ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 15/04/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ادارة اوباما تتحول من الردع الى العدوان النووي

د. سعيد الشهابي

4/14/2010

القدس العربي

أيا كان تقييم الخطوة التي قام بها رئيسا الولايات المتحدة الامريكية وروسيا الاسبوع الماضي بتوقيع اتفاقية 'ستارت' لخفض مخزون كل منهما من الاسلحة النووية بمقدار الثلث، فانها خطوة متواضعة، في أحسن الاحوال لان شبح الحرب النووية ما يزال يرعب العالم، خصوصا بعد صدور وثيقة البنتاغون الاخيرة.

ففي عالم دخل سباق التسلح بكل ما لدى قادته من رغبات شيطانية في التدمير والتحارب، فان المطلوب اتخاذ خطوات جادة، مهما كانت صغيرة، على الطريق المعاكس، ليكون ذلك تعبيرا عن 'صحوة' للضمير، او على الاقل: تعبيرا عن صحوة على واقع خطير كان الزعماء يتعامون عن رؤيته او الاعتراف بخطره. وبرغم الدعوات الكثيرة التي طرحت ما بعد الحرب العالمية الثانية لنزع السلاح النووي، فقد تواصل السباق النووي بوتيرة مرعبة، خصوصا خلال الحرب الباردة بين المعسكرين: الاشتراكي والرأسمالي. ويمكن القول ان انتشار السلاح النووي في العقود الستة اللاحقة قد أكد حقائق عديدة ربما دفعت بعض رواده لاعادة النظر في ذلك السباق، والسعي للتوصل لاتفاقات لخفض المخزون الاحتياطي من تلك الاسلحة، منها: اولا شعور القوى النووية الخمس (وهي الدول الدائمة العضوية بمجلس الامن الدولي) بان امتلاك تلك الاسلحة لم يعد قوة ردع فاعلة، ولم يمنع نشوب الحروب المدمرة في العقود اللاحقة للحرب العالمية الثانية. ثانيا: ان هذه الدول فشلت في احتواء انتشار تلك الاسلحة، حتى بلغ عدد الدول النووية ثلاث عشرة دولة، اغلبها من الدول الصديقة للغرب، الامر الذي أفقد تلك الاسلحة بريقها الردعي. ثالثا: ان التحدي الايراني لتلك الدول، خصوصا الدول الست المعنية بالملف النووي الايراني، وضع هذه الدول بين خيارين استراتيجيين: التخلي عن الاسلحة النووية بشكل كامل والغاؤها كوسيلة ردع استراتيجية، او الاستمرار في ملاحقة الدول الراغبة في امتلاك التكنولوجيا النووية خارج الارادة الغربية. رابعا: ان الاصرار على الاحتفاظ بالمخزون النووي من الاسلحة اصبح قضية مثيرة للجدل السياسي والاخلاقي، خصوصا مع تنامي الحركات الرافضة لها خصوصا في الدول الغربية، مثل منظمة (سي ان دي) البريطانية التي احتفلت قبل عامين بمرور خمسين عاما على انشائها. خامسا: ان السلاح النووي باهظ التكلفة، ومع تراجع اقتصادات الدول الغربية خصوصا في الاعوام الثلاثة الاخيرة، فقد اصبح بعض الساسة الغربيين يبحثون عن فرص لتقليص النفقات من اجل دفع عجلة الاقتصاد نحو الحركة والنمو.

جاء توقيع اتفاقية 'ستارت' في العاصمة التشيكية، براغ، بين الرئيسين الامريكي والروسي، تتويجا لجهود كبيرة من الطرفين للبحث في خفض المخزون الاستراتيجي منها، اذ يمتلك كل منهما اكثر من 5000 رأس نووي، تكفي لابادة كل من البلدين مرارا. وبعد المفاوضات المعقدة بين الجانبين وقعا الاتفاقية التي تنص على خفض مخزون كل منهما بنسبة الثلث وخفض منصات الاطلاق الى النصف في غضون السنوات السبع المقبلة، على ان يتواصل التفاوض لاحقا لتحقيق المزيد من الخفض. وتملك كل من الولايات المتحدة وروسيا 90 بالمائة من المخزون النووي الاستراتيجي في العالم. وفي السنوات الاخيرة، خصوصا بعد ان تصدر المشروع النووي الايراني الاهتمام الدولي، طرح شعار 'نحو عالم خال من الاسلحة النووية' وهو شعار حظي بموافقة اغلب دول العالم وشعوبه، وتحمست له الامم المتحدة بشكل خاص. وقد تصاعدت الضغوط على الدول الغربية للموافقة على خفض أسلحتها النووية، استجابة لشعار آخر تردد خلال السنوات السبع الاخيرة من الشد والجذب مع الجمهورية الاسلامية الايرانية في ما يخص مشروعها النووي. وبرغم اصرار طهران على ان هذا المشروع 'سلمي' يهدف للمساهمة في توليد الطاقة الكهربائية، فقد طرحت مقولات اخرى حول ذلك من بينها التعبير عن القلق من امكان وقوع الاسلحة النووية بأيدي الارهابيين، الامر الذي سوف يقلب التوازن العسكري في العالم، ويجعل المجموعات الارهابية على كفة المساواة مع الدول. وثمة اعتقاد بان ما يجري في باكستان، مثلا، من اضطراب امني وسياسي على الصعيد الداخلي سوف يستخدم في لحظة ما كذريعة للضغط على إسلام آباد لنزع سلاحها النووي. وتجدر الاشارة الى ان الدول الخمس التي تتمتع بعضوية دائمة بمجلس الامن الدولي فشلت في منع انتشار الاسلحة النووية، حتى اصبحت هناك 13 دولة من بينها الهند وباكستان و'اسرائيل' وجميعها لم يوقع حتى الآن اتفاقية منع انتشار الاسلاحة النووية (ان بي تي). ولذلك شعرت ايران عندما استهدفت بسبب برنامجها النووي السلمي بان التعاطي مع الدول الاخرى يختلف عن نمط التعاطي معها، وفي ذلك انتقائية في المعايير والسياسات لا تستقيم مع منطق العدالة التي يفترض من الغرب الالتزام به.

اصبحت الاسلحة النووية عبئا على الدول التي تملكها. فهناك صراعات داخلية عديدة بشأنها. فبالاضافة للجدل حول مدى فاعليتها كسلاح ردع بعد انتشارها الواسع، والمدى الاوسع المتوقع لانتشارها في السنوات المقبلة، هناك الجدل الاخلاقي حولها خصوصا في اوساط النخب المثقفة والناشطة التي تراها مصدر استنزاف للموازنات القومية على نطاق لا يبرر وجودها. ففي بريطانيا مثلا، دعت منظمة سي ان دي، الناخبين ان يشترطوا على المرشحين الالتزام بسياسة التخلص من الاسلحة النووية، واعتبار ذلك شرطا لانتخاب المرشح او عدم انتخابه. وهناك صراع بين اليمين واليسار البريطاني حول تجديد مشروع 'ترايدنت' النووي وبين الغاء المشروع العسكري النووي كله. ويقوم النشطاء في المنظمة المذكورة بعقد المؤتمرات والندوات على نطاق واسع لتوعية الناخبين بخطر امتلاك الاسلحة النووية سواء على الصعيد المالي ام على البيئة ومخاطر الاشعاع النووي عموما. وتبدو الاتجاهات اليمينية اكثر اصرارا على الاحتفاظ بالخيار النووي كرمز للقوة البريطانية على صعيد النفوذ الدولي. وكانت الحكومة الحالية قد وافقت في 2006 على استبدال نظام 'ترايدنت' بنظام آخر لم يحدد حتى الآن. يتكون مشروع 'ترايدنت' الحالي من اربع غواصات نووية، تمخر البحار واحدة منها في جميع الاوقات. ويحمل كل منها 48 رأسا نوويا يمكن توجيه اي منها لهدف مستقل. وتعادل القوة التدميرية لكل رأس حوالي 100 كيلوطن ( مائة الف طن) من المتفجرات العالية القدرة، وهو ما يعادل ثماني مرات القنبلة التي القيت على هيروشيما في 1945 وقتلت 140 الفا. وقد دخل نظام 'ترايدنت' الخدمة في 1994 ويتوقع انتهاء صلاحيته في 2024، وبدأ التفكير في استبداله بنظام آخر. وقد وافقت الحكومة البريطانية على ذلك ولكن هناك معارضة شديدة من المنظمات التي تعارض السلاح النووي وفي مقدمتها سي ان دي.

الرئيس الامريكي، باراك اوباما، يواجه عددا من التحديات في الوقت الحاضر، خصوصا بعد ان وجهت له انتقادات بعدم تحقيقه شيئا يذكر خلال عامه الاول من الرئاسة. صحيح ان هناك تقارير تقول بان الاقتصاد الامريكي بدأ يتماثل للشفاء، ولكن السابق لاوانه القول بانتهاء حقبة الكساد الاقتصادي الذي بدأ من امريكا نفسها. وصحيح ايضا ان اوباما التزم موقفا قويا نسبيا ازاء بناء المستوطنات الاسرائيلية على الاراضي الفلسطينية، ولكن ليس معلوما بعد ما اذا كان ذلك موقفا فريدا ام انه جزء من خطة لمواجهة التوسع الاسرائيلي وان تطلب ذلك فصلا واضحا بين المصالح الامريكية والسياسات الاسرائيلية. فما يزال الاسرائيليون يصرون على ان شيئا ما لم يحدث على صعيد علاقاتهم مع الولايات المتحدة وان واشنطن ما تزال ملتزمة بالحفاظ على التفوق العسكري الاسرائيلي في الشرق الاوسط. اوباما، من جهته، يرى ان امامه قرارات كبيرة تستدعي شجاعة وحسما قد لا يستطيع توفير اي منهما. فمع صعود اليمين المتطرف في الكيان الاسرائيلي، تقلصت فرص 'السلام' وانضمت اطراف جديدة للمعسكر المناوىء للاحتلال. فالعلاقات التركية الاسرائيلية تمر بفتور لم يحدث له نظير من قبل. وموريتانيا قطعت علاقاتها مع 'اسرائيل' فيما وجهت حكومة نتنياهو صفعة للولايات المتحدة عندما أهانت نائب الرئيس الامريكي، جو بايدن، خلال زيارته تل أبيب الشهر الماضي. اوباما يواجه ايضا مطلبا دوليا بالالتزام بسياسات تؤدي الى عالم أكثر أمنا، وأقل تسلحا خصوص في المجال النووي. وقد جاء اعلان اوباما بان الولايات المتحدة الامريكية لن تستعمل سلاحها النووي ضد اي بلد غير نووي، ليخفف مخاوف العالم من التهور الامريكي الذي انتهجه جورج بوش ودمر به مصالح امريكا وسمعتها وموقعها في العالم، وشجع به الارهاب ولم يضعفه. ولكنه اثار حفيظة الكثيرين لانه يسمح، للمرة الاولى، بتحويل السلاح النووي من سلاح رادع، الى سلاح هجومي ضد الدول غير النووية، خصوصا ايران وكوريا الشمالية. اوباما عقد هذا الاسبوع 'قمة' للامن الدولي، واستضاف اكثر من اربعين من زعماء دول العالم لمناقشة كيفية منع وصول الاسلحة النووية للجهات الارهابية، وتشجيع الدول التي تمتلك مشاريع نووية على توقيع اتفاقية منع انتشار الاسلحة النووية والسماح بتفتيش منشآتها من قبل خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية. هذه المبادرة لن تكون مجدية ما لم تكن مشفوعة بثلاثة امور: اولها الشفافية في التعامل مع الدول الاخرى، وثانيها الابتعاد عن الانتقائية في المواقف والسياسات، وثالثها: امتلاك الجرأة لاتخاذ مواقف ضد الدول التي لا تفي بالتزاماتها الدولية او التي تتصرف خارج الاطر الدولية كما تفعل 'اسرائيل' في مشروعها النووي. مطلوب من الرئيس الامريكي، اذا كان جادا، موقفان: التأكيد على ان واشنطن لن تستخدم السلاح النووي كسلاح هجومي، وانه سيبقى وسيلة ردع فقط، ومطالبة 'اسرائيل' بتوقيع اتفاقية (ان بي تي) والسماح للمفتشين الدوليين بالكشف على منشآتها النووية. فلا شك ان الوثيقة التي طرحها البنتاغون الاسبوع الماضي بعنوان 'مراجعة الوضع النووي' قد اثارت حفيظة الكثيرين بسبب لغتها العدائية ضد بعض الدول وتهديداتها المبطنة باستخدام السلاح النووي بشكل أحادي من قبل الولايات المتحدة. انها خطوة سيئة من جانب ادارة اوباما، تثير الكثير من التساؤلات حول مدى استيعابه اي درس ممن سبقه.

الواضح ان الرئيس الامريكي يواجه مشكلة كبيرة وهو يسعى لحشد موقف فاعل ازاء ايران، بعيدا عن العمل العسكري. ويدرك اوباما ومعه المتنفذون في الادارة بان استعمال القوة العسكرية ضد الجمهورية الاسلامية لن يجدي شيئا. ولذلك يسعى لاسكات اللوبي الصهيوني وجناح المحافظين الجدد بطرح مشروع صارم للعقوبات ضد ايران. ولتحقيق ذلك يحاول اقناع كل من روسيا والصين، اللتين رفضتا حتى الآن فرض تلك العقوبات لاسبابهما الخاصة. وهكذا يبدو السباق لمنع انتشار الاسلحة النووية بين خيارين: فاما اتخاذ اجراءات شديدة ضد ايران بشكل انتقائي وبدون اجماع دولي، او العمل لتنفيذ شعار تخليص العامل من اسلحة الدمار الشامل، وعلى رأسها الاسلحة النووية. المنظمات المناوئة للسلاح النووي تحتج باحدى مواد اتفاقية منع انتشار الاسلحة النووية (ان بي تي) التي تفرض على الدول الموقعة بان تدخل في 'مفاوضات بنوايا صافية حول اجراءات فاعلة من اجل انهاء سباق التسلح النووي في اقرب فرصة وان تتخلص من الاسلحة النووية'. وقد وقعت بريطانيا هذه الاتفاقية في 1968. فعدم الالتزام بمقتضى هذه المادة اصبح ذريعة للايرانيين يطرحونه في المفاوضات التي يجرونها مع مجموعة 5+1 المعنية بالملف النووي الايراني. وتصر طهران على انها افضل كثيرا من الدول التي تمتلك الاسلحة النووية بأمور ثلاثة اساسية: اولها ان السياسة الرسمية الايرانية وفتاوى المرشد الاعلى تمنع الحكومة من السعي لامتلاك اسلحة نووية، وثانيها انها وقعت اتفاقية ان بي تي التي لم توقعها دول اخرى مثل الهند وباكستان و 'اسرائيل'، وثالثها: انها تسمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية بالتفتيش الدوري المنتظم لمنشآتها النووية. وهذه الحقائق من بين اسباب فشل الولايات المتحدة وبريطانيا في التوصل لنتائج ملموسة في ما يخص المشروع النووي الايراني. كما ان كلا من روسيا والصين تلاحظان ازدواجية المواقف والسياسات الامريكية ازاء القضايا الاستراتيجية التي تهم العالم خصوصا الشرق الاوسط، وقد رفضتا حتى الآن مسايرة الولايات المتحدة في خططها الهادفة لمحاصرة ايران.

