ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 19/05/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


في ذكرى النكبة: رسالة إلى عمرو موسى

عبد الحميد صيام

5/18/2010

القدس العربي

أوجه هذا المقال أساسا للسيد عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، وهو على أبواب وداع ولايتين من قيادته الفاشلة بامتياز للجامعة والتي أصيبت في عهده بالعجز والهوان والفرقة ولم ينجح سيادته في حل أي من أزمات هذه الأمة لا في فلسطين ولا العراق ولا دارفور ولا اليمن ولا لبنان ولا الصحراء الغربية. ففي شهر أيلول (سبتمبر) القادم سيغادر سيادته المبنى التاريخي في قلب القاهرة ليعطي المجال لأمين عام جديد، إلا إذا كان إعلانه بعدم الترشح لدورة ثالثة من نوع إعلانات الرؤساء العرب (علي عبد الله صالح ومحمود عباس مثلا) الذين يستعملون هذا التكتيك كوصفة سريعة وجاهزة للتجديد لدورة جديدة والبقاء في المنصب إلى أجل غير مسمى.

وبما أن فترتي أمانة عمرو موسى لم تتركا أثرا يذكر يسجل لصاحبهما وظل، كما كان يصر أحد أصدقائي المصريين، أن يسميه 'ظاهرة صوتية' أو 'تسمع منه جعجعة ولا ترى طحنا' سأقدم له في هذه المقالة خشبة نجاة ستسجلها له الأجيال العربية القادمة تحت اسم 'مشروع عمرو موسى للتوعية القومية بالنكبة' إن نجح في اعتمادها.

أقترح عليك أن تتقدم بمشروع متكامل لإبقاء ذكرى النكبة حية لدى جميع العرب الأحياء منهم والذين سيولودون، جيلا بعد جيل، صغارا وكبارا، أميين ومتعلمين شبابا وشيبا رجالا ونساء. مشروع التوعية هذا يجب أن تلتزم به دول الجامعة العربية ويتم التوقيع عليه بالإجماع ويترجم إلى برنامج عمل شامل يحول النكبة إلى ثقافة شعبية شاملة من طنجة والصويرة والعيون غربا إلى المنامة وأم قصر والبصرة وحلبجة شرقا ومن، زاخو والقامشلي شمالا إلى جوبا ومقديشو وعدن جنوبا. بعد مناقشة المشروع وتعديله وتوسيعه أو تضييقه قليلا من قبل المندوبين الدائمين للجامعة يتم عرضه على مجلس الوزراء لاعتماده ورفعه إلى مؤتمر القمة القادم لإقراره نهائيا كمشروع للتوعية القومية حول النكبة ويتم تأسيس مكتب مستقل وبتمويل شعبوي غير مشروط لمتابعة تنفيذ هذا البرنامج.

مشروع التوعية القومية

نقترح أن يتضمن مشروع التوعية هذا، بعد التعديلات والإضافات، الأمور التالية:

1. يعتبر شهر آيار (مايو) بكامله شهر النكبة والخامس عشر منه يوم النكبة. خلال هذا الشهر تقام الأنشطة في كل مكان. المسارح تخصص الجزء الأكبر من عروضها عن القضية الفلسطينية، ودور السينما تعرض الوثائق والأفلام المخصصة للقضية، وتقام المعارض الفنية والرسومات في كل مكان. يتسابق المطربون في إحياء الحفلات الوطنية وجمع التبرعات لصندوق إحياء ذكرى النكبة ومساعدة المنكوبين. الجامعات تنظم العديد من المؤتمرات الخاصة بالنكبة، والمدارس تخصص جزءا من الحصص للتثقيف حول النكبة بعرض الوثائق والصور واستضافة المتكلمين. وتقدم جوائز للطلبة الذين ينظمون أفضل قصيدة في النكبة وأفضل قصة قصيرة وأفضل موضوع إنشاء وأفضل بحث علمي.

وفي هذا الشهر تعقد المنظمات غير الحكومية المعنية ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات والاتحادات سلسلة متواصلة من المؤتمرات والأنشطة المتعلقة بكافة جوانب النكبة. وعلى الدول المضيفة للاجئين أن تسهل عقد الأنشطة والمهرجانات الشعبية والمؤتمرات داخل ال 56 مخيما التي تضم مئات الألوف من ضحايا النكبة. وعلى دول الأطراف تنظيم زيارات التضامن الحقيقية مع ضحايا النكبة والقيام بمعاينة لمناطق الحدود في رفح وجنوب لبنان والقنيطرة وغور الأردن لرؤية فلسطين المحتلة والتكحل بأرضها وجبالها وهضابها وسهولها واستنشاق هوائها العليل. ولا بأس من زيارات إضافية لمشاهدة الجولان المحتل ومزارع شبعا المحتله والشريط الجنوبي المحرر.

أما يوم الخامس عشر نفسه فيجب أن يتحول إلى يوم خاص لإحياء ذكرى النكبة وذلك بتخصيص بث إذاعي وتلفازي متواصل لمدة 24 ساعة. تتضمن البرامج عرض الوثائق والأفلام والتمثيليات واستضافة الخبراء وعقد الندوات والبرامج الحوارية وتنظيم حفلات التبرعات التي يشرف عليها كبار الفنانين والمثقفين والصحافيين والسياسين. يجب استضافة أكبر عدد ممكن من صانعي الرأي، عربا وغير عرب، في البرامج والندوات والمهرجانات. كما يتم توزيع جوائز رمزية لأكثر الناشطين دفاعا عن القضية المركزية.

2. يتضمن المشروع تخليد أسماء مدن فلسطين وقراها المدمرة عن طريق تسمية شوراع ومؤسسات عربية وجامعات ودور بحث ومعالم سياحية ومبان حكومية وفرق رياضية بتلك الأسماء. ليس فقط الأسماء الكبرى كالقدس ويافا وحيفا وعكا واللد والرملة وطبريا وبيسان وعسقلان بل وكافة القرى والضيع والخرب والأكفار إحياء لتلك القرى الخمسمئة التي تم محوها عن الوجود. فتمر من شوارع الدار البيضاء أو صنعاء أو المنصورة أو طرابلس أو حلب أو الموصل أو الدوحة أو الكويت أو سوسة أو بحر الغزال أو إربد أو زحلة لتشاهد شارع عيلبون أو المسمية أو عارة أو أم الفحم أو جمزو أو المغار أو المنصورة أو الخضيرة أو أسدود وغيرها المئات.

كل جامعة تختار اسم مدينة أو قرية تسمي واحدة من كلياتها باسمها وكل مسجد أو كنيسة أو معهد أو ناد رياضي يُسمى بنفس الطريقة. بل وأقترح أن تدخل تلك الأسماء إلى ثقافات الأطفال من خلال ألعاب أو أنواع من الحلوى أو الملابس أو الحدائق. فمثلا يقوم اليوم ثلة من الشباب الموريتاني بزيارة حديقة عكا ثم يأكلون في مطعم الناصرة، وتقوم عائلة من اليمن بزيارة متحف بيسان ثم يشربون القهوة في مقهى الرملة، وفريق رياضي عماني يدعى شباب عكا يقضي فترة تدريب في نادي الجليل ثم يذهبون معا إلى دار سينما 'المجدل'.

3. إدخال تعديلات أساسية في المناهج الدراسية، المدرسية منها والجامعية. على الطلبة العرب من محيطهم إلى خليجهم أن يتعلموا منذ الحضانة وحتى آخر المراحل الدراسية كل ما يتعلق بقضية العرب المركزية وبالتحديد مرحلة النكبة وما تلاها من تدمير المجتمعات الفلسطينية والعربية وعن الحروب التي لم تتوقف ليوم واحد حتى هذه اللحظة بين إرادتين: الفرض والهيمنة مقابل الصمود والتحدي. عليهم أن يعرفوا أسماء المذابح من دير ياسين إلى حي الزيتون في غزة ومن بحر البقر إلى قانا ومن قصف مقر منظمة التحرير في تونس إلى ضرب المفاعل النووي العراقي ومن إسقاط الطائرة الليبية عام 1972 ومقتل كافة ركابها بمن فيهم صالح بويصير وزير الخارجية الليبية إلى الإسماعيلية التي استشهد قربها القائد العظيم عبد المنعم رياض في التاسع من آذار (مارس) 1969 ومن مدينة القنيطرة إلى مرجعيون ومخيمي صبرا وشاتيلا، ومن قبية إلى السموع ومن الطنطورة إلى الدوايمة. على الطلبة أن يعرفوا خارطة الوطن العربي ويتعرفوا على مكان القلب فيه، ثم يتعلموا كافة أسماء المدن والقرى والسهول والجبال والمواقع الإسلامية والمسيحية . تنمو معهم القضية من العام إلى التفصيل إلى أشد التفاصيل. يتعرفون على الكتاب والشعراء والمؤرخين والمناضلين والشهداء . عليهم أن يحفظوا غيبا أسماء الشهداء مثل عز الدين الدين القسام وعطا الزير ومحمد جمجموم وفؤاد حجازي ومحمد أبو دية وعبد الرحيم محمود وعبد القادر الحسيني وغسان كنفاني وكمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار ودلال المغربي، ويوسف عرابي وممدوح صيدم وخليل الوزير وماجد أبو شرار ونعيم خضر وعز الدين القلق وسعد صايل وسعيد صيام وأحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وجمال شحادة ويوسف ريحان (أبو جندل) وأبو علي مصطفى والآلاف غيرهم. على أطفال الأمة وأجيالها أن تعرف أسماء جميع المعارك والمواجهات والانتفاضات وحروب الاستنزاف والعمليات العسكرية الصغرى والكبرى. وعلى كل مدرسة أن تختار مشروعا يصب في هذا الميدان كأن تخلد على لوحة أسماء شهداء مخيم جنين أو شهداء غزة أو شهداء المواجهات في لبنان أو مصر أو الأردن أو سورية، أو أن تجمع أسماء وصور الشهداء العرب من غير دول المواجهة. على الطلبة أن يتخرجوا من المدارس العربية وهم يتقنون تفاصيل القضية ويُمتحنون فيها مثل الرياضيات والعلوم والتاريخ.

4. النقطة الرابعة والأخيرة، إدماج دول الجوار في زخم الأنشطة المتعلقة بذكرى النكبة وعلى رأس تلك الدول، على رأي الأمين العام نفسه، تركيا وإيران. ولكن على الأمة أن توسع المشاركة لتشمل دولا صديقة كاليونان وقبرص وباكستان وإريتريا وغيرها. يدعون للمشاركة في نشاطات الوطن العربي وينظمون أنشطة عديدة في بلدانهم بمشاركة من الجامعة العربية والقوى العربية الحية. على هذه الظاهرة أن تتسع لتشمل قطاعات واسعة مؤيدة للحق العربي في جميع الدول الأوروبية ودول أمريكا اللاتينية والعالم بأسره. إن وقفة موحدة صادقة لكل العرب ستجمع حولها كل القوى الشريفة المناصرة للحق والخير والعدل في العالم.

النتيجة: مواجهة دائمة

السيد الأمين العام، لم تكن الأمور بأسوأ مما هي عليه الآن بسبب ارتفاع حدة الهجمات على الأمة وعجز أو تآمر النظام العربي الرسمي التي تمثله جامعتكم.

كيف يعقل أن نرى غزة تحاصر وتجوع وتعزل عن العالم وتقام الأسوار الألكترونية حولها من الأعداء والجدران الفولاذية تحت الأرض من الأهل لإتمام حلقات الحصار، ومع هذا ' فكل شيء هادئ أو هادئ أو هادئ لدى العروبة' كما قال محمود درويش.

إذن وأنتم على وشك إسدال الستار على ولايتكم الرديئة لجامعة عاجزة تفعلون خيرا لو أنكم تبنيتم هذا المشروع التثقيفي التعبوي للأمة، فأقل ما يمكنكم عمله أن تساهموا في غرس نبتة الالتزام برفض الكيان الغاصب العنصري على كافة المستويات. فعلى هذا الكيان السرطاني أن يعرف أنه في مواجهة دائمة لا تكل ولا تلين مع الأمة بملايينها الثلاثمئة والخمسين الآن وملايينها السبعمئة في السنوات الأربعين القادمة.

' أستاذ جامعي وكاتب مقيم في نيويورك

=======================

قوانين الطوارئ... ما سرها؟

ميشيل كيلو

5/18/2010

القدس العربي

كانت مصر تبرر قوانين الطوارئ بالمعركة ضد العدو الصهيوني، وبضرورة أن تكون مستعدة لمواجهة ما قد يقع من كوارث طبيعية مباغتة. ومع أنها رفعتها لبعض الوقت، عقب توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، فإنها استعادتها بعد اغتيال الرئيس السادات عام 1981، ومددت فترات تطبيقها مرات عديدة منذ ذلك التاريخ، و'صمدت' صمودا مذهلا في وجه كل من طالبها بإعادة النظر في علاقاتها الرسمية والطيبة مع إسرائيل، التي دأبت على القيام باعتداءات يومية، وشن حروب دورية، في شمالها ضد لبنان، وجنوبها ضد فلسطين عامة وغزة خاصة، مع أن الأخيرة تقع على حدود مصر مباشرة، بينما لم ينفع تطبيق قانون الطوارئ خلال الكوارث الطبيعية التي عرفتها أرض الكنانة، وخاصة منها الزلزال الذي دمر أحياء كاملة من القاهرة، وانهيار جبال المقطم على ما تحته من بشر. في ذلك لوقت، قدم الرسميون المصريون الدليل على فشل القانون من خلال الاعتراف الصريح بأن مساعدات الإخوان المسلمين كانت في الحالتين أسرع وصولا إلى المنكوبين من مساعدات الحكومة، التي جاءت متأخرة وناقصة، وأثارت من الاستياء أكثر بكثير مما لاقت من القبول والعرفان.

يستمر العمل بقانون الطوارئ، مع أنه لم تعد هناك حرب أو حالة حرب مع إسرائيل، وليس هناك أي خطر عربي أو إفريقي يهدد مصر. بعد اتفاقية السلام، القائمة منذ قرابة ربع قرن، يعم السلام بين مصر وإسرائيل، مع أن الأخيرة لم تعش لحظة واحدة في سلام مع العرب، واستغلت خروج الشقيق العربي الكبير بوزنه المهم من الصراع ضدها للاستفراد ببقية العرب، وشن غزوات متنوعة وحروب شاملة ضدهم، ولاحتجاز عملية السلام معهم، عملا بنصيحة كيسنجر الذي قال عام 1974 لرئيسة وزراء العدو غولدا مائير : إن السلام مع القاهرة سيضعف الدول العربية، وسيحول القادة العرب إلى شيوخ عشائر لا حول لهم ولا طول، من السهل ابتزازهم. لم يعد هناك حرب، ولا يفكر أحد اليوم بالحرب بين مصر وإسرائيل، ومع ذلك، يطبق قانون قيل دوما إنه وجد لتحسين وضع العرب في الحرب، ورفع درجة استعداد بلدانهم وجيوشهم لها. انتفت مبررات القانون، لكنه لا يزال مطبقا، ويبدو أنه ستبقى مطبقا إلى ما شاء الله !.

