ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 15/05/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ما يرفض الاسرائيليون علمه

اسحاق ليئور

هآرتس 12/5/2010

5/13/2010

القدس العربي

يحب الاسرائيلي الاسرار العسكرية. كتب رجال الامن المتقاعدين، والجواسيس السابقين، وأناس الشاباك والموساد المتقاعدين تباع جيدا. توجد ثقافة كاملة تدور حول ما 'لا يحل الكلام فيه ومع كل ذلك يحبون الاستماع'. لا إلى قصص من الماضي فحسب كأن نفترض كيف تم القضاء على 'الأمير الأحمر' (رجل أيلول الأسود، علي حسن سلامة) في بيروت في 1979 - بل قضية دبي هي مثل ممتاز على شهوة الجمهور لأن يعلم ويسمع ويرى ويشتري أخبارا، بل إن الفشل أثار اهتمام الجمهور، وكان لذلك تأييد أخلاقي أيضا. والتأييد الاخلاقي يساوق جيدا الرغبة في المعرفة: 'حتى لو لم نقتله استحق الموت'، قالوا في التلفاز.

لا يريد الجمهور أن يعلم شيئا واحدا، وربما تكون عبارة 'أكثر الجمهور' تعبيرا أكثر حذرا، وليس الحديث عن سر عسكري. وقف استطلاع للرأي قام به مركز تامي شتاينمتس لابحاث السلام ونشر في صفية 'هآرتس' قبل اسبوعين، على هذه القضية: لا يريد الجمهور أن يسمع عن اضطهاد الفلسطينيين فقط. فليس الحديث عن حفظ للسر بل عن انكار.

أشك في أن تكون هنالك حاجة الى استطلاع للرأي. فحسبنا أن نشاهد الاخبار في قنوات التلفاز التجارية، كي ندرك أن ما يجري في المناطق 'غير معروف'. لكن القضية أخطر. إن ما يجري في المناطق أخذ يصبح أمرا محظورا. ففضلا عن أنهم لا يريدون المعرفة، لانه يوجد ما يعرف (وإلا لما رفضوا المعرفة)، يرى الجيش المصدر الشرعي الوحيد للمعلومات عما يحدث في المناطق. لكن الجيش يكذب اذا لم نشأ المبالغة. إن اللغة التي يستعملها لوصف اطلاق النار على المتظاهرين الفلسطينيين غير العنيفين مليئة دائما بالمبالغة، وكذلك الحاجة الى التفسير تنجم فقط عندما تنشر منظمة مثل 'بتسيلم' صورا نرى فيها مثلا كيف يطلق المستوطنون النار ولا يحرك الجيش ساكنا. هذا مثل من الاعمال التي لا يريد الاسرائيليون معرفتها.

المناطق بعيدة. والفلسطينيون يعيشون بعيدا. المسؤول عن هذا الهذيان هو السور وشوارع الفصل والجيش ونشرات أخبار التلفاز. إن 'يهودا والسامرة' قريبة. والمستوطنون يعيشون بيننا. فهم مصورون وبيوتهم مصورة. وهم في الجيش. هم الجيش. لكن الفصل بين القريبين جدا ذوي الحق في الانتخاب والسلاح والحقوق والمخصصات وبين من يسكنون على البعد المادي نفسه، وينبغي ابقاؤهم بعيدين، وراء أسوار وجدران وحواجز يتم هذا الفصل بمساعدة رفض المعرفة. الانكار.

إن منظمات حقوق الانسان تطارد، كما نقول حرفيا. بسبب رفض المعرفة بالضبط. إن تحريم المعرفة يعني أنه لا يحل للوعي أن يتنقل حرا فوق الحقائق والمناظر والاصوات والخيارات كل اولئك كان يفترض ان يركب وعيا اسرائيلي الذي يعيش على مبعدة 5 دقائق من الاشياء التي لا تصدق: 43 سنة من الديكتاتورية العسكرية على شعب آخر. إن الدعاوى الأمنية تصبح قزما لان الدعوة المضادة التي تقول ان الوضع الأمني متعلق بالسلب والسيطرة على المصادر الطبيعية والقيود التي لا تنقطع على نهج الحياة. لكن الدعوى الاخرى لا تستطيع البتة مواجهة طريقة التفكير الاسرائيلية وهي أننا هنا وهم ليسوا هنا. الحرية الوحيدة هي الحرية في أن تكون وأن تمحو ما يشكك في أمن المعرفة المتنكرة.

عندما أراد مدير مدرسة في تل أبيب أن يأخذ معلميه لرؤية الحواجز، انقضوا عليه غاضبين وطلبوا دعوته الى 'مساءلة'. إن القليل من النبوءات المتحققة لكارل ماركس تشتمل على ما قاله في مقالة قصيرة جدا في 1870: 'إن شعبا يضطهد شعبا آخر يقوي قيوده هو نفسه'. لا توجد لحظة تاريخية أنسب لتمثيل هذه النبوءة من هذه اللحظة التي نعيشها.

==================

مدفيدف في دمشق

محمود ابراهيم الحويان

الدستور

13-5-2010

على عجل ، حط الرئيس الروسي ديمتري مدفيدف في دمشق ، واجرى مباحثات مع السوريين ، وتناقشوا في قضايا مهمة ، كان المعلن عنها ، ان اسرائيل لن تقوم هذا الصيف ، بشن حرب ضد سوريا او لبنان.

 

هكذا ببساطة ، تقول الاوساط الاعلامية ، ان الروس يحملون رسالة مؤكدة من شيمون بيريز ، بان الرغبة الاسرائيلية ، هي ببدء المفاوضات وبسرعة ، ومن حيث انتهت ، وان ما يجري من تراشق في التصريحات ، خاصة ما ورد على لسان وزراء الخارجية والدفاع الاسرائيليين ، ما هو الا للدعاية والاعلان فقط.

 

بالمناسبة ، لم يقولوا لنا هل تلك الدعاية مدفوعة الاجر؟ بمعنى انها على حساب المعلن ام ان الاسرئيليين تاهوا في اجندتهم ، ولا يعرفون في أي ملف سيبدأون ، هذا الصيف؟ لكن كل ما يجري على الارض ، يؤكد ان شيئا لا علاقة له بالسلام ، هو الذي سيحدث.

 

الروس لا يتحركون لوجه الله ، ولسواد عيون العرب ، بل تحكمهم مصالح مشتركة مع الغرب بوجه عام ، ومع الولايات المتحدة على وجه الخصوص ، ورغم ما يعلنونه من انهم لا زالوا اصدقاء للعرب ، الا انهم يميلون حيث تميل الريح ، وهذا حقهم.

 

الواضح للعيان ، ان روسيا لم تعد دولة قوية ، ولا تستطيع ان تقف امام امريكا ، ولا ان ترفع صوتها بوجهها ، وانّى لها ذلك ، وهي التي اجلستها منذ مؤتمر مدريد للسلام ، في المقعد الخلفي.

 

بيد ان الروس اذكياء ، فهم وان غادروا موقعهم المتقدم ، بعد نهاية الحرب الباردة ، الا انهم يحتفظون بهامش من المناورة ، والعلاقات المتوازنة مع اطراف اللعبة في الشرق الاوسط ، وهم يدركون ان ذلك ليس بالمجان.

 

منذ اشهر طفت على السطح ، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ، امور جميعها تصب بعيدا عن مجرى السلام ، بل ان العميلة السلمية برمتها ، اصبحت ضربا من الخيال ، فلا بوش الصغير ، الذي غادر غير مأسوف عليه وفى بشيء ، ولا السيد الجديد اوباما يملك مفاتيح الحل.

 

بل ان تل ابيب ، قد سحبت البساط من تحت قدمه ، ورفضت اقتراحاته بوقف الاستيطان وحل الدولتين ، وجعلته يتحول معها شرقا نحو ايران ، وكأن الصواريخ الايرانية جاهزة لضرب العاصمة الامريكية ، لتحيلها رمادا فوق رؤوس اهلها.

 

واسرائيل تتقن خلط الاوراق ، بينما نحن العرب ، ننتظر الفعل منها على الدوام ، لكي نلهث بسرعة الريح ، نحو الجامعة العربية ، ومن على منبرها نخاطب العالم ، نستنجد به ، وكأنه معني بنا وبقضيتنا.

 

اسرائيل تريد الان ان تجهّز الصواعق على جميع الجبهات حولها ، من اجل صيف ملتهب ، فمن جنوب لبنان ، الى المرتفعات السورية ، الى غزة ، الى بدء الترانسفير على مراحل ، فيحتار العرب بامرهم ، ويبقون في حالة ارتباك وقلق ، وهذا جزء من حربها النفسية علينا منذ عقود.

 

هي وان اصبحت خطتها لضرب القوة النووية الايرانية جاهزة ، وبانتظار كلمة السر ، الا انها تختار التوقيت الذي يناسبها ، وذلك لكي تبدو انها في حالة دفاع عن نفسها ، لا اكثر.

 

الروس دائما على اطلاع ومعرفة ، ولديهم معلومات مؤكدة ، فتوقيت زيارة مدفيدف مرتبط بالكثير من الامور ، اولها قضية الصواريخ سكود ، وما اثير حولها من ردود فعل متباينة بين دمشق وتل ابيب.

 

وثانيها ان موسكو لا يرضيها ، ان يكون الدخول التركي على الخط ، بهذه الصورة من القوة والوضوح ، وهي بعيدة ، لان أي تحرك له حساباته الدقيقة في البيت الابيض ، فلا بأس من دور الوسيط ، وحامل الرسائل ، على اقل تعديل.

 

الرئيس الروسي اجاب عن الكثير من الاسئلة ، واستمع لاجابة الرئيس السوري على كثير من الامور ، واعتقد انه خرج بمحصلة من الافكار ، يقول بعضها ، ان الامور ليست على ما يرام ، فلا دمشق تؤمن بالطرح الاسرائيلي ، ولا تل ابيب صادقة بموضوع استئناف المفاوضات.

 

وتبقى اهمية الزيارة ، انها الاولى للرئيس الروسي ، وانه يحمل رسائل ، ويسمع وجهات نظر ، لقضية قيل فيها الكثير ، وحفظت لها ملفات تنوء بحملها الجبال ، لكن الاكثر اهمية ، هو ان هناك شخصا ما ، او اكثر ، في مكان ما ، يعرف (كلمة السر) ، واصبعه على (الزر) ليبدأ البركان بالثوران ، عندها لا ندري ، اي حمم ودخان ورماد ، ينتظره سكان هذا الشرق؟.

hoyanm@yahoo.com

==================

تعثر الاتحاد من أجل المتوسط

علي الصفدي

الدستور

13-5-2010

تسعى بعض الدول الأوروبية إلى إيجاد صيغ إطارية إقليمية جديدة تتيح من خلالها لإسرائيل الانضمام إليها إلى جانب الدول العربية لتطبيع العلاقات معها قبل أن تعمل على إلزامها بالإيفاء بمتطلبات التسوية السلمية التي توجب عليها الإقرار بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني ووقف احتلالها واستيطانها لأراضيه المحتلة في حزيران 1967 بما فيها القدس الشرقية لتمكينه من إقامة دولته المستقلة عليها وفق حل الدولتين الذي يتبناه المجتمع الدولي وتضمنه مبادرة السلام العربية.

 

وتعد صيغة منظمة الاتحاد من أجل المتوسط التي تشكلت في العام 2008 بمبادرة من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ، والتي تضم 27 دولة أحدث المنظمات الإقليمية التي تجمع بين عرب البحر المتوسط وإسرائيل إضافة إلى الدول الأوروبية المشاطئة للمتوسط ، والتي تهدف إلى تحقيق التعاون بين تلك الدول حول عدد من المشاريع الاقتصادية والعلمية والثقافية والبيئية والطاقة بغية إقامة تعاون أورو - متوسطي سبق أن أطلقته مبادرة برشلونة عام 1995 ، تلك المدينة الإسبانية المرشحة لاستضافة اجتماع قمة لدول المنظمة الاتحادية من أجل المتوسط في الثامن من حزيران المقبل ، إلا أن خط هذه القمة لن يكون أفضل من خط مبادرة برشلونة التي ظلت حبراً على ورق طوال السنوات الماضية ، إذ برزت أمامها عدة عقبات قد تعترض سبيل عقدها منها رفض الدول العربية الأعضاء وخاصة مصر وسوريا الموافقة على حضور وزير خارجية إسرائيل أفيغدور ليبرمان لاجتماعات القمة إلى جانب رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو ، وتهديدهما بمقاطعة القمة إذا حضرها ليبرمان والذي يصر على المشاركة فيها ويعلن أن لا أحد يفرض على إسرائيل تشكيلة وفدها إلى المؤتمر ، والمقاطعات العربية تستهدف ليبرمان شخصياً دون استهداف المشاركة الإسرائيلية بالقمة ، وقد سبق لفرنسا أن دعت في شهر تشرين الأول الماضي إلى اجتماع لوزراء خارجية منظمة الاتحاد من أجل المتوسط يعقد في اسطنبول ، واعترضت مصر حينها على مشاركة ليبرمان مما أفشل عقد ذلك الاجتماع ، وهذه المرة تتكرر ذات العقبة في الدعوة إلى اجتماع القمة المتوسطية التي يحبطها التعثر قبل التئامها.

