ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 25/05/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


المسكوت عنه في تقرير التنمية البشرية العربية

حياة الحويك عطية

 الدستور

24-5-2010

 ما هي الغاية من تقارير التنمية البشرية التي تصدرها الامم المتحدة عن اوضاع العالم العربي ؟

ولماذا كلما كلف باحث او باحثون بإعدادها ، وانكبوا اشهرا وسنوات على ذلك ، عاد هؤلاء او بعضهم وتبرأ منها قبل اصدارها ؟

الدكتور مصطفي كامل السيد المعد الرئيسي لتقرير التنمية لعام 2009 ، اعلن من بيروت تبرؤه من التقرير المذكور قبل ظهوره وكان جريئا وصريحا عندما كشف عن ان تدخل موظفي الامم المتحدة في المكتب الاقليمي قد شوه التقرير بالحذف والاضافة والتلخيص خدمة للولايات المتحدة واسرائيل . بل انه سمى بوضوح فصلا كاملا تم حذفه ويحمل عنوان : مناقشة عربية لمفهوم الامن الانساني .كما اختزلوا فصلا اخر عن صراعات الهوية الى صفحتين .

هذا التدخل يلقي ظلا عميقا من الشكوك حول براءة هذه التقارير الاممية وعلميتها وموضوعيتها ، ويجعلنا نتردد في ان ناخذ منها حتى الارقام . كما يجعل من قراءة التقرير نفسه قراءة المشكك الذي لا يعدم الدلائل على شكوكه . فعندما يعطي التقرير اولوية لموضوع البيئة بين عناوينه ، لا نجد ذكرا لواقعة التلوث التي سببتها الاسلحة الاميركية الممنوعة التي استعملت في العراق ، والتي كتب فيها عشرات الخبراء والعلماء ابحاثا ميدانية مرعبة ، ومنهم خبراء الامم المتحدة وعلى رأسهم رينيه ديمون الذي كتب عن تلوث الزراعة في العراق وما تسببه من تصحر وامراض . كما لانجد ذكرا لموضوع الاسلحة المثيلة التي استعملتها اسرائيل ولا لقضية التسرب الاشعاعي النووي من مفاعل ديمونا .

اما في الفصل المتعلق بالمستضعفين فان التصنيف الغريب يضع زواج القصر والاتجار بالاعضاء قبل قضية اللاجئين رغم اعترافه بان لاجئي فلسطين والعراق يشكلون %50 من مجموع لاجئي العالم . مع خصوصية فريدة للاجئين الفلسطينيين تتمثل في نقطتين : الاولى حقوقية قانونية والثانية موضوعية امنية تقع في صلب موضوع التقرير .

 

هم لا يملكون العودة الى بلادهم لانهم لم يعودوا يملكون تلك البلاد ، ولا اعتراف لهم بحقهم في العودة ، بينما يتعذر على اللاجئين الاخرين العودة لظروف امنية قابلة للتغير ، ولا تفقدهم بأي حال حق العودة . اما عنصر التمييز الاخر والمتعلق بموضوع التقرير نفسه ، فهو ان هذا الموضوع هو امن الانسان العربي ، ومعروف ان مسألة عودة اللاجئين الفلسطينيين او عدمها تشكل قضية امنية كبرى للعالم العربي وخاصة دول جوار فلسطين .

 

النموذج الثالث للمبالاة ، وهو نموذج فاضح ، فهو الحل الذي عثر عليه التقرير لموضوع الاحتلالات ، وهو أن الممارسات الخارجية المتمثلة في الاعتداءات على المنطقة العربية محكوم عليها بالفشل ولا يمكن أن يقبل بها المجتمع الدولي.

 

فنحن نؤمن بانها محكوم عليها بالفشل ولكن بشرط وحيد هو نمو حركات المقاومة وقدرتها على اجبار المحتل على الجلاء كما حصل في جنوب لبنان. ومن هنا كان لا بد لأي تقرير يتحدث عن الاحتلال ان يذكر حق مقاومة الاحتلال وتمييز المقاومة عن الارهاب .

 

اما الاحالة الى المجتمع الدولي فمضحكة . هل كان المجتمع الدولي موافقا عام 2003 ، وهل اثرت موافقته في قرار القوي القادر؟ وهل ضعف هذا القوي وتراجع مشروعه الا تحت ضربات المقاومين ولو ان هذه الضربات لم تصل بعد الى الانتصار ؟ ثم من قال ان هذا المجتمع الدولي لا يقبل بالاحتلال ، الا نرى تهافت الجميع على الحصول على اية قطعة من نفط العراق وثرواته تحت الاحتلال ؟ الا نرى تضافرالجهود الدولية لتصفية القضية الفلسطينية ؟ ومن يستطيع ان يذكر قضية احتلال واحدة في التاريخ حسمها رضى المجتمع الدولي الا بعد ان حسمتها حركة تحريرها ؟

 

في مجال الاحتلال ايضا لا يأتي التقرير على ذكر الاضرار السياسية و الثقافية اذ يعدد الاضرار الناتجة عن الاحتلال ب : تهديد حياة الإنسان ، والتلوث البيئي ، وتهديد النشاط الاقتصادي.ولا ندري كيف تتقزم نتائج الاحتلال الى هذه الثلاث التي لا يمكن ان تنجم عن اية كارثة طبيعية . فالاحتلال في فلسطين يهدد الوجود بكله ، والاحتلال في العراق يهدد وحدة الدولة وبقاءها ، اذ انه هدم مؤسساتها العسكرية والسياسية والثقافية وعمل على تمزيق نسيجها الاجتماعي.واذا كانت جميع عمليات الهدم قابلة للاصلاح والتعويض فما الذي يعوض جمجمة عمرها ثلاثة الاف عام سحقها بسطار جندي اميركي في اور ، ما الذي يعوض سرقة المتحف العراقي ؟ ما الذي يعوض تحويل ثمانمئة الف مخطوطة في مكتبة بغداد للمخطوطات الى رماد ؟

 

ولا شك ان المتابعين يعرفون ان عودة الولايات المتحدة الى اليونسكو وتسديد حصتها في ميزانيته قد ربط عام 1992 باقفال ملف التحقيق في تدمير مدينة اور المدرجة على قائمة التراث الانساني .

 

وفي كل هذا ما يحيلنا الى اغفال مسألة التعليم والثقافة في هذا التقرير الذي ينظر الى الانسان العربي كمجرد جسد يجب التنبه الى كل ما يهدده . وهذا امر جيد وضروري وصحيح ، ولكن اين الروح والعقل ؟

 

قد يكون كل ما ورد فيه صحيح ، ولا اعتراض عليه ، ولكن ثمة شيء اسمه المسكوت عنه او الاقصاء بحسب ميشيل فوكو ، هو الذي يشكل اساس عملية النقد في الفنون في الاداب في السياسة وفي الفلسفة .

=====================

الحرب المقدسة

رشيد حسن

الدستور

24-5-2010

في كتابها التاريخي المهم "الحرب المقدسة" الصادر عن دار الكتاب العربي 2005 ، تحاول المؤرخة كارين ارمسترونغ ، إرجاع الصراع في المنطقة إلى الينابيع الأولى في الديانات الثلاث ، مستشهدة بالتوراة والانجيل والقرآن الكريم ، في محاولة لفهم الصراع الدائر في المنطقة والعالم الآن.

 

هذا ورغم أن أرمسترونغ ، بذلت جهودا كبيرة للإحاطة بأصول هذه الديانات ومنطلقاتها ، إلا أنها تتعامل مع اليهود بقداسة ، وتعتبر ملوكهم ، أبطالا وقديسين ، وتشير بأن فلسطين هي وطنهم التاريخي ، في حين تعترف بأنهم أي اليهود قد وفدوا إلى فلسطين من مصر ، وقد وجدوا فيها أقواما أخرى "الكنعانيين العرب" علاوة على أن مؤرخين معروفين ، أثبتوا وبالوثائق التي يصعب دحضها ، بأن اليهود لم يطؤوا أرض فلسطين بعد خروجهم من مصر ، وأن التوراة نزلت في جزيرة العرب ، كما يقول د.كمال الصليبي في كتابه الأشهر ، في حين يلجأ الباحث العراقي فاضل الربيعي ، في كتابه "فلسطين المتخيلة ، إلى كتاب الهمداني "وصف الجزيرة العربية" وإلى الأشعار العربية الجاهلية ، ليثبت أن اليهود أقاموا مملكتهم في اليمن ، ولم يقيموها في فلسطين ، بدليل أن أسماء الأماكن والجبال والوديان والواحات...الخ ، التي وردت في التوارة ، وردت في الأشعار العربية الجاهلية.

 

وتتعرض ارمسترونغ ، إلى حرب الإبادة ، التي ارتكبها اليهود ، حينما دخلوا فلسطين ، بقيادة يوشع ، حيث تحاول المؤرخة ربط الحاضر بالماضي ، علما بأن احد وصايا التوراة ، التي أعطيت لموسى على جبل سيناء ، كانت "ولاتقتل" صفحة 39 ، ولكن يوشع لم يتقيد بها ، "ولم يجد مفرا من الإقدام على قتل السكان العرب عن آخرهم" ، رافضا إعطاءهم حقوق الإنسان الطبيعية ، معتبرا "أن الكنعانيين لا تنطبق عليهم هذه الشروط" ، وهذا العداء المطلق هو إحدى حقائق حرب اليهود على الشعب الفلسطيني منذ بدء الخليقة إلى اليوم.

 

وتستشهد بما ورد في الكتاب المقدس "فلا تقطع لهم عهدا ، ولا تشفق عليهم ، ولا تصاهرهم" صفحة40 ، ما يعني ان مسألة التعايش السلمي ، والاحترام المتبادل ، ومعاهدات الصلح ليست مطروحة أصلا ، صفحة,40 وهذا في تقديرنا ما يجري اليوم ، فالعدو الصهيوني لم يتقيد بالمعاهدات ، ولا بالاتفاقيات التي ابرمها ، وها هو يصر اليوم ، على تهويد الأرض والمقدسات ، ونفي الشعب الفلسطيني من وطنه.

 

وتمضي في إيراد أمثلة من الكتاب المقدس "فلا بد إذا من مقارعة أعدائهم حتى الموت" مذكرة "بأنه عندما أنقذ الرب اليهود من المصريين ، جرى تعطيل نواميس الطبيعة العادية ، وعندما تعين على اليهود أن يرسخوا أقدامهم في أرض الميعاد ، توقف العمل بالأخلاقيات المعهودة ، وهذا ما تكرر في الحروب المقدسة اليهودية والمسيحية ضد المسلمين" ، وهذا ما يتبين بوضوح في وصف حرب الإبادة التي شنها يوشع على الكنعانيين ، وهي في تقديرنا لا تختلف عما يشنه قادة العدو اليوم على الشعب الفلسطيني ، وقد اتبع يوشع وصايا الرب بحذافيرها ، كما يقول الكتاب ، فعندما كانت تفتح مدينة من المدن كانت توضع تحت ما يسمى "تحت الحرم" ، ما كان يعني تدميرها تدميرا تاما ، وإبادة سكانها عن بكرة أبيهم ، "فكان الرجال وحتى النساء والأطفال وحتى الحيوانات يذبحون ، والمدن تستحيل أنقاضا". صفحة,41

 

وهكذا نجد تناقضا واضحا فيما تسميه المؤرخة "وصايا الرب اليهودي" ، فالرب يوصي موسى "بألا تقتل" ، والآن يوصي يوشع بأن يبيد المدن بمن فيها عن بكرة أبيها ويحيلها قاعا صفصفا ، ومع ذلك لا تجد المؤرخة حرجا ، عندما يصف قادة إسرائيل الذين يمارسون أبشع الجرائم ويقتلون النساء والأطفال بالأبطال. صفحة,41

 

حقيقة أخرى لا بد من الإشارة إليها ، وهي اعتراف المؤرخة ، بأن المجازر التي ارتكبها الأوروبيون ، بحق اليهود ، والتي بدأت في روسيا ثم فرنساو ألمانيا ، تحت عنوان اللاسامية ، هي التي أدت إلى هجرة اليهود إلى فلسطين ، منذ أواخر القرن التاسع عشر ولكنها تعاود تكرار الخطأ ، وعن قصد ، عندما تقول "أنهم عادوا لوطن آبائهم وأجدادهم.، ،"، فأي علاقة ليهود روسيا وبولندا وألمانيا ، بفلسطين ، إذا علمنا أن لا صلة بين فلسطين أًصلا ، وبين من سكنوها في القرن الثاني عشر قبل الميلاد ، علما بأن هؤلاء قد تم نفيهم إلى بابل في القرن السادس قبل الميلاد ، ومن رجع بعد ذلك تم نفيهم على يد الرومان بعد هدم الهيكل الثاني.