... وكانت المعارضات العربية قد اتهمت النظم بتطبيق قانون الطوارئ لأسباب داخلية تتصل بعلاقات السلطة مع المجتمع، وليس لأسباب ترتبط بالحرب مع الخارج عامة والعدو الصهيوني خاصة. أما دليلها الذي يؤكد صحة تهمتها، فهو دامغ لا يحتمل أي نقاش: لم يحسن تطبيق القانون وضع العرب العسكري، واستعداد جيوشهم لملاقاة أي عدو، وأوجد بالأحرى تغطية قانونية لقمع الخصوم الداخليين، واستخدام العنف ضد المواطنين، بعد أن تم إدخال القانون إلى السياسة وتوطد في نسيجها، وحولها إلى فسحة تعج بحالات استثنائية معادية لأية حال طبيعية، ولاغية لأي تعاقد أو أثر من تعاقد بين الدولة والشعب، ولأي قانون دستوري يمكن أن ينظم علاقات ومصالح وأدوار مكونات المجال الوطني، ويحفظ حريتها ووجودها، وأية رقابة على السلطة وأجهزتها، وأية مساءلة قانونية لأركانها، وأي فصل حقيقي وملموس للسلطات الثلاث. وكانت المعارضات قد ذكّرت مرارا وتكرارا بأن القانون ليس مفيدا بالضرورة، حتى في حال نشوب نزاع أو حرب، بدلالة الهزائم التي لازمت فرضه وتمخضت عنه خلال الحقبة العربية المعاصرة، بينما لم يفرضه العدو الإسرائيلي، الذي لا تقارن مساحة دولته بالمساحات العربية الهائلة، وإمكاناته بإمكانات العرب غير المحدودة، غير ساعات أو أيام قليلة خلال حروبه مع أعداء يحيطون بأرضه من كل جانب، لكنه حقق انتصارات متلاحقة عليهم، في حين لم يمكنهم فرض القانون والتمسك به من تنظيم دفاعهم وحماية أنفسهم ولو في أدنى الحدود، وانهزموا في كل حرب خلال دقائق أو ساعات قليلة، واستجاروا بأمريكا طالبين وقف القتال لمنع انهيار نظمهم. لم ينفع قانون الطوارئ ضد العدو وفي حالات الكوارث الطبيعية، ونفع في إدامة نظم مهزومة وتقوية حكام عاجزين، تمسكوا به تمسك الغريق بقشة، كما تقول المعارضة بحق.

قبل سنوات، مع تصاعد النضال الديمقراطي العربي ومرور النظم العربية في مرحلة انتقال اهتزت خلالها قوائمها وارتعدت فرائصها، طلع ممثلوها على الأمة ببدعة 'تقييد قانون الطوارئ'، الذي يقال إن مجلس الشعب المصري سيدرسه وسيعيد النظر فيه. لمنح هذه البدعة بعض المصداقية، قال وزراء عرب إن القانون جمد وسيلغى في مرحلة لن تكون بعيدة. هذا ما صرح به وزراء إعلام وداخلية وخارجية بلدان عربية مختلفة. زعم هؤلاء أن القانون لن يطبق من الآن فصاعدا إلا على الكوارث الطبيعية، ولمنع وقوع عمليات عنف مسلح داخل البلدان العربية، تجنبا لانفلات العنف الأصولي والتآمر الخارجي. أما في السياسة الداخلية، فهو مجمد ولن يطبق بعد الآن. تضمن هذا الموقف جانبين: الرغبة في احتواء المعارضة وتخديرها، والإصرار عل التمسك بقانون الطوارئ، الذي يفرض في بلدان الدنيا المحترمة عند وقوع كارثة طبيعية أو حرب، وليس قبل ذلك بعشرات السنين.

والواقع أن التركيز على ضرورة إلغاء القانون قد تراجع بعض الشيء في الخطاب المعارض، وحل محله خطاب يطالب بالإصلاح، الذي بدا أكثر أهمية وحتميا، وإلا فشلت النظم العربية في إنقاذ نفسها من التطور الدولي والمحلي، لقائم على الإصلاح. بعد حين، تبين أن القانون لم يجمد وإن صار العمل فيه أكثر انتقائية، وأن النظم نجحت في إخماد مطالبتها بإلغائه، وفي المناورة على مطلب الإصلاح، الذي قالت إنه ضروري للعرب، وللتصالح بين السلطات والشعب، بعد مرحلة عداء وعنف استمرت طيلة عقود وانتهت إلى إضعافهما معا.

مع تصاعد المد الشعبي في مصر، استعاد نظامها أكذوبة تجميد قانون الطوارئ، الذي تطالب قطاعات واسعة من المصريين بإلغائه كليا وبصورة نهائية. أما حجة النظام فهي الحفاظ على مصر بمنأى عن الفوضى، التي ستترتب حتما على أنشطة المنظمات الإرهابية والتغيير السياسي أو الدستوري الذي قد تشهده أرض الكنانة، خاصة إن طاول الأسرة المباركية المباركة أو أحد أفرادها، وطبقة اللصوص السياسيين، التي تشاركها حكم البلد ونهبه. ترى، هل في الأمر مساومة: نجمد قانون الطوارئ إن وافقت المعارضة على القبول بالأمر السياسي القائم: في شخوصه وهياكله ؟. أم أن النظام سيجمد القانون كما سبق لغيره من النظم أن 'جمده'، ريثما يسترد أنفاسه ويتمكن من شن هجوم عام على معارضيه؟. مهما كان السبب : إن تجميد أو تخفيف المطالبة بإلغاء القانون سيكون خطأ جسيما، ليس فقط لأن نظمنا تكذب، بل كذلك لأنها لا تستطيع العيش دون قانون طوارئ وأحكام استثنائية، وسيجعلها تجريدها منهما عاجزة عن البقاء في السلطة، وعن تأسيس حاضنة بديلة لها تعيد إنتاج نفسها بواسطتها.

ليست قانون الطوارئ غير أداة غير شرعية وغير قانونية، تضع السلطة بواسطته الشعب خارج القدرة على السياسة وتفقده ما قد يتوفر لديه من أهلية لها، مثلما تضع البلد خارج القدرة على الحرب وتفقده ما قد يتراكم لدى جيشه من استعداد لخوضها. إنها الأداة التي تقمع الداخل، وتوفر الحماية الخارجية، فهي في آن معا وسيلة حرب داخلية لا تهدأ أو تستكين، وفرار دائم من مواجهة العدو الخارجي أو التصدي لمشاريعه. لهذا السبب، يرى النظام العربي في تخليه عنها تخليه عن الحكم والكرسي، ويقاتل في سبيلها قتال من ظهره إلى الحائط، لا هم له غير إنقاذ نفسه عبر إنقاذها والحفاظ عليها، خاصة عندما يزداد ضعفا وتتعاظم المعارضة ضده.

صار النظام العربي وقانون الطوارئ صنوين لا يفترقان. لقد ولدا معا وعاشا معا وسيموتان بالتأكيد معا، فلا سبيل إلى الخلاص من أحدهما دون الخلاص من الآخر. هكذا يتصرف النظام العربي، وهكذا يجب أن يفكر ويتصرف وينشط معارضوه!.

' كاتب وسياسي من سورية

=======================

ما بين السلام والتسوية والاستسلام والتصفية

راكان المجالي

الدستور

18-5-2010

عندما اعتمدت الفصائل الفلسطينية الكفاح المسلح كطريق للتحرير خاصة بعد حرب العام 1967 كان لديها تصور واضح بأن الكفاح المسلح هو وسيلة وليس غاية وهو اسلوب عمل وصولاً الى حل سياسي واداة لاجبار اسرائيل على العودة الى حدود 4 حزيران.

 

اذن لم تكن هنالك اوهام بان الكفاح المسلح حتى لو تحول الى حرب تحرير شعبية لا يمكن ان يؤدي الى تحرير فلسطين بالسلاح انما بالسياسة ، ففلسطين ليست فايتنام ، وذات مرة قال لي المرحوم ابو عمار انه عندما زار فايتنام في مطلع السبعينات وقابل الزعيم الفيتنامي (هوشي منه) لفت هوشي منه انظار ابو عمار الى الفرق كبير بين الحالة الفايتنامية والحالة الفلسطينية حيث تتلقى فصائل المقاومة (الفيتكونغ) دعماً عسكرياً واستراتيجياً مطلقاً من قبل الاتحاد السوفيتي آنذاك والصين الشعبية ، كما ان الغزو الامريكي لفاتينام هو تثبيت نفوذ وليس احتلالا استيطانيا كما هو حال اسرائيل التي توافق العالم على شرعيتها في حدود ,1948

 

ما أقصد قوله هو ان هنالك توافقا فلسطينيا معلنا من خلال مبادرة السلام العربية حدد سقف المطلب الرسمي الفلسطيني والعربي باطالة اثار حرب 1967 والعودة الى حدود 4 حزيران. وضمناً لا توجد أوهام عند كل قوى المعارضة الممانعة العربية ذات العلاقة بأنه يمكن ان يتحقق اكثر من العودة الى حدود 4 حزيران ، وحتى لو كان هنالك اختلاف في التعبير عن هذا الموقف حيث تقول حماس والقوى المقاومة الاخرى أنها لا تقبل أقل من العودة الى حدود 5 حزيران للوصول الى هدنة دائمة قابلة لأن تتحول الى صيغة تسوية او سلام نهائي ، دون ان ينكر احد على حركات المقاومة ان تتحول الى احزاب لها احلامها في تحرير كل فلسطين كما لبعض الاحزاب الاسرائيلية احلامها في امتلاك كل فلسطين.

 

لكن هذا لا يعني انه لا توجد فروقات جذرية بين من يتبنون خيار المقاومة للوصول الى التسوية وبين من لا يتنبون هذا الخيار ، فالتمسك بالمقاومة يعني امتلاك ورقة لا يمكن التخلي عنها مجاناً او اعتماداً على الوعود الزائفة او التطمينات الدولية ، عندما كان الوفد الفايتنامي يفاوض الامريكان في باريس اقترح الوسيط الفرنسي وقف المقاومة في فترة المفاوضات فكان رد الوفد الفايتنامي يومها اذا اوقفنا المقاومة فعلى ماذا نفاوض ، واذا كان الفايتناميون حينها يرفضون أي وقف للمقاومة من موقف قوة ودعم قوى كبرى ، فان ما هو ضروري فلسطينياً هو ان لا يسقط خيار المقاومة كما تتبنى ذلك عملياً السلطة الفلسطينية ، وقد لا تكون الهدنة والتهدئة حالة مثالية بالنسبة لحماس لكنها لا تتم على حساب خيار المقاومة من حيث المبدأ ، وبدون تمنيات فان الاحتفاظ بسلاح المقاومة في غزة من قبل حماس والجهاد الاسلامي والفصائل الاخرى ، وكذلك احتفاظ حزب الله بالسلاح في جنوب لبنان وتطوير قدراته العسكرية وهو ما يتم في غزة ايضا حيث تتعزز هذه الورقة وتحقق بعض التوازن وتبادل المطالب التفاوضية المتقابلة وهو ما يفرض تكريس ايقاع الخطوات نحو السلام فلا أحد يريد المقاومة من اجل المقاومة ولا الحرب من اجل الحرب وانما من اجل الحرب وانما من اجل تحقيق هدف عادل ، لكن اذا كان الحديث هو عن الاستسلام فان ذلك يخدم اغراض اسرائيل الخبيثة بأن تفرض الامر الواقع ما دامت كل موازين القوى مختلة لصالحها فاذا ما استكملت اسرائيل اسقاط ورقة المقاومة ونجحت في عزل العرب عن قضيتهم عبر اخراج اكبر بلد عربي من الصراع عبر كامب ديفيد واخراج العراق من المعادلة عبر احتلالها وكذلك اضعاف وانهاك واثارة فتن في شرق الوطن العربي ومغربه ابتداءً من الجزائر وصولاً الى اليمن ومروراً بالسودان والصومال.. و.. و.. الخ.

واذا ما اسقطت اسرائيل وبدعم مطلق من امريكا كل الاوراق الفلسطينية والعربية فان الحديث يجري عن استسلام وليس عن سلام وعن تصفية وليس تسوية.

=======================

إسرائيل تتجاوز حدودها

د. إينا ميخائيلوفنا (رئيسة المركز الروسي الحديث لاستطلاعات الرأي)

البيان الاماراتية

الرأي الاردنية

18-5-2010

لا يوجد في العالم من يملك الحق في أن يفرض على روسيا أي شيء في علاقاتها الخارجية، ولا أن يفرض عليها مع من تتعامل أو من تقاطع.

 هذا الحديث يأتي بمناسبة زيارة الرئيس الروسي ميدفيديف لسوريا منذ أيام، هذه الزيارة التي فجر فيها ميدفيديف مفاجأة أدهشت الكثيرين وأغضبت البعض، عندما التقى زعيم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس، خالد مشعل، في دمشق.

 وليس صحيحا ما ذكره البعض من أن اللقاء فرض على الرئيس ميدفيديف فرضا ولم يكن لديه علم مسبق به، حيث التقى ميدفيديف مع خالد مشعل استجابة لرجاء من الرئيس السوري بشار الأسد الذي حضر هو أيضا هذا اللقاء، ولم يتردد ميدفيديف في الترحيب بالمقابلة.

حيث أن علاقات روسيا بحركة حماس قائمة ومتصلة. ونذكر هنا بأنه بعد فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية، دعت موسكو وفدا من حماس لزيارة رسمية لروسيا، وحضر وفد كبير بقيادة خالد مشعل في مارس 2006، والتقى الرئيس السابق فلاديمير بوتين بالوفد الفلسطيني في الكريملين، كما دعا بطريرك الكنيسة الروسية الراحل أليكسي الثاني وفد حماس لزيارة الكنيسة، ومنذ ذلك الوقت واتصالات حماس بموسكو لم تنقطع.

 وفي اللقاء ناشد الرئيس الروسي زعيم «حماس» التوصل إلى اتفاق مع الفصائل الفلسطينية الأخرى، حيث إن الخلاف بين الفصائل الفلسطينية يشكل عقبة خطيرة على طريق إقامة الدولة الفلسطينية، ودعاه إلى المساعدة في إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي شاليط.

 روسيا، في الشرق الأوسط بالتحديد، تختلف عن الكثيرين، في أنها تتعامل مع الجميع وبنفس الدرجة وبدون تمييز، فهي ليست مثل الاتحاد السوفييتي السابق الذي كان يقاطع إسرائيل ولا يتعامل مع بعض الأنظمة العربية، وعلاقات موسكو وتل أبيب الآن في وضع طيب للغاية.

 حسب تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الذين يترددون على موسكو بكثافة ملحوظة، وبين البلدين الآن مصالح كثيرة متبادلة، ولكن هذا لا يمكن أن يفرض على روسيا أية التزامات أو شروط في تعاملها مع الآخرين.

 ومن الطبيعي أن لقاء ميدفيديف بقادة حماس لم يكن ليمر بسهولة دون امتعاض واستنكار من البعض، وخاصة إسرائيل، لكن ردود الفعل الإسرائيلية جاءت مبالغ فيها بشكل وصل إلى حد استفزاز موسكو نفسها، فقد أعربت إسرائيل رسميا عن خيبة أملها العميقة من جراء هذا اللقاء.

 وذكرت الإذاعة الإسرائيلية نقلا عن بيان صدر من وزارة الخارجية الإسرائيلية، أن حماس «منظمة إرهابية بكل معنى الكلمة، تلطخت أياديها بدماء العديد من المواطنين الإسرائيليين بينهم قادمون جدد من روسيا وسائر دول الاتحاد السوفييتي سابقا».

 والغريب أن بيان الخارجية الإسرائيلية ربط بين حركة المقاومة الفلسطينية حماس وبين المتمردين الشيشان، حيث جاء فيه بالنص «ليس هناك أي فرق بين قادة حماس وكبير الإرهابيين الشيشان شامل باساييف، كما أن إسرائيل تشعر بخيبة أمل لا سيما في ضوء تأييدها للجهود التي تقوم بها السلطات الروسية لقطع دابر الإرهاب، وخاصة المنطلق من الشيشان».