العالم حائر بين سباق التسلح النووي والصراع الايديولوجي الذي يؤطر هذا السباق، ويختلف في اثره بين ترشيده بالمنطق والموقف العادل، او تشجيعه بازدواجية السياسات والمواقف والانحياز غير المنطقي لطرف دون آخر. وامام هذا الواقع المضطرب اخلاقيا وفكريا وسياسيا وايديولوجيا، تتعدد الاجتهادات في السياسات والمواقف بين الدول والمنظمات والاشخاص، ولكن ما هو غائب حتى الآن القدرة على اتخاذ قرارات تكسر الجمود السياسي وترتقي بالموقف الاخلاقي وتلتزم بموقف دولي متزن يطبق على الجميع بدون تمييز او محاباة. وهذا ما افتقدته الادارات الامريكية المتعاقبة، وساهم في الوضع الدولي الراهن وجعل العالم على كف عفريت بسبب الخوف من المجهول والخشية من اسلحة الموت وعشاق الحرب ومشعلي الفتن بين الشعوب والامم. وباصدار البنتاغون الوثيقة النووية الاخيرة، لا يبدو العالم اقرب الى السلام منه الى الحرب والدمار، برغم التفاؤل الذي ساد الاجواء بصعود اوباما لرئاسة امريكا.

' كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

========================

حان الوقت لتخيير إسرائيل.. السلام أو الفوضى

واشنطن بوست بقلم : ستيفان والت

ترجمة

الاربعاء 14-4-2010م

ترجمة: ريما الرفاعي

الثورة

خلال زيارة نائب الرئيس الأميركي الأخيرة إلى إسرائيل والتي استهدفت تسوية الخلافات بين الجانبين، وإعادة إطلاق مفاوضات السلام، أكد غير مرة على التزام واشنطن الكامل بأمن إسرائيل،‏

ولكنه كان صدم من إعلان إسرائيل نيتها بناء 1600 وحدة استيطانية جديدة في القدس الشرقية خلال زيارته.‏

وجاءت تصريحات بايدن بأن سلوك إسرائيل يهدد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة ويمكن أن يعرض للخطر القوات الأميركية في أنحاء العالم بمثابة اعتراف نادر بأن مصالح بلاده ليست متطابقة بالضرورة مع المصالح الإسرائيلية. ثم جاءت الاتهامات اللاحقة لإسرائيل بتوجيه إهانة للولايات المتحدة لتعبر عن انقسام متزايد داخل المنظمات المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة، بين مؤيد لحل الدولتين ومدافع عن الوضع القائم .‏

في الساحة الاميركية توجد أولاً «لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية»، المعروفة ب «ايباك»، والتي عقدت مؤتمرها السنوي أخيراً وإلى جانبها منظمات متشددة أخرى مثل «مؤتمر رؤساء كبرى المنظمات اليهودية الأميركية» و«جماعة مناهضة التشهير» ، وقد انتقدت هذه المنظمات طريقة تعامل ادارة أوباما مع إسرائيل واعتبرت أن الرئيس لا يدعم اسرائيل بما فيه الكفاية . ومن جهة أخرى هناك منظمات مثل «جي ستريت» و«أميركيون من أجل السلام الآن»، التي تدافع عن موقف الإدارة وتطالب بدور أميركي قوي وحازم لإنهاء النزاع في الشرق الاوسط.‏

وفي الحقيقة إن هذه المنظمات الأخيرة وإدارة أوباما هم الأحرص على مصالح إسرائيل الحقيقية. وبغض النظرعن رأينا في استراتيجية إدارة أوباما وأساليبها، فإن هذه الادارة ملتزمة جدياً بالتوصل إلى حل يقوم على إقامة دولتين، وهذا طبعاً ليس عملاً عدائياً تجاه إسرائيل. بل على العكس، ومجرد أن يحتفظ أوباما باهتمامه بهذا الموضوع الصعب، الذي يتطلب جهداً ووقتاً ، ضمن أولوياته الكثيرة ، هو في حد ذاته عمل ودي يشير الى الصداقة، وخاصة عندما تعني الصداقة قول حقائق غير مستساغة. وحتى رئيس الوزراء السابق ايهود أولمرت ووزير الدفاع الحالي ايهود باراك حذرا من أنه في حال فشل حل الدولتين، فإن إسرائيل لن تستطيع أن تظل ذات أغلبية يهودية سوى عبر حرمان معظم الفلسطينيين الذين تحت سيطرتها من حقوق التصويت. وفي تلك الحالة، فإنها ستصبح دولة عنصرية حسب تعبير باراك.‏

وحتى لا تظل اسرائيل تسير في هذا الطريق المحفوف بالمخاطر، تحاول إدارة أوباما أن تجد حلولاً لإسرائيل وهي تدرك أن مواصلة توسيع المستوطنات يجعل من حل الدولتين أمراً مستحيلاً، وإن إنهاء بناء المستوطنات أمر ضروري بما في ذلك القدس الشرقية، التي لا تعترف الولايات المتحدة ، وكل دول العالم بضمها لإسرائيل . كما أن سلاماً يقوم على حل الدولتين يصب في المصلحة الاستراتيجية للولايات المتحدة ، وهو ما عبر عنه الجنرال ديفيد بترايوس، قائد القيادة المركزية الأميركية، بقوله إن الغضب العربي بشأن المسألة الفلسطينية يحد من قوة وعمق الشراكات الأميركية مع الحكومات والشعوب، وهو غضب يستغله تنظيم القاعدة ومنظمات مقاتلة أخرى لحشد الدعم .‏

ورغم أن حل الدولتين لن يحل كل التحديات التي تواجه الولايات المتحدة في المنطقة، إلا أنه سوف يسهل حل معظمها، كما أنه يمثل أفضل ضمانة لمستقبل إسرائيل على المدى الطويل. ومن هنا، فإن أوباما يستطيع، عبر إظهار تصميم حقيقي هذه المرة وعبر الدفاع عن خطته أن يحافظ على المصالح الأميركية ويظل صديقاً حقيقياً لإسرائيل.‏

لكن «ايباك» والمنظمات الأخرى التي تدعم الوضع الراهن لا تؤيد هذا الرأي، وترى أنه لا مانع بأن تواصل إسرائيل توسيع سيطرتها على الأراضي الفلسطينية، وتدعو الولايات المتحدة الى دعم تصرفات إسرائيل دون شروط. بل إن المنظمات الصهيونية المسيحية تذهب إلى أبعد من ذلك، وترغب بأن تسيطر إسرائيل على هذه الأراضي إلى الأبد لأنها تعتقد أن من شأن ذلك تسريع ما يسمى بعودة المسيح. والحقيقة أن مثل هذه المنظمات ليست صديقة لإسرائيل لأن مواقفها ستبقي إسرائيل على طريق خطر. كما أنها لا تدرك المصالح الأميركية، لأن السياسات التي تدافع عنها تساعد على تجنيد الأعداء لاميركا ، وتزيد من نفوذ إيران في المنطقة، وتُصعب تشكيل تحالفات فعالة مع معظم الدول في الشرق الأوسط .‏

وحان الوقت لكي تخيّر واشنطن إسرائيل بين إنهاء الاحتلال، وقبول حل حقيقي يقوم على مبدأ الدولتين والبقاء تالياً كحليفة للولايات المتحدة، أو مواصلة احتلال الضفة الغربية وحصار غزة وهو طريق سيرغمها في نهاية المطاف على التخلي عن طابعها اليهودي ويعرّض مكانتها مع أهم شريك لها للخطر.‏

كما ينبغي على أصدقاء إسرائيل في أميركا أن يختاروا أيضاً وذلك لأنه إذا كانت الأزمة الحالية ستمر، فإن المزيد من الأزمات ستحدث طالما أنه ليست لدى الفلسطينيين دولتهم الخاصة بهم والقابلة للحياة.‏

========================

أوباما يفكر بخطة سلام جديدة للشرق الأوسط

ديفيد أغناطيوس

«واشنطن بوست»

 الدستور

4/14/2010

بالرغم من التوتر الأخير في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل ، إلا أن الرئيس أوباما "يفكر بشكل جدي" في تقديم خطة سلام أميركية لحل النزاع الفلسطيني ، وفقا لمسؤولين كبيرين في الإدارة.

 

قال أحدهما: "يعلم الجميع الخطوط العريضة الرئيسية لاتفاق السلام" ، مستشهدا بالاتفاقية التي تم التوصل إليها تقريبا في كامب ديفيد عام 2000 وفي المفاوضات التي تلت ذلك. كما قال أن الخطة الأميركية ، إن طُرحت ، ستعتمد على ما تم إحرازه من تقدم في قضايا مثل الحدود ، و"حق العودة" لّلاجئين الفلسطينيين ووضع القدس. المسؤول الثاني قال أن 90" بالمئة من الخارطة ستبقى كما هي" كما جرى الاتفاق عليه في الصفقات السابقة.

 

كما أوضح قائلا أن خطة السلام الأميركية سترتبط بقضية مواجهة إيران ، التي تعد أهم أولويات إسرائيل. وقد وصف القضايا كشطرين من مشكلة استراتيجية واحدة: "نحن نريد أن نبعد النقاش عن المستعمرات والقدس الشرقية ونصل به إلى مستوى 30 ألف قدم ليشمل الأردن وسوريا وغيرها من الدول في المنطقة" ، بالإضافة إلى الإسرائيليين والفلسطينيين.

 

استأنف المسؤول الثاني قائلا "أن التدرج السياسي لا يجدي نفعا" ، موضحا أن الولايات المتحدة لن تسمح بأن تتفاقم المشكلة الفلسطينية - كي تساعد إيران والإرهابيين الآخرين. وأضاف: "كوننا قوة عالمية تتحمل مسؤوليات عالمية ، علينا أن نقوم بشيء ما". لقد قال أن الخطة "ستلتزم بجميع متطلبات الأمن الإسرائيلي والسيادة الفلسطينية بطريقة منطقية".

 

البيت الأبيض ينظر في إجراء محادثات وساطة مفصلة لصياغة الاستراتيجية وتشكيل إجماع سياسي عليها. المسؤول الثاني شبّه العملية بالمراجعة التي أفرزت استراتيجية أوباما تجاه أفغانستان وباكستان. وقال أن بإمكان الإدارة أن تطلق مبادرة الشرق الأوسط رسميا في خريف هذا العام.

 

ازداد اهتمام البيت الأبيض بتقديم خطة للسلام في الأشهر الأخيرة ، إلا أنه تسارع بعد الغضب الذي تلا إعلان إسرائيل في التاسع من شهر آذار ، خلال زيارة نائب الرئيس بايدن ، عن نيتها بناء 1600 وحدة سكنية في القدس الشرقية. بدأ المسؤولون الأميركيون بالبحث عن طرق إجراء للتعامل مع المخاوف الإسرائيلية والفلسطينية ، بدلا من مواصلة المناقشات القديمة ذاتها.

 

تركز اهتمام أوباما في الاجتماع الذي انعقد في 24 من شهر آذار في البيت الأبيض مع ستة من مستشاري الأمن القومي السابقين على نقطة محددة. وتلتقي المجموعة سرا كل بضعة أشهر بطلب من الجنرال جيم جونز ، الذي يتولى المهمة حاليا. في الجلسة التي عُقدت قبل أسبوعين ، كانت المجموعة قد تحدثت عن قضايا عالمية لساعة تقريبا عندما دخل أوباما وسأل عما يدور في مخيلتهم.

 

وفقا لمسؤول كبير في الإدارة ، فقد كان برنت سكوكروفت ، الذي عمل مستشارا للأمن القومي لكل من الرئيس جيرالد فورد والرئيس جورج بوش ، أول المتحدثين. فقد حث أوباما على إطلاق مبادرة سلام تعتمد على الأجزاء السابقة من الاتفاقية. وكان قد تبعه زبيغنيو برزيزينسكي ، مستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر ، الذي وصف بعض المقاييس الاستراتيجية لمثل هذه الخطة.

 

قيل أيضا أن كلا من ساندي بيرغر وكولن باول ، اللذان عملا مستشارين للأمن القومي للرئيسين بيل كلنتون ورونالد ريغان ، على التوالي قد عبرا عن تأييدهما لتبني نهج جديد. على ما يبدو ، فقد اشترك في الإجماع على وجهة النظراثنان آخران من الحضور ، هما فرانك كارلوشي وروبرت ماك فارلين من حقبة ريغان.

 

تبني أوباما لخطة سلام ستعكس اتجاه الاستراتيجية الأولى للإدارة ، التي كانت تحاول بلطف أن تقنع الإسرائيليين والفلسطينيين بتقديم تنازلات ، مع عرض الولايات المتحدة "مقترحات لتقريب وجهات النظر" لاحقا. جورج ميتشيل ، مبعوث الرئيس الخاص للشرق الأوسط ، أيد هذه العملية التدرجية حيث اعتقد أن نهجا مشابها لها قد وضع حجر الأساس للتقدم الذي أحرزه في محادثات السلام الخاصة بايرلندا الشمالية.

