ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 29/04/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


شهادة انتماء لحلم إنساني()

المستقبل - الاربعاء 28 نيسان 2010

العدد 3637 - رأي و فكر - صفحة 19

أنور مغيث

في ما يشبه البشارة في قلب الاحباط العربي السائد، جاء كتاب الأستاذ كريم مروة "نحو نهضة جديدة لليسار في العالم العربي". العنوان يطرح الأمل ويتضمن الحدس بأن الطريق طويل، ولكنه يوحى في نفس الوقت ببدء الخطوات الأولى. والعنوان يحتضن الهمّ العربي من المحيط إلى الخليج. ويبدو هذا الإلمام للواقع العربي أمراً بديهياً لا تحتاج مشروعيته إلى تبرير، فقد بدأ اليسار في فكرنا المعاصر عربياً في منطلقاته وفي آليات عمله وفي ما نتج عنه من آثار. وهكذا أيضاً عليه أن يعاود المسير. وقد جاءت أيقونة الغلاف الزخرفية لتؤكد هذا البعد العربي، كما ترسل رسالة ضمنية تحمل معاني التنوع والاختلاف الذي يشكل لوحة كلية يجمعها الاتساق والانسجام.

أفاق نظرية:

يبدأ كريم مروة تأملاته بإعلان شهادة انتماء لحلم البشرية. ويصيغ هذا الحلم في موكب من المصطلحات الكبرى هي الحرية والتقدم والعدالة الاجتماعية. وتبدو هذه القيم هنا وكأنها مترادفة أو تستدعي إحداها الأخرى. ولكننا في الحقيقة هنا أمام إشكاليات أكثر منها أحلاماً. إذ يوجد في الفلسفة السياسية تعارضاً بين الحرية والعدالة الاجتماعية، فإما أن تفتح الباب للحرية فيزداد التفاوت، وإما أن تفرض العدالة الاجتماعية فتضع قيوداً على الحرية. لا أعني هنا أن علينا أن نختار اختياراً استبعادياً بمعنى أن نكتفي بواحدة من القيمتين، ولكن أن نعترف بالتوتر القائم بينهما وأن نضع العلاقة بينهما موضوع مراجعة دائم طبقاً لتطور حاجات البشر وتطلعاتهم.

أما مفهوم التقدم فلقد خضع هو الآخر لمراجعات كثيرة في ثنايا فلسفة التاريخ، وثار جدل بشأن مضمونه إن كان تكنولوجيا أو أخلاقياً، وحول استخدامه لتبرير هيمنة الأكثر تقدماً على المتخلف. كما أن به بعداً صوفياً لأنه يقوم على الإيمان، ويغلق الآفاق المحتملة المفتوحة أمام التاريخ، ولنذكر في هذا الصدد تعبير ماركس: "إما الاشتراكية وإما الهمجية"، فليس أمامنا إذاً أي ضمان مسبق.

وتنطلق تأملات كريم مروة من ضرورة استخلاص الدروس من ثورات التمرد ضد القهر والاستغلال عبر التاريخ. ولكن التجربة السوفيتية تحتل موقعاً متميزاً ليس فقط لقربها التاريخي من حالنا الآن ولكن أيضاً لأننا ننتمي إليها بمعنى من المعاني. وهنا يمكننا أن نلاحظ نوعاً من الحرج في التعامل النقدي مع التجربة اللينينية في ثنايا الكتاب. فهناك تراوح بين اعتبارها تجربة اشتراكية وبين اعتبارها عملية بناء لرأسمالية الدولة. صحيح أن الكتاب بيّن لنا أن رأسمالية الدولة كانت استجابة جدلية لقراءة بارعة قام بها لينين للظروف الموضوعية التي واجهها، ولكن لماذا نصرّ إذاً على اعتبارها تجربة اشتراكية وهو الأمر الذي أدى بعد ذلك إلى فرضها على أنها الاشتراكية الوحيدة الممكنة، وتم تهميش نقادها من الماركسيين مثل كارل كورش واليسار الهولندي وغيرهم؟ ونحن لا نذكرهم هنا لنقول إنهم كانوا على حق، ولكن فقط لنقول إن تعاملنا مع أفكارهم كان من شأنه أن يشجع روح النقد بدلاً من روح التحيز التى سادت زمنا طويلاً.

ولا شك أن كريم مروة من موقعه "المستقل" قد ملأ كتابه بهذه الروح النقدية الفعالة. فهو رغم تقديره للدور التاريخي لكارل ماركس في تقدم الوعي البشري بأشكال اغتراب الانسان، يدعونا إلى هجرة بعض أفكاره التي ربما لم تعد ملائمة: وأولها فكرة العنف الذي أصبح غير مجدٍ. ورغم وجاهة مراجعة هذه الفكرة إلا أن ذلك قد يعصف بفكرة المقاومة. فقد يتسرب إلى قارئ الكتاب أن بناء الدولة الحديثة أو دولة القانون هو في مصلحة الجميع وسوف يلقى كل عون. ولكن من البديهي أن لهذا المشروع أعداء مما يستدعي ابتكار أشكال من المقاومة لمواجهة أعداء الداخل والخارج لهذا التطلع المشترك بين قوى عديدة في المجتمع.

كما تعرضت فكرة الثورة أيضاً لمعول المراجعة. وبالطبع فإن فكرة الثورة لو تصورناها حدثاً سياسياً نقرأ عن وقوعه في عناوين صحف الصباح فإنها تكون أمراً يصعب تحقيقه الآن، وإن تحقق فإنه قد يكون انتصاراً عابراً. ولكن الثورة، باعتبارها مشروعا طويلا يقوم على إتاحة الفرص أمام مبادرات الأفراد والجماعات لممارسة حياة سياسية واقتصادية واجتماعية تساهم في حصار النمط الرأسمالي السائد، تظل أمراً مطروحاً كمهمة على عاتق البشر. ولقد أشار جيل ديلوز إلى أن التغيرات الكبرى على مستوى الكتلة ربما لا تعني شيئاً في حياة الأفراد اليومية ولكن التغيرات على المستوى الذريهي التي في النهاية تطرح التغيير الكبير الحاسم. فتحويل نظام سياسي من ملكية إلى جمهورية قد لا يشعر تجاهه مواطن بسيط بأي تغيير، ولكن إقامة مدرسة للبنات في قرية من القرى قد يكون له أثر تاريخي أعمق. ولهذا فالجهود البسيطة غير المحسوسة للافراد والجماعات تلعب في النهاية دورا كبيرا وأظن أن هامش تأثيره يتسع مع مرور الزمن.

ويسكن الكتاب توتر دائم بين ماهو وطني وماهو عالمي، فيدعو المؤلف إلى التمسك بالدولة الوطنية وضرورة دعمها في مواجهة زحف رأس المال المعولم، ولكنه في الوقت نفسه يشير الى احتمال يبدو مطروحاً وهو الاتجاه إلى حكومة عالمية. ولقد نبّه برتراند رسل إلى أن كل مجتمع من المجتمعات قبل ظهور الدولة كان يعيش في حالة حرب أهلية دائمة حتى تأتي مجموعة تمتلك أسباب القوة والنفوذ وتقوم بتشكيل الدولة التي تعبر عن مصالحها وتفرض القانون بالقوة على الجميع فتضمن الأمن والسلام الاجتماعي، ثم تبدأ بعد ذلك المسيرة الطويلة التي يقوم بها المحكومون لانتزاع الحقوق. فالدولة تبدأ دائماً استبدادية ثم تتجه شيئاً فشيئاً إلى الديموقراطية.

إن النصوص التي أوردها كريم مروة في الجزء الثاني من الكتاب بالغة الدلالة وتفتح الطريق لاختيارات شتى ولكنها تنتمي في معظمها لعصر يختلف كثيرا عن عصرنا. وأعتقد أن علينا أن نتفاعل بشكل أكبر مع نصوص يسارية حديثة تطرح علينا مهام ملائمة لعصرنا الحالي.

في مهام اليسار العربي

يطرح كريم مروة على اليسار العربي مهمة استكمال مشروع النهضة، بل ويوجه نقداً ثاقباً حين يرى أن الممارسة العملية لليسار فيما سبق قد وضعت عوائق في وجه هذا المشروع. ويمكن التدليل على صلاحية نقده هذا بكثير من الأمثلة، وسأكتفي بأن أذكر مثلين. لقد وعى المفكرون الليبراليون العرب الأوائل بضرورة تحرير المرأة، وواجهوا في سبيل ذلك عنتاً شديداً لكنهم صمدوا بصلابة في وجه هذه الرياح العاتية. ويتجلى ذلك في جذرية ما رفعوه من شعارات. فأحمد لطفي السيد يكتب على صفحات الجريدة: "علينا أن نحرر أمهاتنا قبل أن نحرر أوطاننا". ويؤكد على مركزية قضية تحرير المرأة فيقول "حرية المرأة هي الأمارة الوحيدة على حرية الأمة". وكذلك وضع محمد حسين هيكل وطه حسين على صدر صحيفة السفور التى أسساها عام 1914 شعار "ليس الحجاب مفروضاً على المرأة وحدها ولكن على الأمة بأسرها".

ثم جاء اليسار بعد ذلك ليجعل من قضية المرأة قضية هامشية تحت دعوى أن الجميع مضطهدون وأن المرأة سوف تتحرر في غمار التحرر العام للمجتمع، فبعد تأسيس الدولة الاشتراكية سوف يتم منح الحرية للجميع.

والمثال الثاني يتعلق بنقد الموروث الثقافي. فقد كان قاسم أمين يرى أن الطريق السهل في استخدام حرية التفكير هو نقد الحكومة والاستهزاء بها، في حين أن الطريق الصعب هو نقد معتقدات المجتمع وأخلاقه وعاداته. ويبدو أن اليسار قد لجأ إلى الطريق السهل متذرعاً بمقولة ماركس في أن علينا الانتقال من نقد السماء إلى نقد الأرض. والحال أن ماركس حين طرح هذه المهمة في مواجهة كتابات الهيجليين الشبان كان يرى أن فلسفة كانط قد قامت باللازم في ما يتعلق بنقد السماء. أما في فضائنا الثقافي العربي المعاصر فلم يتوفر من يقوم بها بشكل حاسم، ولهذا كان المفروض أن تظل مهمة ملقاة على عاتق اليسار، ولكنه فضل عدم الدخول إلى غيوم الميتافيزيقا وآثر الاهتمام ببلورة مشاريع السياسة العملية.

يريد كريم مروة لليسار العربي في مرحلته الجديدة أن يكون واقعياً وعملياً وقادراً على تحديد الممكن حتى تكون ممارسته السياسية فعّالة. وفي هذا الاطار يحذر من الوقوع في الفوضوية لأنها لا ترمي لتحقيق العدالة بشكل واقعي وليس طوباوياً. ويمكن لي هنا أن اتخذ موقفاً نقدياً من هاتين الاشارتين السلبيتين اللتين أوردهما الأستاذ كريم في ما يتعلق بالفوضوية والطوباوية.

تبقى قضية لا يغفلها الأستاذ كريم ولكنها تأتي لديه كواحدة في موكب القضايا التى يتبناها اليسار وهي قضية البيئة. والواقع أننا لو أخذنا هذه القضية مأخذ الجد وليس فقط من باب إبراء الذمة، فإن ذلك سوف يقلب الكثير من المفاهيم التي تطرح بوصفها بديهية في برامج اليسار. وأول هذه المفاهيم هو القول بالتطور المطرد لقوى الانتاج الناتج عن تقدم العلوم والمخترعات والذي يؤدي بدوره إلى تجاوز علاقات الانتاج السائدة التي بالضرورة لم تعد ملائمة، فيفرض التغير التاريخي نفسه. ولكن من الواضح أن علاقات الانتاج هي التي تتحكم في قوى الانتاج من خلال برامج التمويل واحتكار البحث مما يجعل التقدم العلمي ليس ضمانة للتغيير التاريخي. ولقد أدت أزمة البيئة إلى انقلاب الآية. فلقد بنى ماركس ثقته في حتمية قيام الثورة على فكرة أن الرأسمالية سوف تعمل على الافقار المتزايد للعمال الذين لن يفقدوا سوى أغلالهم. ولكن بدا أن الرأسمالية تمكنت من التحايل على هذا التحدي. أما التحدي الجديد الذى يصعب التحايل عليه هو محدودية الموارد الطبيعية. ولقد كان آدم سميث يرى أن الرأسمالية يمكنها أن تنمو باستمرار ولكنها تقف عند الحدود التي يسمح بها كوكب الأرض. ونظراً لأن الرأسمالية تقوم على تحقيق الربح باستمرار ولن يتحقق الربح المستمر إلا من خلال تنامي الاستهلاك ولن يزيد الاستهلاك إلا بزيادة الانتاج وهذه الزيادة بدورها لن تتم إلا بالاستنفاد المتزايد لموارد الطبيعة. وهنا يأتي التناقض الذي يصعب التحايل عليه.

