماضي، ومع كون المرشد الأعلى قد ساند محمود أحمدي نجاد كرئيس منتخب منذ لحظة اعلان وزارة الداخلية للنتائج فأن حجة الاسلام محمد علي ايازي أحد رجال الدين الاصلاحيين البارزين والذي يتخذ من مدينة قم مقراً له قال في ذلك الوقت لراديو 'فاردا' التابع للاذاعة الايرانية الحكومية: 'أن بعضاً من قيادات رجال الدين في قم يعتقدون أن الطريقة التي تمت على أساسها الانتخابات ليست صحيحة وغير صحية لذا فهم طالبوا بأجراء تحقيق مستقل'، إن هذا الأختلاف في آراء قادة النظام في ايران له جذوره التي سقنا بعضها في بداية هذا المقال، لكن التصريحات العلنية لهذا الانقسام لم تكن لتظهر على السطح مرة أخرى لولا نتائج الأنتخابات المزيفة على حد قول الاصلاحيين، فقد أدت نتائج هذه الانتخابات وما تبعها من أحداث إلى اهتزاز صورة المرشد الاعلى في أعين القاعدة الشعبية التي كانت هي الداعم الرئيسي للثورة الاسلامية ولحكم رجال دين في ايران.

ومع أحساس رجال الدين بتدني شعبية نظام الحكم وعلى رأسهم المرشد الأعلى علي خامنئي بين صفوف الناس في ايران فقد عمد الكثير من رجال الدين على وصف عملية اعادة انتخاب أحمدي نجاد بالعملية غير الشرعية والطاغوتية، إن وجود انتقادات للمرشد الأعلى في موقفه الداعم مباشرة لاحمدي نجاد بدا لا مناص منه في قلب المؤسسة الدينية الحاكمة في ايران وهذا يسير ضمن الخط التاريخي للقيادات الدينية الشيعية في كراهيتهم بأن يباشروا أدواراً في السياسة بالرغم من البناء الديني للجمهورية الاسلامية، إن الانقسام في قم حَوْل التوزان الدقيق بين حكم رجال الدين والحكم الدستوري يجعل من الأختيار المقبل للمرشد الأعلى عامل تهديد كبير للخط المحافظ في ايران والذي هو حالياً في السلطة، إن هذا يعني أنه لا يوجد هناك ضمانة بأن تكون عملية انتخاب المرشد الأعلى المقبل ضمن نفس القالب الذي تم على أساسه انتخاب خامنئي، أيضاً هناك احتمالات أن يزداد الوضع سوءاً بالنسبة الى المحافظين وكذلك بوجود صراعات شخصية قوية من الممكن أن تعمل ضد مصالح المحافظين أنفسهم.

إن الرئيس الحالي لهيئة تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني المرشح الذي خسر الانتخابات الجمهورية في 2005 أمام أحمدي نجاد يُعتقد بأنه قام بدعم مرشح المعارضة 'مير حسين موسوي' في خوض الانتخابات الرئاسية الايرانية وذلك من أجل منع أحمدي نجاد من الوصول الى فترة رئاسية ثانية وقد عمد أحمدي نجاد في حملته الانتخابية سنة 2005 إلى تشويه سمعة عائلة رفسنجاني بوصفهم استغلاليين وفاسدين.

أيضاً فأن الأزمة التي ما زالت تدور حول الانتخابات الرئاسية أظهرت أن تدخل قوات الأمن ستبقى لمصلحة الخامنئيين وذلك ما تظهره الأحداث الحالية وخاصة في انصياع الأجهزة الحكومية إلى الأوامر التي تتلقاها من الحكومة في القاء القبض على عدد من أعضاء المعارضة وذلك في محاولة واضحة للضغط على زعماء الاصلاحيين والمعارضة حتى يتخلوا عن معارضة النظام الحالي.

 

طريق بديل

 

في مطلع السنة الماضية خسر رجل الدين المحافظ المتشدد 'آية الله محمد تاكي يازدي' والذي تربطه علاقات وثيقة بأحمدي نجاد محاولته اعفاء رفسنجاني من قيادة هيئة تشخيص مصلحة النظام، حينها حصل في محاولته على أقل من نصف عدد الأصوات فقط التي حصل عليها رفسنجاني.

إن كل هذه الأمور قد أدت إلى تحويل قم إلى مكان صعب لأي مرشح من الخط المحافظ يريد حسم المعركة السياسية لصالحه، وقد أصبح مقبولاً من المحافظين البحث عن طرق بديلة لقُم إذا رغبوا في التأكد بأن سيطرتهم الحالية لن تكون عرضة للمساومة في المستقبل، فالتركيز على طهران سيصبح أحد البدائل المهمة لكل من جناح خامنئي والمعارضة على حد سواء في خوض الانتخابات الرئاسية القادمة والعمل خلال الثلاث سنوات القادمة بمحاولة توجيه ما يكفي من الضربات الموفقة التي من شأنها أن تعزز سبل الاستحواذ على السلطة في ايران، كما ان سيطرة 'المحافظين الخامنئيين' على الحكومة والأفرع الأمنية ما زال له الأثر القوي في تصعيد الحملة على الاصلاحيين والتي كانت قد بدأت اصلا على شكل رد فعل على الرئيس المعتدل خاتمي واستمرت بشكل أشد وأكبر على فترات زمنية متتالية حتى يومنا هذا، فالسبب في مثل هذه الحملات هو محاولة اضعاف الخصوم في المؤسسة الدينية في قم خاصة، وبصورة أكبر ومن أجل التأكد من أن جمعية الخبراء سوف تقوم بانتخاب مرشد أعلى جديد ضمن الخط الذي رسمه الخامنئيون منذ توليه منصب المرشد الأعلى ولحماية هذا الخط فأن المحافظين الراديكاليين الخامنئيين لم يتوانوا عن ايجاد السبل في محاولة اكتساب ولاء الحرس الثوري وقد نجحوا الى حد ما في ذلك.

ان من شأن الحرس الثوري هذا (الجناح السياسي للعسكريين في ايران) تأمين قوة السلطة وتأمين قبول هذه السلطة التي سيعتمد عليها المرشد الأعلى القادم، لا يوجد هناك أية ضمانة على أن أياً من هذه السيناريوهات سوف يكون ناجعاً، لكن وبشكل حتمي فأن الصراع من خلال هذين الطريقين ومن خلال طرق أخرى مساعدة قد جعل من الأكثر سهولة على نظام خامنئي نقل أساس السلطة من قم الى طهران، إن هذا النقل قام به خامنئي بطريقة بطيئة ولكنها ثابتة، إن أسباب هذا التحول تعود إلى الموقف الشخصي الغامض لخامنئي اتجاه المؤسسة الدينية، فهو المرشد الأعلى لكنه وفي نظر الكثير من رجال الدين المهمين في ايران يعتبر غير كفء لهذه الوظيفة.

 

علاقات فاترة

 

خلال فترته في الحكم شن خامنئي الكثير من الحروب على 'آيات الله' المنافسين له بما في ذلك استخدامه السلطة في منع الهبات المالية التي كان يتلقاها رجال الدين من أتباعهم داخل وخارج ايران اولئك الاتباع الذين كانوا يقرون بافضلية هؤلاء الآيات على أية الله خامنئي في العلوم الدينية وفي امتلاك ادوات الحكم، ولعلمه المسبق بقلة المؤيدين له في قم فأن خامنئي لا يقوم بزيارة قم الا نادراً مؤكداً بذلك على العلاقات الفاترة بين الطرفين، وعلى النقيض من ذلك فأن المرشد الأعلى قام بدعم المحافظين في طهران لدحر المنافسين له في قم وكذلك لدحر الاصلاحيين في طهران، ويبدو أن سياسة المرشد الأعلى في صراعاتها مع الاطراف والتيارات المنافسة له وللنظام الحالي في ايران تكمن في العمل على دعم فئات سياسية احدها ضد الاخر، في حين يبقى هو فوق الصراع، لكنه بعمله هذا قد سمح لخط المحافظين أن ينمو في قوته إلى درجة أن هذا الخط أصبح الآن وبشكل متزايد في موقع يفكر به في أن يقوم بصبغ مستقبل الدولة بصبغته، إنهم يفكرون بذلك بوجود خامنئي بالسلطة أو بوجود خليفته والذي سوف يقومون هم باختياره أو من المحتمل حتى أن يفعلوا ذلك بدون مرشد أعلى (إلغاء المنصب).

 

توابع نجاح خط المتشددين؟

 

من المستحيل أن نستطيع رؤية ثمن ذلك الآن لكن من الطبيعي أن يقوموا بخلق ايران أكثر انغلاقاً وأكثر تعصباً وأن يعملوا على ايجاد حكومة أكثر تسلطاً مما هو عليه الآن فسوف تكون حكومة غير قابلة للادانة داخل ايران من قبل الشعب الايراني، أي حكومة طغاة والتي ستعمل على اسقاط العقل وستكون أيضاً أكثر استعداء على العالم مما هي عليه الحكومة الايرانية الآن، ولن تكون هناك طريقة تمكن الشعب الايراني من التصويت من أجل التخلص من مثل هذه السلطة.

' باحث في شؤون آسيا الوسطى

==================

حصة الاندبندنت أو خيبة الاستثمار الإعلامي العربي!

مالك التريكي

4/3/2010

القدس العربي

قبل حوالي عام حملت هذه الزاوية تعليقا بعنوان 'أيها العرب اشتروا الاندبندنت!'. وبما أن العرب مصرون دوما على أنه 'ليس لهم في الطيب نصيب'، حسب العبارة المصرية الشائعة، فقد أفادت الأنباء بأن المستثمر الروسي ألكسندر ليبديف هو الذي اشترى الاندبندنت، قبل حوالي أسبوع، فأنقذها بمثلما فعل قبل عام مع صحيفة لندن إيفننغ ستاندرد التي كانت ستعلن الإفلاس والإغلاق لو لا أنه اشترى أكثر من 75 بالمائة من أسهمها.

وكان التعليق المذكور قد اختتم بالاعتذار عن سذاجة هذه الدعوة الموجهة إلى قوم 'ليس لهم في العير ولا في النفير'، قوم هم في شغل شاغل عن الصحف الجادة والاستراتيجيات الإعلامية وكيفية توظيفها في خدمة القضايا الوطنية. إذ لم يكن الظن ليذهب بنا إلى أن انتزاع مثل هذا القرار - أي شراء الاندبندنت أو أي صحيفة غربية مرموقة- من غياهب المستحيلات هو من الأمور التي في متناول عرب هذا الزمان. فأنّى لقوم تقعد بهم الهمة عن أيسر الممكنات أن يجترحوا خوارق المعجزات. وما كان بنا من وهم بأن دعوة من هذا القبيل يمكن أن تعدو كونها 'صرخة في واد ونفخة في رماد'. فالأغلبية الساحقة من رجال الأعمال العرب لا يستثمرون في الإعلام. أما القلة القليلة التي تستثمر فيه فهي تكاد لا تستثمر إلا في القنوات الفضائية التي تبث بالعربية أو العامية والتي تتناسل وتتناسخ بالمئات حتى عادت لكثرتها وتشابهها وغثاثتها 'أكثر من الهم على القلب' في أسوأ الأحوال. أما في أفضلها فهي تبديد لمجال الأثير وتضييق لمساحة البث، بل 'مضيعة للمكان'، حسب العبارة الإنكليزية الشهيرة التي تطلق تهكما في إحالة ضمنية إلى 'مضيعة الوقت'.

هذه القلة القليلة من رجال الأعمال العرب التي لها اهتمام ما بالإعلام لا تستثمر إلا في قنوات التفاهة التلفزيونية.

أما النخبة التي تستثمر في قنوات الأخبار فإنها لا تفعل ذلك إلا في إطار تموقعات وتخندقات حزبية وطائفية ومذهبية أو في إطار تثبيت لعبة توازن الرعب: توازن رعب الكيد السياسي والتربص 'الأخوي'.

توازن رعب النكاية الإقليمية والوشاية 'الزبونية' لدى سلطة الحماية الأمريكية. ذلك أن المال الداعم للقنوات الإخبارية العربية ليس مالا استثماريا بل هو مال سياسي. صحيح أن من بين هذه القلة القليلة من رجال الأعمال العرب من تبلغ به الشجاعة أو النباهة درجة الاستثمار في الجرائد، مثلما حدث في بعض دول الخليج. وهذا في حد ذاته أمر محمود مبدئيا. إلا أنها جرائد لا تسمع صوت العرب، ناهيك عن أن تبلّغ رسالتهم، إلى العالم. ذلك أنها لا تستخدم إلا اللغة العربية ولا تخاطب إلا الناطقين بها. بحيث أن مزيّتها الكبرى لا تتجاوز إتاحتها لكثير من الأقلام العربية الجيدة فرصة تعبير قد لا تكون متاحة في بلدانها الأصلية. ولهذا فإن أكثر ما يلفت النظر في هذا النوع من الجرائد هي صفحات الرأي التي غالبا ما تتسم بالتنوع وأحيانا بالثراء.

لقد سبق أن أكدنا على أهمية الاندبندنت باعتبارها (مع الغارديان) أحد أبرز صوتين ليبراليين في بريطانيا، وباعتبار تفردها دون سواها بالمجاهرة، خاصة في شأن الكيان الإسرائيلي، بحقائق وفضحها لمظالم وجرائم يسكت عنها معظم الإعلام البريطاني.

أما ألكسندر ليبديف (الذي كان قد جاء إلى لندن في الثمانينيات في إطار عمله الاستخباري لدى كي جي بي!) فإن المنطق الذي يصدر عنه في شراء جريدة تبلغ خسائرها السنوية عشرة ملايين جنيه استرليني (ولو أن هذا ليس استثناء بين الصحف، إذ إن خسائر الغارديان مثلا لا تقل عن 36 مليون جنيه) هو المنطق ذاته الذي جعله ينقذ لندن إيفننغ استاندرد، فإذا بتوزيعها يزيد في عام واحد من 250 ألف نسخة إلى 600 ألف نسخة. وهو المنطق ذاته الذي جعله يشارك ميخائيل غورباتشوف ملكية 'نوفايا غازيتا'، إحدى الصحف المستقلة والجريئة القليلة في روسيا.

وقد كان اغتيال الصحافية آنا بوليتكوفسكايا عام 2006، عقب نشرها في 'نوفايا غازيتا' سلسلة تحقيقات عن الحملة العسكرية الروسية في الشيشان، من تبعات هذه الجرأة.

ولعل أبلغ تعبير عن هذا المنطق المدني والسياسي، الذي لا يترفع على مقتضيات الربحية وإنما يدرجها في إطار استراتيجية استثمار فكري بعيدة المقاصد، قول رئيس مجلس إدارة الشركة التي اشترت الاندبندنت يفغيني ليبديف (نجل ألكسندر) 'إني مؤمن أقوى الإيمان بقيمة الصحف الجادة وأهمية مراميها'، وقول والده إن 'الجرائد التي تنقل الأنباء باستقلالية وتجدّ في طلب الحقيقة إنما تقع في الصميم من المسعى إلى توطيد الديمقراطية والشفافية'.

==================

التهديد الاردوغاني

تسفي برئيل

هآرتس الاسرائيلية

الرأي الاردنية

3-4-2010

عندما عرض الامين العام للجامعة العربية على اعضاء الجامعة اجراء حوار استراتيجي مع ايران، فانه لم يتمن بالضبط أن يكون بالذات رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان هو أول من يقفز الى العربة.

 موسى وزعماء الدول العربية وان كانوا راضين عن الانعطافة التي طرأت على علاقات ايران مع اسرائيل من تصريحاته في موضوع القدس ومن الصفعات الدورية التي يوجهها للزعماء الاسرائيليين. ولكن عندما يسارع اردوغان، الصديق المقرب من سوريا، والتي تقيم بلاده علاقات تجارية متينة مع ايران، الى ضم ايران الى الدائرة العربية تبدأ الشبهات القديمة بالانبعاث الى السطح.

"هل الجامعة العربية تهجر الساحة العربية في صالح ساحة غير عربية؟".

سأل مراسل صحيفة مصرية موسى في المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد القمة. فتلوى موسى. في حديثه السريع شرح ما نم عن أن المشاكل هي اقليمية وأنه لا يمكن فصل المنطقة العربية عن باقي المناطق، وأن تركيا وايران ينبغي ان تكونا جزءا من الحوار الشامل، ولكن من المشكوك فيه أن يكون قد نجح في اقناع المراسل، فما بالك القيادة المصرية والسعودية، التي رفضت الاقتراح الذي لم يندرج في البيان الختامي.

 في نظرهما، ايران، هي التهديد، بسبب تطلعها الى ان تبني لنفسها هيمنة بديلة في هيمنة القيادة العربية في الشرق الاوسط.

 تقييد نفوذ ايران في الشرق الاوسط أصبح المهمة المركزية لمصر والسعودية، اللتين تريا كيف نجح النظام الايراني في أن يحقق موطىء قدم في معظم النزاعات في الشرق الاوسط. في النزاع الفلسطيني عبر حماس؛ في لبنان عبر حزب الله؛ في اليمن بواسطة مجموعة الانعزاليين الشيعة؛ في البحرين من خلال التعاون مع الاغلبية الشيعية وحتى عبر الوزير في الحكومة، وفي العراق – عبر مجموعة الاحزاب الدينية.

التخوف العربي هو انه في الاماكن التي لا يمكنها ان تتسلل اليها بشكل مباشر، ستحاول ايران استخدام مبعوثين مثل تركيا وسوريا.

اذا كانت مصر تهاجم ايران مباشرة وترى فيها جهة معادية، تعرض المنطقة والهيمنة العربية للخطر – فبالنسبة لتركيا النهج مختلف. فمصر تصد تركيا المرة تلو الاخرى. وهي لا تسمح بالمشاركة في المسيرة السياسية وقد ابعدت بأدب عن الوساطة الفلسطينية الداخلية، بل انها منعت قبل بضعة اشهر بعثة المساعدة البريطانية، التي تمتعت برعاية تركيا من دخول غزة. اردوغان نفسه، رغم العلاقة الشخصية السليمة بينهما، يمثل في نظر حسني مبارك ذات التيار الديني الذي يقاتل ضده في مصر. "يدور الحديث عن اخوان مسلمين من نوع تركي"، كتب منذ وقت غير بعيد محلل مصري عن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.

 رغم رد اقتراحه، وعد موسى بأنه لن يتراجع. الجامعة العربية ستنعقد مرة اخرى في ايلول في "اجتماع خاص"، لمتابعة تنفيذ قرارات الجامعة وهناك من المتوقع لموسى ان يطرح اقتراحه مرة ثانية. الموعد لم يتم اختياره صدفة. في أيلول ستنتهي فترة تجميد البناء في المستوطنات، وعندها ستكون الجامعة مطالبة مرة اخرى في التصدي لمسألة هل تمنح رعايتها لادارة مفاوضات مع اسرائيل. كما ان هذا تلميح شديد الوضوح للرئيس اوباما من جانب الدول، الموقعة على المبادرة العربية بأن هذه المبادرة ليست خالدة.

اذا كان اردوغان في القاهرة يحظى بتصفيق عاصف، قطع الخطاب الذي ألقاه أمام المجتمعين في الجامعة العربية في سيرت، ففي أنقرة ينتظره صراع سياسي هائل كفيل بأن يقرر مصيره السياسي. 26 مادة في الدستور التركي يتطلع اردوغان الى تغييرها في اطار رزمة الاصلاحات التي عرضها على البرلمان، رزمة تتحدى مركزي التهديد على حزبه – الجيش والجهاز القضائي. ظاهرا، يتجه الاصلاح واسع النطاق الى تأهيل تركيا لقبولها في اوروبا. اما عمليا، فيرمي هذا الاصلاح الى ان يعزز اكثر فاكثر الحزب الحاكم وقبضة اردوغان على مؤسسات الدولة.

 حتى الان لم ينجح اردوغان في ان يدفع الى الامام بالبرنامج الديني لحزبه. كل محاولة للتغيير بالقانون للمكانة الدينية تواجه بمقاومة وباحباط من مؤسسات الجيش او القضاء. هكذا مثلا، ألغت المحكمة الدستورية تشريعا برلمانيا سمح للنساء بارتداء النقاب في الجامعات.

تطلع اردوغان للسماح لخريجي المدارس الدينية بتعلم مواضيع مدنية في الجامعات لم يتحقق، ومثله ايضا نيته لتغيير بنية المجلس الاعلى للتعليم. وهو نفسه كاد يفقد منصبه وحزبه وقف على حافة الاغلاق في 2008، بعد ان قررت المحكمة بأن "الحزب هو بؤرة مركزية لنشاط مناهض للعلمانية في الدولة"، على حد صيغة المخالفة المقررة في القانون.

 اردوغان يتوجه بالتالي الى رزمة شاملة. لا تعديل قانون او صلاحيات بالصمت، بل عصف جارف للجهاز القضائي. كي لا يتمكن بعد الان من تهديده او تهديد حزبه. الخطوة الاولى ستكون الزيادة من سبعة الى 12 لعدد الاعضاء في المجلس الاعلى للقضاة والمدعين العامين. هذه هي الهيئة المسؤولة عن تعيين القضاة والمدعين العام ومعاقبتهم وهي التي تملي جدول الاعمال الفكري للمحاكم.

 اعضاء هذا المجلس ينتخبهم البرلمان الذي يخضع في هذه اللحظة لسيطرة حزب اردوغان وهكذا ايضا اعضاء المحكمة الدستورية الذين سيرتفع عددهم من 11 الى 19.

 حيال اردوغان تقف معارضة حازمة، سياسية وعسكرية، ولكنه يعتمد على الجمهور الذي منحه النصر، وهو كفيل بأن يطرح الرزمة على استفتاء شعبي. اذا ما نجحت خطوته – فمن المتوقع للحزب الحاكم ليس فقط سنوات طويلة في الحكم، بل وايضا سيطرة على المؤسسات التي كانت حتى الان خارج متناول يده.

==================

امريكا واسرائيل ترعبان العالم بالزلازل والاعاصير الاصطناعية

المحامي سفيان الشوا

 الدستور

 3-4-2010

سلاح رهيب يجعل مخططات امريكا واسرائيل للسيطرة على العالم دون حروب تقليدية وصلت الى مراحلها الاخيرة فبعد ان استخدمت اسرائيل الغاز الذي يصهر الانسان في مجزرة مخيم جنين الشهيرة سنة .3002. جاء دور الغاز المدمر (غاز الكيمتريل) فقد ظهرت تقارير صحفية تحذر بان زلزال هاييتي.. كان بسبب استعمال القوات الامريكية (الكيمتريل) وان ما شهدته هاييتي بروفة على حروب المستقبل.. خاصة التي سوف تشنها امريكا واسرائيل ضد العرب وايران..؟ بدلا من الحروب التقليدية.

 

ان غاز الكيمتريل هو سلاح رهيب يفوق القنابل الذرية.. واحدث اسلحة الدمار الشامل في ترسانة الاسلحة الامريكية والاسرائيلية..،، ويستخدم لاستحداث الظواهر الطبيعية مثل الزلازل والاعاصير والبرق والرعد والعواصف ويمكنه ايضا نشر الجفاف والتصحر وايقاف هطول الامطار.. بالدول غير المرغوب فيها امريكيا واسرائيليا.. فهو مركبات كيماوية تنشر على ارتفاعات جوية مختلفة لاستحداث ظواهر طبيعيه بشكل صناعي.

 

الكيمتريل اكتشفه الاتحاد السوفييتي وتحديدا الباحث الصربي (نيقولا تيسلا..) الذي اكتشف الموجات الكهرومغناطيسية.. واكتشف اطلاق شحنات من موجات الراديو فائقة القصر مما يسفر عن اطلاق الاعاصير الاصطناعية.

 

فالبروفيسور نيقولا تيسلا يعتبر مؤسس علم الهندسة المناخية.. واول ظهور للكيمتريل كان في موسكو في الاحتفال بمرور 60 سنة على هزيمة المانيا حيث استخدمت الطائرات العسكرية في رش غاز الكيمتريل في سماء موسكو لتشتيت السحاب واجراء الاحتفال والاستعراض العسكري في جو مشمس؟ وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي سافر العلماء السوفييت او اختطفوا او تم اغراؤهم وذهبوا الى امريكا واسرائيل بكثافة وباساليب شتى..،، حيث تطورت ابحاث الكيمتريل وتوصل علماء امريكا الي تطبيقات تؤدي الي الدمار الشامل.. وهي اسلحة يطلق عليها (الاسلحة الزلزالية) يمكن بها احداث زلازل مدمرة اصطناعية.. واعاصير مدمرة.. وفياضانات.. الخ. واعترف بهذا الكولونيل تامزي هاوس احد جنرالات الجيش الامريكي في محاضرة نشرت على شبكة معلومات القوات الجوية الامريكية.. وكشف فيها ان امريكا سوف تكون قادرة على التحكم في طقس اي منطقة في العالم..؟ عن طريق تكنولوجيا عسكرية غير نووية هي (الكيمتريل)..،،. واضاف في المحاضرة توصية "البنتاجون" باستخدام اسلحة التحكم في الطقس لاطلاق الكوارث الطبيعية الاصطناعية من اعاصير وفيضانات وجفاف..؟؟. وفي ايار سنة 2003 اعلن العالم الكندي (ديبي شيلد..) انه اطلع على وثائق سرية امريكية تفيد اطلاق الكيمتريل فوق كوريا الشمالية وافغانستان واقليم كوسوفو والعراق ونشر هذا في موقع الكتروني هو (هولمزليد) وبعد 3 سنوات وجد العالم الكندي مقتولا في سيارته..،،، وقيل تبريرا لذلك انه انتحر..،،.

 

في 7 ايار 2007 نشرت صحيفة الاهرام المصرية.. تصريحات مذهلة للدكتور منير محمد الحسيني.. استاذ المكافحة البيولوجية وحماية البيئة بجامعة القاهرة.. في ابحاث عن الكيمتريل قال فيه ان علماء الفضاء والطقس في امريكا اطلقوا (الكيمتريل) فوق اجواء كوريا الشمالية فتحول الطقس الي جاف واتلفت محاصيل الارز وهو الغذاء الرئيس لهم.. وتعرضوا للمجاعة والموت عطشا حيث توفي هناك 6,2 مليون طفل خلال عامين فقط من سنة 2002 - 2004 وما زالت المجاعة في كوريا الشمالية حتى يومنا هذا.. بسبب الكيمتريل المدمر،،.

 

ومثال اخر ساقه الدكتور الحسيني في مقاله المذكور هو اطلاق الطائرات الامريكية غاز الكيمتريل فوق منطقة تورا بورا في افغانستان لتجفيف البيئة ونضوب المياه في المنطقة الامر الذي دفع المقاتلين الافغان الي الفرار والخروج من المخابىء الجبلية فيسهل اصطيادهم. اما العراق فقد قامت وكالة ناسا سنة 1991 باطلاق غاز الكيمتريل.. قبل حرب الخليج الثانية وقد طعم الجنود الامريكيون باللقاح الواقي.. ورغم ذلك عاد %47 من الجنود مصابون بالميكروب واعلن في حينها عن اصابتهم بمرض مجهول.. اطلق عليه مرض الخليج..،،.

 

ولقد فجر الدكتور الحسيني.. قنبلة لم تكن متوقعة.. فان علماء المناخ الاسرائيليين دخلوا على هذا الخط الساخن..؟ وقاموا بتطوير هذا السلاح وهم الذين اطلقوا الكيمتريل..؟ فسبب اعصار جونو.. العام الماضي. وهو الذي ضرب سلطنة عمان واحدث خرابا وتدميرا كبيرا ثم جنح بعد ذلك الي ايران.. بعد ان فقد نصف قوته..، واردف الدكتور الحسيني قائلا بكل تأكيد هو صناعة امريكية واسرائيلية.. وليست عمان هي المقصودة بالدمار وانما الهدف كان ايران.. فقد كان الاعصار بسرعة 250 كيلومترا في الساعة الا انه عند وصوله ايران فقد نصف قوته التدميرية..،،.

 

ويضيف العالم المصري قائلا ان التجارب الامريكية والاسرائيلية سبب فيما يسمى موجات الحر القاتل.. التي حدثت في باريس سنة 2003 وجنوب اوروبا سنة ,2007 وبالاضافة الي ما سبق فان الكيمتريل.. يسبب الموت (بالصواعق) كما حدث في نيسان سنة 2006 عندما قتل اثنان من رعاة الغنم في المنصورة صعقا. وكذلك في 13 4 2007 عندما قتل 3 مزارعين في محافظة البحيرة.. امريكا سوف تقوم بردع ايران وثنيها عن المضي في برنامجها النووي عن طريق تكنولوجيا جديدة.. لاحداث الكوارث الاصطناعية من فيضانات وزلازل وصواعق وجفاف واعاصير.. الخ ، فان الاندفاع الامريكي نحو السيطرة على الكون لا يوقفه الا الالتزام الاخلاقي.. وهو غير موجود على شاشة الاعلام الامريكي في هذه الايام او في الافق المنظور.