 غريب حقا شأن الإسرائيليين الذين كانوا يدعمون المتمردين الشيشان بشكل غير مباشر حتى وقت قريب، سواء بدعمهم ماديا عن طريق رجال الأعمال الروس اليهود الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، والذين فر بعضهم لإسرائيل وبعضهم إلى لندن، مثل رجل الأعمال والمافيا بوريس بيرزوفسكي، الذي لم ينكر كبير الإرهابيين الشيشان شامل باسييف، على حد وصف بيان الخارجية الإسرائيلية له، تلقيه دعما ماديا كبيرا منه قدره خمسة وعشرين مليون دولار.

 كما أن إسرائيل كانت وما زالت تدعم نظام الرئيس الجورجي ساكاشفيلي وتمده بالسلاح علنا، بينما ساكاشفيلي يدعم المتمردين الشيشانيين ويؤويهم في بلاده، وهو ما ثبت في اعتدائهم على مدرسة الأطفال في مدينة بيسلان في أوسيتيا الشمالية عام 2005 وقتلهم العديد من الأطفال هناك، وقد انطلقوا من الأراضي الجورجية.

 لقاء ميدفيديف بقائد حركة حماس في دمشق، لا يحمل أية شبهة عداء أو ضرر بإسرائيل، ولكن رد الفعل الإسرائيلي هو الذي يحمل تجاوزا منها لحدود العلاقات مع بلد كبير مثل روسيا، لا يقبل من أية جهة أن تفرض عليه مع من يتعامل ومن يرفض.. وعلى إسرائيل أن تراجع حساباتها جيدا قبل أن تفكر في محاسبة روسيا.

=======================

مَنْ يدفع «ثمن» اتفاق طهران.. النووي؟

محمد خرّوب

Kharroub@jpf.com.jo

الرأي الاردنية

18-5-2010

اذا كان من المبكر الحديث عن نافذة الفرص التي فتحها اتفاق طهران النووي, بعد توقيعه يوم أمس بوساطة برازيلية وضمانات تركية, وخصوصاً ان ايران سارعت ولم يجف حبر تواقيع الرؤساء الثلاثة احمدي نجاد, لولا دي سيلفا ورجب طيب اردوغان, للتأكيد على انها مستمرة في برنامجها لتخصيب اليورانيوم عند درجة 20% (المثيرة للغضب الاميركي), فإن من غير التسرع, القول أن طهران قد سجلت نقطة اضافية لصالحها, إن لجهة استدراج البرازيل وتركيا الى مربعها بعد أن كانت الاخيرة (انقرة) قد انضمت الى صفوف الذين ضاقوا بدبلوماسية البازار وشراء الوقت, التي انتهجتها ايران بنجاح منذ ست سنوات وخصوصاً في مفاوضاتها المتعثرة مع مجموعة 5 + 1, أم لجهة وضع الدول الست (الدول دائمة العضوية في مجلس الامن + المانيا) في موقف دفاعي, بعد موافقة ايران على اقتراح المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية محمد البرادعي, باستبدال اليورانيوم منخفض التخصيب بآخر عالي التخصيب يقوم بتشغيل المفاعلات النووية الخاصة بالاستخدامات المدنية..

 

ثمة اذاً «ثمن» سياسي ودبلوماسي وربما عسكري لهذا الاتفاق الذي – إذا ما قيّض له النجاح – سيكون فاصلاً بين مرحلتين، لم يغب عن بال طهران للحظة واحدة، أن سيف العقوبات المسلط على رقبتها والتي كانت وشيكة بل رشح ان مجلس الامن سيقرّها قبل نهاية الشهر الجاري بعد ان «كوّعت» موسكو ومالت بيجين الى الغموض والمواقف الملتبسة، لن يبقى مشرعاً في وجهها بل سيترافق مع تهديدات وربما تحرشات عسكرية قد لا تأخذ طابع الحرب الشاملة إلاّ انها ستسهم في ارهاق ايران والإبقاء عليها في حال الترقب والطوارئ والاستعداد.

 

اسرائيل لن تغيب عن تفاصيل المشهد المستجد وهي ستراقب حتماً ردود الفعل التي بدأت تتوالى من عواصم القرار الدولي التي لا تستطيع تجاهل حجم وتأثير ومدى «الانجاز» (ربما يصح القول الاختراق) الذي حققه الرئيس البرازيلي في هذا الملف المعقد الذي كان ينذر (وما يزال) بانقسام «المجتمع الدولي» بعد ان واصل اركان ادارة اوباما، الحديث عن عدم إسقاط «أي» من الخيارات عن الطاولة في تلميح الى الخيار العسكري بكل ما يحمله هذا الخيار البائس من اكلاف واحتمالات تعلم واشنطن وهي تخوض حربين مدمرتين في العراق وافغانستان, انها لن تكون «نزهة».

 

ولان طهران ليست على تلك الدرجة من السذاجة السياسية فإنها نجحت في «تسليف» ورقة مهمة لأنقرة «منافستها الاقليمية الشرسة والحذرة»، في الوقت ذاته التي استطاعت ان «تحيّد» الأخيرة وربما «تكبيلها», لأن حكومة اردوغان لن تسلم كمية اليورانيوم (1200 كيلوغرام) منخفض التخصيب, إلا إذا احضرت الدولتان ذات العلاقة وهما روسيا وفرنسا الكمية المعادلة والمتفق عليها من اليورانيوم عالي التخصيب, وهو أمر كانت تعارضه واشنطن كما المانيا وبريطانيا وفرنسا, حيث طالبت طهران بأن تسلم ما لديها «اولاً» ثم تنتظر وصول الشحنة الفرنسية..

 

الجدل والسجالات حول ملابسات الاتفاق وبنوده لن تتوقف, وستأخذ الاطراف ذات الصلة وقتها الكافي, كي تحاول ابتزاز الطرف الآخر أو الحصول على تنازلات أو ضمانات جديدة, لكن كل ذلك لن يخفي حقيقة أن قطار العقوبات سيتوقف عند محطة طهران الحالية, ولن يشهد مجلس الامن المزيد من المشاورات او البحث عن صيغ ومقاربات جديدة أو مبتكرة للعقوبات, التي كانت الدول الغربية في صدد النجاح بفرضها قبل نهاية ايار الجاري..

في اطار المشهد الراهن الذي قلبت فيه طهران الطاولة على الجميع وتعاملت ببراغماتية ودهاء لافتين, يمكن وفي حزن وغضب, ملاحظة حجم العجز العربي وغياب أي دور عربي من أي نوع في منطقة يجري اللعب المنفرد والجماعي على ساحاتها وضد مصالح شعوبها..

انها آفة الاستبداد وآلة القمع وانتهاك حقوق الانسان والجمود التي تفتك بنا..

=======================

بين التنافسية والحمائية وداعا للعولمة

بقلم :إميل أمين

البيان

18-5-2010

«إن فكرة وجود سوق ذات سلطة مطلقة لا تخضع لأي قوانين أو تدخل سياسي، تنم عن جنون، ولهذا فإن التنظيم الذاتي انتهى، والتساهل انتهى».

 

هكذا تحدث الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في أعقاب الأزمة المالية العالمية، مؤكدا على أن نموذج السوق الحر المطلق في النسق الرأسمالي المتوحش، ربما أضحى أمرا قد تجاوزته حقائق الواقع، سيما بعد أن وصلت «الرأسمالية غير المقيدة إلى نهايتها» على حد تعبير وزير الخزانة الأميركية السابق هنري بولسون.

 

والشاهد أنه ما بين تصريحات ساركوزي وتعبيرات بولسون تتجلى حقيقة مؤكدة، وهي أن «الولايات المتحدة الأميركية سوف تخسر مكانتها كقوة عظمى في النظام المالي العالمي والعالم سيتغير الى الأبد».

 

غير أن علامة الاستفهام التي نحاول الإجابة عليها في هذه القراءة: هل واشنطن فقط هي الخاسر الأكبر أم النظام الرأسمالي المعولم؟ وهل نحن إزاء نهاية العولمة والعودة إلى زمن الحمائية والتنافسية بالفعل، سيما بعد أن ذهب كثير من الخبراء والمحللين الاقتصاديين إلى «أننا أصبحنا الآن كلنا اشتراكيين»، وخاصة في ظل عودة الحقبة الأميركية الجديدة من التدخل الحكومي؟

 

تعرف الحمائية بأنها «الجهود الحكومية لوقاية المنتجين المحليين من المنافسة الدولية، وتعتبر سياسة ذات جذور عميقة في جميع أنحاء العالم، وتأتي كاستجابة للمصالح الخاصة وكانعكاس للقلق الشعبي إزاء صدمة التغيير في آن معا». على أن التساؤل؛ هل مفهوم الحمائية حداثي واكب الأزمة المالية الأخيرة أم له جذور تاريخية بعيدة؟

 

للحمائية في واقع الأمر تاريخ طويل، فقد لجأت الحكومات تحت وطأة الضغوط السياسية في الدول النامية والمتقدمة على حد سواء، الى حماية منتجي المنسوجات والسيارات والسلع الزراعية وغيرها من المنتجات.

 

حدث ذلك في النصف الأول من القرن التاسع عشر، عندما فرضت بريطانيا رسوما جمركية على الواردات بهدف حماية المزارعين البريطانيين وملاك الأراضي الزراعية، من منافسة الواردات من الحبوب الأجنبية رخيصة الثمن لمحاصيلهم.

 

وبعد مرور ثلاثة أرباع القرن، شكلت الحمائية المنبثقة عن أسباب سياسية استجابة عالمية شاملة لأزمة الكساد العالمي الكبير. فخلال حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 1928، تعهد هربرت هوفر مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة، برفع التعريفات الجمركية على المنتجات الزراعية المستوردة، لمساعدة المزارعين الأميركيين الذين عانوا لسنوات من تدهور أسعار سلعهم.

 

هل اليوم شبيه بالأمس؟ الثابت أن واشنطن وكما كانت رأس الحربة في نسق العولمة المتوحشة، فإنها باتت أيضا اليوم تشكل الإزعاج الأكبر لبقية دول أوروبا وروسيا والصين، من جراء خططها التحفيزية الاقتصادية ذات الطابع الحمائي.. كيف ذلك؟

 

مع أواخر فبراير من العام الماضي، كان الرئيس الأميركي باراك أوباما يوقع في مدينة دنفر الأميركية، خطة الدعم والإنقاذ التي أقرها الكونغرس، لتدخل الخطة بذلك حيز التنفيذ ولتبدأ رسميا وفعليا جهود أوباما في «إبقاء الحلم الأميركي حيا» على حد وصفه.

 

وعلى الرغم من التوقيع على تلك الخطة العملاقة، إلا أن الجدل حول مدى جدوى هذه الجهود في حل الأزمة لم ينته، وامتد الحديث إلى التداعيات المحتملة من جرائها على الاقتصاد العالمي.. لماذا؟

 

لأنه في الوقت الذي يطالب فيه الأوروبيون والآسيويين بأن تبذل الحكومة الأميركية جهودها، من أجل الحيلولة دون تطبيق إجراءات الحمائية في إدارة الاقتصاد الأميركي، فإن خطة الإنقاذ الاقتصادية التي اعتمدها أوباما يقوم جوهرها على زيادة دور الدولة في إدارة الاقتصاد.

 

والشاهد أنه عندما قال أوباما في خطاب تنصيبه، إن الوقت قد حان لتخطي الجدالات العقيمة حول ما إذا كان يجب أن يكون التدخل الحكومي كبيرا أو محدودا، كان يردد الفلسفة الانتقائية التي يعتمدها نيكولا ساركوزي الذي يناصر الأسواق الحرة تارة ويشجع تنامي نفوذ القطاع العام تارة أخرى.

 

وعندما نعت أوباما «وول ستريت» بسالمخزية» والجشعة، كان يعبر عن الرأي الذي طالما كان سائدا بين الفرنسيين، ويؤيد رفض ساركوزي للفكرة الجنونية القائلة بأن الأسواق دائما على حق.

 

على أن التساؤل؛ هل هذه الوطنية الاقتصادية هي بداية طريق أميركا نحو اشتراكية جديدة تخالف اشتراكية الأولين، ومنعطف تاريخي لحمائية تنافي وتجافي العولمة التي تزعمتها بقوة السلاح مرة وبضروب الحيل والألاعيب عبر منظمات، مثل منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، مرات أخرى؟

 

عقب خطابه الأول أمام جلسة مشتركة للكونغرس، قال البعض إن أوباما أطلق «الإعلان الديمقراطي الاشتراكي الأكثر جرأة الذي يصدر عن رئيس أميركي أبدا»، ما دعا نيوت غينغريتش رئيس مجلس النواب الأميركي الأسبق، للقول إن اوباما يأتي إلينا ب«الاشتراكية الأوروبية»..

 

أيعني ما تقدم أن العالم في حاجة إلى إعادة صياغة النظام المالي الدولي من جديد، وتقديم نماذج مغايرة لنموذجي العولمة الصارخة والحمائية عالية الثمن؟

 

ربما يكون هذا بالفعل هو صحيح المشهد، وهو الأمر ذاته الذي دعت إليه النخبة الفكرية والمالية العالمية، التي اجتمعت في الأمازون بالبرازيل العام الماضي في منتدى مواز لدافوس.

 

وذلك عندما أشار المفكر الفرنسي الكبير فرانسوا أوتار رئيس مركز القارات الثلاث في بلجيكا، إلى أن الأزمة المالية تضع العالم أمام تحد ضخم ينطوي على تداعيات عديدة، فإما أن يعاني الناس إلى حد لا يكونوا معه قادرين على التحرك، أو أن تظهر حركات تمرد أو مقاومة منظمة.

وشدد على ضرورة تقديم ردود على أزمة الليبرالية الجديدة «من أجل تحقيق السلام في العالم وإرساء نماذج بديلة».

هل يمكن القول، إذن، وداعا للعولمة؟ في الاغلب الاعم من الإجابة؛ نعم.. وإن لم يعلن ذلك رسميا حتى الساعة.

كاتب مصري

=======================

أبرز الانعكاسات المحتملة إبطاء العقوبات على إيران

الاتفاق النووي يُدخل المنطقة مرحلة جديدة

روزانا بومنصف

النهار

18-5-2010

أبدت دول الاتحاد الاوروبي رد فعل فوريا على الاتفاق الايراني مع البرازيل وتركيا حول التخصيب النووي، فقللت من مضمونه ولو انها ادرجته من ضمن خطوة اولى تبقى ناقصة في اطار ما هو مطلوب من ايران لجهة التزام شروط الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتوقيع الاتفاق المطلوب معها وليس مع البرازيل وتركيا. وقالت مصادر ديبلوماسية في بيروت ان المجتمع الدولي لا يثق بإيران، ويعتقد انها قامت بخطوة تماماً كما في لعبة الشطرنج من أجل كسب المزيد من الوقت وإتاحة المجال أمامها للمزيد من الأخذ والرد.

وعدّ مراقبون رد الفعل بديهياً، باعتبار انه اذا كانت ايران سارعت الى هذا الاتفاق عبر مخرج مشرف لها امنته البرازيل وتركيا اللتان تشغلان مقعدين غير دائمين في مجلس الامن الدولي راهناً، ولا ترغبان في الوصول الى هذه النتيجة عبر الدول الكبرى اي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائداً المانيا، فان ذلك يشجع الدول الغربية على المزيد من الضغوط، نظرا الى الانطباع الذي اثاره ذلك ان مناقشة مجلس الامن الدولي عقوبات جديدة تفرض على ايران من دون اي فيتو او معارضة من الدول الخمس الكبرى بعد الموقف المعروف لروسيا خصوصاً، فعلت فعلها لجهة حض ايران على القيام بخطوة ما تمنع بها هذه العقوبات او تؤجلها او تفخخها بحيث يتاح لها تسجيل مكسب لها لربح الوقت على الاقل، على ان يكون ذلك حافزا لمزيد من التفاوض الذي قد ينجح او لا ينجح او يستنفد وقتا اضافيا. فالغرب يهمه ان يظهر بقاءه متيقظا وحازما حول الموضوع النووي الايراني، في حين استهدفت ايران ذلك الاتفاق بالتزامن مع اطلاقها الباحثة الفرنسية كلوتيلد ريس في مقاربة ديبلوماسية مدروسة وغير عشوائية اطلاقا من جانب طهران، تسعى من خلالها الى تخفيف وطأة الضغط الدولي عليها وربما كسب بعض التعاطف عبر شرذمة صفوف المجتمع الدولي والحض على انقسامه.