ولهذا يرى الكثيرون أنه لا يوجد حل لأزمة البيئة إلا بالذهاب الى ما وراء الرأسمالية. ولقد وضعت هذه الأزمة مفهوم التنمية موضع المراجعة، فيطرح الآن الكثير من علماء الاقتصاد مبدأ "معدل تنمية صفر"، وهو ما يعني موت الرأسمالية. كما ينتقد اقتصاديون آخرون مفهوم التنمية المستدامة الذي تتبناه الأمم المتحدة والبنك الدولي باعتباره من المسكنات التي تهدف إلى إطالة عمر الرأسمالية. إن وعي اليسار العربي لهذه الأزمة العالمية ضروري لتقديم تصور مبتكر عن التنمية والتي كان سقف طموحها هو نمط حياة المواطن الغربي، والواقع أن سكان البلاد الغربية المتقدمة يمثلون حوالي 15% من سكان المعمورة ولكنهم يبثون 75% من الملوثات في الغلاف الجوي. فعلينا أن نتخيل لو عاش باقي البشر بنفس الطريقة في العيش.

وتبقى كلمة أخيرة بخصوص البعد العربي لليسار الجديد. فمما لاشك فيه أن الممارسة السياسية لأي مجموعة من مجموعات اليسار سوف تكون مشروطة بالهامش الديموقراطي المتاح وموازين القوى الخاصة ببلدها. ولكن ماهو ليس مشروطاً بالظروف الخاصة بكل بلد فهو العمل الثقافي والذي يقتضي بالفعل بلورة استراتيجية عمل ثقافية مشتركة تتضمن نقداً جذرياً لكل ما يحفل به فضاؤنا الثقافي من مظاهر للتخلف، وتقدم للقراء العربي ما أنتجته العقول البشرية في تصور حضارة بديلة. وينبغي أن تقترن هذه الاستراتيجية بآليات في الترجمة والنشر، كما يقتضي كذلك إتاحة المجال للشباب المبدعين والباحثين في العالم العربي للتعبير عن أنفسهم وضخ دماء جديدة في تيار الثقافة التقدمية في العالم العربي.

وعلى المستوى السياسي، ينبغي، رغم اختلاف ظروف كل بلد، أن تكون هناك قنوات من الحوار والتواصل والتنسيق في شكل جمعية أو منتدى متخلص من أي مركزية ديموقراطية تفرض الالتزام بالتعبير عن خط سياسي أو موقف معين.

وأظن أننا باجتماعنا هنا لمناقشة ماجاء في كتاب الأستاذ كريم مروة نكون قد بدأنا أولى خطواتنا في هذا السبيل.

ــــــــ

() نص الكلمة التي ألقاها د. أنور مغيث، في الاحتفال التكريمي لكريم مروّة في الأونيسكو بتاريخ 18 نيسان الجاري، بدعوة من المجلس الثقافي للبنان الجنوبي بالتعاون مع وزارة الثقافة، وبمناسبة صدور كتابه الأخير "نحو نهضة جديدة لليسار في العالم العربي".

=========================

الازدواجية والالتباس في الخسارة الإيرانية

الاربعاء, 28 أبريل 2010

عبد الله إسكندر

الحياة

لا توفر إيران فرصة للتنديد بمنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها، خصوصاً على لسان المرشد علي خامنئي والرئيس محمود احمدي نجاد. حتى أن الأخير دعا قبل فترة الى صيغة جديدة للمنظمة الدولية من أجل إدارة شؤون العالم، بعما اعتبر أن المنظمة الحالية أداة في يدي الاستكبار والظلم المتمثلين بالغرب. لكن هذه الحملة الإيرانية على المنظمة الدولية لا تعني أن طهران غير مهتمة بما يجري داخلها ولا تسعى عبرها الى تمرير ما تراه في مصلحتها. لا بل تبذل طهران حالياً جهوداً، ديبلوماسية واقتصادية مغرية، لدى أعضاء مجلس الأمن مع الاقتراب من موعد دعوته الى التصويت على عقوبات دولية عليها بسبب عدم تعاونها في حل أزمة ملفها النووي.

وقد تكون للازدواجية في الموقف الإيراني من الأمم المتحدة دوافع داخلية، خصوصاً لجهة إبقاء التعبئة خلف الحكم الذي يصور لمواطنيه أن العالم كله يقف ضده، وصولاً الى «شيطنة» مجلس الأمن والرفض المسبق لأي من قراراته المتعلقة بالملف النووي.

في أي حال، وعلى عكس ادعاء عدم الاهتمام بما يصدر عن المنظمة الدولية، تبذل طهران جهوداً استثنائية لدى أعضاء هذه المنظمة، أملاً باستمالتهم الى مواقفها أو من أجل تخفيف العقوبات الجديدة. وهي تعتمد أكثر السبل تقليدية المعتمدة في إطار الأمم المتحدة التي تندد بأساليبها في العمل.

معلوم أن أي قرار في مجلس الأمن ينبغي أن يحصل على تسعة أصوات من أصل الأعضاء ال 15، شرط عدم استخدام أي عضو دائم حق النقض. مواقف الأعضاء الخمسة الدائمي العضوية باتت معروفة: أميركا وبريطانيا وفرنسا والى حد بعيد روسيا تدعم العقوبات فيما تعلن الصين تفضيلها الحل الديبلوماسي وربما امتناعها عن التصويت. أما الأعضاء العشرة غير الدائمي العضوية فشكلوا الهدف للديبلوماسية الإيرانية. إذ قام قادة النظام، نجاد نفسه ووزير خارجيته منوشهر متقي وسكرتير مجلس الأمن القومي مسؤول الملف النووي سابقاً سعيد جليلي، بزيارات الى عواصم هذه الدول. وقد عاد هؤلاء من دون التمكن من تسجيل أي نقطة لمصلحتهم، إذ أن كلا من النمسا والبوسنة الهرسك والغابون واليابان والمكسيك ونييجريا وأوغندا أعلن شكوكاً في طبيعة البرنامج النووي الإيراني وطالب بالضمانات نفسها التي تطالب بها القرارات الدولية السابقة. وإذا كان مأزق موقف لبنان مرتبطاً بوضعه الداخلي، فلم تنجح جهود العضوين الأكثر تفهماً للمواقف الإيرانية، تركيا والبرازيل، في تحريك موقف طهران من عرض تبادل المواد المخصبة. أي أن إيران لم تنجح حتى في كسب أكثر المتفهمين لمواقفها والمدافعين عن حق الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وربما الأكثر حاجة للتعاون معها في مجال الطاقة.

وتعني هذه الحصيلة أن الالتباس في الموقف الإيراني من الملف النووي، واستمرار هذا الالتباس، يرتد خسارة على الديبلوماسية الإيرانية. إلا إذا اعتبرت انها حققت انتصاراً دولياً عبر الدعم القادم من الرئيس الزيمباوبي روبرت موغابي والرئيس الفنزويللي هوغو تشافيز!

ومع اقتراب موعد التصويت في مجلس الأمن على عقوبات جديدة، ربما في مطلع الشهر المقبل، يبدو أن القرار مضمون بأكثرية تتجاوز تسعة أصوات، مع استبعاد الفيتو الصيني، لتسجل الديبلوماسية الإيرانية فشلاً مدوياً في هذا الملف.

لا يعود هذا الفشل الى قلة الخبرة لدى الديبلوماسيين الإيرانيين أو جهلهم بكيفية إدارة مثل هذه الملفات. فهم مشهود لهم بالكفاءة العالية والديبلوماسية على السواء. انما يعود هذا الفشل الى تمسك طهران بالتباس لا تريد الخروج منه، ولا يستطيع أحد، حتى من أصدقائها، الدفاع عنه. لا بل أحرج هذا الالتباس بداية روسيا ثم الصين وتركيا والبرازيل، لأن الدفاع عن حق الاستخدام السلمي للطاقة النووية ينبغي أن يقترن بضمانات عدم تحوله الى الاستخدام العسكري. لكن إيران تقرن رفضها العلني للسلاح النووي برفض معلن أيضاً لإعطاء هذه الضمانات. وهذا ما لا يقبله منها حتى الأصدقاء.

=========================

اشتدي أزمة... «تنفجري»!

الاربعاء, 28 أبريل 2010

زياد بن عبدالله الدريس *

الحياة

كلما وضعت القلم منهياً مقالتي الأسبوعية لهذه الصحيفة المرموقة أبدأ بالتفكير فيما سأكتبه الأسبوع القادم؟ وهل سيستجد في المحيط حولي ما يستحق الكتابة عنه؟ بالمناسبة فالمقالات تقتات على المستجدات والمتغيرات لا الرواكد والثوابت، مثلما أنها تقتات أكثر على السلبيات والأخطاء أكثر منها على الإيجابيات.

الكتابة صرخة... فلماذا أصرخ ما دام أن المركبة تسير في الطريق المستقيم؟!

قلقي من التوافر على موضوع لمقالة الأسبوع التالي يبدده أن مركبة العالم، لحسن الحظ أو لسوئه، كثيراً ما تخرج عن الطريق المستقيم، ما يجعل الكون بحاجة دوماً إلى المزيد من الكتّاب من أجل مواكبة الاحتياج المتزايد من الصرخات... كل يوم وليس كل أسبوع فحسب!

حينما كنت صغيراً لم أكن أعرف أن لدينا «قضية» سوى قضية فلسطين. لا أدري هل كان هذا هو الواقع فعلاً، أتحدث هنا عن نهاية الستينات، أم أن عقلي الصغير آنذاك لم يكن يتحمل استيعاب أكثر من قضية واحدة؟!

لطالما تمنيت أن أشاهد تسجيلاً لنشرة أخبار أحد أيام عام 1968 أو 1969 أو 1970، أريد أن أشاهد أخبار ما بعد نكسة 1967 وما قبل «مكسة» 1973!

لو صدق حدسي الطفولي بأنه لم تكن آنذاك قضية تتصدر نشرات الأخبار سوى قضية فلسطين، فسأزداد طمعاً في البحث عن نشرات الأخبار العربية فيما قبل نكبة 1948، عام ولادة قضية فلسطين، لكن في ذلك الحين لم يكن كثير من الدول العربية قد توافرت على خدمات التلفزة بعد. إذاً سأبحث عن نشرة أخبار ال «بي بي سي» البريطانية ما قبل 1948. لكني سأجدها مشغولة عن قضايا العالم العربي بمتابعة فصول الحرب العالمية الثانية.

يا الله... الحروب تطاردنا كلما بحثنا عن نشرة أخبار سلام!

يبدو أن الماضي لم يكن أكثر بياضاً من الحاضر، ولا مبرر لترديدنا أن العالم الآن يعيش أسوأ حالاته وأوقاته في التاريخ.

صحيح أن الإنسان الآن يعيش بين وسائل الراحة المحيطة به بكل قلق... ويتعايش مع أسرته والمجتمع المحيط به بين وسائل الاتصال المتوافرة والمذهلة، بمنتهى القطيعة والانفصال!

أما قضايا نشرات الأخبار العربية فتتكاثر كل يوم، بحيث تغير ترتيب قضية فلسطين في نشرة الأخبار، فبعد أن كان الأول دوماً حتى السبعينات، تحول إلى الثاني في الثمانينات، ثم الثالث في التسعينات، ثم الرابع في مطلع الألفية الجديدة، وقد تزحف أخبار قضية فلسطين إلى الوراء في العقد القادم لتصبح ضمن الأخبار الرياضية!

لنردد جميعا مطلع قصيدة «الفَرَج» الصوفية الشهيرة:

اشتدي أزمة تنفرجي قد آذن ليلك بالبلَجِ

وظلام الليل له سُرُجٌ حتى يغشاه أبو السُّرُجِ

لا أدري لماذا أجد قواسم مشتركة بين الانفراج والانفجار، قواسم لسانية وميكانيكية، لكني لا أجد قواسم سلمية، على رغم الزعم بأن بعض الانفجارات هو لأغراض سلمية!

مهما يكن... نريد انفراجاً لا انفجاراً.

* كاتب سعودي

=========================

الثقافة والشرعية: الوعي الموروث

آخر تحديث:الأربعاء ,28/04/2010

عبدالحسين شعبان

الخليج

مثّلت فكرة الثورة حقبة مهمة من الوعي المعاصر، فقد كان الاعتقاد السائد أن بإمكان “الثورة” اختصار طريق التغيير والإمساك بالسلطة السياسية التي بإمكانها إنجاز التحوّل السريع والجذري، بإقصاء “العدو” والتحكّم بمسار الدولة لتحقيق مآل الثورة .

 

لقد حكمت هذه الفكرة نصف القرن الماضي كله تقريباً على المستوى العربي فشكلت أساساً متيناً وصلباً من أساسات الوعي العربي لشرائح وتيارات سياسية مهمة . ونسج القوميون العرب فكرهم “الانقلابي” حسب ميشيل عفلق واستناداً إلى ساطع الحصري بنقض الدولة القطرية، المستندة إلى التجزئة، في حين نقض الإسلاميون وبخاصة “الاخوان” والجماعات الإسلامية التي تلتها، العقيدة السياسية للدولة مثلما فعل حسن البنا وسيد قطب .