ويبدو اننا امام صورة جديدة للعالم فان الاعلان عن قيام الامبراطورية الاسرائيلية بات وشيكا وهي تشارك الطموح الامريكي رغبته في السيطرة على الكون.. فالعالم مهدد مستقبلا بحروب تدميرية ولكن ليست من خلال الغزو والاستعمار التقليدي وانما من خلال حروب غامضة ستظهر على انها كوارث طبيعيه بريئة ولا تحركها ايد خبيثة..،.

ليس لنا الا ان نطلب الرحمة من الله عز وجل في وجه اعداء الانسانية.. انه قريب سميع مجيب الدعاء..، ولكن الدعاء وحده لا يغني عن عمل الابحاث العلمية للدفاع عن انفسنا في وجه مصاصي الدماء في العالم..،،.

==================

باراك : الصبي الخيالي

أمير اورن - «هآرتس»

الدستور

3-4-2010

في مبنى الكنيست ، في القدس الصغيرة والقديمة ، انتظر رئيس المخابرات عاموس مانور رئيس الوزراء دافيد بن غوريون الذي القى كلمة عن نيته في أن يشكل مرة اخرى حكومة "بدون حيروت وبدون ماكي" (بدون حزب اليمين المتطرف واليسار المتطرف الشيوعي) ، وبعد سنوات من ذلك روى مانور لصديقه ، رجل الاعمال اسحاق غديش ، عن حديثه مع بن غوريون ، في طريقهما الى مكتبه.

 

"لماذا بدون حيروت؟" تساءل مانور ، "بدون ماكي ، أفهم ، ولكن بدون حيروت؟ لماذا ، انهم يهود ، صهاينة ، وطنيون". بن غوريون ، على عادته ، لم يرد فورا على السؤال ، ولكن عندما وصلا الى رواق ديوان رئيس الوزراء ، توقف فجأة ، وكأنه وجد الكلمة التي يبحث عنها ، أمسك بمانور من زر سترته وقال له: "يا عاموس ، انهم خياليون ، اعطهم السلطة وقد يصلوا في النهاية الى تصفية الدولة،".

 

المصالحة المتأخرة لبن غوريون مع مناحيم بيغن ، بمناسبة منافستهما المشتركة مع ليفي اشكول ، لم تلغ صحة القول ، ان بنيامين نتنياهو هو سليل لسلالة خياليين: خطباء ، أنبياء ، شعراء ، محبون للشفقة الذاتية ، ما له وايهود باراك ، الذي يتردد فيما اذا كان سيجعل نفسه صبي الخيالي في حكومة "الرأس في الحائط" كي يعود الى مدرسة بن غوريون.

 

باراك يندم الان على حماسته للانضمام قبل سنة لجوقة نتنياهو ، ككمان ثالث: بينما هو عازف بيانو اصلا. وهو يعرف منذ الان بأن النتيجة بائسة. وسخيف أن نسمع على لسانه ثناء على جدية السباعية: هناك مواساة صغيرة وهي أنه سيسبق خراب اسرائيل عمل منظم (باستثناء القطيعة المؤسفة بين لجان التخطيط البلدية والوزراء) ، فهذه لم تكن فاخرة كخلية غولدا مئير ، مع موشيه ديان وابا ايبان ، يغئال الون وبنحاس سابير ، الى ان تبدد البهاء في يوم الغفران 1973 ، وفي عائلة نتنياهو ليس الاقزام السبعة هم الذين يقررون بل بيضاء الثلج.

 

ما لحزب العمل برئاسة باراك والمناورة المكشوفة والسخيفة لنتنياهو الذي ينبش في السياسة الامريكية الداخلية وكأن حزبا واحدا ، وهو الجمهوري ، يمتد على جانبي المحيط. لقد طلب جون باينر ، زعيم الجمهوريين في مجلس النواب ، هذا الاسبوع من مؤيديه تبرعات للكفاح ضد اوباما في جبهتين - اسرائيل والتأمين الصحي - وهكذا أكد اشتباه الديمقراطيين بأن نتنياهو هو خصمهم السياسي. غير ان 300 عضو كونغرس من الحزبين صمتوا بانضباط شديد فيما يتعلق بمسألة البناء في القدس وركزوا فقط على مسألة التشريفات وتنظيم العلاقات.

 

وحتى لو كان يجلس الان في البيت الابيض جورج دبليو بوش - الرئيس الاول الذي تحدث عن اقامة دولة فلسطينية والذي اجبر شارون على ان قول آمين - أو جون مكين ، لما كانت هناك سياسة اخرى للادارة. ان رونالد ريغان اياه صاحب "مشروع ريغان" للعام 1982 ، كان جمهوريا ، مثله مثل نائبه وخليفته جورج بوش وهنري كيسينجر وجيمس بيكر. وفي لحظة السلام ، المتعلق أساسا و ليس فقط بتسليم عربي لاسرائيل ، الاتجاه كان دوما ولا يزال الخط الاخضر ، والسؤال الوحيد كان: هل انتظار حلول السلام بدون العمل على ذلك و ترك المستوطنات في هذه الاثناء على حالها وباقي "الحقائق على الارض" تقلص الفرصة في ان يحل السلام حقا؟.

 

اوباما لن يتنازل ، فليس لديه وقت ، وهو يتطلع لان يكون رئيسا كبيرا ومحبوبا ، وليس مجرد رقم في متسلسلة زعماء اميريكا ، زعيما يقلب الميول ويغير انظمة العالم ، يحدد أهدافا ويحققها ، وفي سياق الشرق الاوسط ، هدفه معقول ويتناسب مع الاوامر العليا لأمن اسرائيل. وفي الحقيقة أنه يختلف عن موشيه فايغلين والمستوطنين ، الذين بدونهم ليس لنتنياهو حزب ، وربما حتى عن موقف سارة نتنياهو.

 

هذا ليس اوباما: انه بيبي. وباراك عين نفسه محولا لهما ، انه الجهاز الذي يحول 220 فولت نتنياهو الى 110 فولت اوباما. لقد مرت سنة وثبت ان لا غطاء لهذا ، احد الطرفين سيحترق ، هو والمحول ، وعندما يكون الفارق بين الخيال والواقع بهذا العمق فان نجاعة باراك في دوره هذا صفر. فهو ينظر الى باب مكتبه ويصارع بقوة الجذب الهائلة التي تشله في كرسيه تحت صورة بن غوريون. في هذا الاسبوع بدا اخيرا ، بانه بدأ ينهض وان كان ايضا كي يعود الى ذات المكان في حكومة اخرى تتميز بحرص حقيقي على أمن اسرائيل.

==================

عقوبات أمريكية على مثنى حارث الضاري

ياسر الزعاترة

 الدستور

3-4-2010

ربما شكل قرار وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات مالية على الدكتور مثنى حارث الضاري مفاجأة في هذا التوقيت مع ظهور نتائج الانتخابات العراقية ، لاسيما أنه قرار يتجاوز الحيثيات التقليدية المتعلقة باستهداف الرجل ماليا ، هو الذي لا يملك الكثير من الأصول التي يمكن الحجز عليها ، اللهم إلا إذا قرروا الحجز على بيته ، وربما بيت أبيه في بغداد.

 

مثنى الضاري هو المسؤول الإعلامي في هيئة علماء المسلمين ، وما قاله الأمريكان حول علاقته بالقاعدة كمبرر لاستهدفه ليس صحيحا بحال ، بل إنه لم يسلم ، لا هو ولا والده من هجمات التنظيم الإعلامية ، وإن تراجع ذلك بعض الشيء خلال الأعوام الأخيرة بسبب أولويات القاعدة في الساحة العراقية.

 

للأمريكان ثأر وأي ثأر مع الشيخ حارث الضاري ، وهيئة علماء المسلمين ، وبالضرورة الدكتور مثنى كصوت إعلامي مهم للخط الذي تمثله ، ولذلك جملة من الأسباب التي لا تخفى على المراقبين. لعل أولها من دون شك هو تبني خيار المقاومة الذي يثير انزعاج الولايات المتحدة إلى حد كبير ، هو الذي فرض عليها الفشل والتراجع ، مع العلم أن إحياء المقاومة لا زال هاجسا للقيادة الأمريكية التي تحتفل بتراجع خسائرها في العراق ، وتسعى إلى لجم أية أصوات تدفع في اتجاه عودة المقاومة ، أو تصعيدها من جديد.

 

والحق أن الهيئة هي الصوت الأصيل للمقاومة ، من دون إنكار حقيقة تراجع فعلها (أعني المقاومة) خلال العامين الأخيرين ، ليس فقط الكتائب والمجاميع التي خولت الشيخ حارث الضاري النطق باسمها ، ولكن أيضا المجموعات التي تنضوي تحت ما يسمى المجلس السياسي للمقاومة ، حتى أن الجيش الإسلامي الذي كان الأكثر نشاطا في ميدان المقاومة خلال الأعوام الأولى لم يعد له وجود يذكر بعد توزع عناصره بين الصحوات وأحزاب وقوائم العملية السياسية (التراجع يشمل نشاط القاعدة أيضا).

 

لا خلاف على أن غياب الدعم والإسناد الخارجي للمقاومة كان سببا أساسيا في تراجعها ، لكن ظاهرة الصحوات كانت بالغة التأثير أيضا ، لاسيما إثر انحياز قطاع كبير من العرب السنة (حاضنو المقاومة) إلى العملية السياسية رغم أنها لم تعطهم الكثير ، وها هم يغيرون البوصلة من جبهة التوافق التي أثبتت فشلها الذريع في حمايتهم من الاستهداف والتهميش ، إلى قائمة إياد علاوي التي فازت بالمرتبة الأولى من دون أن يكون بمقدورها فعل الكثير في مواجهة السيطرة الواسعة للقوى الشيعية على القرار السياسي ، والأهم على الجيش والأجهزة الأمنية.

 

إلى الإصرار على مسار المقاومة ، تضيف هيئة علماء المسلمين ، وشيخها والناطق الأكثر بلاغة باسمها (الدكتور مثنى) ، تضيف رفضا للعملية السياسية ومخرجاتها ، تلك التي لم تعط العراق سوى الطائفية والبؤس بكل تجلياته ، وهو رفض لم يتوقف إلى الآن ، ويبدو أنه سيواصل تأثيره في الساحة ما دام الاستقرار بعيد المنال في ظل المواقف الإيرانية مقابل ضعف الموقف العربي من جهة ، وفي ظل إصرار بعض القوى الشيعية على المضي في برنامج الهيمنة الطائفية من دون النظر إلى مصالح الوطن واستقراره من جهة أخرى.

 

من أجل ذلك كله لم يكن غريبا أن يلاحق الأمريكان مثنى الضاري ، بينما يتخصص أذنابهم في الساحة العراقية في استهداف الهيئة وشيخها ، بل ومعظم القريبين منها. وفيما يرى بعض قصار النظر أن انحياز الناس إلى العملية السياسية ومشاركتهم الواسعة في الانتخابات قد جاء تأكيدا على خطأ المسار الذي اختطته الهيئة ، فإن واقع الحال لا زال يؤكد أن كل المصائب القائمة إنما هي نتاج أخطاء الحزب الإسلامي ومن داروا في فلكه ، بدليل معاقبة العرب السنة لهم. ولولا سلوك هؤلاء لما كان بوسع الأمريكان أن يفرضوا المسار الذي فرضوه ، ولكان بوسع المقاومة أن تفرض رؤيتها وبرنامجها.

 

خلاصة القول هي أن مثنى الضاري يدفع ثمن مواقفه ، وما جرى دليل على صواب مساره ، ولن يختلف مع ذلك سوى أولئك الذين يعتقدون أن واشنطن تبحث حقا عن مصالح العراقيين ، ومن ضمنهم العرب السنة.

==================

زمان عربي وأزمنة صهيونية؟

ممدوح رحمون

السفير

3-4-2010

تعود بي الذكريات للعام 1956، عندما كانت سوريا تتعرض لضغوطات الأحلاف الغربية، كحلف بغداد، والى العدوان الثلاثي على مصر في خريف العام نفسه، حيث بلغت حماسة الأمة العربية الأوج لمساعدة مصر بعد العدوان الثلاثي (البريطاني الفرنسي الصهيوني) وكل منهم جاء بحسب رغباته وأهوائه، فما إن بدأ العدوان الثلاثي على مصر، حتى سارعت قيادة الجيش السوري الى تشكيل قوة ضاربة بكامل عديدها وعتادها، واسندت قيادة هذه المجموعة للعقيد الركن سهيل العشي، واجتازت الحدود السورية، بالاتفاق مع الاردن، لتنتشر على الحدود الأردنية الفلسطينية ومساعدة الجيش الاردني، بقيادته الجديدة، بعد عزل الجنرال غلوب باشا من منصبه، ليتكامل الجيشان بكل ما في الكلمة من معنى.

وتداعى الضباط في الجيش السوري، السادة عفيف البزري، هيثم كيلاني، عبد الحميد السراج، أكرم ديري، مصطفى حمدون، طعمة العودة الله، أحمد حنيدي، جادو عز الدين، زياد الحريري، حسين القاضي، وآخرون من رتب مختلفة، واستقر رأيهم بأنه لا يجوز السكوت على العدوان في الوقت الذي يهاجَم فيه القطر العربي المصري، واستقر الرأي على تفجير محطات البترول العراقي البريطاني، الذي ينساب الى مرفأ بانياس في سوريا، والى طرابلس في لبنان، والى حيفا في فلسطين، ليغذي دول العدوان الثلاث.

وأُوكل الأمر للعقيد عبد الحميد السراج مدير المخابرات العامة والعقيد أكرم ديري مدير الشرطة العسكرية للتصرف، فقام السراج باستدعاء زمرة من الضباط الذين خبرهم في الملمات وهم الملازم الأول عبدو الحكيم باتخاذ الترتبيات اللازمة، والذي كلف بنسف المحطة الثانية T-2 في محافظة دير الزور القريبة من الحدود العراقية، ومعه ضباط الهندسة الملازم كامل عرنوس، كما كلف الملازم أول هيثم الأيوبي، بنسف المحطة الثالثة T-3 التي تقع الى الشرق من تدمر. كما كلف الملازم أول (بهزاد عمّار) نسف المحطة الرابعة T-4 ومعه الملازم شايش تركاوي.

 

وبما أن المحطة الثانية قريبة من الحدود العراقية، فقد خشيت القيادة افتضاح أمرها للانكليز ولحكومة نوري السعيد، فأخذت الاحتياطات الكافية لرد أي هجوم محتمل عليها.

وانطلق الجميع عصر يوم 31/10/1956 وتوجه كل منهم لتنفيذ المهمة الملقاة على عاتقه، أما المحطة الأولى T-1 فكانت تقع في العراق. وقد قُطعت الطرق من والى المحطات الثلاث وما بينها حفاظاً على سرية العملية وقد تفهم الجميع طبيعة المهام وبدأوا بتنفيذ خططهم:

بإقصاء حراس محطات الضخ من أماكن الحراسة، بإشاعة أن البدو يهاجمون المحطة بقصد السرقة.

(ب) إبعاد العمال عن مناطق أعمالهم ومساكنهم القريبة من المحطة، وذلك تفادياً لوقوع خسائر بالأرواح.

(ج) وفي ذات الوقت، بدأوا بإطلاق الرصاص بحجة مقاتلة البدو، وطردهم من المحطة وكانت المفاجأة في محطة T-2 التي كان مديرها المستر (كولير) وكان يقود سيارته بنفسه وغير مصدّق لما يجري أمام عينيه، غير أن الملازم أول عبدو الحكيم أمر جنوده بإطلاق صليات رشاشة باتجاهه كانت كافية لعودته من حيث أتى...

وبعد أن قام الضباط بتنفيذ المهمة على أكمل وجه، اتصل السراج من تدمر بالملازم الأول عبدو الحكيم وقال له: أنا مكلف من القيادة السياسية للاشراف على التحقيق بموضوع الانفجارات... فأسقط في يدي. وإذا به يقول:

لا تكملوا التحقيق، واضاف بما معناه (لتفعل القيادة السياسية ما تشاء لها أن تفعل...) (رسالة شخصية موجودة بعهدتي).

وهكذا انقطع شريان الحياة الرئيسي الذي كان يغذي الأعداء انقطاعاً كلياً، فكان أولئك القادة هم المقررين، وأصبح هؤلاء الضباط وجنودهم المنفذين، وانطلت التمثيلية على الطاقم السياسي، بعد أن انتهى تحقيق السراج...!...

وكان من نتائج هذه العملية التي ساهمت فيها عناصر كفاحية من الأمة، ان أشرف الجنيه الاسترليني على السقوط، وانزوى رئيس وزراء بريطانيا (المستر ايدن) في جزيرة (جامايكا) حزينا على ما أقدم عليه وباء الفشل، وخرج عبد الناصر زعيماً، تحررت على ايدي رجاله ومقاومته، بور سعيد وقناة السويس، ما فتح الطريق لاستكمال التحرير بالوحدة بين مصر وسوريا.

تلك كانت أيام... فهل ما نعيشه يمت الى الزمن العربي أم الى الزمن الصهيوني؟

==================

جوزف ستيغلتز: انتصار الجشع .. وذنوب المصارف

السفير

تعريب: مازن السيد

3-4-2010

ليس الحوار مع الخبير الاقتصادي جوزيف ستيغليتز الحائز جائزة نوبل في العام 2001، حوارا مع ماركسيّ يرفض جذريا المنظومة الرأسمالية برمّتها، بل هو حوار مع اختصاصي يأتي من صلب الثقافة الاقتصادية الليبرالية، رافضا في الوقت نفسه سيطرة الأسواق المالية على ديناميكية الاقتصاد، ما جعله بين اوائل المنبهين للأزمة المالية العالمية قبل حدوثها، وأبرز الداعين إلى الإصلاح المالي بعده، كما يظهر في الحوار الذي اجرته معه مجلة «لو نوفيل اوبسرفاتور» الفرنسية.

 

{ كيف تنظرون إلى المضاربات التي تستهدف الحلقات الأضعف في منطقة اليورو؟

^ إنه شيء لا يصدق، فالديون الخارجية والعجز العام في اليونان والبرتغال واسبانيا وايطاليا، ليست سوى نتيجة انقاذ المصارف التي سببت بأعمالها الازمة. والآن، تحقق هذه المؤسسات المالية نفسها ارباحا طائلة بانقضاضها على من أنقذها! لكن ذلك ليس مفاجئا، فلم يتم تغيير القوانين ولا الحوافز حول عمل هذه المؤسسات التي منحت أموالا بفوائد ضعيفة، لتفعل فيها ما تشاء بغير ضوابط، وهي تستخدمها للدفع بالارباح، غير آبهة بالثمن الاجتماعي. والأسوأ من ذلك، ان العملاء الماليين الذين وضعونا في هذه الازمة، يأخذون الامور الآن نحو مزيد من التأزم، لأننا إذا خفّضنا العجز العام، فسوف يعود الاقتصاد إلى الانكماش...إن في ذلك دليلا دامغا على قصر نظر الأسواق والحاجة الملحة إلى الإصلاحات.

{ هل للمضاربين القدرة على ضرب اليورو؟

^ كلا، إذا ظهرت اوروبا قوية ومصممة، بامكانها أيضا أن تسبب خسائر للمضاربين ضدها.

{ هل جشع «وول ستريت» هو السبب الوحيد للأزمة؟ ألم يفشل المنظمون ايضا؟

^ لقد كتبت «انتصار الجشع» للتشديد على المسؤولية الرئيسية للمصرفيين. إن خطأهم لم يقتصر على عدم تأديتهم وظائفهم وتدميرهم لاقتصادنا فحسب، بل قادوا حملة لالقاء المسؤولية على عاتق الآخرين! لقد فشل المصرفيون بجشعهم وبتقصيرهم، فقد وضعوا نظام مكافآت يشجع المخاطرة المفرطة والاستراتيجيات القصيرة الأمد. ولم يمنع المنظمون المصارف من اساءة التصرف، لكن إذا تمت سرقة محل تجاري، يتوجه اللوم إلى السارق لا إلى الشرطة بسبب عدم تواجدها في مكان السرقة! بالتأكيد، الاقتصاديون لعبوا دورا في تشريع أيديولوجيا غياب التنظيم.

{ يلوم المصرفيون الخزانة الفدرالية، بحجة أنها لم تحتو الفقاعة، والحكومة الأميركية بحجة انها دفعت نحو التملك العقاري...

^ فكرة إلقاء المسؤولية على سياسة نقدية متسيبة غير منطقية: هل تقتنعون بكلام صناعيّ يدعي أنه يخسر المال لأن اليد العاملة لديه قليلة التكلفة، ما يدفعه إلى سوء استخدامها؟ إنها حجة غبية! كما أنه من عدم النزاهة اتهام سياسات التملك العقاري، ولكوني كنت جزءا من إدارة الرئيس بيل كلينتون استطيع أن اؤكد لكم اننا لم نوص يوما ببيع القصور للفقراء.

{ كيف أمكن لنهج ملتون فريدمان في عدم ضبط الامور، أن يبقى طاغيا بعد الأزمة؟

^ يستمر معظم الاختصاصيين الاقتصاديين والماليين بالقول ان نظام السوق الحرة هذا يعمل جيدا في معظم الأحيان، وإنه لا يجب التخلي عن كل شيء بسبب «حادثة» في كلّ قرن من الزمن. لكن هذه الازمة ليست حدثا وقعوا ضحيته، بل هم من سببه على حسابنا.

{ تقييمكم لكيفية تعامل اوباما مع الأزمة، أتى قاسيا. لكن، ألم يرث اساليب إدارة بوش؟ هل كان من الممكن له الإصلاح خلال اشتعال الحريق؟

^ كان بامكان اوباما أن يقوم بالمزيد، فقد قاد حملته الانتخابية تحت لواء «التغيير الذي نؤمن به»، لكنه انتقى فريقا اقتصاديا مرتبطا بالسياسات الماضية. وأعطى مئات مليارات الدولارات للمصارف دون فرض أي شروط. وعوضا عن إعادة رسملة مصارفهم، استخدم المصرفيون الاموال للانفاق على عطلهم، والحصول على مكافآت ضخمة وتوزيع العائدات على حاملي أسهمهم! لأنه لم يتصرف بشدّة كافية، خسر اوباما جزءا من مصداقيته.

{ لماذا لم يكن أكثر قساوة مع «وول ستريت»؟

^ لأسباب عدة. أولا، فضّل اوباما الحفاظ على استقرار النظام. كما أنه أراد لأم الجراح بعد حقبة بوش التي كانت مليئة بالصراعات. من جهة ثانية، اختار اوباما مستشارين مثل لورانس سامرز وتيم غايتنرى يصغون إلى الأسواق المالية أكثر من اصغائهم لبقية المجتمع. ويجب القول أيضا ان «وول ستريت» قدمت مساهمات ضخمة لحملته الانتخابية. لكن رهانه لم ينجح، فقد قوّض قدرته على الإصلاح، ووضع نفسه في موقع ضعف بما أنه عجز عن إطلاق الاقتصاد فعليا. ولم يسبق للشارع الأميركي أن كنّ حقدا ل«وول ستريت» بالدرجة الحاصلة اليوم.

{ يحاول اوباما الآن اجراء تحول في سياساته عبر اتباع فكرة بول فولكر في إحياء قانون «غلاس ستيغال» لفصل نشاطات الإيداع والاستثمار في المصارف.

^ هذا التحول جدير بالاهتمام. لكن خطة فولكر لا تذهب بعيدا بما يكفي، ولا تحلّ مشكلة المؤسسات «الكبيرة» و«المترابطة» لدرجة تمنع السماح بافلاسها، كما لا تتعامل مع المشكلة الرئيسية في التفشي غير المنظّم للمشتقات المالية. من جهة ثانية، لا نعلم يقينا ما إذا كان اوباما مستعدا لمعركة في الكونغرس من اجل إقرار إجراءات كهذه بمواجهة مصارف بدأت بالفعل تشعل النيران المعادية. في النهاية، وبما ان فريقه ليس مقتنعا تماما، أشك في أن تكافح فعليا من اجل هذه الإصلاحات. لو فعل ذلك قبل عام، لكانت سلطته السياسية أكبر اليوم!

{ هل اتت الإصلاحات المتداولة في اجتماعات مجموعة العشرين على مستوى الأزمة؟

^ إذا تم تطبيق القواعد الجديدة حول أصول المصارف الخاصة، فذلك سيغيّر الأمور. لو تم تخفيض الرافعات المالية من 30 نقطة ديناً مقابل نقطة رأسمال واحدة، إلى 10 أو 12 نقطة ديناً، لما كنا واجهنا مشكلة بهذا الحجم. إصلاح المكافآت المالية، من شأنه أيضا ان يحد من المخاطرة المفرطة. ليس هناك من حلّ سحري، لكننا نستطيع من خلال سلسلة إجراءات الحد من أضرار أي مشكلة محتملة. وبكل الأحوال، من الهام ألا نثق بعد الآن بالمصارف لتقيّم مخاطرها بنفسها، لأن تكلفة الخلل المصرفي تختلف عن تكلفة رهان فردي فاشل، بتبعاتها على كل النظام المالي.

{ ما المتوجب فعله للحد من مخاطر تكرار الازمة؟

^ إنه خليط من الشفافية، وإصلاح الحوافز على صعيد الفرد كما على صعيد المؤسسات، وتخفيض مستويات الرافعة المالية. أضف أنه من الضروري، قوننة المنتجات المالية المشتقة، وتسجيلها في الأسواق. هكذا، يلتزم كافة الناشطين في الأسواق بتشارك مسؤولية عمليات الانقاذ في حال حدوث أي مشكلة، كي لا يكون دافع الضريبة كبش الفداء. حاليا، يشكل مصرف «جي بي مورغان» أكبر المشاركين في أسواق هذه المنتجات المشتقة، لكن الجميع يعلم أن الحكومة الأميركية لن تترك «جي بي مورغان» يسقط. إذاً، فإن في النظام خللا كبيرا، لأن المصارف التي هي أكبر من أن تترك للإفلاس، تتلقى مساعدات من الدولة تجعلها تكبر أكثر، فيما هي أيضا أكبر من أن تدار بشكل سليم.

{ لكن، كيف نتأكد من أن تقليص حجم البنوك لن يؤثر في قدرتها على تمويل الاقتصاد؟

^ تقليص أهمية القطاع المالي أمر جيد، فواقع أنه مسؤول عن 40 في المئة من مجموع ارباح الشركات يثبت مدى تشوه اقتصادنا! ومن شأن الاصلاح المناسب أن يشجع أنشطة أكثر منفعة كالقروض للشركات، وتمويل الأبحاث...

{ هل من الممكن القيام بهذه الإصلاحات، بشكل متواز بين كافة الدول الغربية؟

^ قد يكون ذلك مثاليا، لكنه ليس بواقعين وإذا انتظرنا عملا منسقّا فلن نقوم بأي شيء. والمصرفيون يراهنون في الحقيقة على هذا الشلل. على كل دولة أن تقوم بما تراه مناسبا لحالتها الخاصة، أما حجة الإخلال بالمنافسة فأمر باطل. القلب المالي المفيد سيبقى محليا. أما انشطة المضاربة، فلا ضير في أن تنتقل إلى جزر الكاراييب. بكل الأحوال، هي لا تعود على المجتمع بفائدة حقيقية، بل على المراهنين والمساهمين فحسب.

==================

مبادرة لبنانية – سورية... لِمَ لا ؟

راجح الخوري

النهار

3-4-2010

لا يحتاج المرء إلى شهادات من الآخرين حول أهمية تطوير العلاقات اللبنانيّة – السوريّة، فبين البلدين تاريخ طويل يمكن ترسيخه وتنقيته ليصير صلباً مثل الجغرافيا وقاعدة تحتذى في العلاقات العربية، تماماً كما قال الرئيس بشار الأسد يوماً وكما يريد الرئيس سعد الحريري ويسعى.

وهكذا عندما وقف السناتور جون كيري في دمشق ليعرب عن أمله في أن تتمكن الزيارة المقبلة للرئيس الحريري لسوريا من تعميق التقدم وترسيخ التعاون بين البلدين، كان الحريري في بيروت يبلغ مجلس نقابة الصحافة أنه يتطلّع إلى أفضل العلاقات مع سوريا، وهي العلاقات التي تبنى على خدمة مصالح الشعبين والدولتين.

وإذا كانت الزيارة الأولى التي قام بها الحريري لدمشق قد اكتسبت أهمية كبيرة لأنها شكّلت قاعدة الجسر المرمّم الذي تقوم عليه العلاقة بين البلدين، وفي إطار من الود والحرارة الشخصيّة وفي سياق تصحيحي يرسي قواعد العلاقة التي تحتذى فعلاً، فإن زيارته الثانية، التي يرافقه فيها وفد وزاري فضفاض، لها أهميتها العملية لأنها ستركز على تطوير الاتفاقات القديمة وتوقيع اتفاقات جديدة من شأنها تنظيم العلاقات بين البلدين.

يشكّل انتظام العلاقة بين سوريا ولبنان واحداً من أبرز المداخل الحيويّة لإعادة ترتيب أوضاع "البيت العربي" في هذه المرحلة الدقيقة والحاسمة، كما يشكّل استطراداً ضرورياً لخط المصالحة والتضامن الذي رسمه خادم الحرمين الشريفين في قمّة الكويت كما هو معروف.