 

وكان الأجدى للدول الأوروبية الساعية إلى إدماج إسرائيل في المحيط المتوسطي والعربي بالذات أن تعمل أولاً وقبل كل شيء على إقناع إسرائيل بالتوقف عن الخروج على القانون الدولي والتنكر لقرارات الشرعية الدولية التي تدعوها إلى وقف استيطانها وإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية المحتلة ، وتقبل الانخراط في جهود السلام فعلاً لا قولاً ، مما يسهل عليها المشاركة في النطاق الإقليمي ، وبغير ذلك يصعب تقبل إسرائيل والتطبيع معها من جانب الدول العربية ، كما يصعب تحقيق أية صيغة تعاونية معها في أي إطار إقليمي ، وستبقى أية صيغة مطروحة تهدف إلى فتح نافذة خلفية لها للدخول منها إلى النطاق العربي ، محكومة بالتعثر والفشل.

Date : 13-05-2010

==================

سياسة أوباما الخارجية... وعود وتحديات

وارين كريستوفر (وزير الخارجية الأميركية من 1993إلى 1997 )

«إم.سي.تي. إنترناشيونال» والاتحاد الاماراتية

الرأي الاردنية

13-5-2010

أثناء حملته الرئاسية لعام 2008، وعد أوباما بوضع حد لعزلة أميركا الخارجية، والانخراط في الشؤون الدولية.

وقد سعى خصومه إلى رد هذا المقترح إلى نحره، بوصف ذلك الوعد بأنه ساذج. لكن أوباما اعتبر انتخابه للمنصب الرئاسي تفويضاً له للانخراط في ما وعد به. وليس من وعود حملته الانتخابية ما يفوق التزام إدارته بتطبيقه لما وعد به في مجال السياسة الخارجية.

وبالطبع فإن الانخراط، لا يصنع بحد ذاته السياسة الخارجية لدولة ما، غير أنه يمثل عاملاً مهماً للغاية من العملية التي نسعى بواسطتها إلى الدفع بأهدافنا الدولية، فضلاً عن أنه العامل الذي ينبغي لبلادنا أن تستثمر كثيراً من رأس المال السياسي والبشري.

وحين يدشن السيناتور السابق جورج ميتشل عملية التفاوض غير المباشر بين الإسرائيليين والفلسطينيين الأسبوع المقبل، فإننا نتوقع للولايات المتحدة أن تكون قد دخلت مرحلة جديدة وصعبة من سياسة أوباما الخارجية الداعية للانخراط في التفاوض الدبلوماسي. وهنا في منطقة الشرق الأوسط، لا تبدو الأجواء واعدة. فعلى امتداد سنوات عديدة، التقى الطرفان على نحو منتظم في أجواء أكثر ملاءمة ووداً إلى حد ما. غير أن التوتر الذي حدث بينهما خلال العام الحالي، جراء سياسات التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، باعدت المسافة بينهما. وعليه فإن كسر طبقة الجليد هذه، والعودة بكلا الطرفين إلى مرحلة التفاوض المباشر وجهاً لوجه، لا شك تطالبان «ميتشل» بكل الصبر والقدرة على الإبداع على نحو ما فعل سابقاً في حل النزاع الإيرلندي.

وكنت قد زرت المنطقة 20 مرة في عهد إدارة كلينتون، بهدف التوسط في إبرام صفقة تعاد بموجبها هضبة الجولان إلى سوريا، عبر المفاوضات غير المباشرة بين تل أبيب ودمشق. وقد كشفت لي تلك الزيارات والمحاولات مدى فشل المحادثات غير المباشرة. فقد ساهم غياب بناء الثقة بين الجانبين، وكذلك عدم إجراء المفاوضات المباشرة وجهاً لوجه بينهما، في عجز حافظ الأسد عن تجاوز مخاوفه من النوايا الإسرائيلية. كما كان لاغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين، في الرابع من نوفمبر من عام 1995، عامل مهم في تغييب دوره ونفوذه من المفاوضات التي أجريت حينها. وفي نهاية الأمر، فقد باءت كافة الجهود التي بذلناها في إعادة المفاوضات إلى مسارها الصحيح.

وإلى جانب الدور الذي يقوم به ميتشل، فقد واصل أوباما سعيه لاستخدام التفاوض الدبلوماسي بوصفه أداة مهمة لتحقيق أهداف سياساته الخارجية. وأحد أهم هذه الأهداف، وهو ما أكده أثناء تسلمه لجائزة نوبل للسلام: الحيلولة دون انتشار الأسلحة النووية، والعمل من أجل عالم خال من تلك الأسلحة. وكان لتدخله الشخصي المباشر في التفاوض مع نظيره الروسي ديمتري ميدفيديف، أهمية كبيرة في إبرام اتفاقية جديدة بديلة لمعاهدة «ستارت» المعنية بخفض الأسلحة الاستراتيجية، التي انتهت مدة صلاحيتها في شهر ديسمبر المنصرم.

وكان التوقيع على الاتفاقية الجديدة في براغ الشهر الماضي، ثمرة للجهود المشتركة للرئيسين، نتج عنها الاتفاق على خفض كبير لترسانة الدولتين من الأسلحة النووية، إلى جانب المساهمة في تعزيز العلاقات الأميركية-الروسية عموماً.

كما اتضحت الأولوية التي يعطيها أوباما للتفاوض الدبلوماسي، في ما جرى من تبادل بين واشنطن وبكين مؤخراً. فتحت تأثير عدم الرضا عن بكين لإرسالها وفداً دون المستوى الرئاسي للقاء به في مؤتمر قمة التغير المناخي التي عقدت في كوبنهاجن، أعلن أوباما عن صفقة لبيع أسلحة جديدة لتايوان، وهو ما أبدت بكين اعتراضاً قوياً عليه. ولمنع خروج هذه التوترات عن السيطرة، بعث أوباما، بنائب وزير الخارجية، «جيمس شتاينبرج» إلى بكين، بهدف طمأنة مسؤوليها على التزام بواشنطن بوحدة التراب الصيني، وعدم دعمها لأي نزعات انفصالية سواء كانت في تايوان أم في إقليم التبت. ومن جانبها أعلنت بكين عن اعتزام الرئيس هو جنتاو زيارة واشنطن قريباً لحضور مؤتمر القمة النووي الذي استضافته واشنطن. وأثناء حضوره للمؤتمر، أعرب «هو جنتاو» عن استعداد بلاده لإعادة النظر في فرض عقوبات دولية جديدة على إيران بسبب برنامجها النووي. وقد كان ذلك الإعلان تطوراً كبيراً دون شك.

كما كان تحسين الأداء في مجال حقوق الإنسان، موضوعاً رئيسياً للتفاوض الذي جرى مع حكومة ميانمار القمعية. ففي العام الماضي، ذهب إلى ميانمار دبلوماسيان أميركيان رفيعا المستوى، وطالبا الطغمة العسكرية الحاكمة هناك بتخفيف القيود المفروضة على الحريات المدنية والعامة، وسمح لهما بمقابلة زعيمة المعارضة أونج سان سوكي. كما تم وضع جدول زمني لإجراء انتخابات برلمانية، هي الأولى من نوعها خلال العشرين عاماً الماضية، وقد لقيت ترحيباً كبيراً هناك على رغم القيود المحيطة بها. إلى جانب ذلك، أطلقت طغمة ميانمار أحد السجناء الناشطين في مجال التحول الديمقراطي. ولا يعد هذا تقدماً كبيراً، لكنه من الأهمية بما يكفي لتأكيد التزامنا بهذه القضايا.

وقد تبدو أهداف السياسة مضللة وواهمة في بعض الأحيان، على رغم الجهود الكبيرة التي تبذل فيها. فعلى سبيل المثال، كانت إيران قد أبدت استعداداً مبدئياً على نقل ما لديها من يورانيوم إلى الخارج بهدف تخصيبه تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أنها غرقت في بحر من الصراعات والنزاعات الداخلية، على إثر انتخابات رئاسية مثيرة للخلاف، وتصاعد المعارضة الداخلية، وعلى رغم هذه التطورات، يواصل أوباما جهوده لفرض عقوبات أشد على طهران، إرغاماً لها على التراجع عن طموحاتها النووية. ولا شك في أهمية التفاوض مع جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، لا سيما الصين وروسيا، بغية تمرير هذه العقوبات عبر الأمم المتحدة. هذا ويتمثل محك الاختبار الحقيقي لجهود التفاوض، التي بذلها أوباما، في الحالات الأكثر صعوبة، مثل إيران وكوريا الشمالية.

==================

الأزمة المالية الأوروبية تهدد مستقبل أوباما

جميل مطر

السفير

13-5-2010

جاء اجتماع نائب الرئيس الأميركي برئيس الوزراء الإسباني في مدريد في أوائل هذا الأسبوع دليلاً جديداً على أن الأزمة المالية العالمية لم تبارح، وأن أزمة اليونان تهدد الاقتصاد العالمي بأكثر مما كان يتصوّر الكثيرون ويخشون. اختار جو بايدن مدريد لينقل إلى أوروبا رسالة قلق أميركي شديد وتحذير، ليس فقط لأن إسبانيا ترأس حالياً الاتحاد الأوروبي، ولكن أيضاً لأن إسبانيا مرشحة بعد البرتغال وايرلندا وإيطاليا أو معها أو قبلها، لتتحمل نصيبها في مسلسل الأزمات الذي توقعه محللون كثيرون في أوروبا وخارجها. كانت الرسالة الأميركية إلى أوروبا واضحة، وإن متأخرة، إذ طالبت بحزم أشد في التعامل مع الأزمة اليونانية قبل أن تنتقل عدواها إلى دول أخرى في أوروبا، وإن كان الدافع المباشر للتدخل الأميركي خوف إدارة باراك أوباما على الأسواق الذي هو أكثر من خوفها على أوروبا. تخاف أميركا من أن الأسواق إذا شعرت بتردد الحكومات الأوروبية في اتخاذ موقف موحد تجاه الأزمة في اليونان، ففي الغالب ستنكمش، وإذا انكمشت أو استسلمت، تعقدت جهود إدارة أوباما في إخراج أميركا من أزمتها الاقتصادية والعودة إلى الانتعاش.

ولا تتوقف الهواجس عند الولايات المتحدة، ففي أنحاء شتى من العالم ارتفعت أصوات كانت بالأمس مجرد همس داخل دوائر مسؤولة أو مغلقة تردد الشكوك المتنامية عن حال أوروبا وتضيف إليها. كانت منطقة اليورو في نظر الاقتصاديين، وخصوصاً «التكامليين» منهم، وحسب تعبير «الايكونومست» البريطانية، أعظم اختراع نقدي أثمرته عملية التكامل الأوروبية خلال53 عاماً، عمر الاتحاد الأوروبي، وبصفة خاصة بعدما اتسعت عضوية منطقة اليورو لتشمل16 دولة من دول الاتحاد. الآن تحوم الظنون حول الجدوى الحقيقية لهذه الثمرة، بل ربما حول الأداء الكلي للاتحاد الأوروبي. يتسرّب انطباع بأن أوروبا تتراجع بانتظام، فمن الناحية الاقتصادية بقي معدل النمو خلال السنوات الأخيرة عند حدود دنيا، لا يتجاوز في معظم الأحوال 1,5% بينما قفزت معدلاته في دول ناهضة إلى عشرة بالمئة وأحيانا أكثر. ومن الناحية السياسية لم تفلح أوروبا بعد نصف قرن من المسيرة التكاملية في صنع سياسة خارجية موحدة. ولعلنا، أهل الشرق الأوسط، أول من يؤكد هذه الحقيقة. فبالنسبة للكثير من العرب والأتراك والإيرانيين، تبقى أوروبا «سمعة» لا أكثر. ولعلها بعد سنوات أو عقود تصير في أحسن الأحوال تعود «تاريخاً» أو درساً كلاسيكياً يدرس في حصص مسيرة الحضارة والعلاقات الدولية والحروب العالمية المدمرة والاستعمار بكل صوره.