وهذا الامر يضطر بعض الدول الى ان تأخذ جانبها كما فعل رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الذي سارع الى القول ان هذا الاتفاق يظهر انه ليس من داع لعقوبات جديدة ضد طهران. فالمخرج بالنسبة الى ايران هو عبر اطراف لا يحمل التعامل معهم صفة التنازل من جانبها، كما قد تكون الحال مع الدول الغربية بحيث يشكل ذلك انتصارا او مكسبا لهذه الدول. وقد شعرت ايران بأن العقوبات الجديدة جدية ويمكن ان تحظى باجماع دولي لن يتحمله النظام الايراني لاعتبارات داخلية في الدرجة الاولى اكثر منها خارجية، على رغم اهمية هذه الاخيرة ايضا. ويقول المراقبون المعنيون ان الايرانيين معروفون ببراغماتيتهم وعملانيتهم، وهم متمسكون بالسلطة في طهران ولن يخاطروا باحتمالات تعرضها للتهديد اكثر مما واجهته حتى الان. اضف الى ذلك ان ليس من سبب يدفع الغرب الى الاعتقاد بعدم فاعلية الردع الذي تقوم به كما فعل ذلك في اوقات سابقة مع طهران.

وبغض النظر عن مدى تطابق الاتفاق الذي وقعته ايران مع البرازيل وتركيا مع الشروط الدولية، فإن الدولتين ليستا بعيدتين اطلاقا عن الولايات المتحدة الاميركية، ومن المستبعد ان تكون تحركتا بمعزل عن تنسيق مسبق لان أياً منهما لا ترغب في الفشل. والنقطة الاساسية التي تؤدي اليها هذه الخطوة، أقله كرد فعل اولي، هي ان التفاوض يجب ان يدخل مرحلة جديدة. ويقول المراقبون ان الرئيس الاميركي باراك اوباما اعتمد سياسة اليد الممدودة مع ايران ودعمته في ذلك الدول الاوروبية، ولا يمكن أياً منهما الا أن يأخذ في الاعتبار هذه الخطوة، ولو ان السعي سيتواصل بكل الطرق من اجل تحسينها وزيادتها من ضمن السياسة نفسها، أي استمرار الضغط في موازاة التعاطي الايجابي ايضا. والبعض يقول إن الدول الكبرى شجّعت أي البرازيل وتركيا على التحرك ولم تعترض عليها، وكان في امكانها ان تفعل، لولا انها ترغب في الحصول على الاتفاق مع ايران والبدء من نقطة ما.

ومع ان من المبكر الحكم على ردود الفعل والمدى الذي يمكن ان تذهب اليه في انتظار معرفة التفاصيل في الكواليس وليس في ما هو معلن، فان هذا الاتفاق نقل الوضع الى مرحلة جديدة نوعية من الترقب محكومة بثلاثة عوامل: الاول ان الثقل الاساسي في رد الفعل يبقى لدى الولايات المتحدة، المحركة الاساسية لموضوع العقوبات والمعنية الاساسية من زاوية تهدئة اسرائيل، ومنع ان يشكل الموضوع النووي الايراني تهديدا لها. ولم يصدر أي موقف فوري وسريع عن المسؤولين الاميركيين حول الموضوع على عكس ما ذهبت اليه ردود الفعل الاوروبية. والثاني ان من شأن الاتفاق ان ينفس بعض الاحتقان في المنطقة الذي تحدثه ايران والضجيج المتواصل حول سعيها الى امتلاك قنبلة نووية. والعامل الثالث ان الاتفاق قد يبطىء السعي الى قرار جديد حول عقوبات جديدة على طهران في مرحلة اولى، اذ لن يكون سهلا متابعة الغرب وتيرة اندفاعته في موضوع العقوبات، ما لم يظهر بوضوح ان ايران لم تقدم اي تعاون فعلي وان الاتفاق الذي وقعته هو لكسب الوقت ليس الا. وهذا الامر لن يكون سهلا في ظل تفاوت في ردود الفعل الدولية التي يمكن أن يحدثها الاتفاق وفق ما ظهر من طلائع هذه الردود الفورية.

=======================

"اتفاق طهران" للتنفيذ او لكسب الوقت ؟

سركيس نعوم

النهار

18-5-2010

الجمهورية الاسلامية الايرانية لا تريد حرباً عسكرية مع الولايات المتحدة، يقول لبنانيون قريبون منها، خلافاً للاعتقاد السائد سواء في الأوساط الاميركية او الدولية او الاقليمية. والنشاط التسلحي الذي تقوم به، سواء كان مصدره الخارج او مصانعها المحلية التي صارت قادرة بواسطة التكنولوجيا المستوردة وخبراتها الداخلية المتنوعة، هذا النشاط لا يعكس ابداً نيَّة هجومية على الخارج وتحديداً على من تعتبرهم اعداء، وفي مقدمهم اسرائيل واميركا وحلفاء كل من الاثنتين. بل يعكس نية دفاعية في حال تعرُّض "الجمهورية" لاعتداء من اي جهة اقليمية او دولية، في الوقت نفسه نيّة ردعية، من خلال الترسانة العسكرية الايرانية الكبيرة والمتنوعة. وقد يكون من شأن النيّة الردعية هذه تلافي وقوع حرب مع ايران.

اما الاسباب التي برر بها القريبون اللبنانيون انفسهم الموقف الايراني المفصل اعلاه فكثيرة. الا ان ابرزها يبقى اقتناع القيادة في الجمهورية الاسلامية الايرانية بأن ترسانتها العسكرية التقليدية ومهما يتضخم حجمها وتتقدم نوعيتها تبقَ اضعف وبكثير من الترسانة العسكرية التقليدية الاميركية. وهذا يعني ان اي مواجهة عسكرية بين واشنطن وطهران ستكون مؤذية للاولى وبشدة. لكنها ستكون مدمرة وعلى نحو شامل تقريباً للثانية. انطلاقاً من ذلك، يضيف القريبون انفسهم، نبع موقف قيادة النظام الاسلامي الحاكم في ايران من الموضوع النووي. وهو يقضي بعدم امتلاك سلاح نووي لأنه "محرّم شرعاً". لكنه يقضي في الوقت نفسه بامتلاك التكنولوجيا النووية والمواد الضرورية لتوليد الطاقة النووية وتالياً لتأمين استخدامها سواء سلماً او حرباً. وهذا يعني توظيف المعرفة النووية الكاملة في حل مشكلات الطاقة في البلاد على تنوعها وغيرها. ويعني ايضاً امتلاك كل ما يؤدي الى صنع سلاح نووي من دون الحاجة الى احد من الخارج وفي اشهر قليلة وذلك اذا وجدت ايران نفسها معرضة حقيقة لخطر وجودي. وهناك دول عدة تستخدم الطاقة النووية سلمياً وتمتلك في الوقت نفسه المواد والتكنولوجيا التي تمكنها عند الحاجة من استخدامها عسكرياً. فضلاً عن ان الجمهورية الاسلامية الايرانية نجحت ومنذ قيامها عام 1979 وبعد سلسلة من التجارب والمحن القاسية في فرض نفسها لاعباً شرق اوسطي مهماً من دون حيازة سلاح نووي. اذ تعرف ان حيازة قنبلة او عشر ومن ثم استعمالها سيكون الرد عليه قنابل كثيرة تدمر ايران. وهذا ليس طبعاً ما يريده القادة والمسؤولون في طهران.

انطلاقاً من ذلك كله يؤكد القريبون اللبنانيون من الجمهورية الاسلامية الايرانية انفسهم ان اميركا نفسها وخصوصاً بعدما صارت برئاسة باراك اوباما لا تريد حرباً مع هذه الجمهورية، سواء خاضتها هي او خاضتها حليفتها الاستراتيجية الاولى في المنطقة اسرائيل. ذلك ان الأضرار التي ستصيب جيوشها في المنطقة وحلفائها من عرب واسرائيليين، والاضطراب الذي ستحدثه في العالم جراء تعطّل منطقة تحتوي على اكبر احتياطات الغاز والنفط في العالم، لا بد ان يتسببا بخضة عالمية واسعة سياسية واقتصادية وامنية واجتماعية لا يعرف احد الى متى تدوم. وقد عبَّر اوباما عن ذلك بقراره الانخراط في حوار مع ايران ولاحقاً بالبحث مع المجتمع الدولي (مجموعة ال5+1) في فرض عقوبات جديدة عليها بعد مماطلتها في التجاوب مع دعوته ومع العرض الدولي الذي قدم لها لتسوية الخلاف الابرز حول موضوعها النووي. هذا فضلاً عن "المنع" الحاسم والحازم الذي مارسه الرئيس الاميركي على اسرائيل نتنياهو لمنعها من توجيه ضربة عسكرية الى ايران. وقد اثمر المنع لأن اسرائيل ادركت ان اميركا ليست في وارد التورط عسكرياً مع ايران وان اي اعتداء منها على ايران لا يكتمل الا اذا تابعت اميركا تفاعلاته.

ما مدى صحة اعتقادات القريبين من الجمهورية الاسلامية المفصلة اعلاه؟

الاتفاق الذي وُقِّع امس بين ايران وتركيا والبرازيل والذي يُستبعد ان يكون المجتمع الدولي بعيداً منه، حول تسليم الاولى 1200 كلغ اورانيوم في تركيا الى دولة ثالثة (فرنسا او روسيا) للتخصيب بنسبة 20 في المئة، هذا الاتفاق يؤكد ان ايران لم تكن في وارد الذهاب الى الآخر في المواجهة مع اميركا والعالم. ومن راقب "تصرفاتها النووية" خلال الاعوام القليلة الماضية كان يلاحظ انها كانت "تُرخي" عندما كانت تلاحظ ان العالم اقترب من التعاطي معها بسلبية قد تكون عسكرية، وكانت تتشدد عندما كانت ترى ان ظروفه لا تسمح له بالتشدد حتى النهاية. ويوم زار الرئيس الايراني نجاد نيويورك آخر مرة ويوم اولم وزير الخارجية منوشهر متكي لاعضاء مجلس الامن في نيويورك ايضاً ادرك المعنيون في العالم ان القيادة الايرانية صارت اقرب الى التسوية لانها تريد ان تأكل عنباً ولأنها لا تستطيع ان تقتل الناطور ولأنها لا تريد ان تستدرج الناطور لقتلها.

طبعاً لا يعني ذلك ان كل مشكلات الملف النووي الايراني انتهت. بل يعني ربما بداية نهايتها. ويعني ايضاً ربما قُرب نجاح ايران في تحقيق الكثير من احلامها النووية. ويعني ثالثاً ان المحور الاقليمي التركي – الايراني – السوري قد يكون دخل طور التكوين الرسمي. ويعني رابعاً ان الولايات المتحدة قد تكون صارت اقرب الى فكرة البحث في هوية قيادة المنطقة في ضوء "النجاح" التركي – الايراني الاخير. ويعني خامساً امراً يجب عدم اغفاله هو ان البرازيل برئيسها داسيلفا او بغيره دخلت رسميا نادي الدول الكبرى من بابه العريض. ويعني سادساً نجاحاً لأوباما وبداية لاستراتيجية شرق اوسطية اميركية جديدة وخصوصاً اذا لم تعقِّد طهران من جديد تنفيذ الاتفاق الاخير، كما يعني نجاحاً لتركيا اردوغان اي تركيا الاسلامية الديموقراطية.

=======================

الطريق إلى بيونج يانج يمر عبر الصين

آخر تحديث:الثلاثاء ,18/05/2010

جون ديلوري

الخليج

كانت الزيارة التي قام بها كيم جونج إيل إلى الصين هذا الأسبوع بمثابة تَذكِرة هادئة بأن الطريق إلى بيونج يانج يمر عبر بكين، فالصين هي القوة الوحيدة التي ظلت على اتصال بكوريا الشمالية عبر العديد من التقلبات، في حين كان التواصل بينها وبين روسيا واليابان والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية متقطعاً .

 

والحق أن الصين تساهم بشكل كبير في تعزيز السلام الإقليمي من خلال إبقاء الباب مفتوحاً أمام قادة كوريا الشمالية، وهي دبلوماسية جريئة في هذه اللحظة البالغة الحساسية والتي لم توف الصين حقها من التقدير لانتهاجها .

 

بيد أن “النفوذ” الذي تمارسه الصين على كوريا الشمالية يكاد يكون متوهماً في جزء منه، إذ لا بد من تقييم زيارة كيم إلى الصين استناداً إلى حقيقة العلاقات بين الصين وكوريا الشمالية، وليس كما يتمنى الآخرون لها أن تكون، وبهذا نستطيع أن ندرك أهمية الدور المتروك لأمريكا وكوريا الجنوبية في إشراك الشمال من أجل إحياء عملية نزع السلاح النووي وإصلاح العلاقات بين الكوريتين .

 

هناك ثلاثة تصورات خاطئة عملت على تشويه تغطية الزيارة التي قام بها كيم إلى الصين . التصور الخاطئ الأول هو أنه يسعى يائساً إلى الحصول على المساعدة من جانب الصين في محاولة لدعم نظامه في مواجهة السخط المتأجج إزاء فشل إصلاحات العملة . فعلى الرغم من المشاكل الاقتصادية المؤلمة التي تعاني منها كوريا الشمالية في الآونة الأخيرة والتي كانت سبباً في زعزعة أركان النظام، لا ينبغي لنا أن ننسى أن النظام في كوريا الشمالية تمكن من الصمود في وجه مواقف أشد سوءاً من قبل . والواقع أن العلاقات الاقتصادية بين الصين وكوريا الشمالية كانت مدفوعة بمصالح مادية وعوامل اقتصادية بقدر ما تدفعها المخاوف بشأن الاستقرار الجغرافي السياسي .

 

والواقع أن التبادل التجاري يقلل من أهمية المساعدات، فقد أصبحت الصين الآن وخاصة مقاطعاتها الحدودية الشريك التجاري الرئيسي لكوريا الشمالية والمصدر الذي تستمد منه الاستثمار الأجنبي، وقد أعلن رئيس مجلس الدولة الصيني ون جيا باو عن تنفيذ حزمة تجارية كبرى أثناء الزيارة التي قام بها إلى بيونج يانج في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهي الحزمة التي ربما تبلغ قيمتها 10 مليارات دولار . ومؤخراً أسست كوريا الشمالية بنك الدولة للتنمية ومجموعة “تي بنج الاستثمارية الدولية” (التي يترأسها رجل أعمال ينتمي إلى أصول كورية صينية مختلطة)، وهما المؤسستان المكلفتان باجتذاب الاستثمار الأجنبي .

 

ولقد ظهر أيضاً الاهتمام المتجدد بتنمية وتطوير المدينة المرفأ راسون، التي تقع بالقرب من نقطة التقاء حدود الصين وروسيا وكوريا الشمالية، وتحويلها إلى منطقة اقتصادية خاصة . ورغم أن كوريا الشمالية تقف بعناد وراء نموذج سيطرة الدولة والتخطيط المركزي الذي عفا عليه الزمن، فمن الواضح أن الزيارات التي قام بها كيم إلى مدن مزدهرة في الصين مثل داليان وتيانجين تعكس اهتمامه المستمر رغم تردده بإيجاد سبل بديلة لجلب الازدهار إلى بلاده وتعزيز قوتها .