وإذا كان هناك من يصاب بالدوار السياسي في أوساط المعارضة اللبنانية لمجرد قيام هذه العلاقة بين الرئيسين الأسد والحريري، فإن كلام الحريري عشيّة زيارته لدمشق قد سبب مزيداً من الدوار لهؤلاء وخصوصاً عندما يقول: "(...) إن العلاقات الشخصية مع الرئيس الأسد ستوظّف لتخدم بشكل أفضل المصالح المشتركة بين البلدين. وإن مقاربة هذا الموضوع لا يصحّ أن تتم إلاّ بشكل إيجابي. وعلينا أن نتعلم من التجارب السابقة ونتطلع إلى مستقبل أفضل".

وفي الواقع، تأتي زيارة الحريري لدمشق متزامنة مع تطورات ساخنة ومهمة على مستوى المنطقة وفي سياق يتصل بما يمكن إعتباره أزمة في العلاقة الشخصية بين الرئيس باراك أوباما وبنيامين نتنياهو.

وإذا كانت هذه الأزمة قد نشبت على قاعدة تمسّك إسرائيل بسياسة الاستيطان في القدس، وبطريقة كانت بمثابة توجيه صفعات متلاحقة إلى الإدارة الأميركية، فإن المطالب الأميركية من نتنياهو لا تزال تنتظر رداً يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يتحايل للتملّص منه، في وقت تتحرك الدوائر الصهيونية وفي مقدمها منظمة "إيباك" لمحاصرة الرئيس الأميركي داخل الكونغرس وفي وسائل الاعلام، بهدف ثنيه عن مواصلة الضغط على إسرائيل لتستجيب المطالب ال 11 التي تتضمن إصراراً على وقف الاستيطان في القدس لمدّة أربعة أشهر، بما يسمح بمعاودة المفاوضات على المسار الفلسطيني.

وفي ظل الحديث الآن مرّة أخرى عن إمكان قيام إدارة أوباما باللجوء إلى نظرية الحلّ المفروض، وهو الأمر الذي يفرض ليّ ذراع نتنياهو بالضرورة، تبدو هذه الإدارة في حاجة إلى موقف عربي يدعم هذا الإتجاه ويشجّع عليه.

يعرف الرئيس الأسد، كما يعرف الرئيس الحريري، أن القمّة العربيّة الأخيرة لم توفّر أو بالأحرى لم تبلور موقفاً داعماً لأوباما في مواجهته مع تل أبيب. ولأن مساعي التسوية تشمل المسارين السوري ثم اللبناني بعد المسار الفلسطيني، فإن كلمة دمشق وكلمة لبنان يمكن أن تشكّلا فرقاً في دعم اتجاهات الضغط الأميركي على إسرائيل.

ما أعلن في دمشق بعد محادثات جون كيري من أن الأسد أكد أهمية الدور الأميركي الداعم للسلام، وأن سوريا تسعى لتحقيق السلام العادل والشامل، يشكّل في الواقع منطلقاً لبلورة موقف سوري ولبناني يدعم أوباما ويكشف سياسية العدوان والتوسع التي تطبقها إسرائيل.

وإذا كان الحريري جدّد التأكيد خلال لقائه مجلس نقابة الصحافة على مواجهة التهديدات الإسرائيلية بموقف موحّد، فقد يكون من المفيد بلورة موقف موحّد لبناني – سوري من المساعي الأميركية التي تصطدم بالتعنّت الإسرائيلي.

لا يجوز الاكتفاء بمراقبة المواجهة المحتدمة بين أوباما ونتنياهو. ولا يكفي إصدار بيان يؤيد اتجاهات الإدارة الأميركية. ويعرف الرئيس الأسد صاحب المسار الذي تمسك دائماً بمبدأ التسويّة العادلة والشاملة، كما يعرف الرئيس الحريري وهو الآن صاحب المسار الذي أوضح دائماً أنه آخر من يوقّع، وعلى قاعدة تسوية تستجيب المطالب والحقوق الفلسطينيّة والعربيّة، يعرف الرئيسان أن هناك حاجة ملحّة إلى مبادرة أو تحرك يوفّر أقصى الدعم لإدارة أوباما. ولأنهما يملكان مساري التسوية التي لن تتحرك قبل رضوخ إسرائيل لمتطلبات تقدّم المسار الفلسطيني، فإننا نأمل أن تبلور المحادثات التي سيجريها الحريري في دمشق، إضافة إلى ترتيب علاقات البلدين، موقفاً سورياً لبنانياً مشتركاً يبرز مثلاً عبر تحرّك في اتجاه عواصم القرار والأمم المتحدة ويوفر ما يساعد أومابا على ليّ ذراع نتنياهو.

==================

تقاسم النفوذ: سوريا تشارك في الحكومة وإيران في السلاح

هل تمهّد زيارة جنبلاط لتحويل الأكثرية أقلية ؟

اميل خوري

النهار

3-4-2010

يبدو واضحاً ان الأهم من زيارة النائب وليد جنبلاط لسوريا ولقائه الرئيس بشار الأسد هو ما بعد الزيارة ذاتها التي فقدت وهجها مع الانتظار الطويل وفقدت كذلك عنصر المفاجأة كي توصف كغيرها بالزيارة التاريخية.

فالنائب جنبلاط سيكون سلوكه السياسي واداؤه من الآن فصاعداً تحت مجهر كل الاطراف داخلياً وخارجياً ولاسيما من جانب سوريا، فإما يؤدي حسن السلوك الى فتح صفحة جديدة تمحو آثار الصفحات الماضية من قدح وذم، وإما تبقى هذه الصفحة نسخة وانْ منقحة عن تلك الصفحات.

الواقع ان سوريا ربحت من هذه الزيارة، بأن جعلت زعماء الطائفة الدرزية في خطها فلم يعودوا فريقين، احدهما معها والآخر ضدها، وهذا ما يعزز سياستها ونفوذها في لبنان والمنطقة، فبالاضافة الى وقوف هؤلاء الزعماء معها يقف معها أيضاً زعماء الطائفة الشيعية ونصف زعماء الطائفة المسيحية ويجري تحييد معظم زعماء الطائفة السنية تمهيداً لعودتهم الى الحضن السوري... فلا يبقى عندئذ خارج الخط السوري سوى النصف المسيحي الآخر وتحديداً "القوات اللبنانية" وحزب الكتائب وحزب الوطنيين الأحرار والكتلة الوطنية وبكركي في ظل البطريرك الحالي، اي العودة الى "لقاء قرنة شهوان" الذي قام تأييداً لأول نداء مهم صدر عن مجلس المطارنة الموارنة وكان يدعو الى انسحاب القوات السورية من لبنان، ولم يتم التوصل الى استجابة هذا النداء إلا بعد اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه. وهذا النصف المسيحي لن يعود الى سوريا الا اذ عادت سوريا الى لبنان بسلوك جديد وتعامل يقوم على أساس احترام كل منهما استقلال الآخر وسيادته، لا ان يعود لبنان دولة تابعة والحكومة محكومة كي ينعم لبنان بالهدوء والأمن والاستقرار ويحظى بالرضا، والا واجهته الفوضى والاضطرابات.

لذا تنتظر سوريا من النائب جنبلاط ترجمة لكلامه، بأن يكون مع المقاومة فعلاً لا قولاً ما دامت الحاجة ماسة الى وجودها كما كانت الحاجة ماسة الى وجود الجيش السوري في لبنان فوصف ذاك الوجود في حينه ب"الشرعي والضروري والموقت"، وان يكون له هذا الموقف في اجتماعات هيئة الحوار الوطني وان تتوقف المطالبة بدمج المقاومة بالجيش او بوضع سلاحها بإمرة الدولة او اعتبار وجوده ضعفاً للدولة بل قوة لها، وان توضع صيغة يتم بموجبها التنسيق بين سلاح الدولة وسلاح المقاومة.

وتنتظر سوريا من النائب وليد جنبلاط أيضاً ان يتخذ وزراؤه في مجلس الوزراء ونوابه في مجلس النواب عند حصول تصويت على اي مشروع او موضوع يهم سوريا موقفاً وسطياً لا يحرجه باعلان خروجه من الأكثرية التي هي حالياً بزعامة الرئيس سعد الحريري ولكن تأييده قوى 8 آذار لتضمن في التصويت أكثرية.

وكانت اوساط سياسية تتمنى لو ان جنبلاط بعد اعترافه بهزيمته السياسية وخسارة رهانه اعتزل ولم يستمر في اللعبة وهو خاسر، لأن من فاز عليه سوف يجعل موقفه الجديد ورقة للمساومة والابتزاز. وهو بذلك لا يكون أول من اعتزل او أول من أبعد نفسه عن اللعبة التي تمارس في ظروف غير ملائمة، فقد سبقه الى ذلك الزعيم البريطاني ونستون تشرشل الذي ربح الحرب وخسر الانتخابات، والرئيس الفرنسي شارل ديغول الذي خسر الاستفتاء الشعبي، او ان يفعل كما فعل العميد الراحل ريمون اده، حين نفى نفسه طوعاً الى فرنسا لأنه أبى الاستسلام ورفض حتى رئاسة الجمهورية بشروط غيره، فلم يوافق على عقد لقاء مع نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام يومذاك بسعي من صديقه الحميم الرئيس صائب سلام لأن سوريا كانت هي الناخب الكبير في الانتخابات الرئاسية، فأصر على ان يتم هذا اللقاء في منزله في بيروت وليس في أي منزل آخر ورفض بقاء الجيش السوري في لبنان كي يتولى حفظ الأمن في البلاد كما طلب منه الموفد الأميركي دين براون، وعندما اصبح في باريس رفض عرضاً سورياً يضمن انتخابه رئيساً للجمهورية اذا قبل به وهذا العرض كان ان يعود عن شروطه الثلاثة ليفوز بالرئاسة، وهي: انسحاب القوات السورية والاسرائيلية والفلسطينية من لبنان، وكان جوابه لمن جاءه بهذا العرض: لقد وضعت هذه الشروط الصعبة كي لا انتخب رئيساً للجمهورية، لأنني غير مستعد لأن أكون رئيساً يملك ولا يحكم ولا ان أكون رئيساً بمثابة محافظ عند الرئيس حافظ الأسد...

ولم يستسلم الرئيس صائب سلام للضغوط السورية فغادر لبنان الى سويسرا بعدما عقد مؤتمراً صحافياً وجّه فيه الكلام الى سوريا قائلاً: "انني مستعد لأن أكون صديقاً لا ان اكون تابعاً"... وان يفعل أيضاً ما فعله والده كمال جنبلاط، الذي كان في صدد الذهاب لبعض الوقت الى الهند من ان يبقى في لبنان تحت رحمة سوريا.

لذا، كان في استطاعة وليد جنبلاط، وهو الزعيم اللبناني الكبير في رأي الأوساط نفسها ألا يستسلم، بل ان يسلم نجله تيمور دفة الزعامة حتى ولو بدأ من الصفر في بناء زعامته، ولا يفرض على نفسه ما يشبه توقيع معاهدة صلح بين غالب ومغلوب...

الواقع ان عودة النائب جنبلاط الى الحضن السوري نادماً على ما فعل، سوف يخلّ بالتوازن السياسي الداخلي عاجلاً أم آجلاً ويجعل قوى 14 آذار تتألف من زعامة سنيّة وزعامة لنصف المسيحيين وينقصها تمثيل درزي وشيعي، وهو ما يجعلها غير صالحة لتشكيل حكومة منها لأنها تكون قد فقدت ليس الأكثرية فحسب بل تمثيل كل المذاهب في اي حكومة، كي تكون ميثاقية وشرعية.

ويمكن القول من جهة أخرى، ان سوريا ابقاء منها على تحالفها مع ايران فانها تقاسمت النفوذ معها في لبنان حتى اشعار آخر، فسوريا تشارك في الحكومة بثلث اعضائها عند اتخاذ القرارات وايران تشارك من خلال سلاح "حزب الله" القيادة العسكرية اللبنانية في اتخاذ القرارات وهو سلاح يشكّل "الثلث المعطل" أيضاً في الشارع عند الضرورة، كما تشكل سوريا الثلث المعطل داخل الحكومة اذا لم تعجبها القرارات وليس على لبنان في وضعه الراهن سوى ان ينتظر ويراقب...

==================

الشرق الأوسط: معادلة اللاحرب واللاسلم

بقلم :ناصيف حتي

البيان

3-4-2010

مؤتمر الايباك في واشنطن هو الموعد السنوي لاستعراض قوة اللوبي المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة ولتوجيه رسائل إلى الإدارة الأميركية ليس فقط حول قوة هذا اللوبي بل حول أولوياته السياسية التي يفترض أن تصبح أولويات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.

 

انعقد المؤتمر هذا العام في ظل التوتر ولو المنخفض الذي أصاب العلاقات الإسرائيلية الأميركية في الأسبوعين الأخيرين وشكل «موعدا» لتأكيد مواقف كل من الطرفين ورؤيتهما حول إدارة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وطبيعة التسوية المطلوبة.

 

كما وفر فرصة لاحتواء هذا التوتر دون أن يعني الأمر إزالة مسبباته. خطاب نتانياهو أمام المؤتمر الذي حضره حوالي 8 آلاف شخص تضمن ما يلي من رسائل:

 

 التركيز على أن الخطر الأساسي والوجودي على إسرائيل يتمثل في إيران النووية وهو خطر على الشرق الأوسط والعالم وبالتالي فالتعامل مع الملف الإيراني يجب أن يحظى بالأولوية المطلقة في الشرق الأوسط.

 

 التمسك بحق إسرائيل في الدفاع عن وجودها مما يعني حرية العمل العسكري والتلويح باستعمال هذا الحق للحصول على مزيد من المكاسب من واشنطن.

 

 التذكير بأهم ما جاء في خطاب جامعة بار ايلان في يونيو الماضي حول تصور إسرائيل للدولة الفلسطينية المستقبلية وهو في حقيقة الأمر تصور لقيام بانتوستان فلسطيني محاصر مطوق ومنزوع السلاح.

 

 رفع منسوب العنصر الديني التاريخي في الخطاب الإسرائيلي من خلال العودة إلى ميتولوجيا تاريخ اليهود وعلاقتهم بالقدس تحديدا التي أكد نتانياهو انها ليست مستوطنة بل هي العاصمة الأبدية لإسرائيل. فتديين الصراع بالطبع هو أفضل وصفة لمنع تسويته.

 

 التذكير ليس فقط بالوظيفة الاستراتيجية لإسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة كقاعدة متقدمة ضد السوفييت في الماضي وضد الإسلام الراديكالي في الحاضر بل إضفاء الطابع الحضاري الغربي على الصراع في المنطقة والانتماء الغربي لإسرائيل كموقع متقدم في هذا الصراع.

 

كلمة وزيرة خارجية الولايات المتحدة هيلاري كلينتون كانت تقليدية من حيث التأكيد على العلاقة الخاصة والشاملة التي تربط بين الولايات المتحدة وإسرائيل وعلى الموقف الحازم من «الخطر الإيراني».

 

ولو أن الإدارة الديمقراطية قد لجأت إلى مقاربة اليد الممدودة تجاه إيران والتذكير بالمساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل التي تصل إلى 3 مليارات دولار سنويا مع التأكيد مجددا على مكانة المسألة الفلسطينية وتسويتها كمدخل للتغيير في المنطقة ولمحاربة الراديكالية وعلى عدم جواز استباق نتائج المفاوضات عند الحديث عن القدس.

 

 الموقف الإسرائيلي كان واضحا من حيث تأكيد نتانياهو على أن استمرار شرط وقف الاستيطان سيؤدي إلى تعليق العودة إلى المفاوضات عاما على الأقل هذا في وقت صدرت رخصة بناء عشرين منزلا يهوديا في القدس الشرقية.

 

توقيت هذا الإعلان أيضا يفترض أن يذكر ويدعم الموقف الإسرائيلي المتشدد في هذا الخصوص باعتبار القدس خطا احمر إسرائيليا لا يمكن تجاوزه.

 

قد يرى البعض أن اللقاءات التي عقدها نتانياهو مع الرئيس الأميركي ونائبه ووزيرة الخارجية وإبعاد الإعلام عنها كانت بمثابة رسالة أميركية عن حالة عدم الارتياح لوضع العلاقات الأميركية الإسرائيلية في هذه اللحظة.

 

وقد يرى البعض الآخر أن الانتصار التاريخي الذي حققه الرئيس الأميركي في الداخل عبر قانون الرعاية الصحية وهو الحلم الذي حمله روزفلت منذ قرن من الزمن، ان ذلك كله قد يسمح للإدارة الأميركية بممارسة ما تريده من ضغوط على إسرائيل لإعادة إطلاق المفاوضات غير المباشرة.

 

لكن حقيقة الأمر فان اشتداد المعارضة في الكونغرس لممارسة ضغوط على إسرائيل وحاجة واشنطن لضبط إسرائيل ضد أي مغامرة عسكرية قد يتجه للقيام بها ضد إيران مع ارتفاع منسوب التوتر في هذا الملف.

==================

الهروب إلى رابطة دول الجوار

بقلم :حسين العودات

اقترح الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، إقامة (رابطة دول الجوار) أو (الرابطة الإقليمية) وتضم البلدان العربية وإيران وتركيا والتشاد ودولاً أفريقية مجاورة أخرى، واستثنى بطبيعة الحال الدولة الصهيونية (طالما بقيت متمسكة بتصورها أنها دولة فوق القانون، وظل قطارها يسير معاكساً قطار السلام).

 

وقد كلفه القادة العرب (إعداد تقرير كامل حول هذا المقترح وكيفية تنفيذه) يعرض على اجتماع وزراء الخارجية المقبل.

 

لا يستطيع أحد أن ينكر من حيث المبدأ أهمية إقامة مثل هذه الرابطة أو المنظمة، ذلك لأن ظروف السياسة الدولية الراهنة في العالم كله تتطلب من الدول إقامة روابط إقليمية، تؤسس لتعاون بينها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية وغيرها، وقد أسست دول العالم بالفعل عدداً من هذه المنظمات وبعضها كاد يوصل الدول المؤسسة إلى الوحدة.

 

كما هي حال (الاتحاد الأوروبي) وبعضها الآخر أوجد أنماطاً من التعاون بين الدول الأعضاء عادت بالفائدة الكبرى على الشركاء، وعززت التنسيق والتعاون بينهم، وأقامت أسواقاً حرة مشتركة وأسواقاً اقتصادية واحدة، وتشاوراً سياسياً دائماً، وتبادلاً في الخبرات والآراء.

 

وفي ضوء ذلك فإنه من المحمود والمفيد إقامة مثل هذه الرابطة، بحيث تضم البلدان العربية والبلدان المجاورة سواء منها الآسيوية أو الأفريقية، كوسيلة للتعاون والتنمية والتطور في كل مجال.

 

لكن تأسيس هذه الرابطة العتيدة ذات الأهمية الكبرى، يتطلب اتخاذ إجراءات تسبق إقامتها كشرط لابد منه، منها الاتفاق على أهدافها، وعلى مدى فرض الالتزام بمقرراتها على جميع أعضائها.

 

وهل ستبقى هذه القرارات اقتراحات أو مؤشرات تنسيق بين الدول الأعضاء (كما هو حال جامعة الدول العربية) أم أنها ستلزم الجميع إذا اتخذت بالأكثرية، أم تلزم الموافقين عليها فقط، إضافة لتساؤلات عديدة تتعلق ببنية الرابطة وآلية عملها وتنفيذ قراراتها.

 

ووظائفها واستراتيجيتها في ضوء أهدافها النهائية، وقبل ذلك الاتفاق على التحديد الدقيق والمفصل والخالي من اللبس للأهداف النهائية من جهة ومدى الالتزام بها من قبل الجميع من جهة أخرى.

 

لعله من الأولى أن تتحول جامعة الدول العربية إلى رابطة جديدة، تتفق على نظام إقليمي جديد يستوعب التطور ويتم تعديل ميثاقها في ضوء ذلك، على أن تحدد لها أهدافاً واستراتيجيات جديدة،.

 

وأن تتخذ قراراتها بالأكثرية على أن تكون ملزمة للجميع، وبعدها تدخل دول الجامعة إلى الرابطة المحدثة جسماً موحداً منسجماً واضح الأهداف والسياسات ليكون له الفعالية المطلوبة.

 

وعلى العرب قبل أن يطالبوا بتأسيس رابطة أو منظومة إضافية، أن يصلحوا منظومتهم، ويطوروا ما بين أيديهم، وإلا لكان المشروع برمته هروباً إلى الأمام وعجزاً عن تأدية المهمة المناطة بالجامعة وبأعضائها،.

 

والانتقال من مؤسسة غير ناجحة (هي مؤسسة الجامعة العربية) وميثاق مملوء بالخلل والنواقص هو ميثاقها، إلى مؤسسة أخرى قد لا تكون ناجحة بالضرورة، وميثاق آخر يصعب أن يستوعب متطلبات الأعضاء جميعاً في الظروف الحالية (ظروف الصراع العربي الإسرائيلي) والخلافات الحادة بين دول المنطقة، سواء منها العربية أو العربية وغير العربية.

 

والتناقضات السياسية والثقافية والعقائدية وغيرها، ناهيك عن سياسات كل دولة على حدة كرغبة تركيا الدخول في الاتحاد الأوروبي والرغبة الإيرانية في الهيمنة الإقليمية، والرغبة التشادية والأفريقية عامة في الحصول على المساعدات وإعطاء المصالح الاقتصادية الأولوية وغير ذلك.

من الملاحظات أيضاً موقف الدول غير العربية من الصراع العربي الإسرائيلي وصعوبة الاتفاق بين دول المنظومة المقترحة على هدف محدد لإنهاء هذا الصراع، خاصة مع استمرار العنت والصلف الإسرائيليين.

كاتب سوري

==================

البرغماتية العاقلة

آخر تحديث:السبت ,03/04/2010

خيري منصور

الخليج

قد يبدو هذا الوصف للبرغماتية بعيداً عن حقيقتها فهي تعني بالنسبة لمعظم من يتداولون المصطلح النفعية والذرائعية والميكيافيلية أيضاً بحيث تبرر الغايات الوسائل، لكن الدلالة الفلسفية للبرغماتية بدءاً من برغمانوس الذي ينسب إليه المصطلح ليست عمياء، وهي قابلة للترشيد إذا أخذت بعين الاعتبار المصالح الآجلة، والولايات المتحدة نموذج معاصر للبرغماتية بكل المقاييس لكن استراتيجيتها إزاء الصهيونية تخرج عن هذا المدار وعن هذا المعيار، فهي حين تفاضل بين العرب والمسلمين بأعدادهم المليارية وعلى مساحة القارات التي يعيشون عليها غالباً ما كانت تنحاز إلى الابنة المدللة، التي كانت منذ التأسيس نتيجةً وإفرازاً للحقبة الكولونيالية .

 

كم تخسر الولايات المتحدة من أجل الدولة الصهيونية مادياً ومعنوياً وسياسياً، في بعض الأحيان؟ الإجابة بالأرقام قد تكون صادمة لدافعي الضرائب الأمريكيين الذين دفعوا أثمان حروب ليست هي حروبهم، وهذا ما لخصه رجل أمريكي في الحرب على العراق عندما رفع يافطة في نيويورك يسأل فيها الرئيس بوش الابن: لماذا فقد ولده الوحيد في العراق ومن أجل من؟

 

إن الموقف الأمريكي حتى الآن من الدولة الصهيونية ليس برغماتياً بالمعنى الدقيق، ما دامت هناك عوامل إيديولوجية منها اليمين المسيحي المتصهين تدفع الإدارات المتعاقبة باتجاه خاطئ ولا يعود بالنفع على أمريكا في المدى غير المنظور .

 

بالأمس صرح يهودي متطرف في نيويورك قائلاً إن أوباما يحرض الشعب الأمريكي على كراهية اليهود، وبالتالي التخلي عن الابنة المدللة التي استوطنت فلسطين، وهذا التصريح استباقي بامتياز، لأنه لم يصدر عن أوباما ونائبه بايدن الذي أهين في تل أبيب ووزيرة الخارجية ورئيسة الكونجرس أي كلام مغاير للخطاب الأمريكي الكلاسيكي إزاء الدولة الصهيونية واعتبارها الحليف الأقرب بل الضاحية النائية لواشنطن، لكن بعض المتطرفين اليهود يشمون الآن وعن بعد مواقف أمريكية قادمة، تستعيد فيها البرغماتية نفوذها، فالدولة الصهيونية تحولت إلى عبء بعدة مقاييس على أمريكا، وأفقدتها الحرب على العراق وبالتالي احتلاله جزءاً حيوياً من وظيفتها سواء كانت سياسية أو جيوبوليتيكية .

 

وما يلاحظ من تبدل في مواقف بعض الدول الأوروبية ومنها بريطانيا لم يتم بمعزل عن إيحاءات وربما تنسيق مع واشنطن لأن هذا التناغم الأوروبي الأمريكي لم يأت بمحض المصادفة، وثمة عدة وقائع منها وليس آخرها اغتيال المبحوح في دبي افتضحت الجنون الموسادي وفقدان التوازن لدى الدولة التي صدقت نفسها، وتوهمت أن العالم طوع بنانها، فقد أثارت ضدها العديد من الدول ومنها حلفاء أوروبيون قدامى، وأثارت الاشمئزاز لدى الرأي العام في العالم كله .

 

وإذا عبرت أمريكا أو أية دولة في أوروبا عن مواقف غير تقليدية إزاء تل أبيب، فذلك ليس لأجل سواد عيون العرب، فالميزان الآن في حالة خلل، والعبء الصهيوني تحول إلى حمولة تنوء بها حتى الولايات المتحدة؟

==================

هل تتعاون المحكمة الدولية أم تتنحى؟

آخر تحديث:السبت ,03/04/2010

عصام نعمان

الخليج

أنشئت “المحكمة الدولية الخاصة بلبنان” بقرار مجلس الأمن الرقم 1757/2007 . مهمة المحكمة محاكمة من يثبت التحقيق تورطه في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني المرحوم رفيق الحريري .

 

حكومة لبنان، برئاسة فؤاد السنيورة، تركت آنذاك لمجلس الأمن ان يحلَّ محل مجلس النواب في إقرار اتفاقية إنشاء المحكمة ونظامها الأساسي وذلك بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة .

 

بعد نحو ثلاث سنوات على إنشاء المحكمة، اعترف وزير العدل السابق والصديق الصدوق لآل الحريري الدكتور بهيج طبارة بأنه كان “بالإمكان الانتظار للتوافق على المحكمة ونظامها والمصادقة عليهما في مجلس النواب بدل أن يضع مجلس الأمن يده عليهما” (جريدة “السفير” تاريخ 31/3/2010) . ولم يتوانَ الدكتور طبارة عن كشف مفارقة لافتة : “انها المرة الأولى التي تحل فيها الأمم المتحدة محل مجلس النواب في أي بلد في العالم ( . . .) إننا أمام اتفاقية بين دولة والأمم المتحدة من دون مصادقة دستورية من جانب البلد المعني” . لماذا؟

 

لا يجيب وزير العدل السابق عن هذا السؤال المحرج، لكنه يعترف، مرةً اخرى، بأن “أي مدعى عليه يستطيع ( . . .) أن يطرح أسئلة حول شرعية المحكمة ومدى استيفائها الشروط القانونية” .

 

المدعي العام لدى المحكمة الدولية لم يتهم احداً حتى الآن . عندما يفعل، ربما سيطعن المتهمون ليس بشرعية المحكمة فحسب، بل بشرعية التحقيقات التي اجرتها أيضاً . ذلك أن عيوباً كثيرة فادحة وثابتة اكتنفتها ولاسيما في ظل اول رئيس للجنة التحقيق القاضي الالماني ديتلف ميلس (الذي جرى إبعاده عن رئاستها لاحقاً) .

 

حملة استهداف حزب الله والمقاومة ما زالت مستمرة . هي في الواقع بدأت من خلال تسريبات مشوهة للحقيقة ظهرت في جريدة “السياسة” الكويتية في شهر مارس/آذار ،2005 ثم في جريدة “لوفيغارو” الفرنسية خلال شهر اغسطس/آب ،2006 ثم في مجلة “دير شبيغل” الألمانية خلال شهر مايو/أيار ،2009 واخيراً في صحيفة “لوموند” الفرنسية خلال شهر فبراير/شباط 2010 .

 

 يقول السيد نصر الله إنه جرى التحقيق والتدقيق في التسريبات المشكو منها فتبيّن لحزب الله أن مصدرها مكتب المدعي العام لدى المحكمة الدولية . ما الدليل؟

 

لاحظ مسؤولو حزب الله أنه في كل مرة كانت إحدى الصحف تشير في تسريباتها المنشورة الى اعتزام لجنة التحقيق استدعاء اعضاء في حزب الله أو أصدقاء له حتى يتم الاستدعاء وفق التوقيت المحدد في الصحيفة ذات الصلة ومن أجل التحقيق معهم في المواضيع نفسها التي اشارت اليها .