 

وتوجّه اشتراكيون عروبيون إلى نقض الدولة القطرية ذات التبعية الاستعمارية بالسعي لتلقيح الوحدة بالاشتراكية أو بالعدالة الاجتماعية، مثلما فعل قسطنطين زريق وياسين الحافظ وغيرهما بإعلان الثورة المزدوجة .

 

أما “الماركسيون” العرب وشيوعيو العالم الثالث عموماً فقد كانوا ورثة الثورة البلشفية التي وجدوا فيها الحل السحري لجميع المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية للمجتمع القطري كل على حدة، فكل شيء قابل للتغيير بالثورة، وبعنفها تلغي الطبقات المخلوعة، والعنف الثوري حسب ماركس هو قاطرة التاريخ، وحسب ريجيس دوبريه هو “مضخّة التاريخ”، وازدهرت هذه الفكرة خلال الموجة الجيفارية الرومانسية في الستينات .

 

وتأثر بهذا المنطق الثوري الكثير من القوميين العرب، سواء، الحركة الناصرية أو البعثية أو فروع المقاومة الفلسطينية وبخاصة الجبهة الشعبية بقيادة جورج حبش والجبهة الديمقراطية بقيادة نايف حواتمة وغيرهما وكذلك “ثوار اليمن” (الجنوبي) . وكانت تجربة ثورة ردفان قد سارت بقفزات وتطورات دراماتيكية بقياداتها “الثورية” والحالمة والانقلابية مثل سالمين وعبد الفتاح إسماعيل وعلي ناصر محمد وغيرهم، وبالإمكان إضافة البنبلية (بن بلا) والبومدينية (بومدين) الجزائرية أيضاً، من دون نسيان الحركة القذافية الجماهيرية الثورية و”كتابها الأخضر”، مع وقفة خاصة للتجربتين في العراق وسوريا، لاسيما وهما الأطول عمراً بين التجارب “الثورية” الانقلابية العربية، ويمكن إضافة التجربة الإسلاموية السودانية إلى ذلك .

 

الجامع الأساسي والمشترك لجميع هذه التجارب والتيارات الفكرية القوموية والإسلاموية والماركسيوية هو ازدراء فكرة التطور التدريجي والإصلاحي باعتباره فكراً يمينياً لا يرتقي إلى صعيد التغيير الجذري الذي تنشده هذه القوى، وصولاً للحداثة في فهمها الملتبس حسب تفسيرات القوى المختلفة . وأقامت جميع القوى شرعيتها على فكرة الثورة بإدعاء امتلاك الحقيقة والتعبير عن وجدان الشارع العربي ضد نظم التبعية والاقطاع والملكية الممالئة للاستعمار والامبريالية .

 

المرتكز الذي استندت إليه التيارات الثوروية الارادوية هو “الشرعية الثورية” الذي برّر أحياناً التجاوز على الشرعية الدستورية، بل ازدرى مضمونها أو حوّلها إلى شكلانية بتطويعها لخدمة المنطق الثوروي، وذلك بتأكيد أن طريق الخلاص الأساسي والانتقال إلى المجتمع المنشود يمرّ عبر السلطة السياسية التي بإمكانها وحدها وبقدرة خارقة تحقيق عملية التغيير وتثوير المجتمع، وذلك بالاستناد إلى أداة سياسية، أي حزب أو تنظيم ثوري ليقوم بالمهمة الجليلة .

 

وقد استعارت الحركات القومية والإسلامية شكل وهيكلية الإدارة ودورها من الفكرة الماركسية عن دور الحزب الطليعي الذي طوره لينين في كتابه “ما العمل” العام ،1903 حين تحدث عن “حزب من طراز جديد ذي ضبط حديدي شبه عسكري”، بدحض الفكرة التي نادى بها مارتوف والتي وصفها لينين “بالمائعة” وفي ما بعد الاتجاه التروتسكي الذي وصفه ب “المغامر” وبخاصة في العهد الستاليني .

 

وظلت أطروحتا “الحزب الفولاذي” و”العنف الثوري” اللتين اصطفّ حولهما الماركسيون والشيوعيون “الثوريون” إضافة إلى اليساريين القوميين والإسلاميين الراديكاليين بتمييز أنفسهم عن الاتجاهات “اليمينية” في الحركة الثورية، الأرجوزة التي تتردد على الأفواه بادعاء الأفضليات وامتلاك الحقيقة والتعالي على الآخرين .

 

وحسب وجهات النظر تلك يستحيل تحقيق فكرة التحوّل المنشود بالوصول إلى السلطة السياسية من دون العنف الثوري، تلك المسألة التي اعتبرها لينين جوهر كل ثورة وواجب كل حزب ثوري، سواء كانت ثورة شعبية أو كفاحاً مسلحاً، أو انتفاضة مسلحة أو انقلاباً عسكرياً . وهكذا لم يكن التيار الشيوعي وحده لينينياً، بل كان التيار القومي والإسلامي لينينياً أيضاً من حيث مفهوم الحزب والعنف الثوري .

 

هذه هي المرحلة الأولى من الثورة “السياسية”، إذا شئنا ترميزها، أما الخطوة التالية فتبدأ من لحظة الوثوب إلى السلطة بإيلاء الاهتمام المطلوب بالاقتصاد باعتباره “التعبير المكثف للسياسة”، وتقوم هذه المرحلة على فكرة السيطرة على وسائل الإنتاج وتجريد “العدو الطبقي” من مصادر نفوذه السياسية والاقتصادية، أي بالهيمنة والتحكّم بمسار الدولة من أصغر القضايا حتى أعقدها .

 

وكان وصول هذه الفكرة إلى طريق مسدود بل عسير، قد اضطر العديد من الماركسيين والقوميين والإسلاميين إلى إكثار الحديث، عن “التنمية المستقلة”، لاسيما في الفترة الأخيرة في عهد العولمة لتخطي عتبة التخلف، ولمواجهة الاستكبار العالمي حسب الإسلاميين، وذلك تعويضاً عن فكرة التأميم الشامل لوسائل الإنتاج التي طبعت الغالبية الساحقة من التجارب الثورية، رغم أن الأوضاع سارت باتجاه معاكس .

 

ويذهب المفكر المغربي عبدالإله بلقزيز في كتابه “في البدء كانت الثقافة” إلى القول إن القوميين نظروا إلى الثورة الاقتصادية كضرورة لوجود كيان قومي عربي في إطار المعركة ضد الاستعمار، في حين أرادها الماركسيون مرحلة انتقالية صوب الاشتراكية، ولذلك أطلقوا على البلدان التي أحرزت الاستقلال السياسي “بلدان التحرر الوطني” وأنظمة التطور اللارأسمالي أو “بلدان التوجّه الاشتراكي” .

 

وفي تجربة الأصل والفرع، فإن المشروع التنموي الاقتصادي الثوري، قام على فكرة التأميمات الشاملة أو الغالبة، وتعزيز دور الدولة وتحديد سقف الملكية الزراعية وتأكيد دور التنظيم السياسي “الطليعة” واستخدام الإعلام “وسيلة أساسية لنشر الايديولوجيا”، ولتصفية ايديولوجية الخصم الطبقي البرجوازي أو غير الوحدوي أو الكافر . . . إلخ، لكن فكرة التحوّل الثوري السياسي والاقتصادي حسب الأطروحات القومية والماركسية وفي ما بعد الإسلامية، رغم عدم اكتمال المشروع الإسلامي المعاصر، وصلت هي الأخرى إلى طريق مسدود، باستثناء سباحة باتجاه آخر ضد التيار، مثلما هي فكرة الحكومة الإسلامية والاقتصاد الإسلامي والبنك اللاربوي باستعارة كتابات الإمام الخميني وخصوصاً كتابه “الحكومة الإسلامية” ومحمد باقر الصدر وكتابه “فلسفتنا” وكتابات حديثة مثل فهمي هويدي وراشد الغنوشي وحسن حنفي ومحمد سليم العوا وطارق البشري وغيرهم .

وكشفت التجربة السوفييتية الماركسية وملاحقها ومصر الناصرية وتقليداتها وإيران الإسلامية وشبيهاتها الفارق الشاسع والهوة العميقة بين إرادة التغيير الثوري والواقع الثقافي القاسي بتضاريسه ومنعطفاته .

=========================

هذه هي أمريكا

آخر تحديث:الأربعاء ,28/04/2010

عاطف الغمري

الخليج

في أثناء حوار كنت أجريه عام 1996 مع ريتشارد هاس الذي عمل مساعداً للسياسة الخارجية للرئيس بوش الأب، ويشغل حالياً منصب رئيس المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية، قال إن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة في القرن الثامن عشر، خافوا من أن تصبح السلطات التي يتمتع بها الرئيس، سبباً يغريه على الطغيان، ولهذا جعلوا الكونجرس شريكاً له في صنع السياسة الخارجية، فجاء الدستور داعياً للصراع بين الرئيس والكونجرس، عند اتخاذ قرار يتعلق بالسياسة الخارجية، وفي الإطار نفسه سمح النظام السياسي لجماعات المصالح وقوى الضغط، بأن تشتبك في ما بينها، من أجل مصالحها، ومن تملك أكبر قدرة على الضغط والتأثير هي التي يأتي القرار لمصلحتها .

 

وبذلك يصدر قرار السياسة الخارجية خاضعاً لما يجري من صراع في الداخل، أكثر من تأثيره بحسابات العلاقة مع أطراف المشكلة التي ستتحدد بشأنها السياسة الخارجية .

 

وقد اهتمت بهذه الحقيقة الدول التي استوعبت طبيعة عمل النظام السياسي في الولايات المتحدة، وحرصت على أن تكون لها إدارة لقضيتها، داخل الساحة السياسية الأمريكية من دون أن يقتصر نشاطها على مستوى العلاقة الثنائية مع حكومة الولايات المتحدة . فعلت ذلك دول كبيرة مثل الصين والهند التي نظمت لنفسها قوة ضغط تمارسها مؤسسات أمريكية، ومارست النشاط نفسه دول صغيرة .

 

إن جانباً من أسباب افتقاد التوازن في العلاقة العربية الأمريكية، يرجع إلى إغفال أهمية المستوى الثاني في إدارة العلاقة، وأذكر في مناقشة مع مسؤول بالخارجية الأمريكية في واشنطن، أنني سألته: ألا ترى معي أن سياسة حكومتكم المنحازة قليلاً ل “إسرائيل” تضر بمصالحكم الهائلة في الدول العربية؟ وأضفت، لك أن تعتبر أن سؤالي هو نظري أو افتراضي، وأجابني المسؤول: هذا صحيح نظرياً، لكنه غير صحيح عملياً، فالعرب يديرون علاقتهم مع مواقفنا من النزاع العربي “الإسرائيلي” بشكل يتجرد من امتلاك أوراق التأثير في نظامنا السياسي ومن دون أن تلمس أصابعهم مفاتيح التأثير في سياستنا الخارجية .

 

 . . إن مواقع التأثير في الداخل التي تمارس الدول دورها من خلالها تتكون من: مراكز البحوث Think Tanks التي تضم النخبة من مسؤولين سابقين في البيت الأبيض، ومجلس الأمن القومي، ووزارتي الخارجية والدفاع وغيرها، كما تضم الإعلام بمختلف وسائله، والمعاهد الأكاديمية، وكلها تدير ندوات ومناقشات ومؤتمرات وورش عمل، وتنشر أوراق عمل وكتباً، ولها كتاباتها في الصحف، بالإضافة إلى وسائل أخرى .

 

صحيح أن استطلاعات للرأي كانت قد أجريت منذ أوائل التسعينات، وجدت أن غالبية الرأي العام له نظرة سلبية تجاه ما وصفوه بسيطرة جماعات المصالح وقوى الضغط على قرار السياسة الخارجية، ودفعه في اتجاه يحقق مصالحها، حتى لو لم يتفق مع مصالح الشعب الأمريكي .

 

لكن هذه الآراء كانت تنتهي إلى الإعراب عن عدم الرضا، ولا تصل إلى أبعد من ذلك، تأثراً بثقافة اجتماعية لدى الأمريكيين، تعبر عنها مقولة تقليدية تكاد تكون “كليشيه” وهي: هذه هي أمريكا . بمعنى التسليم بما هو قائم، ما دام هذا التقليد أصبح عرفاً في النظام الأمريكي، وأمراً مسلّماً به .

 

ومن الأمور المسلّم بها، دور النخبة في صناعة القرار السياسي، بافتراض أن لديها توكيلاً من الشعب، لاتخاذ القرار نيابة عنه، وهو توكيل موجود كعرف، وليس بناء على تعاقد أو اتفاق مكتوب . وربما كان لهذا الوضع ما يبرره هناك، لأن المواطن الأمريكي العادي لم يكن بطبيعته مهتماً بأمور السياسة الأخرى، وكل ما يشغل تفكيره هو شؤون حياته اليومية والمعيشية، ولهذا ترك النخبة التي تضم المتفوقين والنابغين في مجال تخصصهم، تدير مسائل التنظير والتفكر والتوجيه للقرار السياسي .