 

باختصار...الكتاب جدير بالدراسة العميقة وبحذر ، رغم أنه يكشف الوجه الحقيقي للحروب الصليبية ، والتي لا تزال آثارها بادية واضحة وإلى اليوم ، فإن أيضا يتعرض للإسلام ، ومن خلال دس السم بالدسم ، ويبقى ورغم محاولته الاقتراب من المعايير الموضوعية ، إلا أنه لم بجرؤ على قول الحقيقة كاملة ، وهي أن فلسطين عربية سكنها الكنعانيون قبل مجيء اليهود ، وستبقى كذلك حتى يرث اللهُ الأرضَ وما عليها.

=====================

عن الأمن الغذائي العربي والتحديات القادمة.. المستقبل صناعة محلية

أحمد طيباوي

5/24/2010

القدس العربي

التبعية العربية شبه المطلقة لكل ما هو خارجي وحالة استلاب الإرادة وتحنيط العزيمة إنما هي تبعية تجد بعض مصادرها في التبعية الاقتصادية نظرا للتأخر الكبير في الوضع الاقتصادي لمجمل الدول العربية وبقائها مجرد أراض للمواد الخام ومنابع للطاقة،وسوقا للسلع الأجنبية.فهي لم تستطع حتى يومها هذا إيجاد المقومات الاقتصادية والتنموية الراسخة المساعدة على إعطاء الاستقلال السياسي المكتسب منذ عقود معناه الكامل. وبالتالي تحقيق المشروع الوطني (هل مازال للدولة العربية مشروعها الوطني حقا؟) والتموضع الحضاري الذي يليق بالثقل التاريخي لهذه الأوطان.

من بين أهم مظاهر التبعية المخزية وأبرز علامات 'الفشل الوطني والقومي' الذريع هو عدم تحقيق الأمن الغذائي العربي. ويعني مفهوم الأمن الغذائي، حسب تعريف منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو) توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين للوفاء باحتياجاتهم بصورة مستمرة من أجل حياة صحية ونشطة. ويترافق مع مفهوم الأمن الغذائي مفهوم آخر أوضح دلالة وأبسط تقديرا وهو مفهوم الفجوة الغذائية التي تمثل الفرق بين الكميات المنتجة محلياً ومجموع الكميات اللازمة للاستهلاك المحلي من السلع والمواد الغذائية.

إن الأرقام والمؤشرات المتعلقة بالعجز الغذائي العربي مثيرة للقلق، ففي عام 1990 كانت قيمة الفجوة حوالي 11.8مليار دولار،وارتفعت إلى حوالي 13.9مليار دولار عام2000 ،ثم ازدادت إلى حوالي 18.1 مليار دولار عام2005 ،وهذا قبل ارتفاع أسعار الغذاء عالميا.كما بلغت حوالي 23.8 مليار دولار عام 2007 وازدادت بنحو 40 في المئة في عام 2008 مقارنة بعام2005. وتظهر هذه الأرقام أن الفجوة ازدادت بمعدل سنوي بلغ 1.7 في المئة خلال الفترة 1990-2000، بينما ازدادت بمعدل سنوي بلغ 8 في المئة خلال الفترة من 2000 إلى 2007.

وقياساً على ذلك، وبافتراض أن زيادة الفجوة ستكون بحدود 5 في المئة (بتأثير الزيادة السكانية وزيادة الأسعار معاً) فمن المتوقع أن تصل قيمة الفجوة إلى حوالي 27 مليار دولار في عام2010 ،وإلى حوالي 44 مليار دولار في عام 2020 حسب تقديرات المنظمة العربية للتنمية الزراعية.

وتتشكل هذه الفجوة من العجز في مختلف المواد من حبوب وزيوت ولحوم وأسماك وغيرها. بالنسبة للحبوب وهي المكون الرئيسي للفجوة الغذائية فإن الواردات العربية منها مثلا تجاوزت 13,361 مليار دولار عام 2007 وبلغت نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح في السنة ذاتها47.5 في المئة فقط (دولتان فقط حققتا فائضا في إنتاج القمح هما السعودية وسورية).

وبحسب ما ورد في التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام2009 تتحكم مجموعة من العوامل والمحددات في كميات الإنتاج الزراعي وحجم الفجوة الغذائية في الدول العربية تتمثل في قلة المساحة المزروعة وشح الموارد المائية وتدني كفاءة الري وقلة مساحة الأراضي المروية. كما يعاني القطاع الزراعي من 'فجوة تكنولوجية' تتمثل في عدم تلبية مخرجات البحوث الزراعية لمتطلبات التنمية الزراعية، وتدني إنتاجية المحاصيل والثروة الحيوانية في أغلب الدول العربية. وتحتاج المناطق الزراعية إلى استكمال البنية الأساسية والخدمات الزراعية وزيادة نسبة الاستثمارات المخصصة للقطاع الزراعي.

رغم الجهود المعتبرة المبذولة من طرف بعض الحكومات العربية في سبيل تنمية القطاع الزراعي وجعله يساهم بقوة في الدخل القومي إلا أن أمنها الغذائي ما زال مهددا، وهي الآن تجد نفسها أمام التداعيات الناجمة عن وضعها الحالي. فداخليا نشأ عن عجز القطاع الفلاحي عن تلبية الاحتياجات الوطنية أسوأ ما يمكن أن يعاني منه أي اقتصاد في العالم:البطالة وتعطيل الموارد الفلاحية، ارتفاع أسعار المواد الغذائية وما يصحبها من اضطرابات وقلق اجتماعي، وكذا مبالغ ضخمة تُدفع كفاتورة للغذاء، يُضاف إلى كل ذلك بقاء فئة عريضة من المواطنين قابعة تحت خط الفقر، وانخفاض نصيب الفرد من الغذاء ممثلا بالسعرات الحرارية، وتسجيل حالات لا حصر لها من سوء التغذية في كثير من البلدان العربية. وكل هذا بالطبع يزيد من العبء الاقتصادي للدولة ويجعلها تلجأ إلى اتخاذ إجراءات استثنائية مثل دعم أسعار الأغذية وتقنين تصدير السلع الغذائية وإلغاء الضرائب على الواردات وزيادة أجور العاملين، ومكافحة الغش والمضاربة...ولكن أيضا ينجم عنه تشوه خطير في الهيكل الاقتصادي بين قطاع فلاحي متخلف أو قريب من التخلف وقطاع نفطي منفصل عن باقي القطاعات ومرتبط مباشرة بالخارج.

الاقتصاد في معظم الدول العربية يعتمد أولا على قطاع زراعي قاصر عن مجابهة التغيرات الحاصلة في الاقتصاد العالمي(الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة، واستخدام المنتجات الزراعية للحصول على الوقود الحيوي) وثانيا على قطاع مرتبط بالخارج(النفط أو السياحة) وكلاهما لا يدعم القوة السياسية للبلد،كونهما يجعلانه متكلا على الخارج في تفادي آثار تخلف القطاع الأول بتعويض النقص بالاستيراد،عن طريق الاستفادة من الفوائض المالية التي يدرها القطاع الثاني إذا كانت الأسواق أو الظروف الدولية مواتية. فكلاهما إذن يكرس التبعية ويزيد من حدتها ويرهن القرار السياسي ويحشره في زوايا ضيقة.

ثمة دول عربية لا يمكنها بأي حال تحقيق أمنها الغذائي والاكتفاء التام بالنظر إلى ظروفها الطبيعية والمناخية الصعبة. وفي هذا الإطار تتجلى الأهمية التي يكتسيها التكامل الاقتصادي العربي بما يتيحه من فرص للدول العربية العاجزة(طبيعيا وبشريا) عن تحقيق أمنها الغذائي، وأيضا الدول العربية القادرة بما لديها من إمكانيات وموارد على تحقيق الأمن الغذائي الكامل وقدراتها التصديرية.

فمن جهة تجد الدول العربية العاجزة غذائيا من تتكامل معه بمواردها المالية الضخمة لتأمين احتياجاتها الضرورية دون فقدانها لحرية القرار الوطني لأنه تعاون مبني على التكامل لا على السيطرة، ومن جهة أخرى تجد الدول العربية المكتفية ذاتيا أو القادرة على تحقيق ذلك موارد مالية تنمي بها القطاع الزراعي وأسواقا لتصريف منتجاتها الغذائية بعيدا عن الصعوبات والعراقيل التي تواجهها عندما تقوم بالتصدير لدول الاتحاد الأوروبي وغيرها.

أما خارجيا فقد يكون من أبجديات العلاقات الدولية أن الوزن النسبي لدولة ما أو لمجموعة معينة من الدول على الساحة السياسية العالمية والإقليمية يرتبط أساسا(بالإضافة إلى الموقع الجيوسياسي وعوامل أخرى) بالمقومات الاقتصادية لذاك البلد أو لتلك المجموعة من الدول. ليس من الحكمة تخصيص الأموال الطائلة لاقتناء الأسلحة وللإنفاق العسكري (يكفي أن نذكر بأن دولة عربية واحدة استوردت في عام 2008 فقط نحو 6 في المئة من مبيعات السلاح في العالم) وحرمان الفلاحة من الاستثمارات الضرورية لتنميتها في ظل تراجع القوة العسكرية لدولة ما كأول مقوم ودعامة لدورها ونفوذها.

لدينا عالم يتكلم لغة الاقتصاد، لن يفهمنا ولن نفهمه ما دمنا نتكلم إليه بغير لغته. إن فائضا عربيا من الغذاء يحل مشكلات لا حصر لها، وأطرحُ السؤال:هل كانت دول حوض النيل تجرؤ على تهديد الأمن المائي المصري لو أنها تتلقى من مصر وغيرها من البلدان العربية مساعدات غذائية معتبرة كل عام؟ هل كانت دولة مثل مالي تجرؤ على مخالفة اتفاق لها مع الجزائر بخصوص مكافحة الإرهاب وعصابات التهريب على الحدود المشتركة بعد أيام قليلة من إبرامه لو أن الجزائر تمنحها مع بقية الدول المكونة لمجموعة الساحل والصحراء ما يؤمّن حاجتها الملحة للغذاء؟ بالتأكيد لا.في الساحة الدولية لا مكان للصوت العالي المفتقر للمقومات الاقتصادية الحقيقية، قد تتمردُ حينا على من يعطيك الغذاء لكنك ستخضع له في النهاية عندما يقهرك الجوع.

ذكر أحد السياسيين البارزين في فرنسا وأحد أقطاب اليسار فيها، فرنسوا هولاند،مؤخرا في معرض حديثه لإحدى القنوات عن الوضع الدولي العام أن الثقل السياسي العالمي قد خرج من النطاق الأوروبي - الأمريكي إلى مجموعة الدول الصاعدة، وخص منها بالذكر، بالإضافة للصين،الهند والبرازيل.هذه الدول وغيرها مثل تركيا الأرجنتين والنمور الآسيوية كلها ذات فائض غذائي كبير ولها قطاعات مصنعة تنمو بسرعة فائقة على الرغم من الأزمة الخانقة التي تتخبط فيها الاقتصاديات الكبرى.