 

 لهذه الأسباب وغيرها أعلن قائد المقاومة في المقابلة التي اجراها معه “تلفزيون المنار” ليلة 31/3/،2010 انه لا يثق بالمحكمة الدولية لأن قضاتها ومسؤوليها لم يلتزموا سرية التحقيق، ولأنها لم تعمل بشكل مهني، إذ ركزت دائماً على فرضية واحدة في تحقيقاتها بدل أن تعمل على فرضيات عدة . فهي ركزت، بادىء الأمر، على سوريا والضباط الأربعة، ثم تجاهلت فرضية قيام مجموعة السلفيين ال 13 الذين اعترف بعضهم بالمشاركة في عملية الإغتيال لا لشيء إلاّ لأنها لا تخدم سيناريو اتهام سوريا او اتهام حزب الله . الأنكى من ذلك، انها تجاهلت فرضية قيام “إسرائيل” باغتيال الحريري “ما يشكّل إهانة لهذا الرجل” .

 

اليوم يجد السيد نصرالله أن تسريبات الصحف والصالونات والقيادات السياسية المعادية تركّز على اتهام المقاومة بالجريمة النكراء بعدما قام مكتب المدعي العام باستدعاء 12 شخصاً من أعضاء الحزب ومن اصدقائه للتحقيق . فالأمر كله لا يعدو كونه حملة سياسية مرتبطة بمخططات دولية وإقليمية للنيل من المقاومة . ومع ذلك فإن حزب الله مستعد للتعاون مع المحكمة الدولية “لأننا نريد معرفة حقيقة من اغتال الحريري ومواجهة التضليل”، كما أكد قائد المقاومة .

 

هل من شروط للتعاون؟

 

نعم، يجيب نصر الله: “محاكمة شهود الزور ومن يقف وراءهم، ومحاكمة المسّربين، ووقف التسريب” .

 

هل تستطيع المحكمة الدولية الوفاء بهذه الشروط؟

 

لعل تباشير الجواب تتضح من خلال ما ستفعله المحكمة في المستقبل المنظور في مجالين: صفة الشهود الستة الذين تنوي المحكمة استدعاءهم للتحقيق، والنهج الذي ستعتمده في هذا الشأن . فالمحكمة لم تستدعِ حتى الآن أي عضو قيادي من حزب الله، بل حققت مع مسؤولين ثانويين، أحدهما معني بالشؤون الثقافية والآخر بالتواصل مع التنظيمات الفلسطينية . ولا شك في أن استدعاء أعضاء قياديين في المستقبل سيعني بالتأكيد رفع منسوب الشك بعلاقة حزب الله بعملية الاغتيال كمقدمة لإتهامه بها . كما أن التحقيق مع الشهود وفق التسريبات التي نشرتها الصحف وتداولتها الصالونات السياسية ينمُّ عن سوء نية وانحياز، إذ يؤكد ما أعلنه السيد نصرالله أن مصدر التسريبات هو مكتب المدعي العام لدى المحكمة الدولية .

 

 يتحصّل من مجمل ما تقدم ذكره أن السيد حسن نصرالله أفلح في دمغ المحكمة الدولية بعدم الشرعية، واتهام قضاتها ومحققيها بالانحياز وعدم المهنية، ومن يقف وراءها بمخطط فاضح لتسييس التحقيق والمحاكمة بقصد النيل من المقاومة .

 

هكذا تجد المحكمة (ومن يقف وراءها) نفسها أمام خيارات ثلاثة:

 

 أن تحاكم شهود الزور ما يؤدي الى نقض التحقيقات السابقة، ويسيء الى نزاهة القضاة والمحققين، ويطعن بالتالي صدقية المحكمة نفسها .

أن يلجأ قضاتها، كلهم أو بعضهم، الى التنحي الأمر الذي يضرب صدقية المحكمة وقد ينهي وجودها .

أن يلجأ قضاتها الى إطالة التحقيق ومن ثم الى اصدار قرار بعدم توفر أدلة ضد أيٍّ من المشتبه فيهم وبالتالي اغلاق ملف الدعوى .

إن أياً من هذه الخيارات يبقى أفضل وأكرم لقضاة المحكمة الدولية ولمن يقف وراءها من اصدار حكم تجريمي ملفق ضد حزب الله . ذلك أن أحداً لن ينطلي عليه او يأبه له : لا شعب لبنان، ولا شعوب العالم، ولا حتى آل الحريري .

==================

إمّا هذا أو ذاك

السبت, 03 أبريل 2010

حازم صاغيّة

الحياة

حين يهرع قادة عراقيّون إلى إيران التماساً لحلّ معضلتهم السياسيّة، فيما عشرات آلاف الجنود الأميركيّين يعسكرون في بلاد الرافدين، فهذا يقول لنا الكثير.

فهو يقول، أوّلاً، إنّ الولايات المتّحدة، التي لا يُلام إلاّ «احتلالها العراق»، طرف ضعيف في تقرير الوقائع والمجريات السياسيّة في ذاك البلد. وأبعد من هذا، أنّ القوّة العسكريّة الصادرة عن مجتمع ديموقراطيّ وعن رأي عامّ يراقبان دولتهما، باتت عبئاً على دولتها، لا يصحّ فيها إطلاقاً ما كان يصحّ في الحملات العسكريّة للكولونياليّة الأولى التي تفرض بالقوّة ما تريد فرضه.

وهو يقول، ثانياً، إنّ الديموقراطيّات الهشّة، والمستندة إلى إجماع متصدّع، كما حال العراق ولبنان، لا يمكن أن تستقرّ وتستعيد مصادر التحكيم السياسيّ إذا ما جاورتها نظم عسكريّة أو توتاليتاريّة. ويستطيع اللبنانيّون، في هذا، أن يلقّنوا العراقيّين دروساً بالغة الإفادة والنفع (هل من يتذكّر الترويكا التي ربّما كانت في طور الانبعاث؟).

وهو يقول، ثالثاً، إنّ ما يهمّ إيران هو مداها الحيويّ ونفوذها. والعراق، الذي قاتلها على امتداد الثمانينات، يبقى إدراجه في المدى الحيويّ هذا شرطاً شارطاً لإتمام المهمّة الإيرانيّة في ما خصّ التوجّه غرباً.

لكنْ، وفي ما يعني الولايات المتّحدة، تتّضح حقيقة صارخة هي أنّ ما بدأه جورج بوش الابن أكمله نقيضه باراك أوباما: الأوّل، من خلال حرب عادت ثمارها على إيران، والثاني، من خلال نزعة انكفاء تتأدّى عنها زيادة الثمار المتجمّعة في الحضن الإيرانيّ. أمّا القاسم المشترك الثاني، وهو مشترك بين كلّ رؤساء أميركا في عرفنا، فإنّ الولايات المتّحدة ستُشتم في الحالين، مرّة لأنّها تدخّلت ومرّة لأنّها لم تتدخّل!

لكنْ بالنسبة إلى مجمل السياسة الأميركيّة في المنطقة، انطلاقاً من المسرح والتجربة العراقيّين، سيكون من الصعب جدّاً ممارسة الضغط المطلوب والمرجوّ على بنيامين نتانياهو. ذاك أنّ إدارة أميركيّة تسوق المياه، برغبة منها أو بغباء، إلى طواحين طهران وحلفائها، لن يسعها، للأسف، الضغط على إسرائيل بما هو أكثر من تجميد موقّت للاستيطان.

لقد سبق لبعض المراقبين أن لاحظوا كيف اقترن الضغط الناجح على الإسرائيليّين، في عهدي جورج بوش الأب واسحق شامير، بضرب الجيش العراقيّ حين كان يغزو الكويت وبردّه على أعقابه في تلك الحرب الشهيرة. أمّا الضغط على إسرائيل حين يقترن بممالأة إيران وحلفائها فأغلب الظنّ ألا يقود إلى أيّ مكان.

وما يخلص هذا الاستعراض إليه هو أنّ أكثر ما يردع إسرائيل هو سياسة أميركيّة متصلّبة حيال إيران وحلفائها. عند ذاك فقط تضعف حجج أقصى اليمين الإسرائيليّ في الأمن الذي يقال إنّ إيران مصدر تهديده الراهن.

هل يكون هذا في العقوبات أم في غير العقوبات؟ هذه مسألة تفصيليّة، على عظيم أهميّتها. ما يعنينا، عربيّاً، هو ألا نتوهّم ترك إيران تستكمل برنامجها والتعويل، في الوقت نفسه، على ضغط يمارسه أوباما على بنيامين نتانياهو. فالعرب الممانعون ليسوا البتّة في وضع يخوّلهم الحصول على الاثنين. وهنا يُفترض بالعقل أن يساهم في تصويب عواطف الجانحين عندنا نحو إيران والراغبين بالضغط على الدولة العبريّة، أللهمّ إلاّ إذا استمرّت العواطف في تخطئة العقل، جرياً على سنّة معهودة و «أصيلة».

==================

هل يتبنى نتانياهو خيار بن غوريون ضد اوباما؟

السبت, 03 أبريل 2010

سليم نصار *

الحياة

منذ قيام دولة اسرائيل، تعرضت علاقاتها مع الولايات المتحدة لخلافات سياسية كانت تنتهي في اكثر الأحيان بتراجع الدولة الراعية الكبرى.

وقد اعتبرت حرب العدوان الثلاثي على قناة السويس خريف 1956، اولى مسلسلات هذا الخلاف يوم تدخل الرئيس الاميركي دوايت ايزنهاور ليضغط على ديفيد بن غوريون ويجبره على سحب قواته من سيناء.

الخلاف الثاني انفجر في بداية عهد الرئيس جون كينيدي. وقد كشف غوردون توماس في كتابه «جواسيس جدعون» عن السبب الحقيقي الذي دفع كينيدي الى انتقاد ديفيد بن غوريون وحثه على وقف برنامجه النووي.

ويقول توماس في كتابه: منتصف شهر شباط (فبراير) 1961، كتب كينيدي الى بن غوريون يطلب منه إخضاع مفاعل «ديمونا» لمراقبة دائمة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وكان من الطبيعي ان يقلق هذا المطلب الرجل الذي يقف وراء مشروع الردع النووي كسلاح وقائي ضد احتمالات تعرض اسرائيل لحرب مصيرية. لذلك طار الى نيويورك ليجتمع بالرئيس كينيدي في فندق «والدورف استوريا» ويخبره ان الإنشاءات التي يتحدث عنها ليست اكثر من مستودعات تضم مضخات لري صحراء النقب. وتظاهر كينيدي بالاقتناع، وقال انه سيرسل فريقاً من الاختصاصيين لمعاينة تلك المستودعات. وخرج بن غوريون من الاجتماع متجهم الوجه، وهمس في اذن احد وزرائه بهذه العبارة الخطيرة «يبدو ان وجود رئيس كاثوليكي في البيت الابيض هو امر مضر بمصلحة اسرائيل».

ثم غادر نيويورك متوجهاً الى واشنطن حيث عقد اجتماعاً مع صديقه ابراهام فاينبرغ، الثري الذي مول بناء مفاعل «ديمونا». وبما ان فاينبرغ الصهيوني يعتبر من كبار المتبرعين للحزب الديموقراطي، فقد عهد اليه بن غوريون مهمة تغيير موقف كينيدي.

ويتابع الكاتب توماس حديثه عن هذه الواقعة فيقول ان فاينبرغ وعد كينيدي بتمويل حملة تجديد ولايته شرط التخلي عن مراقبة عمليات التسلح في اسرائيل. واعرب الرئيس الاميركي عن استعداده لتأمين مختلف انواع الأسلحة الدفاعية للدولة الفتية، ولكنه اصر على ارسال فريق مراقبة الى «ديمونا» خلال مدة لا تتعدى الشهرين. وكانت هذه المدة كافية لبناء مستودعات مموهة اشرف على تنفيذها رافي ايتان. وبعد زيارة الفريق الاميركي للموقع الجديد، عاد الى واشنطن ليؤكد للإدارة خلو تلك المنطقة من اي اثر لإنتاج الذرة، في حين كانت المياه الثقيلة المهربة من فرنسا والنروج تملأ خزانات مفاعل «ديمونا».

بقي ان نذكر ان عبارة التهديد المبطن التي ذكرها بن غوريون عقب اجتماعه بكينيدي، تحولت الى مهمة خاصة تعاون على تنفيذها «الموساد» ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي). خصوصاً عقب اعلان مصر وسورية والعراق عن توحيد الجهود العسكرية لتحرير فلسطين.

يجمع المؤرخون على القول ان تهديد الإدارة الأميركية كان السبب المباشر والأخير الذي دفع حكومة بن غوريون الى اتخاذ قرار تصفية رئيس غير متعاون. ولم تكن المهمة سهلة لولا موافقة نائب الرئيس ليندون جونسون على القيام بهذا الدور الخطير. وقد كلفت المافيا عملية التنفيذ لأن وزير العدل روبرت كينيدي قرر استئصال نفوذها من المجتمع الاميركي. وفي البرنامج الوثائقي الذي بثته محطة «هيستوري» (التاريخ) ما يؤكد هذه الفرضية، ويثبت ان قاتل كينيدي لي هارفي اوزوالد، جرى التخلص منه بواسطة اليهودي جاك روبي كمدخل لإخفاء الحقيقة. كذلك قضى 18 شاهداً من شهود التحقيق بحوادث سير غامضة او بعمليات انتحار لم تعرف اسبابها.

من غير الدخول في تفاصل تلك الحقبة القاتمة من تاريخ الولايات المتحدة، لا بد من التذكير بأن رهان بن غوريون على ليندون جونسون اعطى اسرائيل اكثر بكثير مما كانت تتوقع منه. اعطاها الفرصة الذهبية لربح حرب 1967 بفضل تعاون ادارته، وتنسيق العمل العسكري بين الدولتين. وقد نشر الباحث دونالد ناف في كتابه «محاربون من اجل القدس» معلومات مذهلة حول الدور الخفي الذي قام به جونسون من اجل تحقيق الاحتلال الاسرائيلي لصحراء سيناء والضفة الغربية ومرتفعات الجولان. ويروي ناف في كتابه الدور الخبيث الذي لعبته عشيقة جونسون ماتيلدا، زوجة الثري اليهودي ارثر كريم، وكيف خصص لها جناحاً خاصاً في البيت الابيض. ويذكر ايضاً ان جونسون سمح بإرسال الف طيار اميركي يهودي كان موشيه دايان قد طلب التحاقهم بسرب الطيارين الاسرائيليين. والمضحك ان مستشار البيت الابيض في حينه والت روستو، لم يجرؤ على ايقاظ الرئيس ساعة اعلان الهجوم، واكتفى بإبلاغ الست ماتيلدا لعلها تبلغ عشيقها بالأمر.

ومثلما استخدمت ماتيلدا من قبل اللوبي اليهودي في سبيل الحصول على ادق التفاصيل المتعلقة بالاستعدادات الأميركية لحرب 1967... كذلك استخدمت الصبية المتدربة في البيت الابيض مونيكا لوينسكي من اجل نسف مشروع بيل كلينتون للسلام مع ياسر عرفات.

مرة ثانية يعلن بنيامين نتانياهو الحرب على رئيس اميركي بسبب اصراره على تطبيق مشروع الدولتين ومنع اسرائيل من توحيد القدس قبل الاتفاق مع الفلسطينيين. وقد نقل المبعوث الاميركي جورج ميتشيل هذه الرؤية الى الحكومة الاسرائيلية، معتبراً ان الحل يخدم مصالح بلاده في المنطقة، كما يخدم امن الدولة اليهودية.

ومن المؤكد ان الشهادة التي ادلى بها الجنرال ديفيد بترايوس، رئيس القيادة المركزية، امام لجنة الدفاع في الكونغرس، قد ساهمت في تأزيم العلاقة بين الدولتين الحليفتين. قال ان التوتر الدائم بين اسرائيل والفلسطينيين يؤجج مشاعر العداء للولايات المتحدة في العراق وافغانستان وباكستان.

وربما ساعد اعلان هذين الموقفين، العسكري والسياسي، على تعميق هوة الخلاف بين اوباما ونتانياهو الذي اعترض على ربط سياسة العداء لواشنطن بسلوك اسرائيل في «ارض الميعاد». وواضح من تسريب بعض المعلومات للصحف الاميركية، ان الحكومة اليمينية المتطرفة ترفض ان تكون سياستها الداخلية مصدر اذى لسياسة اميركا الخارجية.

ففي خلال جلستين متوترتين غابت عنهما عدسات المصورين، كرر اوباما موقفه المعارض لاستئناف بناء المستوطنات في القدس الشرقية، معتبراً ان هذا التجاوز ينسف القرار 242 واتفاق اوسلو وكل ما احرزته المفاوضات السابقة من تقدم وضمانات.

استعان نتانياهو بتاريخ المنطقة ليعزز وجهة نظره ويقول: لنراجع معاً حقبة الخمسين سنة الماضية. حرب اليمن مطلع الستينات تمت بتشجيع من عبدالناصر، وأنتجت خلافاً عميقاً مع السعودية. ولكن اسرائيل لم تكن طرفاً في تلك الحرب. ثورة 1958 في لبنان، واتهام الناصريين بالتسلل، واضطرار اميركا الى إنزال جنودها على شاطئ بيروت بعد انقلاب عبدالكريم قاسم في العراق. هذه الاحداث الدموية لم يكن لاسرائيل فيها اي دخل. كما لم تكن طرفاً في خصومات القذافي مع مصر وتونس... او خصومات الجزائر والمغرب... او حروب الانفصال والاتحاد بين اليمنين... او احتلال صدام حسين الكويت.

وتدخل اوباما ليذكره بالحروب الصغيرة والكبيرة التي خاضتها القوات الاسرائيلية ضد مصر وسورية والاردن ولبنان والشعب الفلسطيني، وكيف ان حل الدولتين يمكن ان يساهم في خفض التوتر الناجم عن مخططات التوسع والاستيطان.

ورد نتانياهو على هذه التوقعات بالقول: ان عداء العرب لاسرائيل هو في الاساس عداء لأقلية نجحت في انشاء دولة. ومثل هذه الروح المعادية منتشرة في كل دول المنطقة وضد كل ما يسمى اقليات، لا فرقاً كردية كانت ام قبطية ام ارمنية ام من البربر. وبسبب هذا الاعتبار ارى ان حل الدولتين لن يبدل من مظاهر العنف والكراهية، ولن يساعد الولايات المتحدة على ترويض الاصوليين في ايران والعراق وافغانستان وباكستان.

وعندما بلغ اللقاء الثاني هذا المستوى من الاختلاف في وجهات النظر، طلب اوباما من نتانياهو التوقيع على اتفاق خطي باحترام الاتفاقات السابقة، وبضرورة وقف الاستيطان لمدة اربعة اشهر. وعندما رفض هذا الاقتراح لكونه يشكك بصدق تعهداته، غادر اوباما القاعة بحجة انه حان موعد العشاء مع اسرته. وازاء هذا التجاهل المتعمد انتقل نتانياهو الى السفارة الاسرائيلية حيث كان ينتظره كبار المسؤولين في «ايباك»، اضافة الى النواب اليهود في الكونغرس. ولما نقل حديثه مع الرئيس الاميركي الى الحضور، علق احد مرافقيه بالقول: اذاً، يمكننا الاعلان صراحة ان اوباما يعتبر اكبر كارثة تواجهها الدولة العبرية.

ومع ان نتانياهو خفف من وقع كلام مرافقه في مجلس الوزراء عندما قال إن الخلافات في وجهات النظر لا يجوز ان تؤثر في علاقة الاصدقاء والحلفاء، الا انه عاد ليصر على ان القدس الشرقية هي ملك اليهود منذ ثلاثة آلاف سنة.

وهذا يعني ان المصالحة ستكون شكلية، خصوصاً اذا استمر اوباما في تقليد الرئيس كينيدي بحيث يجعل من منطقة الشرق الاوسط منطقة خالية من السلاح النووي.

يبقى السؤال المهم: هل يتراجع نتانياهو عن عناده، ام انه سيطلب من «ايباك» البحث عن فضيحة يلصقها بأوباما، او عن حل دموي شبيه بالحل الذي اعتمده بن غوريون مع كينيدي؟

* كاتب وصحافي لبناني

===========================

الاتحاد الأوروبي: متى يتجاوز مواقفه اللفظية في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي

المستقبل - السبت 3 نيسان 2010

العدد 3613 - رأي و فكر - صفحة 21

د. أسعد عبد الرحمن

مع الزيارة "الطازجة جدا" للسيدة (كاترين اشتون) الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الامنية ونائبة رئيس المفوضية الاوروبية للشرق الأوسط، نقدم ها هنا قراءة في مواقف ذلك "الاتحاد" نظريا وعمليا. وبداية، نقرر بأن "الاتحاد" يقف، بشكل عام، موقفا مؤيدا وداعما للشعب الفلسطيني على المستويين السياسي والاقتصادي ويشكل جهة فاعلة رئيسية بوصفه أكبر جهات الدعم المالي للفلسطينيين. ورغم بياناته السياسية الجيدة، سواء حول مدينة القدس المحتلة أو المستعمرات/ "المستوطنات" بل والحصار على غزة، إلا أن بقاء هذه البيانات دون التحرك على الأرض يجعل دوره شبه أفلاطوني!. فالأصل ان يشكل الموقف الأوروبي رافعة سياسية واقتصادية داعمة ومساندة للشعب الفلسطيني طالما أن "الاتحاد" متمسك بمنظومة قيمه السياسية والانسانية.

عشية اول زيارة للمنطقة تقوم بها الوزيرة (اشتون)، طالب "الاتحاد الأوروبي" اسرائيل العمل على إعادة إطلاق فوري لمفاوضات السلام مع الفلسطينيين. بل ان (اشتون) نفسها صرحت بأن "الاتحاد" يمكنه ان يستخدم روابطه التجارية الوثيقة مع اسرائيل كأداة لحضها على استئناف محادثات السلام مع الفلسطينيين. بل انها، شخصيا، أدركت أن الدور الاوروبي يمكن أن ينشط أكثر حيث قالت: "نحن مورد كبير للمساعدات والتنمية لتلك المنطقة. نحن أقوياء مع اسرائيل لجهة التجارة، واسرائيل ترغب في تعزيز علاقاتها التجارية معنا. انها تريد تقوية العلاقات. ما نطمح اليه هو أن يعرفوا، لأنهم يعرفون فعلاً، أن الحل يكمن في تسوية يتم التوصل اليها من خلال المفاوضات. نرى أن هناك حاجة لأن يحدث ذلك بسرعة، وان يحدث الآن مع الفرص التي يتيحها ذلك لإسرائيل لتصبح قادرة على تعزيز العلاقات التي تريدها معنا في المستقبل". وبالفعل، تغطي شبكة العلاقات الاسرائيلية الاوروبية كافة مجالات الاقتصاد والسياسة والثقافة. ويفوق حجم التبادل التجاري بين اسرائيل والاتحاد الاوروبي نسبة التبادل الاقتصادي الاسرائيلي/ الاميركي. وبالارقام، أكثر من 40% من التجارة الخارجية الاسرائيلية تتم مع دول الاتحاد الاوروبي. وفي العام 2005 وحده، بلغ التبادل التجاري مع اوروبا 23 مليار يورو. واسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تشارك من خارج الاتحاد الاوروبي في برامجه للبحث العلمي. بل هي شاركت في تطوير وتمويل نظام جاليليو للملاحة بالساتيلايت الذي سيجعل دول الاتحاد الاوروبي وغيرها تستغني عن النظام الاميركي "نافستار- جي بي اس".

لطالما انتقدت الدول الأوروبية السياسات الإسرائيلية، لكنها لم تجرؤ حتى الآن على اتخاذ إجراءات ضد إسرائيل اللهم باستثناء مقاطعة البضائع والسلع التي تنتجها المستعمرات في الضفة الغربية. في المقابل، كانت هناك تحركات وقرارات شعبية مثل المقاطعة الأكاديمية للأكاديميين الصهاينة أو للجامعات الصهيونية، لكن هذا القرار الشعبي لم يصل إلى المستوى الرسمي الذي ما زال يأخذ بالحسبان الغضب الإسرائيلي، وهو ما جرى مؤخرا حين رفض "الاتحاد" مقترحا سويديا دعا إلى اعتراف أوروبي صريح وواضح بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، مكتفيا باتخاذ قرار بخصوص القدس مفاده بأن المدينة عاصمة لدولتين من خلال العملية التفاوضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وذلك رغم أن أغلب الدول الأوروبية تعتبر القدس الشرقية منطقة محتلة لا يجوز التلاعب بمعالمها ووضعها من قبل إسرائيل. ومؤخرا، وتحت عنوان "وجهة نظر الاتحاد الاوروبي تجاه الشرق الاوسط" قال تقرير "مركز الدراسات الاوروبية": "ان الموقف الرسمي للاتحاد الاوروبي بشأن عملية السلام في الشرق الاوسط، اي عملية السلام الاسرائيلية الفلسطينية، هو ان تحقيق سلام دائم في المنطقة امر ذو اهمية حيوية لأوروبا. ان الشرق الاوسط منطقة جارة، ترتبط اوروبا بها بروابط طويلة الاجل سياسية وتاريخية وثقافية واقتصادية وتجارية، واستقرارها وأمنها جوهريان لاستقرار اوروبا نفسها وأمنها. لهذا السبب فإن الجماعة (الاوروبية) ودولها الأعضاء ملتزمة التزاما كاملا بلعب دور ملائم في هذه العملية".

إن "الاتحاد الاوروبي" يمتلك مقومات هائلة للعب ذلك "الدور الملائم" وللتأثير الفعلي على الساحة الدولية. لكنه، أي "الاتحاد"، لا يتصرف حتى الآن وفق حجمه الحقيقي، وما زال يتعامل مع مختلف القضايا العالمية، ومن بينها القضية الفلسطينية، بتردد خجول! بل ان الأوروبيين هم من أكبر المتبرعين للفلسطينيين وبخاصة لإصلاح الدمار الذي تلحقه إسرائيل في عدوانها المستمر على الشعب الفلسطيني!!! والأوروبيون هم الذين يقدمون الأموال المترتبة على الاتفاقيات مع إسرائيل لدعم السلطة الفلسطينية وتمكينها من صرف رواتب الموظفين. من هنا، عليهم إذن، وقبل كل شيء، اتخاذ إجراءات عملية لانجاز "السلام العادل" الذي طال الحديث عنه، طبعا إن كانوا جادين حقا في مواقفهم المتعاطفة مع معاناة وتطلعات الفلسطينيين، أو مواقفهم ضد الإجراءات الإسرائيلية في القدس وعموم الضفة.

======================

حملة قندهار

ديفيد إغناتيوس

الشرق الاوسط

3-4-2010

ستمثل المعركة القادمة للسيطرة على مدينة قندهار الأفغانية القديمة، التي تقع على مفترق طرق، التحدي الأكثر صعوبة للحرب في أفغانستان، ليس فقط لأنها ستكون بالضرورة معركة دموية، لكن أيضا لأنها ستتطلب تقديم البند الأكثر صعوبة من جانب القادة العسكريين الأميركيين، وهو تحسين الحكم.

تعد قندهار معقل البشتون، فهي مكان للقبائل والعشائر المتنافسة، ومكان للثروة الخفية المتراكمة من تجارة المخدرات وتهريبها، ومكان لأصحاب النفوذ سيئي السمعة الذين يُرمز لهم في أذهان الناس باسم أحمد والي كرزاي، رئيس مجلس محافظة قندهار وشقيق الرئيس الأفغاني.

ويعد إصلاح الحكومة المحلية مثل تفكيك هرم من الأعواد، فإذا قمت بحركة خاطئة فسيتسبب ذلك في انهيار الهرم بالكامل. ومع ذلك، إذا ساعدت الولايات المتحدة الهيكل القائم للسلطة، فسيبدو أنها تتغاضى عن الفساد هنا في هذه المدينة، وهو ما يمثل رسالة سيئة للرأي العام في أفغانستان وأميركا على حد سواء.وبالحديث مع مسؤولين أميركيين حول الحملة القادمة، سمعت عن مجموعة من الأفكار الجيدة، لكنها ليست استراتيجية واضحة. يعرف المسؤولون الأميركيون أنه ليس بمقدورهم الوفاء بالوعد الذي قدموه في حملة مكافحة التمرد، والمتمثل في حماية السكان من دون انتهاك سلطة رؤساء القبائل المحلية. ومع ذلك فهم قلقون بشأن الإطاحة بالنظام هنا، وفتح الطريق أمام ما قد يشكل أسوأ من الفوضى، وهو موجة جديدة من الاستياء ضد التدخل الأميركي.

وستشتمل حملة قندهار على عنصر عسكري، حيث ستقوم القوات الأميركية بمداهمة معاقل طالبان المحيطة بالمدينة، مثل زاري وبنجاوي وأرغنداب. لكن المشكلة داخل قندهار لا تتمثل في العدو قدر ما تتمثل في أصدقائنا مثل أحمد كرزاي. وستكون المعركة في المدينة سياسية أكثر منها عسكرية، وستتطلب مهارات وخبرات غير متوافرة حاليا.