 

حقيقة أن أوباما يفكر في خطة سلام يدل على ثقته المتزايدة بالجنرال جونز ، الذي كان يفكر بهذا النهج طوال العام الماضي. لكن الاستراتيجي الحقيقي المسؤول هو أوباما نفسه. إذا قرر أن يبدأ خطة سلام ، فسيدل ذلك على عودة الأفكار الطموحة التي رددها الرئيس في خطابه في القاهرة في شهر حزيران عام ,2009

 

من المحتمل أن تبدأ معارك سياسية ضارية قريبا ، مع مسؤولين إسرائيليين ومؤيديهم في الولايات المتحدة احتجاجا على ما يخشون أن يكون محاولة أميركية لفرض تسوية وللحث على التركيز على إيران بدلا من ذلك. وقد عبر أحد المسؤولين الكبار عن رد البيت الأبيض على هذا الأمر بقوله: "لا ينحصر الأمر في التعامل إما مع إيران أو مع عملية السلام في الشرق الأوسط. علينا القيام بكلا الأمرين".

========================

هل إيران وحدها المشكلة في العراق؟

ياسر الزعاترة

الدستور

4/14/2010

ها هم يصرخون ، إياد علاوي وطارق الهاشمي وآخرون ، منددين بالتدخل الإيراني في تشكيل الحكومة العراقية ، لكأن نوري المالكي وعادل عبدالمهدي وعمار الحكيم ومقتدى الصدر يمكن أن يقدموا لهم الحكومة على طبق من ذهب لو رفع الإيرانيون أيديهم وخرجوا من اللعبة.

 

ليس الإيرانيون وحدهم هم من شعروا بعظم الغنيمة بعد الاحتلال ، إذ تفوقت عليهم تلك القافلة من السياسيين التي كان رموزها يعيشون على المعونات الحكومية في العواصم الغربية ، فضلا عمن كانوا يعيشون في إيران ممن كانوا يشكون التمييز "العنصري" ضد عناصرهم ومريديهم هناك.

 

هنا ثمة قطاع عريض من السياسيين الذين تدفقت في جيوبهم الملايين ، وصاروا نجوما في فضاء السياسة يقابلون جورج بوش وسواه من الزعماء. هؤلاء لا يتصورون أبدا إمكانية خسارة امتيازاتهم ، وحتى لو طالبتهم إيران بالتراجع ومنح الآخرين بعد الحصص ، فإنهم لن يستجيبوا ، حتى لو جاملوها بعض الشيء لاعتبارات التوازن والمصلحة.

 

ليس هذا دفاعا عن إيران التي يصعب الدفاع عن سلوكها في العراق ، هي المعنية ببقاء البلد تابعا لها على مختلف الصعد ، لكن الأطراف العراقية الشيعية ليست في حاجة إلى إيران كي تتمسك بمكاسبها ، بدليل أن التفتت الذي أصاب الائتلاف الشيعي لم يكن برغبة إيران التي بذلت كل ما في وسعها من أجل لملمة شتاته في قائمة انتخابية واحدة ، لكنها عجزت ، فكان أن أبقت على التعاون مع الطرفين كي لا تخسر أيا منهما.

 

اليوم تعتقد الأطراف الشيعية أن حصول قائمة إياد علاوي على المرتبة الأولى بفارق مقعدين عن ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي ليس كافيا لمنح علاوي حق تشكيل الحكومة ، لا سيما أنه لا يصنف كزعيم شيعي علماني كما يراه البعض ، بل هو رجل أمريكا بحسب البعض ، ورجل العرب أو ممثل العرب السنة ، بحسب آخرين ، بدليل أن غالبية الفائزين في قائمته 76( من أصل )91 كانوا من ذات الفئة.

 

القوائم الشيعية (الثلاث) حصلت على نصف المقاعد (هناك 15 مقعدا للشيعة في قائمة علاوي) ، ما يعني ضرورة أن يكون رئيس الوزراء من ذات الفئة. وحتى لو أخذت المسألة من زاوية الأيديولوجيا ، فإن الوضع الطبيعي أن تشكل القائمتان الثانية والثالثة (الإسلاميتان إن جاز الوصف) الوزارة تبعا لحصولهما على ما يقرب من نصف المقاعد.

 

والحق أن مجرد استنكاف الائتلاف الوطني وائتلاف دولة القانون عن دخول الحكومة سيجعل منها حكومة بالغة الهشاشة ، كما أن مشاركة الائتلافين فيها لا بد أن تمنحهما نصف الحقائب حتى لو شارك الأكراد ، أو الائتلاف الكردي الذي لم يحصل سوى على 13 في المئة ، لأن ثمة أكرادا آخرين حصلوا على حوالي 4 في المئة من المقاعد.

 

خلاصة القول هي أن الحسبة الطائفية لنتائج الانتخابات تمنح الشيعة الغالبية ، حتى لو تجاوزنا شيعة القائمة العراقية بقيادة علاوي (الأيديولوجيا لا تعني الكثير بالنسبة للمالكي وعمار الحكيم) ، ما يعني أن تشكيل الحكومة ينبغي أن يعكس هذا الوضع سواء تدخلت إيران أم لم تتدخل ، فكيف حين تلقي بكل ثقلها من أجل الدفع في هذا الاتجاه؟،.

 

تلك هي مصيبة الوضع القائم في العراق ، فهو من التعقيد بحيث لا يمكن حله من دون تواضع فرقاء الداخل ، بخاصة الطرف الشيعي ، معطوفا على تفاهم إقليمي بعيدا عن سطوة المحتلين ، فالمقاومة العراقية التي فرضت التراجع على الاحتلال (ومن ضمنه الانتخابات) لا يمكن أن تكون بلا نصيب في معادلة العراق الجديد ، وهي معادلة لا بد أن تدفع في اتجاه عراق لا يستند إلى المحاصصة الطائفية ، في ذات الوقت الذي يعاد فيه النظر في تركيبة الجيش والأجهزة الأمنية ، الأمر الذي لا يمكن من دونه تغيير المعادلة القائمة ، لأن من يمسك بالجيش والأجهزة الأمنية هو من يمسك بالبلد عمليا ، لا سيما إذا خرج المحتلون.

بعد خروج المحتلين لا بد من تفاهم عربي إيراني تركي على صيغة العراق الجديد ، وذلك حتى يكون نموذجا للتعايش بين سائر الطوائف والمذاهب في المنطقة ، ومن دون ذلك سيبقى الاستقرار بعيد المنال.

========================

المستعمرات الإسرائيلية والقانون الدولي

زهرة خميس عز

الرأي الاردنية

4/14/2010

بناء 1600 مستعمرة زاد من شعبية نتنياهو وجعله الرئيس المفضل لإسرائيل فهو ينفذ المعتقدات الدينية ويحقق احلام الصهاينة – كما يدعون - بان تصبح القدس عاصمة لليهود لا تقبل المشاركة او التقسيم، وانها العاصمة الابدية لهم فهي لم تكن لغير اليهود ابدا لذلك يجب ان تكون موحدة تحت السيادة الاسرائيلية، متجاهلة بذلك الدراسة التي وضعتها اللجنة التابعة لهيئة الامم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف، ناهيك عن المكانة الروحية للقدس لدى المسلمين في العالم بالاضافة الى موقف القانون الدولي من الاراضي المحتلة المستعمرة.

 

حيث ان سياسة الاستيطان الاسرائيلية تتعارض تماما مع القانون الدولي لما ينطوي عليه من خرق واضح لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والخاصة بحماية المدنيين زمن الحرب كما انها تجاوز واضح وفادح للصلاحيات والسلطات التي يخولها قانون الاحتلال الحربي للقائم بالاحتلال (اسرائيل) وهذا قبل ان تتمكن اسرائيل من فلسطين ويصبحوا ملاكاً قانونيين حسب فلسفتهم ومعتقداتهم المرفوضة.

 

لكن ومع كل ذلك تبقى اقامة المستعمرات عملا غير مشروع وغير قانوني خاصة وانه قائم بصورة دائمة وليس مؤقتاً ويطالب بان يصبح كل ما يحيط به يهودي الطابع، فوجود المستعمرات بالقدس يعني ضرورة وجود ادارة تحميها وتدافع عن مصالحها وهذا بمضمونه يعني ان تصبح القدس عاصمة لاسرائيل، وهذا ما يريده نتنياهو من وراء ابقاء المستعمرات وتحدي اوباما.

 

لذلك على المجتمع الدولي حماية حقوق الفلسطينيين الذين انتزعت اراضيهم منهم بالقوة والاكراه بطرق غير مشروعة وباطلة وفق احكام المادة 46 من اتفاقية لاهاي لعام 1907 والمادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، ولا ننسى ان لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس الامن الدولي بموجب قرار رقم 445 سنة 1979 اثبتت ان المستوطنات التي اقامتها اسرائيل تشمل اراضي خاصة وعامة وان اسرائيل اجبرت سكانها الاصليين على الرحيل بعد تدمير منزلهم وهذا بحد ذاته انتهاك صريح لقواعد القانون الدولي وحقوق الانسان وفق المادة 46 من اللائحة المرفقة بمعاهدة لاهاي لعام 1907.

 

لا تزال اسرائيل تضرب بقرارات الامم المتحدة عرض الحائط وتبني المستعمرات في كل مكان والادهى ان نتنياهو لم يعد يخفي امر المستعمرات ويحاول التستر على بنائها بل اصبح يتبجح ويعلن ان القدس عاصمة اسرائيل وان بناء المستوطنات امر مشروع، وهذا امر لا يمكن التسليم به لان اسرائيل دولة محتلة ولا يمكن للمعتدي المحتل ان يجني ثمار عدوانه.

========================

الاختراق الإعلامي والعولمة السياسية

د. عاهد مسلم المشاقبة

ahedalmashaqbah@yahoo.com

الرأي الاردنية

4/14/2010

كانت السياسة دائما- وعلى عكس الاقتصاد والثقافة – أكثر انعزالا عن الخارج، فقد باتت محصورة في النطاق المحلي ومن أبرز اختصاصات الدولة القومية التي حرصت دائما على عدم التفريط فيها واحتكارها ضمن نطاقها الجغرافي ومجالها الوطني، وارتبط ذلك بمفهوم السيادة الوطنية بشكل وثيق، وحيث أن ممارسة الدولة لسيادتها يعتبر من أهم مقومات الدولة القومية، فإن الدولة القومية بهذا المعنى قد أصبحت نقيضا لثورة الاتصال والمعلومات التي عنت في بعض جوانبها اختراقا لهذه السيادة، وسوف يظل المجال السياسي هو الأكثر مقاومة لثورة الاتصال المعلومات مما يحمل على القول إن العولمة السياسية في جوهرها سوف تمثل مرحلة لاحقة، للعولمة الاقتصادية والثقافية، وأنها سوف تتم قسرا أو رغما عن العديد من الدول والحكومات . ورغم مقاومة المجال السياسي لثورة الاتصال والمعلومات فإن التطورات التي حدثت على الصعيدين الاقتصادي والثقافي قد أدت إلى انحسار نسبي للسيادة المطلقة وربما خلق الانطباع بأن الدولة لم تعد ضرورة وأنها فقدت دورها وأهميتها، وعموما يمكن تحديد الإبعاد السياسية لثورة الاتصال والمعلومات في ثلاثة أبعاد، هى : إعادة النظر في بعض المفاهيم، بروز مجال سياسي عالمي، تزايد الترابط بين الداخل والخارج، هذه الأبعاد جوهرها تراجع دور الدولة أو على الأقل طرح قيود لم تكن موجودة وتحديات غير مسبوقة على مؤسسة الدولة .

 

إن الدور البارز الذي يلعبه الإعلام ومدى مساهمته في التأثير المباشر في عقول المتلقين دور يتعاظم بمرور الزمن مستفيداً من التقدم وثورة الاتصال والمعلومات، ويمكن استخدام وتوظيف الإعلام لتشكيل رأي عام لصالح قضية معينة، واستعمال المعلومات والرسائل الإعلامية قد تكون سلاحاً نفسياً له تأثير مباشر في شخصية الأفراد وفي ظل العولمة وثورة المعلومات أصبح للشركات المتعددة الجنسيات الدور الأبرز في هذا المجال وأصبحت تكتسح الحدود وتغزو العقول محطمة كل الحواجز التي في طريقها خاصة تلك الدول التي لا تمتلك وسائل الدفاع القوية، كما هو حال الوطن العربي. وبما أن الذاكرة هي خاصية حفظ المعلومات أو بعضها فهي تحيل إلى جملة من الوظائف النفسية التي يستطيع الإنسان بفضلها استرجاع وإحياء انطباعات أو معلومات انقضت، ومن ثم تمثيلها كما هي وما تعيشه الأمة العربية في ظروف العولمة والنظام العالمي الجديد وبالذات منذ أوائل عقد التسعينات للقرن الماضي هو محاولة إفراغ قسري لمخزون ذاكرة هذه الأمة ووجود فقدان فردي لها تؤدي إلى اضطراب في الشخصية وينسحب أيضاً على الذاكرة الجمعية.

 

ولا شك إن هذا الواقع في ظل هذه العولمة في المجال الإعلامي هو من أخطر وجوه العولمة بصفتها الوجه البارز، وتكمن خطورة العولمة الإعلامية في أنها تعكس الاختلال القائم بين العالم المتقدم وبين الوطن العربي على اعتبار أن الذي يملك القدرة على البث هو العالم المتقدم الذي يمتلك التكنولوجيا الإعلامية والوطن العربي هو نظام على الأغلب متلق ومستهدف.

========================

من الطغيان إلى الديموقراطية عربياً.. في ظل الاحتلال الأميركي والإسرائيلي

طلال سلمان

السفير

4/14/2010

أريد للعرب أن يكتشفوا الديموقراطية فاكتشفوها متأخرين.

لذا فإن الديموقراطية التي يراد بها التخلص من أنظمة الاستبداد والدكتاتورية تأتي محمولة على دبابات أميركية أو تجري في ظلال الأساطيل وشبح الحرب، أميركية أو إسرائيلية، ولكنها تبرر نفسها بتحرير الشعوب العربية عن طريق إجبارها على تعلم الديموقراطية والأخذ بها.

اللافت أن معظم أهل النظام العربي، سواء من تم التخلص منهم أو المراد التخلص منهم الآن، إنما وصلوا الى السلطة برعاية النفوذ الأميركي أساسا والغربي عموماً، أو أنهم حكموا طويلاً وعاثوا في الأرض فساداً وبطشوا بشعوبهم فقضوا على نخبها بالسجن أو بالقتل أو بالتشريد أو بشراء ضمائرهم حتى خلت الأرض لهم لدهور، فتعذر على شعوبهم، من بعد، أن تعرف طريقها الى غدها.