أوروبا بالنسبة لنا نحن أهل هذه المنطقة نراها في المحافل الدولية وقد تعدد من يمثلها حتى بدت دائما أقوى بكثير من قوتها الواقعية ونفوذها الحقيقي، فهي في منظومة الأمم المتحدة، وبالتحديد في مجلس الأمن، كما هي في مجالس القمة الدولية، كمجموعة الثماني ومجموعة العشرين، ممثلة بعدد أكبر مما تستحق. كانت أوروبا، وما زالت، لمن يبحث عن أصوات مؤيدة أو معارضة في مجلس الأمن، رصيداً قيماً لعدد أصواتها. وفي واقع الأمر كانت، وما زالت، لا تفيد كثيراً ولا تنفع بقدر عدد ممثليها وعلو أصواتهم.

الآن تأتي الأزمة اليونانية لتبرز للأوروبيين أنفسهم وبشكل صادم هذه الحقيقة المؤلمة. عشنا أسابيع نرى اليونان وهي تنظر حولها تبحث عن نصير أوروبي أو متعاطف لديه الشجاعة ليعترف بأن الأزمة في اليونان «عرّته» كما عرّت دولا أوروبية أخرى. نظرت اليونان حولها فوجدت عدداً كبيراً من دول الاتحاد تماثل حالتها، فالنمو الاقتصادي ضئيل، والدين العام في ارتفاع متواصل وأجور ترتفع وإنتاج ينخفض بينما اليورو يقف سدا فولاذيا يمنع تدخل الدولة لخفض العملة باعتباره الحل الأمثل والأسرع لتخفيف معاناة الناس.

اكتشف الأوروبيون أن عملة موحدة وحدها لا تحل مشكلات النمو والتوسع الاقتصادي إلا إذا كانت تديرها وتتحكم فيها حكومة موحدة، أما أن توجد عملة موحدة تتعامل معها 16 حكومة مستقلة الإرادة وخاضعة لضغوط يفرضها النظام الديموقراطي المتبع فيها جميعها، فهذا أمر تأكدت صعوبته.

في الوقت نفسه، كان تطوراً منطقياً ومتوقعا في ظل هيمنة عقيدة السوق في صورتها الأقرب إلى التوحش، أن ترفض الدولة الأقوى اقتصاداً في هذا التجمع الأوروبي الحلول المكلفة باعتبار أنها الدولة التي ستتحمل قسطاً كبيراً في جهود إخراج اليونان أو غيرها من أزمات مالية طاحنة. هنا حدث ما كان لا بد أن يتوقعه المحللون. لم ينس الأوروبيون تماماً قصصهم الدامية مع ألمانيا، فعملية تقييد ألمانيا في صورة القوة المفترسة ما زالت تجد من يغذيها كالحركة اليهودية العالمية مثلا، ولم ينس الألمان تضحياتهم بعد الحرب لإزالة آثارها وتعويض كل المتضررين، من يستحق منهم ومن لا يستحق، وإقامة اقتصاد إقليمي قوي. لا هؤلاء مستعدون لوضع رقابهم تحت أحذية الألمان الأغنى، ولا الألمان مستعدون للتضحية بأموالهم لإنقاذ اقتصاد دول، كثيراً ما اتهمها الألمان باعتمادها على الفساد والرشوة وسوء الإدارة، واتهموا شعوبها بضعف الرغبة في العمل والميل إلى الكسل والاسترخاء. تصادف  وهي الصدفة المؤلمة للطرفين  أن ألمانيا كانت تنطق بلسانها ولكن أيضاً بالنيابة عن حكومات الشمال، وأن الدول المأزومة جميعها تقع في الجنوب، امتداداً من اليونان شرقاً وانتهاء بالبرتغال غرباً ومروراً بإيطاليا وإسبانيا.

[[[[[[

بعيداً عن أوروبا وعن أميركا، هناك في البرازيل والهند والصين، من يدعو إلى مواجهة واقع أن أوروبا انحسرت كقوة دولية أو حتى كمجموعة دول. عند هؤلاء لا تقتصر المسألة الأوروبية على الفجوة الاقتصادية بين شمال وجنوب، ففي الشمال بريطانيا وايرلندا، وكلتاهما على مشارف أزمة مالية قريبة الشبه بالأزمة اليونانية، ولا تقتصر على «المسألة الإسلامية». فالهجرات عموماً، سواء من شرق أوروبا أو من الهند ودول الكاريبي وأفريقيا، بدأت تشكل تهديداً مباشراً لفكرة «النقاء الثقافي» الأوروبي وفكرة هيمنة «الحضارة المسيحية اليهودية»، وتدل مؤشرات غير قليلة على أن التدفق سيستمر، سواء في مساراته الأفقية كما في مساراته الرأسية، ستستمر الهجرات بالبر والبحر والجو إلى القارة عددا وثقافات وألوانا وستستمر تعمقا بالتأصل والمشاركة أو بالتشدد والتصلب في مواجهة التشريعات والإجراءات المناهضة لطموحات المهاجرين وأملهم.

ستكون الأيام المقبلة شاهدة على خطوات حسم أو تطورات تفاقم تدفع في اتجاهها أزمة اليونان، فمن جهة يحتمل أن تكثف أميركا الضغوط والتدخل عن طريق صندوق النقد الدولي والدبلوماسية النشطة لوقف تدهور أزمة اليونان ومنع انتقال العدوى إلى دول أخرى في أوروبا، تفادياً لنكسة شديدة تصيب جهود أوباما بناء شعبية جديدة لأميركا في أوروبا أو على الأقل إزالة بقايا الكراهية التي غرسها الرئيس بوش. يدرك أوباما جيداً أن الشعوب الأوروبية عادت بالفعل تحمّل أميركا المسؤولية عن أزمات أوروبا الاقتصادية باعتبارها اشتقاقات من الأزمة المالية العالمية التي تسببت فيها مصارف أميركا وبيوتها المالية. من جهة أخرى، ستعمد ألمانيا والمفوضية الأوروبية لتشجيع أفكار جديدة تعيد الروح إلى جسد التكامل الأوروبي، استناداً إلى رأي يقول إن الأزمات الأوروبية خلال نصف القرن الماضي كانت وراء خطوات أشد جسارة خطتها حكومات أوروبا على مسيرة التكامل.

في هذه الحالة، سيكون على أوروبا أن تختار بين أساليب الحد الأدنى التي تفضلها دول كاليونان وشرق أوروبا وشبه جزيرة أيبيريا، مثل التساهل والتسامح والسكوت على بعض مظاهر الفساد والبيروقراطية، وأساليب الحد الأقصى التي تفضلها ألمانيا وصندوق النقد الدولي والولايات المتحدة، مثل إجبار الشعوب على ممارسة التقشف والانضباط وزيادة الإنتاج. ولا يفوتنا ولا يفوت شعب اليونان تصريحات مسؤولين في الصندوق عن عزمهم البقاء في اليونان مدة لا تقل عن عشر سنوات لمنع العودة إلى الانفلات.

[[[[[[

سواء استقر الاختيار على هذه الأساليب أو تلك، لا أمل يرجى في الوقت العاجل أن تخرج أوروبا من أزمتها الراهنة قوة دولية عظمى تحظى بالاحترام والهيبة.

([) تنشر بالتزامن مع جريدة «الشروق» المصرية

==================

القوة.. متبدلة.. وكامنة

الافتتاحية

الخميس 13-5-2010م

بقلم رئيس التحرير أسعد عبود

الثورة

في حسابات القوة – في منطقتنا خصوصاً- أسقطت من زمن قوة الشارع والحق العربيين.. وإلى حد ما قوة دول المنطقة، وذهب المراهنون بعيداً..

لا بد أن هناك عودة اليوم لإدخال القوتين في الحسابات لكن بموقف سلبي منهما.. وبفهم – على الأقل – يبدو قاصراً.‏

العودة جاءت لسبب رئيسي هو تمكن القوة التي راهنت على القوتين من إثبات وجودهما.. ونبذ فرضية الخسارة الحتمية.‏

الذين راهنوا على الحق والشارع العربي.. لم يخسروا الرهان.‏

والذين راهنوا على مقدرة قوى المنطقة على معالجة شؤونها.. أيضاً لم يخسروا الرهان.‏

وبالتالي فإن مسقطي القوتين من حساباتهم أعادوها.. إنما مترجمة وفق منطق يتبع السلاح والهيمنة.‏

طبعاً ليس من الذكاء إسقاط القوة العسكرية من الحسابات.. أبداً.. و هي بالتأكيد عنصر أساسي فيها.. انما هي أيضاً ذات فعالية متبدلة.. يعني اليوم تدعم هذا.. وغداً تدعم ذاك..‏

وفي عالم متواصل يحكمه المال وتتوزع فيه الإمكانيات لا يبقى السلاح بمختلف مستويات الأداء التعبوي حكراً على أحد.. ولا أيضاً توجه استخدام السلاح... بالأمس كان سلاح إيران الشاه .. موجهاً ضد شعوب المنطقة خدمة لأميركا وإسرائيل.. واليوم ليس كذلك بالتأكيد.‏

أما قوتا الشارع والحق العربي فهما قوتان متجددتان.. كافيتان في الناس.. لا تتأخران في الإعلان عن نفسيهما عندما تحل بالأمة الأحداث الكبيرة.. لا أريد أن أبالغ فأقول مثلاً: نواجه الرصاص بالصدور العارية.‏

بل..‏

لقد أوجد الشارع والحق العربيان الرصاص لمواجهة الرصاص.. والحقائق متاحة أمام الجميع.. أيام تموز 2006 وأيام غزة.. تقول الكثير من الحقائق.‏

وكذا قوة تعاون دول المنطقة ومقدرتها لمساندة ودعم قضاياها.‏

أرجو ألا يقول لنا أحد إن الدوائر المعنية بالهيمنة والسيطرة والتسلط على العالم.. لاتحسب حساباً لعلاقات دول المنطقة ببعضها.. علاقات سورية – تركيا – إيران.. مثلاً... وغيرها.‏

فإن كانت حساباتهم دقيقة.. نزعم أن حساباتنا أدق منها.. فلنقرأ في المتبدلات وإلى أي اتجاه سارت.. لنقرأ سنوات هذا القرن الحالي.. لنقرأ تبدلات الواقع الأميركي مثلاً كدولة تنشد الهيمنة.. والإسرائيلي ككيان يقوم على العدوان والقوة العسكرية..‏

ولنقرأ تبدلات وضع المنطقة ككل.. الدول التي ذكرتها تحديداً.. والأهم من ذلك علاقات دول المنطقة التي يفرضها بهذه النسبة أو تلك الحق والشارع العربيان.‏

على ماذا يظنوننا متهافتين؟!‏

وبماذا يعتقدون أننا نحلم؟!‏

يجب عدم تفسير إرادتنا المؤمنة بالسلام بأننا ننشد التصدق علينا بالصداقة.. أو الحوار.. أو التفاهم..‏

السياسة السورية تمتعت بصوابية عالية المستوى.. ومن ذاك المعيار يجب أن تُفهم احتمالات تطور الموقف السوري.‏

a-abboud@scs-net.org

==================

وقفة على أعتاب تركيا الجديدة

بقلم :احمد عمرابي

البيان

13-5-2010

في كل مكان وكل زمان، يبقى الهم الأكبر لتنظيمات المعارضة هو المطالبة بتوفير الحريات العامة أو صيانة ما هو متوفر من حريات. لكن تنظيم المعارضة الرئيسي في تركيا يخالف طبيعة الأشياء.. فهو يعارض أي توجه من شأنه تقليص النفوذ الاستبدادي السلطوي للمؤسسة العسكرية.

لماذا؟ فلننظر أولا فيما جرى.

خلال الأسبوع الماضي، أجاز البرلمان التركي تعديلات دستورية تقدم بها «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، بزعامة رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء. وبموجب هذه التعديلات سيفرض المزيد من القيود الدستورية على سلطة جنرالات الجيش، علما بأن وثيقة الدستور نفسها وضعتها حكومة انقلابية عسكرية في عام 1980.