 

أما التصور الخاطئ الثاني فهو أن الرئيس الصيني هو جين تاو عرض على كيم “حزمة ضخمة” من المساعدات في مقابل العودة إلى المحادثات السداسية الأطراف بشأن برنامج كوريا الشمالية النووي . لا شك أن هو جين تاو كان يبحث عن سبل لإحياء المحادثات، ولكن ليس عن طريق شراء كيم بالمساعدات، فهو بدلاً من ذلك كان يسعى إلى التعرف إلى مستوى استعداد كيم لاستئناف المحادثات، والشروط المسبقة والحوافز التي قد تحرك الأمور، والحيز المتاح للمناورة، في ضوء مواقف الأطراف الأخرى .

 

ومن الواضح أن كيم أكد على استعداد حكومته للعودة إلى المحادثات، ولكن السؤال هنا هو ما نوع الضمانات التي كان بوسعه تقديمها للرئيس هو جين تاو حتى يتمكن من إقناع الولايات المتحدة القلقة وكوريا الجنوبية العدائية بأنه مستعد للتوصل إلى اتفاق حقاً، فضلاً عن ذلك فإن كيم أيضاً يحتاج إلى الحصول على ضمانات من هو جين تاو، ليس في ما يتصل بالمساعدات الصينية، بل حول مدى استعداد الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان للأخذ والعطاء .

 

والتصور الخاطئ الأخير هو أن هو جين تاو ربما طالب كيم بتقديم تفسير للأسباب التي دعت كوريا الشمالية إلى إغراق السفينة الكورية الجنوبية في مارس/آذار الماضي، فلعل الرئيس هو جين تاو، الذي التقى مؤخراً بالرئيس الكوري الجنوبي لي ميونج باك، ناقش هذه القضية مع كيم، فضلاً عن استعراضه للضغوط الشديدة التي يتعرض لها الرئيس الكوري الجنوبي لدفعه إلى الرد، بل وربما الانتقام . بيد أن الصينيين لا يفترضون أن كوريا الشمالية مذنبة . فحتى في مواجهة الأدلة القوية التي تؤكد بشاعة الفعلة التي ارتكبتها كوريا الشمالية، يميل الصينيون إلى النظر إلى هذه الحادثة باعتبارها شأناً خاصاً بالعلاقات بين الكوريتين، ولا ينبغي لها أن تقرر مصير المحادثات السداسية الأطراف .

 

وبدلاً من انتقاد الصين، يتعين على رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما ورئيس كوريا الجنوبية لي ميونج باك الآن أن يبذلا المساعي للتواصل مع الصينيين بهدف استخلاص نتائج الزيارة التي قام بها كيم إلى الصين خصوصاً ما يتصل بالقضايا الأمنية والاقتصادية . ويتعين على الصين أن تستمر في قيادة الجهود الرامية إلى تشجيع إصلاح وانفتاح اقتصاد كوريا الشمالية، بمساعدة من المؤسسات المالية الدولية .

ويتعين على الولايات المتحدة فضلاً عن ذلك أن تسعى بنشاط إلى تأمين سبيل العودة إلى المحادثات السداسية الأطراف، وأن تقاوم الفكرة المشؤومة التي تؤكد استناداً إليها أن إقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن برنامجها النووي أمر مستحيل، فضلاً عن تصور خطير آخر مفاده أن النظام في كوريا الشمالية سوف يأتي متوسلاً، بل وقد ينهار تماماً، إذا انتظرنا .

لا شك أن كوريا الجنوبية تواجه المعضلة الأضخم في هذا السياق، ذلك أن أي خطوة إلى الأمام لابد وأن تنتظر نتائج التحقيق في غرق سفينتها الحربية ومقتل بحاريها، ولكن يتعين على الرئيس لي ميونج باك أن يتوصل بطريقة أو بأخرى إلى الوسيلة الكفيلة بإعادة العلاقات بين الكوريتين إلى المسار السِلمي .

* أستاذ مساعد بمركز العلاقات الأمريكية الصينية التابع لجمعية آسيا، ومُحاضِر بجامعة كولومبيا، والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت”.

=======================

مفارقات قانون الطوارئ

آخر تحديث:الثلاثاء ,18/05/2010

فهمي هويدي

الخليج

ليست المشكلة في تمديد العمل بقانون الطوارئ، ولكنها في الإصرار على التلاعب بالقانون واستمرار استغفال المصريين بذرائع شتى تطلق كل حين .

 

-1-

 

يوم 14 مايو/أيار الذي أبرزت فيه الصحف المصرية موافقة مجلس الشعب على التمديد لمدة سنتين، مع التأكيد على أن تطبيقه سيكون مقصوراً على مكافحة الإرهاب والإتجار في المخدرات، نشرت جريدة “الشروق” على صفحتها الأولى خبراً كان عنوانه كما يلي: أوامر باعتقال مرشحي الإخوان إذا أصروا على الشعارات الدينية . وذكر الخبر أن وزير الداخلية أصدر أوامره إلى مساعديه باعتقال المرشحين لانتخابات مجلس الشورى الذين يرفعون شعارات طائفية (المقصود شعار الإسلام هو الحل) . لم يكذب الخبر أو يصحح، لكنه مر من دون أن تستوقف أحداً المفارقة فيه . ومن دون أن يتساءل أحد عما إذا كان رفع ذلك الشعار يدخل أم لا، ضمن الإرهاب أم جلب المخدرات، لكن الأهم من ذلك أن المفارقة تجسد الكيفية التي توظف بها الحكومة قانون الإرهاب . كما أنها تكشف المسافة الشاسعة بين الإعلان السياسي الذي استهدف تمرير القانون بعبارات منمقة، وتعهدات مغرية، وبين التطبيق العملي الذي لا يبالي بكل ذلك، بحيث تطلق يد السلطة في أن تنكل بالمعارضين وتقمعهم .

 

في اليوم ذاته أجرى رئيس تحرير إحدى الصحف المستقلة اتصالاً هاتفياً مع صديق من كبار رجال القانون، وطلب منه تحليلا للآثار المترتبة على التمديد في ظل الإعلان عن اقتصاره على حالتي الإرهاب وجلب المخدرات . فما كان منه إلا أن اعتذر عن الاستجابة لرغبته، قائلا إن تلك الخطوة لا علاقة لها بالقانون، لأنها بمثابة عبث سياسي يستخدم القانون لاستمرار احتكار السلطة وإحكام القبضة على المجتمع . وكانت وجهة نظره، كما سمعتها منه في وقت لاحق، أن الرئيس مبارك كان قد أعلن على الملأ أن مصر هي الدولة الوحيدة المستقرة في المنطقة التي انتصرت على الإرهاب، وأن رئيس الوزراء الحالي ذكر أمام مجلس الشعب أن مصر تنعم الآن بالاستقرار . كما أن أحدا لا يستطيع أن يقول إن في مصر ظاهرة إرهابية، فكيف يمكن لعاقل أن يصدق أن المشكلة أصبحت فجأة تهدد المجتمع الآن وأن الإرهاب هو القضية . في الوقت ذاته فإن في مصر قانونا خاصا للمخدرات يصل بالعقوبة إلى حد الإعدام في بعض الأحيان، وإذا صح أن قانون الطوارئ سيطبق على من يجلبون المخدرات ويصدرونها، فعلى من إذن سيطبق قانون المخدرات الأصلي؟ ثم إن المخدرات أصبحت مشكلة عالمية، ولم نسمع أن بلدا اضطر لإعلان الطوارئ في تعامله معها .

 

-2-

 

الاستغفال والتدليس واضحان في مفهوم “الطوارئ” . ذلك أن المصطلح في تعريفه القانوني يعبر عن الحالة التي تفاجئ المجتمع، من دون أن يكون مستعدا لمواجهتها بتنظيم تشريعي محدد . إذ في هذه الحالة يكون إعلان الطوارئ مخرجا لمواجهة تلك المفاجأة الطارئة . لكن هذا المفهوم انقلب عندنا، بحيث تحوّل إلى قانون وإجراءات استثنائية فرضت وطبقت للتعامل مع أوضاع المجتمع العادية والطبيعية، إذ لا يستطيع عاقل أن يدّعى أن مصر ظلت تعيش المفاجآت طوال الثلاثين عاماً الماضية . وحتى إذا قيل إن الإرهاب كان شيئاً طارئا هز المجتمع المصري وروعه، فإن هذه الظاهرة عالجتها أيضا تعديلات أدخلت على قانون العقوبات في العام ،1992 وتضمنت نصوصا غاية في الشذوذ والغرابة، اعتمدت على تطوير مواد قانونية أصدرها الديكتاتور الفاشي موسوليني في إيطاليا العام ،1930 وهو ما يعني أن التعامل الحازم مع ملفي الإرهاب والمخدرات له مرجعيته الثابتة في قانون العقوبات المصري، ولا يحتاج لا إلى إعلان الطوارئ ولا إلى إصدار قانون جديد للإرهاب .(للعلم فإن قضية خلية حزب الله التي صنفت ضمن قضايا الإرهاب حوكم المتهمون فيها أمام القضاء العادي وصدرت أحكامها المشددة من دون أن تخضع لقانون الطوارئ) .

 

وطالما كان التعامل مع الإرهاب ومكافحة المخدرات تتكفل به النصوص الموجودة أو التعديلات التي أدخلت على قانون العقوبات، فإن التذرع بها لفرض الطوارئ يغدو نوعاً من التدليس، كما قال بعض القانونيين بحق، أهم من ذلك أنه يدل على أن ثمة هدفاً آخر أبعد يراد تحقيقه من خلال فرض الطوارئ، يتمثل في استمرار احتكار السلطة وإطلاق يدها في إجهاض أي بديل لها .

 

في الدراسة التي أعدها المستشار طارق البشرى حول الموضوع، في مناسبة مرور 60 سنة على إعلان الأحكام العرفية في مصر، واقترح الاحتفال بعيد الطوارئ على غرار الاحتفال بعيد الدستور، سجل أكثر من ملاحظة مهمة على الوضع القائم . منها أن مصر شهدت تلازماً وتعايشاً مدهشاً بين أمرين متناقضين، أحدهما الطوارئ التي تنفي الدستور، والدستور الذي ينفي حالة الطوارئ، بحيث لم يعد يعرف أيهما الأصل وأيهما الاستثناء . منها أيضا أنه خلال ثلاثة أرباع القرن المنقضى (من العام 1923 حتى الآن)، صدرت ثلاثة قوانين للأحكام العرفية والطوارئ وستة دساتير وبيانان دستوريان، بحيث بدا أن الطوارئ أكثر ثباتا من الدستور . منها كذلك أن إعلان الطوارئ في مصر تزامن عادة مع أجواء انتهاء الحروب (الحرب العالمية الثانية حرب فلسطين العدوان الثلاثي ثم بعد توقيع معاهدة السلام مع “إسرائيل”)، لكنها منذ أعلنت في العام 1981 ظلت مستمرة إلى الآن، الأمر الذي يعني أن الطوارئ أصبحت حالة ملازمة للسلم، بل وملازمة للدستور وأكثر أصالة منه .

 

-3-

 

للمستشار السابق سمير حافظ دراسة في الموضوع ركزت على أزمة القانون في مصر، التي وصفها بأنها “خانقة” . وفي رأيه أن بعض النصوص والتشريعات التي تصدر تحولت إلى أدوات في يد السلطة توظف لأغراض معينة، الأمر الذي يفقدها شرائط القانون ومضمونه وإن اتخذت شكل القانون، وهو المسار الذي بدأ منذ رفع شعار “الشرعية الثورية” قبل نصف قرن، التي كانت تعني أن إرادة الحاكم هي القانون . ثم رفع في مرحلة تالية شعار الشرعية القانونية ودولة المؤسسات، الذي أثبتت التجربة أنه مجرد تغيير في المسمى وليس المضمون . وتبين أن الهدف من التشريع في تلك المرحلة هو إحكام قبضة الحاكم وتفرده بالحكم . حتى وصفت تلك المرحلة بأنها سيادة بالقانون وليست للقانون .

 

هذا الوضع استمر حتى الآن، وتجلى في التعديلات التي أدخلت على العقوبات، خصوصا تلك التي تمت في سنة 1992 بدعوى مكافحة الإرهاب ولم تكتف بالأحكام المشددة المنقولة عن قانون موسوليني سيئ الذكر، وإنما مارست العصف بكل القواعد الجنائية المسلم بها، فساوت في العقوبة بين الشروع والجريمة التامة رغم ما بين الحلقتين من تباين تقره كل القوانين . ولا يقل غرابة عن ذلك أن التعديلات خرجت على أحكام قانون العقوبات، واعتبرت التحريض جريمة كاملة وعاقبت عليها، حتى إذا لم تقع الجريمة محل التحريض .

 

أما الأشد غرابة فإن التعديل توسع في تعريف الإرهاب بما يفتح الباب لمحاكمة أي معارض أو أي شخص غير مرضي عنه بتهمة الإرهاب إذا عرف بأنه: كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع، يلجأ إليه الجاني . . بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم، أو إلحاق الضرر بالبيئة، أو بالاتصالات والمواصلات، أو بالأموال أو بالمباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة . . أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها، أو تعطيل الدستور أو القوانين أو اللوائح .

 

هذا النص الهلامي يهدر مبدأ ضبط النصوص العقابية، إضافة إلى أن من شأنه تجريم الحق الدستوري الذي يسمح بطلب التغيير بالوسائل السلمية، ثم إن عبارات مثل سلامة المجتمع والإضرار بالبيئة والوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، تتسع لتجريم أي صورة من صور السلوك الإنساني، بل وتتجاوز تجريم السلوك إلى تأثير النوايا، وبسبب هذه الثغرات فقد تم الطعن على هذا النص بعدم الدستورية في العام ،2003 ولم يفصل في ذلك الطعن للآن .

 

-4-

 

كل ذلك ليس كافياً في نظر أهل السلطة، الذين باتوا يعلقون إلغاء قانون الطوارئ على الانتهاء من قانون الإرهاب، الذي يراد له أن يضيف المزيد من التوسع في التجريم والمزيد من الخروج على القواعد العامة في شأن الأحكام المتعلقة بالمساهمة الجنائية والأحكام المتعلقة بالشروع في الجريمة . وهو ما لا يبعث على الاطمئنان أو التفاؤل . يؤيد ذلك أنه في العام 2008 نشرت بعض الصحف 15 مادة مقترحة لمشروع قانون الإرهاب، جاءت مطابقة للآراء التي أيدها في الموضوع الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشؤون القانونية ورئيس اللجنة المكلفة بإعداد المشروع . وهو ما دفع الدكتور محمد نور فرحات استاذ القانون إلى القول إن المشرع المصري تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، يتجه لحرمان المصريين من الحريات المنصوص عليهامن دون إذن قضائي مسبق، اكتفاء بما يسمى الرقابة القضائية اللاحقة، وتشمل هذه الحقوق الحرية الشخصية وحرية السكن وحرية المراسلات والاتصالات وغيرها (الدستور 29/2/2008) .

 

ولأن الأمر كذلك، فلا يختلف أهل الذكر على أن قانون الإرهاب لا يراد به إلا تأبيد حالة الطوارئ، وإضفاء الصبغة القانونية الدائمة عليها، بحيث يتحول الهم الاستثنائي إلى هم أزلي، وهو ما يدعونا إلى القول إنه إذا كان ذلك هو الإصلاح السياسي، فاسمحوا لنا أن نعلن على الملأ أننا نعتذر عنه، لنطالب ببعض “الإفساد السياسي” الذي يخفف عنا وطأته .