وكختام لهذا المرور السريع على جانب من جوانب مأزقنا العربي العام يمكن القول أنه برغم كل المؤثرات والعراقيل الخارجية فإن المستقبل يبقى بالأساس صناعة محلية لمن يريد أن يصنع مستقبله.

=====================

'اعلان طهران' و'ذرائعية' واشنطن!

محمد صادق الحسيني

5/24/2010

القدس العربي

يجمع المراقبون الموضوعيون على ان ما تحقق من انجاز في اطار اعلان طهران لتبادل اليورانيوم، كان بمثابة انجاز لافت لدعاة الخيار الديبلوماسي الذي ظلت تنشده وتلح عليه الدول النامية والمستقلة وفي طليعتها تركيا والبرازيل منذ مدة، مقابل خيار التصعيد والتهديد بالحرب تصريحا او تلميحا والذي تلوح به الادارة الامريكية وبالحاح اسرائيلي ملفت على طول الخط في تعاملها مع ما بات يعرف بالملف النووي الايراني.

واذا كان من حق طهران ان تحتفل بهذا الانجاز على انه نصر ديبلوماسي مميز لها في اطار ما بات يعرف بديبلوماسية حياكة السجاد، فان سبب ذلك هو انها قد استطاعت من خلال هذا الانجاز ان تضع المحور الامريكي الاسرائيلي المناهض لطموحاتها النووية في الزاوية الحرجة عمليا.

فما حصل وتحقق في اعلان طهران، اسقط عمليا ورقة التوت الاخيرة التي كانت تتغطى بها واشنطن في تعاملها مع هذا الملف، كما نزع كل الذرائع التي كان يمكن ان تلجأ اليها واشنطن في استمرارها في مسار التصعيد والتهديد والوعيد فيما لو رفضت طهران المقترح التركي البرازيلي.

طبعا ثمة من يعتقد في طهران بان واشنطن ليست بحاجة الى ذريعة للمضي قدما في معاداتها للطموحات الايرانية وهو محق في ذلك، بعدما اثبت الامريكيون بان سياساتهم فيما يخص 'ملفات' بلدان العالمين العربي والاسلامي، انما تقوم اساسا على النظرة الاسرائيلية والصهيونية عموما التي لا تريد لهذا الشرق العربي والمسلم ان تقوم له قائمة اصلا.

ينقل احد كبار الخبراء الايرانيين النوويين من فريق التفاوض الرسمي مع مجموعة الخمسة زائد واحد، بان احد المندوبين الاوروبيين المعروفة بلاده في موقفها المشابه لموقف الادارة الامريكية المهدد باستعمال السلاح النووي ضد طهران، في حال استمرت قدما في مشروعها، بانه واثناء احتدام النقاش معه حول حق ايران في التخصيب والذي تكفله لها معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية الموقع عليها مبكرا من جانب الحكومة الايرانية، قام باطفاء سيجارته المشتعلة بحركة عصبية ملفتة وهو يردد: ان مشروعكم النووي كله يجب ان يتوقف من الاساس تماما كما اطفئ انا سيجارتي في هذه المنفضة.

وهذا هو موقف الادارة الامريكية الحقيقي ايضا في الواقع، وكلا الموقفين نابع من القراءة الصهيونية التي تقول بانه كان يجب منع طهران بالاساس من الولوج في هذا الحقل، بغض النظر ان كانت طهران ستلجأ في يوم ما الى مجال التسلح النووي ام لا.

في اوج الغزو الامريكي للعراق على خلفية مزاعم امتلاكه اسلحة الدمار الشامل والتي ثبت كذبها فيما بعد، كان وزير الخارجية الامريكي كولن باول وكلما كان يحرج باستدلالات حق ايران في دورة الوقود النووي الكاملة واهمها حق تخصيب اليورانيوم كما هو حال دولة عالمثالثية ايضا مثل البرازيل مثلا وهو الامرالذي يكفله لهما انضمامهما المبكر لمعاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية كان يرد بالقول: بان ايران ليست البرازيل حتى نعطيها مثل هذا الحق، فالبرازيل دولة ديمقراطية يمكن الاعتماد عليها في حين ان ايران دولة تغرد خارج السرب ولا يمكن الاطمئنان اليها.

وها هي البرزيل اليوم وهي الدولة الديمقراطية التي يعتمد الغرب على صدقيتها، وهي التي قبلت طهران منها تعهدها بالاتيان بضمانات ملموسة من الغرب لعقد صفقة التبادل، تدخل اليوم على خط نزع فتيل التصعيد والتهديد، فما عدا مما بدا حتى يرفض الغرب وواشنطن بشكل خاص هذه الصفقة ويعتبرها غير كافية لتبديد ما يسمونه بالشكوك المحيطة بالبرنامج النووي الايراني؟.

الجواب هو في الكذبة الكبرى التي يحاول الغرب وامريكا في الطليعة تلفيقها منذ البداية حول ايران وكل دولة عالمثالثية تشبه ايرن و تتجرأ على التغريد خارج السرب الغربي والامريكي الا وهي ان الطاقة النووية بالنسبة لهذه البلدان تساوي القنبلة النووية.

ثم تكر المسبحة ويفتح لها ملف اسمه الملف النووي.

ولذلك نقول بان اولئك الذين يقولون بان امريكا واسرائيل وكل من يدور في فلكهما ليسوا بحاجة الى ذرائع ليعربوا عن قلقهم المزعوم حول طموحات ايران النووية، فايران المستقلة وايران المتحررة من التبعية للسياسات الامريكية هذا لوحده يكفي ان يقلق اسرائيل والمتعلقين بحبالها، فكيف ان تكون ايران دولة نووية؟

لقد قالها لي وعلى الهواء مباشرة احد هؤلاء المتعلقين بحبال امريكا واسرائيل قبل ايام واثناء احتدام النقاش معه حول الحق الايراني في التخصيب والذي تكفله لها قوانين الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالقول: علينا ان نكون واقعيين ان هذا لا يمكن ان يقبل من بلد مثل ايران لانها تسبح خارج الارادة الامريكية بينما هو مقبول من اسرائيل وهي تمتلك ترسانة نووية لانها تحت المظلة الامريكية بما في ذلك امكانية استخدامها للسلاح النووي، وهو ما يشكل ضمانة للامن والسلم الاقليمي.

هذه هي الحقيقة العارية التي تقف ليس فقط وراء رفض واشنطن لاعلان طهران بل وللحنق والغضب الاسرائيلي كلما لاحت في الافق تسوية لهذا الخلاف الدولي، بل ولاصل تشكيل ما يسمى بملف ايران النووي.

ذلك لان الهدف من كل ما يحصل طوال السنين الماضية التي رافقت مناقشات هذا الملف هو ان يبقى شيء اسمه الملف النووي الايراني على الطاولة الدولية يمكننا تسميته 'ملف ربط نزاع' مع هذه الدولة المستقلة والمتحررة من التبعية الامريكية حتى يكون ذلك بمثابة سيف مسلط على رقبة اي بلد يفكر بالتجرؤ على الخروج على الارادة الامريكية الاسرائيلية ودائما تحت حجة او ذريعة الخروج على الارادة الدولية او ما بات يعرف بالمجتمع الدولي.

وهي كذبة باتت مفضوحة اليوم اكثر من اي وقت مضى لمن يملك عقلا سويا، ومن يعرف كيف تتم المساومات وتبرم الصفقات وتعقد التسويات خلف كواليس ما يمكن تسميتها بمعادلة الغلبة الموروثة منذ الحرب العالمية الثانية.

هذه المعادلة التي تتم اعادة صياغتها كلما تعرضت للزعزعة بفضل تنامي وعي الشعوب والدول والامم المتحررة، تحت عناوين جديدة منذ انتهاء الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن.

ويأتي اعلان طهران اليوم بمثابة مؤشر جديد على تعرض هذه المعادلة المجحفة بحق الشعوب المستقلة والمتحررة، ليضاف بذلك مدماك جديد الى جهود اقليمية ودولية عديدة تهدف الى الاطاحة بتلك الصيغة الظالمة.

لن يمضي وقت طويل حتى تظهر الحقيقة من وراء حجب كل هذا الضجيج الكاذب حول ما يسمى بخطر الطموح النووي الايراني، خاصة بعد ان تجاوزت طهران خطر قدرة الغرب المتجبر على اطفاء شعلة استقلالها كما تمنى البعض ان يرى ذلك على طريقة اطفاء ذلك المفاوض الغربي لسيجارته المشتعلة حنقا على تغريد ايران خارج السرب الدولي. واعلان طهران سيشكل بداية النهاية لانفضاح امر المتباكين على الامن والسلم الدوليين، ذلك ان هذا الاعلان لم يكن انجازه ممكنا، لولا معادلة الردع التي حققتها طهران في الميدان قبل ان تحققها على الورق.

=====================

هل ندرك حقا ما يعنيه الاستبداد المستدام؟

مطاع صفدي

5/24/2010

القدس العربي

التحدي الحقيقي الذي يتحاشاه المشتغلون في الشأن السياسي العربي، كما يتجاهله معظم المهتمين بالشأن الثقافي هو إنسان الفرد العربي.

ذلك المجهول الذي يتضاعف نسيانه تحت كليشة الأمم المتحدة، التنمية المستدامة. هذا التصنيف اللفظوي يساوي بين تنمية الحجر والإنسان معاً، على طريقة تنافس البعض من أثرياء الخليج في إشادة الأبراج وشق عنان السماء برؤوسها المدببة، في الوقت الذي يتم فيه نزع اللغة العربية من ألسنة الأطفال والشباب، وموظفي المكاتب، وأساتذة الجامعات وطلابهم.

هذا ليس غزواً ثقافياً خارجياً فقط، بقدر ما هو كذلك محصلة لمجمل الحالة الكارثية لافتقار الفرد والمجتمع معاً من الشخصية الإنسانية الحرة. ما يجعله مواطناً قادراً على الاختيار بمنأى عن عوامل الإغراء والاستهواء الساعية إلى الاستيلاء على وعيه الذاتي؛ فالفرد المحروم من شخصيته الحرة، يتحول إلى مجرد مادة خام، برسم القولبة والانحراف، عاجزاً عن إنتاج وسائل دفاعاته، عما يفكر ويعتقد، وكيفما يسلك ويتصرف؛ هكذا تتطاير إرادات البشر في مهب رياح التلقين الظاهر، والخفي المنظّم وهو الأخبث؛ ذلك أن أعلى فنون العولمة في الشرق، المصدَّرة من الغرب، هو إعادة الاستيلاء على عقول المجتمعات، كلما حققت لذاتها بعض الاستقلال والسيادة. فالمطلوب هو الحَجْر عليها، وإدامته وتنويع وسائله ما أمكن، والإبقاء على تشكيلاتها البنيوية والمورفولوجية. وتحديث جاهزياتها المتجذرة، بما يخدم في النهاية هدفَ المنع المطلق لتيار الحداثة من اختراق حاجز النمو الاستهلاكي، وبلوغ حدّ القطيعة المعرفية والمعيارية مع أصول التشكلات ما قبل المجتمعية، والانتقال النظامي منها نحو ثقافة المجتمع المدني، كما ينبغي فهمه كغاية في ذاته، وليس كتسويغ أيديولوجي، تزييني للأعطال القديمة المتوارثة إياها.

الحاجز الأقوى والأشد تعقيداً وغموضاً هو سؤال هذه النقلة الموصوفة عادةً، فلسفياً، بالتاريخانية، من صيغة عيش المجاميع البشرية كما اتفق، أو كما هي عيشة الآباء والأجداد، إلى الانضواء تحت طائلة الاختيارات / القوانين، الواعية المنبثقة عن إرادة الحرية، كما تمليها الجماعة باسم أفرادها، وموافقتهم، وكما يمارسها الأفراد باسم الجماعة. ذلك نموذج مثالي لنوع المجتمع المدني المحرِّك لمتغيرات الحداثة، بتجاربها الحضارية الكبرى المتعارضة، وغير المنتهية، حسب يوتوبيا كمالها المطلق المنظور، لكنه غير الميؤوس منه، وإلا لانعدم مستقبلُ المعمورة من خارطة الكون.