 

كما أن التعديلات سوف تطال أيضا الجهاز القضائي. وفي هذا السياق تنص التعديلات على السماح للمدعين القانونيين من غير العسكريين، بمحاكمة مدبري الانقلابات. كما تنص على نقل سلطة حظر أحزاب سياسية، من الجهاز القضائي إلى البرلمان المنتخب.

 

وتأتي التعديلات على هذا النحو، بعد أن وقعت صدامات سياسية وقانونية بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري المعارض والموالي لسلطة الجنرالات، الذي عارض التعديلات بأعلى قدر من الشراسة. لكن إقرار البرلمان للتعديلات بالأغلبية ليس نهاية المطاف، فالمطلوب هو ثلثا الأصوات.

 

وبما أن الأغلبية العضوية التي يتمتع بها حزب العدالة والتنمية لا تبلغ مستوى الثلثين، فإن أمر التعديلات سوف يعرض على الجمهور من خلال استفتاء عام. ويجمع المراقبون على أن نتيجة الاستفتاء ستكون لصالح الحزب الحاكم، قياسا على حقيقة اكتساحه الانتخابات العامة لمرتين خلال العقد الأخير.

 

ولنعد إلى السؤال المطروح: لماذا تقف المعارضة التركية ضد إجراءات دستورية من شأنها ترسيخ قيم النظام الديمقراطي؟

 

لمدى عقود طويلة، ظل حزب الشعب الجمهوري  ومعه أحزاب معارضة أخرى أقل شأنا  يطرح نفسه على جماهير الشعب التركي، على أساس أنه «حارس النظام العلماني» الذي وضعه كمال أتاتورك منذ عشرينات القرن الماضي. وكما هو معلوم، فإن الهدف الأكبر للنظام الأتاتوركي هو تحويل تركيا إلى مجتمع غربي بنسبة مائة في المائة، بإنهاء الهوية الإسلامية للشعب التركي.

 

لكن الخطأ الأعظم لقادة التيار التغريبي، هو أنهم لم يتوقفوا لدراسة مغزى الاكتساح الانتخابي الذي سجله حزب العدالة والتنمية ذو التوجه الإسلامي، خلال السنوات العشر الأخيرة. ولو فعلوا لأدركوا أنه بينما تتلاشى الأتاتوركية، فإن تحولا شاملا ينتظم الشعب التركي بكل فئاته وينزع نحو استعادة الهوية الإسلامية الأصيلة.

 

مع ذلك يمكن القول إنهم، إذ لم يفطنوا إلى المعنى العميق لهذا التحول التاريخي العظيم، فإنهم أدركوا معناه الظاهري السطحي. فبعد فشل التيار الأتاتوركي في تجربتين انتخابيتين، يبدو الآن أنه لم يعد لدى قيادته أي استراتيجية لاستعادة السلطة، سوى تحريض المؤسسة العسكرية لتسترد لهم ما خسروه من طريق صناديق الاقتراع في الامتحانات الانتخابية.

 

لكن هذه استراتيجية محكوم عليها سلفاً بالخسران المبين، لأنها تتصادم مع حاضر ومستقبل النظام الديمقراطي في تركيا، مع مضي حكومة حزب العدالة والتنمية في ترسيخ الديمقراطية الليبرالية، في تجاوب مع الشروط التي ينبغي أن تستوفيها تركيا للدخول في عضوية الاتحاد الأوروبي.

 

ورغم أن فرصة تركيا لنيل هذه العضوية ليست واعدة، فإنه ليس في وسع قيادات الأحزاب الأتاتوركية المطالبة علنا بوقف توسيع النظام الديمقراطي على النسق الغربي، دون أن تفضح أجندتها السياسية الحقيقية التي تنطوي على تحبيذ الاستبداد الدكتاتوري العسكري، فقط من أجل المحافظة على المصالح المادية الذاتية لهذه القيادات الحزبية، تلك المصالح التي يجري الترويج لها باسم «العلمانية الأتاتوركية المقدسة».

 

تأسيسا على هذا كله، ليس من العسير التنبؤ بأن التيار الأتاتوركي في تركيا يعيش الآن حالة عد تنازلي متسارع الإيقاع، بينما تمضي حكومة حزب العدالة والتنمية على خط موازٍ، في نقل التحول الداخلي التاريخي إلى مستوى التعامل التركي الخارجي مع العالم.

 

نحن الآن إزاء تركيا جديدة تتوجه باستقلالية ديناميكية من الغرب نحو الشرق.. نحو العالم العربي والإسلامي. وأوضح ملامح هذا التحول الراديكالي يتمثل في قطع الأواصر التركية التقليدية مع إسرائيل، لصالح إرساء علاقات تعاون استراتيجي مع العالم العربي والإسلامي، ابتداء من دول الجوار، وتحديدا سوريا وإيران وعراق المستقبل.

 

والسؤال الذي ينبغي أن يطرح، هو: هل تتجاوب الدول العربية مع هذا التحول من أجل إقامة تحالف استراتيجي عربي  تركي؟

 

هذا التحول يتسارع، وغدا أو بعد غد سنرى المزيد من تجلياته. مع التصعيد التركي ضد إسرائيل، سوف تتحرر تركيا من أسر الهيمنة الأميركية، وسوف تنسحب تركيا من عضوية الحلف الأطلسي الغربي. وعلى خطٍ موازٍ، قد تتحول علاقة تركيا مع الصين إلى رابطة تحالفية استراتيجي.

 

فهل تستطيع الدول العربية استثمار هذه المتغيرات الإيجابية؟

كاتب صحفي سوداني

==================

دبلوماسية المآدب النووية بين العقوبات والعقبات

آخر تحديث:الخميس ,13/05/2010

خليل حسين

الخليج

في وقت تتحضر مجموعة الست لتقديم مشروع عقوبات هذا الأسبوع عبر مجلس الامن لمواجهة البرنامج النووي الإيراني، عمدت طهران عبر وزير خارجيتها منو شهر متكي، إلى جمع أعضاء مجلس الأمن لعشاء نووي في محاولة للتخفيف من تخصيب النتائج المتوقعة للحراك القائم حالياً في الأروقة الدولية . وبصرف النظر عما يمكن أن تقدمه أو تنتجه تلك المآدب، ثمة وقائع وملاحظات يمكن أن ترصد في اتجاهات متعددة من مواقع القرار في هذا الملف .

 

في المبدأ، يعتبر هذا الاجتماع سابقة دبلوماسية إيرانية تمكنت من تحقيقها في وقت يشتد خناق الضغط الدولي عليها، وإن كان يبدو من غير فاعلية تذكر لجهة النتائج المتوخاة أو المرغوب فيها . فمن حيث الشكل، وبصرف النظر عن المستوى، يعتبر اللقاء الأمريكي- الإيراني هو الأول من نوعه منذ الثورة الإسلامية على الأقل لجهة العلنية أو الآلية المتبعة في اللقاءات الدبلوماسية المتعارف عليها بين الدول . وفي مطلق الأحوال ثمة أهداف إيرانية يأتي في مقدمها محاولة كسب الوقت وتسجيل مواقف على هامش مؤتمر دولي دوري يتعلق بجوهر أزمتها مع الغرب، علاوة على أنها من قبيل إحراج المجتمع الدولي بالكثير من القضايا، ومن بينها ربط البرنامج النووي الإيراني في سلة مشروع إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، والمعني به “إسرائيل” تحديداً .

 

في مقابل ذلك، فإن تلبية الولايات المتحدة لهذه النوعية من المآدب، ولو كان عبر مستوى دبلوماسي متدنٍ، يعكس رغبة أمريكية برغماتية معتادة في تعاطيها مع إدارة الأزمات الدولية، وفي مطلق الأحوال هو تعبير آخر عن إمساك العصا من النصف، بهدف التحكّم بالخطوات المقبلة التي تتهيأ للقيام بها . فمن الناحية النظرية، هذه المشاركة لن تقدم أو تؤخر في المواقف الاستراتيجية المتخذة أو التي ستتخذها، ومن الناحية الواقعية والعملية تعتبر واشنطن هذه الخطوة بمثابة السلفة السياسية المسبقة الدفع للدول التي مازالت تعارض سراً وعلناً مشروعات العقوبات المؤذية على إيران، والمقصود هنا تحديداً روسيا بشكل عام والصين بشكل خاص .

 

لقد استنفدت إيران خلال المرحلة الماضية كامل وقتها المستقطع من عمر أزمة برنامجها النووي، وهي عمدت في اللقاء الدبلوماسي إلى محاولة استجرار الوقت الإضافي عبر إشراك الدبلوماسية البرازيلية في آلية التخصيب المقترحة، وهي لعبة ذكية ذات اتجاهات متعددة، فالبرازيل التي تخلت عن برامجها النووية طواعية، هي العضو الرابع في تجمع ال”بريك” الذي يضم أيضاً الصين وروسيا والهند، والذي يعتبر أيضاً أكبر تجمع دولي لجهة المساحة وعدد السكان والناتج القومي، فبهذه التوليفة السياسية النووية محاولة لكبح الجماح الأمريكي باتجاه الضغط على كل من الصين وروسيا لتأييدها في مشروع العقوبات المقبل من جهة، ومحاولة إيرانية للظهور بمظهر الدولة دائمة البحث عن الحلول الأقل كلفة للمجتمع الدولي، وبالتالي إحراج مجموعة الست في مشروعها أمام مجلس الأمن .

 

إن طبيعة المرحلة المقبلة التي يمكن أن تتحكم في مسار مشروع العقوبات، ربما تكون مختلفة عن سابقتها، فواشنطن على سبيل المثال تتهيأ لرفع العقوبات عن أربع شركات روسية متهمة بخرق قرارات العقوبات على إيران، وهي بمثابة الرشوة السياسية الاقتصادية لموسكو لثنيها عن المواقف المترددة وغير الواضحة في مجاراة الموقف الأمريكي في هذا الشأن، فهل ستكون هذه الرشوة قابلة لدفع موسكو باتجاهات أكثر تشدداً ووضوحاً في المرحلة المقبلة، بخاصة أن ما تسعى إليه واشنطن هو فرض عقوبات تطال مختلف الشرائح الاجتماعية الإيرانية، وهي محاولة للضرب على اليد التي تؤلمها، بخلاف نوعية العقوبات السابقة التي لم تؤثر في التركيبة السياسية الاجتماعية للنظام السياسي الإيراني؟

 

في أي حال، ثمة عقوبات قادمة بصرف النظر عن حجمها وشكلها ونوعيتها، أو بمن سيمشي بها أو يصل إلى نهايتها، لكن المشكلة ليست في العقوبات تحديداً، بل بالعقبات التي يمكن أن تواجهها لجهة الأطراف الرئيسيين المعنيين بها كموسكو وبكين مثلاً، أو بأطراف دوليين آخرين مستفيدين من خلال علاقات تجارية واقتصادية مع إيران، وفي هذا المجال يُسجل قانون داماتو الأمريكي الساري المفعول منذ العام 1996 والذي تمكنت طهران من بلعه وهضمه خلال عقد ونصف من الزمن .

 

لقد لعبت إيران لعبة مالية اقتصادية داخلية ذكية جداً، عبر محاولة خصخصة مشروعات متعلقة بتكرير النفط الذي يعتبر جوهر الأزمة النفطية الإيرانية، وهو القطاع الذي ستصوّب عليه العقوبات مستقبلاً، وكأنها محاولة إيرانية لتفريغ العقوبات القادمة من مضمونها وآثارها الداخلية المحتملة من جهة، ومحاولة للظهور بمظهر الدولة التي تُوَجّه العقوبات ضد شعبها لا ضد نظامها .