=======================

ثقة فريدمان المفرطة بالأسواق

الثلاثاء, 18 مايو 2010

علي بن طلال الجهني *

الحياة

لا يختلف اقتصاديان حقيقيان في عمق معرفة رمز جامعة شيكاغو، ميلتون فريدمان، في علم الاقتصاد. ويكفي لتخليد اسمه تأثيره الذي لم يتجاوزه إلا تأثير كينز في السياسة الاقتصادية عموماً وفي السياسة النقدية خصوصاً.

ولم يكن فريدمان رجلاً محافظاً، كما توهم كثيرون، لا بمعنى المحافظة السياسية القديم ولا بمعنى محافظة من يسمون أنفسهم «المحافظين المجددين». لقد كان ما يسمى في الغرب «ليبرتيراً» أو ما يقارب معنى كلمة «حر».

وفي آخر مقابلة صحافية طويلة أجريت معه قبل وفاته بنحو سنتين، قال أن حرب «المحافظين المجددين» على العراق عدوان صريح. و»العدوان»، كما قال، يتناقض مع النظام الديموقراطي الذي أرسى قواعده المؤسسون للولايات الأميركية التي اتحدت في عام 1776.

برز فريدمان بصفته منظراً متميزاً في «نظرية الأثمان» وهو في العشرينات. ومن أهم الأسس التي بُنيتْ عليها نظرية الأثمان «تساوي» المعلومات بين البائع والمشتري، منذ أيام ادم سميث، والفرد مارشال في ما بعد، وحتى أيام فريدمان وزميله جورج ستيغلر.

ولكن في هذه المرحلة الحالية التي تجاوزت فيها الرأسمالية الغربية صفة «الصناعية» الى ما بعدها أو ما يمكن تسميته بمرحلة عصر «الكترونيات المعلومات»، أو «عصر المعرفة»، أصبح متعذراً «تساوي» المعلومات بين البائع والمشتري لكل ما يتم تداوله. فمعرفة المعلومات الضرورية عما يراد تداوله أمر مكلف، وقد يكون من المجدي للبائع تحمّله ويتعذر على المشتري في اغلب الأحيان دفع قيمته الإضافية.

وليس هناك ما يوضح غياب «تساوي» المعلومات بين البائع والمشتري كما توضحه تداولات الأسواق المالية. فكما بينت الأزمة المالية التي أدت الى كوارث اقتصادية بنسب متباينة في العالم اجمع، فإن البائع المالي لا يعرف أكثر من المستثمر المشتري فحسب، وإنما استطاع حتى غش وتدليس مشترين كبار لأدوات مالية استغل باعتها تعقيدها لتضليل غالبية المشترين سواءً كانوا كباراً أو صغاراً حتى كاد النظام كله ينهار.

وقد اثبت تاريخ الأمم أن حرية الأسواق أفضل أداة لحشد رأس المال، أي عمود الوسط للأنظمة الرأسمالية. وعلى مستوى معين من التعميم يمكن اعتبار كل دول العالم في عام 2010، ما عدا كوريا الشمالية والى حد اقل الجزيرة الكوبية، دولاً رأسمالية.

والاقتصاديون لا يجهلون، على الأقل منذ أوائل القرن الماضي، أن الأسواق الحرة «تفشل» أحياناً في أدائها. واهم أسباب الفشل إما أن المنتج أو البائع لا يتحمل كل تكاليف إنتاجه ويحملها المجتمع حين يؤدي إنتاج ما ينتجه الى زيادة التلوث - مثلاً- في الجو أو في باطن الأرض فتتسرب السموم الى الهواء وجميع مصادر المياه العذبة والمالحة.

غير أن هذا النوع من فشل نظام حرية الأسواق تم اكتشافه منذ ما يزيد على مئة سنة، وأمكن وضع الضوابط التنظيمية والقانونية لتحاشيه أو على الأقل لتقليله في معظم الدول المتقدمة. أما الدول النامية فالكثير منها تعتبر التلوث البيئي الذي يأتي عن طريق زيادة الإنتاج دواءً مراً لا بد من تجرعه لرفع مستوى المعيشة.

إن النوع الأخطر من «فشل» الأسواق، هو ما سمّاه الزميل الدكتور عبدالواحد الحميد، «تشويه» الأسواق. وتشويه الأسواق يحدث حينما يتشوه الطلب أو يتشوه العرض أو يتشوه كلاهما. والمثل الذي ضربه الدكتور الحميد هو أن «استقدام» العمالة من دول فقيرة كثيرة السكان شوّه «المطلوب» من الخدمات البشرية بالنسبة الى أرباب العمل الذين سيطلبون خدمات «المستقدمين» الذين يعملون لساعات أطول وبأجر أقل. كما أن «الاستقدام» أيضاً شوّه المعروض من الخدمات البشرية إذ يصعب وربما يتعذر على المواطنين منافسة عمالة أجنبية تقبل أجوراً متدنية.

ومن الواضح أن ما سببه الاستقدام من تشويه ل «الأسواق» أضر كثيراً بالمواطنين الذين يبحثون عن عمل ونفع البلدان التي نستورد منها العمالة.

أما تشويه الأسواق المالية فلم ينفع إلا فئة صغيرة جداً، لا يتجاوز عدد أفرادها المئات، وألحق أضراراً ضخمة كبيرة بمئات الملايين وسبب تراجعاً اقتصادياً عالمياً كبيراً كاد أن يؤدي الى كساد كوني عام.

لقد عبثت مجموعة من السماسرة وقياداتهم التنفيذية، بأسواق المال وحولتها الى أدوات للقمار، وحينما انفجرت «فقاعة الإسكان» التي سببت تكوينها، كاد النظام المالي كله ينهار، فتحملت أولاً عامة المواطنين الأميركيين، الذين زاد عددهم على الثلاث مئة، التكاليف الاجتماعية العامة التي سببها ولم تتحمل تكاليفها الفئة القليلة من لصوص «وول ستريت». وبعد حين تحمل وزر لصوص أسواق المال عامة الأوروبيون وغيرهم في بقية دول المعمورة بدرجات متفاوتة.

والأرجح انه لو كان ميلتون فريدمان حياً لوافق على وضع ضوابط صارمة تحد من تدليس وغش لصوص أسواق المال.

وختاماً، إذا غاب «تساوي» المعلومة بين البائع والمشتري، فلا بد من وجود سلطة تنظيمية فاعلة لحماية نظام حرية الأسواق، حتى تكون المنافسة بين الجميع على أسس حقيقية لا عن طريق حجب المعلومات والغش بطرق مباشرة أو غير مباشرة.

والله من وراء القصد.

* أكاديمي سعودي.

=======================

إيران البراغماتيّة وإيران الإيديولوجيّة

الثلاثاء, 18 مايو 2010

حازم صاغيّة

الحياة

في العام الماضي اقترحت الدول الغربيّة أن تنقل إيران مخزونها من اليورانيوم المتدنّي التخصيب إلى روسيا وفرنسا، على أن تتولّى الأخيرتان تحويله موادّ نوويّة صالحة للاستخدام السلميّ. لكنّ الفكرة هذه، المدعومة من الأمم المتّحدة، ما لبثت أن رفضتها إيران.

الآن تقول طهران إنّها وافقت على فكرة مشابهة حملتها الوساطة التركيّة – البرازيليّة المرفقة بزيارة رجب طيّب أردوغان، رئيس حكومة تركيا، وإيناسيو لولا دا سيلفا، رئيس جمهوريّة البرازيل، إلى الجمهوريّة الإسلاميّة. فقد قال وزير الخارجيّة منوشهر متّقي إنّ بلاده مستعدّة لشحن 1200 كلغ من اليورانيوم المتدنّي التخصيب إلى أنقرة مقابل الحصول على وقود نوويّ سلميّ الاستخدام. ولم تظهر، حتّى اللحظة، تفاصيل عن الاتّفاق الجديد الذي قد يبعث الحياة في جوهر الاتّفاق السابق.

لكنْ، وبالنظر إلى ما اشتُهر به الإيرانيّون من مهارات في التلاعب على الاتّفاقات وعلى الأطراف المعنيّة بها، كما بالنظر إلى قدرة التفاصيل على تعطيل الخطط الإجماليّة، وهو ما حصل مراراً في السابق، يُستحسن التحفّظ والاقتصار على المبادئ والاحتمالات العامّة.

فإذا كانت طهران جدّيّة فعلاً حيال هذا الاتّفاق، فالأمر يعني أنّها فضّلت وساطة بلدين عالمثالثيّين وغير نوويّين على وساطة بلدين غربيّين ونوويّين. وأهمّ من هذا أنّها تكون قد آثرت دعم الخطّ الأوباميّ الرافض للتصعيد إلاّ بوصفه آخر الدواء على حساب الخطّ الإسرائيليّ الذي سارع إلى التوكيد أنّ إيران تناور وتتلاعب بالزعيمين التركيّ والبرازيليّ. وهذه الموافقة ستكون بشارة خير لأنّها تعني، بين ما تعنيه، نزع أحد فتائل، إن لم يكن أهمّ فتائل، الانفجار المتوقّع في منطقة الشرق الأوسط، والذي ستتردّد أصداؤه في العراق ولبنان وغزّة، وربّما أفغانستان، فضلاً عن العصب النفطيّ والماليّ في الخليج.

وسلوك كهذا يفترض بالتالي أنّ طهران غلّبت الخطّ البراغماتيّ الذي ينوي أن يتجنّب تشديد العقوبات على الخطّ الإيديولوجيّ المتطلّب للتصعيد والتوتّر على أعرض رقعة ممكنة. والحال أنّ ثمّة إشارات إلى مثل هذه الغلبة، في عدادها أنّ وزير خارجيّة إيران كان، في الفترة الأخيرة، قد زار الدول ال15 الأعضاء في مجلس الأمن، الدائمين منهم والمتغيّرين، في محاولة لإقناعها بحلول ديبلوماسيّة تجنّب بلده الكأس المرّة. ويُذكر، في هذا الصدد، أنّ روسيا، حتّى روسيا، سبق أن أعلنت أنّ مبادرة أردوغان ولولا ستكون الفرصة الأخيرة أمام إيران لتجنّب العقوبات.

ومن يدري، فتغلّب الخطّ البراغماتيّ قد يفتح أمام إيران طريقين هي في أمسّ الحاجة إليهما:

واحدة تتصالح بها مع معارضتها الداخليّة المستاءة، بين أمور أخرى، من الغلواء الايديولوجيّة لمحمود أحمدي نجاد،

وثانية تتصالح بها مع طموحاتها الإقليميّة التي لم تكتم التعبير عنها، بعد أن يصار إلى مزاوجة هذه الطموحات مع الحاجة إلى الاستقرار في أكثر من منطقة تعني إيران.

أمّا إذا لم تكن الأخيرة جدّيّة هذه المرّة، فالمعنى أنّ الغلبة كُتبت نهائيّاً للجموح الإيديولوجيّ الذي سيدفع ثمنه الإيرانيّون وشعوب المنطقة، فيما سيتباهى الإسرائيليّون بأنّهم وحدهم من «يفهم هذه المنطقة» الملعونة.

=======================

بشار التنموي.. ونجاد النووي

الشرق الاوسط

18-5-2010

في الوقت الذي يبدو فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما مصمما على إنجاز بالنسبة إلى الموضوع الفلسطيني، يغنيه عن خيار الحرب وويلاتها على إيران، ويضمن من خلاله الطمأنينة على صعيد عدم اهتزاز العلاقات مع العرب والمسلمين، وهي علاقات أرادها منذ الشهر الثاني لتسلمه مقاليد الرئاسة في الولايات المتحدة.. في الوقت نفسه يتواصل ماراثون التحدي الإيراني للإدارة الأميركية على أكثر من جبهة، حيث نجد الرئيس محمود أحمدي نجاد لا يوظف على النحو المأمول والمعقول إطلالته من على منبر الأمم المتحدة فيقول من الكلام ما يحقق القبول به، وفي الوقت نفسه يضع الصديق السوري أمام إحراجات لا تتناسب مع تطلعات الرئيس بشار الأسد إلى استكمال المصالحة باللقاء مع الرئيس حسني مبارك، وبالتأكيد للذين يزورونه من المسؤولين الأميركيين والأوروبيين.

إن ما تسعى إليه سورية للسنوات العشر المقبلة هو خوض غمار تنمية شاملة من بين برامجها التنقيب عن مزيد من النفط والغاز، فضلا عن تنشيط السياحة وتحفيز المستثمرين العرب على إنجاز المزيد من المشاريع في سورية.

ومن مظاهر التوجهات السورية، التي نشير إليها على سبيل المثال لا الحصر، أن وزارة السياحة السورية طرحت خلال «ملتقى سوق الاستثمار السياحي الدولي» يوم الثلاثاء 27 أبريل (نيسان) 2010 عشرات المشاريع للاستثمار السياحي داخل بعض المدن وفي المناطق الساحلية، وهذا بهدف رفع عدد السياح العرب والأجانب خلال ثلاث سنوات من حوالي سبعة ملايين عام 2009 - 2010 إلى 12 مليونا. وهنا نشير إلى أهمية التحسن الذي تشهده ثلاث جبهات سياحية بفعل تحسين مسار علاقات من جهة (لبنان أهمها) والانتقال بالعلاقة السورية - التركية إلى حالة من اليسر وصلت إلى حد إلغاء التأشيرات بين سورية وتركيا، وبذلك باتت السياحة الأوروبية، وبالسيارات، متيسرة، وتشمل أربع دول متجاورة حافلة بالآثار والمناخ الطيب، وهي تركيا وسورية والأردن ولبنان، وهذا في انتظار تطوير شبكة السكة الحديد التي يمكن من خلالها للقطارات اختصار مشقة السفر بالسيارات.

وإلى ذلك، فإن مساحة الازدهار السياحي ستتسع عندما يقرر أهل الحكم في العراق أن من واجبهم طيّ صفحة التحديات والبدء بصفحة التنمية والسياحة، وتوظيف الثروة النفطية في الأمور الصحيحة، والنأي عن التشنجات المذهبية التي لا تفرز سوى الإرهاب والدم، مع أن في العراق من الآثار والحضارة والمناظر الجميلة في الشمال ما يُغري الأجانب بزيارة بلاد الرافدين للسياحة وليس للاحتلال، ويغريهم أكثر أنهم من خلال رحلة واحدة قادرون على زيارة خمس دول دفعة واحدة، هي كما سبق وذكرنا، تركيا والأردن وسورية ولبنان، إضافة إلى العراق بعد أن يستعيد أهل الحكم وعيهم، ومستقبلا إيران بعد أن يطوي أهل الحكم فيها صفحة التطلعات إلى امتلاك السلاح النووي، وبذلك ينتهي حال إيران مثل حال كوريا الشمالية، دولة تتخبط في دهاليز العزلة الدولية، ولا تجد منافذ لها سوى علاقة لا جدوى منها، إما مع فنزويلا شافيز أو شافيز فنزويلا، ومع كوريا كيم جونغ إيل أو جونغ إيل كوريا، الذي زار الصين يوم الاثنين 3 مايو (أيار) 2010 عن طريق البر وبواسطة قطاره المصفح الذي يتنقل فيه، كونه يخشى ركوب الطائرات.

لكن كيف ستتم زيارة كيم الابن إلى إيران وهو الذي لا يسافر سوى بالقطار مزودا بخمسين سيارة «ليموزين» خاصة بالزعيم، على نحو زيارته الجديدة إلى الصين، وهي الأولى منذ أربع سنوات، لكنه سبق وقام حتى عام 2000 بأربع زيارات ثم توقَّف عن السفر نتيجة إصابته عام 2008 بجلطة دماغية.