 

ولعل مجيء أوباما بقراره الذي لم يكن متوقعاً حسب مقاييس النظام السياسي، مقترناً برغبة جماعية عارمة في التغيير، خرجت عن إطار ال”كليشيه” التقليدي هذه هي أمريكا، كان مبعثه إدراك أن التحدي الأكبر للولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين، يتمثل في قدرتها على أن تتغير لتلاحق التغيير الجاري في العالم من حولها، وإلا فقدت مكانتها ونفوذها في العالم، وهو المعنى الذي بدأت كبرى المؤسسات الأمريكية تتحدث عنه ابتداء من عام ،2008 بل سجلته وثائق رسمية منها على سبيل المثال، تقرير المجلس القومي للمخابرات الأمريكية .

 

ومن أبرز مفاهيم التغيير التي ظهرت مع وصول أوباما إلى البيت الأبيض، مفهوم الشريك (Partener) أي الدول القادرة على أن تكون لاعباً دولياً وإقليمياً، استناداً إلى امتلاكها رؤية واضحة واستراتيجية عمل، وهو ما عبر عنه أوباما كثيراً، ولخصته مقولته: إن الولايات المتحدة لم تعد تستطيع وحدها أن تحل مشاكل العالم، أو تتصدى منفردة للتحديات التي تواجه أمنها القومي، وأنها تحتاج إلى شركاء يتعاونون معها ويمدون لها أيديهم .

 

فهل طرأ أي تغيير على تفكير العرب في التعامل مع هذا المستوى الثاني المؤثر في السياسة الأمريكية، وهو أمر يدخل في صميم اختصاص إدارة المصلحة العربية العليا، ناهيك عن الغياب التام عند المستوى الأول؟

=========================

قِمّة الأمنْ النووي

بقلم :سيار الجميل

البيان

28-4-2010

تراوحت ردود الفعل بين السلب والإيجاب، حول انعقاد مؤتمر قمة الأمن النووي الذي انعقد في واشنطن 12- 13 ابريل 2010، ليس من خلال البيان الختامي، أو خطة العمل الداعية إلى القيام بأعمال وإجراءات ملموسة بهدف السيطرة على المواد النووية في مختلف أنحاء العالم، وبحث سبل منع وقوع المواد النووية في أيدي الإرهابيين، و«اللاعبين غير الرسميين». لقد اجتمع زعماء 47 دولة باستضافة من الولايات المتحدة الأميركية مع ممثلين عن الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والوكالة الدولية للطاقة الذرية.

 

وأكد البيان التزام الدول المشاركة في العمل على ضمان تأمين المواد النووية خلال أربع سنوات، مع الخطوات المحددة بشأن كيفية تنفيذ الأهداف والالتزامات الواسعة ضد الإرهاب الدولي الذي يمثّل اكبر التحديات تهديدا للأمن الدولي، ولم يقتصر الأمر على مجموعة إرهابيين أو مجرمين، بل خلطهم مع ما سمّاهم ب «لاعبين غير مصرح لهم بامتلاك المواد النووية»، وان البديل هو تدعيم الأمن النووي بنزع السلاح النووي، ومنع انتشاره والحد من تهديد الإرهاب النووي.. وهذا كله يتطّلب إجراءات وطنية مسؤولة، وتعاونا دوليا مستداما وفعالا.

 

ويبدو أن خطة العمل المرافقة جاءت لتدعم بيان القمة من اجل تنفيذ أغراضه.. ولقد وقّعت الدول المشاركة على تعهد سياسي من اجل تنفيذ مبادئ المؤتمر بما يتفق وقوانينها الوطنية والتزاماتها الدولية.. ولقد تعرّضت الخطة لانتقاد عاصف من قبل منتقدي أوباما المحافظين، فهل حقق أوباما أي انتصار للعمل العالمي بشأن برنامجه النووي؟

 

لقد شهدت القمة تقدما ايجابيا بعد إعلان أوكرانيا، أنها ستتخلص من اليورانيوم عالي التخصيب لديها خلال العامين القادمين، وتبرعت كل من جنوب إفريقيا والأرجنتين بإتلاف ما تمتلكانه من اليورانيوم، وتعهدت كندا بإرسال كمية كبيرة من الوقود النووي المستنفد إلى الولايات المتحدة بحلول عام 2018. كما وقعت روسيا والولايات المتحدة على اتفاقية حول تخفيض مخزون البلوتونيوم الذي يستخدم في صنع الأسلحة الفائضة في البرامج الدفاعية. جاء ذلك بعد توقيع الرئيسين اوباما والروسي ميدفيديف في براغ على معاهدة ستارت الجديدة يوم 8 أبريل 2010 للحد من التسلح النووي وانتشاره.

 

ونجح الرئيس أوباما من خلال حملته لتشديد العقوبات على إيران في إجراء محادثات مع الرئيس الصيني هاو جينتاو تركّزت على كل من الأمن النووي والأمن الاقتصادي. لم يكن برنامج إيران النووي على جدول أعمال القمة، ولكن أوباما انتهز فرصة وجود قرابة 50 دولة في ضيافته من اجل إثارة فرض عقوبات جديدة على طهران، وخصوصا قطع الطاقة عنها، بسبب رفضها وقف تخصيب اليورانيوم. كما أثار أوباما مسألة العملة الصينية، المثيرة للقلق، وحث على التحرك لسعر صرف أكثر توجها نحو السوق..

 

ولقد تكرر أيضا دعوة للصين الموحدة إلى «الحوار والمفاوضات» مع إيران.. وكانت الصين قبل حضورها القمة التي اعتبرتها علامة ايجابية لواشنطن متوترة جدا بسبب اجتماع أوباما مع الدالاي لاما، والرقابة على الانترنت في الصين، والضغط على العملة الصينية.

 

لقد استخّفت إيران بالقمة ونفتها، ووصف الرئيس الإيراني تنظيمها «لإذلال البشر»! ولقد اجتمع أوباما بالعاهل الأردني الملك عبد الله، على هامش أعمال المؤتمر، ممثلا للعديد من القادة العرب مشاركا الشعور بالقلق إزاء امتلاك إيران لأي سلاح نووي! ويبقى السؤال مطروحا:

 

هل يحلم أوباما بعالم خال من الأسلحة النووية التي ستفتك يوما بهذا العالم؟ ربما كان ذلك صحيحا، ولكن الغرض الأساسي هو الحد من انتشار التسلح النووي في أجزاء معينة في العالم. وقالت السفيرة بوني جنكنز، منسقة برامج الحد من التهديدات في وزارة الخارجية، إن الإرهابيين يبدو أنهم مصممون على شراء، أو بناء، أو سرقة الأسلحة أو المواد النووية مثل البلوتونيوم أو اليورانيوم عالي التخصيب وتحويلهما كمواد خام أولية إلى سلاح نووي.. وأكدت أن الخطر الذي يشكله ذلك يمكن أن «يمسنا جميعا» ويتطلب من الدول مجابهة الخطر بشكل جماعي!

 

وقالت السفيرة سوزان بيرك التي تشغل منصب الممثل الخاص للرئيس الأميركي لمنع انتشار الأسلحة النووية: «إننا إذا ما حضرنا إلى المؤتمر وتمكنا من تحديد المجالات التي يمكن أن نتفق عليها بالنسبة للركائز الثلاث...

 

وإذا تمكنا من تأمينها، عندها نتمكن من المضي قدما وسنكون بالتأكيد في وضع أفضل. فأنا اعتقد أن هناك مجالاً للاتفاق يمكن التوصل إليه إذا ما حضرت الأطراف إلى المؤتمر وهي على استعداد للقيام بذلك». لقد بدأ التحول الجذري يتوقف التجارب النووية، التي توقفت الولايات المتحدة عن إجرائها منذ العام 1992، «ولا توجد خطط لإجراء تجارب».

 

وان أوباما قد اعتنق فكرة التخلص من الأسلحة النووية بناء على توصية خبراء مخضرمين أميركيين عسكريين ومدنيين. غير أن الإنفاق مازال يجري بقيمة 54 مليار دولار سنويا في الولايات المتحدة على الأسلحة النووية للعقود الدفاعية والعسكرية، فإن هناك مصالح قوى قوية تريد الحفاظ على الوضع الراهن.. لم يتعّرض المؤتمر إلى كوريا الشمالية ومخاطرها، بل اكتفى بعزلتها، علما بأن نشاطها كبير في هذا السبيل.

 

ان المشكلة ليس بما خرج به المؤتمر، بل بما دخل فيه، السؤال: لماذا لم يتم الاقتراب من الهند وإسرائيل وغيرهما من البلدان التي تمتلك أسلحة نووية؟ وهل ثمة نوايا أميركية حسنة في خلاص العالم من السلاح النووي الذي استخدم في حروب القرن العشرين؟ الجواب لا يقتصر على أن لا يقع السلاح النووي بيد هذا وذاك، بقدر ما يسعى للقضاء على أي سلاح نووي في العالم كله!

مؤرخ عراقي

=========================

أول زيارة للمديرين العامين اللبنانيين إلى سوريا

بقلم :جورج ناصيف

البيان

28-4-2010

انشغل الوسط السياسي، الأسبوع الفائت بتطور لم يحدث منذ سنوات، قوامه قيام مجموعة من المديرين العامين والاستشاريين في 12 وزارة لبنانية بزيارة سوريا والاجتماع إلى نظرائهم السوريين، حيث تمت دراسة الاتفاقات المعقودة بين البلدين. منذ توقيع «معاهدة الإخوة والتعاون والتنسيق» بين لبنان وسوريا، في 22 مايو 1991.

 

فماذا في تفاصيل الاتفاقات السارية بين الدولتين، وما ملاحظات المراقبين السياسيين على مثل هذا الحدث؟

 

اتفاقية التعاون والتنسيق بين لبنان وسوريا شكلت الإطار العام للعلاقات بين البلدين، في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والعلمية.

 

نصت المعاهدة على إنشاء المجلس الأعلى الذي يضم رئيس الجمهورية، رئيس مجلس النواب، رئيس الحكومة، نائب رئيس الحكومة، في كلا البلدين على أن تجتمع مرة كل سنة وعندما تقتضي الظروف وتنشأ أمانة عامة للمجلس لمتابعة تنفيذ أحكام الاتفاقية. كما نصت المعاهدة على إنشاء لجان للتنسيق والتعاون. وعلى توقيع اتفاقات خاصة تشمل المجالات التي تحددها المعاهدة على أن تلغي القوانين والأنظمة التي لا تتوافق مع هذه المعاهدة.

 

من ابرز الاتفاقات الجارية التي عكف المديرون العامون على دراستها، في جلسات متتالية هي التالية:

 

- اتفاقية الدفاع والأمن التي تنص على إنشاء لجنة لشؤون الأمن والدفاع من وزراء الدفاع والداخلية، على أن تجتمع كل 3 أشهر.

 

- اتفاقية اقتسام مياه نهر العاصي وتنص على حصة لبنان 80 مليون م2 عندما تبلغ موارد النهر الأراضي اللبنانية.

 

- اتفاقيات متنوعة (136 اتفاقية وبروتوكول تعاون) موزعة على النحو التالي:

 

فئة أولى: تنضم الاتفاقيات التي وقع لبنان مثلها مع العديد من دول العالم كاتفاق منع الازدواج الضريبي.

 

فئة ثانية: تضم الاتفاقيات التي تعود بالنفع على لبنان من دون أن تسبب ضرراً لسوريا، مثل استجرار الطاقة.

 

فئة ثالثة تضم اتفاقيات موقعة بين جهات خاصة وغير حكومية في لبنان لكنها لا تلزم الدولة اللبنانية.

 

فئة رابعة تضم اتفاقيات أساسية كاتفاقية الدفاع والأمن. اتفاقية توزيع مياه العاصي وهي الاتفاقيات التي سيعاد النظر فيها وعددها 5 اتفاقيات.

 

لكن الملاحظ أن معظم هذه الاتفاقيات بقيت حبراً على ورق ولم تسلك طريقها إلى التنفيذ.

 

هذا، من حيث عدد الاتفاقيات أما من حيث المدلول السياسي، فقد سجلت ثلاث ملاحظات أساسية:

 

1- إن مجرد الاتفاق على عقد الاجتماع الذي تم في دمشق هو مؤشر خير لأنه ينقل العلاقة بين البلدين من إطار الشخصانية والاستنسابية والمزاجية بين المسؤولين إلى إطار العلاقة بين المؤسسات، بما يضمن ديمومتها واستقرارها. ومعلوم أن هذا الاجتماع اجتماع تمهيدي يحضر لزيارة مرتقبة للرئيس سعد الدين الحريري إلى دمشق في الأيام القليلة المقبلة، مما يجعل الاجتماع الذي سيعقد بين رئيسي حكومتي لبنان وسوريا قائما على دراسة ملفات جرى بحثها مطولاً بين المديرين العامين والخبراء من كلا البلدين.