 

إن الحراك القائم حالياً، لا ينبغي حرف النظر عما يتداول به من إمكانية قيام مجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية لبحث البرنامج النووي “الإسرائيلي” من ضمن مشروع دول عدم الانحياز لإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، باعتباره مشروعاً يمكن البناء عليه لمعالجة كافة الملفات ذات الصلة بالبرامج النووية سلمية كانت أم عسكرية، ويمثل تحدّياً كبيراً للمجتمع الدولي الذي لا يزال يكيل بمكيالين . فسياسة الغموض النووي التي تتبعها “إسرائيل” باتت أمراً غير مقبول من وجهة نظر القوانين والشرائع الدولية التي تحكم سير عمل الوكالة، فهل ستتحرك فعلاً وتجبر “إسرائيل” على إخضاع منشآتها للتفتيش، أم ستظل خارج إطار معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية التي وقّع عليها حتى الآن 189 دولة من أصل 192 دولة تنتمي إلى الأمم المتحدة؟

 

إن مصداقية عمل الوكالة الدولية على المحك كما مصداقية جميع الدول الفاعلة في النظام العالمي وهو أمر مشكوك فيه أصلاً، فإلى أي مدى ستنجح العقوبات المفترضة؟ وما هي سر العقبات التي ستواجهها؟ وهل إن دبلوماسة المآدب كافية لتأجيل المواجهة الكبرى؟ أم أن سياسة الغموض “الإسرائيلي” النووي ستظل قائمة؟ إن إصرار “إسرائيل” على خيار الحسم العسكري للبرنامج النووي الإيراني يظهر أن غرباناً سوداً تلوح في أفق المنطقة، الأمر الذي يستدعي مزيداً من فن الطهي في المطابخ الدبلوماسية وكواليسها .

* أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية

==================

أردوغان بين تفاعلات الداخل والخارج

آخر تحديث:الخميس ,13/05/2010

محمد السعيد ادريس

الخليج

مشكلة حزب العدالة والتنمية التركي وزعيمه رجب طيب أردوغان مزدوجة، فهو يخوض في الداخل معركة تحول ديمقراطي تهدف إلى تصفية تركة أتاتورك الاستبدادية بشقيها: استبداد الجيش وتسلطه على الحياة السياسية من ناحية، واستبداد العلمانية المتطرفة المتدثرة برداء القومية المتشددة والمحتمية بمؤسسة القضاء ذات السطوة والنفوذ حتى ولو كانتا على حساب الإرادة الشعبية ممثلة في المؤسسة التشريعية (البرلمان)، وهو في الوقت نفسه يخوض معركة التوازن في التوجهات الاستراتيجية بين كون تركيا أوروبية وكونها أيضاً إسلامية ممتدة في جذور الشرق الإسلامي الآسيوي .

 

التوجه الأول يضع حزب العدالة والتنمية في مواجهة الجيش باعتباره حامي العلمانية والميراث الأتاتوركي، وفي مواجهة الأحزاب العلمانية وخصوصاً حزب، الشعب الجمهوري، بزعامة دينيز بايكال . أما التوجه الثاني فيضع الحزب في مواجهة التزاماته الغربية وأولها التزاماته بحلف شمال الأطلسي باعتبار تركيا عضواً مؤسساً في هذا الحلف، وطموحاته للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن الأهم هو أن هذا التوجه يضع الحزب وتركيا في مواجهة روابط علاقات استراتيجية، وصلت أحياناً إلى مستوى التحالف، مع الكيان الصهيوني .

 

معركتان تؤثر كل منهما في الأخرى، فكل نجاح يحققه أردوغان في معركة الإصلاح الدستوري والتحول الديمقراطي يحرره كثيراً من قيود وضغوط العلاقة مع الغرب و”إسرائيل” ويحفزه للمزيد من الانغماس في الشؤون العربية والإسلامية لاستعادة أدوار تركية تاريخية مهمة باتت في أمس الحاجة إليها لتحقيق توازن الهوية الذي تعاني منه منذ سقوط الامبراطورية العثمانية . وكل نجاح يتحقق على هذا المستوى يضيف للحزب قوة ومصداقية جديدة في الداخل التركي، ويزيد من شعبيته ويقويه في مواجهة المنافسين في الداخل .

 

ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية كان نجاحاً مزدوجاً، فالقمة الثلاثية التي عقدت في اسطنبول يوم الأحد الماضي وضمت كلاً من رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد والشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر وبحضور رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم ووزير الخارجية التركي أحمد داوود اوغلو ووزير الخارجية السوري وليد المعلم، وما سبقها من قبول إيران لوساطة تركية في أزمة ملفها النووي، ومن تجديد سوري لأهمية الوساطة التركية في استئناف المفاوضات غير المباشرة بين سوريا و”إسرائيل” تزامنت مع نجاحات داخلية مهمة حققها الحزب وإن كانت نجاحات غير مكتملة في مشوار الإصلاح الدستوري والتطور الديمقراطي طويل المدى .

 

فبعد كفاح سياسي طويل خاضه حزب العدالة والتنمية على مدى 19 يوماً داخل البرلمان أمكن تمرير مشروع التعديلات الدستورية الذي أراده رجب طيب أردوغان، لكن التمرير جاء ناقصاً وزاد من تعقيد الأزمة، إذ لم يوافق البرلمان على المشروع بنسبة ثلثي الأعضاء وهي النسبة المطلوبة لتمرير المشروع ولكنه وافق بالنسبة البسيطة إذ حصلت التعديلات على موافقة 336 نائباً من إجمالي أعضاء البرلمان البالغ 550 نائباً باستثناء المادة الثامنة من هذا المشروع الخاصة بآلية حل الأحزاب وجعلها من مسؤولية البرلمان وليس من مسؤوليات القضاء إذ لم تحصل هذه المادة إلا على تأييد 327 صوتاً فقط .

 

هذا التصويت رغم أنه نجاح مهم إلا أنه وضع حزب أردوغان أمام مشكلتين، الأولى خاصة بفشل الحزب في الفوز بالمادة الثامنة من قائمة مواد الإصلاح الدستوري وهي مادة ذات أهمية قصوى في هذا المشروع لأنها تكاد تكون مفتاح الإصلاحات لأنها تحمي الحياة الحزبية ولا تجعل بقاء الحزب أو حله رهناً بإرادة القضاء المنحاز للعلمانية المتشددة وللقومية المفرطة، وربما يدفع حزب العدالة والتنمية نفسه ثمن هذا الفشل، إذ قد يتعرض للحل بقرار من القضاء بدعوى معاداته للعلمانية . المشكلة هنا ليست مخاطر عدم إقرار هذه المادة في البرلمان فقط ولكن رفض عشرة من نواب حزب العدالة والتنمية دعم هذه المادة عند التصويت عليها، فالمادة حصلت على 327 صوتاً في حين أن الحزب له 337 نائباً في البرلمان .

 

الوضع بهذا المعنى يحتمل صعوبات لكن ربما يعجل رجب طيب أردوغان بالاستفتاء الشعبي قبل إحالة المشروع إلى رئيس الجمهورية للتصديق عليه، على أمل الحصول على أغلبية كاسحة لدعم هذه الإصلاحات في الاستفتاء بما يضع المعارضة السياسية والقضاء وجهاً لوجه أمام الإرادة الشعبية، وهذا يعني أن أردوغان سيحتمي بالإرادة الشعبية باعتبارها ملاذه الأخير، لكن هذا يعني أيضاً أنه سيكون في حاجة أكثر إلى نجاحات خارجية تدعم شعبيته عند الأتراك، وربما نستطيع من هنا بالتحديد فهم القمة الثلاثية: التركية السورية القطرية التي جاءت مفاجئة رغم أهمية بنود الأجندة التي جرى التباحث بشأنها سواء كانت تهديدات “إسرائيل” بالحرب ضد سوريا ولبنان، أو أزمة برنامج إيران النووي، أو استئناف المفاوضات غير المباشرة بين “إسرائيل” وسوريا بوساطة تركية .

==================

لا حاجة الى عقوبات على إيران

الاربعاء, 12 مايو 2010

إم دي نالابات *

الحياة

تسعى الولايات المتحدة في فرض عقوبات جديدة على إيران. وعلى رغم العقوبات الدولية المفروضة منذ 1979 على نظام الثورة الإسلامية، نزولاً على طلب الولايات المتحدة وجزاء احتلال سفارتها، لا تزال إيران من أهم القوى النافذة في الشرق الأوسط، إلى جانب المملكة العربية السعودية. ونفوذ إيران كبير في معظم دول المنطقة، بما فيها تلك التي ترابط فيها قوات أميركية. والنفوذ هذا يُقلق واشنطن.

ويدعو الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الصين وروسيا الى تأييد تشديد العقوبات على إيران. ولا تتحفظ فرنسا أو بريطانيا عن تأييد سياسة العقوبات هذه. وتتوقع إدارة أوباما أن تُفاقم العقوبات الجديدة أضرار الاقتصاد الإيراني، وتسهم، تالياً، في تقويض شعبية حكومة طهران الداخلية.

والعقوبات الأممية القاسية توفر غطاء قانونياً قد يتيح تسويغ توسل القوة العسكرية ضد إيران، على ما كانت إدارة (الرئيس السابق جورج) بوش تخطط، إلى أن أطاحت الأزمة الاقتصادية، في الأشهر الأخيرة من 2008، خططها تلك.

وفي واشنطن، أعلن رئيس الوزراء الهندي، مانموهان سينغ، أن العقوبات تُلحق الضرر بمصالح عامة الناس. ولذا، فهي غير مستساغة. والعقوبات التي فُرضت على العراق، في التسعينات، لم تؤثر في مصالح كبار المسؤولين العراقيين، بل أدت إلى وفاة مئات آلاف الأطفال جراء سوء التغذية وتدهور الأوضاع الصحية. وتكرار تجربة العقوبات السلبية هذه مع إيران يصيب الشعب الإيراني، وهذا يشترك مع الهند والصين في حضارة تعود إلى آلاف السنين. ولا شك في الحاجة إلى تفادي وقوع مواد نووية بين أيدي الإرهابيين، وإلى الاقتصاص من المسؤولين عن تسريب المواد النووية. وهذا ما بحثته قمة الأمن النووي في واشنطن، الشهر الماضي.

ولكن حظر الإرهاب النووي لا يسوغ نشوء نظام يعوق نقل التكنولوجيا، ويفضي إلى معاناة مئات الملايين من البشر فوق ما يعانون. ويُفترض ان يُرسو النظام الدولي الجديد على ركني العدالة والإنصاف، وليس على مبدأ أن «القوي على حق»، على ما حصل بعد الحرب العالمية الثانية حين انشاء المؤسسات الدولية. والمبدأ هذا حمَل بعض الدول على ترك السياسة العاقلة والمنطقية، والتوسل بالقوة لاجتياح دول أخرى وفرض عقوبات أدت إلى هلاك الملايين.

وحريّ بإدارة أوباما النأي بنفسها عن قسمة العالم إلى فسطاطين «نحن» و «هم» التي سادت في عهد (الرئيس الأسبق بيل) كلينتون، وانتهاج سياسة تنظر الى العالم على أنه «نحن»، أي الجنس البشري كله الذي يستحق أبناؤه تكافؤ فرص التطور والتقدم اللتين تترتبان على حيازة الطاقة النووية.

* صحافي، عن «تشاينا دايلي» الصينية، 4/5/2010، اعداد حسام عيتاني

==================

علاقات إسرائيل والغرب: تاريخ مضطرب

الخميس, 13 مايو 2010

بول سالم *

الحياة

قبيل حرب العام 1967، كانت صورة إسرائيل عموماً إيجابية لدى الرأي العام الغربي. فقد كانت ثمة قلة وعي للجرائم والآلام التي تعرّض إليها الفلسطينيون في العام 1948، وكان ينظر إلى إسرائيل على أنها الضحية التي دافعت عن نفسها ضد الجيوش العربية التي أرادت «رميها في البحر». وبما أن الشعور بالذنب إزاء المحرقة (الهولوكوست) كان يلقي بظلاله بقوة على أوروبا والولايات المتحدة، كانت صورة الإسرائيليين بوصفهم ضحايا لا تزال راسخة.

جرى تصوير الإسرائيليين الاوائل في أذهان الرأي العام الغربي على أنهم مسالمون وديموقراطيون أقاموا ديموقراطية نادرة في الشرق الأوسط وزرعوا الصحارى وبنوا الجامعات الخ... علاوة على ذلك، كانت إسرائيل آنذاك في جوهرها دولة أوروبية وغربية: فقد كانت غالبية سكانها أوروبيين مثلما هو حال جميع زعمائها. وكان ينظر إلى هوية إسرائيل وخطابها السياسي على أنهما غربيان تماماً.

وفي الواقع، وخلال هذه الفترة المبكّرة، كانت إسرائيل تحظى بملاءة شبه شاملة من معظم ألوان الطيف السياسي الغربي، ما عدا اليسار الشيوعي السوفياتي الذي عارضها. أما اليسار غير السوفياتي وغير الشيوعي، فقد اعتبر الاشتراكية الصهيونية جزءاً من حركته، ورأى في إسرائيل نموذجاً للديموقراطية الاشتراكية.