ويقول أحد كبار القادة العسكريين الأميركيين «المدهش هو ما لا نعرفه عن قندهار». وكان هذا القائد قد أشرف لتوه على حملة خاصة لجمع المعلومات الاستخباراتية عن أصحاب النفوذ وشيوخ القبائل ومظالمهم، إلى جانب «الأشخاص المشهورين في حديقة حيوان قندهار» على حد قوله. ولسوء الحظ، تبدأ الولايات المتحدة من قاعدة منخفضة بعد سنوات من جمع المعلومات الاستخباراتية التي كانت «متعلقة بصورة هامشية فقط بالاستراتيجية الشاملة»، وفقا لتقرير صدر في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي عن الميجور جنرال مايكل فلين. وبعد الاعتراف بالفجوات العميقة في معلوماتهم، تبنى القادة العسكريون الأميركيون ما قد يوصف بأنه «التواضع التنفيذي». فهم يعرفون أنهم من الممكن أن يرتكبوا أخطاء كبرى إن لم يكونوا على حذر. فإعادة تشكيل هيكل السلطة القائم قد يضع الولايات المتحدة على جانب الرجل البشتوني العادي، لكنه سيخلف فراغا في السلطة قد يتم استغلاله من جانب حركة طالبان. وبالأخذ في الحسبان بداية انسحاب القوات الأميركية من البلاد المقررة في شهر يوليو (تموز) من عام 2011، فليس هناك وقت لتجارب محفوفة بالمخاطر في قندهار. يشعر المسؤولون الأميركيون بالخطر، على نحو معقول تماما، بشأن قانون العواقب غير المقصودة.

لذا يؤثِر القادة العسكريون، بدلا من ذلك، تبني منطق يطلق عليه البعض «إعادة تحقيق توازن» في النخبة الحاكمة بقندهار. وستخلق هذه الفكرة مساحة سياسية أمام القبائل والعشائر التي لم يشملها نظام الغنائم القائم. ويقول فرانك روغيرو، المسؤول بوزارة الخارجية والممثل المدني الأميركي في جنوب أفغانستان «المشكلة الأساسية في قندهار هي أن لديك سكانا محرومين من الحقوق». والأداة التي يأمل خبراء الاستراتيجية الأميركية في استخدامها لتوسيع القاعدة السياسية في قندهار هي المجلس التقليدي الأفغاني الذي يعرف باسم «الشورى». ويشجع المسؤولون مثل هذه المجالس التي تعقد بانتظام في المدينة والأحياء المحيطة، ويحثون المسؤولين الأفغان على جعلها أكثر شمولا وأفضل من أجل معالجة الشكاوى. ويريد المسؤولون الجمع بين هذه المجالس ونظام أفضل للشرطة، بمساعدة مدربين أميركيين، ومشروعات تنموية اقتصادية جديدة. وبالسفر هنا مع الأدميرال مايك مولين، رئيس هيئة الأركان المشتركة، حضرت أحد مجالس الشورى الذي استضافه توريالاي ويسا، حاكم محافظة قندهار، ولم يكن هذا المجلس على نحو دقيق تجمعا من المحرومين. وحذر المتحدثون فيه من أنه لا يجب على الولايات المتحدة ملاحقة كرزاي. وقال ويسا عقب الاجتماع «إذا لم يكن هنا، لكان هذا التوازن مختلا».

قد يكون كبح جماح الفساد في قندهار مهمة مستحيلة. لكن هذه هي المهمة اختارتها الولايات المتحدة لنفسها، بوعدها من خلال حملة مكافحة التمرد بأنها تعمل من أجل التوصل إلى أفغانستان أفضل وأكثر عدلا مما قدمته حركة طالبان.

إن هذا التنافر بين الغايات والوسائل هو ما يقلق أي زائر لهذه المنطقة في الأسبوع الحالي. فللمفارقة، الجزء الأصعب في هذه الحرب ليس القتال في الميدان، الذي يديره الجيش الأميركي ببراعة، لكنه النضال على الساحة السياسية الأفغانية، والتي لا نعرف عنها إلا القليل

=========================

قمة سرت والهجوم المضاد العربي

المستقبل - الخميس 1 نيسان 2010

العدد 3611 - رأي و فكر - صفحة 20

خيرالله خيرالله

ثمة جوانب ايجابية في القمة العربية التي استضافتها مدينة سرت الليبية. في مقدم هذه الجوانب ان بعض العرب بدأ يفكر في ضرورة اصلاح البيت الداخلي اوّلا. ولذلك، بدا ان القمة العربية الأخيرة تميّزت بمقدار من العقلانية على عكس مما كان متوقعا. سادت القمة الأجواء التي تحكمت بالسياسة الليبية في مرحلة ما بعيدا عن اي نوع من التهور. انها الأجواء التي مكنت الجماهيرية من تجاوز الحصار الذي فرض عليها بسبب قضية لوكربي ثم بسبب سعيها الى امتلاك اسلحة الدمار الشامل. استطاعت القيادة الليبية، وقتذاك، بفضل السياسة الواقعية التي انتهجتها ابتداء من السنة 2000 فك عزلتها والعودة الى ممارسة دورها على الصعيدين الأقليمي والدولي. هل تستخدم هذه القيادة القمة من اجل اظهار انها قادرة على اتباع سياسة بناءة في المدى البعيد؟ هذا السؤال في حاجة الى جواب مقنع بعدما بدا في الأشهر القليلة الماضية ان هناك عودة بين الحين والآخر الى ممارسات عفا عنها الزمن، خصوصا في مجال التعاطي الليبي مع اوروبا.

إن السؤال في مجال استخدام العقلانية لا يزال مطروحا على الصعيد الليبي نفسه، ولكن ما يمكن قوله بعد الذي شهدته القمة ان هناك ميلا ما للتفاؤل بتحسن الأداء العربي عموما في ضوء القرارات العملية التي التي اتخذتها القمة بما في ذلك البحث لاحقا بتطوير جامعة الدول العربية كمؤسسة وربما الأنتقال الى قيام الأتحاد العربي استنادا الى الإقتراح اليمني الجديد القديم الذي اعاد الرئيس علي عبدالله صالح طرحه في قمة سرت.

يترافق البحث في تطوير مؤسسة جامعة الدول العربية مع التفكير في ايجاد روابط مع دول الجوار، على رأسها تركيا والتشاد. وكان ملفتا ان كلمة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في الجلسة الإفتتاحية للقمة تركت اثراً عميقاً لدى المشاركين، خصوصا بعد تشديده على اهمية القدس وما تعنيه لدولة مهمة في المنطقة اسمها تركيا.

في النهاية، كانت قرارات القمة في المستوى المطلوب نظرا الى ابتعادها عن المزايدات والكلام الفارغ الذي لا يقدم ولا يؤخر. كرر العرب مرة اخرى انهم يسعون الى السلام وانهم يريدون ترتيب بيتهم الداخلي بدليل القمة الإستثنائية التي ستنعقد قبل نهاية السنة للبحث في مستقبل جامعة الدول العربية كمؤسسة. وضعت كلمة امير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في الجلسة الإفتتاحية التي سلم فيها رئاسة القمة الى العقيد معمر القذافي الأسس للتفكير ملياً في اصلاح البيت العربي. قال امير قطر صراحة ان "العمل العربي المشترك يواجه ازمة مستعصية ولن نخدع انفسنا وشعوبنا". اراد القول صراحة ان على العرب الإبتعاد عن الأوهام من جهة وتحمل مسؤولياتهم من جهة اخرى، خصوصا لجهة فك الحصار الظالم عن قطاع غزة...

بعد القمة، جاء دور المواجهة. الأكيد ان هذه المواجهة لا يمكن ان تكون عسكرية، إلا اذا كان مطلوبا استخدام الفلسطينيين مرة اخرى وقوداً في معارك ذات طابع اقليمي لا علاقة لهم بها تعود عليهم بالويلات. جرب الفلسطينيون السلاح فكانت النتيجة معروفة، خصوصا ان لا وجود لأي طرف عربي او غير عربي يريد فتح جبهة جديدة مساندة لهم. من هذا المنطلق وفي غياب النية العربية في خوض حرب، ونظرا الى وجود استراتيجية عربية تقوم على السلام كخيار استراتيجي، ووجود مبادرة السلام العربية، لابديل من العمل من اجل تحديد طبيعة المعركة مع الأحتلال الأسرائيلي. وهذا ما فعله رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيد محمود عبّاس (ابو مازن) امام المشاركين في القمة. ركز "ابو مازن" على المصالحة الفلسطينية الفلسطينية مؤكدا السعي من اجل هذه المصالحة واستعداد "فتح" لتوقيع الورقة المصرية اليوم قبل غد. وشدد على اهمية القدس مشيرا الى ان "لا معنى لدولة فلسطينية مستقلة من دون ان تكون القدس الشريف عاصمتها". فوق ذلك كله، اوضح ان لا مفاوضات مباشرة او غير مباشرة مع اسرائيل من دون وقف الإستيطان ومن دون مرجعية محددة هي حدود العام 1967.

وضعت قمة سرت الأسس للهجوم العربي المضاد. انه هجوم ديبلوماسي اولاً واخيراً يعتمد على ان هناك اجماعا اقليميا ودوليا على ان الأحتلال الأسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية لا يمكن ان يستمر الى ما لا نهاية. حتى الإدارة الأميركية تبدو مستعدة للمشاركة في الضغط على اسرائيل وحكومتها اليمينية المتطرفة التي تسعى الى تكريس الأحتلال لجزء من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية.

كيف سيتحرك العرب بعد القمة؟ المهم انهم بدأوا يتحدثون عن ضرورة اصلاح اوضاعهم. كان السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية في غاية الصراحة عندما ركز في كلمة امام الجلسة العلنية وفي مؤتمره الصحافي على مخاطر المذهبية التي بدأت تهدد المجتمعات العربية. انه كلام شجاع يصب في حماية الأمن العربي وفي جعل العرب يعون ان عليهم النظر الى ما يدور داخل مجتمعاتهم قبل اطلاق الكلام الكبير عن المقاومة والممانعة وما شابه ذلك من مزايدات لا طائل منها.

كان مفيداً ان تنعقد القمة في ليبيا التي لاحظ وزير خارجيتها السيد موسى كوسة انها المرة الأولى التي تستقبل حدثا في هذا المستوى. ربما كانت اهمية ليبيا بصفة كونها البلد المضيف، انها استطاعت التخلص من العقوبات الدولية التي فرضت عليها في مرحلة ما بفضل الديبلوماسية. ادركت ليبيا في مرحلة معينة ان الشعارات شيء والواقع شيء آخر وان بعض العقلانية اكثر من ضروري في حال كان المطلوب الخروج من العزلة الدولية. لم تترك اي مجال لأدنى شك في انها ستتخلص من مشاريع تستهدف الحصول على اسلحة كيماوية او اي شيء له علاقة بما يسمى اسلحة الدمار الشامل. فتح ذلك لها كل الأبواب امام الخروج من عزلتها. يفترض في العرب التوقف امام هذه التجربة والإستفادة منها في معركة القدس... بغض النظر عما اذا كانت الجماهيرية ستعود الى لغة المزايدات ام لا.

======================

في الحاجة العربية الى عقد اجتماعي جديد

د.عبدالله تركماني

4/1/2010

القدس العربي

هناك أشكال متعددة لقوى المجتمع المدني في عالمنا العربي، ولكنها تفتقد التلازم مع سلطة الدولة والتكامل معها، خاصة فيما يتعلق بالشقين السياسي والحقوقي من المجتمع المدني وأطيافه العديدة. وفي اعتقادي أنّ المجتمع المدني والدولة مفهومان متلازمان لا يمكن لأحد الطرفين أن يؤدي دوره، بالصورة المطلوبة، دونما مساعدة ودعم من الطرف الآخر، فمن الصعب تصور دولة وطنية يلتف حولها المواطنون دونما مجتمع مدني يساندها ولا يمكن للمجتمع المدني أن يؤدي دوره - بشكل فاعل - دون وجود الدولة الدستورية القوية.

ولكنّ هذا التلازم والتكامل لا بد له من عمود فقري يدعمه ويؤكده، فهل هو الشكل الديمقراطي أم الشكل الشمولي للدولة ؟ الجواب على هذا السؤال معروف، بل أنّ الإثبات الحقيقي لأية دولة بأنها ديمقراطية هو في تركها لنواة المجتمع المدني فطري الوجود، ينمو ذاتياً استجابة لحاجة الناس وآمالهم. ولكنّ الدولة الشمولية تخشاه لتهديده شموليتها وأهدافها، لذلك قد تستعمل معه العنف، وربما تستبدله بمكونات لمجتمع مدني (رسمي) آخر يزيد من شموليتها وشذوذها التاريخي، خداعاً للتاريخ وتزويراً لوقائعه وتطوره.

إنّ الحل للخروج من المأزق العربي المستمر هو مغادرة بنيان الإقصاء والعنف إلى رحاب بنية اجتماعية - سياسية - ثقافية تقوم على العمل المنتج واستثمار الموارد الطبيعية والبشرية وزيادتها، وتحرر إرادة الوطن والمواطن، والإطار الصحيح لقيام هذه البنية هو:

- المواطنة كعقد لتنظيم علاقات الأفراد والجماعات.

-الديمقراطية كإطار لقيام مشاركة سياسية تضمن فصل السلطات، التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتداولها.

- التنمية الشاملة لاستثمار الموارد الطبيعية والبشرية وتطويرها وتوظيفها لقيام اقتصاد منتج، يرفع مستوى معيشة السكان ويؤمن العدالة الاجتماعية.

ويتم ذلك من خلال منهج إصلاح متدرج تراكمي، يفتح باب التطوير لبناء دولة حديثة، تصالح المواطن مع سلطته وتصالح المجتمع في كل دولة عربية مع العالم.

إنّ افتقاد العالم العربي لآليات التغيير والتجديد أو التطوير هو نتيجة طبيعية لغياب العلاقات الديمقراطية والمأسسة والقانون، وسيادة عقلية السلطة على حساب الدولة. ولعل هذا الوضع هو الذي يفسر حالة الحرج التي انتابت الحكومات العربية إزاء كيفية التعاطي مع المشاريع الديموقراطية والإصلاح السياسي، التي طرحتها قوى المعارضة الديمقراطية، وكذلك الدول الغربية الكبرى.

هكذا فإنّ وضعاً عربياً تلك هي سماته يجعل من عملية التغيير أو التطوير عملية جد ملحة، إن لإصلاح الأوضاع أو لمواكبة مستويات التطور العالمي، كما للتعاطي المجدي مع التحديات الخارجية. ولكنّ هذا الوضع يبين أيضاً صعوبة التغيير الداخلي، فالقوى المؤهلة غير موجودة أو مغيبة، والقوى النافذة تمانع التغيير أو تؤجله أو تسطحه خوفاً على مصالحها، ثم أنّ آليات التغيير السلمي والديمقراطي والدستوري نفسها غير متوفرة.

على ذلك، فإنّ انسداد آفاق التغيير والتطوير الداخلي وغياب الإجماعات الوطنية وتشتت الإرادات الرسمية والشعبية، في معظم البلدان العربية، هي التي تسهل على القوى الخارجية التدخل لإحداث تغييرات في العالم العربي، بغض النظر عن ملاءمة هذه التغييرات للمصالح والأولويات العربية، وهي بالطبع تغييرات، ربما تلبي بعض مطالب المجتمعات العربية، ولكنها ستظل مشوبة بشبهات التدخل والإملاء القسري والتوظيف السياسي الخارجي، ما يضعف شرعيتها وأسسها الداخلية، ويضعف أيضاً من قدرتها على الاستمرار.

ويبدو أنّ معطيات الوضع العربي تؤكد ديمومة الاستبداد، فالنظام العربي الذي ظل يؤجل مشاريع الإصلاح بدعوى ' لا صوت يعلو فوق صوت المعركة '، يتذرع اليوم بادعاءات الحفاظ على الهوية، وممانعة الهيمنة، ورفض الإملاءات الخارجية. أما الشعوب العربية فهي إما سادرة في غيبوبتها وفي تحصيل لقمة عيشها، أو هائجة في البيوت أمام التلفاز، تلعن الإمبريالية والصهيونية. ولا شك بأنّ هذه الأوضاع تجعل العالم العربي مسرحاً للفوضى الداخلية ومرتعاً لمشاريع الوصاية الخارجية، في المدى المنظور.

إنها أزمة البحث عن عقد اجتماعي جديد، على حد تعبير الباحث ماجد كيالي، مقارنة مع الأزمة السابقة التي هي أزمة البحث عن عقد وطني جديد، وقد تلتقي الأزمتان في حالة واحدة أحياناً.

إنّ الدولة الديمقراطية الحديثة، التي هي أفق الدولة السياسية وتجاوزها الجدلي، هي النظام العام الذي تكف معه الدولة عن كونها شكلاً سياسياً خاصاً مناقضاً لمضمونه، أي تكف عن كونها استلاباً لماهية المجتمع المدني وروح الشعب. لذلك ينبغي أن نتوصل إلى دولة الحق والقانون، التي تحد من سطوة الغني أو القوي على الفقير والضعيف، فالدولة العادلة هي التي تطبق القانون على الجميع بالتساوي، بغض النظر عن ابن الست وابن الجارية، الكل متساوون أو ينبغي أن يكونوا متساوين أمام القانون.

مما يفرض الحاجة العربية اليوم لعقد اجتماعي جديد بين سلطة الدولة والمجتمع، لأنّ تآكل شرعية السلطة يهدد - في حالات كثيرة - شرعية الدولة ذاتها، وقد يؤدي إلى التفتيت أو التفجر الداخلي. فإذا كان نظام الدولة القومية الحديثة، اعتمد أساساً على مبدأ 'السيادة' فإنّ هذا الأمر ظل على هذا المنوال حتى ظهر الناشطون غير الحكوميين الذي أصبحوا لاعبين جدداً في العلاقات الدولية، مما أدى إلى التقليل من شأن مبدأ ' السيادة ' نفسه عن محيط التأثير في النظام الدولي.

وإلى جانب ذلك لا تزال مجتمعاتنا في بداية تجربة التحرر والانعتاق، مترددة في خوض الكفاح الشاق من أجل الحرية وتحمّل معاناته وعذاباته. أما الفرد الذي لا يزال مقموع الشخصية، مفتقراً لوعي ذاتي واضح، أو إرادة مستقلة، فهو ميال إلى تفضيل الاستسلام على مغامرة التمرد والاستقلال. ولا تزال الجماعة عندنا مرادفة للعصبية، وقائمة على القرابة العائلية أو الطائفية أو المذهبية، أي بعيدة جداً عن أن تتحول إلى جماعة مدنية، متوحدة من حول خيارات إرادية طوعية. وفي هذه الحالة يصعب كسر حلقة استتباعنا المزدوج لمستبدينا المحليين وقياصرة القوى الدولية، من دون إجراءات إصلاحية عميقة، فكرية وسياسية، تؤسس لعقد اجتماعي جديد.

' كاتب وباحث سوري مقيم في تونس

======================

العلاقات الاسرائيلية الامريكية في ضوء تصريحات كلينتون

د. يوسف نور عوض

4/1/2010

القدس العربي

جاءت تحذيرات وزيرة الخارجية الأمريكية 'هيلاري كلينتون' بشأن بناء المستوطنات في القدس مفاجئة لكثير من المراقبين للشأن الفلسطيني، فقد كانت تلك هي المرة الأولي التي تحدث فيها مسؤول أمريكي على هذا المستوى بهذه اللهجة للمسؤولين الإسرائيليين: وذلك ما أثار تساؤلات تتركز حول ما إذا كان هناك تحول في الموقف الأمريكي تجاه إسرائيل على الرغم من أن وزيرة الخارجية الأمريكية أعلنت في الوقت ذاته عن دعم بلادها الكامل لإسرائيل والتزامها بحماية أمنها كما كان شأنها دائما.

ولم يؤثر هذا الموقف الأمريكي على قرارات القمة العربية الأخيرة التي جاءت مفرغة مما يحرك المواقف العربية الساكنة تجاه إسرائيل.

وعلى الرغم من ذلك فقد أثار الموقف الأمريكي الأخير تساؤلات حول الأسباب التي تجعل دولة في حجم الولايات المتحدة تضحي بمصالحها في العالم العربي من أجل أن تقدم دعما لدولة مثل إسرائيل لا تلقى قبولا في المنطقة العربية وليس من المتوقع أن يتحسن وضعها على الرغم من وجود اتجاهات عربية تدعو للمصالحة معها، وظهور فكر يدعو لما يسميه ثقافة السلام التي لا تجد رد فعل إيجابي من الدولة اليهودية.

وبالنسبة لي شخصيا فقد ظللت أحاول منذ فترة طويلة التعرف على أسباب دعم العالم الغربي لإسرائيل وما إذا كانت هذه الدولة تواجه أخطارا تهدد مستقبلها، ولم أعثر في كل ما بحثت فيه خاصة في شبكة الإنترنت على إجابات شافية لتساؤلاتي، ذلك أن معظم ما تنقله هذه الشبكة يتعامل بحذر مع إسرائيل ويحاول من جانب آخر تصوير الفلسطينيين وكأنهم مجموعة من الأشرار يحاولون تقويض دولة إسرائيل التي توصف في كثير من الأحيان بأنها الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط.

وأخيرا عثرت على دراسة تتسم بغير قليل من الطرافة عن الأسباب التي تبرر تقديم الولايات المتحدة كل هذا الدعم لإسرائيل، وقد كتب هذه الدراسة 'سام سلون'الذي تساءل في أول أمره عن الأسباب التي تبرر دعم الولايات المتحدة لدولة إسرائيل، واستبعد سام أن يكون ذلك بسبب التنظيم اليهودي في داخل الولايات المتحدة أو بسبب الدعم المالي الذي يقدمه اليهود لمرشحي الرئاسة الأمريكية، مشككا في كل ذلك بقوله إن اليهود ممسكون في ما يتعلق بالدفع المالي كما أن أصواتهم ليست بذات تأثير على الموقف الأمريكي بصفة عامة بكونها محصورة في مدينة نيويورك. وهي في مجملها غير قادرة على أن تحدث تأثيرا كبيرا في نتائج الانتخابات الأمريكية، ولا يعتقد سام أن كل اليهود في الولايات المتحدة يساندون دولة إسرائيل، وبالتالي يجب في نظره البحث عن سبب آخر معقول لهذا التأييد القوي لدولة إسرائيل..ويجد هذا السبب في دعم من يعرفون بالمسيحيين الجدد. وهم طائفة من الذين يؤمنون بضرورة دعم إسرائيل بالمال بل وتخصيص عشرة في المئة من دخلهم لمساندتها، ويبدو أن غالبية هؤلاء يخصصون هذا التبرع بكونهم يؤمنون أنهم سيواجهون عذاب النار إذا لم يفعلوا ذلك، ويشكل هؤلاء أكبر مجموعة تمتلك حق التصويت في الولايات المتحدة وتؤثر بصورة فاعلة في سير الانتخابات الأمريكية، ويعتبر هؤلاء من المتعصبين الذين يؤمنون بكل كلمة وردت في مقدساتهم الدينية، وهم يختلفون عن الطوائف المسيحية الأخرى، ومنها الكاثوليك الذين يتبعون كل ما يقوله البابا، والغريب أن إجماع هؤلاء في تأييد إسرائيل لا يقابله إجماع مماثل من قبل اليهود أنفسهم الذين يختلفون في دعمهم لإسرائيل.

ويقول 'سام سلون' إن ذلك يفسر لماذا لا يستطيع أى مرشح أمريكي أن يفوز بالانتخابات الرئاسية إذا كان معارضا لدولة إسرائيل.

وهنا يبرز السؤال المنطقي لماذا إذن يدعم هؤلاء إسرائيل على هذا النحو؟

والإجابة بحسب معتقداتهم كما أوردها الإنجيل في سفر الرؤية فإنه من أجل أن تتحقق عودة المسيح الثانية، فيجب أن يعود اليهود إلى القدس حيث سيواجهون سلسلة من المصائب من بينها معركة 'هيرماجدون' حيث يعلن الشيطان حربا على القدس التي سيدمر جزءا كبيرا منها. وحين يصبح الأمر صعبا أمام اليهود يعود المسيح للمرة الثانية وعندها سيتحول جميع اليهود الذين ينجون من الموت إلى المسيحية. وإذا لم يستطع اليهود أن يسيطروا على القدس فإن المسيح بحسب معتقد المسيحيين الجدد لن يعود إليها.

وبحسب سام فإن كثيرا من المسيحيين الجدد يعتقدون أن ضرب مركز التجارة العالمي كان أول مصيبة تنذر بعودة المسيح الثانية بحسب 'جيري فالويل' الذي اعتبر أن هذه الضربة كانت عقابا من عند الله، غير أنه تبدو كثير من المتناقضات في آراء فالويل إذ في الوقت الذي يساعد فيه إسرائيل بجمع التبرعات فهو يقف ضد اليهود ويريدهم أن يعودوا إلى القدس، كما يريد إخراج المسلمين منها، وذلك بالطبع لأنه يتوقع موت الكثيرين منهم في معركة 'هيرما جدون' ثم يتحول من يتبقى منهم إلى المسيحية. ولا شك أن اليهود يدركون ذلك ويجدون في بعض الأحيان صعوبة في تلقي الدعم من أولئك الذين يسعون لقتلهم من أجل أن يتحول من يتبقى منهم إلى المسيحية.

ولكن بما أنهم لا يؤمنون بما ورد في سفر الرؤية فهم لا يعترضون على تلقي الدعم ممن يريد أن يقدمه لهم.

ويقول سام ليس كل زعماء المسيحيين الجدد يهتمون بالسياسة أو ينصحون أتباعهم بالتصويت لأحد المرشحين، ولذلك يقول المراقبون للوضع السياسي في الولايات المتحدة إنه بدون تأييد 'جيري فالويل' لم يكن بالإمكان انتخاب جورج بوش، وينطبق ذلك على والده وكذلك على 'رونالد ريغان' بحسب رأي سام، والمعتقد هو أن الرئيس 'بل كلينتون' هو الوحيد بين الرؤساء الذي لم يكن منتميا لطائفة المسيحيين الجدد، ويذهب 'سام سلون' إلى أن هذا الوضع برمته يفسر لنا ما جرى في العراق حيث ذهب 'فالويل' إلى القول بأن هذه الحرب تمت بدعم المسيحيين الجدد الذين كانوا يريدون أن يؤدي غزو العراق إلى تحرك الشعوب العربية ضد حكامها وبالتالي ضد إسرائيل مما يسرع في معركة 'هيرما جيدون' التي ستؤدي إلى عودة المسيح الثانية ودخول من يتبقى منهم في الديانة المسيحية .

وقد يبدو ما ذكرته سابقا مثيرا للاستغراب، وقد لا يصدق على أنه من المؤثرات القوية في توجهات السياسة الأمريكية ولكن كثيرا من الدراسات تؤكد أن الإدارة الأمريكية تخضع بشكل كبير لنفوذ المسيحيين الجدد، غير أن السؤال المهم هو إذا كان اليهود يعلمون أن من يقدم لهم الدعم يسعى في الحقيقة إلى تسريع القضاء عليهم فلماذا يقبلون بهذا الواقع؟

والإجابة هي أن الإسرائيليين لا يؤمنون بثقافة هؤلاء ولا يجدون بأسا في أن يستفيدوا من دعمهم طالما أن ذلك يحقق أهدافهم ويساعدهم على الاستمرار بالأسلوب الذي ظلوا يتبعونه منذ زمن طويل. وهو أسلوب لن يكون جديا على أى حال لأن القوة وحدها لن تكون ضمانا لاستمرار إسرائيل ذلك أن هناك شعبا ينتظر حقوقه وقد يطول به الأمد من أجل أن يتوصل إلى حل عادل لقضيته، ولكن في النهاية لا بد له أن يحقق ما يريد لأن هذا الشعب الفلسطيني لن يغادر المنطقة التي يعيش فيها، ولن يتوقف عن الزيادة والاستمرار، وبالتالي ليس من الحكمة تجاهل حقوقه لأنه ستأتي بكل تأكيد لحظة سيتخلى فيها هذا الشعب عن كل الأساليب التي يتبعها في الوقت الحاضر من أجل المطالبة بحقوقه ليطور أسلوبا جديدا يحقق له بكل تأكيد مطالبه، وذلك ما يجب أن تتوقف عنده إسرائيل من أجل حل عادل للقضية الفلسطينية.

' كاتب من السودان

======================

رابطة دول الجوار العربي .. خارج السياق أم داخله ؟

محمد شريف الجيوسي

 الدستور

1-4-2010

هل كان اقتراح أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى بإقامة (رابطة دول الجوار العربي) خارج السياق أم في إطاره ومضمونه الصحيح .

 

نعرف أن (عصر ) عمرو موسى في الجامعة تزامن مع بعض الإصلاحات المهمة منها انتظام عقد القمة ، وإنشاء البرلمان العربي ، ونعلم أن هذه الإصلاحات وغيرها كانت دون الطموح العربي ، لكنها في عمر الدول والشعوب والواقع تعتبر شيئاً مهماً . ونعلم أن عمرو موسى عندما كان وزيراً للخارجية المصرية كان شوكة في حلق إسرائيل بمقاييسها على الأقل .