 

2- إن الاجتماع الذي تم التمهيد له مطولا عقد في إطار معاهدة «التعاون والتنسيق» التي أنشأت المجلس الأعلى المشترك بين البلدين. وهنا يتساءل المراقبون: هل تمت الموافقة الرسمية على الاستمرار في المعاهدة المعقودة ومفاعيلها رغم التحفظات العديدة التي كانت تسجلها قوى 14 آذار على الاتفاقية معتبرة إياها من «مخلفات» عهد الوصاية السورية على لبنان؟

 

هل وافق مجلس الوزراء على اعتماد هذا الإطار وما هو الدور الذي سيوكل إلى السفارتين اللبنانية والسورية في كلا البلدين؟ ألن تشكل المعاهدة إلغاء ضمنياً لدور ووظيفة السفارتين أم سيجري التنسيق بين المجلس الأعلى والسفارتين، كما حدث مع السفارة اللبنانية في دمشق التي تابعت عن كثب تفاصيل الاجتماعات في دمشق؟

 

3- لقد تواترت زيارات المسؤولين اللبنانيين إلى دمشق بدءاً برئيس الجمهورية ميشال سليمان مروراً بالرئيس سعد الحريري انتهاء بعدد كبير من الوزراء والمسؤولين السياسيين (وليد جنبلاط، العماد ميشال عون، النائب طوني فرنجية، الوزير طلال أرسلان) في حين انه لم تسجل زيارة واحدة موازية من جانب أي مسؤول سوري إلى لبنان فهل ستستمر هذه العلاقة غير المتكافئة طويلا؟

 

4- اللبنانيون استبشروا خيراً بالاجتماع الذي ترأسه من الجانب اللبناني وزير من أركان تيار «المستقبل» (جان اوغاسبيان) لذلك فإنهم حريصون على أن تكون البداية بلا شوائب حتى لا تفسد المسيرة قبل أن تنطلق.

كاتب لبناني

=========================

إيران "شعبية" في العراق أم لا ؟

سركيس نعوم

أظهر وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط في حديث مع الصحافيين اثناء زيارته الاخيرة لبيروت اهتمام بلاده بالعراق واكد "ان الجهود العربية (ومن ضمنها المصرية) منصبّة من دون اعلان ذلك لترتيب البيت العراقي. ولا يمكن ان نترك العراق لأنه بوابة العرب الشرقية". ولفت الى ان "نتائج الانتخابات التشريعية الاخيرة في العراق بيّنت ان الفريق المدعوم من ايران لا يحظى بثقة شعبية عراقية".

ماذا يعكس التعليق المذكور؟

يعكس اموراً عدة ابرزها اثنان متكاملان. الاول، اقتناع القيادة المصرية بوجود خطر شديد على العراق العربي اولاً، ومن خلاله على الدول العربية كلها، من الجمهورية الاسلامية الايرانية التي تقع على حدود البوابة الشرقية للعالم العربي. واصرارها على العمل مع الدول العربية التي تعتبر ايران هذه خطرا عليها وهي تشكل الغالبية، وكذلك مع المجتمع الدولي بغية ازالة هذا الخطر او على الاقل التخفيف منه. واكثر ما يعكس هذين الاصرار والقلق ما شدد عليه ابو الغيط في بيروت عندما اشار اكثر من مرة وإن من دون تفاصيل الى الدور الايراني في الاوضاع غير المستقرة في المنطقة، وقال بشيء من الجزم ان الغرب وأميركا واسرائيل لن تسكت عن ايران، وعلى نحو شبه مباشر ان اقدام هذه الدول على شن حرب على الاخيرة قد يكون آخر الدواء الذي هو الكيّ كما يقول المثل العربي. اما الاقتناع الثاني فهو ان لا ثقة شعبية بايران في العراق استناداً الى الانتخابات الاخيرة.

هل الامران المذكوران اعلاه في محلهما؟

يبدأ العارفون بأوضاع العراق وتشعباته وتعقيداته الاقليمية وتحديداً العربية والايرانية جوابهم بالقول بان الاقتناع الثاني لا يبدو في محله على الاطلاق، ففي العراق لا يمكن الحديث عن ثقة شعبية عراقية بل عن ثقة شعبية شيعية او سنية او كردية. ولا يمكن الانطلاق من موقف غير دقيق او غير معبّر عن الوضع لاطلاق احكام نهائية وجازمة. فظاهر الانتخابات التشريعية التي شهدها العراق اخيراً ابرز تنوعاً واختلافاً ضمن الطائفة الشيعية تجلى في خوض القوى السياسية الاساسية فيها معارك طاحنة بعضها ضد بعض. ومعروف ان العلاقة الابرز لايران هي بهذه الطائفة لاعتبارات عدة مفهومة. لكنه أبرز وحدة على صعيد الطائفة السنية. اذ جيّش الغالبية الساحقة من الناخبين السنّة للقائمة التي تمثلهم فعلاً رغم شيعية زعيمها اياد علاوي، والتي لم يكن عدد الاعضاء الشيعة فيها كبيراً. ونتيجة الانتخابات قد توحي ظاهرياً بأن تقويم الوزير المصري ابو الغيط لها في محله وكذلك استنتاجه المتعلق بموقف الشعب العراقي من ايران. لكن الواقع العراقي كما يعرفه العارفون بالعراق واوضاعه انفسهم يشير الى شيء مختلف تماما.

فالقائمتان الشيعيتان اللتان يرئس احداهما رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي والاخرى السيدان عمار الحكيم ومقتدى الصدر كانت لهما علاقات ممتازة بايران اثناء حكم صدام حسين. ولا تزال علاقتهما بها بأعضائهما من احزاب وتيارات وشخصيات ممتازة. وخلافهما انتخابي اي على السلطة والنفوذ وليس على خيارات استراتيجية مثل التعاون مع ايران او العرب في ظل خصومتهما الحادة التي تكاد ان تبلغ العداوة. اما القائمة الثالثة السنية في معظم اعضائها فعلاقات رئيسها الشيعي مع ايران غير جيدة بعكس علاقتها مع جهات عربية عدة. فضلاً عن ان مجموع المقاعد النيابية للقائمتين الشيعيتين لا يعكس غياب الثقة الشعبية العراقية بايران (70+89 = 159). علما ان مقاعد القائمة الثالثة قد تنخفض الامر الذي ينهي امل رئيسها في رئاسة الحكومة. مع الاشارة الى ان مساعي ايران مع القائمتين الشيعيتين لم تتوقف وذلك بغية دفعهما الى توافق على حكومة ورئيس لها.

ورغم الصعوبات التي تواجهها ايران في مسعاها فان معلومات العارفين انفسهم ترجح بل تكاد ان تؤكد انه سينجح في نهاية المطاف. اما في ما يتعلق بالامر الاول اي اقتناع القيادة المصرية بخطر ايران الاسلامية على العراق ومن خلاله على العرب كونه البوابة الشرقية للعالم العربي فان العارفين لا ينكرون هذا الخطر. واعمى كل من لا يراه او يدركه. لكن مواجهته لا تكون بالاعتماد فقط على المجتمع الدولي وتحديدا على زعيمته الولايات المتحدة ولا على الغرب ولا على اسرائيل رغم اعتبار العرب اياها عدوهم الاول. بل تكون بتعاون دول هذا العالم بل بوضعهم خطة حقيقية للمواجهة السياسية والايديولوجية ولا سيما الدينية او المذهبية والاقتصادية والامنية والعسكرية وذلك طبعا بعد تقويم دقيق للأوضاع في المنطقة والعالم. وهذا اقل ما يمكن فعله. واذا نجحوا في ذلك يستطيعون الاعتماد على مساعدة المجتمع الدولي الذي يعتبر بدوره ايران خطرا عليه. الا ان نجاحهم في النهاية يتوقف على مدى نجاح هذا المجتمع في تسوية قضية فلسطين. ذلك ان احجامه عن ذلك جعل المشاعر العربية والاسلامية محتدمة في عدائها للغرب كله الذي هو عماد المجتمع الدولي.

في اختصار يمكن فهم قلق مصر وموقفها من ايران كما قلق غالبية الدول العربية وموقفها منها. ذلك ان طموحات ايران الاسلامية كبيرة جدا وتنافسها مع العالم العربي حاد جدا ونجاحها في التدخل في اكثر مفاصله خطورة، كبير جداً. واصاب ذلك كله العرب بالذعر وجعلهم يعتبرون الصراع مع ايران صراع وجود وليس صراع ادوار او احجام.

=========================

احتلال الجزر .. بين الامارات وايران

حازم مبيضين

النهار

28-4-2010

من حق ايران أن ترفض تشبيهها باسرائيل لجهة مشاركة الدولتين في احتلال اراض عربية, لكن هذا الحق يرتب عليها واجبا لايمكنها التهرب منه, ويتمثل في انسحابها من الجزر الاماراتية التي تحتلها ومن عربستان التي ضمتها إلى أراضيها, وأسقطت عن أبنائها جنسيتهم واعتبرتهم ايرانيين, لكن الاصرار على استمرار الاحتلال, وتحذير دولة الامارات من التحدث عن جزرها المحتلة, والمطالبة باستعادتها, يبدو ضرباً من الغطرسة المرفوضة والمدانة بكل المقاييس, سواء الدينية منها أو المتعلقة بالقوانين الدولية أو بعلاقات الدول المتجاورة.

 

حسناً فعل الشيخ عبد الله بن زايد وزير خارجية الامارات, حين أكد مرة ثانية موقف دولته, رافضاً التراجع أمام الغضب الايراني, الذي انطلق بدون عقال على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها، رامين مهمانبرست، الذي حذر الإمارات من تكرار مثل هذه التصريحات, وشكك في أن يكون الشيخ عبد الله أدلى بها, ورأى أنها ربما أخرجت عن سياقها، وعاد لينصح المسؤولين الإماراتيين, بتوخي الدقة اللازمة في اختيارهم للألفاظ والعبارات, مشدداً على ما سماه عدم القدرة على السيطرة على مشاعر الشعب الإيراني تجاه هكذا تصريحات غير مدروسة. وحسناً فعل الوزير الاماراتي وهو يؤكد تصريحاته من فلسطين المحتلة ويدعو الايرانيين إلى إنهاء احتلالهم الذي يعطل علاقات ايران مع جيرانها العرب, وهو في كل ذلك لم يشهر سيفه, وإنما دعا وبأمل الجانب الايراني لانهاء هذا الخلاف بشكل سلمي وهاديء وعادل.

 

التصريحات الاماراتية لم تنطلق اليوم من فراغ, وهي أتت بعد موقف إيران المتعنت والرافض لكل مبادرات الإمارات لحل القضية بالتفاوض المباشر أو التحكيم الدولي،ورفضها السماح بالتواصل مع سكان الجزر أصحاب الأصول الإماراتية، ومنع وصول المساعدات ومواد البناء أو الخدمات الأخرى إليهم, ومواصلة رفضها اللجوء إلى التحكيم الدولي، ومع كل ذلك فان الاماراتيين صبروا طويلاً , واستمرت علاقاتهم الاقتصادية قوية مع المحتلين, واحتفظوا بكونهم أكبر شريك تجاري لايران في الخليج, والاماراتيون يعرفون اليوم مثلما عرفوا دائماً أن الدول العربية تساند مطلبهم المشروع وتعتبر التعنت الايراني معطلا لعلاقات طبيعية لهذا الجار المسلم معها.

 

لمصلحة ايران والدول العربية, لا بد أن ينتهي هذا الخلاف بشكل سلمي, ولابد للجمهورية الاسلامية أن تتخلص من إرث الشاه في هذا الموضوع, لان أطماعة التوسعية هي التي قادته لاحتلال جزر طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى، عام 1971، وقبل أيام على قيام الاتحاد بين الإمارات المكونة لدولة الإمارات العربية المتحدة، وبما يعني الانشغال بالحدث الاهم في تاريخ تلك المنطقة, وفي ظل خلل كبير في ميزان القوة بين الدولة الناشئة, وامبراطورية الشاه التوسعية التي التهم مؤسسها عربستان, وأورث من بعده حلم ضم البحرين, وهو حلم ورثه عن أباطرة الفرس بعض المسؤولين الايرانيين الحاكمين اليوم.

 

ليس هناك عربي واحد يرغب بعلاقات متوترة مع الجارة ايران, لكن ذلك يرتب على المسؤولين الايرانيين استحقاقات لابد من الوفاء بها, بدلاً من التمسك بجزر لاتضيف للدولة الايرانية الكثير, ولكنها تفقد الامارات أكثر من ما يمكنها احتماله, ويكفي الاحساس بأن قطعة قد انتزعت من جسد الدولة بدون وجه حق, واذا كانت ايران ترفض تسمية سيطرتها على الجزر وضمها احتلالا فما هي التسمية التي يقترحونها, إلا إن كانوا يتعاملون مع الموضوع بمثل تعاملهم مع تسمية الخليج بالفارسي بدل العربي ويرفضون حتى الحل الوسط بتسميته بالخليج الاسلامي.