وقد انحاز اليمين إلى إسرائيل أيضاً لأن قلقه الرئيس كان من القومية العربية، ومن صعود نجم الرئيس جمال عبدالناصر.

على المستوى الدولي، كانت فرنسا الداعم العسكري الرئيس لإسرائيل، في الوقت الذي كانت تسعى إلى التمسّك بمستعمراتها في الجزائر، وقد عملت مع بريطانيا وإسرائيل في العام 1956 للاستيلاء على شبه جزيرة سيناء وإضعاف عبدالناصر. كانت الولايات المتحدة تدعم إسرائيل داخل حدود العام 1948، لكنها كانت تعارض بشدة أي نزعة توسعية عسكرية كتلك التي جرت في العام 1956.

بيد أن حرب العام 1967 كانت نقطة تحوّل في معظم هذه الأنماط. فقد غيّر انتصار اسرائيل الصاعق صورتها على الصعيد الدولي من الضحية إلى القاهر. وبانتصارها، أصبحت إسرائيل قوة استعمارية محتلة، لا سيما في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومع مرور السنين تم استبدال صورة الإسرائيلي المستضعف بصورة الجندي الإسرائيلي على ظهر دبابة يواجه المدنيين والنساء والأطفال في أرض محتلة. واستعيض عن صورة إسرائيل الديموقراطية والمجتمع الحديث، بصور حواجز التفتيش وأعمال القمع ومصادرة الأراضي والجدران الفاصلة والغارات العسكرية. صورة إسرائيل في العالم اليوم هي في مكان ما بين صربيا ميلوسيفيتش وبين جنوب أفريقيا في عهد الفصل العنصري (أبارتايد).

خلال أواخر الستينات ايضاً، بدأ اليسار في الغرب بتغيير تركيزه من قضايا العمال والصراع الطبقي إلى القضايا الأوسع نطاقاً مثل مناهضة الاستعمار والامبريالية الغربية في العالم الثالث. وأدت نضالات كوبا وفيتنام والجزائر وأفريقيا إلى تحوّل في الخطاب اليساري. في هذا المنظور الجديد، لعبت هوية إسرائيل الغربية ضدّها، كما أن احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة، إضافة إلى الجولان، صوّرها بحق كقوة استعمارية غاصبة. تأثّر اليمين الغربي بالحرب أيضاً.

في العلاقات الدولية، شهدت الأوضاع تحوّلاً كذلك. ففي ظل حكم ديغول تخلّصت فرنسا من عبئها الاستعماري في الجزائر، ولم تعد في حاجة إلى إسرائيل في حربها مع العالم العربي، وسعت بدلاً من ذلك إلى إعادة بناء علاقاتها مع العالم العربي. أما إدارة جونسون الأميركية فنظرت إلى الأمور بطريقة مختلفة: قبل العام 1967، رأت واشنطن في إسرائيل دولة صغيرة وغير آمنة تكاد لا تستطيع أن تحمي حدودها، وفي العام 1967 رأت أن إسرائيل يمكن أن تكون لاعباً قوياً وفعّالاً في الحرب الباردة وقررت دعمها بقوة. يضاف إلى ذلك أن معظم الدول العربية كانت قد انقلبت ضدّ الولايات المتحدة في هذا الوقت، الأمر الذي شجّع إدارة جونسون على إحداث هذا التحوّل.

حرب العام 1967 غيرت إسرائيل نفسها أيضاً. فقد فسّر البعض الانتصار الصاعق، واحتلال القدس والضفة الغربية، على أنه «نصر إلهي». وبدأ خطاب الصهيونية العلمانية الاشتراكية يتعرّض إلى تحدٍّ من قِبَل خطاب التعصب الديني المتطرف.

أسفرت الحرب أيضاً عن موجة جديدة من المهاجرين اليهود. فمن الولايات المتحدة جاء تيار من المتطرفين يحمل التوراة وخريطة ويحرص على الاستيطان في الأراضي المحتلة. ومن سورية والعراق ومصر وليبيا وأجزاء أخرى من العالم العربي، جاءت الحرب بموجة كبيرة من المهاجرين الذين وصلوا إلى إسرائيل حاملين العداء للعرب أكثر من أي انجذاب إلى مبادئ الاشتراكية أو الصهيونية العلمانية. وكان من شأن هؤلاء الإسرائيليين الجدد أن يوفّروا الأساس الديموغرافي لصعود مناحيم بيغن وإسحق شامير، ولنزعة الهيمنة المتنامية لحزب ليكود واليمين.

تحوّلت إسرائيل على نحو متزايد من بلد الاشتراكية الصهيونية إلى بلد التعصب الديني، والشوفينية القومية المتطرفة والداعين إلى التطهير العرقي. ومع الموجة الإضافية من المهاجرين الروس الذين أتوا في وقت لاحق، أكملت إسرائيل تحوّلها الديموغرافي. ففي حين بدأت كبلد أوروبي غربي، أصبحت بحلول العام 1990 دولة مختلفة تماماً، حيث لم تعد المقومات الديموغرافية ولا الخطاب السياسي تلاقي صدى في الكثير من الدول الغربية.

اليوم، ليس لإسرائيل سوى القليل من الأصدقاء في أوساط اليمين أو اليسار في أوروبا، وصورتها سلبية جداً لدى الرأي العام في أوروبا وآسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.

ومع تراجع صدقية إسرائيل، فإنها تعلن بصوت مرتفع أنها دولة «يهودية»، كما لو أنها تريد أن تُبقي الصلة بالمحرقة الأوروبية حيّة، وأن يتم تمييزها كدولة خاصة ذات وضع خاص كضحية، وأن ذلك يمكن أن يبرر سياساتها العدوانية في شكل استثنائي. ولا يزال القادة الإسرائيليون يردون على منتقدي إسرائيل من خلال تصنيفهم بأنهم «معادون للسامية». لكن معظم دول العالم لا تقبل هذه الاستثنائية وتنظر إلى إسرائيل كدولة عادية وآمنة ولكن تنتهج سياسات غير عادية وغير مقبولة تتسم بجنون الاضطهاد والعدوانية.

الولايات المتحدة هي آخر حلفاء إسرائيل. لكن ثمة دلائل على حدوث تحوّل حتى في الولايات المتحدة. فقد ظهر أكاديميون بارزون يهاجمون علناً تأثير اللوبي الإسرائيلي في السياسة الخارجية للولايات المتحدة؛ وبرز لوبي يهودي جديد للطعن في «ايباك» (لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية) المتطرفة؛ وانتخب الرأي العام الأميركي رئيساً اسمه الأوسط حسين، وأعلن هذا الرئيس صراحة، للمرة الأولى منذ تحول جونسون في العام 1967، أن السياسة الإسرائيلية تتعارض مباشرة مع المصالح القومية للولايات المتحدة.

هذه التحوّلات لا تزال ضئيلةً نسبياً، ولا يزال التأثير الإسرائيلي في السياسة والرأي العام الأميركي قوياً. ومن الصعب القول ما إذا كانت هذه التحولات ستكتسب زخماً أو تتراجع.

لكن المستقبل المنظور لإسرائيل، لدى الكثير من المعلقين اليهود امثال طوني جود وغيره، يبدو صعباً للغاية. أصبحت إسرائيل تعتمد اعتماداً كلياً على قوة واحدة، هي قوة عظمى بلا شكّ، ولكن قوتها تتلاشى؛ وقد أدركت هذه القوة، أي أميركا، أن تعنّت اسرائيل لا يخدم مصالحها. كما ان إسرائيل تملك أسلحة فتاكة، ولكنها بهذه الأسلحة لا يمكنها إلا أن تخلق المزيد من الأعداء الألداء.

لا يمكن أن تدوم مستعمرات وسط محيط سكاني معاد، وسياسات الفصل العنصري ستؤدي عاجلاً ام آجلاً إلى الانهيار. فقد تطلب الأمر زعيماً ناضجاً وقوياً مثل ديغول ليدرك خطأ فرنسا الاستراتيجي في استعمار الجزائر، وينفذ انسحاباً تاريخياً منها. والأمر ذاته يواجه اسرائيل؛ ولكن لا توجد الآن أي زعامة من هذا المستوى في الدولة العبرية.

* مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، لبنان.

==================

الإصلاح الاقتصادي للعولمة لن يكفي

د. علي محمد فخرو

5/13/2010

القدس العربي

أغلب ما يسمعه الإنسان أو يقرأه في أيامنا الحاليه ينصُب على المطالبة باجراء إصلاحات عميقة على الجانب الاقتصادي من ظاهرة العولمة الجديدة، والتي هي في الواقع في طريقها لتكون نظاماً شمولياً متكامل المكوٍّنات. تلك المراجعة فرضتها الأزمة المالية العولمية التي انفجرت في وجه الجميع منذ أكثر من عام. لكن تلك المراجعة لن تكفي، وستكون خطوات العلاج الخجولة البطيئة كمن يعالج السًّرطان المنتشر المتمكٍّن من كل الجسد، في الكبد ويتركه ينهش ويدٍّمر الرٍّئة والجهاز العصبي والعظام. مثلما لا يستطيع هكذا علاج طبي أن يقضي على مرض السًّرطان، فكذلك الحال مع العلاج الاقتصادي المتواضع الذي يقترحه السياسيون الخائفون المذعورون الذين لا يفكًّرون إلاُ في الانتخابات القادمة أو في نضوب الهبات التي تقدًّم لأحزابهم من قبل أصحاب المال والصٍّناعة. إذن فالمقترحات التي تقدًّم والخطوات التي تؤخذ لن تكون كافية وذلك للأسباب التالية:

أولاً: ان موجة العولمة الجديدة جعلت من مالكي مؤسسات المال والشركات العالمية الكبرى والصناعات الأساسية، وفي مقدٍّمتها الصناعة العسكرية، وكبار القادة العسكريين الأمنيًّين، جعلتهم أقوى من السّياسيين وأكثر قدرة على التهديد والإيذاء والمغامرة الخطرة. من هنا نرى اليوم، بالرغم من الحكومات والمجالس النيابية والرأي العام، نفس الذين ذرفوا دموع التماسيح واستغفروا إستغفار إبليس منذ سنة، يمارسون عودة حليمة إلى عادتها القديمة. هاهم يستلمون الحوافز المليونية، ويربحون الأرباح الخيالية ويتلاعبون بالبورصات وأسواق نخاسة العملات، وينقضُّون على أية عنزة منهكة أو مفزوعة، كما فعلوا بالأمس مع دول جنوب وشرق آسيا ويفعلون اليوم مع اليونان، وغداً مع البرتغال. والذين يعتقدون أن أوباما مثلاً أقوى من وول ستريت أو أن الأمير الفلاني أقوى من شركات البترول الدولية العملاقة يعيشون في وهم وتمنيات خيالية.

ثانياً: وإذا كان الجميع يعترف بضرورة إصلاح الجانب الاقتصادي، فماذا عن الجانب السياسي؟ فاذا كان النظام السياسي الأمريكي، على سبيل المثال، يسمح بألف طريقة شيطانية ملتوية لرجل شهد القاصي والداني بجهله وحماقته أن يتخذ قرارات مصيرية تجعل بلده يحتل العراق ويدمٍّر بنيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ويعيده إلى الوراء عبر عشرات السٍّنين.. ويسمح النظام السياسي البريطاني لرًّجل آثر أن يقود بلاده لتضع يدها بيد المافيا الأمريكية التي احتلًّت العراق.. ويسمح النظام السياسي لدول اوروبية كثيرة أن ترتكب نفس الجريمة.. وتسمح التركيبة السياسية الانتهازية لمجلس الأمن أن يبارك خطيئة العنجهية الأمريكية وحلفائها في العراق وأفغانستان وفلسطين وكثير من أرض العرب والمسلمين وفقراء دول العالم الثالث.. إذا كانت الأنظمة السياسية للدول التي تقرٍّر مصير العالم، وبالتالي يمكن أن تقوده إلى الحروب واليباب، أي أن تهزًّ أركان النظام العولمي الذي يراد بناؤه، فيها ثغرات واضحة.. اذا كان الأمر كذلك، أليس المفروض أن يطرح موضوع إصلاح الجانب السياسي في الظاهرة العولمية على المستويات الوطنية والعالمية، بما فيها الأمم المتحدة؟

ثالثا: وماذا عن الجانب الثقافي في الظاهرة العولمية؟ فاذا كانت مثلاً الحريات التعبيرية في حقول السينما والتلفزيون والانترنت في بعض الدول، وعلى الأخص الغربية منها، تسمح بأبشع صور التعبير عن الجنس المبتذل، واللٍّباس المعٍّبر عن أحطٍّ الرغبات، والعنف الممعن في الدًّموية، والرُّعب الشيطاني الدراكيولي، وأنواع لا تعدٌّ ولاتحصى من تعبيرات رمزية لغوية وجسدُّية مبتذلة. فان تلك الثقافة تنساح بحريًّة عبر العالم كلٍّه باسم حرية الثقافة العولمية، وتؤثًّر على الأفراد والروابط العائلية والتماسك المجتمعي، وبالتالي ألا يفرض المنطق أن توضع الثقافة أيضاً محلًّ المساءلة وتخضع لإصلاح على مستوى العالم وليس فقط المستوى الوطني؟

رابعاً: إن تلك المراجعة لا تكون شاملة وعميقة إن لم تتم أيضاً على مستوى القيم والمبادئ الكبرى التي تحكم سيرورة الحياة العصرية في كل حقولها الأخرى من مثل التكنولوجيا والرياضة والتعليم والعمالة وغيرها. إن الغرب لا يستطيع أن يمتلك الكعكة ويأكلها في نفس الوقت بنفسه.