 

بهذا المعنى لا ينبغي أخذ اقتراح موسى على محمل ( سوء النية ) فيما يتعلق بإيران ، فإيران ليست دولة الجوار التاريخية الوحيدة ، فهناك تركيا وأثيوبيا وأرتريا وتشاد والسنغال .. وثمة قضايا ومصالح عديدة تتداخل مع هذه الدول والمكونات ، سواء لجهة المصالح الإقتصادية او الأمن أو السياسة أو حتى التداخل الديمغرافي والاجتماعي والديني.

 

إن إقترح إنشاء رابطة دول الجوار لا يعني بحال ، طي هذه القضية أو تلك من قضايا الخلاف او الاختلاف أو المطالب والحقوق ، إن وجدت : وهي موجودة أحياناً ، ولكن هذا يعني تغليب منطق الحوار والعمل على الهوامش المشتركة فيما بين المجموعة العربية منفردة ومجتمعة وبين هذه الدول ، وصولاً إلى تنميتها ، بما يخدم الجميع ، ويضيّق مساحات الخلاف وصولاً إلى حلها بالكامل . وفي آن ترك مصالح المنطقة وجوارها في أيدي أصحابها والحيلولة دون تصيد (الآخرين) للخلافات بين العرب ومجاوريهم وتعميقها وأحياناً تخليقها ( من لا شيء ) .

 

إن إنشاء رابطة دول الجوار العربي يخلق نوعاً من التوازن الإقليمي ، في وقت تحاول فيه إسرائيل تسيّد المنطقة بدعم امريكي اوروبي ، كما ستحقق الرابطة التوازن إزاء الاتحاد المتوسطي) وتشكل رداً عملياً على المشروع الشرق أوسطي (الأمريكي ) الذي يدعو لجمع المشرق العربي دون مغربه مع إسرائيل ودول إسلامية آسيوية وفق المقاس الأمريكي .

 

إن الأمة العربية ليست تكويناً إثنياً أو دينياً أو عنصرياً وإنما هي تكوين حضاري جامع يشتمل على تباينات ومكونات إثنية ولغوية ودينية وتحت مظلة العروبة الحضارية الجامعة القادرة على الإستيعاب والتفاعل والتطور ، تلتقي مكوناتها ، وتتشكل حضارتها باستمرار واضطراد .

 

وبهذا المعنى فليس ما يمنع من قيام رابطة جامعة لدول الجوار العربي تتبادل المنافع وتحقق الدعم لأطرافها وتتقاسم الهم والواجبات وتضع الحلول لمشكلاتها وتلعب دوراً في السياسة الدولية وتحول دون أية نزاعات بينها : باستيعابها وتلطيفها وصولاً إلى إزالة مخاطرها .

 

إن الحوار دائماً هو الخطوة الأولى بين الأطراف بخاصة التي بينها بعض القواسم ولو بحدودها الدنيا ، ومأسسته هو الخطوة الثانية ، التي لا تتحقق إلا بإنشاء الرابطة . بما يحول دون استخدام البعض لقضايا الخلاف البينية مدخلاً لخلق الأزمات المذهبية أو العرقية أو القبلية عبر الحدود مع الجوار العربي ، والأمثلة على ذلك كثيرة .

 

ولا بد أن تحديد موعد لبحث مقترح رابطة الجوار العربي مفصلاً ، خطوة في الاتجاه الصحيح. ثمة عقبات أمام تحقيق الأهداف الحضارية المباشرة للأمة (أية امة ) لكن من الممكن دائماً خلق حقائق جديدة ، تعطل العقبات القائمة ، دون خوض صراعات مباشرة معها قد لا تكون مأمونة النتائج ، وهو الأمر الذي أدركته تركيا في عهد غول وأردوغان. ما أوصلها بسرعة استثنائية إلى مواقف تُحسب لها ، دون أدنى خسائر ، بل وتحقيق مكاسب كبيرة على غير صعيد .

بهذا قد تكون رابطة دول الجوار العربي ، حقيقة جديدة يصنعها العرب بالتعاون مع مجاوريهم الجغرافيين والتاريخيين لصالحهم جميعاً وفي مواجهة أعدائهم المشتركين الذين يعملون على حرفهم عن مصالحهم وتسخير طاقاتهم واستنزافها في مواجهة بعضهم .

======================

بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية

عبدالمجيد جرادات

الدستور

1-4-2010

يقول رئيس الوزراء الاسرائيلي "بنيامين نتنياهو" ، أن حالة التوتر التي نشأت مؤخرا بين حكومته والادارة الأميركية ، لن تؤثر على "عمق العلاقات الاستراتيجية بين اسرائيل والولايات المتحدة". فهل هو متيقن من ذلك ، وكيف سيكون المستقبل في ظل هذه التطورات؟.

 

على المدى المنظور ، فان الحكومة الاسرائيلية أمام امتحانين ، الأول ، أن الرأي العام الأميركي ، بدأ يدرك أن اسرائيل تتجاهل الأعراف الدولية ، وفيما اذا استمرت بممارسة القهر والتضييق على الشعب الفلسطيني والتوسع في بناء المستوطنات على أراضيه المحتلة ، فهذا يعني أن (نتنياهو) بطريقه لتوجيه السياسة الأميركية وفقا لمصالح الكيان الصهيوني: الامتحان الثاني ، أن تقرير جولدستون ، الذي كشف فضائح الجيش الاسرائيلي ضد أهالي قطاع غزة ، يمر بمراحله الأخيرة ، واستنادا لمفهوم القانون الدولي ، فان المفروض هو أن مجلس الأمن سيتبنى فرض عقوبات حادة بحق اسرائيل.

 

المعروف أن نتنياهو ، طلب أثناء زيارته الأخيرة الى واشنطن من الرئيس أوباما ، اعطاءه دورا عسكريا في المنطقة ، متذرعا باحتمالات الخطر النووي الايراني على اسرائيل ، لكن من الواضح أن القرارات الأميركية ، باتت تتبلور على ضوء ارادة الناخب الأميركي ، والذي دعم الرئيس الحالي ، حتى يتمكن من اعادة "ترميم" صورة الولايات المتحدة في المنطقة ، بعد أن تسبب الرئيس السابق "جورج بوش الابن" بتشويهها في حربه التدميرية على العراق وتورطه في المشهد القائم حاليا في أفغانستان ، الى جانب تحيّزه المطلق لاسرائيل.

 

ما هو موقف الادارة الأميركية ، اذا لم تتوقف الحفريات حول المسجد الأقصى والمشاريع الاستيطانية الاسرائيلية في أراضي القدس الشرقية؟ الانطباع السائد هو أن اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة ، سوف ينشط لتقريب وجهات النظر ، وبالكيفية التي تقلل من مبدأ التأثير على اسرائيل ، لكن هذه الفرضية تبدو غير واردة ، ذلك لأن الرئيس أوباما لم يصل للبيت الأبيض بدعم اليهود ، وفيما اذا قرر "الانحناء" أمام رغبات اسرائيل ، فسوف يخسر مقومات قوته ، وهذا ما ينعكس سلبا على طبيعة مهمته.

 

بين اصلاح ما دمرته الحرب على العراق ، وتطورات الأوضاع الميدانية في أفغانستان ، تكمن الحسابات الاستراتيجية ، وفي التقديرات العملية ، فان استنزاف مقدرات الشعوب يمهد الى ما هو أفدح من اعلان الفوز في مواجهات غير متكافئة ، وبناء على مخرجات الأحداث ، فان النوايا والأفعال الاسرائيلية ترتكز في مجملها على الميل التلقائي لاختلاق الفتن ، ولحسن الحظ أن دافعي الضرائب في المجتمع الأميركي يعرفون أن أموالهم التي تذهب الى اسرائيل ، لا تستخدم في الارتقاء بعيش اليهود ، لكنها توظف لاقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه ، ومن هنا تبدو المرحلة المقبلة مليئة بالمفاجآت ، حيث يحرص الرئيس أوباما على مصالح ناخبيه ومستقبل علاقاتهم مع دول المنطقة ، في حين أن نتنياهو يحاول تمرير قرارات تنسجم مع مصالح اسرائيل دون غيرها.

======================

العراق ما بعد الانتخابات.. قنابل داخلية وخارجية موقوتة أوجدها الاحتلال

نظام مارديني

السفير

1-4-2010

في السابع من آذار تلونت أصابع العراقيين باللون البفسجي، مثبتة أن العراق واحد رغم الموزاييك الطائفي، تلك الطائفية التي أرادت أن تقتلع جذور الناس وتبني على جماجمهم صرح الفدراليات والأقاليم العنصرية. لكن ماذا أفرزت انتخابات آذار؟

أظهرت النتائج هزيمة القوى التي لا تزال تحاول فرض الفدرالية والتقسيم والأقلمة بالقوة والاستقواء با لاحتلال الأميركي، فظلت البصرة وفية للعراق كما ظلت كركوك عراقية إلى الأبد ورفضت الانفصال المهين عن المحيط الأوسع لصالح المحيط الأصغر، أي ما يسمى «كردستان»، في حين قالت «مناطق نينوى» كلمتها وردت على النزعة الكردية الانفصالية، بمزيد من التفاعل مع نسيج العراق المتنوع، إضافة إلى هزيمة لا يستهان بها للأحزاب الاسلاموية الطائفية التي عملت على تقويض وحدة المجتمع.

كانت هذه الانتخابات فرصة مصيرية وتاريخية تذكر بمعاهدة سايكس بيكو، لكن استحضار العراقيين للحظتهم التاريخية المستندة الى ارثهم وحضاراتهم ومواقف مقاومتهم الوطنية هو من افشل مؤامرة تقسيم وتقزيم العراق، وبقي العراق الحقيقة الكبرى الذي ستفرز انتخاباته بالاضافة لوجوه جديدة، رؤى جديدة لعراق المستقبل المتصالح مع نفسه من جهة، والمتناغم مع محيطه الاقليمي الممانع.

أجمع معظم المراقبين الدوليين والمحليين على صعوبة المرحلة التي تلوح في الافق في ما يتعلق بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة بعد أن تمخضت الانتخابات التشريعية الاخيرة عن نتائج أولية تشير الى تفوق كتل كبيرة كان فوزها متوقعا قبل أن تبدأ عملية الاقتراع. ولعل المشهد الأوضح الذي أعقب الاعلان التدريجي لنتائج الاقتراع يتمثل بالصدمات المتلاحقة التي تعرضت لها بعض الاحزاب والتجمعات والائتلافات الطائفية والعرقية، فبعد أن اندفع آلاف المرشحين بحماسة عالية لخوض الانتخابات الاخيرة، جاءت النتيجة لتؤكد أن القوى العراقية تميل الى الكتل ذات التوجه الوطني/العلماني لكي تضمن حاضرا أفضل مما عاشته تحت قيادة الحكومات الطائفية السابقة لا سيما في مجال الخدمات الأساسية والأمن ورفع القدرة الشرائية والحد من آفات البطالة وغيرها.

الملفات الداخلية

أبرز نقاط الملفات الداخلية مرتبطة ب:

[ البطالة وتوفير فرص العمل.

[ فتح ملف الفساد المالي والإداري الذي ينخر في جسد الدولة العراقية والذي جعل العراق في المرتبة الرقم واحد على سلم الدول الفاسدة بحسب تصنيف منظمة الأمم المتحدة.

[ العمل على تنويع مصادر الدخل وموارد الدولة العراقية التي تعتمد على النفط بنسبة مئة في المئة.

[ اغلاق ملف كركوك الذي كلما برز إلى السطح تم تأجيله كي لا يكون عائقا ً أمام محاصصة الكتل المهيمنة.

[ سن قانون خاص للقطاع النفطي الذي لم يتم إقراره حتى الآن. وهوقضية لا تزال محل خلاف بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومات «الإقاليم».

[ الاهتمام بملف المصالحة الوطنية بعدما بدت آثاره السلبية واضحة في الانتخابات. لكن من الضروري أن يكون تحديد مفهوم المصالحة الوطنية أكثر أهمية من البدء في هذه العملية.

[ إلغاء مصطلح المحاصصة من القاموس العراقي، لأنه يجعل من الصعوبة بمكان اتخاذ قرارات دون الرجوع إلي الأطراف الأخرى.

الملفات الخارجية

تواجه الحكومة المقبلة مشكلات خارجية لا يمكن النظر إليها بمعزل عن الملفات الداخلية، بل نجدها متداخلة معها في كثير من الأحيان. فمشكلة المياه علي سبيل المثال مع كل من إيران وتركيا وسوريا سوف يكون لها أثر كبير على طبيعة العلاقات بين العراق وهذه الدول المجاورة. ومن المتوقع أن تكون في صدارة الملفات التي سوف تناقشها أي حكومة عراقية مقبلة إلى جانب الملف الأمني والذي تعاني منه كل الدول الإقليمية.

لكن يبقى هناك قلق لدى العراق من تطور الصراع الأميركي الإيراني وانعكاس هذا على الداخل العراقي، لا سيما أن العراق ساحة مفتوحة لأطراف دولية عديدة، وهو ما يجعل وقوف العراق على الحياد أمراً في غاية الصعوبة، ويحتاج إلى حكومة عراقية مقبلة قادرة بقيادتها الجديدة أن تكون لديها حنكة سياسية كي لا تكون على مسافة واحدة من طرفي الصراع، أحدهم جزء أساسي من المنطقة، والآخر دخيل. لذلك لا يمكن للعراق ان يبقى حيادياً تجاه الصراع القائم، فاقتصاده قائم على ما سيقرره سير الصراع بين إيران واميركا وحلفائهما في المنطقة والعالم.

ولتحقيق هذه العلاقة المتوازنة يجب على هذه الحكومة الموازنة بين ملف الديون العراقية والاستثمارات الأجنبية فيه. فمعالجة قضية الديون المتبقية على العراق تشكل عاملاً سياسياً واقتصادياً مهماً قد يغير شكل العلاقات الدولية في المنطقة إذا ما تم بخطوات محسوبة ومدروسة.

لا شك في أن مهمة الحكومة العراقية المقبلة في معالجة كل هذه الملفات صعبة وأحياناً مستحيلة لا سيما أنها مرتبطة بشكل البرلمان المقبل وتوزع الكتل فيه وشخصية رئيس الحكومة. هل هو أياد علاوي أم نوري المالكي؟

أما إذا كانت الحكومة حكومة محاصصة، على الطريقة اللبنانية، فهذا يعني دخول البلاد في مرحلة من الغيبوبة السياسية لا سيما أنه من الصعب جدا ً إيجاد صيغة توافقية بين القوى المتنافرة التي أوجدها الاحتلال وهو أمر يتخوف منه البعض لأنه يعني تشتتاً واضحاً في سياسات العراق الداخلية والخارجية.

======================

اردوغان.. هل يخوض معركته الاخيرة؟

محمد خرّوب

Kharroub@jpf.com.jo

الرأي الاردنية

1-4-2010

يمضي رجب طيب اردوغان قدماً في تنفيذ خطة, يبدو انها «طبخت» على نار هادئة.. لم يكن اقتياد ضباط برتب عالية في المؤسسة العسكرية ذائعة الصيت وحارسة العلمانية والقيّمة على ارث اتاتورك, سوى جزء من جبل الجليد الذي يريد هذا الرجل العنيد (ولكن العارف بثقة ما يريد وربما ما يتوفر عليه من اوراق) أن يكسره دون أن يُبقي على سفينة «تركيا» أسيرة المخاوف من الاصطدام المكلف, الذي قد يعيد الامور الى ما كانت عليه قبل العام 2002, بما هو العام الذي شهد بزوغ «نجم» حزب العدالة والتنمية, المنشق في الاساس عن حزب «نجم» آخر استطاع العسكر أن يسرّعوا انطفاءه وشطبه من المعادلة التركية نقصد هنا حزب الرفاه بزعامة نجم الدين اربكان، ولم يكن يعلموا أن حزباً من قماشة اخرى أكثر استطاعة على احباط خططهم, ولكن بلغة اكثر عصرية وانفتاحاً ومغازلة لاوروبا بهدف نيل عضويتها, لكن هذه المسألة تبدو الان موضع نقاش وبخاصة ان اردوغان وحزبه استفادا كثيراً من معارضة المانيا وفرنسا لانضمام تركيا الى النادي الاوروبي بهدف الاستمرار في مشروع الاصلاحات, ليس فقط كالتزام بمعايير العضوية وانما ايضاً في تقليم اظافر المؤسسة العسكرية, وجاءت قضية منظمة ارغنكون ثم لاحقاً مخطط الانقلاب ليضع الجنرالات في وضع لا يحسدون عليه..

 

الان يضع رجب طيب كامل اوراقه على «الطاولة» ويغامر ربما في فقدان مستقبله السياسي, اذا ما فشلت محاولته لتمرير مشروع تعديل دستوري يرمي في الاساس الى الحد من صلاحيات السلطات القضائية العليا المناهضة له ولحزبه بالطبع, وهنا علينا أن نتذكر الوعد الذي قطعه اردوغان لانصاره قبل سنتين, عندما «نجا» حزبه من محاولة لشطبه واعتباره حزباً غير مشروع, لكنه (قرار المحكمة الدستورية التي لا استئناف على قراراتها) بقي سيفاً مسلطاً على رقبة الحزب الآخذ بالتجذر في المشهد التركي, على نحو يهدد «دعامتي» الاتاتوركية، وهما المؤسسة القضائية (المجلس القضائي الاعلى والمحكمة الدستورية) والاخرى ذات الانياب القاتلة المؤسسة العسكرية..

ما يحاوله اردوغان يندرج بالطبع تحت مظلة التزام معايير عضوية الاتحاد الاوروبي, وهنا، أي في التعديلات المقترحة على الدستور «زيادة معايير الديمقراطية والحقوق الفردية», أي أن الرجل يغازل الغرب في حال ابدى الجيش تمرداً أو سعى لتحريض المؤسسة القضائية, وخصوصاً النائب العام الذي خاض معركة «حظر» حزب العدالة والتنمية لكنه خسر ولم يستسلم (وهنا نتحدث عن المدعي العام)..

 

فهل ينجح مشروع تعديلات الدستور؟.

بداية... الدساتير في كل بلدان العالم ليست مقدسة ما دامت وضعية, وبالتالي فأنها يجب وبالضرورة، أن تتماشى وتواكب المعايير والمتغيرات المحلية, وان تكون منسجمة ايضاً مع المعايير والقانون الدولي ايضاً..

لا يتعلق الامر بالتأكيد بمدى قِدَمِ هذا الدستور أو ذاك, فليس لهذه المسألة اعتبار بقدر ما لحداثة وانسجام هذا الدستور مع حقوق الانسان والعدالة والمساواة والبعد عن العنصرية وغيرها من القيم الانسانية النبيلة..

 

الدستور التركي الذي يسعى اردوغان لتعديل بعض مواده هو «صنيعة العسكر» في العام 1982, بعد نجاح انقلاب الجنرال كنعان افرين في العام 1980, ما يعني «تفصيله» وفق منطق الجنرالات وأفقهم السياسي والفكري المعروف, في بلاد ما تزال ترى في اعادة قراءة تراث ابو الاتراك (اتاتورك) جريمة صافية, يجب أن يعاقب الداعي اليها وليس فقط المستجيب أو المغامر..

 

أين من هنا؟.

تهديد اردوغان باللجوء الى الاستفتاء الشعبي لن يؤمّن له الاغلبية الكافية في البرلمان, لتمرير مشروعات التعديلات والذهاب الى الاستفتاء (اذا ما تقرر فعلاً) سيعني نشوب المعركة الحاسمة بين طرفي المعادلة القائمة الآن في تركيا..

فمن الذي سينتصر فيها؟.

تصعب الاجابة ومن المغامرة ... التكهن الان..

======================

إسرائيل دولة سيّدة وأميركا دولة سيّدة !

سركيس نعوم

الرأي الاردنية

1-4-2010

يعزو كثيرون في العالمين العربي والاسلامي علاقة الصداقة والتحالف بين الولايات المتحدة واسرائيل الى قيمة معينة مثل ايمان كل منهما بالديموقراطية والحرية والى مصالح اميركية، تساعد اسرائيل في حمايتها مستندة في ذلك الى تفوّق عسكري وتكنولوجي وحماية دائمة امّنتهما لها الاولى ولا تزال، والى فكر ديني يهودي – مسيحي معاد للاسلام يؤمن به الاسرائيليون والاميركيون.

الا ان هذه النظرة الى اسباب العلاقة القوية بين واشنطن وتل ابيب تنطوي على الكثير من التبسيطية في رأي عدد من الباحثين والخبراء الاميركيين رغم ان بعض ما ورد فيها قد لا يكون بعيداً من الصحة جزئياً. ذلك ان العلاقة المذكورة قامت قبل عقود وتوثّقت وقد تستمر طويلاً رغم الغيوم الكثيفة التي ظللتها اخيراً بسبب مواقف حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة. كما انها انطلقت من "الجيوبوليتيك" ومن المصالح الحيوية والاستراتيجية والوطنية لكل من اميركا واسرائيل. وكل ذلك يخالف بل يناقض المعادلات التبسيطية سواء من الاسرائيليين او من الاميركيين، الامر الذي يفرض محاولة توضيح بعض الامور. هذه المحاولة قام بها الباحثون والخبراء المشار اليهم اعلاه فوجدوا ان التبسيط والخطأ وتالياً الاختلاف في المواقف بين الحليفتين اميركا واسرائيل ناجم عن اقتناعين راسخين قد لا يكونان بالضرورة صحيحين. الاقتناع الاول، هو ان سبب العداء للاميركيين في العالمين العربي والاسلامي هو دعم اميركا اللامحدود لاسرائيل رغم كل "المظالم" التي قامت ولا تزال تقوم بها ضد العرب وفي مقدمهم شعب فلسطين. اما الاقتناع الثانين فهو ان لاميركا علاقة استراتيجية خاصة مع اسرائيل وان كلاً من الدولتين تعتمد على الاخرى اعتماداً كاملاً في كل القضايا، الامر الذي يحمي مصالحهما الحيوية والاستراتيجية والوطنية.

طبعاً شرح الباحثون والخبراء انفسهم خطا الاقتناع الاول فقالوا ان العداء العربي والاسلامي لاميركا سبق بكثير دعمها اللامحدود لاسرائيل رغم انه يساهم على نحو غير مباشر في تغذية الحقد ضدها والرفض لها. فحتى عام 1967 كانت المساعدات الاميركية لاسرائيل ضئيلة جداً. وفي تلك المرحلة كانت فرنسا الداعم الاول لاسرائيل والمزوّد الاكبر لها بالاسلحة. وفي عام 1956 وقفت اميركا ايزنهاور ضد اسرائيل بعد احتلالها مع فرنسا وبريطانيا قناة السويس اذ أجبرت قوات الدول الثلاث على الانسحاب من الاراضي المصرية في سرعة وبعد ما يشبه الانذار الشديد. رغم ذلك جعل الرئيس جمال عبد الناصر مصر حليفة للاتحاد السوفياتي ووجهة مساعداته المتنوعة ومركز حملاته الشديدة على اميركا. وتنامى شعور العداء عند مصر لأميركا بسبب امتناع واشنطن عن مدها بما تحتاج اليه من مساعدات. وفي عام 1963 استولى البعثان العراقي والسوري على السلطة في بغداد ودمشق. وانتهجا سياسة مؤيدة للسوفيات ومعادية لاميركا. وكان ذلك قبل تحولها مزودا وحيدا لاسرائيل بالمال والسلاح والتكنولوجيا.

المقصود من ذلك، يلفت الخبراء والباحثون الاميركيون انفسهم، هو ان العداء العربي والاسلامي لاميركا كان متصاعدا وبقوة قبل تورطها مباشرة وبعمق مع اسرائيل. الا ان التحول الاميركي لم يمنع مصر مثلا بعد عبد الناصر من التخلي عن الاتحاد السوفياتي والتحالف مع اميركا. اما الاقتناع الثاني، فقد اعتبره الخبراء والباحثون اياهم مبالغة اسرائيلية موصوفة. فاسرائيل اعتبرت دائما ان في وسعها الرهان على الكونغرس الاميركي وعلى ضغوط سياسية تمارسها جماعات الضغط الاميركية المؤيدة لها وذلك لمواجهة اي ضغوط قد تحاول الادارة اي الرئيس ممارستها عليها وخصوصا المتعلقة بحل ازمة الشرق الاوسط. لكن المبالغة في ممارسة الضغوط المشار اليها قد تعطي عكس النتائج المرغوب فيها وقد تؤذي اسرائيل عمليا. انطلاقا من ذلك يرى هؤلاء ان اعتبار السياسة الاسرائيلية لاميركا سببا لتصاعد العداء لها عربيا واسلاميا ليس صحيحا رغم انه ينطوي على صحة ولكن لاحقا لعام 1967. لكنهم يرون ايضا ان بلادهم لا تحتاج الى مزيد من المشكلات المعقدة في المنطقة. ذلك ان الدول المثقلة بالتحديات والازمات يمكن ان تكون لها ردود فعل غير متوقعة اي غير ايجابية. والولايات المتحدة تمر في مرحلة من التحديات المتنوعة.

وانطلاقا من ذلك يرى هؤلاء الباحثون والخبراء الاميركيون انفسهم ان التحالف الاستراتيجي بين اميركا واسرائيل لن يحمي علاقتهما من مشكلات وازمات جدية وخطيرة. فأميركا المثقلة في العراق وايران وباكستان وافغانستان لا تريد ازمة جديدة بين اسرائيل والعرب والمسلمين (استيطان القدس العربية). واذا كان لاسرائيل مصلحة في ذلك فان اميركا لا مصلحة لها فيه. هذا هو اطار البحث الذي يجب ان يقوم بين باراك اوباما وبنيامين نتنياهو والذي يجب ان يشمل الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي كله. واذا كانت اسرائيل ردت على المواقف الاخيرة لاوباما وادارته من مساعي حل هذا الصراع بانها دولة سيدة تقرر ما يناسبها، فان الرد الاميركي وإن الضمني على ذلك كان ان الولايات المتحدة هي ايضا دولة سيدة وسوف تتصرف وفي كل الموضوعات وتجاه كل الدول على النحو الذي يؤمن مصالحها.

======================

جنبلاط في دمشق

"زيّان"

النهار

1-4-2010

ما حصل حتى الآن ومنذ زيارة الرئيس سعد الحريري ثم زيارة زعيم الجبل وليد جنبلاط لدمشق، يمكن وصفه بالقرار الشجاع والخطوة الحكيمة. كما يمكن وضعه في خانة الايجابيات التي تساهم في اعادة الروح الى العلاقات بين البلدين الشقيقين، وتقويم ما اعتراها من اعوجاج واعتلال وانحرافات.

طبعا ليس من المبكر او السابق لاوانه القول ان زيارة وليد بك للعاصمة السورية من شأنها ان تضيف زخما ودعما الى ورشة اعادة ترشيد العلاقات بين دولتين تكاد الحدود بينهما ان تكون رمزية، وفي احسن الحالات والظروف اسما لغير مسمى.

ليس الوقت وقت المحاسبة والمعاتبة وليست المناسبة لنبش الدفاتر القديمة والبحث بين طياتها عما فعل هذا الفريق او ذاك، انما هو وقت تقديم المصلحة الوطنية العليا للبلدين على كل ما هو شخصي او فئوي. والمناسبة فرصة لاستدراك كل اخطاء الماضي وشوائبه، والتعاون الصادق والدؤوب لتنقية الاجواء من كل ما اعتراها من شحن، وتشنج، وتلبد، واحتقان...

من هذه الزاوية، زاوية المصالح المتبادلة والتعاون الشفاف في شتى الميادين، وفي كل ما يعود على البلدين بالخير والتقدم والازدهار، نظر الحكماء والعقلاء من اللبنانيين الى الزيارة – الحدث للرئيس الحريري التي فتحت الطريق بين بيروت ودمشق على مصراعيها.

ومنها كذلك، وبالاهمية ذاتها ينظرون اليوم الى الزيارة الجنبلاطية التي شغلت لبنان السياسي والرسمي والشعبي فترة قياسية، والى حين اعلان وصول رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الى قصر الشعب.

وفي هذا الصدد، وتأكيدا لاهمية خطوة الرئيس الحريري، وتاليا خطوة الزعيم الجنبلاطي، يشير سياسيون بارزون الى ان كثيرين يحسدون وليد بك لنجاحه اخيرا وبعد جهد جهيد في الوصول الى قصر الشعب ومقابلة الرئيس بشار الاسد، والعودة الى بيروت مع الصورة التذكارية.

بل ان هناك المزيد والمزيد ممن يتمنون عودة قطار العلاقة بين الزعامة الجنبلاطية ودمشق الى سكته السابقة، اي السكة السليمة والسالكة والآمنة.