=========================

الديمقراطية العراقية تنزف فوضى

د. جلال فاخوري

الرأي الاردنية

28-4-2010

بانتهاء الثورات تفقد الشعارات بريقها والثورة الفرنسية مثال صارخ، فقد قامت ثورة طلابية سنة 1968 في باريس وفي عهد جاك شيراك اختلّ الوضع الأمني كثيراً، فالشعارات شيء والواقع شيء آخر ومن المؤسف أن الزمن بعد الثورات معرّض للاختلال بسبب فقدان الشعارات لأهدافها. ففي بغداد طرحت شعارات الحرية والديمقراطية وتجنّب الطائفية والمصلحية وبدت الشعارات فيما بعد وكأنها ذر للرماد في العيون فعادت الطائفية بأبشع صورها والآن يصرّ العراقيون على طرح شعار الديمقراطية التي حيثما وصلت إلى التطبيق بات الشارع العراقي يتندر ويستهزئ بشعار هو أبعد ما يكون عن التطبيق.

 

في الدستور العراقي كغيره من الدساتير إعلان أن الفائز في الانتخابات هو الذي يشكّل الحكومة. وبعد أكثر من شهر على الانتخابات لا تستطيع القائمة الفائزة تشكيل حكومة حيث باتت ضحية تفسير افتراضي مزاجي للمفوضية العراقية بضرورة إعادة فرز الأحداث وهي بادرة لم يجر مثيلها سابقاً، مما يعني إعادة البلاد إلى حالة الفوضى تحت ادّعاء الديمقراطية وهكذا يقتلون الديمقراطية بالديمقراطية لأن إعادة الفرز تعني إعادة تثوير البلاد بعد الهدوء النسبي ومن المعروف أن الديمقراطية لا يجوز أن تتناقض مع نفسها لكن العراقيين يريدونها أن تتناقض مع نفسها ومع إيمان الشعب بها لأنها لا تخدم مصالحها وكان البعض يطالب بالديمقراطية اعتقاداً منهم أنها لمصلحتهم ولما لم تخدمهم انقضّوا عليها وهكذا يجتهد البعض بتفسير لا يمتّ للديمقراطية بصلة تحت غطاء أن الديمقراطية تصحح الخطأ.

 

الحقيقة أن ما يجري في العراق من تفسيرات وإجراءات باسم الديمقراطية هو قتل للديمقراطية مع سبق الإصرار لغايات المصالح الشخصية وهنا نسأل ما يلي: لماذا يصرّ البعض على أنه لم يكن هناك تزوير حين كانت الكفة راجحة لهم وحين اختلفت النتائج متحولة عن مصالحهم اتهمت الانتخابات بالتزوير، أليس ذلك تلاعباً غريباً وتفسيراً غير مسوّغ أو مبرر؟ إن الديمقراطية هي لعبة الشعب ولا يحق للحكومات تفسيرها كما تشاء إلاّ إذا كان ذلك من باب التعمية وذر الرماد في العيون. يعد هذا التفسير الغريب الذي خرجت به المحكمة العراقية وهي التي حكمت للمحرومين من الترشح بالترشح وخالفت قرارها لجان المفوضية العراقية ومنعتهم من الترشح تأتي الآن وتحكم بإعادة فرز الأصوات داخل بغداد وتؤيدها المفوضية العراقية للانتخابات.

 

إنه وضع شاذ يخالف الدستور نصاً وروحاً حيث أن الدستور ينصّ على أن الناجح في الانتخاب يشكّل حكومة. فأية ديمقراطية يتغنّى بها العراقيون وأي تفسير قانوني هذا الذي يخالف الدستور، فقرار المحكمة ومفوضيّة الانتخابات تريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وتريد إجراء انتخابات جديدة وهي عملية رفضتها المفوّضية سابقاً وهو أمر سيقلب الأمن العراقي إلى فوضى لا يستطيع العراق السيطرة عليه وتريد المفوضيّة العودة بالأمن والانتخابات إلى مربّع الصفر، أي أن المفوّضية ترهن مصير الشعب العراقي بالمجهول لأن هكذا عمل يقود حتماً إلى المجهول.

=========================

الاستسلام للعجز

رشيد حسن

 الدستور

28-4-2010

ليس سرا أن الأمة تعاني من أوضاع مزرية ، وأن هذه الأوضاع هي السبب الرئيس في تراجع مكانتها ، واستئساد الزواحف والطحالب والسرخسيات عليها ، تنهش لحمها الحي ليلا ونهارا.

 

وفي هذا المقام لا بد من التفريق بين وجود هذه الحالة ، ونعني حالة العجز والضعف ، وبين الاستسلام لها ، فمسؤولون عرب اعترفوا في قمة سرت بليبيا ، بحالة العجز هذه التي تكبل الأمة وأرجعوا لها كل الأسباب التي حالت ، وتحول دون تحقيق تقدم مذكور على كافة الصعد.

 

فحالة العجز.. هي التي حالت دون تحقيق المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية ، والعربية - العربية ، والخروج من تحت ركام الاختلافات ، وتوحيد الصف العربي لمواجه التحديات والمستجدات الخطيرة ، التي تعصف بالأمة وتهدد هويتها ، وفي مقدمتها المشروع الصهيوني الاستئصالي.

 

وهي السبب الرئيس في فشل الأنظمة في الدفاع عن قضايا الأمة ، وتحرير أراضيها المحتلة وحماية مقدساتها وثرواتها ومقدراتها.. الخ.

 

ولكن هذه الحالة ، وإن كانت غير مبررة أصلا ، إلا أنها أيضا ليست قدرا ، تستسلم له الأنظمة ، ليصبح مشجبا ، تعلق عليه كل أخطاءها وخطاياها.

 

فإذا كان العجز غير مبرر ، لأن الأمة تملك من المقدرات والثروات ، والموقع وعدد السكان ، والتاريخ ، والحضارة ، والعقيدة ما يؤهلها لتأخذ مكانها تحت الشمس ، كما كانت.. فإن الاستسلام للعجز يصبح غير معقول وغير منطقي.

 

أمم كثيرة عانت من العجز ، ومرت بحالات ضعف شديد ، ولكنها لم تستسلم لهذا الوضع المؤقت.

 

وأمم أخرى احتلت أراضيها ولم تستسلم للاحتلال ، الذي عاث فيها فسادا وتدميرا وخرابا ، فنهضت من تحت الركام ، وقاومت رغم الفروق الهائلة جدا بين موازين القوى ، وانتصرت وسجلت اسمها في سجل الخالدين ، فيتنام كوبا والجزائر.. الخ.

 

إن من يستعرض المشهد العالمي ، وبصورة سريعة يذهل من حالة النهوض الشاملة في دول جنوب شرق اسيا ، وأميركا اللاتينية ، حيث استطاعت شعوب هذه الدول ، والتي عانت ولا تزال أكثر من الشعوب العربية ، وكانت وإلى عهد قريب بمثابة الحديقة الخلفية لواشنطن ، وعانت من أنظمة قمعية فاسدة "بينوشيت في تشيلي" أن تعيد للقارة عنفوانها الوطني ، وتستذكر بكبرياء ، محررها الأول من الاستعمار الفرنسي ، سيمون بوليفار ، وها هي اليوم ، وقد اتخذت الديمقراطية نهجا ، تعيد لمواطنيها كرامتهم ، وتغذ الخطى على غرار الاتحاد الأوروبي.

 

باختصار.. لا نريد أن نستمر في سرد الأمثلة ، وإن كانت ضرورية ، واستعراض التاريخ ليكون شاهدا ، وحكما بيننا وبين من يحتكمون إلى شياطينهم ، ونعود ونؤكد أن الضعف والخوار والعجز ، هي حالة طارئة عانت منها كل الأمم ، وهي ليست بالخطورة كونها عاملا مؤقتا تعتري مسيرة كل الشعوب عبر تطورها ، ولكن الخطورة أن تستسلم أمة لهذه الحالة ، ولا تعمل للتخلص منها.

 

العجز يا سادة.. حالة استثنائية مؤقته ، وليس حالة ثابتة ودائمة إلا لمن خارت قواهم ورضوا بالمهانة والاستبداد والاحتلال.

=========================

مساومة السياسيين وخسائر القاعدة والتقدم في العراق

افتتاحية - «واشنطن بوست»

العراق هذه الأيام مغمور بالمكائد السياسية. والمناورات على مقاعد البرلمان المنتخب حديثا وتشكيل الحكومة ، بالنسبة لنا وللعديدين في الخارج ، هي على الأغلب غامضة وفي بعض الأحيان تنذر بالخطر. كان المثال الأخير على ما سبق قرار صادر عن المحكمة يأمر بإعادة إحصاء الأصوات في بغداد ، نزولا على طلب نوري المالكي ، رئيس الوزراء. في الحد الأدنى ، هذا يعني أن تأجيلا آخر قبل أن تصبح الانتخابات أمرا موثقا بصورة قانونية وينعقد البرلمان. الأسوأ من ذلك ، أنه قد يقود إلى تحول في المقاعد يمكن أن يؤدي إلى تأجيج التوتر الموجود أصلا بين جماعة السيد المالكي وجماعة رئيس الوزراء السابق إياد علاوي ، والذي ظهر مع امتياز المقعد المزدوج في أول جولة لإحصاء الأصوات.

 

هذا يستحق المراقبة. لكن ما يستحق الملاحظة أيضا هو ما لا يحدث في بغداد أو في معظم بقية أنحاء العراق: تفجر العنف الطائفي الذي كان العديدون متخوفين من أنه قد يتبع انتخابات السابع من شهر آذار. بالرغم من أن التقارير الإخبارية ركزت على أن النزاع المنتشر ، فإن إجمالي الإصابات المدنية خلال الأشهر الثلاثة الماضية هي عند أقل حد منذ عام ,2003 ليس هناك مؤشر على أن السنة أو الأكراد أو الشيعة قد ردوا على نتائج الإنتخابات ، أو الشكوك فيما يتعلق بالحكومة المقبلة ، برفع السلاح.

 

الأمر المشجع أكثر ، أن العمليات التي قامت بها القوات العراقية وقوات الولايات المتحدة منذ يوم الأحد وأسفرت عن مقتل إثنين من قادة القاعدة في العراق بالإضافة إلى الزعيم الإقليمي ، قدمت ما وصفه بايدن ، نائب الرئيس ، بأنه "ضربة تدميرية محتملة" لشبكة إرهابية جرى إضعافها أصلا. من المحتمل أن تظل القاعدة في العراق على قيد الحياة ، كما فعلت بعد مقتل زعيمها السابق في العام ,2006 لكن ثمة فرصة جيدة بأنها لن تكون قادرة على تعطيل الصفقات السياسية في بغداد بهجمات ضخمة مثيرة- مثل سلسة الهجمات التي ذكرت التقارير أنها خطط وضعتها لمهاجمة الكنائس. هذا يعني أن الإنسحاب المخطط له لنصف القوات الأميركية المتبقية ، والبالغ عددها 100 ألف جندي ، في الأول من أيلول يجب أن تكون قابلة للتنفيذ ، حتى لو كانت المفاوضات ما زالت جارية.

 

تركز الصفقة السياسية على ما إذا كان السيد المالكي سوف يتسلم تفويض جديدا أم لا ، حتى بالرغم من أن معظم الأحزاب المشاركة في مفاوضات التحالف يريدون أن يروا شخصا آخر مكانه. يأمل رئيس الوزراء في أن يؤدي إعادة الإحصاء في بغداد إلى تقوية طلبه نوعا ما ، والمعارضون قلقون من أنه سوف يلجأ إلى الخداع أو إلى اتخاذ إجراءات استبدادية. لكن الأخبار الجيدة هنا هي أن السيد المالكي ومنافسيه الرئيسيين يبدون متفقين على أن الحكومة المقبلة ستضم أعضاء من مختلف الطوائف ، مع ممثيلين عن الناخبين السنة والأكراد بالإضافة إلى الأغلبية الشيعية. قد لا يؤدي هذا إلى حكومات أكثر كفاءة وترابطا منطقيا - لكنه يمكن أن يضمن أن التقدم البطيء في العراق نحو السلام سوف يستمر.

=========================

نحو حراك عربي على طريق الثورات الملونة

د. سعيد الشهابي

4/28/2010

القدس العربي

السجال الذي يدور بين الحين والآخر حول غياب الممارسة الديمقراطية في العالم العربي يجري عادة ضمن أطر ثلاثة: الاول انثروبولوجي إثني يتناول العقل العربي انطلاقا من الارتباط الجغرافي بالصحراء وما ارتبط بها من بداوة وقبلية وعصبية وجهل.