خلاصة القول: إن استدارة إيران القوية إلى التجاوب مع التوجه الدولي ليس نقطة ضعف، بل العكس إنه نقطة قوة. ونقول ذلك كي لا ينتهي أمر الجمهورية الإسلامية، نتيجة المزيد من العقوبات عليها، إلى أن حالها مثل حال كوريا الشمالية، وهذا مصير لا نتمناه لإخواننا الإيرانيين، وبالذات لا يتمناه، كما نتصور، الصديق التاريخي الذي هو الحاكم السوري. ودليلنا على ذلك أن الرئيس بشار يواصل عملية تنقية شوائب داخل الأجهزة الحكومية، فضلا عن تنظيم قانون العمل في القطاع الخاص، يحدد ساعات العمل الأسبوعية ب 48 ساعة. كما يواصل فتْح النوافذ على المجتمع الدولي ويلقى الترحيب تلو الترحيب. وهذا يعزز، على نحو ما أسلفنا، البرنامج التنموي الذي يخوضه بهدف جذْب استثمارات، وبالذات من السعودية وبعض دول الخليج العربي (وليس الفارسي بالطبع) ببلايين الدولارات، ومن دون أن تستوقفه تحرشات بعض الأطراف داخل مؤسسات الحكم في الولايات المتحدة، ودون أن يثنيه عن التوجه التنموي أن الصديق الإيراني وفي كل مرة يرتفع منسوب الإقبال العربي والدولي على سورية، وبحيث إن الأجندة البشَّارية حافلة دائما بمواعيد مع مبعوثين ورسميين دوليين، آخرهم وليس أخيرهم الرئيس الروسي ميدفيديف الذي تأتي زيارته، وهي الأولى لرئيس روسي إلى سورية، ردا على الزيارة التي قام بها الرئيس بشَّار إلى موسكو قبل خمس سنوات. وربما تُغري سياسة الانفتاح، التي يقوم بها الرئيس بشَّار، الحكومة الروسية، التي بات لسفنها وأسطولها الحربي مساحة رحبة في ميناء طرطوس ومن دون أن يشوش ذلك على خطة استثمار الشاطئ السوري سياحيا، بشطب الجزء الأكبر من ديون روسيا الموروثة في معظمها من العهد السوفياتي وعلى نحو ما فعلت الدولة الأوروبية المتواضعة بلغاريا، التي أبلغ رئيس وزرائها بويكو بوريسوف الرئيس بشار الذي استقبله في دمشق يوم الجمعة 25 أبريل 2010 قرار الحكومة البلغارية شطب 54 مليون دولار من أصل الدين العام البالغ 74 مليونا، على أن تتم جدولة تسديد المبلغ المتبقي (17 مليون دولار)، مما يعني عمليا أن سورية ماضية في تسديد الديون الأجنبية عليها، وهنا تلأتي أهمية العلاقات السعودية والخليج العربي.

وكلما توازنت علاقة سورية مع إيران كانت الاستثمارات الخليجية وربما الودائع على نحو ما حصل مع لبنان على درجة من اليسر. وعندما تبني شخصية خليجية رفيعة قصرا منيفا لا نظير له على تلة تشرف على كل جهات دمشق، فمن الطبيعي على نحو التقاليد الخليجية أن يبادر أهل الاقتدار المالي إلى مجاورة كُبرائهم وذلك ببناء دارات واسعة حول القصر الكبير.

ونشير هنا إلى أنه عندما تشطب بلغاريا 54 مليون دولار من ديونها على سورية أملا في الفوز لاحقا بعقود لإنشاء مترو الأنفاق في دمشق وبناء منشآت للطاقة، فمن تحصيل الحاصل أن يتكرم سيدا الحكم الروسي ميدفيديف - بوتين ويشطبا النسبة الكبرى من الديون على سورية البشَّارية التي أعطت بحريتيهما المدنية والحربية ملاذا دائما في مياه ميناء طرطوس الدافئة، وهو مكسب له أهمية بالنسبة إلى الدولة الروسية، ومثل المكسب الذي نالته الدولة السوفياتية في الستينات من مصر عبد الناصر. ولولا هذا الرسو الآمن والدافئ للأساطيل والسفن الحربية والمدنية السوفياتية في المياه المصرية الناصرية لكانت هذه الأساطيل لا تجد غير مراسيها على شواطئ البحر الأسود، أو راسية فوق مياه البحار.

وقد يجوز للبعض أن يتساءل: لماذا إذن هذا التذبذب في الموقف الأميركي، ونبْش ما هو قديم، وتجديد العقوبات التي تتعارض مع تصريحات يدلي بها زوار دمشق من مسؤولين أميركيين يمثلون الحزبين، إذا كان التوجه السوري نحو التنمية والتنقيب عن النفط ورفْع إنتاج الغاز ومجاراة مصر وتونس والمغرب ولبنان في موضوع الاستثمار السياحي والانفتاح داخليا مصرفيا وإعلاميا وديمقراطيا، والتجاوب مع الرغبات العربية والدولية في صياغة علاقة جوار مُتفهم مع لبنان، وهو أمر يتحقق بالتدرج وإلى درجة أن حفلة الاستقبال الأولى التي أقامها السفير السوري في ظل العلاقات الدبلوماسية المتبَادلة جاءت من نوع الحفلات التي كان يقيمها السفراء العراقيون لدى الكويت قبل الغزوة الصدَّامية، بمعنى أن كل الأطياف تتدافع لتلبية الدعوات ومن دون أن يعني ذلك أن المشاركة عفوية؛ لأن ما في القلوب هو غير ما في قانون المصالح الشخصية الضيقة.

ولماذا المماحكة في موضوع السفير الأميركي بعد تعيينه، مع ملاحظة أنه تمّ اختيار الدبلوماسي المُحنك والمستشرق، إذا جاز التوصيف، روبرت ستيفن فورد ليكون السفير الذي يتقن العربية والملم بالتركية وربما هو مُلم بالفارسية، فلا يحتاج إلى مترجمين عندما يلتقي المسؤولين السوريين، وبالذات عندما تكون هنالك لقاءات ثنائية تقوم على التبلغ والتبليغ.. أو العكس.

وإذا أُجيز لنا الإجابة فإن الإدارة الأميركية تريد من الرئيس بشَّار اختصار العلاقة مع الحكم الإيراني، مع أنها تشهد بعض التقلص. ومن هنا فإنه عندما يباغت الرئيس محمود أحمدي نجاد الصديق السوري الرئيس بشار باتصال، وتكون مفرداته المُذاعة من جانب وسائل الإعلام الإيرانية شبه محجوبة من جانب وسائل الإعلام السورية، توحي بأن التوجه الإيراني/ السوري استراتيجي وغير قابل للتعديل، ثم يأتي محمد رضا رحيمي نائب الرئيس نجاد إلى دمشق يوم الخميس 29 أبريل 2010 ليقول للرئيس بشار إننا سننشئ معكم وبعض دول المنطقة تكتلا اقتصاديا، وسنرفع التبادل التجاري معكم إلى خمسة بلايين دولار بدل ثلاثمائة وخمسين مليون دولار حاليا، فهذا تقرأه إدارة الرئيس أوباما على أن الموقف السوري في الاتجاه الدولي غير محسوم؛ ولذا استوجبت المسألة تلك الملاحظة بالغة الخشونة، وهي أن سورية تزود حزب الله بصواريخ سكود وكأنما هذه الصواريخ ليست منصوبة في قواعد المقاومة في جنوب لبنان منذ سنوات، وإلا فكيف كان سيد المقاومة حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله يطلق، ومن قبْل النبش الأميركي - الإسرائيلي لموضوع الصواريخ بمدة طويلة، وكذلك قبل قرار تعيين السفير الأميركي، تحذيره بأن من يعتد فسيكون الرد عليه بالمثل، مدينة مقابل مدينة، ومطار مقابل مطار، بل وتل أبيب مقابل بيروت.. وهكذا.

ونصل في ضوء ذلك إلى القول: إن الرئيس بشار التنموي هو الآن أمام معضلة الرئيس نجاد النووي، وأن كل الافتراءات الأميركية تتمحور حول أن الضربة الموجعة البديلة عن المواجهة الحربية لإيران هي في إبعاد بشار التنموي عن نجاد النووي. وهذا ليس بالأمر السهل حصوله إذا كانت اللعبة الأميركية - الإسرائيلية ترى تقديم التسوية الفلسطينية - الإسرائيلية على التسوية السورية – الإسرائيلية، وبذلك تتأخر استعادة الجولان على نحو استعادة سيناء من قبل.. هذا إذا لم يحدث للجولان ما سبق وحدث للإسكندرون. وهنا يكمن اختبار النوايا والإرادات.

======================

سلمان العودة ومحمد عابد الجابري.. إشكالية التبسيط المخل

بقلم/ ماجد بن عبدالرحمن البلوشي

majed_albloshi@hotmail.com

صحيفة (سبق) 18/5/2010

وافاني صديقنا النابغة الشيخ المتفنّن بندر بن عبدالله الشويقي – أسعد الله أيامه – برسالة كريمة، حملتْ جواباً من الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة – حرس الله مُهجته – عن سؤال ورد إليه بخصوص الدكتور محمد بن عابد الجابري، فأفاض الشيخ في الجواب بما رأيت أنه يحمل تبسيطاً مخلاً عن حال الجابري.

وللشيخ سلمان قدم صدق في الدعوة وآثار حميدة في الصحوة ومعرفة عزيزة في العلم، غير أن جوابه المُشار إليه آنفاً قعد به عن النهوض إلى حيث بلغ، فقد كان جواباً منقوصاً غير واف، كما أنه تضمّن في ثناياه – بحسب ما ظهر لي من سياق الجواب - قلة اطلاع ومعرفة من الشيخ بالجابري.

وإن آية نقصه أن أشار الشيخ إلى كتابين للجابري هما "تفسيره" بما حوى من "المدخل" وهو من أواخر ما كتبَ، والثاني "دراسته عن ابن خلدون" وهو من أوائل ما كتب – دع ذكره لسيرته الذاتيّة "حفريات في الذاكرة" فالسير الذاتية ضربٌ من الهذيان - وهذان الكتابان لا يؤخذ عنهما فكر الجابري ولا يؤسسان منهجه.

 أما الأول منهما فهو كتاب حيكت خيوط فصولهِ بوعْي"عرفانيٍّ" "بيانيٍّ" من رجل يرى "العقلَ البرهانيَّ" متفرداً بأحقية التأصيل وبناء الاستدلال، فلا مكانة له إذاً في فكر الرجل وإلى مدرسته نحاكمه، أو هو كتاب "سواليف" بحسب تعبير صاحبنا العذب الدكتور محمد العبدالكريم – متعه الله بالعافية -، وأما الثاني فهو دراسة اجتماعيّة سياسيّة، وكتاب عادي لا يمثل ذروة الإنتاج العقلي والمعرفي والبحثي للجابري.

والشيخ سلمان – وفقه الله – طلب من الباحثين في حال الجابري أن يقرؤوه قراءة وافية شاملة، وأن هذا أقوم قيلاً وأكثر إنصافاً، وهذا – والذي علّم بالقلم – من العدل الذي قامت عليه السموات والأرضين، وهو الحكم القسط والقضاء الأسنى، غير أني لم ألمس هذا في الشيخ – أعلى الله مقامه – بل رأيته يحيل على كتبٍ لا تمثّل الجابري ولا فكره، ويختزلُ إخلاص الجابري ودينه وإيمانه في كتاب واحدٍ من مؤلفاته، بل في عبارات يسيرة منه! معرضاً عن الإشارة للبقيّة أو آتياً عليها بالذكر مع أن فيها ما ينقض ذلك ويهدمه! وهذا نقض صريح للمنهج الشمولي الذي يقرّرهُ.

 فلم أر الشيخ يُحيل على ثلاثيته المعروفة في نقد العقل العربي "تكوين العقل العربي" و"بنيّة العقل العربي" و"العقل السياسي العربي" وهي التي تمثل ذروة ما كتبه الجابري، ومشروع عمره الذي أفنى فيه طاقة بحثه ونشاط ذهنه ومنتهى فكره، وأسقط من خلال نظريّته الخاصة بعصر التدوين تراثَ المسلمين وأزرى به وحكم عليه بالهشاشة داعياً إلى تجاوزه وانبعاث عصرٍ جديدٍ للتدوين وإسلام القياد للعقل البرهاني فهو الملاذ وإليه المنتهى، وتعظيمه المطلق للفلاسفة ولإنتاجهم العقلي، و "ثلاثيّته" هي التي جعلت عامة المنتقدين له ينفرون منه ويقرؤون في مؤلفاته اجتراراً مكرّراً لمناهج بحث المستشرقين في الإسلاميات وبالأخص منها موارد الشريعة وترديداً لمقولاتهم، وإن تنوّعت الأساليب واختلفت العبارات فمآلاتهم متفقة، ويجعلون من هذه "الثلاثية" ثورة باطلة على أصول المعرفة في الإسلام، وموارد استمداد الأحكام الشرعيّة، ومناهج البحث المعتبرة لدى المسلمين.

وفي تحقيقه وتعليقه على "تهافت التهافت" لابن رشد من تعظيم الفلاسفة والميل إليهم وتوقير مذهبهم وأنهم رواد البحث العلمي الحر النزيه والحط على منتقصيهم – وعلى رأسهم علماء الشريعة - ووصفهم بالمؤدلجين واتهامهم في شرف مقصدهم وحسن غرضهم والنيل منهم بطريقة سافرة منكرة شيء كثير تنفر عنه النفوس المطمئنة بالإيمان.

 ولم أره يُحيل على كتاب "نكبة ابن رشد" وهو الكتاب الذي باح بمكنون فكره فأعاد مناهج البحث في الإسلاميات لدى المستشرقين إلى الواجهة، وكرّر شبههم حول العلماء ومواقفهم دون أن يُغادر منها صغيرة أو كبيرة إلا أوردها، ومن قرأ هذا الكتاب علم كيف أن الجابري ارتوى فتضلّع من مناهج المستشرقين فلما كتب وألف تجشّأ ذلك كله.

ومن العجائب أن الجابري في "نكبة ابن رشد" وتقديمه وشرحه على "تهافت التهافت" يتماهى في استحضار العامل السياسيّ في محن العلماء ونكباتِهم ومواقفهم من الأهواء والبدع والمحدثات ومنكرات الحكام وظلمهم وجورهم، وكأنَّ القسمة التحليليّة منحصرةٌ في العامل السياسيِّ فقط، ويرى كل تفسير عدا ذلك تفسيراً ناقصاً غير مستوف لحقيقة المشهد، فما الناس إلا أدواتٌ تُدار بإحكام من خلال حفنة من الساسة والحكّام، ولا رأي لأحد ولو كان من أعلم الناس وأكثرهم دهاءً وفطنة، ولا كأن أولئك العلماء كانوا من أغير الخلق على الشريعة وتحرّكهم أوامرها ويستجيبون لدواعيها، وبهم من الديانة والتعظيم لحرمات الله ما يمنعهم من الوقوف دون حِراك في وجه البدع المحدثة والأهواء الناشئة ولا يخافون في الله لومة لائم، وهذا التعميم الجائر للتفسيرات السياسية للمواقف والآراء واستدعائه بأثر رجعي هو من إنتاج المستشرقين وبضاعتِهم الفاسدة التي غصَّ بها الجابري.

 وكم ينبعث في نفسي من الدهشة وأنا أراه يخالف طريقته بتعميم التحليل والمنهج وطرده في الماضي انطلاقاً من صحّة بعض صوره في الحاضر حين ينتقد كارل ماركس ومنهجه التعميمي المخترق لطبقات الزمان الماضي من خلال توليد فكرة حاضرة تصحُّ بعض صورها في نقد الرأسمالية قائلاً: "إذا كان تحليل ماركس للمجتمع الرأسمالي تحليلاً علميّاً صحيحاً فإن ذلك لا يلزم عنه ضرورة صحة تحليله للمراحل التاريخية السابقة للمجتمع الرأسمالي حتى في أوروبا نفسها"!