قال لي مواطن عراقي شاب: لم أعرف طوال عمري إلا صدام حسين رئيساً، هو مصدر الحياة، وهو من يلخص الوطن والدولة والشعب... وبرغم معرفتي بأنه دكتاتور، ورغم وعيي بأنه يختصر العراق في شخصه إلا أنني لا أعرف غيره، ولا أعرف الطريق الى غيره.

وقال لي مثقف سوداني تجاوز الخمسين من عمره: سألني ابني هل يذهب الى صندوق الاقتراع لينتخب أم لا يذهب، فلم أعرف كيف أجيبه، خصوصاً أنه أضاف فقال إنه لا يعرف في السودان سياسياً واحداً غير البشير، ثم إن الحملة الغربية عليه تجعله يبدو وكأنه زعيم وطني، فكيف يقترع ضده مع وعيه بأنه دكتاتور؟!

ويمكن استخدام أي من هذين المثلين في معظم أرجاء الوطن العربي، فالمواصفات هي هي في أهل النظام العربي كله مشرقاً ومغرباً.

[[[[[[

قبل تسعين عاماً، تقريباً، وعلى قاعدة معاهدة سايكس  بيكو (1916) بين بريطانيا وفرنسا، استولد الاستعمار البريطاني  الفرنسي المنتصر في الحرب العالمية الأولى، وعلى أنقاض الإمبراطورية العثمانية (أو ما كان دولة الخلافة) الكيانات السياسية لما نعرف الآن من «دول المشرق العربي»، بعد شيء من التعديل والتبديل في الحدود تمهيداً لإقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، تحقيقاً لوعد بلفور الذي أعطته بريطانيا للحركة الصهيونية العالمية بإقامة دولة لليهود، قبيل انتهاء الحرب، في 2 تشرين الثاني  نوفمبر 1917.

هكذا برزت الى الوجود «دول»: سوريا، إمارة شرقي الأردن، لبنان، العراق وفلسطين، فقد حمل الاستعمار كل كيان من هذه الكيانات ب«وضع خاص» لن يكتب له الاستقرار إلا بعد إقامة «دولة إسرائيل»، في مثل هذه الأيام من العام 1948.

بالمقابل فإن الكيان السياسي لدولة السودان لم يظهر، عملياً، إلا في أوائل الخمسينيات، وبعدما أنهيت حقبة الاستعمار الثنائي شكلاً (البريطاني  المصري) والبريطاني فعلاً للسودان، الذي تكاد دولته أن تكون بمساحة قارة، والذي يشكل سكانه مزيجاً من قوميات وعناصر وإثنيات متعددة.

يمكن الاستطراد للقول إن «دول» المغرب العربي قد استولدت، أو انها اتخذت صيغتها السياسية الحالية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. فما عدا المملكة المغربية، لم تظهر الدول العربية في الشمال الأفريقي إلا في الخمسينيات، باستثناء الجزائر التي استولدتها الثورة وأعادت اليها هويتها الأصلية في الستينيات، فيما كانت ليبيا مملكة بولايات ثلاث تخضع كل منها لاستعمار غربي (ايطاليا وفرنسا وبريطانيا) قبل أن ينشئ الأميركيون قاعدة عسكرية لهم في عاصمتها طرابلس في الستينيات من القرن الماضي، أما تونس فكانت مستعمرة فرنسية.

كانت مصر هي «الدولة» الوحيدة بكيانها الوطني الثابت في المشرق العربي، فيما كانت المغرب المملكة ذات التاريخ الممتد لألف عام في الماضي، هي الدولة الوحيدة في المغرب العربي... وإن لم تكن أيهما مستقلة فعلاً.

وبرغم أن معظم هذه الدول قد عرف لعبة «الانتخابات» في وقت مبكر، إلا أن الحكم كان في يد الاحتلال أو الانتداب الأجنبي، فرنسياً أو بريطانياً، حتى أقيمت «دولة إسرائيل» لتشكل «النموذج الديموقراطي» القائم على قاعدة دينية وعنصرية طاردة لأهل البلاد من الفلسطينيين.

عبر التحولات التي شهدتها الدول العربية عموماً، سواء بالنضال لإخراج قوات الاحتلال الأجنبي، أو بالصراع مع الكيان الصهيوني الذي فرض الحرب على هذه الدول الحديثة الاستقلال والضعيفة اقتصادياً وعسكرياً، والمتباعدة سياسياً، قامت أنظمة شمولية قادها العسكر أساساً بعد إدانته الأنظمة التي كانت قائمة بالعجز أو بالتواطؤ وحملها المسؤولية عن الهزيمة في ميدان فلسطين. وليس من المصادفات القدرية أن الحكم في كل من الجزائر وتونس وليبيا ومصر وسوريا والعراق واليمن يتولاه رؤساء وقيادات متحدرة من جذور عسكرية.

ربما لهذا تحولت الانتخابات في معظم هذه الدول الى «استفتاءات» ليست لها علاقة حميمة بالتعبير الديموقراطي، إذ ليس ثمة مساحة كافية من الهواء بين الإجابة بنعم إجبارية أو «لا » مكلفة بتبعاتها الثقيلة.

حتى في لبنان، بلد التعدد الطوائفي والمذهبي، والذي كان يقدم نفسه وكأنه «واحة الديموقراطية» في المشرق بل ربما في الوطن العربي كله، التهمت الحروب الأهلية التي تمددت فيه دهراً تقاليده «الديموقراطية»، وصارت الانتخابات لعبة لأمراء الطوائف، فيما عاد «المواطنون» رعايا لهؤلاء «الأمراء» الذين لا يمكن تبرئتهم دائماً من شبهة العلاقة مع دوائر أجنبية، أو من الافتراض أن حركتهم بالشعار الطائفي أو المذهبي الصريح، إنما تخدم المصالح الأجنبية، الأميركية أساساً ومعها دائماً إسرائيل.

وحتى في لبنان بتعدديته، شهدنا العسكر يتولون  ديموقراطياً  زمام السلطة في مراحل فاصلة من تاريخه السياسي: اللواء فؤاد شهاب، بعد الوحدة المصرية السورية وثورة العراق(1958) ثم في المرحلة الأخيرة الممتدة بين 1998 واليوم، وعبر رئيسين: العماد إميل لحود ثم العماد ميشال سليمان، الرئيس الحالي.

الجديد في الأمر أن قوى الهيمنة الأجنبية باتت هي المرجعية الدستورية والقانونية للأنظمة العربية ذات الجذور العسكرية، وهي تحاول أن تؤكد انتسابها الى ... الديموقراطية!

[[[[[[

لم ترتفع صرخة اعتراض واحدة على حقيقة أن الانتخابات في العراق إنما تجري بطلب الاحتلال الأميركي وتحت إشرافه المباشر، وانه هو هو من وفر لها التغطية العربية أساساً، والإقليمية ومن ثم الدولية، خصوصاً وقد صنفها «إنجازاً تاريخياً» مفترضاً انه قد يفيده في محو الصفحات الدموية التي سجلها على امتداد السنوات السبع المنقضية على احتلاله العراق، والتي قتل خلالها أو تسبب في قتل حوالى مليون عراقي، وفي تشريد حوالى ثمانية ملايين عراقي، بين دول الجوار (سوريا والأردن أساساً، ولبنان) ودول الشتات في المغتربات الأوروبية والأميركية، فضلاً عن المليوني لاجئ الى حيث أقاربهم داخل العراق.

وكان من اللافت أن أعظم المروجين لهذه الديموقراطية الأميركية في العراق تحت الاحتلال كانت أجهزة إعلام نافذة وهائلة الغنى تتبع دولاً لم تعرف الانتخابات في تاريخها، بل لعلها كانت ولا تزال تعتبرها رجساً من عمل الشيطان ينبغي تجنبه!

وها ان الانتخابات في السودان تحظى برعاية دولية شبه كاملة، تتولاها هيئات معروفة باحتضان الديموقراطية الناشئة في الوطن العربي، غالباً ما تعرف باسم «منظمات المجتمع المدني» التي تتمتع بإمكانات مادية محترمة، تمكن أعضاءها من السفر حول العالم لمتابعة بل رعاية «حقوق الإنسان» امرأة وطفلاً والحوامل والعوانس والمطلقات والمتزوجات من أجانب، المطالبات بالهوية الوطنية لأطفالهن، بعدما هجرهن الأزواج، أولئك الذين ولدوا بعد انتهاء العلاقة الحميمة.

ومن قبل السودان، رعت منظمات المجتمع المدني وبتلك الهيئات الدولية التي تكلف نفسها أعباء السفر ومشاق الانتقال الى الوعر من الأرض، كاليمن مثلاً، لرعاية الديموقراطية الوليدة وتقديم الشهادة بأن الانتخابات قد جرت في اليمن السعيد في أجواء هادئة بل مثالية ولا تشوبها شائبة... حتى لو كانت بمثابة المقدمة الموسيقية للحرب الأهلية التي تقف اليمن على عتبتها، أو تلك الانشقاقات الخطيرة التي تتهدد الكيان السياسي لدولة السودان بعد إنجازها!

ومن قبل السودان والعراق، كانت هذه المنظمات ذاتها قد وفرت شهادة حسن سلوك نموذجية للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، من خلال إشادتها «بالعملية الديموقراطية» التي تمت عبر الانتخابات التي أجريت في الأرض الفلسطينية المحتلة، وانتهت  كما نعلم جميعاً  بالانشقاق الوطني الخطير الذي قسم المقسم من فلسطين، فصارت لدى الفلسطينيين «سلطتان» واحدة في الضفة وأخرى في غزة، كلتاهما تعيش على المنح والقروض والإعانات والحسنات والصدقات، للضبط ليس فقط عن حماية الشعب أو الأرض، بل حتى عن حفظ المسجد الأقصى في القدس الشريف والأحياء العربية من حوله، كما عن حماية الفلسطينيين الذين اضطرتهم ظروف الاحتلال لتبديل أماكن سكنهم... وثمة الآن أكثر من 75 ألف فلسطيني تهددهم السلطات الإسرائيلية بالطرد لان بعضهم من غزة ويقيم في الضفة أو بالعكس، أو لان بعضهم قد لجأ مضطراً الى جواز سفر من أي دولة في العالم ليمكنه أن يتحرك سعياً وراء الرزق غالباً.

[[[[[[

لا أحد يمكنه الاعتراض على الأخذ بمبدأ الديموقراطية، حتى في أرض تحت الاحتلال، ومع الوعي تماماً أن الاحتلال لا يمكن أن يسمح بديموقراطية تنتهي بحشد الشعب من خلف مطلب إجلائه واستعادة الاستقلال الذي ضيعه الطغيان.

لكن من الضروري حرمان الاحتلال الأجنبي من شهادة تزكي عشقه للديموقراطية في البلاد التي احتلها قهراً وكبّد أهلها خسائر بشرية مخيفة وخسائر اقتصادية يصعب حصرها.

فالديموقراطية المصنعة في بلاد الغير والتي تجري بالأمر، وفي ظل صراعات وصدامات سياسية في ظاهرها، ولكنها تستبطن الطائفية والمذهبية والعرقية، سرعان ما تعود لتنفجر حرباً أهلية تذهب بالكيان السياسي للبلد المعني... وهذا ما نتخوف منه على العراق تحت الاحتلال الأميركي، وعلى السودان تحت الرعاية الدولية المستجدة، وقد كان رئيسها  إلى ما قبل حين من الزمن  مطلوباً للمحكمة الجنائية الدولية، ومن قبل ومن بعد على اليمن الذي تنهكه الحروب المتعددة الأسباب والهويات.

الديموقراطية ستارة للعيوب... ويمكنها أن تغطي على الإثارة الطائفية والمذهبية، بل أن تفرضها طريقاً إجبارياً إلى المستقبل (نموذج لبنان)... وهكذا تلغي شكليات العملية الانتخابية المضمون الديموقراطي لأي انتخابات، وقد يغدو الأعظم طائفية والأعظم تعصباً لعنصره هو الممثل الشرعي المناسب.. وبالديموقراطية!

[[[[[[

قديماً كان يقال إن الشيطان يسكن في التفاصيل.

وثمة شياطين كثيرة تسكن العمليات الديموقراطية التي قد تمهد لتطورات خطيرة في غير بلد عربي.

ويمكن القول إن أهل النظام العربي قد أثبتوا أنهم أكثر خبثاً ومكراً من الشياطين فجعلوها في حالات كثيرة، تتبدى عاطلة من العمل.

من خارج اللعبة الديموقراطية التي فرحت أنظمة عربية كثيرة بتطبيقها خارج حدودها، وروجت لها مسخّرة وسائل إعلامها الفضائية والمكتوبة، والكثير من أموالها، والعديد من الدعاة، سنكتفي بالنموذج الفلسطيني ونعمة الديموقراطية التي أسبغها عليه الاحتلال الإسرائيلي.

إن على «المخلوق» الفلسطيني الذي تنكر عليه هوية أرضه، أن يخضع لستمئة نقطة تفتيش، متعرضاً في كل منها إلى مختلف أنواع الإهانات والتعذيب، فإذا ما مضى الوقت المحدد وسقط عليه حظر التجول، كان عليه أن «يختفي» حتى لا يُعتقل أو يُبعد من جديد.

مع ذلك فإن المتحكم ببعض أبرز وسائل الديموقراطية (الإعلام) يتهم الفلسطيني بأنه يخرج على الديموقراطية حين يخرج لمقاومة الاحتلال.

إن الترويج للديموقراطية الإسرائيلية هو الوجه الآخر لنسيان الاحتلال الأميركي في العراق من خلال الحديث عن الإنجاز الديموقراطي الذي تحقق بفضله، والذي خصصت بعض الفضائيات العربية ساعات لسفير الاحتلال وهو يتباهى به، قافزاً من فوق واقع أن العراقيين قد أثبتوا  حين واتتهم الفرصة  أنهم مهتمون بمصير وطنهم، وأنهم معنيون بكشح أشباح الطغيان والاحتلال معاً، وتأكيد جدارتهم بأن يصنعوا مستقبلهم بإرادتهم فوق أرضه...

وعلينا أن ننتظر «اليوم التالي» قبل أن نطمئن إلى غد العراق أو السودان أو اليمن، في ظل الإنجاز الديموقراطي الذي أتى محمولاً على طائرات الدمار الشامل!