في اللغة المباشرة يسود جدل الحقوق والواجبات العصرية، كمفردات مشخّصة عن دلالات المجتمع المدني. فيجري اعتبار الحقوق بمثابة المطالب التي أصبح الفرد يرى من خلالها، أن الجماعة ينبغي لها أن توافقه عليها، وألا تتوقف عند الموافقة فحسب، بل تتبعها بتوفير الأسباب المساعدة على تحقيقها. والمدافعة النظامية عنها. إذ يعتقد الفرد الحداثي أن على (الاخر العام) أن يلبيها. وبذلك يحوز الفرد على الشعور بكرامته. هذه الكرامة ليست نزوة أنانية، إنها دليل اعتراف الجماعة بأحقية أفرادها. وهو الاعتراف الذي يُكسب الفرد كيانه، بما يؤكد استحقاق انتمائه إلى الجماعة. وإن كانت هذه الجدلية لا تجري بين قطبين متناقضين أصلاً، أي الفرد والمجموع، لكن اختلافهما هو من مستوى معياري دائماً، باحث عن توازنات مضطربة بين ما للفرد من حقوق لدى مجتمعه، وما للآخر العام من واجبات عليه!

هذه اللوحة النظرية لا تكاد تنطبق تماماً، حتى على الدول المتقدمة الرافعة لألوية المجتمع المدني، والمتنافسة فيما بينها على ادعاء معايير الديمقراطية في تنظيمها لعلاقات أفرادها بالمؤسسات العامة. لكنها تبقى حاضرة فاعلة دائماً في وعي الحكام والمحكومين، بما يوفر شروطاً متنامية في تربية الذات الإنسانية، عبر ممارسة طبيعة لحرياتها. وكل ما يخالف أو يعيق هذه الممارسة يُعتبر شذوذاً، لا بد من تقويمه. فالفرد هو الحارس القيِّم على حرياته أولاً. من هنا تأتي مسؤوليته الوجدانية عن سلوكه، بما يتكامل مع مسؤوليات الآخرين عن حرياتهم.

يقف على طرف نقيض من هذه اللوحة وأمثلتها الحية، ذلك المجتمعُ الآخر المصنّف في خانة التخلف بحسب الاعتبارات الدولية. وهو المجتمع المحروم أساساً من حريته السياسية.

فالتخلف ليس توصيفاً حضارياً فحسب، لكنه ينطوي على لائحة سلبية غاصّة بأنواع الاتهامات المرفقة بالإدانات الفورية. كأنما المجتمع المتخلف لا يستحق التمتع بالحرية. كل الدراسات الأنثربولوجية، سواء منها النظرية والميدانية تريد تثبيت أيديولوجيا، ترى في التخلف وكانت تسميه بالبدائية أنه تكوين بشري معين، يكاد يكون ملاصقاً لتركيب عضوي فيزيولوجي لا خلاص منه لأفراده إلا بتغيير أجسادهم عينها. هذه الأيديولوجيا المؤسِّسة الفكروية للعنصريات، لم تذهب بذهاب الفاشيات الشمولية. وهي لا تزال فاعلة وآمرة في مجال العلم كما في العلاقات الدولية. كلُّ همها هو إدانة المجتمعات النامية قبلياً، بذنوبها الذاتية، وأخطرها هو عجز التخلف عن إنتاج الحرية لأبنائه، أو ضحاياه بالأحرى.

يترتب على هذه المقدمات المؤدلجة أن الاستبداد ليس مرضاً طارئاً، ليس عرضاً تاريخياً يلحق بمسيرة هذه المجتمعات البائسة. وبالتالي فالاستعمار، قديمه وحديثه، لا يلعب وحدَه لعبةَ السيادة لذاته، والعبودية للآخر؛ وإن كان يجدها جاهزةً، حسب شروطها المطلوبة؛ إنه يرفع عن كاهله تبعات كل الخراب (الحضاري) الذي خلّفه وأعاد إنتاجه، ما بين رحيل قواته المحتلة، ومن ثم بعد عودته بوسائل السياسة والتآمر، إلى نوع الاحتلال الشفاف، وبمساعدة أعوانه المحليين. فالجدل قائم مستمر، حول استحقاق الحريات، بمعنى إن كانت هذه الدول النامية مؤهلة حقاً لتحكم نفسها بنفسها، أو أنها أضحت مالكة أو مكتسبة لبعض شروط الوعي بالحرية وأنظمتها، بدءاً من تنمية الحس الجماهيري بالقضايا العامة، وطرق الدفاع المشروع عنها، والقدرة على تمييز رجال القيادة الصالحين، وإيصالهم إلى مواقع القرارات العليا. بكلمة مختصرة، هل ثمة دولة عربية بلغت سن الرشد فعلاً. هل برهنت أية دولة عربية طيلة خمسة أو ستة عقود من تجارب استقلالها، أنها تجاوزت كل حاجة مزعومة للوصاية الأجنبية، المباشرة أو غير المباشرة. فالغرب هو مبتكر فن الوصايات على أنواعها. وهو المتطوع دائماً في خدمة الآخرين، والمندفع إلى التلبية، وإن لم يطلبه أحد.

وصاية الغرب على الشرق، وقارته العربية الإسلامية خاصة، خلال مرحلة الاستعمار وما بعده من أشباهه، هي من نوع العقد المافيوزي المفروض على الزبون، الذي لا يمكنه أن يرفضه. محصلة هذا العقد يختصرها الاستبداد، وقد أصبح بمثابة نظام الأنظمة المعرفية والسياسية المسيطر على حاضر هذه القارة الحزينة، وبما يجعل مستقبلها تكراراً عقيماً لحاضرها ذاك. على أنه ينبغي التنبه في معالجة كل حالة تسلطية، إلى أمرين متلازمين، ذلك أن الاستبداد ليس ظاهرة سياسية إلا لكونه حاملاً للوظيفة النبيوية الأخطر والأدهى في كونه هو الحارس الفعلي (الأهلي) للتخلف. وبالتالي، فهو السد المانع للنقلة النهضوية المنشودة، من سيطرة نموذج الجماعة المتكلسة على أنماطها المتوارثة، نحو المجتمع المتمايز بأفراده ومؤسساته وديناميته المتطورة. ذلك أن النهضة والسلْطَنة أي الحكم المطلق نقيضان لا يلتقيان أبداً إلا ليلغي أحدهما الآخر. ولأن النهضة هي الطرف الأضعف، الموجود في مستقبله أكثر منه في حاضره، فهو المرشح غالباً للتحريف إلى درجة الاغتراب عن ذاته، عن مشاريعه، الانمحاء في أشباهها الزائفة.

أرقام الفقر والمرض والتهميش، تمسح كل يوم، الأعدادَ الهائلة من الديموغرافيا المليونية بل المليارية للعرب والمسلمين، من لوائح الوجود الإنساني، ما دام ليس لهم ثمة وجود حقوقي أبداً، في ظل أنظمتهم الحاكمة. فلا يقل الاستبداد ظلماً وتعسفاً وخطراً على مئات الملايين من هؤلاء الناس المحرومين من ممارسة إمكانياتهم، لا يقل مطلقاً عن أهوال الاستعمار المستدام. إذ يظل الاستعمار أجنبياً مداهماً من خارج الجغرافية والتاريخ، ولو اغتصبت ربيبته المدللة إسرائيل، بقعةً من فلسطين، في حين أن الاستبداد هو الشكل الداخلي المقلوب عن الاستعمار، والنابع والنابت من الأرض، من تراكم نفايات التخلف الرابض على صدور شعوبها.

لقد وعت النهضة العربية الأولى، منذ أواخر القرن التاسع عشر، ما تعنيه أهوالُ الاستبداد، عندما كان مجسَّداً في نظام السلطنة العثمانية المتهرئة آنذاك، وحدث ذلك طبعاً قبل اجتياح الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية للجغرافية العربية بتمامها. لكن نظام السلطنة الذي تخلت عنه تركيا، عاد واستوطن دول العرب المستقلة لمرحلة ما بعد جلاء الاستعمار الأوروبي. فالتقهقر نحو بنية السلطنة لا يعبر فقط عن فشل الدولة العربية الحديثة، لكنه راح ينقل هذا الفشل إلى بيئة مجتمع الاستقلال؛ يجرّده من مفتاح قدراته الحضارية، المتمثل بظهور الفرد الحر، المتمتع باحترام كرامته، في عين ذاته. الفرد الحر، هو المتحرر أولاً من الخوف، الممتنع على إغراء الفساد من نفسه أو من الآخر، وغير المذعور ليلاً نهاراً من عسس السلطان.

عندما تُقاس الأمم بإنتاجاتها، ماذا يمكن للمجتمعات السجينة وراء قضبان سلطاتها المطلقة، أن تقدم من معايير العلم والفن والعدالة والسعادة لأفرادها وجماعاتها. مجتمعات السجناء هذه، قد مُنعت أخيراً حتى من صراخ الألم والمهانة. فكيف للنهضة ألا تشكو من فقدانها لآخر رهاناتها: ذلك الإنسان البائس، الهابط دوماً دون اسمه العربي.

' مفكر عربي مقيم في باريس

=====================

أخطاء.. ما المعنى من المقاطعة والنبذ؟

يوسي بيلين

اسرائيل اليوم الاسرائيلية

الرأي الاردنية

24-5-2010

مرت أيام منذ أن منع البروفسور نوعام تشومسكي من المرور في معبر المبي كي يحاضر في جامعة بيرزيت والسماء لم تسقط. اسرائيل لم تطرد من منظمة دول التعاون والتنمية ال OECD ولم تقطع أي دولة علاقاتها الدبلوماسية معنا. احد ما يمكن ان يقول: الكلاب تنبح والقافلة تمر. ولكن الى أين بالضبط تسافر القافلة؟ كل فعل سخيف كهذا، يمنع فيه أناس مشهورون (ومشهورون أقل) من الدخول الى اسرائيل او الى الضفة دون أي صلة بالمخاطر الأمنية، يعرض اسرائيل التي تتباهى، وعن حق، بكونها الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة كدولة تستخدم وسائل غير ديمقراطية كي تبعد عنها منتقدي النظام. في وضع نفقد فيه كل يوم عطف الرأي العام العالمي حتى في الدول التي كانت في الماضي ودية لاسرائيل، تؤدي قرارات عديمة المعنى كهذه الى الحاق ضرر متواصل باسرائيل، وثمنها سندفعه في المكان الأقل توقعا وفي الزمن الأقل راحة.

اسرائيل هي دولة سيادية. نحن نسيطر على معابر الضفة الغربية، واذا ما نشأ خطر أمني من فلان او علان، من حق الجهة المخولة في الدولة (بالمناسبة، من هي هذه بالضبط؟ وزير الداخلية، الادارة المدنية؟) أن تمنع دخوله. ولكن في مثل هذا الوضع ولا سيما اذا كان الحديث عن يهودي ابن 81 سنة، بروفسور، يعتبر عظيم اللغويين في المعمورة، كتبه توجد في كل محل للكتب يحترم نفسه في العالم، وكان يمكن له – لو أراد – أن يحصل على جنسية اسرائيلية دون ابطاء بفعل قانون العودة، فان اسرائيل ملزمة بأن تشرح اتخذ القرار.

اذا ما وقع خطأ (ربما لان الموظف الصغير يعمل حسب روح القائد)، فينبغي الاعتراف بذلك، الاعتذار والاقتراح على تشومسكي بأن يعود ويأتي.

اذا لم يكن هذا خطأ، ودولة اسرائيل توصلت الى الاستنتاج بأن هناك خطر من أن يثير هياج الطلاب ويدفعهم الى انتفاضة ثالثة او موجة عنف أخرى، فان الدولة ملزمة بأن تقول هذا بصوت عال. صحيح أن المعادين لاسرائيل لن يقتنعوا بذلك، ولكن سيكون لمحبيها ما يتمسكون به ويشرحونه. ولما لم يتم الامر في أي من الاتجاهين، يبقى رفض تشومسكي مثابة قرار تعسفي واعتباطي.