فمثلما يجري الحديث عن عدم أحقية صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي أو مراكز المال الكبرى في العالم أن يتحكًّموا في الاقتصاد فان الحديث يجب أن يجري عن عدم أحقية واشنطن أو لندن أو باريس أو موسكو في الهيمنة على السياسة، وعن عدم أحقية هوليوود في رسم الخريطة السينمائية، وعن عدم أحقية وكالات الأنباء الدولية في ضبط إيقاع انسياب الأخبار عبر العالم كله.

إذا كنا نريد الانتقال من ظاهرة العولمة، التي يقول البعض بأن قضاءها لا راد له، إلى نظام عولمي، فلتكن المراجعة شاملة ولتؤخذ مصالح ووجهات نظر وثقافات الجميع بعين الإعتبار. وإلاُ فلنهجر هذا الجنون العولمي الذي نمارسه.

==================

الصعود السوري في المجال الاقليمي

المستقبل - الخميس 13 أيار 2010

العدد 3650 - رأي و فكر - صفحة 19

عدنان السيِّد حسين

يلاحظ المراقبون صعوداً للدور السوري في المجال الاقليمي، ما يعيد لسوريا دوراً لعبته في العلاقات الشرق أوسطية وفي العلاقات العربية العربية.

العلاقة مع تركيا قطعت أشواطاً متقدمة في النهوض الاقتصادي والتعاون الأمني والسياسي، والثقل السياسي السوري آخد بالنمو في الملفات الايرانية والعراقية واللبنانية والفلسطينية... فضلاً عن السعي لتجاوز الخلافات الحكومية في العمل العربي المشترك.

عكست القمة الثلاثية السورية التركية القطرية في مدينة اسطنبول، تفاهمات اقليمية مهمة لها علاقة بشبكة العلاقات الشرق أوسطية ومستقبلها. هذا إضافة الى زيارة الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف الى دمشق، وهي زيارة لا سابق لها.

ماذا تحمل القمم المشار اليها؟ وما هي أبعادها في هذا المجال الاقليمي المضطرب؟.

تحدثت القمة الثلاثية عن الاستقرار في المنطقة، وضرورة التعاون الاستراتيجي بين الدول المعنية، وبينها وسائر الدول الأخرى في الاقليم الشرق أوسطي. وتوصلت الى نتائج لافتة، منها على سبيل المثال:

1  وضع حد لاجراءات التهويد المستمرة في مدينة القدس، والدفاع عن هويتها العربية والاسلامية استناداً الى قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.

2  معالجة حالة الانقسام الفلسطيني، وتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية التي تشكل منطلق الدفاع عن حقوق شعب فلسطين.

3  تشكيل حكومة وحدة وطنية عراقية، تمثل جميع أطياف الشعب العراقي.

4  التأكيد على حق ايران في امتلاك الطاقة النووية السلمية، وضرورة اخلاء منطقة الشرق الأوسط من جميع أسلحة الدمار الشامل. واعتماد الطرق الديبلوماسية في حل جميع قضايا المنطقة.

5 رفض التهديدات والمزاعم الإسرائيلية التي تستهدف سوريا ودول المنطقة، مع ما تسبب من أجواء التوتر وصرف الأنظار الدولية عن الجرائم الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة.

6 دفع العلاقات بين الدول الثلاث وصولاً إلى تحقيق تعاون استراتيجي بين دول المنطقة ينعكس ايجاباً واستقراراً على شعوبها.

تأتي هذه النتائج لقمة اسطنبول في الوقت الذي تتكرر تهديدات حكومة نتنياهو للبنان حكومة ودولة، ولم تستطع المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية غير المباشرة برعاية جورج ميتشل إضفاء جو من الاستقرار الاقليمي، وهي غير مضمونة النتائج في نهاية المطاف!

وهي تشكل ضغطاً واضحاً على إسرائيل كي تنخرط في العملية السلمية مع موافقة سوريا وتركيا على استئناف المفاوضات غير المباشرة مع الحكومة الإسرائيلية. بتعبير آخر، هناك مجهودات ديبلوماسية دولية واقليمية لدفع العملية السلمية دون ضمان النتائج الايجابية المتوخاة.

في هذا المناخ، جاء موقف الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف في دمشق المؤيد لبذل جهود كبيرة لتشجيع العملية السلمية، والمركز على دور سوريا المحوري في هذه العملية.

ومن دمشق، لفت الرئيس الروسي إلى عالم متعددة الأقطاب في معرض رفضه لنظام القطب الواحد. ودعا إلى اقامة نظام عالمي جديد عادل ومستقر، كيف تتحقق العدالة؟ هذا هو السؤال الجوهري.

ثمة ضغط روسي اضافي لتحريك العملية السلمية في الشرق الأوسط، على قاعدة السلام العادل والشامل، وهي قاعدة قانونية لا بد من الانطلاق منها كما تؤكد القيادة الروسية.

ولا شك في ان هذه المواقف تعطي لدمشق وزناً إضافياً في الشرق الاوسط، أمناً وسياسة واقتصاداً. وتشير إلى ضرورة الافادة من هذه الحالة في سبيل استعادة التضامن العربي قبيل انعقاد القمة الاستثنائية في أيلول المقبل كما دعت القمة العربية في مدينة سرت الليبية. انها حالة متزامنة مع صعود دور تركيا الاقليمي، التي خطت خطوات مهمة في البناء الداخلي، وهذه من العلامات الفارقة في الشرق الأوسط.

ستسعى الديبلوماسية الاسرائيلية للهروب من استحقاقات السلام، وسيستمر تركيزها على الملف النووي الايراني وسلاح "حزب الله" وحركة "حماس"، مع تهديد دائم لسوريا، بيد ان الملف الداخلي الإسرائيلي صار مثقلاً بالتناقضات والإخفاقات المتوالية.

==================

العرب والتغيرات الدولية والإقليمية

رفيق عبد السلام

الشرق الاوسط

13-5-2010

ثمة حقيقتان ملموستان لا تخطئهما العين ترتسمان في فضاء منطقتنا الموصوفة في الأدبيات الغربية بالشرق أوسطية، مع اختلاف في ضبط حدود هذه الأوسطية ما بين توسيع وتضييق. أولهما صعود أدوار قوى إقليمية مجاورة للعرب مثل تركيا وإيران، دون أن نتحدث هنا عن إسرائيل التي تظل الحاضر الغائب في كل ما يجري في هذه الرقعة من أحداث وتطورات. وثانيهما ضمور الدور العربي إلى حد كبير خلال العشرية الأخيرة لأسباب كثيرة سنقف عند بعضها لاحقا.

تركيا المجاورة، وفي حقبة حزب العدالة والتنمية تشهد عودة نشيطة إلى حاضنتها الشرقية، بعدما أوصدت الأبواب الأوروبية في وجهها إلى أمد غير معلوم. فمع صعود حكم اليمين بقيادة ميركل في ألمانيا، ثم ساركوزي في فرنسا تبخر ما بقي من آمال لدى أنقرة في الالتحاق بالنادي الأوروبي. الأتراك يدركون هذه الحقيقة جيدا، وإن كانوا لا يجاهرون بها لاعتبارات كثيرة تخصهم، ولذلك هم منخرطون فيما هو أهم من ذلك، أي ترجمة رؤية وزير خارجيتهم داود أوغلو في ما سماه بسياسات الأبعاد المتعددة، التي تعتبر الفضاء العربي والشرقي عامة أحد أهم المكونات الرئيسية المشكلة للهوية التركية بدل الإمعان في طرق أبواب مغلقة إلى أمد غير معلوم. طبعا مثل هذه العودة لم تنبن من فراغ، بل هي في الحقيقة استمرار للخطوات التي دشنها الرئيس التركي الأسبق تورجت أوزال الذي بدأ سياسة الانفتاح التدريجي على الجوار العربي والإسلامي، وهي فضلا عن ذلك لا تنبني على اعتبارات عقائدية أو دينية بقدر ما تنبني على اعتبارات المصالح الاقتصادية والسياسية أكثر من أي شيء آخر.

على الجهة الأخرى تعمل إيران جاهدة على غرز أقدامها في الرقعة العربية والمحيط الآسيوي من حولها، وحتى ما هو أبعد من ذلك، للاستفادة أكثر ما يمكن من الفراغات التي خلفتها رعونة التدخلات العسكرية الأميركية المشطة، خصوصا في العراق وأفغانستان، جنبا إلى جنب مع تصميم طهران على استكمال الدورة النووية، بما يجعلها في وضع أفضل وأقوى من الناحية الاستراتيجية، حتى وإن أحجمت عن تحويل هذه التقنية إلى ميدان الاستخدام العسكري.

مقابل ذلك يبدو العرب في حالة ارتباك وحيرة من أمرهم، بسبب غياب الرؤية الشاملة، وتضارب الخيارات والأولويات، والأخطر من ذلك اهتزاز الثقة في النفس والشعور المفرط بالعجز، وهو شعور في الحقيقة لا يتناسب مع إمكانيات العرب وما بين أيديهم من أدوات القوة الصلبة والناعمة.

منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، ثم بصورة أوضح بعد غزو العراق شهد العمل العربي المشترك تراجعا مريعا، خصوصا في ضوء اندفاعات المحافظين الجدد نحو المنطقة وحرصهم على تغيير التوازنات التي استقرت فيها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تقريبا، بما جعل كل دولة عربية تنكفئ على نفسها وكأنها جزيرة معزولة لا شأن لها بما يجري حولها. في مثل هذه الأجواء استقرت قناعة خفية، وأحيانا مجاهرة، بين الساسة وحتى الكثير من المثقفين العرب، مفادها أنه يتوجب على كل قطر عربي تدبر أمره ونزع الشوك بنفسه لإنقاذ رأسه في مواجهة العواصف التي أطلقتها سياسات المحافظين الجدد، وهي مقولة لم تصمد في الحقيقة أمام تعقيدات وضع دولي بالغ التنافسية والشراسة، إذ تبين أن مثل هذه الرؤية مهددة لأمن العرب فرادى ومجتمعين، لأنه عند التحقيق يتبين أنه لا يوجد أي قطر عربي قادر بمفرده ومهما أوتي من إمكانات، على حماية وجوده وتأمين الحد الأدنى من مصالحه بمعزل عن النسيج العربي الأوسع، وهذا ما يجعل مقولة التضامن العربي ليست مجرد مسألة أخلاقية أو آيديولوجية بل هي حاجة سياسية ملحة لتأمين حياة الدولة العربية واستقرارها أصلا.

بيد أنه منذ ذلك الوقت، أي منذ أن تحركت البوارج الحربية الأميركية باتجاه المنطقة وإلى يومنا هذا، جرت مياه كثيرة في النهر الإقليمي والدولي المحيط بالعرب، وهي في مجملها متغيرات تصب لصالح العرب وقضاياهم الحيوية إن هم حزموا أمرهم واستعادوا قدرا من العزم والثقة في أنفسهم، بما يساعدهم على تحسين وزنهم الاستراتيجي، وتحجيم المخاطر التي تحوم فوق رءوسهم، مثلما تتيح لهم هامشا من الحركة والمبادرة أكثر من أي وقت مضى.