أما فلسطين فلها الله من قبل ومن بعد، في ظل تحويل هذا النظام العربي الى «منارة للديموقراطية» تشهد للاحتلال، أميركياً وإسرائيلياً، وكل ذلك واحد موحد دائماً.

ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية

========================

الإرهاب والترهيب... نووياً !

راجح الخوري

النهار

4/14/2010

ليس معقولا أن يتقاطر زعماء 46 دولة الى "قمة الامن النووي" التي عقدت في واشنطن بدعوة من الرئيس باراك أوباما، وأن تخلو كل الكلمات والخطب والتصريحات والبيانات تقريبا من السياسة، من أي كلمة في السياسة أو في واقع الصراعات والاعتداءات والظلامات المرعبة والحروب، ولكأن مسألة الامن في المطلق تشكل عنوانا منفصلا لا علاقة له بالعدالة او الحقوق او الطغيان او سطوة الاقوياء على الضعفاء.

واذا كان الرئيس الاميركي اختار شعارا لا يخلو من عناصر "الترهيب" التلقائي او الضمني، عندما دعا الدول الى اتخاذ اجراءات تمنع وقوع قنابل نووية او مواد انشطارية في أيدي منظمات ارهابية، قائلا: "ان التهديد الأكبر لأمن أميركا على المدى القصير أو المتوسط او الطويل هو امتلاك منظمة ارهابية سلاحا نوويا..."، فان المثير فعلا ان تقتصر النقاشات في هذه القمة على المسائل التقنية والاجراءات الامنية والخطط الاحترازية التي يراد لها أن تكفل عدم توصل الارهابيين الى الحصول على مثل هذه الاسلحة، من دون التطرق الى الاسباب والمبررات التي تدفعهم الى السعي للحصول على هذه الاسلحة المخيفة، سواء كانت هذه الدوافع تأتي في سياق صراع له جذوره المتصلة بالسياسة والجغرافيا مثلا او في سياق تلقائي ينبع من رفض الآخر ويسعى الى فنائه!

❒❒❒

وهكذا لا نغالي اذا قلنا إن قمة واشنطن النووية، على أهميتها، ورغم ما اتخذ فيها من قرارات بجعل المخزونات النووية والمواد الانشطارية تحت حراسة اكثر وعيا وتشددا، راوحت عند حدود القشرة الخارجية لهذه المسألة الحساسة والخطيرة، لأنها لم تأخذ على عاتقها، مثلا، أن تطلق حوارا عميقا على المستوى الدولي يهدف الى معالجة موضوع الارهاب والسعي الى اسقاط او نزع الدوافع التي تجعل الارهابيين يطمحون الى امتلاك أسلحة التدمير الكلي.

بهذا المعنى يمكن القول إنها قمة الارهاب والترهيب النووي، التي سعت الى معالجة السرطان ببعض من الحبوب المسكنة. فاذا كان في العالم 1600 طن من المواد الانشطارية، التي تكفي كما قيل لصنع 100 الف قنبلة نووية، واذا كان السباق على امتلاك السلاح النووي لم يتوقف، ولن يتوقف، ما دام مؤشر الصراعات والحروب يسجل تصاعدا مستمرا وخصوصا في قارتي آسيا وافريقيا، فان العلاج الاعمق والاجدى والأمثل يبقى على صعوبته، وربما على استحالته، ماثلا في معالجة الاسباب والدوافع لا في محاولة وضع سدود او حدود عند النتائج المخيفة والاحتمالات المقلقة.

❒❒❒

صحيح أن "التهديد بحرب نووية قد تراجع لكن حصول عمل ارهابي نووي ارتفع"، كما تقول هيلاري كلينتون، فالحرب النووية تراجعت بعد فاجعة احتراق الوجدان الانساني المطلق في هيروشيما وناكازاكي، لكن حصول عمل ارهابي نووي ارتفع على وقع سياسات عمياء كتلك التي جعلتنا مثلا نقرأ على هامش القمة كلاما أميركيا رسميا يقول:

"ان واشنطن تعتقد ان اسرائيل ستكون جزءا من تحرك جماعي يتعلق بالامن النووي والارهاب النووي"، ولكأن الفوسفور الابيض في سماء غزة لم يوحِ لأهل المنطقة هنا على الاقل او يذكّر بما فعله الرايخ الثالث في اوشفيتز!

تتحدث الاخبار عن 18 محاولة فاشلة لسرقة سلاح أو مواد نووية، وأن "القاعدة" تحاول منذ 15 عاما الوصول الى امتلاك مثل هذا السلاح. لكن هذا لا ينسي الكثيرين ان اميركا هي التي صنعت "القاعدة" في افغانستان وجعلت منها حركة "مقاتلين من أجل الحرية" في مواجهة السوفيات آنذاك.

لا يشكل هذا الكلام دعوة الى البكاء على الماضي او الوقوف عند أخطائه دون أي مبادرة او معالجة. ولكن ما يجعل العالم أكثر أمانا فعلا ليس السهر على عدم تسلل الارهاب الى الاسلحة النووية فحسب، بل السهر ايضا على قيام علاقات بين الشعوب والأوطان وحتى بين الحضارات والاديان، في اطار من العدالة والحق والقانون والانفتاح والتسامح واحترام الآخر، وعندها يتمّ فعلا تجفيف مستنقعات الارهاب.

قبل 65 عاما نظم فرانكلين روزفلت أكبر تجمع لزعماء العالم الذين أوجدوا منظمة الأمم المتحدة كاطار لخلق بيئة كونية تحترم الحقوق وتصون العدالة وتسهر على قانون منصف بين الدول. الآن مع التجمع الكبير الذي هندسه أوباما يبدو المشهد مخزيا بعض الشيء: إنها قمة المخيفين الخائفين تسعى لمنع تسرب النووي الى الارهاب وتغفل عن منع تسرب الارهابي الى الانساني!

========================

ندوة "العراق المقاوم" رسائل سورية... إلى من؟

سركيس نعوم

النهار

4/14/2010

يوم الخميس الماضي عُقدت في دمشق ندوة مفتوحة بدعوة من "مركز الاستقلال للدراسات الاستراتيجية العراقي" شارك فيها، استناداً الى الزميلة "الشرق الاوسط" السعودية، ممثلون عن قوى عراقية مناهضة للاحتلال الاميركي من مختلف التيارات (بعثية واسلامية ومستقلة) اضافة الى ممثل عن "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين". واشارت الصحيفة الى ان الندوة لم تشهد حواراً معمّقاً بل أُلقيت فيها خطب، منها واحدة لممثل حزب البعث في العراق خضير المرشدي، وأخرى لممثل الجيش العراقي ايام صدام حسين اللواء الركن عباس العيثاوي، وثالثة لممثل هيئة علماء المسلمين الشيخ ابو حنيفة، ورابعة لممثل جبهة انقاذ كركوك عدي الزيدي. وأوضح اللواء الركن العيثاوي للصحيفة نفسها ان "الواقع يفترض ان يخلص الجميع الى قيادة واحدة"، لكنه نفى امتلاكه معلومات واضحة عن المشروع التوحيدي لقوى المقاومة العراقية، وقال: "ما اعرفه من الساحة السياسية ان هناك مشروعاً يسير في هذا الاتجاه".

ما الذي يلفت الانتباه الى اجتماع لمركز ابحاث عراقي في المنفى الدمشقي اقتصرت الخطب فيه على الدعوة الى توحيد المقاومين للاحتلال في اطار تنظيمي ما؟

بداية لا بد من الاشارة الى ان التعليق على الندوة المذكورة لا ينطلق من خلفيات سياسية مؤيدة او معادية، سواء لل"عراقات" القائمة الآن، او للاحتلال الاميركي لها، او للذين يقاومونه فيها، على تناقض مواقفهم، او لسوريا بشار الاسد التي استضافت الندوة والتي لا يمكن انكار دورها العراقي أياً يكن حجمه وأهدافه. لكن لا بد من الإشارة ايضاً الى ان هذه الندوة تثير اسئلة وملاحظات عدة ابرزها الآتي:

1- ان العرب يعرفون، ومعهم العالم كله، ان سوريا تستضيف مقاومين عراقيين وتمكّنهم من التخطيط لأعمالهم المتنوعة وربما لتنفيذها بنجاح. اولاً، لأنها ترفض احتلال اميركا للعراق. وثانياً، لأنها تخشى انعكاسات سلبية لنجاحه في اقامة نظام عراقي موال له عليها كنظام ودولة. والعالم، او على الاقل بعضه الموالي لاميركا، يشاطرها رأيها في ان سوريا تساعد في وصول ارهابيين يعتبرهم آخرون مجاهدين مسلمين غير عراقيين الى العراق للقيام بعملياتهم المقاومة او الارهابية فيه. ويعرف هؤلاء كلهم حجم الضغوط التي مارستها اميركا وحلفاؤها على سوريا للتوقف عن ممارسة الدور المشروح اعلاه. ولذلك فانهم يتساءلون عن السبب الكامن وراء السماح ب"المهرجان العلني" الداعي الى توحيد المقاومة العراقية الآن؟

2- لا احد يستطيع ان يضع "زيحاً" اي "خطاً" واضحاً بين المقاومة الاسلامية، السنّية في غالبيتها الساحقة، للاحتلال الاميركي للعراق وبين "القاعدة" التنظيم السنّي الاصولي المتطرف المتهم بالارهاب من معظم المسلمين والعالم. اي لا احد يضمن ألا يكون هناك تعاون بين "القاعدة" وبعض المقاومة السنّية. فهل لسوريا مصلحة في دعم "القاعدة" الذي يكفّر نظامها قبل الانظمة العربية والاسلامية الاخرى؟

3- هل لمهرجان المقاومة العراقية في دمشق علاقة بالعلاقات بين سوريا الاسد واميركا اوباما؟ وتحديداً هل له مصلحة في عدم انجاز اميركا التطبيع الديبلوماسي الكامل مع سوريا بالسرعة التي أمِلَتْ فيها قيادتها، وبعدم اقدامها على نزع كل العوائق التي لا تزال تعترض طريقها في لبنان رغم نجاحها شبه النهائي فيه وفي العراق ربما لرفضها اي دور سياسي لسوريا فيه؟ هل هو رسالة الى اميركا وخصوصاً بعد الانباء غير الرسمية عن عودة ادارتها الى تأخير إعادة سفيرها الى دمشق؟

4- هل لمهرجان المقاومة العراقية في دمشق علاقة بالاختلاف المتنوّع القائم في الموقف حيال مستقبل العراق، والادوار فيه بين سوريا الاسد والجمهورية الاسلامية الايرانية؟ وهذا اختلاف معروف ويقرّ به "عراقيو" ايران وسوريا، سببه رفض ايران، واستطراداً اميركا وغيرها، دوراً سورياً سياسياً في العراق وإصرار سوريا على دور كهذا. وسببه ايضاً ان اداة الدور السوري في العراق هي حزب البعث المرفوض من ايران الاسلامية. وسببه ثالثاً هو ان النفوذ السوري في العراق على محدوديته اكبر لدى السنّة منه لدى الشيعة، خلافاً لنفوذ ايران، ومن شأن ذلك خربطة تركيبة العراق الجديد والإفساح في المجال امام تعاون سوريا مع "اعداء" ايران من العرب السنّة.

في اختصار قد نكون اعطينا لندوة العراق – المقاومة في دمشق اهمية اكثر مما تتحمل. لكن العراقيين على اختلاف "ولاءاتهم" الاقليمية لا يستخفون بها. بل ينتظرون توابعها لمعرفة ما اذا كان لدى السوريين من وراء عقدها هدف محدد أم لاً. ذلك انهم يعرفون قبل غيرهم تشابك المصالح وتناقضها بين الحلفاء الاقليميين في بلادهم ويعرفون أيضاً ان وطنهم ساحة للمواجهة الاقليمية – الدولية الدائرة في المنطقة، تماماً مثل لبنان، وكذلك للخلافات المصلحية داخل فريقي المواجهة هذه. ويعرفون اخيراً ان لا خلاص لهم الا بانتهاء المواجهة المذكورة سواء بالسلم او بالحرب. لكنهم مع ذلك كله يتساءلون: لماذا صارت المقاومة المسلحة في العراق تستهدف شعوبه فقط وليس الاحتلال؟

========================

جُذور عصيّة على التهجير

آخر تحديث:الأربعاء ,14/04/2010

خيري منصور

الخليج

كمن يطلب من ماء البحر أن يغادره، ومن الشجر أن يجرّ جذوره وراءه ويمشي ومن الدمعة أن تعود إلى العين بعد مغادرتها، ومن السّماء أن تنطبق على الأرض . هذا ما حاولت الصهيونية وتحاول فعله بشعب لم يكن ذات يوم طارئاً في ترابه . والذرائع التي تُبْتكَرُ بين وقت وآخر للتهجير هي الغطاء الهش لمشروع استيطاني تأسس منذ المستوطنة الأولى على الحلول مكان الآخر، وبذلك يتحول الاحتلال إلى استحلال، بكل دلالات هذه المفردة التي تعني الاستباحة والانتهاك والإبادة المزدوجة عضوياً ومعنوياً .

 

سبعون ألف فلسطيني مدرجون الآن على قائمة “الترانسفير” التي تم تأجيلها بضع سنوات بانتظار مناخات أكثر ملاءمة، ولن يكونوا آخر المدرجين على هذه القائمة، فقد سبقهم الملايين وقد يعقبهم الملايين أيضاً، لكن الرياح لا تهب دائماً وفق ما تشتهي سفن الاحتلال، ولن يستطيع السكّين المشحوذ والسّام أن يتوغل في وطن كما لو أنه زبدة أو كعكة رخوة، فخيار المقاومة لم يمت رغم أنه يتعرض لاغتيالات سياسية متعاقبة، ومن ولدوا من رحم الهزيمة الكبرى التي شطرت تاريخنا العربي إلى ما قبل حزيران وما بعده .