تشومسكي هو ليبرالي، يساري، يعارض المستوطنات ويؤيد حل الدولتين. وحتى لو كان كلغوي رجل علم متعمق، فانه في كتاباته السياسية – في نظري – هو البروفسور ادوارد سعيد للفقراء. تبسيطي، معاد لاسرائيل ولمجرد نشوئها، ومؤمن كبير في نظرية المؤامرة. كاتب هذه السطور ملزم – كاعتراف شخصي – بأن يعترف بأنه أحد «نجوم» كتب تشومسكي. فهو مقتنع بأني بادرت الى مسيرة أوسلو كي أواصل الاحتلال والاستيطان بوسائل اخرى، وأنه في التفاهمات بين محمود عباس (ابو مازن) وبيني انا الذي قمت ب «خداعه»، وأن مهمتي في الحياة هي أن أقوم بدور «الشرطي الطيب» في نظام ظالم.

على أي حال. مسموح له ان يفكر هكذا ومسموح له ان يكتب هكذا. فليس هو من سيمنع اتفاق السلام بيننا وبين الفلسطينيين اذا كان على جانبي الطرفين زعماء شجعان بما فيه الكفاية. دافع محاضرته في بيرزيت وموقف اسرائيل الرسمية من ذلك كان خطأ منحه علاقات عامة بالمجان، والكثير من الكلمات في وسائل الاعلام الالكترونية والمكتوبة. بما في ذلك هذا المقال.

=====================

في تركيا … يسمونها «الديمقراطية المحافظه»

د. عبد الحميد مسلم المجالي

Almajali.abdalhameed@yahoo.com

الرأي الاردنية

24-5-2010

الديمقراطيه ليست هدفا بحد ذاتها، بل وسيلة لانتاج حالة سياسية، تقوم على ممارسة شفافة، يعمل فيها الجميع في وضح النهار وتحت ضوء الشمس، ويتضاءل فيها المستور امام حجم المعلن، سواء في سلوك المؤسسات العامة او في سلوك وسيرة الاشخاص . ولم يعرف العالم وصفة ديمقراطية واحدة يمكن تعميمها على المجتمعات والدول، وتكون هي وحدها دون غيرها التي تحقق الغاية والهدف، فلكل مجتمع ظروفه وقيمه وتوافقاته الخاصة، ولكل صيغة ايجابياتها وسلبياتها، ولذا فان من يريد ان يمتدح هذه الصيغة او تلك، فسيجد ما يكفيه من الحجج، ومن يريد ان ينتقدها فسيجد ضالته .

 

وليس صحيحا ان الديمقراطية وفقا للنموذج الغربي هي الشرط الوحيد للتقدم، فهناك الكثير من الدول الديمقراطية ما زالت متخلفة، في حين ان هناك دولا غير ديمقراطية، تعتبر نموذجا للتقدم الشامل في جميع المجالات، ومن بينها الصين . فالتقدم ارادة وبيئة صالحة، والديمقراطية احد عوامل بنيان الثقة، وموانع الفساد ووصول الكفاءات الى حيث يجب ان تكون .

 

المهم ان يرتضي مجتمع ما، الصيغة الديمقراطية التي يراها مناسبة لمكوناته الاجتماعية والسياسية، وان تستقر هذه الصيغة لتصبح نهجا وسيرة حياة .

 

تركيا يمكن اعتبارها نموذجا لعقلنة الديمقراطية، فقد اسس مفكروها لديمقراطية غير انقلابية، ومن بينهم احمد داوود اوغلو الذي فتح الطريق لفكرة الديمقراطية المحافظة التي تقوم على التكامل التدريجي، دون اخلال بالمؤسسات الاجتماعية الموجودة في البلاد . و يرى ان المجال الحاكم للتعامل مع الواقع، هو تحقيق المقاصد بصرف النظر عن الاليات . واوغلو هو الذي ينظرويخطط لمسارات السياسة الخارجية التركية الان، ففي كتابه الاشهر « العمق الاستراتيجي «، يتحدث عن كيفية تحول تركيا من دولة طرف او هامش، الى دولة مركز، استنادا الى ميراثها التاريخي والثقافي وموقعها الجيوبولتيكي، رابطا ذلك بتجديد سياسي داخلي راسخ ومؤثر، يتم بموجبه اعادة بناء النخبة السياسية في البلاد . ويقول رجب طيب اردوغان « ان الديمقراطية المحافظة هي نظام سياسي واجتماعي توفيقي، تنسجم فيه الحداثة والتراث من جانب، والقيم الانسانية والعقلانية من جانب اخر، فهي تقبل الجديد والوافد، ولاترفض القديم والمحلي، وتؤمن بخصوصية الذات « .

 

ومن هنا يمكن القول ان هناك ما يسمى بفقه الديمقراطية، وهذا الفقه ينتج مذاهب مختلفة، تتفق على المقاصد، وقد تختلف على بعض التفاصيل والاليات . واذا ما نظرنا الى قانون الانتخاب الجديد الذي اعلن عنه يوم الثلاثاء الماضي من الزوايا التي تحدثنا عنها، فانه يقع ضمن ما يمكن ان يسمى ب «الديمقراطية الملائمة « للظروف الاجتماعية القائمة، تحفزها ولا تحاول الغاءها او الاخلال بها، مع توفير اقصى ما يمكن من الضوابط، لتجعل منها تعبيرا اقرب الى النزاهة . ولاشك ان هناك ارادة رسمية واضحة في هذا الاتجاه، يمكن التاكد منها خلال الشهور المقبلة وخاصة في يوم الانتخاب .

 

ليس صحيحا ان البدائل الاخرى التي طرحت من قبل بعض التنظيمات الحزبية ومؤسسات المجتمع المدني، بدائل غير قابلة للنقد، او انها تمثل الخيار الديمقراطي الصحيح والملائم، فقد دخل الى برلمان عام تسعة وثمانين، نواب لم يعرفهم ناخبوهم، بل قدموا من المجهول، محمولين على ظهر كتل كانت تطلب من ناخبيها التصويت لمن يعرفون ولمن لايعرفون، فكانت النتيجة ان حفلات التعارف بين هؤلاء النواب والناخبين لم تنته قبل ان تنته مدة المجلس .

 

علينا ان نعترف ونقر بالديمقراطية الملائمة، وان نسعى لترسيخها، فلكل دولة فقهها في استنباط الاحكام الديمقراطية الصحيحة، التي تنسجم مع مكوناتها الاجتماعية القائمة، وللاردن نصيب من هذا الفقه، الذي يجب ان يستقر، ليصبح قابلا للنماء من داخله.

=====================

مياه النيل ولغة الصفقات

سامح المحاريق

الرأي الاردنية

24-5-2010

وقعت أربع من الدول التي تعرف بدول المنبع (أثيوبيا، رواندا، تنزانيا، أوغندا) اتفاقية جديدة دعيت بالاتفاقية الإطارية لتقاسم مياه النيل على أساس الحصص المتساوية بين الدول التسع في منطقة حوض النيل، وقعت كينيا في وقت لاحق خلافا لاتفاق الجنتلمان الذي أبرمته مع مصر والسودان كما أن الإعلان عن مسألة توقيع الاتفاقية من قبل الكونغو ليس سوى مسألة وقت، وبالتالي فإن الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل – بحسب الوصف الذي تتمسك به الدولة المصرية – مهددة وأن مصر ومعها السودان بالتالي تقف أمام مجموعة من الخيارات التي يمكن أن تصل إلى الحل العسكري لهذه الأزمة.

 

انخفض سقف التهديدات المصرية في اليومين الماضيين لتدرس الحكومة المصرية اللجوء إلى التحكيم الدولي وهو ما يدخلها في مجموعة معقدة من الاعتبارات، فاتفاقية 1929 التي تكفل لمصر 55 مليار متر مكعب من مياه النيل سنويا وقعت بين بريطانيا ومصر حيث لم تكن أي من دول حوض النيل حصلت على استقلالها بعد، وبالتالي فإن إعادة التقاسم بناء على مجموعة من الاعتبارات السكانية والحاجات التنموية ليست مستبعدة من حيث المبدأ، وإنما المشكلة في قرار عنتيبي أنه أتى لمحصلة مجموعة من الوقائع السياسية التي تكشف عن تقصير السياسة المصرية الذريع في العمق الإفريقي.

 

مدينة عنتيبي الأوغندية قفزت إلى صدارة الحدث العالمي للمرة الأولى سنة 1976 عندما حطت فيها طائرة الخطوط الفرنسية المخطوفة وعلى متنها أكثر من ثمانين اسرائيليا استقبتهم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على متن الطائرة حتى اقتحمتها وحدات الكوماندوس الإسرائيلية لتطلق سراح معظم الرهائن وتقتل جميع المختطفين فيما اعتبر نجاحا مدويا وقتها أعطى دفعة معنوية هائلة للإسرائيليين، وهكذا عنتيبي دخلت الذاكرة الإسرائيلية لدرجة تدخل اسرائيل للحفاظ على مطارها القديم وتحويل جزء منه إلى متحف.

 

في عنتيبي مرة أخرى جاءت الاتفاقية الإطارية، وليس ثمة مبرر لافتراض حسن النية في اختيار هذه المدينة الأوغندية الصغيرة لاستضافة اتفاقية تاريخية سوى رائحة الدور الإسرائيلي التي لخصت أربعين عاما من العلاقات المتميزة بين اسرائيل ودول حوض النيل في ظل الغياب المصري.

 

التخبط في معالجة القضية يبدو واضحا، فنبرة الخطاب السياسي لا تتسم بالواقعية لأنها ستقود إن عاجلا أو آجلا للتدخل العسكري بما يدفع المجموعة العربية ككل في حرب مفتوحة وخطرة في المجاهل الإفريقية، فموضوع التقاسم يتطلب تفهما جديدا لحاجات دول الحوض للمياه لمواجهة احتياجات جديدة أو على الأقل مقايضة التنازل عن الحصص المائية مقابل مجموعة من الامتيازات، كينيا طرحت مقايضة المياه بالنفط واعتبرها المصريون مزحة سياسية ولم يقدموا شيئا على الطاولة لنيروبي فمضى الكينيون وراء مصالحهم، العالم الجديد ليس مكانا مناسبا للشعارات إنها الصفقات التي تحكم كل شيء.

=====================

تشومسكي ل«السفير»: أميركا تدير العالم على طريقة المافيا

السفير

24-5-2010

جنان جمعاوي

المفكر الأميركي نعوم تشومسكي كان يتحدث بهدوء شديد. يسترسل في استعراض التحولات التي تطرأ على الولايات المتحدة، والعالم. قال إن التنافس لم يعد بين يمين ويسار بل بين يمين متطرف ويمين وسط. وتحدث عن التشابه بين الولايات المتحدة اليوم وبين جمهورية فايمار الألمانية. ثم ساد الوجوم على مائدة الغداء في «السفير»، عندما اختصر سؤال واحد.. هلع البقية. «هل سنشهد صعود هلتر في أميركا»؟

أجاب: «لحسن الحظ لم نشهد صعود مثل هذه الشخصية.. حتى الآن. ولحسن الحظ أن كل من كان بإمكانه أن يكون هذه الشخصية تبيّن أنه محتال دفنه الفساد». شدد مراراً على عبارة «لحسن الحظ».

تشومسكي حل أمس ضيفاً على «السفير«. استمع إلى شروحات عن الرأي العام اللبناني، ومدى حقيقة الانقسام حول قضية سلاح حزب الله. ثم كان صبوراً في الإجابة عن أسئلة «السفير«.