ومن باب الاعتقاد الراسخ ان مثل هذه الخطوات يقدم مساهمة فعالة في اقناع المترددين من القادة اللبنانيين، وطمأنتهم الى ان سوريا ستبقى ضرورة لبنانية، في كل الظروف، ومختلف الأزمنة، وظالمة كانت او مظلومة.

المهم الآن، وبعد اتمام الزيارة، ان توظف الطاقات اللبنانية القريبة من العاصمة السورية، ومعها الطاقات السورية المؤمنة باهمية صفاء الجو بين العاصمتين، في سبيل تأسيس علاقات جديدة فعلا، واخوية فعلا، وندية فعلا، وممتازة فعلا.

وعلى اساس طي صفحة من الماضي والانفتاح على صفحة من المستقبل. فما بين بيروت ودمشق، جغرافياً وتاريخياً، ليس بين اي دولتين عربيتين او غربيتين.

======================

المواطن العربي بين الوعي واليأس

بقلم :د. صالح سليمان عبد العظيم

البيان

1-4-2010

المتابع لآراء الجماهير العربية قبل وبعد انعقاد القمة العربية في ليبيا، يكشف حالة من اللامبالاة بين هذه الجماهير، ليس فقط تجاه القمة، ولكن أيضا تجاه الواقع العربي ككل.

 

ورغم ذلك، فإن حالة اللامبالاة هذه لا تعكس عزلة عن الواقع وعدم وعي به؛ فالملاحظ أن حالة اليأس التي أصابت المواطن العربي، ارتبطت بدرجة وعي كبيرة ومتنامية، وهي حالة تزيد من الإحساس باليأس والقنوط، وتؤدي لانفلات الممارسات وتخبطها بشكل متطرف وعنيف.

 

فمعظم تعليقات القراء عبر مختلف مواقع الإنترنت، تكشف عن عدة اتجاهات يمكن تحديدها في ما يلي:

 

يرى معظم القراء من مختلف الدول العربية، عدم جدوى القمة العربية وأنها لن تقدم شيئا للمنطقة. ويستحضر الكثير منهم القمم السابقة وما نتج عنها، ليؤكدوا توجهاتهم ويدعموا تشاؤمهم مما سوف يحدث.

 

اللافت للنظر أن هؤلاء القراء يربطون بين فشل القمم العربية وبين الصعود الإسرائيلي في المنطقة، ويركزون بشكل خاص على ما يحدث في القدس الآن. ويلوم القراء بشكل كبير، القادة العرب على ما آلت إليه الأمور.

 

ويؤكدون على أن المصالح الشخصية والتوجهات الفردية والقُطرية، هي المصدر الأول لضعف العالم العربي ولهيمنة إسرائيل على مقدرات المنطقة. ويرى هؤلاء القراء أن الواقع العربي كان من الممكن أن يتمتع بوضعية أفضل بدرجة أكبر، لو اتحد القادة العرب واتخذوا قرارات جمعية في مواجهة إسرائيل.

 

ورغم أن الأحداث السياسية، وبشكل خاص ما يحدث في فلسطين، تحوز على قدر كبير من اهتمام القارئ العربي، فإن القضايا الأخرى حازت أيضا على قدر من الاهتمام، وعلى رأسها قضايا التنمية والتحديث. فرغم التنديد واسع المدى من قبل القراء بإسرائيل، فإنه من الملاحظ أن الكثيرين منهم عقدوا مقارنات عديدة بين تقدم إسرائيل وتخلف العالم العربي.

 

واستحضر القراء في هذا السياق الكثير من القضايا ذات الصلة بحياتهم اليومية، وعلى رأسها الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، وارتفاع معدلات البطالة والفقر في الكثير من الدول العربية. ولم يقف الحال فقط عند الجوانب الاقتصادية المباشرة، لكنه تعداها لبعض الجوانب الأخرى، مثل تدهور التعليم وانهيار مؤسساته المختلفة وعلى رأسها الجامعات، وتخلف الوضع الصحي بين الكثير من المواطنين العرب.

 

وإذا كان القارئ العربي قد ندد عبر تعليقاته المختلفة بالواقع السياسي المتفكك عربيا، فإنه أبدى اندهاشا كبيرا لعدم قدرة الدول العربية مجتمعة على تجاوز الخلافات السياسية المتجذرة، من أجل تدعيم مصالحها الاقتصادية عبر التعاون المشترك.

 

فإذا كانت صراعات السياسة تفرض قيودا معينة على التعاون المشترك، فإن المصالح الاقتصادية وما يرتبط بها من مكاسب كانت أدعى للم الشمل والتعاون المشترك، وهو أمر ما زال بعيد المنال في العالم العربي.

 

بل إن القراء قد أبدوا اندهاشهم من حجم التعاون بين الدول العربية منفردة، وبين غيرها من دول العالم، في الوقت الذي يقيمون فيه الحواجز ضد بعضهم البعض ويقيدون من حركة التجارة البينية.

 

اللافت للنظر أنه، رغم الخلافات العديدة بين القراء العرب والتي تظهر عبر مناسبات كثيرة في ما بينهم عبر صفحات الإنترنت، مغلفة بنزعات شوفينية ضيقة وعدائية، فإنهم توحدوا بدرجة كبيرة على التعبير عن يأسهم مما آلت إليه الأحوال في العالم العربي، وما يسببه لهم انعقاد القمة العربية من اجترار للأحزان، وارتفاع لحدة التشاؤم واليأس.

 

وعلى ما يبدو فإن هذا التوجه لم ينتج عن قناعة بأهمية التخلص من هذه النزاعات، بقدر ما تم تحت ضغوط الحياة اليومية ونقمة المواطن العربي على القيادات العربية.

 

ورغم ذلك لم يخلُ السياق من اختلافات بين القراء العرب، ارتبطت بواقع الجامعة العربية المهترئ ووضعية الأمين العام.

 

فقد انعكست مواقف البعض المسبقة على التنديد بالجامعة وأمينها، والمطالبة بتغييره، بل وبنقل الجامعة العربية ذاتها من القاهرة. ولم تقف حدة الخلافات عن هذا المستوى، بل تعدته إلى دعوات أخرى مباشرة تطالب بقطع العلاقات مع إسرائيل من جانب البعض، ووقف التطبيع معها من جانب البعض الآخر.

 

ولم يُهدئ من حدة الخلافات التي ظهرت بين شرائح مختلفة من القراء العرب، إلا القراء الذين لزموا الهدوء والحكمة، ودعوا إلى تجاوز الخلافات المندلعة عبر صفحات الإنترنت، وإلى مواجهة العدوان الإسرائيلي وخطط التهويد المختلفة التي يمارسها في القدس المحتلة. واستعان هؤلاء القراء بالكثير من الآيات والأحاديث النبوية، التي تحض على الاتحاد وتنبذ العنف والفرقة بين المسلمين.

 

كشفت قراءة تعليقات القراء العرب خلال الأيام الماضية، عن أزمة حقيقية يواجهها المواطن العربي، بين وعيه القوي بحالة الضعف العربي واستئساد إسرائيل في المنطقة، وبين عدم قدرته على مواجهة الواقع العربي وتغييره.

 

وفي ظل استمرار هذه الوضعية، على الأقل في المدى المنظور، فإنه من المتوقع أنها ستؤدي للمزيد من الممارسات المتطرفة غير المحسوبة، ليس فقط على المستوى الديني الذي نُحمله كافة الممارسات، ولكن أيضا من خلال مستويات أخرى عديدة قد نعرف بعضها ونتوقعه، لكننا لا نعلم بالكثير منها ولا نتوقعه.

كاتب مصري

======================

حديث البدائل

آخر تحديث:الخميس ,01/04/2010

جميل مطر

الخليج

كانت قمة العرب في سرت فرصة من الفرص الدورية العربية التي يحب المسؤولون العرب استغلالها ليطلقوا على مسامع الأمة ومسامع الغرب و”إسرائيل” الزعم أنه لا بدائل لديهم لخيار السلام، وفي القصد طبعاً خيار الوضع القائم الساكن لعقود طالت، متجاهلين حقيقة أن الخيار، أي خيار، حين يتحجر لا يعود خياراً، وإنما طريق مسدود، والاستمرار في الوقوف فيه رغم انسداده يعني بالنسبة لمن يهتم ويتابع أن الواقف مشلول في الإرادة أو الحركة . وأخشى أن صاحب الخيار الأوحد إنساناً كان أم نظاماً ينتهي به الأمر فاقداً الإحساس بالوقت، ومعرضاً لأن يتحول تجاهله للخيارات الأخرى إلى جهل بها نتيجة استمراره في إنكار وجودها .

 

سمعت موظفاً صغير المكانة في وزارة خارجية عربية يوبخ صحافياً شاباً أخلص في الاستفسار عن احتمال أن يفكر المسؤولون العرب في بدائل في حال بلغهم خلال مؤتمرهم أن “إسرائيل” قررت الصمود في عنادها، واستمرت في رفضها المبادرة العربية، وعاندت الرئيس أوباما . أقول أخلص الصحافي حين كان ينقل سؤالاً يسأله الكثيرون في مواقع الإعلام والتشريع والتدريس الجامعي ومراكز الدراسات، بل ويسأله دبلوماسيون سئموا جمود الدبلوماسيات العربية وضيق أفقها، كل هؤلاء، وبكل ما لديهم من اهتمامات بالشأن الوطني وشعور بالاختناق السياسي والقلق، يسألون بالأصالة عن أنفسهم، وبالنيابة عن الشارع العربي الذي تعالى عليه المسؤول الصغير وسخر منه في رده على الصحافي الشاب . ليته يعلم أن هذا الشارع الذي اتهمه بالجهل الدبلوماسي العربي كبير المقام والتأثير داخل وزارته هو الشارع نفسه الذي تحدث عنه باحترام الجنرال بترايوس في رسالته إلى الرئيس باراك أوباما، التي طالبه فيها بالتدخل سريعاً لإنهاء الاحتلال “الإسرائيلي” للأراضي العربية، لأنه حسب قوله “يخشى على جنوده المنتشرين في العالم العربي”، في اعتراف صريح بتفاقم الغضب في الشارع العربي .

 

ينطلق السادة المسؤولون العرب، وبينهم قادة أحزاب حاكمة ومثقفون في مناصب إعلامية كبيرة، من قاعدة أن كل سائل في البدائل إنسان خبيث، لأنه لا يذكر صراحة أن هدفه أن “يدفعنا نحن المسؤولين لنتخلى عن مسؤولياتنا تجاه شعوبنا وحلفائنا ونندفع نحو بديل الحرب”، وبما أن السائل في نظر المسؤولين العرب خبيث، فالواجب يحتم عليهم أن تكون إجاباتهم قاطعة وواضحة وصريحة . “لا . . . لا بدائل ولا تفكير في بدائل . والخيار الذي وقع اختيارنا عليه نهائي وغير قابل للنقاش وليذهب الخبثاء إلى الجحيم” .

 

ينسى المسؤولون العرب الرافضون لحديث البدائل أمراً مهماً، وهو أنهم برفضهم الحاسم للبدائل والتفكير فيها إنما يكشفون للملأ أنهم دخلاء على السياسة لا يعرفون معناها ولا يفهمون أصولها وقواعدها، ويثبتون أنهم لم يتعلموا شيئاً رغم طول احتلالهم لمقاعد سياسية . كادوا بإصرارهم على رفض حديث البدائل أن يعترفوا بأنهم لم يقرأوا كتاباً في السياسة كلاسيكياً أو معاصراً، لو أنهم قرأوا أو مارسوا شيئاً من السياسة كما يجب أن تمارس لعرفوا أن أول وظائف السياسي “الاختيار بين البدائل”، وثانيها “كفاءة توزيع الموارد” . فإذا تجاسر مسؤول سياسي كبير أو صغير، وقال عن موقف ما إن لا بدائل له، أو كان جريئاً، وقال إن لا موارد لدينا تسمح بتغيير خيار تأكد فشله، فإنه يكون قد عرض نفسه لمحاكمة هي قائمة بالفعل، كما نرى في غضب المواطنين المتصاعد، أو قادمة بالفعل، كما يتوقع جنرالات أمريكا وسياسيوها وعلماؤها ويحسبون حسابها من الآن . وبخاصة بعد أن تسرب ما تسرب عن حجج استخدمها أوباما في المواجهة مع نتنياهو، ومنها حجة تهديد الاستقرار السياسي في دول عربية وأولها مصر، وما يعنيه هذا التهديد من عواقب وخيمة على توازنات القوى في الشرق الأوسط وآسيا .

 

في مقابلة مع مسؤول من دولة من دول الجوار التي يقترح عمرو موسى أن تكون عضواً في منظومة جديدة تجمع بين العرب وغير العرب من الجيران، أعرب الجار عن دهشته لهذا التحول المفاجئ في “فكر” الجامعة العربية باعتبارها الناطقة باسم العمل المشترك والممثلة للنظام العربي، واستطرد يحلل هذا التطور في ثلاث نقاط:

 

 الأولى، أن هذه الفكرة لم تكن ليعلن عنها إلا لو كانت العواصم العربية، أو أغلبها، على الأقل، قد توصلت إلى الاقتناع بأن النظام العربي الذي عاش سنوات فاقداً “قيادة للتسيير” واستعذب هذا الوضع لن يقبل بأن تخرج من صفوفه مرة أخرى دولة أو مجموعة من الدول تحتل مقاعد التسيير والقيادة . بل قد يسعى لتفويض دولة أو تحالف من دول الجوار أو الغرب بتولي هذه المهمة ومنع وصول طرف عربي إلى هذه المواقع .

 

 الثانية، إن التبشير بضرورة قيام نظام إقليمي جديد، أو شكل مؤسسي جديد تجتمع في إطاره، وتنتظم جهود الدول العربية وبعض دول الجوار، يأتي في ظل اقتناع مماثل، وإن قديم العهد، من جانب المؤسسة العسكرية الأمريكية ومن خلالها المؤسسة السياسية الأمريكية، بأن استراتيجية الدفاع عن الشرق الأوسط لا تتوقف، ولا يجوز، أن تتوقف عند الدول العربية في الخليج وبلاد ما بين النهرين أو عند شمال حلب واللاذقية أو عند الصحراء الغربية ودارفور ووسط السودان . إن الوجود المتصل للقوات الأمريكية في حروب في الشرق الأوسط دامت سبع سنوات ولم تنته، أي دامت مدة أطول من أي مشاركة أمريكية في حرب عالمية خلال قرنين، بل أطول من مجمل مشاركة أمريكا في الحربين العالميتين معاً . هذا الوجود المستمر في العراق “دولة عربية” وأفغانستان “دولة آسيوية”، والترتيب لحصار أو غزو إيران “دولة جوار للعرب”، دليل في نظر العسكريين الأمريكيين على عمق نظرتهم منذ أن اقترحوا خلال الحرب العالمية الثانية إقامة “مساحة استراتيجية شرق أوسطية”، ودليل على عدم جدوى التمسك بالحدود الاستراتيجية القائمة بين العالم العربي والدول المجاورة، بل وربما دليل على خطورة هذا التمسك على الأمن القومي الأمريكي وأمن دول الشرق الأوسط . ويعتقد الصديق القادم متحفزاً ومتأهباً من دولة جارة أن هذا المنطق العسكري تسرب فصار جزءاً من قناعات عدد من المسؤولين العرب، وبعضهم بدأ يتخذ من الإجراءات ما يسمح لقوات أمريكا والحلف الأطلسي بدمج خططه الأمنية في خطط أجنبية لا تتمسك بالحدود القائمة بين عرب وغير عرب .

 

 الثالثة، خطورة المأزق الذي استدرجت إليه الطبقة الحاكمة العربية حين انصاعت إلى “استراتيجية اللا بديل” التي تضمنها المشروع الأمريكي لإقامة سلام أمريكي “إسرائيلي” في الشرق الأوسط . اعتمد المشروع على عنصرين أساسيين أولهما حرية “إسرائيل” المطلقة في اختيار البدائل بشرط عدم المساس بمصالح الأمن الأمريكي . هكذا وبفضل توفر هذا العنصر، نجحت “إسرائيل” في تصنيف العرب صنفين، صنف يتعرض للتهديد والعدوان وصنف يتفرج محكوماً ومقيداً بالخيار الأوحد . واستفادت من هذا التصنيف مع احتفاظها بحقها استخدام خيارات متنوعة، حين استمرت مع أمريكا تفاوض بعض العرب وفي الوقت نفسه تشن حروباً ضد البعض الآخر، مثل قصف المفاعل العراقي، وغزو لبنان، وتجربة حرق غزة وشن عمليات شبه حربية في الإمارات، أما العنصر الثاني الذي استند إليه مشروع السلام الأمريكي “الإسرائيلي” للشرق الأوسط فكان، وما زال، حرمان الدول العربية، وبخاصة مصر، من حق توليد بدائل للاختيار بينها . أدى هذا الحرمان أو التحريم إلى تقليص ثم حذف أدوار تقليدية كانت مصر تباشرها في المنطقة وجوارها، كما أدى إلى حشر مصر حكومة وشعباً في أنشطة محدودة الأبعاد وبطيئة العائد وباهظة التكلفة وبخاصة في المجالين الديني والقومي .

 

 الرابعة، تسبب الاختلال في ميزان البدائل في الصراع العربي “الإسرائيلي” في أن يتجه بعض المفكرين العرب، وأيضاً غير العرب، إلى التفكير في إمكان الالتفاف حول القيود الموضوعة في مشروع السلام “الإسرائيلي” الأمريكي على حرية البحث عن بدائل أو خلقها باللجوء إلى دول في ما يسمى الجوار العربي مثل تركيا وإيران .

 

أتمنى أن يدرك هذا البعض الباحث عن تعويض لسد النقص في البدائل أن الاعتماد على دول الجوار لن يكون كافياً لاستعادة القدرة على صنع بدائل، بل قد يضيف إلى العجز القائم يأساً وتبعية لا ينقصانا .

======================

القمة العربية ومسؤولية الحرب القادمة

آخر تحديث:الخميس ,01/04/2010

محمد السعيد ادريس

الخليج

تصريحات رئيس الحكومة “الإسرائيلية” وأعضاء بارزين في حكومته، عقب انتهاء القمة العربية الثانية والعشرين في مدينة سرت الليبية تكشف عن أمرين أولهما: استهانة صريحة بما تضمنته القمة العربية من توصيات أدنى من مستوى خطورة الأحداث وبالذات من الإجراءات والمواقف “الإسرائيلية” الخاصة بمجمل ما يسمى “عملية السلام”، حيث خلت هذه التوصيات من موقف عربي حازم في شكله ومضمونه وقادر على ردع “إسرائيل” عن تلك الإجراءات والمواقف . وثانيهما تأكيد النوايا على شن حرب إبادة ضد كل قوى المقاومة في قطاع غزة، بحيث تلتقي هذه الحرب في أهدافها مع ما تقوم به قوات الاحتلال الصهيونية بالتعاون مع أجهزة أمن السلطة الفلسطينية لاستئصال كل جذور المقاومة في الضفة الغربية بهدف وضع نهاية لخيار المقاومة على مستوى الشعب الفلسطيني على نحو ما حدث على مستوى السلطة الفلسطينية والنظام الرسمي العربي .

 

لقد جاء البيان الختامي خالياً تماماً من أي دعم لصمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ضد الاعتداءات “الإسرائيلية” المستمرة، واكتفى البيان بالمطالبة بفك الحصار “الإسرائيلي” عن القطاع من دون أي إشارة إلى حصار آخر . والمعنى المباشر لهذا التجاهل فهمه “الإسرائيليون” وحفزهم على إعلان تهديدات واضحة وصريحة بأن تصفية حركة المقاومة الإسلامية في غزة وإعادة احتلال القطاع باتتا مجرد مسألة وقت فقط .

 

هذا التضليل، الذي شهدنا نماذجه خلال حربي “إسرائيل” على لبنان صيف 2006 وعلى قطاع غزة شتاء 2009 يمكن أن يتكرر مرة ثالثة في الحرب القادمة ضد قطاع غزة التي ربما يكون هذا الانحدار والانقسام العربي أحد أهدافها ضمن أهداف أخرى كثيرة، أولها القضاء على آخر فرصة لتجديد خيار المقاومة لدى الشعب الفلسطيني . وثانيها استباق الأحداث ومنع تجدد انتفاضة فلسطينية ثالثة، وعرقلة أي فرصة للمصالحة الفلسطينية .

 

هذه الأهداف مكشوفة وواضحة، لكنها غابت عن القمة العربية، ولم يصدر أي قرار بموقف عربي صريح يحذر “إسرائيل” من مغبة أي عدوان جديد ضد الشعب الفلسطيني، أو ضد مواصلة الاستيطان في القدس والضفة الغربية، أو الاستمرار في عمليات تهويد المقدسات الإسلامية وخاصة في المسجد الأقصى .

 

لقد اكتفت القمة بإدانة الانتهاكات “الإسرائيلية” المستمرة والمتصاعدة ضد الشعب الفلسطيني والأراضي الفلسطينية، والإعراب عن الدعم الكامل لمدينة القدس من دون أي معالم لنوع هذا الدعم، وإعلان خطة عمل تتضمن إجراءات سياسية وقانونية للتصدي لمحاولات تهويد القدس .

توصيات أكدت لقادة الكيان أن العرب غير عازمين على فعل أي شيء بمقدوره ردعهم، وأن هذه هي فرصتهم التاريخية للإسراع باستكمال مشروع التوسع والتهويد، وتصفية كل جيوب المقاومة، بل الاقتناع بأن شن حرب إبادة ضد كل المقاومة في قطاع غزة هو فرصة “إسرائيل” لتوسيع الانقسام العربي حول فلسطين

======================

هروب الجامعة العربية الى الجوار الاقليمي

الخميس, 01 أبريل 2010

رغيد الصلح *

الحياة

اطلق عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية نقاشاً واسعاً خلال مؤتمر القمة العربية حول اقتراحه بصدد اقامة رابطة دول الجوار العربي. وتعددت ردود الفعل حول هذا المشروع. و رحَّب به زعماء عرب واتراك وايرانيون. مقابل ذلك، اعربت اطراف عربية عن معارضتها له. ومن بين الذين ابدوا تحفظهم القوي على المشروع، برز موقف القاهرة، اذ اعلن حسام زكي المتحدث باسم الخارجية المصرية معارضة بلاده للمشروع. وبرَّر زكي هذا الموقف بأن «الفكرة في حد ذاتها تحتاج الى بلورة والى ان تفهم بالتفاصيل».

وبدت ردة الفعل هذه هي نفسها في حاجة الى بلورة. فالمشاريع لا ترفض عادة في الأعراف الديبلوماسية «لأنها ليست واضحة». واذا كان المقترح يشوبه فعلا غموض، فإن من المألوف ومن المنطقي ان يطلب الى صاحبه بلورته في مشروع واضح قابل للنقاش. فإذا استجاب صاحب المقترح لهذا الطلب، امكن عندئذ النظر فيه والحكم عليه من خلال مطابقته لمصالح الدول المعنية وتحقيقه الاهداف المتوخاة لهذه الدول في علاقاتها مع مجموعة اخرى من الدول. اما اذا اتضح ان المشروع لا يحقق مثل هذه الاهداف، كان من المستطاع رده لسبب مفهوم ومنطقي.

ويبدو هذا المنهج هو الأسلم في تحديد الموقف تجاه «رابطة دول الجوار»، حتى ولو كانت ردة الفعل الاولية تجاهه محكومة، الى حد بعيد، وكما يتردد، بالتوتر القائم بين القاهرة وطهران، او في الحقيقة بين عدد من الدول العربية من جهة، وايران من جهة اخرى. فليس من الغريب ان يقال ان إقامة الروابط الاقليمية بين بلدين او اكثر تحتاج، بادئ الامر، الى توفير اجواء ملائمة في ما بين هذه الدول، وانه في الظروف الراهنة لا تتوفر مثل هذه الاجواء بين طهران وبعض العواصم العربية الاساسية.

لسنا نعلم الى اي مدى سيتابع الأمين العام لجامعة الدول العربية مقترحه، ولكن بانتظار ادخال التوضيحات المطلوبة على المشروع، فإن من المستطاع مناقشته من زاوية مختلفة تتعلق بنظرة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية الى دورها والى اولوياتها والى الحوافز والتطلعات التي تقف وراء المقترحات التي تتقدم بها الى الدول الاعضاء. وتوفر وثائق الجامعة ذخيرة كافية لتحديد هذه المسؤوليات والاولويات. فبروتوكول الاسكندرية الذي وقع عام 1944 يقرر ان مهمة مجلس الجامعة، واستطراداً الأمانة العامة، هي «مراعاة تنفيذ ما تبرمه هذه الدول (العربية) في ما بينها من الاتفاقات و ... توثيق الصلات بينها وتنسيق خططها السياسية، تحقيقاً للتعاون بينها (....) وللنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها». ويكرر ميثاق الجامعة الذي تم توقيعه خلال شهر آذار (مارس) عام 1945 هذه المهام باعتبارها الهدف الاساسي للجامعة. هذا ما نقرأه ايضاً في الخطب التي القاها الآباء المؤسسون يوم التوقيع على الميثاق، والتي اعربت عن اماني القيادات العربية آنذاك في تجاوز فكرة التنسيق الى تحقيق الاتحاد بين الدول الأعضاء.

وكما هو واضح من هذه النصوص، فإن المهمة المركزية للجامعة التي تتقدم على سائر الاهداف والمسؤوليات هي تنمية العلاقات بين الدول العربية نفسها. وعلى هذا الصعيد، لا تختلف جامعة الدول العربية والنظام الاقليمي العربي عن اي منظمة اقليمية او نظام اقليمي في العالم. فمعاهدة روما التي تم التوقيع عليها عام 1957 والتي تعتبر بمثابة برنامج لعمل واهداف السوق الاوروبية المشتركة، تحدد في المادة الثانية هدف تطوير العلاقات بين الدول الاعضاء باعتباره هدفها الاول الذي تتحدد في ضوئه سائر الاهداف الاخرى والفرعية وكافة المناهج والاستراتيجيات التي تتبعها هيئات السوق. وعلى هذا المنوال نسجت «آسيان» و»ميركوسور» وغيرها من التكتلات الاقليمية الناجحة، اولوياتها.

ان اعطاء العلاقات بين الدول الاعضاء في التكتلات الاقليمية الاولوية لا يعني التقصير في اقامة علاقات طيبة مع الدول الاخرى. فهذا الهدف يبقى ايضاً من الاهداف الرئيسية للمنظمات الاقليمية. بيد ان الهدف المحوري الذي يجب ألا يتقدم عليه اي هدف آخر فهو النهوض بالعلاقات بين الدول الاعضاء. السؤال هنا هو: هل انطوى مقترح «رابطة دول الجوار» على تقديم المهم على الأهم؟ هل يتناقض هذا المقترح مع العمل على النهوض بالعلاقات العربية - العربية؟ من حيث المبدأ، قطعاً لا. اما من حيث الواقع فالجواب لن يكون بمثل هذه البساطة. لماذا؟ الجواب هنا يتحدد في ضوء عدد من المعطيات والملاحظات:

اولا: ان اقتراح اقامة «رابطة دول الجوار»، صادر عن جهة لا تلتزم التزاماً دقيقاً بأولوية تطوير العلاقات العربية – العربية على ما عداها من الانشغالات. انها تعطي هذا الهدف بعض الاهتمام ولكن موقفها منه لا يرقى الى مستوى الاهتمام والمتابعة المطلوبين وفقاً لمواثيق الجامعة والمبادئ التي دعت الى انشائها. هذا ما يمكن استنتاجه من مراقبة انشطة الجامعة اذ يتبين افتقارها الى التحديد الدقيق للأولويات، وان الاحداث وردود الفعل تحكم هذه النشاطات من دون ان تندرج في اطار مسعى دؤوب لتطوير العلاقات العربية الجمعية وتعميق مؤسسات العمل العربي المشترك. حتى يتأكد المرء من هذا الواقع يمكنه العودة الى الموقع الالكتروني لجامعة الدول العربية الذي يغيب عنه ادراج مسألة النهوض بالقضايا العربية بين «القضايا العربية» التي تهتم بها الجامعة!

قد يقال هنا ان الجامعة العربية تمكنت خلال عهد الأمانة العامة الحالية من تحقيق مشاريع مجلس الأمن والسلم العربي والبرلمان العربي والقمة الاقتصادية العربية. صحيح، ولكن القوة الدافعة الى تحقيق المشروعين الاولين كانت الخارجية المصرية، وليست الأمانة العامة. والحقيقة ان موقف الأمانة العامة كان متحفظاً وسلبياً تجاه فكرة مجلس الأمن والسلم العربي عندما تم تداولها في الصحافة العربية، الى ان ادرجتها وزارة الخارجية المصرية في اطار مشروعها للنهوض بالعلاقات العربية - العربية، فغيرت الأمانة العامة موقفها تجاه الفكرة وتبنتها. اما المبادرة الى عقد القمة الاقتصادية العربية فجاءت نتيجة مبادرة مشتركة مصرية - كويتية وليست نتيجة مبادرة من الأمانة العامة.