أول هذه المتغيرات الحاصلة على الصعيد الدولي، تتمثل في تراجع الانفرادية الأميركية لصالح تعددية قطبية آخذة في التشكل، وإن لم تستقر بعد على صورة محددة أو هيئة معلومة، خاصة مع تنامي أدوار دول كبرى مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل وغيرها، ولعل هذا ما أوحى لبعض الباحثين الأميركان بتسمية هذا الوضع الجديد والناشئ باللاقطبية، بديلا عن مقولة القطب الواحد، أو حتى الأقطاب المتعددة. صحيح أن الولايات المتحدة تظل القوة الأولى إذا نظرنا إليها بالمقاييس العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية، وستظل كذلك ربما لعقود قادمة على الأقل، بيد أنه من المؤكد إذا ما وضعت الولايات المتحدة الأميركية مقابل قوى دولية وحتى إقليمية أخرى فلن تكون الكفة راجحة لصالحها ضرورة. لقد تبين أن الساحة الدولية بكل تناقضاتها وتعقيداتها أكبر بكثير من قدرة أي قوة دولية مهما كان حجمها ومضاء أنيابها على تحمل أعباء إدارتها بصورة انفرادية، بل فرض إرادتها على الآخرين. هذه ليست مجرد فرضية نظرية مستخرجة من بطون كتب العلاقات الدولية، بل هي حقيقة حية نشهدها في حالة التدافع الدولي الذي يجري أمام أبصارنا اليوم. الواضح أن الولايات المتحدة الأميركية لا قبل لها بفرض إرادتها على الآخرين، ومن ثم أضحت مرغمة على نهج سياسة المساومات والتسويات مع ما يستتبع ذلك من تنازلات لازمة لتمرير مشاريعها أو أولوياتها السياسية. وهذا ما بينه مشروع فرض عقوبات على إيران. حيث تمكن الروس من تنازلات أميركية في قضايا استراتيجية كبرى ذات أولوية بالنسبة لهم، مقابل موافقة مترددة على فرض هذه العقوبات، والصينيون ما زالوا يخوضون لعبة الشد والجذب على هذا الصعيد.

أما إذا عدنا للحديث هنا على المستوى الإقليمي المجاور لنا، فإنه لا يتوجب النظر هنا إلى تركيا الناهضة والراغبة في تجديد صلاتها بالمحيط العربي على أنها غريم أو خصيم للعرب، بل يمكن، إن أحسن العرب استقبال الرسائل التركية، أن تكون هذه التوجهات الجديدة مساعدة لهم على تعزيز روابط التاريخ والجوار والثقافة وتوثيق عرى المصالح السياسية والاقتصادية المشتركة.

أما إيران، ورغم أنه لا يمكن التهوين من مساحة الاختلاف معها خصوصا في الساحة العراقية، فإن ذلك لا يعدم إمكانية الدخول معها في مساومة وحوار جادين يضعان سائر القضايا الخلافية على طاولة المفاوضات باتجاه معادلة تضمن وتؤمن مصالح الطرفين العربي والإيراني على السواء. الحقيقة أن السياسة الإيرانية بالغة التركيب، يتداخل فيها البعد الطائفي بالبعدين القومي والديني، والاندفاعات الثورية بالاعتبارات البرجماتية، فهي من جهة أولى لا تتردد في استخدام الورقة الطائفية للسيطرة على العراق، ولكنها من جهة أخرى تبدو شديدة الصلابة في مواجهة الدولة العبرية والتدخلات الخارجية. ولكن المؤكد في كل ذلك أن للجغرافيا شروطها وقوانينها التي لا يمكن تجاهلها. فإيران، ومهما كانت تحفظاتنا إزاءها، تظل في نهاية المطاف بلدا مجاورا ومؤثرا في أوضاع المنطقة وما يجري فيها من أحداث. هذه حقيقة يجب حسبانها بعقل وقلب باردين بعيدا عن المشاعر والأهواء، وما نحبه أو نكرهه في إيران.

بيد أنه من المؤكد هنا أن وجود نواة عربية فاعلة ونشيطة كفيل بأن يعيد قدرا من التوازن المفقود في المنطقة، كما يتيح استثمار مجمل هذه المتغيرات الدولية والإقليمية الآخذة في التخلق لصالح العرب وجوارهم الأوسع، باتجاه تأسيس شراكة حقيقية تجمع مكونات المنطقة الثلاثة من العرب والترك والإيرانيين، بما يجعل فعلا من الفضاء الشرقي الواسع شرقا عربيا إسلاميا بامتياز، بدل أن يكون شرقا أميركيا أو أوروبيا، بل أن يكون صينيا أو هنديا في المستقبل البعيد، وربما تكون عودة الحياة وخيوط التواصل مجددا بين القاهرة ودمشق والرياض خطوة في الاتجاه الصحيح، هذا ما نأمله على الأقل.

==================

حرية التعبير على الإنترنت حق أساسي

برنار كوشنير

الشرق الاوسط

13-5-2010

بحلول عام 2015، سيستطيع نحو 3.5 مليار فرد، أي نصف سكان العالم، الدخول على الإنترنت. لم تكن هذه الثورة في حرية الاتصال وحرية التعبير متاحة من ذي قبل. لكن كيف سيتم استخدام هذه الوسيلة الجديدة؟ ما هي العقبات الجديدة التي سيأتي بها أعداء الإنترنت؟

تقود التكنولوجيا الحديثة إلى الأفضل وإلى الأسوأ. فمواقع ومدونات التشهير العنصرية والمتطرفة على الإنترنت تنشر آراء بغيضة في الوقت نفسه. لقد جعلت هذه المواقع والمدونات من الإنترنت سلاحا للحرب والكراهية. يتم الهجوم على المواقع الإلكترونية ويتم تجنيد مستخدمي الإنترنت من خلال غرف الشات ليتم استخدامهم في مؤامرات مدمرة. تتسلل الحركات التي تتسم باستخدام العنف إلى الشبكات الاجتماعية لنشر الدعاية والمعلومات الكاذبة. من الصعوبة بمكان بالنسبة للأنظمة الديمقراطية السيطرة عليها. لا أوافق على الاعتقاد الساذج بأن التكنولوجيا الحديثة، بغض النظر عن أنها قد تكون فعالة وقوية، ستدفع الحرية للأمام على جميع الجبهات.

وعلى الرغم من ذلك، فإن التشوهات والعقبات هي الاستثناء وليست القاعدة. فقبل كل شيء، يعد الإنترنت الوسيلة الأكثر روعة لكسر الحدود وهدم الجدر التي تفصل بيننا. وبالنسبة للشعوب التي تعاني القهر والتي تم حرمانها من حقها في التعبير عن نفسها وحقها في اختيار مستقبلها، فإن الإنترنت يقدم القوة فيما وراء آمالها. حيث إنه في غضون دقائق من الممكن نشر الأخبار والصور التي يتم تسجيلها على أجهزة الهواتف المحمولة إلى جميع أنحاء العالم عبر الإنترنت. ومن الصعوبة بمكان إخفاء مظاهرة عامة، وهو ما يمثل إحدى صور القمع وانتهاك حقوق الإنسان.

وفي الدول الاستبدادية والقمعية، أدى الإنترنت وأجهزة الهاتف المحمول إلى سماع صوت الرأي العام والمجتمع المدني. كما وفرت للمواطنين وسيلة مهمة للغاية للتعبير عن الرأي على الرغم من جميع القيود المفروضة.

ومع ذلك، فإن الميل إلى قمع حرية التعبير عن الرأي موجود دوما، حيث إن عدد الدول التي تفرض الرقابة على الإنترنت وتراقب مستخدمي الشبكة العنكبوتية الدولية وتعاقبهم على الإدلاء بآرائهم يزداد بمعدل ينذر بالخطر. من الممكن استخدام الإنترنت ضد المواطنين. ومن الممكن أن يكون أداة قوية لجمع المعلومات الاستخباراتية لاكتشاف المعارضين والمنشقين المحتملين. وتحصل بعض الأنظمة الحاكمة بالفعل على تكنولوجيا متطورة للغاية تستخدم في المراقبة.

إذا رفض جميع الأفراد المهتمين بحقوق الإنسان والديمقراطية التنازل عن مبادئهم واستخدموا الإنترنت للدفاع عن حرية التعبير، فسيكون من الصعب للغاية ممارسة مثل هذا النوع من القمع. إنني لا أتحدث عن الحرية المطلقة التي تفتح الباب على مصراعيه أمام جميع أنواع الانتهاكات، لا أحد يشجع ذلك، إلا أنني أتحدث هنا عن الحرية الحقيقية، القائمة على مبدأ احترام كرامة الإنسان وحقوقه.

وفي السنوات القليلة الماضية، قدمت المؤسسات متعددة الأطراف (مثل مجلس أوروبا، والمنظمات غير الحكومية، مثل منظمة مراسلين بلا حدود) إلى جانب آلاف الأفراد حول العالم التزاما قويا بشأن هذه القضايا. ويعد ذلك دليلا، إذا ما كان هناك حاجة إلى الدليل، على أن هذه القضية لا تحرض الغرب ضد بقية أنحاء العالم. اعترف ما لا يقل عن 180 دولة، التي حضرت مؤتمر القمة العالمية لمجتمع المعلومات، بأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينطبق بصورة كاملة على الإنترنت، لا سيما المادة رقم 19 التي تنص على حرية التعبير وحرية الرأي. وحتى الآن، أخفقت 50 دولة في الوفاء بالتزاماتها.

وفي مناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة (الأسبوع الماضي) عقدت لقاءات مع خبراء وقادة المنظمات غير الحكومية وصحافيين ورجال أعمال ومفكرين. وأكدت مناقشاتهم اعتقادي بأن الطريق الذي نسعى إليه هو الطريق الصواب. وأعتقد أننا ينبغي لنا إنشاء أداة دولية لمراقبة الالتزامات التي وعدت بها الحكومات ولتوجيه النقد لهم بصورة رسمية إذا ما أخفقوا في الوفاء بهذه الالتزامات. وأعتقد أنه يتحتم علينا تقديم المساعدة للمعارضين على الإنترنت الذين يجب أن يحصلوا على التأييد نفسه الذي يحصل عليه غيرهم من ضحايا القمع، وينبغي لنا أن نتضامن معهم بصورة معلنة، عبر التعاون الوثيق مع المنظمات غير الحكومية التي تهتم بهذه القضايا. كما أعتقد أنه ينبغي لنا مناقشة أهمية تبني ميثاق مبادئ بشأن تصدير التكنولوجيات التي تستخدم في مراقبة الإنترنت وتتبع مستخدميه.

وينبغي معالجة هذه القضايا، وغيرها من القضايا، مثل حماية البيانات الشخصية على الإنترنت والحق في العفو الرقمي للجميع، والتي يشجعها زميلي ناتالي كوسيوسكو موريزيه، في إطار يشمل الحكومات والمجتمع المدني والخبراء الدوليين.

وهناك مشروع آخر قريب إلى قلبي، وسيكون تنفيذه بمثابة مهمة صعبة وشاقة، لكنه من الأهمية بمكان، ويتمثل هذا المشروع في إضفاء وضع قانوني على الإنترنت من شأنه أن يعكس عالميته، ويعترف به كفضاء دولي، بحيث يكون من الصعب على الحكومات القمعية استخدام حجة السيادة ضد الحريات الأساسية. إنها لقضية مهمة للغاية. أعتقد أن معركة الأفكار قد بدأت بين دعاة الإنترنت العالمي والمفتوح، القائم على حرية التعبير وحرية التجمع وعلى التسامح واحترام الخصوصية، والذين يريدون تحويل الإنترنت إلى عدد كبير من المساحات تنفصل عن بعضها البعض لخدمة أغراض الأنظمة الحاكمة والدعاية وكل أشكال التعصب.

تعد حرية التعبير «أساس جميع الحريات الأخرى». ومن دونها لن يكون هناك «دول حرة»، حسبما قال فولتير. ينبغي أن تنتشر هذه الروح من التنوير، وهي روح عالمية، عبر وسائل الإعلام. يجب أن يكون الدفاع عن الحريات الأساسية وحقوق الإنسان أولوية بالنسبة لإدارة الإنترنت. إنه مسؤولية الجميع.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