 

لكن لماذا الآن؟ وما هو التعريف الدقيق للفلسطينيين في المعجم العِبْري؟ هل هو الذي لا جذور له في غزة؟ أم الذي قدم أوراقاً ثبوتية للبرهنة على كونه سائحاً في أرضه أو زائراً لبيته، هؤلاء جميعاً فلسطينيون من الفاء إلى النون، كما أن أرضهم فلسطين من ألفها إلى يائها، بعكس الأطروحة الملفقة التي تسعى إلى إحلال المستوطن مكان المواطن، والطارئ مكان الجذري، وإذا فشل العالم المتمدن الذي يزهو بلوائح الحقوق والإنسانيات بكل ما لديه من قوانين وأعراف وروادع أخلاقية في إيقاف هذا النزيف، فإن ما تبقى هو الخيار التاريخي الخالد، الذي يتفوق على الاستراتيجية والتكتيك معاً، وهو باختصار التشبث بجمرة الأرض، والمقاومة التي هي حق طبيعي وإلهي وإنساني وحيواني أيضاً، فما من حشرة أو طائر أو زاحف لا يصدّ الغزاة عن الجُحر أو العشّ، وثمة كائنات تفتدي بيوتها بأجسادها، ففي الوقت الذي كانت تبث فيه الأنباء عن هذه الحلقة من “الترانسفير”، شاهدنا على الشاشات حمامة تحاول أن تبدو عرجاء ومهيضة الجناح أمام الصّياد كي يصطادها وبالتالي تنجو الفراخ، وأي سجال حول ثنائية الاحتلال والتصدي له هو عقيم في النهاية لأن بدهيات الطبيعة والغرائز والفطرة البشرية تتجاوز هذا السجّال .

 

المرحلة القادمة، ستكون أكثر من مليون وربع المليون فلسطيني في المناطق المحتلة عام ،1948 وقد تستمر المتوالية إلى آخر جنين فلسطيني في رحم أمه كما قالت جولدمائير بالحرف الواحد .

 

عام 1967 كتب هركابي وهو أحد سادة الموساد أن لا حدود لأية دولة إلا حيث يقف الجندي ويتعب ويتكئ على بندقيته، وهذا التصور لمفهوم الحدود، يبيح الغزو بل يحوله إلى نمط سائد في تأسيس الدّول، لكن التاريخ لم يعبأ بهذا المنطق المعكوس حتى في أكثر مراحله انحطاطاً .

 

والمشروع الصهيوني بجغرافياه التوراتية المرنة لا يتوقف من تلقاء نفسه ولا يرتدع ذاتياً بل يُردع، وكرة النار الآن في طريقها إلى أن تتدحرج وقد يتعذر إطفاء ما ستفضي إليه .

========================

نظامان وانهياران

آخر تحديث:الأربعاء ,14/04/2010

ميشيل كيلو

الخليج

بعد انهيار النظام الاشتراكي السوفييتي في روسيا وبلدان أوروبا الشرقية، وانتصار الرأسمالية الأمريكية، التي لم تمر بحقبة نهضة أو تنوير، وافتقرت دوماً إلى أية نزعة إنسانية، وبعد الاحتفالات الأيديولوجية بنهاية التاريخ، التي أقامها مفكرون أمريكيون، واعتبروها نهاية الفلسفة والتأمل الفكري والتقدم الإنساني غير الرأسمالي، وكذلك نهاية شرعية أي تطلع بشري نحو العدالة والمساواة، انهار النظام الرأسمالي المنتصر، الذي وضعه أنصاره فوق التاريخ واعتبروه نظاماً سيلازم الإنسانية إلى الأبد، لخلوه من عوامل التحلل والتفكك وصموده أمام عيوبه وأخطائه ونواقصه، فهو نظام لا بديل له، لشد ما رتعت البشرية في نعيمه المقيم، ونعمت بخيراته وعدالته ومساواته وحرياته، واقتنعت أخيراً أنه ليس هناك عدالة غير رأسمالية، ومساواة لا تتفق مع مصالح رأس المال، وحرية ليست من ابتداعه أو إنجازاته، وأن مثالية الروح الرأسمالية هي التي أبدعت المعرفة والعلم والتقدم والرفاهية، من أجل الإنسان .

 

لم يعش هذا الخطاب طويلاً، فالرأسمالية التي قيل إنها أول وآخر النظم، واجهت فجأة أزمة هيكلية أطاحت بمزاعمها جميعها، وفي مقدمها الزعم بأن التاريخ لن يتخطاها لأنها نهايته . وقد بدأ كبار قادة الدول الرأسمالية يبحثون بيأس عن حلول لأزمة مالية كان يقال إلى ما قبل أشهر إنها علامة على حيوية وديناميكية الرأسمالية، فإذا هي الآن مصدر مشكلات هيكلية تتطلب إعادة نظر جذرية في أسس وركائز وآليات اشتغال النظام الرأسمالي برمته، بعد أن دخل في لحظة بدا معها وكأنه يندفع بقوة لا تقاوم نحو هاوية قاتلة، مذكراً بأجواء قاتمة كان قد واجهها في ثلاثينات القرن الماضي، أعلن بعدها أنها لن تتكرر وأن الرأسمالية لم تعد تنتج الأزمات، أو أن لديها من آليات الضبط والتحكم الذاتي ما يمكنها من أن تصحح من دون تدخل أي انزياح عن مسارها . بينما الدولة، التي كان ممنوعا عليها التدخل في عمل النظام الاقتصادي، لأنه يكون على خير ما يرام في ظل أقل قدر من تدخل الحكومة (الرئيس الأسبق رونالد ريغان)، انقلبت فجأة إلى منقذ بادر لشراء عجز وديون الشركات الكبرى، حوامل رأس المال، التي شرعت تتهاوى كبيوت من ورق . وبما أنها - الدولة - لم تملك مبالغ المال الخيالية، التي تطلبها إيقاف الشركات والمصارف على أرجلها، فإنها مدت يدها مرة أخرى إلى أموال الشعب، بالأصح إلى جيوبه، ضاربة عرض الحائط بحقيقة ساطعة، هي أن أحد أسباب الانهيار كمن في قلة ما في يد الشعب من أموال، وإلا لتمكن من تسديد أقساط المنازل والعقارات التي كان قد اشتراها من مصارف أفلست، لكنه أجبر على دفع ثمن فشلها وتكالب مديريها ومستشاريها على نهب جسدته مليارات الدولارات التي حصلوا عليها في صورة مكافآت قبضوها، حتى بعد أن تبين دورهم في سوق الاقتصاد إلى الهاوية .

 

ثمة نتائج محددة ترتبت على الأزمة، منها:

 

- أن العالم شهد لأول مرة في تاريخه، وفي مهلة زمنية قصيرة لا تتجاوز عشرين عامين، انهيارين كبيرين، أدى أحدهما إلى اختفاء المعسكر السوفييتي ونظامه “الاشتراكي”، وثانيهما إلى إفلاس الشكل التقليدي، الليبرالي وغير الحكومي، من الرأسمالية، مع ما نجم عنه من مآزق تستدعي تحولات هيكلية تطاول بنية نظامها ذاته، الذي يرجح العارفون أنه سيتخبط لفترة طويلة قبل أن يستقر على حال جديدة، ستنهض على ركائز ثلاث: أولها حكومة تدخل ذات صلاحيات مفتوحة، تحمي النظام من أخطائه، التي يجعلها قاتلة بكل معنى الكلمة حجم اقتصاده الوطني الهائل، وانتشار الرأسمالية العالمي وتشابك أطرافها الكونية، وثانيها رأسمالية مسيطر عليها، تم تقييد طابعها الفردي، الذي يتناقض تناقضاً جذرياً مع الطابع الجماعي للإنتاج والعمل، ولعب دوراً خطيراً في نشوء وانفجار أزمتها الراهنة، وأخيراً مستوى حياة مرتفع يوفر قدراً من السيولة والفوائض للقوى العاملة والشرائح والفئات الوسطى، عبر إعادة توزيع جديدة للدخل محكومة ببعد اجتماعي / تنموي لم يسبق للرأسمالية أن عرفته، يختلف اختلافاً جذرياً عن توزيع الدخل كما وقع في بداياتها، وأدى إلى حصولها على النصيب الأكبر من ثروة وطنها وعوائد عمل معظم أبناء شعبه . هنا، سيكون الأمر معكوساً، فلا ثراء بلا قيود، ولا فقر بلا اهتمام من الدولة والمجتمع، بل إعادة توزيع دخل أكثر عدلاً، تنقل جزءاً أكبر من الدخل الوطني إلى القوى العاملة، لتكون منتجة ومستهلكة ومدخرة أيضاً، فلا تثقب شبكة النظام من تحت، بسبب ضعف القدرة الشرائية وتدني دخل العاملين، ولا تسقط من ثقبها الشركات الرأسمالية الكبرى، فيقع النظام في أزمة هي الأشد منذ تشكله وظهوره .

 

- أن مركز الرأسمالية الأمريكي أصابه ضعف جلي، إنه سبّب الأزمة من جهة وعاجز عن حلها بمفرده من جهة أخرى . لا حاجة إلى حديث تفصيلي حول بروز الصين كقوة إنقاذ كونية ينتظرها دور كبير ومتعاظم الأهمية في تقرير شؤون الاقتصاد العالمي، وعن أهمية بلدان صغيرة ومتوسطة الحجم كالمملكة العربية السعودية بسبب ما تمتلكه من احتياطيات مالية تحتاج أمريكا إليها، كي تمول خروجها من الإفلاس وتوقف شركاتها على أقدامها ويستعيد اقتصادها قدرته على العمل . في المستقبل غير البعيد، سيكون هناك ظاهرة جديدة تجسدها تعددية قطبية اقتصادية داخل الرأسمالية، ستحد من أحادية القطبية السياسية، التي حاولت أمريكا فرضها على العالم بعد انهيار النظام السوفييتي . هذه ظاهرة ستكون لها نتائج هائلة الأهمية على العلاقات والسياسات الدولية، وعلى مواقع وأدوار قواها المقررة، ومن يتأمل المشهد بعد الأزمة سيجد أن أمريكا بدأت تسلم بدور جديد تمارسه الصين في العالم، إن لم يكن دور الشريك فهو دور المعين والمسعف، الذي لن يفتأ أن يصير شريكاً متنامي القوة والأهمية، ثم نداً لواشنطن، في أجل غير بعيد .

 

- أن العالم يمثل اليوم وحدة كونية متفاوتة التطور، ولكن لا مجال لفصم عراها . ظهر هذا بوضوح في سرعة انتقال الأزمة من أمريكا إلى العالم، وفي تحولها إلى أزمة عامة لم يفلح أي بلد في البقاء خارجها، بعد أن انتقلت من قطاع المال إلى بقية قطاعات الاقتصاد على نطاق كوكبي . تحمل العالم نتائج ثقيلة جداً لأزمة وقعت في دولة واحدة هي أمريكا، تحتل رقعة صغيرة من مساحته وتضم عدداً محدوداً من سكانه، وهو ليس مجبراً بعد اليوم على قبول تكرار ما حدث، ولا بد أن تكون له سلطة على القرار الاقتصادي والحياة السياسية الدولية، وأن يصير مشاركاً في تقريرهما ومسؤولاً عنهما .

 

بانهيار النظام المالي العالمي وأزمة الرأسمالية، التي قيل قبل سنوات إنها آخر كلمة للتاريخ الإنساني، يكون نظاما القرن العشرين كلاهما: الاشتراكي والرأسمالي قد واجها مشكلات تتعلق بصلاحيتهما لحل مشكلات البشرية في واقعها الراهن، ويكون من الضروري الوقوف مطولاً عند واقعة مهمة ترتبت على الأزمة الأخيرة، هي ضرورة تخطي نظام المعسكر الرأسمالي المتقدم، الذي يستأثر بالقسم الأكبر من خيرات البشرية، ويسبب دماراً رهيباً في البيئة، واستنزافاً قاتلاً في وجود وحياة مليارات الناس، ويبدد موارد ليست ملكه، وينشر قدراً من الاستغلال والبؤس لا يستثني أحداً من أبناء وبنات آدم، وحتمية الانتقال إلى نظام إنساني ما بعد رأسمالي مفرداته الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة كنظام سياسي، والعدالة الاجتماعية والمساواة والتقدم كخيار كوني .

 

من غير الجائز أن تنتظر البشرية الأزمة القادمة، كي تبدأ بتلمس النظام البديل، نظام الشراكة الإنسانية، لأنها قد لا تبقى بعد نشوب أزمة كهذه، ويرجح أن تهلك تحت وطأة الثمن الذي ستدفعه لتخليص الدول المتقدمة منها .

========================

الحرب المستمرة

الاربعاء, 14 أبريل 2010

عبدالله اسكندر

الحياة

التاريخ الرسمي لبدء الحرب الاهلية في لبنان هو 15 نيسان (ابريل) 1975. ومنذ 35 عاماً، تتوالى على البلد الصغير مراحل العنف والهدوء من دون ان يبدو في الافق ما يوحي بنهاية هذه الدوامة. واذا كان العنف الاهلي المعمم والواسع طبع الاعوام ال35 الماضية، فإنه لم يكن سابقاً، وربما منذ انشاء دولة لبنان الكبير، الا كامناً. وعلى رغم التسويات الموسمية التي انهت كلاً من مراحل هذا العنف الكامن، لم يخرج اللبنانيون من الدوامة ذاتها.

قد ترتبط ذروات هذا العنف بتغيرات اقليمية حادة، مثل الوحدة المصرية - السورية عام 1958، او هزيمة حزيران (يونيو) عام 1967 وما تلاها من صعود المقاومة المسلحة الفلسطينية التي اندحرت امام الجيش الاردني في 1970 لترتد على لبنان وتتحول «دولة ضمن دولة»، ولتبدأ نذر الحرب الاهلية في 1975. وصحيح ايضاً ان اقامة دولة اسرائيل على الحدود الجنوبية للبنان ارتدت على داخل هذا البلد، مثلها مثل المواجهات العربية - الاسرائيلية، انقساماً داخلياً وعنفاً.

كل هذه العوامل الاقليمية والخارجية لم تكن سوى محفز للعنف الداخلي الكامن داخل البلد. وإن حاولت القوى المتصارعة في المنطقة استثماره لمصلحتها، بتأجيجه تارة وتهدئته تارة اخرى. وباستثناء «الثورة البيضاء» في 1952، والتي شارك فيها سياسيون من كل الطوائف لمنع التجديد لرئيس الجمهورية آنذاك بشارة الخوري، افضت تسويات مراحل العنف اللاحق الى تعديلات في ميزان الحصص الطائفية في السلطة. ما يعني ان العنف كان ينبع دائماً من اعتراض على هذا التوزيع داخل النظام، ويأتي العامل الخارجي ليحفز على الانتقال الى الصدام الداخلي الذي لا ينتهي الا بتعديل جديد في هذا التوزيع. وحتى اتفاق الطائف في 1989 الذي اعتبر تسوية نهائية تضع البلاد في منأى عن العنف الاهلي، لم يمنع حصول عنف لاحق تمثل بعملية 7 ايار وضرورة اتفاق جديد سمي اتفاق الدوحة في 2008.