ثانيا: فضلا عن هذا وذاك فإن من المفروض ان تعمل الامانة العامة والهيئات المسؤولة عن العمل العربي المشترك على تعميق وتفعيل وانجاح الهيئات والمؤسسات الموجودة والمولودة والمقررة مثل الهيئات الثلاث، قبل ان تنتقل الى اقتراح الجديد منها والا يزداد عدد المؤسسات الصورية التي لا تعمق النظام الاقليمي العربي ولا تفيد الدول العربية ولا حتى دول الجوار. وحتى الآن، وبرغم النوايا الحسنة هنا وهناك، فإننا لا نستطيع القول ان الأمانة العامة بذلت جهداً كافياً وملحوظاً من اجل تفعيل الهيئات الثلاث.

ثالثا: شكا الأمين العام من محدودية امكانات الأمانة العامة. وشكواه هذه في محلها تماماً. فالذي يقارن بين عدد العاملين في الاتحاد الأوروبي الذي يصل الى حوالى 36 الف موظف، بينما لا يزيد عدد العاملين في جهاز الجامعة العربية عن بضعة مئات يفهم اهمية شكوى الأمين العام للجامعة. والذي يقارن بين مدخول الاتحاد الأوروبي السنوي الذي زاد عام 2004 عن البليون يورو وبين موازنة جامعة الدول العربية التي لا تزيد عن 25 مليون دولار، يقدر هزال الامكانات المادية التي تملكها الجامعة. هذا الواقع يفرض على الامانة العامة ان تحدد بدقة اولوياتها وان تستثمر طاقاتها القليلة في خدمة هدفها المركزي، وألا تشتتها.

رابعاً: ان الغرض السليم من اقتراح الامانة العامة الا وهو تطوير علاقات الصداقة والتعاون مع دول الجوار قابل للتحقيق من خلال اطارات دولية واقليمية عديدة تضم العرب والاتراك والايرانيين مثل منظمة المؤتمر الاسلامي وكتلة عدم الانحياز وكذلك عن طريق تعاون الجامعة مع منظمة التعاون الاقتصادي التي تضم تركيا وايران وافغانستان ودول آسيا الوسطى، من جهة اخرى.

ان اخذ هذه المعطيات والحقائق بالاعتبار يساعدنا على تحديد اولويات العمل العربي المشترك بدقة اكبر، ويوفر بالأحرى على جامعة الدول العربية الهروب الى الجوار بدلا من ان تركز القسط الاكبر من وقتها وجهدها في المكان المناسب الا وهو العلاقات العربية - العربية.

* كاتب لبناني

======================

الشرق الأوسط معيار نجاح او فشل استراتيجية اوباما

الخميس, 01 أبريل 2010

غازي دحمان *

الحياة

تنذر التطورات الأخيرة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط بحدوث متغيرات مهمة في بنية النظام الدولي، وتراتبية القوى فيه، وآليات اشتغاله. ومن نافل القول إن هذه الأحداث سوف تكون مؤشراً قوياً إلى انطلاق واقع دولي جديد ومختلف.

وتبدو الولايات المتحدة الأميركية، في عهد إدارة الرئيس اوباما، وكأنها تعيد بناء النظام العالمي انطلاقاً من الشرق الأوسط، حيث يقاس مدى فاعلية هذا النظام بقدرة واشنطن على بناء تحالفات متماسكة بخصوص قضاياه، سواء في ما خص ملف الصراع العربي الإسرائيلي، او الملف النووي الإيراني.

وباستثناء الشرق الأوسط، لا يبدو أن ثمة متاعب ذات وزن تواجه المدير الأميركي، ذلك أن الخلافات مع أوروبا يمكن حلها على الدوام ضمن الأطر السياسية والمؤسسات التي يشترك فيها الطرفان، هذا ناهيك عن اندراج هذه الأطراف ضمن نسق قيمي وتفاعلي من نمط واحد، والاختلاف يندرج ضمن هذا النمط. وحتى الإشكالات التي تواجهها واشنطن في شرق وجنوب آسيا، لا تحمل طابع الخطورة، ولا تتضمن إمكان التغيير، بالنظر إلى نجاح واشنطن في (تجنيس) الحالة الصينية، وإعطائها طابعاً رأسمالياً، وتحويلها إلى مجرد نزاع حول كمية الإنتاج وسع صرف اليوان الصيني.

وتتسم الإستراتيجية التي تتبعها إدارة اوباما، في تعاطيها مع التحديات التي تواجهها، بالليونة، ما لم تمثل خطراً داهماً على المصالح الأميركية، الأمر الذي سيدفع الإدارة حينها إلى شن حرب الضرورة، على ما يسميها ريتشارد هاس.

ولعل الخطر الأكبر الذي تواجهه الإستراتيجية الأميركية في احتمال حدوث متغيرين:

الأول: ان تقوم حكومة نتنياهو بتوريط الإدارة الأميركية بحرب، بقيامها بضرب المنشآت النووية الإيرانية، فتقوم هذه الأخيرة بضرب القواعد والأهداف العسكرية الأميركية في المنطقة، حينها ستجد الإدارة الأميركية نفسها أمام حالة حرب لا يمكنها تجاهلها. ولإدراك إدارة اوباما لهذا الخطر، فقد أرسلت الجنرال مايكل مولن، رئيس الأركان الأميركي إلى إسرائيل في شباط (فبراير) الماضي حاملاً رسالة واضحة تقول لقادة إسرائيل: ليس لديكم تفويض ان تفاجئونا فتنفذوا خطوة عسكرية حيال إيران من دون التنسيق معنا، على حد ما ذكر اليكس فيشمان في صحيفة «يديعوت احرونوت».

الخطر الثاني: يتمثل في إمكان قيام إيران بتسخين جبهة المواجهة بين إسرائيل والعرب، وتحديداً عبر الجبهة اللبنانية، وتسعير الحرب لتمتد إلى سورية. وليست خافية على احد الأهداف الإيرانية من وراء ذلك، كصرف الأنظار عن برنامجها النووي، وتخفيف حدة الضغوط الممارسة عليها، فضلاً عن رغبة النظام الإيراني في الخروج من الأزمة الداخلية التي تهدد مستقبله، عبر انتهاج سياسة الهروب إلى الأمام ومحاولة الهاء الشعب بقضايا تشغله عن مشاكله الداخلية.

تتراكم هذه الاحتمالات، في وقت تحاول الإدارة الأميركية الخروج من الشرق الأوسط، أو على الأقل أن لا تبقى أسيرة الحالة التي وضعتها فيها الإدارة السابقة، وهي حالة التدخل العسكري المباشر، وذلك سعياً للملمة الإخفاقات العديدة التي منيت بها، وإعادة صوغ نمط جديد من التفاعلات، تقلل فيه حجم الخسائر والإخفاقات، وتبقي على خطوط سيطرتها فاعلة ومؤثرة.

ولكن ماذا لو أن ادارة اوباما فوجئت بحرب في المنطقة لم تتحسب لها ولم تستطع السيطرة على تفاعلاتها؟ كيف ستتصرف في هذه الحال، وهي الواقعة تحت تأثير وقع ضغوط كبيرة تمارس عليها من اللوبي المؤيد لإسرائيل، والجمهوريين الأميركيين على السواء؟ هل ستتبع النهج التقليدي الأميركي، القاضي بدعم إسرائيل دبلوماسياً ومدها بالمعدات والذخائر العسكرية، وبذلك تساهم في تعميق ورطتها الشرق أوسطية، أم أنها ستتبع نهجاً مختلفاً يتفق وخطاب اوباما نفسه بضرورة إيجاد حلول سلمية لأزمات البيئة الدولية؟

ثم ماذا لو أن إسرائيل دفعت المسارات المختلفة في المنطقة دفعاً باتجاه الحرب، وبخاصة ان الأمور باتت ناضجة لمثل هذا الحدث، نتيجة إصرار إسرائيل على تثبيت وقائع نهائية تكرس هيمنتها في ظل بيئة دولية مؤاتية؟

المشهد المحتمل للاستجابة الأميركية في مثل هذه الحالة، هو الوقوع في الغرق في حالة من البلبلة يثيرها اللوبي المؤيد لإسرائيل والجمهوريين، ويزيدها عمقاً الارتباك الديموقراطي الذي سينحاز حينها الى توجهات شارعه الأميركي، والذي سيكون حكماً مؤيداً لإسرائيل بفضل تأثير الماكينة الإعلامية، وفي حال حصل ذلك ما هي الآليات والفلسفة التي ستتبعها الولايات المتحدة الأميركية، في مشروع إعادة تموضعها العالمي على أسس جديدة؟ هل ستحاول مرغمة إحياء نهج إدارة بوش الابن، والتعامل بقبضة حديد مع التحديات العالمية، أم الاستمرار بالنهج الأوبامي، غير الواضح المعالم والأهداف، والذي سيفقد بريقه وصدقيته إزاء تطورات الأحداث؟

لا شك في ان الإستراتيجية الأميركية تمر في هذه المرحلة بأزمة عميقة، تبدو أسبابها متعددة، منها عدم وضوح رؤية نخبها، ومنها توسع طموحات أميركا بما يفوق قدرتها، ومنها ما يطلبه منها العالم، إلا انه على رغم ضخامة الهم والحلم الأميركي وتمدده على جغرافية العالم كله، إلا أن الشرق الأوسط يبقى درة الحلم الأميركي وتاج همومه المتراكمة على الدوام.

* كاتب فلسطيني

======================

القول بأنه من غير المقبول امتلاك إيران أسلحة نووية يعني قبوله

وليام كريستول

الشرق الاوسط

1-4-2010

في مارس (آذار) 1936، احتل هتلر منطقة نهر الراين. وفي رد فعله، ندد ليون بلوم، رئيس الوزراء الفرنسي، بهذا الإجراء باعتباره «غير مقبول». بيد أنه على أرض الواقع قبلت فرنسا وبريطانيا وباقي دول العالم. وبعد سنوات، علق رايموند آرون، المفكر السياسي الفرنسي، بقوله: «إن القول بأن أمرا ما غير مقبول كان بمثابة القول بأنه مقبول». في مارس (آذار) 2010، مع مضي إيران قدما في برنامجها لإنتاج الأسلحة النووية، قالت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية، خلال خطاب ألقته في مؤتمر نظمته «اللجنة الأميركية - الإسرائيلية للشؤون العامة»، الأسبوع الماضي، في فقرة واحدة، إن امتلاك إيران أسلحة نووية سيكون «أمرا غير مقبول» ما لا يقل عن أربع مرات، حيث قالت إن هذا الأمر ببساطة لن يكون مقبولا، «لن يكون مقبولا للولايات المتحدة. لن يكون مقبولا لإسرائيل. لن يكون مقبولا للمنطقة والمجتمع الدولي». وبعد ذلك، ربما لشعورها بشبح رايموند آرون خلف ظهرها، سارعت كلينتون بإضافة: «لهذا دعوني أتحدث بصراحة كبيرة: الولايات المتحدة عاقدة العزم على منع إيران من الحصول على أسلحة نووية». بيد أن هذه المحاولة لإعادة التأكيد أثارت شبحا آخرا (على الأقل بالنسبة لي): وهو شبح ريتشارد نيكسون. ألم يعتد نيكسون القول دوما، في أكثر لحظاته كذبا، إنه يرغب في التحدث بصراحة شديدة؟ الأمر الذي بات واضحا على نحو متزايد من خطاب كلينتون ومجمل سلوك الإدارة الأميركية - وكذلك من الإجراءات التي اتخذها، أو بالأحرى لم يتخذها «المجتمع الدولي» - أننا جميعا نتحرك نحو قبول سلاح نووي إيراني. لقد خصصت وزيرة الخارجية ست فقرات من مجمل 52 فقرة للحديث عن إيران. وبدأت بالاعتراف بأنه «بالنسبة لإسرائيل، لم يعد هناك تهديد استراتيجي أكبر» من إمكانية امتلاك النظام الإيراني الراهن أسلحة نووية. وشرحت كيف أن هذه الإمكانية ستحمل تهديدا لإسرائيل والمنطقة والعالم، لتبلغ ذروة حديثها عن «اللا مقبولات». وبعد ذلك، شرعت بإيجاز في الدفاع عن قرار إدارة أوباما محاولة التعاون مع إيران، معترفة بأنه (بصورة رئيسية) أخفقت جهود التعاون، لكنها ادعت أنه على الأقل «رأى العالم أن إيران، وليس الولايات المتحدة، هي المسؤول عن حالة التأزم. وبالنظر إلى منشآتها النووية السرية وانتهاكاتها المتزايدة لواجباتها في ظل نظام منع الانتشار النووي والتوسع غير المبرر في نشاطات تخصيب اليورانيوم، باتت مزيد من الدول تعرب عن مخاوفها العميقة حيال النوايا الإيرانية». الآن، ماذا تفعل الدول التي أصبحت أكثر قلقا حيال ما تقوم به إيران؟ تقول كلينتون: «هناك إجماع دولي متزايد إزاء اتخاذ خطوات للضغط على القادة الإيرانيين لتغيير مسارهم». لكن التساؤل ما هي طبيعة هذه الضغوط؟ تشير كلينتون إلى أنها قرارات جديدة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تنص على «عقوبات مؤلمة». الواضح أن هذه لن تكون العقوبات «المصيبة بالشلل» التي وعدت بها كلينتون العام الماضي - وإنما ستكون عقوبات مؤلمة. (ثم علمنا، أواخر الأسبوع، أنه يجري تعديل العقوبات بحيث لا تسبب ألما مفرطا - سعيا لكسب تأييد «المجتمع الدولي»). المعروف أن ثلاثة قرارات من مجلس الأمن جرى تمريرها في عهد إدارة بوش، قبل الصحوة الدولية الكبرى التي تحققت بفضل سياسة التعاون التي انتهجها أوباما. وقد وجدت كلينتون نفسها مضطرة للاعتراف بأن «الأمر يستغرق بعض الوقت لصياغة هذه العقوبات الجديدة»، لكنها أصرت على أن «الوقت يشكل استثمارا جديرا من أجل الفوز بأكبر تأييد ممكن لجهودنا». وأعادت التأكيد على أنه «لن نتخلى عن التزامنا بالحيلولة دون حصول إيران على الأسلحة النووية». الملاحظ أن ما أغفلت كلينتون ذكره على نحو لافت للانتباه كجزء من هذا «الالتزام»، وهو بالمناسبة لفظ آخر كان تاريخه الدبلوماسي العاثر سيثير قطعا تعليقات لاذعة من قبل رايموند آرون، أن جميع الخيارات مطروحة. وما لم تذكره أن القوة تبقى الملاذ الأخير، لكن الموثوق به، ضد الخطط النووية الإيرانية، وأننا سنحاول مساعدة المعارضة على تغيير ما عليه «القادة الإيرانيون». إذن، لم تذكر كلينتون شيئا عن تغيير النظام، ولا عن الاستخدام المحتمل للقوة، وإنما اقتصر حديثها على «عقوبات مؤلمة» تحظى بتأييد واسع النطاق، لكنها ليست مؤلمة على نحو مفرط. بعد ذلك، تحولت كلينتون للحديث عن قضايا أخرى، ويكاد المرء يسمع صوت تنهيدة ارتياح صادرة عنها لذلك، خاصة أنه على أية حال «لا تعد إيران مصدر التهديد الوحيد في الأفق. وإنما تجابه إسرائيل بعض أصعب التحديات في تاريخها». ثم دخلنا إلى متاهة عملية السلام والمستوطنات وغيرها من القضايا التافهة. رغم ذلك، تبقى الحقيقة أن النظام الإيراني سعيه الحصول على أسلحة نووية يشكل التهديد الأكبر لأمن إسرائيل ومصالح الأمن القومي الأميركي في الشرق الأوسط. في الوقت الذي أعلن فيه كل من الرئيسين بوش وأوباما أن امتلاك هذا النظام الإيراني أسلحة نووية أمر غير مقبول، فإنهما لم يبذلا أية جهود فاعلة لمنعه. والآن، من الواضح أننا نضغط على إسرائيل لمنعها من التحرك ضد إيران لمنع الأخيرة من امتلاك أسلحة نووية. هل من العسير تذكر ماذا يحدث عندما تقبل الأنظمة الليبرالية الديمقراطية ما هو غير مقبول؟ هل من العسير الطموح بأن تنظر الحكومة الأميركية عام 2010 إلى مسألة قبول ما هو ليس مقبولا باعتبارها أمرا يتعذر قبوله؟

*خدمة «واشنطن بوست»

========================

أقتل ولا تدع أحداً يرى!!!

بقلم نصري الصايغ

السفير

نصح وزير الخارجية الأمريكي الأسبق (هنري كيسنجر) "الحائز جائزة (نوبل) للسلام" صديقه رئيس وزراء الكيان الصهيوني (إسحق رابين) "الحائز أيضاً جائزة (نوبل) للسلام" بتكسير الكاميرا، ومنعها من تصوير المشاهد ونقلها إلى العالم إبان حملة تكسير عظام أطفال الحجارة في الانتفاضة الفلسطينية الأولى.

 

المعادلة هي: أقتل، ولا تدع أحداً يرى كيف تقتل... عندها يتحول القتل إلى فعلٍ مجهول والقتيل إلى مجرد رقم... وتتناقل وكالات الأنباء بعد ذلك، أخباراً إنشائية، لا إحساس فيها، لا لون فيها ولا وجع فيها، ولا دماء تُلطخ أيدي القتلة.

الكاميرا حاضرة في زوايا الأرض، مثلها مثل أجهزة التنصت، مثل أجهزة الكشف عن بعد، ولكنها غائبة عن المذبحة اليومية، التي تحصل في بلدان عربية وبلدان آسيوية... الكاميرات الدولية مشغولة ب (أوشفيتز) المحرقة، تنقل على مدار الساعة وببث مباشر، الحضور الدولي إستنكاراً لمذبحة وإبادة ارتكبتها النازية الأوروبية، بحق اليهود... وآخرين مكتومي الحضور في وسائل الإعلام.

 

تحضر الكاميرا، ومعها وسائل البث المباشر، لنقل وقائع الحرب الفرنسية على «البرقع»، وكأن هذا البرقع، القادم من مجاهل الجهل الديني، يُهدد الهوية الفرنسية بالاجتياح والاحتلال... الكاميرا حاضرة وكذلك أدوات البث، لنقل وقائع النقاش حول البيئة في (كوبنهاغن)، وفي قمة (دافوس) المذهبة، وفي مؤتمر لندن «اليمني»... ولكنها غائبة عن الأزمة الاقتصادية العالمية وكوارثها الطاغية على فقراء المدن، في كل بقعة من بقاع العالم. ولولا بعض أقلام، لما عرفنا أن مدينة (ديترويت) الأمريكية، تاج الحواضر الصناعية، بانية مجد السيارات الأمريكية، تحوّلت إلى مدينة أشباح، ومن بقي فيها، يعيش على الكفاف! فكيف حال ضواحي المدن في العالم الثالث؟؟؟

الكاميرا حاضرة حيثما يفترض أسياد العالم والمال أن تكون موجودة، وممنوعة من الحضور في مناطق العار الدولي، إلا في المناسبات، والطريقة مجتزأة، حيث لا مفر من إثبات الوجود.

الكاميرا غائبة كلياً عن "صعدة" في شمال اليمن... الإعلام يصور جنوداً أنيقين، وطائرات من دون طيار، وضباطاً بلباسٍ فاخرٍ، ومسؤولين على مقاعد مذهبة... الكاميرا لم تنقل ما تتناقله وسائل إعلام بدائية عن مجازرٍ يرتكبها القصف بحق أطفال ونساء وشيوخ ورجال، تقطعت أوصالهم، بُترت أياديهم، لم يجدوا من يدفنهم، ومن بقي منهم على قيد، ما بين الحياة والموت، يتعثر بدموعه وآلامه، بحثاً عن مكان يلجأ إليه، قبل أن تدهمه غارة ثانية.

إنها غائبة عن مناطق القصف الجوي في أفغانستان، حيث طيران الإبادة يُحلق عالياً ضارباً الرقم القياسي في قتل الأبرياء، بحجة مطاردة "الإرهابيين"... إنها غائبة عن مجاهل باكستان المتروكة في العراء، لقصف منهجي متتابع، لا حدود زمنية له... إنها غائبة كلياً عن الفضيحة وحاضرة حيث يكون (أوباما) "المعسول"، لتُبارك نواياه، وتُبرز "طيبته"، وتُبرر عجزه...

الكاميرا غائبة عن الأنفاق في غزة، ومن يُدفن حياً فيها، ومتغيبة عمداً، عن شعب، تعداده مليون ونصف مليون، يعيش في ما لا يوصف من فقر وحاجة ومذلة وركام في غزة... الكاميرا غائبة عن فظائع الجدار الفاصل بين فلسطين وفلسطين، وبين أحياء في بغداد، وبين العراق وسوريا.

الكاميرا غائبة، بقرار يومي، يمنع وسائل الإعلام المقبوض عليها، وهي بنسبة 95% من الإعلام العالمي، من نقل، مجرد نقل سطحي، لأي مشهد درامي، يُسيء إلى صورة الأميركي، التي شاء العالم أن تكون اليوم، على صورة (باراك أوباما)... وصورته، لا يجوز تلطيخها بالدم. علماً بأن الوضع الدولي، وسفك الدماء، ازداد كثيراً، عما كان عليه، في زمن سلفه (جورج دبليو بوش).

 

قد تكسب الكاميرا العمياء معركتها، إذا كان من يُراقبها أعمى مثلها. ولدينا في العالم العربي، أعداد مليونية، قررت أن تُسبل عيونها، وأن تحجب أنظارها، وأن تُمتع أبصارها، بما لذ وطاب من كرنفال النفاق السياسي العالمي... شعوب تحب قاتلها...

قد تكسب الكاميرا العربية الرسمية المعركة، فهي مشغولة دائماً، بتنظيف السلطة، وتبييض صفحتها، وتأهيل الورثة فيها، والتعتيم على سراديب الحل والسياسة والجنس والرخص والتفاهة. غير أن عيوناً أخرى، لم تُلوثها عوارض الزيف، ولا تزال قادرة، على تخيل ما يحدث، وإعادة تصويره في وعيها، ومتابعة الأحداث، وفق ما هو متجاهل من وسائل الإعلام العالمية، ووفق ما هو معلوم باليقظة والمعرفة والوعي.

لقد أسقطت وسائل الإعلام الغربية دولاً وشعوباً من دون طلقة وهذا ما تُمارسه في إيران.. فتحت دول وشعوب أبوابها وسياداتها وثقافاتها، لغزو ناعم، قادته وسائل إعلام بالغة النعومة، ودقيقة التصويب. لقد استطاعت أن تُغيّر أراضيَ ودولاً وثقافات ومعتقدات وأدياناً، ولكنها، لم تستطع أن تجعل الاحتلال جميلاً! ولم تعرف كيف تُحول طعم القتل ليُصبح لذيذاً!

 

لذا، فحيث يكون الاحتلال، لست بحاجة إلى كاميرا، بل إلى سلاح. وحيث يكون قتل، لست بحاجة إلى دموع، بل إلى قبضات. الأمران متوافران، برغم الصعوبات.

لذا: زمن الكاميرا إلى حين.. وزمن القبضات، إلى كل حين. فهل لا تزال المعركة في أولها؟

على الأرجح، أنها كذلك!

======================

هل العراق عامل محفّز لتقارب الولايات المتحدة مع سوريا؟

مروان قبلان

دمشق – عيّنت إدارة الرئيس باراك أوباما، بعد خمس سنوات من العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وسوريا، سفيراً جديداً لها في دمشق، هو نائب السفير الأمريكي الحالي في العراق روبرت فورد. ويُظهِر هذا التعيين الأهمية المركزية للعراق في العلاقات الأمريكية السورية، فقد دقت الحرب الأمريكية على العراق إسفيناً عميقاً بين البلدين، ولكن يبدو أن المصالح المشتركة حول العراق أصبحت اليوم القوة المحرّكة الكامنة وراء هذا التقارب.

عندما قرّرت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش غزو العراق عام 2003، عارضت سوريا بشكل علني تلك الخطة. وشعرت سوريا أن الولايات المتحدة تستهدفها بذلك، بما أن المحافظين السياسيين في واشنطن كانوا يشجّعون تغيير النظام في دمشق، فقامت بدعم المقاومة للاحتلال الأمريكي. اتهمت الولايات المتحدة كذلك سوريا بالسماح للمقاتلين الأجانب بعبور الحدود إلى العراق وباستضافة كبار مسؤولي النظام العراقي السابق.

إلا أن سوريا بدأت في صيف عام 2004 تعيد النظر في سياستها. فقد أدى العنف المتزايد في العراق والتأثير المتنامي للمجموعات المتطرفة مثل القاعدة بسوريا لأن تضع أهمية أكبر على المساعدة في استقرار الوضع في العراق بهدف الحد من تأثير الحرب.

في خريف عام 2005 عززت سوريا وجودها العسكري على الحدود العراقية وقامت بنشر 7000 جندي إضافي لوقف المتسللين الذين يحاولون الانضمام إلى التمرد ضد الولايات المتحدة. إضافة إلى ذلك وكمؤشر على حسن النية، سمحت سوريا للمرشحين للانتخابات العراقية بالقيام بحملاتهم الانتخابية بين حوالي 1,5 مليون لاجئ عراقي في سوريا، وهو خروج واضح عن السياسة السورية السابقة التي عارضت الغزو الأمريكي للعراق وكل ما نتج عنه، بما في ذلك الانتخابات.

وفي العام 2006 اعترفت سوريا بحكومة نوري المالكي في العراق وأعادت إنشاء العلاقات الدبلوماسية مع بغداد. وبدأ المراقبون وبشكل متزايد رؤية التوافق وأحياناً المصالح المتداخلة بين الولايات المتحدة وسوريا.

ومنذ منتصف عام 2007 بدأت سوريا والولايات المتحدة، بغض النظر عن الخطاب العدائي، بحث مصالح مشتركة تتعلق بالعراق. في هذا المجال بالذات، يمكنهما زيادة تعاونهما ووقف تدهور العلاقات بينهما.

ومنذ ذلك الوقت بدأت سوريا تُظهر اهتماماً حقيقياً بإنشاء حكومة مركزية قوية في بغداد. كان ذلك بالنسبة لدمشق متطلباً رئيسياً لمنع تفتت العراق وظهور دويلات صغيرة على أسس طائفية على حدودها. ولهذا السبب، قامت سوريا بالضغط من أجل شمول الفصائل السنية الرئيسية في العملية السياسية في العراق. وكانت الفكرة أن وجود معادلة من السلطة والتشارك في الثروة هو أمر أساسي من أجل إدخال كافة الأطراف المعنية في عملية مصالحة وطنية.

دافعت سوريا كذلك عن مراجعة قانون اجتثاث البعث في العراق، وذلك للسماح لبعض أعضاء حزب البعث السابقين ومعظمهم من السُنّة من المشاركة مرة أخرى في الحكم، وهو متطلب مسبق لعملية مصالحة وطنية شمولية.

تشعر سوريا بالقلق من جرّاء نشاطات المجموعات المتطرفة في العراق وتخاف من أن يمتد العنف إلى أراضيها. فقد يتحوّل العراق، بالنسبة لسوريا، إلى أرضٍ خصبة للمتطرفين. لذا، لا تبذل سوريا أية جهود لإخفاء عدم رضاها عن السياسات التي تعمل على رعاية الطائفية والفدرالية، فتُعارض المحاولات التي تقوم بها فصائل شيعية رئيسية، مثل المجلس الأعلى للقوى الإسلامية في العراق، لإنشاء مقاطعة شيعية في جنوب العراق. قامت سوريا كذلك بالتنسيق مع تركيا للحفاظ على وحدة العراق وسيادة حدوده.

بدا قبيل الانتخابات العامة الأخيرة في العراق أن سوريا والولايات المتحدة توافقان إلى حد ما على نفس السياسات في ما يتعلق العراق: التشجيع على شمول كافة الأحزاب السياسية في العملية الانتخابية والعمل على توفير مستوى معقول من الاستقرار والأمن ومنع العنف الطائفي أو التقسيم حسب خطوط عرقية. وتأمل سوريا كذلك برؤية انسحاب سلس للقوات الأمريكية حسب البرنامج المعدّ لذلك في الاتفاقية الأمنية الأمريكية العراقية.

هناك بالطبع عدد من الخلافات بين الولايات المتحدة وسوريا، مثل الخلاف حول سرعة الانسحاب من العراق وارتباطات سوريا القوية بعناصر من النظام العراقي السابق. إلا أن هذه الخلافات يمكن التغلّب عليها، وخاصة بعد التطورات الإيجابية الناتجة عن الانتخابات العامة التي جرت في 7 آذار/مارس في العراق، بما فيها الأداء القوي للقوى الوطنية والعلمانية.

وبالطبع أيضاً، يتوجب على الدولتين الاتفاق على إستراتيجية شاملة للتعاون حول تحقيق استقرار العراق، وهي فرصة للسفير الأمريكي الجديد إلى سوريا لإنهاء خمس سنوات من العلاقات الباردة.

ــــــــــــ

* الدكتور مروان قبلان كاتب وأكاديمي سوري. كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية، 2 نيسان/إبريل 2010

www.commongroundnews.org

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