والثاني سياسي استراتيجي يتمحور حول وجود 'فيتو' غربي على الممارسة الديمقراطية في هذه البقعة من العالم بهدف منع وصول عناصر وطنية اسلامية الى الحكم تسعى لتقنين انتاج النفط وتسويقه، من جهة، وخشية بروز حكومات شرعية ترفض الاحتلال الاسرائيلي جملة وتفصيلا. والثالث ايديولوجي عقيدي يؤكد على ثنائية فكرية متوازية بين الاسلام والديمقراطية بشكل لا يسمح لهما بالالتقاء او التقاطع. وما اكثر النقاشات التي تحتدم حول التغيير السياسي المنشود، لتصطدم في النهاية بحواجز عملية تضع حدا للنقاش، فينفرط عقد المتساجلين دونما نتيجة. فقد عقدت الندوات والمؤتمرات، وكتبت الكتب، وطرحت البرامج التلفزيونية في القنوات شبه المستقلة، لمناقشة حالة الاستبداد التي تخيم على العالم العربي وتفرض عليه عددا من الأمور: اولها حالة الصمت القاتل الذي يحاصر الحريات ويصادر الارادات، وثانيها: القمع المتزمت الذي يتجاوز كافة القيم التي تدعو لاحترام حقوق الانسان وتروج لإنسانية المواطن وحقه المشروع في الحياة الكريمة، وثالثها: اوضاع التخلف التي اصبحت ملازمة بشكل حتمي للوضع العربي، وقضت على روح المبادرة والعطاء، وساهمت في ضعف الشعور بالانتماء لدى القطاعات المجتمعية الفاعلة التي بلغت حالة من اليأس لا تحسد عليه. ورابعها: المساومة على انسانية المواطن الفرد والمواطن المجتمع، وتحويلهما الى مخلوقات خلقت لتأكل، فاصبحت مسخرة للآخر، ومسلطة على بعضها بفعل المال والجاه الوهميين. وخامسها: فرض مفاهيم جديدة خاصة ل 'المواطنة الصالحة' التي تقوم على اساس الانصياع والانحناء والمسايرة، وتسلخ عنها سمة 'النقد' التي هي احدى خصائص العقل البشري السوي، ومن اهم مستلزمات التغيير.

لماذا هذا التخلف السياسي؟ وهل يمكن كسر دورة التراجع او احتواء ظاهرة الانحسار الناجمة عن غياب دور الفرد في صياغة مواقف الأمة؟ ان من النادر وجود شعب يخضع بشكل مطلق لنظام الحكم المهيمن عليه، ايا كان استبداد ذلك النظام او قمعه. فالحركة نحو التغيير مترافقة بشكل تلازمي مع المجتمع البشري الذي ما فتئ افراده يبحثون عن الكمال السياسي والمجتمعي. واستقراء الوضع الدولي يكشف بجلاء ديناميكية الروح الانسانية المتطلعة للكمال خصوصا في تجلياته السياسية. وخلال العقد المنصرم ظهرت دعوات التطوير السياسي في عدد من الدول التي تقوم انظمتها اساسا على الشراكة السياسية ضمن الأطر الديمقراطية. وفجأة تفتق العقل البشري عن عشقه لألوان الطيف في الفضاء السياسي. ففي العام 2001 قامت 'الثورة البيضاء' في صربيا لتسقط حكم الرئيس سلوبودان ميلوسوفيتش. وكانت الحركة الطلابية الصربية (أوتبور) رأس الحربة في تلك الثورة التي قامت ضد ميلوسوفيتش الذي تحول الى ديكتاتور مقيت. ففي تشرين الأول (أكتوبر) 2000م، أعلن ميلوسوفيتش فوزه في الانتخابات التي أجريت وقتها، ولكن المعارضة رفضت نتائج الانتخابات، واتهمت ميلوسوفيتش بتزويرها. تجاوب الشارع الصربي مع المعارضة، واكتظت شوارع العاصمة بلغراد بمئات الآلاف من الشعب الصربي ومن بينهم اعداد كبيرة من الطلاب، واضرموا النار في مبنى البرلمان. التزم الجيش والشرطة في صربيا الحياد مما اضطر ميلوسوفيتش إلى الاستسلام ل (الثورة) الشعبية، وأعلن تنحيه، وهنأ فيوسلاف كوستونيتشا على فوزه بالرئاسة. كانت تلك هي الثورة الاولى في الالفية الجديدة، وساهمت الاجواء الديمقراطية في تسهيل مهمة الثوار ضد ميلوسوفيتش.

التجربة الطلابية هذه انتقلت في غضون عامين الى جورجيا، فقامت في العام 2003 'الثورة الوردية' التي جاءت بميخائيل ساكاشفيلي الى منصب الرئاسة واعدا شعبه ب 'غد تشرق فيه شمس الديمقراطية'. وكان الجورجيون قد أقاموا أول صلات مع الحركة الطلابية الصربية (أوتبور) في ربيع 2003، حينما زار عدد من نشطاء المجتمع المدني بلغراد في جولة تحت رعاية مؤسسة سوروس (التي أنشأها الملياردير جورج سوروس). وخلال أيام من عودتهم استيقظت تبليسي على حركة جورجية على غرار (أوتبور). وظهرت كتابات على الجدران وفي شوارع العاصمة تقول 'كمارا!' أو 'كفى' باللغة الجورجية لتظهر الضجر الشعبي من الرئيس السابق. وردت الحكومة باتهام الطلاب بالعمالة لروسيا، وداهمت مكاتب 'كمارا' واعتقلت النشطاء وهددت بإغلاق قناة روستافي-2 التلفزيونية التي كانت تبث إعلانات (كمارا)، وهي الإجراءات التي زادت في النهاية من شعبية الحركة التي أدت لصعود نجم ساكاشفيلي.

ثم قامت الثورة البرتقالية في أوكرانيا ضمن ما اطلق عليه اسم 'الثورات الملونة'. وقد اندلعت عبر سلسلة من الاحتجاجات والأحداث السياسية وقعت في ذلك البلد في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) 2004 حتى كانون الثاني (يناير) 2005، في أعقاب جولة إعادة التصويت على الانتخابات الرئاسية الاوكرانية 2004 التي قيل انها مشوبة بالفساد على نطاق واسع. وكانت العاصمة الاوكرانية كيي'، هي النقطة المركزية لتحركات آلاف المحتجين يوميا بسبب الصراع على السلطة مما أدى إلى دفع العملية السياسية إلى ما يشبه حالة الاختناق، بسبب التجاذبات بين طرفين، الطرف الأول: رئيس الجمهورية فيكتور يوشيشينكو، وحليفته زعيمة كتلة المعارضة البرلمانية (الأقلية) يوليا تيموشينكو. الطرف الثاني: رئيس الوزراء فيكتور يانوكوفيتش وحلفاؤه زعماء كتلة الأغلبية البرلمانية. وقد تم إلغاء نتائج الدورة الحاسمة الأصلية وأمرت المحكمة فى أوكرانيا بإقامة دورة ثانية حاسمة فى السادس والعشرين من كانون الأول (ديسمبر) 2004. وبسبب التدقيق الدولي المكثف، أثبتت النتائج الرسمية للدورة الثانية الحاسمة أنها حرة وقانونية لصالح يوشينكو بصورة واضحة. اما مصطلح 'الثورة المخملية' فقد استعمل في التسعينات عندما قام نشطاء المجتمع المدني في اوروبا الشرقية والوسطى بتنظيم اعتصامات سلمية للإطاحة بالانظمة الشمولية الحاكمة. وسميت الثورة المخملية أو الثورة الناعمة؛ وذلك لعدم تلوثها بالدم واستخدام العنف. هذه التحركات دعمت مفهوم المجتمع المدني ووضحت أهميته في رسم السياسات الخارجية والداخلية لهذه الشعوب، بدون حصرها في إطار حكومي. وأصبح دور المجتمع المدني كبيرا في مقاومة الاستبداد والطغيان من خلال الفعاليات السلمية. فالحاكم الذي يشعر انه مدين لشعبه بسبب انتخابه للمنصب، يختلف عن الحاكم الذي يعتقد ان الشعب مسخر له، وانه ليس حاكما فحسب، بل انه المالك للأرض والوطن، وان لديه السلطة المطلقة للتصرف ليس في المال العام فقط بل في الوطن كله.

لم تتوقف حركة التغيير في المجتمعات التي تخلصت من الانظمة الشمولية، فقد تواصلت هذه الحركات تباعا طوال العقد المنصرم، بل ان بعضها لا يزال مستمرا. وفي الاسابيع الاخيرة استطاعت المعارضة في قرغيزستان، اجبار الرئيس السابق على الاستقالة. فقد خرجت قبل ثلاثة اسابيع مظاهرات واحتجاجات قتل فيها ما لا يقل عن 84 شخصا عندما تحول احتجاج ضد الرئيس كرمان بك باقييف الى معركة بالرصاص وسلب ونهب ليلا في العاصمة القرغيزية. وصوب جنود موالون لباقييف نيران بنادقهم تجاه حشد من آلاف المتظاهرين، الامر الذي ادى الى قتل الكثيرين. وقد اضطر الرئيس المخلوع للهرب الى كازاخستان المجاورة، ومنها بعث رسالة استقالة الى حكام البلاد الجدد. وتم تشكيل حكومة مؤقتة بقيادة روزا اوتونباييفا.

اما المشهد الاخير في الثورات الملونة فما تزال فصوله تتواصل في تايلاند. ويحتل 'أصحاب القمصان الحمراء' الحي التجاري الفخم في بانكوك منذ مطلع الشهر. ويقول المحتجون ان رئيس الوزراء التايلاندي المولود في بريطانيا والذي تلقى تعليمه في جامعة أوكسفورد وصل الى السلطة بطريقة غير شرعية في أواخر 2008 وترأس ائتلافا كونه الجيش بعدما حلت المحاكم حزبا مواليا لتاسكين رئيس الوزراء السابق. وقد تحولت الاحتجاجات الى مواجهات دموية بين الجيش والمحتجين وأدت الى مقتل اكثر من 25 شخصا حتى الآن. وتعتبر انتفاضة 'اصحاب القمصان الحمراء' الأخطر في التاريخ المعاصر لتايلاند.

هذا الاستعراض السريع للثورات الملونة يكشف حالة الحراك السياسي في المجتمعات المعاصرة. انه حراك ليس في مجتمعات محكومة باستبداد مطلق، بل في ظل انظمة تحكم بأنظمة تمارس شكلا من اشكال الديمقراطية. اهداف هذه 'الثورات' تقويم العمل السياسي في بلدانها وفق المنظومة الديمقراطية. وهي في أغلبها احتجاج ضد تزوير ارادة الناخبين، ولا تستهدف جوهر النظام السياسي. فالغالبية الساحقة من بلدان العالم محكومة بانظمة سياسية تمارس نسخا متعددة للمنظومة الديمقراطية التي تقوم على عدد من الأسس: اولها ان الشعب مصدر السلطات، فهو الذي يقرر نظام الحكم الذي يريد، وينتخب الحكومة التي يرتضيها. ثانيها: انها تقوم على تعدد الاحزاب، لمنع استبداد الحزب الواحد، وتقطع الطريق على الفئوية المقيتة. ثالثها: انها تقوم على اساس الايمان بالتبادل على السلطة، فليس من حق أحد البقاء على كرسي الحكم مدى الحياة، كما يحدث في كافة بلداننا العربية. رابعها: انها تمنع توريث الحكم، فليس من حق الحاكم المنتخب توريث السلطة لابنائه ابدا. خامسها: انها تعتمد مبدأ فصل السلطات، وان كل سلطة يفترض ان تكون مستقلة عن الاخرى، وبالتالي فلا مجال لاستبداد الحاكم الذي لا يمتلك السيطرة على بقية السلطات. بينما الحاكم في بلداننا العربية هو فوق السلطات جميعا، وليس محكوما بالقانون الذي يحكم بقية المواطنين. بل ان بعض حكام بعض الدول يتمتع ب 'ذات مصونة' اي خارج اطار القانون، فلا تجوز مساءلته عما يفعل، ولا يتساوى مع الآخرين امام القانون. وفي ظل هذه الانظمة تغيب سمات 'الوطنية' التي تختصر في شخص الحاكم وحاشيته، فهو 'الوطن' وهو 'القانون' وهو 'الدستور' وهو 'فوق السلطات جميعا' بنصوص دستورية مكشوفة. انه صاحب الحق في التصرف بالمال العام، يوجه نسبة منه الى خزينة الدولة ويتصرف بالباقي كما يشاء. الحاكم عندنا هو الذي يمثل 'سيادة' البلد، وبالتالي فليس من حق أحد مساءلته حول التحالف مع القوى الاخرى او السماح للقوى الاجنبية بانشاء القواعد العسكرية على اراضي البلد الذي يحكمه. كما لا تجوز مساءلته من قبل المؤسسات التشريعية او الرقابية.

هذا السلوك المفرط في الاستبداد والشمولية هو المسؤول عما آلت اليه اوضاع الأمة من شتات وتفكك وتمزق. وهو المسؤول عن حالة التخلف التي ترافق الشعور باللاوجود لدى المواطن، كما انه من اهم اسباب حالة الانحطاط السياسي والعلمي والنفسي والقيمي لدى قطاعات واسعة من ابناء الأمة بعد ان احست بالاحباط كحالة قاتلة للمجتمعات والأمم.