والتدقيق في هذه الاتفاقات التي فرضت بعد عنف داخلي حمل عناوين اقليمية تتصل اساساً بالنزاع مع اسرائيل، من حماية المقاومة ضد اسرائيل، التي تمثلت يوماً بفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في سبعينات القرن الماضي، الى حمايتها حالياً، ممثلة في «حزب الله» وسلاحه، يكشف ان بند الحماية يتراجع الى اهمية ادنى من توزيع الحصص السياسية للطوائف. ما يعني ان هذا الهاجس هو الكامن لدى المعترضين وحاملي السلاح. كان الاعتراض اسلامياً على حصة المسيحيين في السلطة، قبل اتفاق الطائف. ثم تحول الى اعتراض من الشيعة على حصة السُنة التي ازدادت في هذا الاتفاق. ثم جاء اتفاق الدوحة ليعطي الشيعة حصة اكبر في السلطة. وهذه الدوامة ستستمر مع كل تطور اجتماعي داخلي يتيح لطرف ان يعترض لتحسين حصته.

في هذا المعنى، يرتبط استمرار الحروب اللبنانية المعلنة او الكامنة بالتعددية الطائفية. او بالاحرى بالعجز عن فك ارتباط النظام بهذه التعددية الطائفية. وليس كل من التسويات التي تم التوصل اليها الا عاملاً لتغذية الحرب الكامنة، لأن طرفاً فيها سيشعر بظلم المرحلة التي فرضت عليه تقديم التنازل، وسيكمن استعداداً لجولة مقبلة تتطابق ظروفها الداخلية مع تطور اقليمي.

واليوم، ومع كل الاتفاقات والتسويات ورئيس الجمهورية التوافقي وحكومة الوحدة الوطنية، تتكرر في الجدل حول استحقاق الانتخابات البلدية والاستعدادت لها هواجس الحصص الطائفية وصورة الطائفة الموحدة وراء الزعامة المتمسكة بتوسيع حصتها.

========================

التنمية بلا حريات وطبقة وسطى كالنحت في فراغ

الاربعاء, 14 أبريل 2010

شفيق ناظم الغبرا *

الحياة

ما زالت السياسة في البلاد العربية، على رغم انتخابات العراق وعودة البرادعي الى مصر وبعض الأجواء الديموقراطية الإيجابية في بعض المواقع العربية مثل الكويت ولبنان، حكراً على فئة مسيطرة أو فرد قائد. بمعنى آخر ما زلنا في البلاد العربية في مرحلة ما قبل الثورة الديموقراطية. السياسة حتى الآن عند العرب هي سياسة سيطرة من الأعلى. وفي هذا النمط من السيطرة أوهام حول القوة والثبات، لكنها في الجوهر مليئة بالتناقضات والهشاشة. لقد سيطر في البلاد العربية حكم الاستخبارات قبل حكم المعلومات والعلم، وحكم القوة قبل حكم الحكمة، وحكم العائلات وفروعها والقبائل قبل حكم المؤسسة والدولة بصفتها مساحة الجميع، وسيطر أيضاً حكم التفسير الأصولي قبل التفسير المجدد والمتنور. حتى اللحظة يعيش العالم العربي مأزق السياسة وكيفية التعامل مع الدولة.

لكن مشكلة التحول الى الديموقراطية مرتبطة حتى الآن بضعف الطبقة الوسطى العربية. فغياب هذه الفئة الأساسية للتقدم هو أحد أهم مسببات تراجع العالم العربي عن مشروع التحديث والتنمية الذي بدأ في النصف الأول من القرن العشرين. بلا طبقة وسطى مستقلة فاعلة اقتصادياً وغير معتمدة على الدولة لن يكون هناك نجاح في التقدم والحريات والتنمية في البلاد العربية، بل ستسير الدول العربية حتماً نحو حالة من الفشل والفوضى.

وتؤكد لنا تجربة الغرب وتجارب مجتمعات أخرى غير غربية أن الحقوق والحريات والديموقراطية تتطلب طبقة وسطى مستقلة. فمن خلال نمو الطبقة الوسطى نجحت التجارب العالمية في تحديد الفساد وفصله عن احتكار السلطة، ونجحت في الوقت نفسه في عملية التوسع في الحريات والحقوق وتحديد صلاحيات الطبقة الحاكمة. إن سعي الطبقة الوسطى في التجارب العالمية لحماية استثماراتها ومستقبل انتمائها للأوطان التي نشأت فيها جعلها تسعى الى ضمانات لحرية الرأي والمعرفة والانتقال والتجارة ووضوح الإدارة والشفافية وتداول السلطة. هذه التطورات هي المسؤولة في المجتمعات العالمية عن التجديد والنمو والتنمية والإدارة الحديثة والمستقبل الواعد والجامعات المتقدمة والمرافق العلمية والطبية والبحثية.

في الحالة العربية ارتبطت التنمية حتى الان بوجود الكثير من التلاصق بين الذين يقودون الدولة وبين الذين يسيطرون على الاقتصاد، وفي هذا إفساد للتنمية وإدخال لها في طريق مسدود لا يختلف عن ذلك الذي دخل فيه الاتحاد السوفياتي قبل سقوطه المفاجئ. إن أصحاب السلطة في الدول العربية هم شركاء في الاقتصاد، بل يصعب على الكثير من الشركات والاستثمارات العمل في الكثير من الدول العربية بلا شريك «متنفذ» يكون أحد أركان السلطة والحكم. إن القول السياسي الشهير «إن السلطة المطلقة تتحول الى مفسدة مطلقة» فيه الكثير من الصحة. فكلما ازدادت الصلاحيات لدى الفئات الحاكمة كلما ازدادت نسب الفساد وانتشرت، وهذا بدوره يحد من نمو طبقة وسطى مؤثرة مستقلة وافرة العدد قوية البنية، تحترم ذاتها وتكون قادرة على القيام بأعباء التنمية وحماية الاستقرار البعيد الأمد.

كانت أولى الضربات الموجهة للطبقة العربية الوسطى الصاعدة في الخمسينات والستينات من القرن العشرين عندما انتشرت سياسة التأميم في معظم الدول العربية. كما وجهت لهذه الطبقة الوسطى ضربة قاسية عندما حولتها الدولة الى طبقة تعتمد على الدولة وعقودها مما حد من نموها المستقل. بل يمكن القول إن النفط تحول في الدول النفطية الى أحد أكبر العوامل التي تحد من نمو هذه الطبقة، وذلك من خلال سيطرة الدول على الإنتاج والثروات مما حول المجتمع الى موقع استهلاك لا إنتاج وموقع اعتماد لا استقلالية. وقد أنتجت هذه السيطرة الحكومية ضعفاً عربياً واضحاً في كافة مجالات العلم والإنتاج والمؤسسات. ولم يكن بروز مفكرين كبار مثل طه حسين وعباس محمود العقاد ونجيب محفوظ، ومغنين ومغنيات مثل عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وملحنين مثل عبدالوهاب وعشرات غيرهم في ذلك الزمن السابق سوى تعبير عن نمو الطبقات الوسطى المستقلة ومطالبها. لكن تلك التجارب لم تصمد أمام سطوة الدولة.

وقد زاد من صعوبة نمو طبقات وسطى عربية أن الدولة في البلاد العربية بقيت أسيرة العلاقة المبهمة والصعبة بين الدولة والأسرة المسيطرة. لا توجد دولة عربية واحدة بما فيها الدول ذات الأنظمة الجمهورية إلا والعلاقة بين الأسرة والدولة في التصاق كما يلتصق طفل بأمه. وبينما يمكن القول أن هذا الالتصاق كان في السابق أصل نشوء جميع الدول وانه لا ضرر من وجوده في مرحلة، لكن الدول العربية تأخرت في عملية الفصل وذلك بسبب غياب التنمية السياسية وحالة إضعاف الطبقة الوسطى. لقد فصلت الدول الغربية ومعظم دول العالم بين الأسرة والدولة (لا يشترط أن يكون فصلاً تعسفياً كما يؤكد النموذج البريطاني)، وهذا سمح لتطور الدولة في العالم بصفتها حامية البلاد والوعاء الأساسي للتنمية والمستقبل. لكن في البلاد العربية أدى غياب هذا الفصل الى ضعف كبير في الحالة الوطنية وتفتت المجتمعات الى فئات وقبائل وطوائف.

ويترتب على ضعف الفصل بين القبيلة أو العائلة والدولة ضعف التزام النخب الحاكمة بحكم القانون ومساواة جميع المواطنين أمامه. وبينما يطبق القانون على معظم المواطنين إلا أن المقربين وبعض أهم الشخصيات المسؤولة يستثنون من الكثير من القوانين. أما في الغرب فهناك قناعة واسعة النطاق بأن القانون ينطبق على كل الأفراد من رئيس الدولة الى أعضاء الحكومة وبقية أفراد الشعب. وقد شاهدنا ما حل بكل من الرئيس نيكسون ثم كلينتون من خلال تجاوز القانون. فهل يقع شيء مثل هذا في دولة عربية؟

وأمام ضعف دولة القانون يتبلور ضعف آخر: عدم القدرة على مساءلة الدولة عن أعمالها. الحكومات في الدول العربية لا تحاسب على الكوارث التي تصنعها بحق شعوبها، فواجب المجتمع مدح الدولة في السراء والضراء. عدم المساءلة أدى الى دولة لا تعتمد على رأي الشعب فيها.

ونظراً لضعف الدولة في المجتمعات العربية وعدم انطلاقها من شرعية انتخابية تقررها صناديق الاقتراع أولاً، فقد وجدت في الدين وأسلمة بعض أو الكثير من القوانين وسيلة لتقوية شرعيتها وإعطائها عمراً جديداً. لكن الكثير من هذه التوجهات في العديد من الدول العربية تحول الى عبث سياسي واجتماعي يحولها رويداً رويداً الى دول دينية تقتلع التنوع وتقمع الرأي الآخر وتحد من حقوق المرأة والطوائف والديانات الأخرى في المجتمع بينما تضرب الطبقات الوسطى صانعة التقدم. وهذا يصب بصورة مباشرة في إضعاف الدول العربية وتفجرها القبلي والطائفي والديني في المدى المتوسط.

عصر الإصلاح سوف يبرز من هذه الظروف الصعبة. لكن مراحل التحول الإصلاحي والديموقراطي لن تكون ممكنة بلا مجتمعات عربية تحمل رؤى متنوعة وطبقات وسطى وقطاعات مثقفة صاعدة وفاعلة مؤمنة بمستقبل أوطانها. الأساس الذي نحتاجه في هذه المرحلة هو فتح المساحة للجميع: للإسلاميين ولغير الإسلاميين، للمتدينين ولغير المتدينين، وفتح المجال للكلمة المضادة ولآراء المعارضة، وفتح الباب لعودة المعارضين من الخارج بعد أن أغلقت الأبواب عليهم في الداخل. يجب أن يتم هذا في ظل إقرار قوانين متقدمة وحريات مكفولة وحيادية واضحة من قبل الدولة تشجع أساساً على نمو الطبقات الوسطى. هذا هو الطريق الوحيد لبناء أوطان مستقرة ولمنع سقوط الدول العربية في دوامة التفكك.

وقد يسيء البعض استخدام الحرية، وهذه حجة تستخدمها السلطات في البلاد العربية لمصادرة الحرية. لكن توفر الحرية يطور المجتمع برمته. فهل نمنع الهواء لأن أحداً أساء استخدامه؟ إن منع شيء لأنه يُستخدم بصورة سلبية من قبل أقلية صغيرة يساوي منع السيارات لأن البعض يسبب الحوادث لألوف الناس.

إن الإصلاح القادم يجب أن يأتي بصورة مبادرات من قادة الدول العربية. فهذا أفضل أنواع الإصلاح لأنه يأتي من القمة ويساهم في تغير هادئ وسلمي. وقد حصل هذا النوع من الإصلاح في كل من اسبانيا والبرازيل في السابق. لكن في ظل غياب هذا النوع من الإصلاح أو عدم القدرة على تحقيقه سوف تكون هناك مرحلة من التذمر والعنف في الشارع قد تؤدي لتحديات تأتي من المعارضة. وهذا يفتح المجال لأكثر من احتمال. قد يقود هذا الى الاتفاق مع المعارضة على تداول السلطة كما حصل في جنوب أفريقيا وبولندا. وإن لم يقع هذا سيكون هناك عنف واضطرابات كما حصل في كوريا. وربما تقع ثورات شاملة كما حصل في تشيكوسلوفاكيا والبرتغال. ولو لم يقع أي من هذا ستنهار الدول وينفرط عقدها كما رأينا في يوغوسلافيا وفي الصومال حيث سيطرت الحرب الأهلية لسنوات. هذه أحداث ليست بعيدة عن العالم العربي في العقد المقبل والذي يليه. أمامنا سنوات قاسية يجب التعامل معها بروح قيادية لتخفيف حدتها وآثارها على بلادنا.

إن طرق الإصلاح متشعبة كما أوضحنا ووسائله مختلفة منها السلمي ومنها العنيف. لكن يجب أن نحاول تفادي العنف والثورات لأنها مؤلمة ونتائجها سلبية على المجتمع كما حصل في جميع الثورات التي عرفها التاريخ بما فيها الثورة الإيرانية والفرنسية والصينية. لكن في الوقت نفسه يجب علينا تفادي الجمود لأنه يوصلنا الى الدول الساقطة والفوضى والعنف الأعمى. من هنا تنبع أهمية الإصلاح السياسي الذي يتطلب قادة لديهم شجاعة ويحملون رؤية لمجتمعاتهم و بلادهم.

ولنتذكر أن هناك جيلاً عربياً يتشكل في ظل التكنولوجيا الجديدة وفي ظل الانترنت و «اليوتيوب» و «الفيس بوك» و «التويتر» والإعلام الجديد، وهو الجيل نفسه الذي يكتشف أن وطنه قد صودر منه لمصلحة فئات صغيرة تحتكره، بل يكتشف الجيل الجديد انه يفتقد المكان ويفتقد المستقبل والعمل بسبب هذا الاحتكار. الجيل الصاعد متفاعل ولا يمكن صعقه بأنظمة مركزية وطرق قيادة تقليدية وأساليب عمل تحتكر السياسة والسلطة. هذا الجيل هو الغالبية السكانية وهو جيل التغير ووسيلته الإصلاح لكنه قابل للاشتعال والعنف كما نلاحظ من إرهاصات الإرهاب المنتشرة في بعض الدول العربية.