÷ كيف تدار السياسة الأميركية؟

 هو نظام الحزبين. وعالم الأعمال. ما كان يوصف بأنهم الجمهوريون المعتدلون باتوا اليوم الديموقراطيين. وبات نظام الحزبين منقسماً بين يمين متطرف ويمين وسطي. وثمة استثناءات. الحزب الجمهوري هو حزب الأعمال. وعالم الأعمال يحب هؤلاء الأشخاص لكنه لا يتحمل أفكارهم، التي ستدمر الاقتصاد. الآن يتحدثون عن «مسرحية العجز». فنحن في حالة انكماش ولدينا عجز بالفعل. ولكن لعب هذه المسرحية هو الوسيلة الوحيدة للنهوض بالاقتصاد وتحقيق النمو. ورجال الأعمال يعرفون ذلك. ولهذا أذعنوا لبروباغندا «فلنتخلص من العجز ولنوقف الإنفاق الاجتماعي. ولنتخل عن التأمين الاجتماعي والتأمين الصحي وهكذا دواليك». عالم الأعمال أدرك أنه سيتعين أن تكون هناك عمليات إنقاذ للمصارف. ولكن عالم الأعمال نفسه يفضل العجز. انظروا إلى العجز. نصفه ناجم عن الإنفاق العسكري. ندعمه ولكننا نريد التخلص من العجز. والنصف الثاني، في جزئه الأكبر، ناجم عن نفقات النظام الصحي المخصخص. وهو باهظ جداً. وهم يدعمونه. إذاً هذا هو العجز. من جهة يحاولون حشد معارضة له، ومن جهة ثانية يظنون أننا بحاجة إليه. لطالما كان الأمر صعباً على عالم الأعمال. الترويج الدعائي.. وأن تحمل الناس على كره الحكومة وعلى حبها في الوقت عينه.

÷ وهل تعني أن الديموقراطيين انحرفوا إلى اليمين؟

 الديموقراطيون لم ينحرفوا إلى اليمين الآن. انحرفوا إلى اليمين مع كارتر الذي كانت برامجه مشابهة لبرامج ريغان. ريغان بالكاد وسّع برامج كارتر: بناء القوات المسلحة. وإصلاح المؤسسات المالية. أما أوباما فيمثل المصالح المالية. وهو أشبه بما كان يسمى قبل 20 عاماً «الجمهوريون المعتدلون». والآن باتوا يسمون اليسار الوسط. انظروا إلى قانون الرعاية الصحية. هو في الأساس خطة جمهورية. وهو قانون تحبه شركات التأمين. إنه بمثابة هدية لهم. وإذا دققنا في الاستطلاعات نجد أن الغالبية عارضته، ولكنها عارضته لأنه لم يذهب بعيداً في تحقيق مصالح المال.

÷ ماذا عن التحول نحو اليمين في العالم. في إسرائيل، وبريطانيا، وتشيلي والمجر؟

 أظن أن ما يحدث قريب لما حدث في وسط أوروبا في نهاية عشرينيات القرن الماضي وأوائل الثلاثينيات. لنأخذ مثالاً صعود النازيين في ألمانيا. ما حصل في العشرينيات كان وجود أحزاب وسطية تقليدية. ثم بدأت في الانهيار. الناس انقلبوا عليها. لم يحبوا المشاحنات في البرلمان. كما وجدوا انفسهم أمام مؤسسات فارغة. ولم يتطلب الأمر طويلاً لصعود النازيين. في انتخابات 1928، حصل النازيون على أقل من 3 في المئة من الأصوات. في 1933، أي بعد 5 سنوات، باتوا أقوى لدرجة أن الرئيس فون هيندربرغ، الذي كان يكره هتلر، أجبر على تعيينه مستشاراً ألمانياً. وأول ما فعله النازيون في الحكم هو إعلان عيد العمال عطلة. الحزبان «الشيوعي» و«الديموقراطي الاجتماعي» لم يكونا قادرين على ذلك. في مطلع أيار 1933 كان هناك عيد للعمال يديره النازيون، وكانت هناك مشاركة واسعة من العمال والمزارعين، وكان ذلك في «برلين الحمراء». اليوم يوجد صعود لليمين في الولايات المتحدة وفي العالم إجمالاً. ولكن ما حصل في ألمانيا عائد في جزء كبير منه إلى وجود هتلر، الذي كان يتمتع بالكاريزما، وكان هناك الشعور المعادي لمعاهدات فرساي. وكان هناك إحساس عام بأن الألمان لم يهزموا بالحرب بل طعنوا في الظهر، ثم فرض عليهم سلام أذلّهم. ولهذا كان النازيون يريدون معالجة الألمان وقوة ألمانيا. الولايات المتحدة بهذا المعنى كانت محظوظة جداً لأنه لم يظهر مثل هذا الشخص فيها. ولو ظهر كان من الممكن أن يكون خطيراً جداً.

÷ أهو تحذير إذاً من صعود مثل هذه الشخصية؟

 لحسن الحظ لم تشهد الولايات المتحدة مثل هذه الشخصية الصادقة والتي تتمتع بالكاريزما ولا يمكن أن تصبح فاسدة، مثل هتلر. فكل من كان بإمكانه أن يكون هذه الشخصية تبين، لحسن الحظ، أنه محتال وتشوهت سمعته بسبب الفساد. (لتتمكن هذه الشخصية الصادقة من الصعود) لا بد أن يكون الرأي العام متذمراً من النظام. لفهم الأمر، عليكم أن تستمعوا إلى الإذاعات أو إلى أخبار قناة فوكس. هم يرصدون هذا الأمر بدقة. (الناس يقولون): هناك أثرياء يعيشون في الحصون ولا يهتمون بشأننا ويأخذون كل شيء من دربنا. يديرون الإعلام والمؤسسات والحكومة. ولا يهتمون بشأننا. في ألمانيا، كان كل شيء يلقى على اليهود. وهذا ما تفتقده الولايات المتحدة. في الخمسينيات، كانت هناك معاداة للسامية، ولكنها تقلصت بقوة بدءاً من الستينيات. فجامعة هارفرد على سبيل المثال، في الخمسينيات كان لديها أستاذان أو ثلاثة يهود. والسبب الوحيد الذي جعل جامعة مساتشوستس للتكنولوجيا تلمع، هو لأن العلماء اليهود لم يجدوا عملاً لهم في هارفرد. وتوجهوا إلى كليات الهندسة. بحلول الستينيات أصبحت هارفرد عملياً مدارة من قبل اليهود. ما حصل خلال هذا العقد لا علاقة له بحركات الحقوق المدنية ولا علاقة له بالحرب ولا بإسرائيل. ولكن شيئاً ما حصل. والآن بات الجناح اليميني هو المؤيد الأكبر لإسرائيل، وهذا أحد المآخذ على نظرية اللوبي الصهيوني. المال والأصوات اليهودية تذهب إلى الديموقراطيين. لكن الجمهوريين هم موالون لإسرائيل. إعلام الأعمال ك«وول ستريت جورنال» هي أكثر المؤسسات الخاصة الموالية لإسرائيل. عالم الأعمال في الولايات المتحدة موالٍ بشدة لإسرائيل، التي تعد مركزا عالي التقنية، وحيث اليد العاملة رخيصة، ويمكن الاستثمار هناك. وهم بالطبع لا يكترثون بشأن الفلسطينيين.

÷ لكن إذا كان المال هو محرك السياسات الأميركية، ألا يعتبر العرب «المعتدلون» قوة؟

 السياسات الأميركية لطالما دعمت التطرف الإسلامي الراديكالي. السعودية ضد مصر. حماس ضد منظمة التحرير الفلسطينية.

÷ هل بإمكانهم مواصلة ذلك؟

 عليهم ان يدعموا السعودية بسبب الثمن الذي قد يدفعونه، حتى إذا كانت السعودية مصدر الإرهاب، بمعنى النفوذ الوهابي. هناك الكثير من التناقض.

÷ لماذا تدفع أميركا بشدة ضد إيران، فيما هي تدير حربين في العراق وأفغانستان؟

 دعونا نسأل ما هو التهديد الذي تمثله إيران. هناك وثائق عسكرية صدرت في آذار، فيها مراجعة للوضع العالمي والتهديدات العسكرية. وهناك بند متعلق بإيران. وفيه أن إيران لا تملك نفوذا عسكريا. والإنفاق العسكري لا يتجاوز 2 في المئة مما تنفقه الولايات المتحدة. قالوا فيه إن ايران عاجزة عن ممارسة القوة وإن استراتيجيتها العسكرية هي الدفاع عن الحدود. وإذا كانوا مهتمين بالأسلحة النووية فهو للردع لمنع أي هجوم. ولكنهم عاجزون عن ممارسة القوة. إذاً لماذا هم خطرون إلى هذه الدرجة. هناك سببان، الأول: هي أنها الوحيدة التي لا تتبع الأوامر، فيما الجميع يتبعون الأوامر. إذاً هذا غير مقبول. وهذا السبب ذاته الذي دفع الأميركيين إلى تدمير كوبا طوال 50 عاماً. كوبا لم تكن تهدد أحداً ولكنها لا تتبع الأوامر. وإذا اطلعنا على الوثائق نجد ان كوبا متورطة بما سمته إدارة كينيدي «تحديا ناجحا للسياسات الأميركية». وهذا ليس مسموحاً به. والأمر الثاني هو مسألة من يقود المبادئ العملانية في العلاقات الدولية، بطريقة أشبه بقيادة عمليات المافيا. العراب لا يقبل التمرد. العناصر الصغار يجب أن يطيعوا. لأن العراب، إن تساهل مع متمرد سيظهر متمرد آخر.

÷ لكن الإيرانيين لا يقولون لا لأميركا، فهم يسهلون عمل الأميركيين في العراق وأفغانستان؟

 كلا إنهم يفعلون. هم يتعاونون مع الأميركيين في العراق وأفغانستان لمصلحتهم الخاصة. ولكن إذا لم يكن هناك لهم مصلحة فهم لا يتعاونون.

÷ هل تقصد الملف النووي؟

 ما حدث في الملف النووي في الأيام الأخيرة مثير جداً للاهتمام. البرازيل وتركيا توصلتا إلى عرض. أحست الولايات المتحدة بالرعب. وحاولت على الفور قطع الطريق عليه. وجاء قرار الأمم المتحدة وكان فارغاً من أي مضمون لدرجة أن روسيا والصين وافقتا عليه على الفور. كان الهدف منه تحذير الجميع: نحن من يدير العرض. وهؤلاء الدخلاء كالبرازيل وتركيا لا يمكنهما أن يقوما بالمهمة. نحن من يقوم بالمهمة، حتى لو هرعنا إلى قرار لا يقول شيئاً فقط لنقطع الطريق على مقترح كان غنياً في مضمونه. هكذا تدار لعبة المافيات. لا يمكن أن يكون هناك تابعون يهزمون العراب.

÷ فهل سنشهد حرباً؟

 الولايات المتحدة تستعد لحرب. في مؤتمر مراجعة معاهدة عدم الانتشار، مصر، متحدثة باسم دول عدم الانحياز، ضغطت مجدداً من أجل إقامة منطقة خالية من النووي في الشرق الأوسط. في الواقع وافقت واشنطن على ذلك في 1995.. على الورق. مصر أعادت هذا مجدداً إلى الواجهة. إدارة أوباما وقعت في ورطة. فهو يمثل عدم الانتشار ولكن ليس تطبيق هذا الأمر. ومن الواضح أن المضي نحو تنفيذ معاهدة عدم الانتشار هو بإقامة مناطق خالية من النووي. كانت هناك مناطق عديدة في العالم، وجميعها قُوضت من قبل الولايات المتحدة. أفريقيا وافقت قبل أشهر على إقامة منطقة خالية نووياً، لكن إدارة أوباما لم توافق لأن تلك المنطقة تضم جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، وهي قاعدة عسكرية أميركية، تُخزّن فيها الأسلحة النووية. ولهذا أصرت الولايات المتحدة على عدم إقامة مثل هذه المنطقة. والآن بالحديث عن منطقة خالية من النووي في الشرق الأوسط، فلننظر إلى موقف الولايات المتحدة، الإدارة قالت إن الفكرة مذهلة، لكن كلينتون قالت إن «التوقيت غر مناسب». ثم موقف نتنياهو، وهو موقف كررته واشنطن: نحن جميعاً نتفق على هذا الهدف، ولكن بعد أن يتم التوصل إلى اتفاق سلام شامل، بمعنى بعد أن يعود المسيح. وهذا يعني أنهم لا يهتمون بمسألة امتلاك إيران للأسلحة النووية، وإلا لكانوا أقاموا منطقة خالية من النووي هنا.