فاعجب غاية العجب لهذا الانتقاد الموضوعي من الجابري لماركس، وكيف عاد عليه الجابري بالإبطال في نظريّته الخاصة بأثر العوامل السياسيّة، والتي قام بنقلها معمّماً من بيئتها الحاضرة إلى المراحل التاريخية السابقة، بل وعدَّ غيرها من التحليلات قاصرة عن المطلوب وغير علميّة.

واقض له بغاية الاضطراب المنهجي وأنت تقرأ قوله: "نحن لا ننكر مجهودات كثير من المستشرقين الذين ساهموا في نشر وتحقيق عدد مهم جداً من كتب التراث العربي الإسلامي، والذين سلّطوا كثيراً من الأضواء على جوانبه، ولكن يجب أن نكون واعين في ذات الوقت بأن اهتمامهم بهذا التراث سواءً على مستوى التحقيق والنشر، أو على مستوى الدراسة والبحث لم يكن في أية حال من الأحوال ولا في أي وقت من الأوقات من أجلنا نحن العرب والمسلمين، بل كان دوماً من أجلهم هم.. يبقى بعد ذلك كله أن تاريخ الثقافة العربيّة بما في ذلك تاريخ الفلسفة في الإسلام لم يُكتب بعد، إن جميع ما كتب في هذا الموضوع هو إما تكرار لطريقة مفكرينا القدماء وإما استنساخ لطريقة المستشرقين، وبالتالي تبنٍّ لا واعٍ لأهدافِهم وإشكالياتِهم".

وإذا أردت أن تقف على حقيقة الاستنساخ لفكر المستشرقين وتبنّي أفكارهم وتشرّب مناهجهم – والتي يحذّر منها الجابري – فاقرأ كتابه "نكبة ابن رشد" وغيرها من مؤلفاته لترى كيف أنه كان ناقلاً ماهراً لتحليلاتهم وتابعاً منقاداً لأفكارهم.

فما أسرع ما تؤوب النفوس إلى ما نفرت منه وكرهته وصدت عنه!

وللجابري من التناقضات البيّنة والازدواجية الظاهرة في قضايا منهجيّة ما هو على طرف الثمام وحبل الذراع، وقد التقط منها جورج طرابيشي طرفاً صالحاً فأجاد وأوفى إلى الغاية وذلك في كتابه "إشكاليات العقل العربي" وللدكتور عبدالرزاق قسّوم في كتابه "مدارس الفكر العربي الإسلامي المعاصر" مقتنصات لطيفة منها.

ونصيحة الشيخ سلمان للباحثين بقراءة مراحل الرجل وتتبعها نصيحة عزيزة ثمينة تنمُّ عن إنصاف وعقل وحكمة، لكنّها تصحُّ فيما لو كان للرجل مراحل مرَّ بها أو أفكار تقلّب في أعطافها كما هو الحال في أبي الحسن الأشعري، وأبي حامد الغزالي من الغابرين، ورشيد رضا، وسيّد قطب، ومحمد عمارة من المعاصرين، غير أن الجابري بقي وفيّاً لمشروعه النقدي حتى مماته، فبه يفتخرُ ومعه عرفه الناس وإليه حاكموه، وتفسيره الذي كتبه وألّفه لا يصطدم بمنهجه المعرفيِّ أو يأتي عليه بالنقض، فهو منفكُّ الجهة – بحسب تعبيرات سادتنا من الأصوليين -.

 والجابريُّ إن كان يوماً من الدهر ماركسيّاً أو اشتراكيّاً فإن ذلك كان فتنة العصر وبليّة الزمان، وهو بريق ساحر وداء وبيل لحق كثيراً من الناس وأطاح بهم في شركه ومنهم بعض المنتسبين إلى العلم الشرعي، والماركسيّة إذّاك كانت توجهاً سياسيّاً وملاذاً اقتصاديّاً يتفقُ مع بداياتِ التحرّر والانعتاق من ربقة المحتل في العالم العربيِّ، فكثير من الدول العربية كانت ثوريّة الطابع، فانتحال الجابري لتلك الطريقة لم تكن انتحالاً عقديّاً (أيدلوجياً) بل كان بمثابة المُستراح السياسي الحزبيِّ بحسب مقتضيات العصر، لهذا انتقل أكثرهم عن الماركسيّة والاشتراكيّة إلى المناهج البديلة الأخرى وعادت أثراً بعد عينٍ، فلا يؤثر هذا في فكرة "التمرحل" التي يشير إليها الشيخ سلمان.

والشيخ يتراخى تارة فيختار القراءة الشمولية لفكر الشخص كما يفعل هنا مع الجابري، وينصح بتتبع مراحله وعدم الحكم عليه من مرحلة واحدة، أو اختزاله في فكرة محددة، ثم إنه تارة أخرى يترك هذه الطريقة ويتشدد غاية التشدّد فيختار الحكم على الشخص من مرحلة واحدة من مراحل حياته يختزل من خلالها نشاطه الفكري والحركي ويحكم حكماً عنيفاً بموجب ذلك.

 فعلى أي جانبيك – يا حبيبنا أبا معاذ – تميلُ!

وثمة إشكال آخر في جواب الشيخ وهو تعويله على حُسن مقصد الجابري وصحّة نيّته، وهذا غير مؤثر في الحكم على تآليفه أو معارفه، فالنيّة والمقصد باب وما يتضمّنه التأليف والكتابة باب آخر، والذين ردّوا من أهل العلم على الجابري وكشفوا خطورة منهجه إنّما حملهم على ذلك الانتصار لشرع الله وحده، والغيرة على الإسلام، والذب عن طريقة العلماء الربانيين ومناهجهم الأصيلة، فإن كان "حُسن المقصد" و"سلامة النيّة" هما المناط للحكم على الأفراد وإن شطّت آراؤهم وتناءتْ مذاهبهم فإن لهؤلاء مقاصد أسمى وأعلى من مقصد الجابري، وهم أقرب للإسلام منه وأكثر غيرة وأصوب طريقة وأولى بالاعتبار، وإن كان المعوّل على العلم والمعرفة فقد كشف أولئك - بعلم وفهم ونظر ثاقب واطلاع تام واف على جميع مؤلفاته وكتبه - عن سوءة الجابري في كتاباته وقصده إلى الشريعة بالتنقّص والتبديل والتطوير والإلغاء، فلم يكن حكمهم عليه انطباعياً أو مرتجلاً.

فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون؟

وإحقاقاً للحقِّ فإن الجابري كان مشغولاً في بعض ما كتبه بقضيّة النهضة وباحثاً ناقداً في إشكاليات التراجع المدني في العالم العربيِّ، غير أنّه لم يأتِ بيوت أمّته من أبوابها ولا استعان بأدواتها المنهجيّة أو طبّق مقدماتها المعتبرة، بل راح يلتمس العافية والبرء في مناهج أعداء الملّة والدّين، فأراد أن يُطبَّ زكاماً عارضاً فأحدث جذاماً راسخاً.

 ثمَّ إن هذا الهمَّ والباعثَ شاركه فيه عامّة المؤلفين الذين خاضوا لجّة هذا النوع من التأليف، وكتبوا فيه كما كتب الجابري وإن تعددت المقدمات والأدوات والأساليب والحِجاج وشطّت الدور وتناءت الأمصار وتباينت تبعاً لذلك المناهجُ والنتائجُ.

 وللمنتسبين إلى العلم الشرعيِّ وحاملي مشاعل الهدى والنور من العلماء والدعاة والمفكّرين كتاباتٌ كثيرة في هذا المجال وبحثٌ ونظرٌ وتأليفٌ جمعوا فيه بين الوعي بمشكلات العصر الحاضر وبين قدْر الله حقَّ قدره والتوقير لجناب الشرع والتزام أوامره وتعظيم نواهيه والخضوع لمناهج أئمة العلم وموازينهم، وهم أولى من يُحال إليهم الأمر ويُناط بهم الفصل فيه وتُربط به قلوب الباحثين عن الحق، ومن لعمري ينسى: رشيد رضا، وأبي الأعلى المودودي، وأبي الحسن الندوي، ومالك بن نبي، وسيد قطب، وأخوه محمد، والشيخ محمد الغزالي، والدكاترة عبدالله النفيسي، وسفر الحوالي، وعماد الدين خليل، وعبدالكريم بكّار، ومحمد العوضي، وحاكم المطيري، وآخرين، وبعضهم أفضل من بعض وهم درجاتٌ ومنازلُ.

وأما الإيعاز للجيل بالقراءة للجابري، وخلع بعض النعوت المضلّلة وإيهام الناس بسلامة منهجه واستقامة أمره لولا هنات يسيرة وهفوات معدودة، فهذا ما أربأ بالشيخ سلمان أن يفعله وهو المربّي القدير والمفكّر الحصيف، وأي تعظيم أو توقير لمباني الشريعة وكتبها سوف يبقى في نفوس الشباب وهم يقرؤون الجابري يشكك فيها وفي أئمتها الذين نقلوها وحفظوها؟ وماذا يبقى لنا من الدّين إن صارت موارده – وعلى رأسها كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه - جفلى لكل باحث في المناهج وناقد للعقول يهدم ما يشاء منها ويشكّك في صحّتها بحجّة التمسك بمناهج البحث المعاصرة وقواعد النقد العلمي الحادثة؟

 وبحثُ هذا له موضعه اللائق به.

 وجملة القول أن هذه السبيل جادة مطروقة للكثير من الباحثين والمفكّرين فمنهم من آمن فيه بالحق ومنهم من صدَّ عنه.

فلم يكن الجابري إذاً وحيد عصره في هذا الميدان، ولا المجلّي فيه حتى يُشكر ويُمدح ويُلتمس له فيه العذرُ بحسن قصده وسلامة نيّته.

وأود أن أُشير هنا إلى أن ثمّة أموراً ثلاثة هي مجمعُ الدوافع لدى كثير ممن خاض في الكتابات النقديّة المعاصرة:

الأمر الأول: سؤال النهضة المشهور: لماذا تقدّموا وتقهقرنا؟

الأمر الثاني: الثنائية المشهورة "التراث" و"الحداثة" أو "الأصالة" و"المعاصرة" أو "الثبات" و"التطوّر"، ومدى قدرة التراث بارتداده إلى الماضي ومخزونه الهائل على استيعاب الكم المتتابع من التغيّرات العصريّة الطارئة الآخذة في الاتساع، وهل يُبنى على التراث؟ أم يطوّع ويطوّر؟ أم يُطوى؟

الأمر الثالث: نزعة المناهج البحثيّة المعاصرة والتفسيرات الماديّة التي طغت في القرون الأخيرة.

وانبثق عن هذه الأمور الثلاثة غالب المؤلفات النقديّة، والتي على رأسها مؤلفات الدكاترة: محمد بن عابد الجابري، وفهمي جدعان، وحسن حنفي، وفؤاد زكريّا، وحسن الترابي، ومحمد أركون، وآخرين.

وليت الشيخ سلمان أحال في مناقشة أفكار الجابري إلى طائفة هم من أعلم الناس به وبمنهجه، فقد أتوا على فكره وسبروا أغواره وتتبّعوه وحفروا فيه حتى صيّروه هباءً منثوراً، منهم الدكتور طه عبدالرحمن والدكتور عبدالرزاق قسّوم والنصراني الجلد جورج طرابيشي وغيرهم، كما أن الناس بحاجة ماسّة إلى معرفة الموقف الشرعي من فكر الجابري ولهذا سألوا عنه وأرادوا معرفة حاله، وليسوا بحاجة إلى معرفة سلامة نيّته وحُسن مقصده والثناء عليه بذلك، فإن سلامة النيّة وحُسن القصد حجّة لاجئ إليها الجميعُ، وما ذاك الذي يستل سيفهُ أو يتأبّط قنبلته فيعيث في ديار المسلمين فساداً وإفساداً باسم الجهاد والانتصار للدين إلا رجل يزعمُ أنه ذو مقصد حسنٍ، فما أغنى عنه مقصدهُ شيئاً ولا شفع له.

وغالب الانحرافات التي وقعت في أصول الشريعة ومبانيها العظام إنما حمل أصحابها عليها محاولة التكيّف مع المرحلة الراهنة وتطويع الشريعة أو تطويرُها لتتناسب مع التغيّرات الحاصلة، فانبعث الخوارج من مراقدهم لمّا أحسّوا أن أحكام الشريعة آخذة في الاضمحلال، ونشأت المرجئة مع اليأس من تغيير الواقع على إثر اندحار ابن الأشعث ومن معه من العلماء، وبمثله نشأ القول بالجبر، وخرجت المعتزلة حين همَّ بعضُهم بالتماس التقريب للشريعة من التفسير العقلي، وتشظّى الإسلام بمثل هذه المحاولات التقريبيّة والمسارات التصحيحيّة والمشاريع النقديّة كما يزعم أصحابُها، ولو بقيَ القول باعتبار مقاصد الناس والحكم من خلالها على مناهجهم ومدارسهم لما بقيت للشريعة أحكامها الثابتة النافذة، ولأضحى دين الله حمى مُباحاً لآراء الناس واجتهاداتهم، غير أن علماء الشريعة تفطّنوا لهذا من قديم، فكانوا يقفون سداً منيعاً للمناهج البديلة الناشئة غاضّين الطرف عن المقاصد والنوايا.

وما أرق حُكم الشيخ سلمان وألطفه وهو يقول: "القارئ للكتاب – أي التفسير - يحس بأن الجابري يتكلم عن قضية الألوهية وقضية النبوة بإيمان، إذًا هو رجل كان مخلصًا لأمته"

وكأن الإيمان المجرّد بالألوهيّة والنبوّة قنطرة العبور إلى الإخلاص والنجاة وصحّة المناهج! ومن الغريب أن تغدو هذه الجملة اليسيرة من مسائل الإيمان - التي هي من بدائه المعتقدات وكُبرى اليقينيات لدى العجائز في خدورهنَّ والأطفال في ملاعبهم والشيوخ في محاريبهم - من مفاخر المفكّرين الكبار ومن مآثرهم ومن العلامات على صدقهم وإخلاصهم ووفائهم لأمتهم!

وهذا الاستدلال من الشيخ يذكرني بقول الإمام ابن عطيّة في عبارة نُقلتْ عن عبدالله بن عباس – رضي الله عنهما -: هذا من مُلح التفسير لا من متين العلم!

ومن عجيب ما علّق به الشيخ كذلك قوله عن تفسير الجابري: "وجدت أن هذا الكتاب مقلق، في بعض مواضع به، على الأقل أنه لم يوصل الرسالة بشكل جيد" وهذه التي سمّاها الشيخ "مواضع مقلقة" هي تلك المواضع التي تضمّنت أقوالاً غايةً في الشناعة كقوله في القرآن بأنه قد يكون ناقصاً – وهذا القولُ يعدُّ بإجماع المسلمين كفراً كما نقله غير واحدٍ من الأئمة - وقوله أن له رأياً في الفنَّ القصصي في القرآن قريباً من رأي محمد أحمد خلف الله، وهو الرأي الذي كفّره عليه – أي خلف الله – طوائف شتّى من علماء الإسلام في مختلف الأمصار والأقطار.

وقول حبيبنا الشيخ سلمان: "كان في تصاعد مستمرّ" ينبؤك عن حقيقة حال الجابري، فإذا كان الجابري في صعوده وارتفاعه ودنوّه من الإسلام قد أتى بهذه الطوام الكاشفة لحقيقة منهجه وانحراف فكره في القضايا الشرعيّة، فكيف بحاله قبل ذلك!

ختاماً: أرجو أن يتسع صدر الشيخ المُحب سلمان لهذه المناقشة، فما حملني عليها إلا المذاكرة العلميّة والمطارحة المعرفيّة، ولروحه العذبة منّي أرق التحايا، وإليه منّي السلامُ.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