أزمة الحريات عنوان عام لما تواجهه الامة من ازمات ومحن، وهي أزمة تتواصل بدون توقف خصوصا مع استمرار التدخل الاجنبي في شؤون هذه البلدان، من جهة، وتفرعن الكيان الاسرائيلي من جهة اخرى. وبالتالي فالمواطن العربي يجد نفسه في صراع متواصل مع نفسه عندما يصمت، ومع ضميره عندما ينطق بغير ما يؤمن به، لانه عاجز عن مواجهة هذا الظرف الاستثنائي الخطير الذي تضافرت فيه جهود المستبدين والمحتلين معا لمواجهته والتغلب عليه كإنسان برؤى وتطلعات وهموم. ان مشروع المواجهة مع الاستبداد صعب وطويل الأمد، اذ ان جذور ذلك الاستبداد مشرئبة في نفوس اصحابه، وممتدة الى نفوس الآخرين الذين استطاع النظام العربي تجنيدهم لتضليل الجماهير وتخديرها. وثمة تساؤلات عن الاسباب التي تدفع الشعوب الاخرى، برغم فقرها، للانتفاض ضد من يسعون لمصادرة حقها او تزوير ارادتها، بينما شعوبنا العربية تعيش سباتا عميقا تعجز عن الاستيقاظ منه. هل هي الثقافة الموروثة عبر الاجيال؟ ام هو قصور الوعي العملي لدى المواطن العربي العادي؟ أهو حالة من الجبن التي هيمنت على النفوس؟ ام استسلام لواقع تضافرت جهود اعداء الامة لابقائه متخلفا؟ وربما الامر الاخطر بروز مؤشرات غير قليلة، من اوساط دينية ومثقفة، تمارس التنظير للتعايش مع الاستبداد، الامر الذي يفت في عضد نشطاء التغيير ويدفعهم للتساؤل عن جدوى العمل التغييري الذي دفع رواده تضحيات كثيرة عبر العقود.

مطلوب هزة ضميرية ونفسية وفكرية لتحريك اسباب التغيير وتوفير شروطه من خلال تغيير ما بالنفوس من ضعف وميل للتعايش مع الاستبداد. فاذا كانت الثورات الملونة قد تحركت احتجاجا ضد تزوير ارادة شعوبها، فإن ارادة شعوبنا مسحوقة من الاساس، ولا مجال لتفعيلها عبر صناديق الاقتراع التي ان وجدت اصبحت وسيلة تقنين للطغيان والاستبداد، وليس تعبيرا عن الحق الشعبي المشروع او الحرية المنشودة. مطلوب فك الارتباط بين اية جهة ايديولوجية او سياسية او دينية وانظمة الاستبداد. وما لم يحدث فك الارتباط هذا، فلن تتمتع الشعوب بحريتها يوما، وستظل ارادات الشعوب مقيدة ليس داخل زنزانات التعذيب فحسب بل في مقاعد مجالس الشورى الصورية التي توفر الشرعية للاستبداد، وتقدم شهادات زور لأنظمة القمع بانها حرة وديمقراطية وتقدمية، وما أكثر الامثلة التي تؤكد ذلك في بلداننا العربية.

'' كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

=====================

كيف يتغير العالم؟!

عبدالمنعم سعيد

الشرق الاوسط

28-4-2010

سوف أحاول أن أكون مغامرا في هذا المقال، ففي العادة لا يصبر الكتاب أو القراء كثيرا على حديث مفعم بالنظريات والحجج الأكاديمية؛ كما أنه عندما يتعلق الأمر «بالتغيير» فإن الأمر يبدو كما لو كان تناولا لواحدة من سنن الحياة، وكان أفلاطون قد قال إن الإنسان لا ينزل في نفس النهر مرتين، وهناك عشرات من الأقوال المشابهة، ومنذ وقت طويل عانت مقولة أنه «لا جديد تحت الشمس»، رغم شيوعها في بلادنا، كما هائلا من السخرية. ولكن المسألة ليست فقط في إدراك التغيير ومداه واتجاهاته، وإنما أيضا في تفسيره، وعندما يتعلق الأمر بما يجري في العالم فإن المسألة كلها تزداد تعقيدا. أما لماذا نهتم بذلك كله، فإن الموضوع ليس الرضا العلمي بقدر ما هو السياسات التي نسعى إلى تحقيقها، وبدون أن تكون قائمة على فهم صحيح لما يجري فإنها إما ستجرنا إلى كوارث لا حد لها، أو أنها سوف تنتهي بنا إلى دفع تكلفة عالية.

علماء العلاقات الدولية اتفقوا منذ وقت طويل، أو اتفقت كثرة منهم، إذا شئت الدقة، على أن النظام العالمي يتغير إذا ما جرت تغييرات جوهرية في ثلاثة أمور: نمط التكنولوجيا السائد، وعلاقات القوى القائمة، وقائمة الأعمال التي على كل دول العالم أن تتعامل معها. المثل الواضح كان بعد الحرب العالمية الثانية التي نقلت العالم من الثورة الصناعية والتكنولوجية الأولى إلى الثانية، وانقلب العالم من متعدد الأقطاب إلى نظام القطبية الثنائية، ومن ثم فقد باتت القضايا الرئيسية للمجتمع الدولي هي تلك التي تعلقت بالحرب الباردة وسباق التسلح والصراعات الإقليمية التي ينقسم أطرافها بين معسكري العالم. ولكن الدنيا تغيرت، أو انقلبت في نهاية الثمانينات عند سقوط حائط برلين، ومعه تم إشهار الثورة الصناعية التكنولوجية الثالثة، ومعها ظهر مصطلح «النظام العالمي الجديد» في بداية التسعينات من القرن الماضي، عندما لمح إليه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب بعد انتهاء حرب عاصفة الصحراء (حرب الخليج الثانية) بخروج القوات العراقية من الكويت، حيث تحدث عن «عهد جديد من الحرية والسلام» تنعم به الشعوب المختلفة على مستوى العالم. وعقب ذلك حظي هذا المصطلح باهتمام أكاديمي وسياسي واضح واكتسب وجاهة خاصة مع انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء عهد الاستقطاب الدولي وبروز الولايات المتحدة الأميركية كقوة عظمى وحيدة على الساحة الدولية، حيث بدأ الترويج لمصطلح «النظام العالمي أحادي القطبية»، وظهرت طروحات فكرية عديدة تتوافق مع هذا المصطلح من قبيل مقولة «نهاية التاريخ» للكاتب الأميركي (الياباني الأصل) فرانسيس فوكوياما التي تقوم على أن التاريخ وصل إلى نهايته بانتصار المعسكر الرأسمالي وسقوط الشيوعية وهيمنة القيم الأميركية، والغربية عموما، من قبل اقتصاد السوق والديمقراطية، على الصعيد العالمي. وعلى أي الأحوال فقد كانت قائمة الأعمال العالمية مرتبطة بتحول العالم كله إلى سوق رأسمالية واحدة عبرت عنها منظمة التجارة العالمية، ومن بعدها بدأ الاستعداد لنظام مالي موحد كانت الخطوة الأولى فيه أن تكون عملات العالم كلها قابلة للتحويل.

هل يمكن الآن الحديث عن نظام عالمي آخر، العلماء يقولون لنا الآن إن العالم يدخل طورا جديدا من الثورة الصناعية التكنولوجية يمكن تسميته بثورة جديدة لأنها تغير حياة الناس بصورة كيفية لم تحدث من قبل. صحيح أنها فيها الكثير من الامتداد لما كان جاريا في ثورات الاتصالات والجينات، ولكن المزج بينهما من خلال وسائل الاستشعار، والقفزات الضخمة في مصادر الطاقة المتجددة تجعلنا أمام تاريخ آخر. أما علاقات القوة فإنها تبدو تغيرت هي الأخرى، فمما لا شك فيه أن الولايات المتحدة لم تعد على حالتها، وأصابتها الجروح والتكاليف الفادحة في العراق وأفغانستان والأزمة الاقتصادية، ويأتي الصعود الكبير للصين لكي يطرح فكرة القطبية الثنائية مرة أخرى، حيث يصل معدل النمو في الصين إلى أكثر من 9%، وهي القوة العالمية الثالثة بعد الولايات المتحدة واليابان لدرجة أن بعض المراقبين يرشحونها لتتبوأ المكانة الأولى عام 2015. ووفقا لبعض التقديرات، فإنه في حالة استمرار معدل النمو الاقتصادي للصين على هذا المستوى، فإن ذلك يمكن أن يجعل ناتجها المحلي الإجمالي يصل إلى 80% من الناتج الداخلي الخام للولايات المتحدة بحلول عام 2020. وعلى الصعيد العسكري، تأتي الصين في المرتبة الثانية على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة من حيث الإنفاق العسكري، حيث يتوقع أن تخصص 77.9 مليار دولار لهذا الغرض عام 2010.

ولكن المسألة ليست بهذه السهولة، فالولايات المتحدة ما زالت تشكل القوة الرئيسية على مستوى العالم من حيث مؤشرات القوة المعروفة: السياسية والاقتصادية والعسكرية. فهى السوق الرئيسية على مستوى العالم، وتمتلك الاقتصاد الأقوى على الساحة، حيث يقدر إجمالي ناتجها المحلى (بالقوة الشرائية) لعام 2009 ب14.26 تريليون دولار. وهو ما يساوي تقريبا الناتج المحلي الإجمالي لكل دول الاتحاد الأووبي السبع والعشرين، بل إنها تتفوق على كل من الصين واليابان معا، حيث الناتج المحلي الإجمالي للأولى قدره 4.9 تريليون دولار بينما الثانية 5.075 تريليون، وهى كذلك تظل متفوقة حتى لو أضيفت روسيا إلى العملاقين. ومن حيث الإنفاق العسكري، تسهم الولايات المتحدة بأكثر من نصف إجمالي الإنفاق العسكري على مستوى العالم. ووفقا لبعض التقديرات، تنفق واشنطن على دفاعها 10 أضعاف ما تنفقه الصين و12 ضعف ما تنفقه روسيا و100 ضعف ما تنفقه إيران. وإذا أضفنا إليها حلفاءها في الناتو إلى جانب اليابان وكوريا الجنوبية، فإن الإنفاق العسكري لهذه الكتلة سوف يصل إلى 1.1 تريليون دولار سنويا.

ولكن ربما تصل معضلة قياس الحال في النظام العالمي إلى أن هناك حقيقتين لا جدال فيهما: الأولى أن حالة الولايات المتحدة لم تعد كما كانت في العقد الأخير من القرن العشرين من حيث القوة والمنعة والتأثير. والثانية أن قائمة الأعمال العالمية خلال العقد لم تعد قائمة على علاقات القوة والتنازع بين القوى العظمى أو الكبرى، حيث كان الموضوع الأساسي في العلاقات الدولية ما سمي بالحرب ضد الإرهاب، والأزمة في العلاقات بين الغرب والأصولية الإسلامية التي شملت مجالات وأبعادا مختلفة. ذلك خلق شكلا جديدا للعلاقات بين القوى الكبرى ربما كان أفضل من عبر عنه باراك أوباما الذي تبنى نهجا مختلفا يعتمد في الأساس على أن مستقبل العالم لن يقوم على فكرة القطبية، وإنما يعتمد على سيادة قيم ونظم معينة ترتبط بالديمقراطية والرأسمالية والحرية. أي إن القطبية، وفقا لهذه الرؤية، سوف تكون في المستقبل لنظم وقيم وليس لدول. هذه الرؤية تحديدا عبر عنها الرئيس الأميركي أوباما بوضوح في خطاب جامعة القاهرة في 4 يونيو (حزيران) 2009، عندما قال إن «الديمقراطية مبادئ مشتركة وليست خاصة بالولايات المتحدة الأميركية».

هذه الرؤية الجديدة تطرح مضامين عدة، أهمها أن النظام العالمي الجديد هو نظام تصالحي لا يستبعد أحدا من أطرافه، تتداخل فيه المصالح الوطنية مع الدولية، صحيح أن بين فواعله خلافات عديدة لكنها خلافات طبيعية يمكن حلها بقيم وآليات مثل الحوار أو ما يسمى ب«ديمقراطية العلاقات الدولية» بما يضمن الاستقرار للجميع، ويمنع تفاقم النزاعات التي يتطور بعضها إلى مواجهات مسلحة يدفع ثمنها عدد كبير من الأبرياء. وقد اتخذت الإدارة الأميركية خطوات في هذا السياق، منها الاتجاه نحو صياغة علاقات جديدة حتى مع من يعتبرون خصوما للولايات المتحدة مثل محاولة فتح حوار مع إيران وسورية، واستبعاد استراتيجية الحروب الاستباقية، وتقليص النزعة التفردية في إدارة الأزمات الطارئة على الساحة الدولية، وقد ترجم أوباما ذلك بقوله أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 23 سبتمبر (أيلول) 2009، إن «الولايات المتحدة ليس بوسعها أن تحل مشاكل العالم الملحة وحدها» وأنه «إذا كنا صادقين مع أنفسنا علينا أن نعترف بأننا لا نتحمل هذه المسؤولية». هل معنى ذلك أن «القوة» بمعناها المادي باتت مستبعدة في العلاقات بين الدول العظمى، وأن من الأفضل الآن أن نتحدث عن القدرة على

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