÷ هل تعتقد أن أي حرب جديدة هي من أجل إنعاش الاقتصاد وصناعة الأسلحة الأميركية؟

 اعتقد أن الناس غالباً ما يخطئون هنا. لو أننا نتحدث عن حرب عالمية، هذا جيد للاقتصاد. لكن نوع الحروب التي تخاض حالياً ليست حروبا مؤاتية للصناعة. انظروا ما حصل في العراق وفيتنام.

÷ إذاً ما فائدة الحروب؟

 للسيطرة على العالم. إنه غبي فعلاً. أوباما علق في الحروب. عندما غزا بوش أفغانستان كان يريد أن يبدو بمظهر الرجل الرجولي. أما العراق فكان أمراً مختلفاً. إذا سيطرت على العراق، معناه أنك سيطرت على صناعة النفط. وأوباما يغادر العراق لأنه يتعين عليه أن يغادر، من دون أن يغادر فعلاً، هو بذلك ينفذ برنامج بوش. لقد هزم الأميركيون في العراق، واشنطن حاولت جاهدة ألا تسمح بحصول انتخابات، فأي آلية ديموقراطية، تعني، ديموغرافياً انتصار إيران. عندما دعا السيستاني إلى تظاهرة، خرجت الحشود بالآلاف. بإمكان الأميركيين أن يقتلوا المتمردين لكنهم عاجزون عن التحكم بالديموغرافيا. وهكذا تراجعوا خطوة وراء خطوة، وبعدها باتت السياسة واضحة. في كانون الثاني 2008، أعلن البيت الأبيض أنه لن يقبل بأي اتفاق بشأن وضع القوات القتالية إلا إذا سمح هذا الاتفاق بإقامة قاعدة عسكرية أميركية دائمة مع الحق بشن عمليات قتالية، مقروناً بقانون للنفط، يحابي المستثمرين الأميركيين.

÷ بالعودة إلى سؤال الحرب، هل سيؤدي هذا التصعيد إلى حرب في نهاية المطاف؟

 الجيش والاستخبارات لا يريدان الحرب، لأنها مجازفة كبيرة، تهدد المصالح الأميركية. إذا كان هناك من حرب، لن تكون برية. الحرب على إيران ستكون مثل حرب لبنان، ضربات جوية. وذلك لن يكون سهلاً مع ايران. بإمكانهم مسح البلاد بالصواريخ. لكنهم غير متأكدين بشأن الرد الإيراني. في الواقع، هم غير متأكدين بشأن الرد اللبناني. لا يعرفون ما إذا كان حزب الله يملك القدرة على ضرب تل أبيب. إذا ضربوا فإن أول ما سيفعلونه هو محاولة تدمير قوة الردع اللبنانية. هجوم كبير على لبنان، ثم على الفور مهاجمة إيران.

÷ وماذا عن العامل التركي؟

 تركيا نصبت قبل أيام درعاً مضاداً للصواريخ على الحدود السورية التركية، التي لن تقوم بشيء ضد قوة سلاح الجو الأميركي، ولكنه تصرف تحذيري للولايات المتحدة وإسرائيل بألا يخرقوا المجال الجوي في أي عمل ضد سوريا أو إيران. في حالة العراق، اكتفوا بعدم المشاركة في الحرب. لم يغلقوا القواعد الأميركية. لكنهم الآن يقولون لا تستخدموا أجواءنا.

÷ ما هو مستقبل إسرائيل؟

 لقد باتوا عديمي العقلانية على نحو بالغ. ما حصل لنا مثال على ذلك. لو أنهم تصرفوا بنصف عقلانية لكانوا سمحوا لنا (تشومسكي وابنته آفي) بالدخول (إلى الضفة). واللاعقلانية القوية أسوأ من اللاعقلانية الضعيفة، التي لا تؤذي إلا نفسها.

÷ هل تعتقد أن إسرائيل في طور التحول إلى دولة دينية؟

 ديموغرافيا، المتدينون يزدادون بسرعة أكبر من غيرهم. إسرائيل باتت اليوم حيث يرسل الأميركيون الأرثوذكس أطفالهم المضطربين. هناك العديد من الأطفال الضائعين. ليس لديهم حياة. يشعرون بالعزلة. وإذا اندمجوا مع هذا المجتمع (المتطرف في إسرائيل)، سيحصلون على الحياة. ولهذا يتم إرسالهم إلى إسرائيل. نصف المجانين في الضفة الغربية يتحدرون من بروكلين. هي بهذا المعنى تتحول إلى دولة دينية. ولكن هناك مشكلة خطيرة تنبثق داخل المجتمع الإسرائيلي، الذي كان علمانياً. والآن بات المتدينون أكثر قوة. والعديد من المتدينين ملتزمون بما يقوله الحاخامات، لا بما تفرضه الدولة، وخاصة داخل الجيش.

÷ هل تعتقد أن التسوية مع الفلسطينيين قد تخدم في هذا المعنى؟

 التسوية الوحيدة مع الفلسطينيين تصبح ممكنة إذا غيرت الولايات المتحدة من سياستها وانضمت إلى بقية العالم في مساندة حل الدولتين. عندها ستواجه إسرائيل مشكلة: عليها أن تنصاع لما تقوله الولايات المتحدة. بمعنى ليس عليهم أن يزيلوا المستوطنات بل الاكتفاء بسحب الجيش، عندها سيتراجع 80 في المئة من المستوطنين. ولكن السؤال هو هل سيذعنون.

÷ ولكن ستقوم الولايات المتحدة بذلك؟

 يتعين عليها. حظوظ التسوية قوية. انظروا إلى التاريخ. هناك أمثلة عديدة حيث دعمت الولايات المتحدة دولا متطرفة وراديكالية عنيفة. ثم غيرت سياستها، وتلاشت تلك الدول.

÷ ولكن، في حالة إسرائيل، لطالما أفلتت من ذلك؟

 حتى الآن. انظروا إلى جنوب أفريقيا، أفلتت حتى التسعينيات. في الثمانينيات كان الكونغرس يفرض عقوبات على جنوب أفريقيا، وعالم العمال كان ينسحب من هناك. لكن دولة الولايات المتحدة كانت تدعم جنوب افريقيا. وفي التسعينيات سحبوا دعمهم فجأة. ثم انتهى كل شيء بعد سنوات. وهذا ليس مثالاً وحيداً. إنها المافيا. العراب يصدر الأوامر، والجميع ينفذونها.

=====================

تراجع احتمالات "الحرب" على لبنان ؟

سركيس نعوم

النهار

24-5-2010

تفيد المعلومات الواردة من واشنطن على عدد من الرسميين اللبنانيين المعنيين وعلى بعض الجهات الديبلوماسية الاجنبية العاملة في بيروت ان احتمالات اقدام اسرائيل على شن حرب على لبنان و"حزب الله" الجيش الأقوى فيه أو بالأحرى على توجيه ضربة عسكرية كبيرة اليهما في الاشهر القليلة المقبلة قد تراجعت بنسبة ملحوظة. لكنها تفيد في الوقت نفسه ان هناك غالبية واضحة داخل اسرائيل المدنية والسياسية والامنية والعسكرية وربما الحكومية لا تزال مع خيار الحرب أو الضربة المذكورتين، الا انها عاجزة حتى الآن ورغم اكثريتها عن اتخاذ القرار النهائي بتنفيذ أي من الاثنتين. وأسباب عجزها كثيرة أبرزها اثنان: الأول، اقتناع الغالبية المؤيدة للحرب أو الضربة، كما الاقلية المعارضة لهما، بأنهما سيتسببان لاسرائيل، وبغض النظر عن النتائج النهائية لهما، بأضرار فادحة جداً في مجالين اثنين: الأول، الاضطراب الشعبي الكبير الذي لا بد من ان يحصل داخل اسرائيل أثناء تنفيذ الحرب أو الضربة. ذلك ان "حزب الله" الكبير العدد والقوي التسليح والكبير الثقة بالذات والقوي العزيمة وصاحب الخبرة في إلحاق الهزيمة بالجيش الاسرائيلي أو بمنعه من تحقيق الأهداف السياسية والعسكرية لحكومته، لن يقف مكتوفاً حيال العدوان. وانما سيستعمل كل أسلحته وفي مقدمها ترسانته الصاروخية ضد أهداف عسكرية ومدنية اسرائيلية. كما انه لا بد ان يستهدف بناها التحتية. ومن شأن ذلك ان يدفع نحو مليون اسرائيلي، استناداً الى احصاءات واستطلاعات اميركية واسرائيلية، إما الى النزوح عن "مواطنهم" وإما الى النزول الى الملاجئ. والشعور الذي يكوّنه ذلك معروف، هو الخوف، وهو الاحباط جراء فقدان الثقة المفرطة بالنفس والقدرة العسكرية والقلق على المستقبل باعتبار ان الانتصارات لم تعد مؤكدة كما ان الانكسارات لم تعد مستبعدة رغم استبعاد تأثيرها على "الكيان الأصلي" لدولة اسرائيل. أما المجال الثاني، فهو حجم الخسائر البشرية، الذي تقدره الاحصاءات أو الاستطلاعات المشار اليها بنحو عشرة آلاف اسرائيلي بين مدني وعسكري. علماً ان هذا الحجم قد يتضاعف اذا كانت الحرب الاسرائيلية شاملة، أي براً وبحراً وجواً وبكل أنواع الأسلحة، ذلك ان الحزب الذي يمتلك جيشاً "عصاباتياً – نظامياً" في آن واحد سيخوض حرباً يبرع فيها، هي حرب العصابات في الداخل اللبناني والحرب النظامية باطلاقه الصواريخ على مدن اسرائيل وقراها. ويبدو أن هذا الحجم من الخسائر البشرية بحدّيه الأدنى والاقصى لا يزال غير مقبول من الاسرائيليين على تناقض انتماءاتهم ومشاعرهم حيال "الحزب" والفلسطينيين ولبنان والعرب والمسلمين عموماً. اما السبب الثاني لعجز اسرائيل عن اتخاذ قرار بحرب، الآن أو في مستقبل قريب فيعود، ودائماً استناداً الى المعلومات المشار اليها اعلاه، الى اقتناع اميركا بأن حرب اسرائيل على لبنان كما توجيهها ضربة عسكرية الى ايران سيكونان، منفردين أو مجتمعين، مؤذيين لأميركا ولمصالحها في العالم ولا سيما في الشرق الأوسط والعالمين العربي والاسلامي.