إن ضبط وقيعة التغيير وإيصاله الى بر الأمان يتطلبان مبادرات جادة من القادة العرب، وتنشيطاً للطبقات الوسطى العربية وفتح مساحة الحرية وتنمية جادة للمشاريع الصغيرة المعتمدة على الشباب، وقوانين إصلاحية، وتأكيداً على مدنية الدولة وعدم استخدامها للدين في الشأن السياسي، وإحقاقاً لدولة القانون التي تتم مساءلتها من قبل شعبها وصولاً الى ديموقراطية فيها تداول للسلطة. إن فشل مشروع الإصلاح بإمكانه أن يحول الجيل الصاعد نحو التطرف المطلق بل والأفغنة بكل معانيها.

* أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت.

========================

جدية البحث عن الأمن النووي!!

الافتتاحية

الأربعاء 14-4-2010م

بقلم : رئيس التحرير - أسعد عبود

الثورة

موضوعياً وحتى اليوم تبدو نيات الرئيس الأميركي باراك أوباما طيبة.. وهو بالتأكيد وحتى اليوم يواجه ما تواجهه النيات الطيبة في العالم إن افتقدت القوة، أول خطوة للقوة هي الجدية.. التي أول عناصرها تقدير حجم وأهمية ما تواجهه.

الرؤساء الأميركيون عموماً يتمتعون بصلاحيات كبيرة.. إنه النظام الرئاسي.. والرئيس هو الخيار الأوضح والأعلى للشعب الأميركي.. وبالتالي هو أقوى من الكونغرس وغيره..‏

لكنه غير مطلق الصلاحية.. ولا يواجه الكونغرس فقط.. بل يواجه قوى ضغط متعددة متشعبة فاعلة، لا يشكل الكونغرس إلا إحدى أدواتها.‏

النيات الطيبة لدى الرئيس أوباما بدءاً من منع انتشار السلاح النووي في العالم مروراً بقانون الخدمات الصحية في الولايات المتحدة وليس انتهاء بموقفه من قضية سلام الشرق الأوسط تبدو إلى حدٍ كبير مرتبكة وقابعة، حيث هي نيات وفقط.. إنه تأثير قوى الضغط.‏

لقد كسب معركة القانون الصحي.. على المبدأ الذي كسب به انتخابات الرئاسة.. على أساس أنه رجل نيات طيبة.. يتجه إلى خدمة الشعب الأميركي.‏

وبالتالي هو تحدى قوى الضغط داخل الولايات المتحدة برصيده الشعبي.‏

هذا الرصيد لا يخدمه بالمستوى نفسه في سياسته الخارجية.. هذه طبيعة الشعب الأميركي يهتم بشؤونه الداخلية ونسبته الغالبة لا يتأثر بالمواقف الخارجية، ويترك أموره يقودها الإعلام.. هنا تبدو قوى الضغط أشد، وكثيراً ما تضعه في الإحراج.‏

أهم الضغوط التي تتعرض لها النيات الطيبة لدى الرئيس الأميركي في سياسته الخارجية تأتي من القوى المؤيدة للصهيونية وإسرائيل، والفاعلة ولا سيما في الإعلام.‏

المسألة لا تقف عند حدود توجهه لسلام الشرق الأوسط حيث الإحراج الإسرائيلي له في قمته، بل تتعدى ذلك إلى العالم كله.. بما في ذلك التنسيق السياسي والعسكري بين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي كأكبر قوتين عسكريتين في العالم وفي التاريخ..‏

كل ما له علاقة بخفض التوترات في العالم, والتراجع عن التسليح، ومنع انتشار أدوات الدمار الشامل، والمساواة أمام القانون والاتفاقات الدولية.. يخيف إسرائيل إلى درجة الرعب.‏

ولذلك هي ضد كل ضبط أو تخفيض للانتشار النووي بدءاً من ستارت 2 وانتهاء بقمة واشنطن.‏

قمة واشنطن مهمة.. إن أعطيت لها الجدية التي تستحقها.‏

يعني تخصيص مثل هذه القمة غير المسبوقة بضمانات لعدم وقوع السلاح النووي بأيدي مجموعات إرهابية هو إحراج للجدية.. بل.. لا جدية.‏

ويعني أيضاً أن يكون المؤتمر بخصوصية رؤية بمنظارين لدول العالم المتعاملة بالإنتاج النووي.. هو أيضاً لا جدية.‏

العالم يحتاج إلى مؤتمر جدي يطرح الأمور من زواياها الصحيحة والدقيقة.. ولا يحتاج إلى مؤتمر انتقائي يعمل على أساس التصنيف السياسي الأميركي لدول العالم.‏

لا شك أننا نرفض كلية أي سلاح بأيد إرهابية.. نووياً أو غير نووي حتى السلاح الأبيض لأننا ضد الإرهاب بكل أشكاله ومكوناته وأساليبه.‏

ونحن بالتأكيد مع الأمن النووي، هذه مصلحتنا ومصالح بلداننا وشعوبنا ولسنا بمغامرين ومضحين بذلك كله.‏

جدية المؤتمر التي ننتظرها تبدأ من وحدة الرؤية للسلاح النووي وانتشاره ومخاطره.. وإلا بقينا نقاتل بالنيات الطيبة التي يحولها افتقاد الجدية إلى الانعدام أو إلى النيات غير الطيبة.‏

الرئيس أوباما وأميركا والمؤتمرون هناك يعلمون جيداً أن الأمن النووي العالمي يواجه أولاً وقبل كل شيء الموقف والسلاح النووي الإسرائيلي.‏

هذه حقيقة لا يجهلها أحد.. جاهر بها الزعيم التركي الكبير رجب طيب أردوغان.. أم تجاهلها الأشقاء العرب.‏

========================

خطر طرد

("هآرتس افتتاحية" - 12/4/2010)

المستقبل - الاربعاء 14 نيسان 2010

العدد 3623 - رأي و فكر - صفحة 19

الأمر العسكري الجديد الذي سيدخل سريانه حيز التنفيذ هذا الاسبوع، يسمح بطرد عشرات الاف الفلسطينيين من الضفة الغربية، وحتى أنه يسمح بتقديمهم الى المحاكمة بتهمة ارتكاب مخالفات تسلل التي تحمل عقوبات كبيرة بالسجن. وقّع على الامر، الذي نشرت صحيفة هآرتس مسألة وجوده أمس، اللواء غادي شماني بحكم منصبه السابق كقائد لقوات الجيش الاسرائيلي في الضفة الغربية.

وبسبب لغته الضبابية، سيكون ممكنا استغلال الامر العسكري من أجل طرد عشرات الاف الفلسطينيين عن الضفة، استنادا إلى تعسف القادة العسكريين ووفقا للاوامر العسكرية والتي ظروف اتخاذها غير واضحة. المرشحون الاوائل للطرد سيكونون من تحمل هوياتهم عنوان لسكنهم في غزة، بما في ذلك اطفالهم الذي ولدوا في الضفة ومن يسكنون في الضفة وفقدوا لاسباب مختلفة مكانة الاقامة.

يتعلق الأمر بتطور جسيم وخطير لم نشهد له مثيلا خلال فترة الاحتلال الاسرائيلي في المناطق الفلسطينية. فعلى مدى السنين شددت اسرائيل قبضتها في تسجيل السكان الفلسطينيين في ظل الدوس على حقوق الانسان الاساسية مثل الحق في تغيير مكان السكن في المناطق الخاضعة للاحتلال. وعلق فلسطينيون كثيرون بسبب ذلك في واقع صعب انقطعوا فيه عن مكان سكنهم السابق دون أن يتمكنوا من العودة اليه او تسجيل عنوانهم الجديد.

إن حق الفلسطينيين بالعيش في كل مكان يرغبون فيه في الضفة وفي قطاع غزة هو شرط الحد الأدنى لتعريف حقوق الانسان. اسرائيل، التي تمنعهم، وعن حق، من العودة الى الاماكن التي عاشوا فيها قبل 1948، ولا تعرض عليهم تعويضا ملائما على املاكهم (في ظل سماحها لليهود باسترداد املاكهم من تلك الفترة، مثلما يحصل في الشيخ جراح) لا يمكنها أن تطردهم ايضا من الضفة الغربية بحجج بيروقراطية مشكوك فيها.

إن من شأن تطبيق الامر العسكري الجديد ليس فقط ان يشعل نارا جديدة في المناطق الفلسطينية بالضفة الغربية، بل من شأنه أن يوفر للعالم دليلا راسخا على أن هدف اسرائيل هو الطرد الجماعي للفلسطينيين من الضفة الغربية. وبينما يمكن لكل يهودي ان يسكن اينما يريد في اسرائيل او في مناطق الضفة، تسعى اسرائيل الى منع الفلسطينيين حتى من الحق الادنى للسكن في الضفة وفي قطاع غزة حسب اختيارهم. يتعين على رئيس الحكومة ووزير الدفاع ان يسحبا فورا الامر العسكري، قبل لحظة من أن يشعر الجيش الاسرائيلي بأنه يملك حرية البدء عملية الطرد.

===========================

الإرهاب النووي والترهيب النووي

عثمان ميرغني

الشرق الاوسط

4/14/2010

لا يمكن لعاقل أن يختلف مع الطرح القائل بأن واحدا من أكبر المخاطر التي يمكن أن يواجهها العالم هي وقوع سلاح نووي في أيدي جماعة إرهابية أو منظمة إجرامية، وهو الموضوع المحوري الذي ركز عليه مؤتمر الأمن النووي في ضيافة الرئيس الأميركي باراك أوباما. ولكن في الوقت ذاته لا يمكن لأحد أن يجادل بأنه يمكن اختزال الأمن النووي في قضية الإرهاب وحده، لأن في ذلك تبسيطا شديدا للأمور. فقضية الأمن النووي أوسع من ذلك بكثير، وما دام هناك سلاح نووي موجود، بغض النظر عمن يملكه، فإن الخطر النووي يبدو قائما ومحدقا بالعالم، والتاريخ شاهد على ذلك.

ألم تكن أميركا هي الدولة الوحيدة حتى الآن التي استخدمت السلاح النووي، وهي دولة ديمقراطية ليبرالية؟ بمعنى أن الخطر النووي لا يرتبط بأن تكون الدولة المالكة للسلاح النووي ديمقراطية أو ديكتاتورية، إذ إن الاتحاد السوفياتي السابق كان يمتلك أضخم ترسانة نووية، ولم يكن نظامه ديمقراطيا، ومع ذلك فإنه لم يستخدم السلاح النووي إلا للترهيب فقط. كما أن الصين الشيوعية والهند الديمقراطية لم تستخدما السلاح النووي.

كذلك فإن هذا السلاح لا يصبح خطرا لمجرد أن دولة إسلامية تملكه، فباكستان دولة إسلامية تقلبت بين الديكتاتورية والديمقراطية، ومع ذلك فإنها لم تستخدم سلاحها النووي. والخطر بالنسبة لسلاح باكستان النووي ليس في كون الدولة إسلامية بل لأن نظامها هش، وهناك خطر عليها من جماعات أصولية متعصبة تتحدى السلطة المركزية مثل طالبان.

صحيح أن المنظمات الإرهابية تشكل خطرا أكبر وحقيقيا لأنها لا تعمل وفق قواعد تلتزم بها الدول، ولديها قابلية لاستخدام كل أنواع الأسلحة بلا ضابط أو رادع. فتنظيم القاعدة في هجمات سبتمبر استخدم الطائرات المدنية المخطوفة كصواريخ، بقصد إثارة الرعب وإيقاع أكبر عدد من الضحايا. كما أن التنظيم استخدم في عملياته الإرهابية في السعودية وباكستان الأطفال والنساء للتخفي، وفي العراق وأفغانستان كقنابل بشرية. وليس سرا أن التنظيم سعى لاستخدام قنبلة قذرة مشعة، ولن يتوانى عن تملك أو استخدام قنبلة نووية لو وجد الفرصة.

من هنا، فإن وضع وتنفيذ سياسات لمنع وصول مواد نووية مثل اليورانيوم أو البلوتونيوم إلى أيدي الجماعات الإرهابية أو شبكات الجريمة المنظمة، يعتبر أمرا مطلوبا وملحا، خصوصا أن العالم شهد حركة تهريب لمواد مشعة قامت بها شبكات إجرامية عقب انهيار الاتحاد السوفياتي السابق. وقد رأينا بالفعل دولا تقوم طواعية بتسليم مخلفات أسلحة نووية لتدميرها، أو بقايا مواد مشعة لحفظها في دول أخرى تملك وسائل آمنة لحفظها أو التخلص منها. لكن كل هذا لا يمثل سوى خطوة واحدة في مشوار «الأمن النووي» المطلوب للعالم كله وليس لجزء منه. فلكي يكون هناك «أمن نووي» لا يمكن التعامل مع الأمر فقط من منظور الإرهاب، بل لا بد من رؤيته أيضا من منظور الترهيب (الدول التي تملك سلاحا نوويا لترهيب الآخرين) لكي لا تجد دول أخرى المبرر لتملك هذا السلاح في إطار ما يسمى بتوازن الرعب. فالدعوة مثلا إلى شرق أوسط خال من الأسلحة النووية لا تبدو مقنعة في ظل وجود ترسانة نووية إسرائيلية، والتركيز على إيران مع تجاهل إسرائيل يثير أسئلة لا يمكن تجاوزها، وصعوبات أمام محاولات العقلاء الذين يريدون إبقاء المنطقة المضطربة أصلا بعيدا عن مخاطر سباق نووي.

شعار «الأمن النووي» جذاب وأخلاقي، لكن لتحقيقه لا بد من خطوات أخرى جادة لنزع السلاح النووي من أيدي كل من يملكونه، لأنه ما دام هناك ترسانات نووية موجودة، فسيبقى الخطر ماثلا حتى ولو بسبب حوادث في منشأة نووية مثلما حدث في تشرنوبيل، إن لم يكن نتيجة استخدام عسكري على غرار هيروشيما وناغازاكي.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