وفي هذا المجال يشرح باحثون ومتابعون في وقت واحد للأوضاع في المنطقة والعلاقة الاسرائيلية – الاميركية فيقولون ان اميركا تعتبر ان توازن القوى غرباً، اي بين اسرائيل والدول المحيطة بها (غالبيتها معادية لها) لا يزال مستقراً وإن نسبياً، وانها تصر على ان يبقى كذلك، وخصوصاً بعدما تزعزع استقرار توازن القوى في الوسط، أي بين العراق وايران، وبعدما تزايد احتمال تهديد استقرار توازن القوى شرقاً، اي بين الهند وباكستان جراء حرب افغانستان والمشكلات المزمنة بينهما، بل العداء المزمن. وهذا يعني ان اميركا التي تعتبر اسرائيل مفيدة جداً لها أو من أصولها الثمينة والقيمة (ASSET) لا تريدها ان تزيد مصاعبها المتنامية في المنطقة. ولا تريد في الوقت نفسه أن يزول التوازن بينها وبين العرب فتصبح هي القوة المهيمنة الوحيدة، أو يصبح العرب قوة كهذه، لأن ذلك لا بد من ان يهدد مصالحها الحيوية والاستراتيجية. طبعاً تعرف اميركا أن المساعدة التي تستطيع ان تقدمها إسرائيل لها في مناطق التوازنين الوسطى والشرقية ضئيلة جداً، لكن مساعدة اسرائيل لها في منطقة التوازن غرباً، من خلال ابقائها مستقرة وإن في الحد الأدنى، مطلوبة ومرحب بها. ذلك ان الإحجام عنها بواسطة إغراق المنطقة في حرب أو حروب وخصوصاً اذا رافقها تدهور في اوضاع مصر وحتى في اوضاع الاردن لا بد من ان يؤثر على منطقتي التوازن الأخريين. ولا بد من ان يؤثر سلباً على اميركا وخصوصاً انها الآن في مرحلة الاستخدام الاقصى لقوتها المتنوعة. وفي اختصار ما تريده اميركا من اسرائيل الآن هو شيء واحد: عدم جعل مهمتها في مناطق التوازن الثلاث المسماة اعلاه اصعب مما هي عليه حالياً.

هل تستجيب اسرائيل لهذا الموقف الاميركي؟ وهل تَراجُع احتمالات حرب اسرائيل على لبنان نهائي؟

=====================

المشهد المقدسي في ذكرى النكبة

بقلم :نواف الزرو

البيان

24-5-2010

بلا تهويل.. هناك نكبة تقترف في المدينة المقدسة، فأحوالها اليوم، بعد اثنين وستين عاما على النكبة وثلاثة واربعين عاما على احتلالها عام 1967، لا تبعث على التفاؤل أبدا، بل إنها ربما لا تبقي لدينا شيئا من التفاؤل، إذا لم يتحرك العرب بمنتهى الجدية والمسؤولية لإنقاذها.

 

أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى، يعلن أن «مدينة القدس تحظى بأولوية واهتمام بالغ في عمل الجامعة وتحركاتها على مختلف الصعد»، و«القدس في وجداننا، ولن نتركها لقمة سائغة في فم إسرائيل، ولن تترك أبدا مهما كانت الظروف».

 

غير أن التصريحات والتهديدات إن كانت بلا رصيد فعلي حقيقي، فهي إنما تعمق حالة اليأس والإحباط و«فك الارتباط» العربي عن القدس.

 

لن نترك القدس لقمة سائغة في فم اسرائيل، غير أن المعطيات والتطورات الدراماتيكية على أرض القدس، تشير إلى أن العرب فعلا يتركونها لقمة سائغة في فم وحش الاحتلال.

 

فالمستوطنون الصهاينة يتحركون هناك بمناسبة ما يسمونه «يوم القدس»، أي يوم احتلالها عام 67، ويسيطرون ويسيرون المسيرات بأعلامهم في قلب شوارع القدس، ويجمعون على إبقائها «مدينة موحدة تحت السيادة الإسرائيلية إلى الأبد»، بل إنهم لا يتوقفون لحظة عن تحويل حلمهم وتصريحاتهم إلى واقع ملموس، ينسف مع الزمن أي احتمال لانسحابهم منها عبر المفاوضات المترنحة.

 

والمشهد المقدسي في «يوم القدس» لديهم يحكي لنا الكثير الكثير. فقد سارع العديد من قياداتهم السياسية والدينية، للتأكيد من جديد أن «القدس ستبقى موحدة، وأنها خارج إطار تجميد الاستيطان، وان إجراءات هدم المنازل العربية غير المرخصة في شرقيها، ستبدأ خلال الايام القليلة القادمة».

 

ففي كلمته في الذكرى ال43 لاحتلال القدس الشرقية، أعلن رئيس وزرائهم نتنياهو إصراره على مواصلة البناء الاستيطاني في الشطر العربي من المدينة المقدسة، زاعما في خطاب ألقاه من على «تلة الذخائر» في حي الشيخ جراح.

 

التي شهدت معارك شرسة في يونيو 1967 قبيل احتلال القدس، أن «الروابط القائمة بين الشعب اليهودي والقدس أقوى من أي روابط تقيمها شعوب أخرى بهذه المدينة.

 

وقد صمدت على مدى آلاف السنين»، مستندا إلى مزاعم مزيفة بشأن المدينة المقدسة ينسبها إلى التوراة، قائلا: «ان القدس واسمها العبري البديل «صهيون» وردت 850 مرة في العهد القديم أو التوراة، أما بالنسبة لعدد المرات التي وردت فيها القدس في الكتب المقدسة للأديان الأخرى أوصيكم بأن تراجعوا هذا».

 

مضيفا: «إن القدس ذكرت 142 مرة في العهد الجديد، ولم يرد في القرآن اسم واحد من بين 16 اسما عربيا للقدس»، مؤكدا: «لن نتنازل عن البناء في القدس حشاشة قلبنا»...

 

أما وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، فقال «إن الحياة الطبيعية ستستمر في القدس مثلها مثل أي مدينة أخرى في إسرائيل». كما أكد رئيس بلدية القدس نير باركات أن «الحدود الإدارية للقدس غير قابلة للتفاوض، وأعمال البناء يجب أن تستمر في مجمل أنحاء المدينة، تحت سيادة إسرائيل».

 

واعتبر السماح «لحضور فلسطيني» في القدس بمثابة إدخال «حصان طروادة» إلى «قلب السيادة اليهودية»، وأن أكثر ما يسمح به للفلسطينيين في القدس هو افتتاح سفارة لهم!

 

ومن جانبه قال شمعون بيريز «إن المدينة تحمل راية الأفكار اليهودية السامية والخالدة»، وانها «تعود رويداً رويداً إلى أيام عزّها التاريخية منذ هدم أسوار التقسيم، وهي تتطور وتنمو بصفة مدينة كبيرة ومتنوعة ومفعمة بالحياة». بينما يقول الوزير الليكودي الجنرال موشيه يعلون إن جميع الأحاديث عن تقسيم القدس هي «كالغبار المتطاير والحلم العابر».

 

أما رئيس الكنيست رؤوفن ريفلين، فيؤكد أنه «لن تكون هناك أي مفاوضات بشأن مدينة القدس، في أي مفاوضات قادمة بين سلطة «فتح» في الضفة الغربية والحكومة الاسرائيلية الحالية»، مضيفا: «سيتعين على العالم في نهاية الأمر التسليم بأنه لن تكون هناك مفاوضات حول القدس»، معتبراً أن «كل من يضع القدس على طاولة المفاوضات؛ يطعن في حق إسرائيل في الوجود وفي قيمها»!

 

ومن التصريحات إلى التطبيقات على الارض، فالأحداث والتطورات متسارعة على نحو تصعب متابعته ورصده، ولكن من أخطر عناوين المشهد المقدسي: «عبرنة أسماء أكثر من سبعة آلاف موقع فلسطيني في القدس/ الباحث هايل صندوقة».

 

و«هدم 24 ألف منزل مقدسي منذ 67»، و«سحب الإقامة من 4901 مقدسي خلال عامين..»، و«إسرائيل تغرق القدس ب218 كنيساً 70 منها داخل البلدة القديمة..»، إضافة إلى الكشف عن «مخطط لبناء حوالي 200 ألف وحدة سكنية يهودية في القدس الشرقية ومحيطها».

 

تضاف إلى كل ذلك معطيات لا حصر لها، تتعلق بانتهاكات الاحتلال للاماكن المقدسة وحرية العبادة، وكذلك إجراءات تضييق الخناق على المقدسيين، اقتصاديا وتعليميا واجتماعيا، بغية إجبارهم على الرحيل.

 

وهكذا، كما نتابع، فهناك إجماع أيديولوجي ديني وسياسي واستراتيجي، بين السياسيين والحاخامات اليهود، يضاف إليهم الأكاديميون والإعلاميون وغيرهم، على أن «القدس عاصمة إسرائيل إلى الأبد» وعلى أنه «لا بد من هدم الأقصى وبناء الهيكل مكانه»، الأمر الذي يترجم إلى تنظيمات تعمل، وإلى مخططات واستراتيجيات مبيتة تنفذ، كلها تهدف إلى تحقيق الحلم الصهيوني في القدس.

 

المدينة المقدسة تتعرض لأوسع وأخطر حملات المصادرات والتفريغ والتهويد، كما يتعرض الحرم القدسي الشريف، بأقصاه وقبته، إلى أشد التهديدات الحقيقية التي تنذر بمحوه عن وجه الأرض، إذا لم يتحرك العرب والمسلمون والمجتمع الدولي لإحباط مخططات وحملات الاحتلال التهويدية، التي قد تختطف القدس إلى الأبد.

كاتب فلسطيني

nawafzaru@yahoo.com

=====================

الإيديولوجيا فكرة شرعية

آخر تحديث:الاثنين ,24/05/2010

عبد الاله بلقزيز

الخليج

حين يعبّر أحد عن موقف سياسي: قومي، يساري، إسلامي، ليبرالي . . إلخ، يقال على الفور باسم المعرفة والتحليل الموضوعي إنه موقف إيديولوجي . والحق أن الوصف دقيق، لكنه لا يعيب صاحب الموقف ولا يقلل من شأن موقفه كما قد يظن، ذلك أن الإيديولوجيا السياسية شكل من الوعي الإنساني والتاريخي مشروع، ومن الخطأ وسوء التقدير اعتبارها دائماً وعياً مغلوطاً . ومشروعيتها متأتاة من كونها تعبر عن مصلحة موضوعية لجماعة اجتماعية (أمة، شعب، طبقة، فئة، نخبة . .) في مرحلة من تاريخها، أما حين يدعي من يدعي أنه سيفكر في مسألة اجتماعية أو سياسية أو وطنية ب “حياد علمي” وتجرّد “كامل” عن الأهواء والمنازع، فإنه لا يفعل أكثر من ممارسة تفكير إيديولوجي صريح باسم العلم، وحيلته حينها لا تنطلي على التحليل النقدي .

 

الإيديولوجيا مشروعة في حدودها المشروعة، ولولا ذلك ما كان نضال المفكرين والعلماء من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان والبيئة وحقوق المرأة مشروعاً في عالم اليوم، ولا كان نضال أسلافهم قبل قرنين ضد الملكيات المطلقة وحكم رجال الدين، ومن أجل التوحيد القومي مشروعاً . كانوا علماء، وفلاسفة، ورجال قانون، ومفكرين اجتماعيين أو اقتصاديين، ولم يكن نضالهم من أجل تلك الأهداف فعلاً معرفياً، بل نضال سياسي إيديولوجي سخّر المعرفة لذلك الغرض .

 

سيظل أمراً إشكالياً، إذن، هذا التجاذب في فكر المرء (الباحث أو المثقف) بين نشدان المعرفة الموضوعية وبين التزام موقف الإيديولوجي في مسألة اجتماعية أو سياسية . والتجاذب هذا ليس تناقضاً بين خيارين أو طريقتين في التفكير، وليس دليل نقص في حاسة المعرفة لديه، وإنما هو ظاهرة “طبيعية” بالنظر إلى حقيقتين متداخلتين:

 

* أولاهما ترتبط بمعضلة موضوعية المعرفة في مجال الإنسانيات، حيث التداخل شديد بين الذات والموضوع، وحيث الموضوع فيها هو عينه الذات، وهذه مشكلة مزمنة في العلوم الإنسانية عيشت منذ ما يزيد على قرن، وقرَّ عند الباحثين أن الموضوعية في معارفها نسبية مهما بلغت من سؤدد ورصانة .

 

* ثانيتهما أن الإيديولوجي ليس قرين نمط من المعرفة فحسب ينظر إليه عادة بوصفه غير موضوعي بل هو، أيضاً، قرين ما هو اجتماعي، ولذلك فهو حامل لمبدأ لا يقل مشروعية عن مبدأ الموضوعية، هو مبدأ المصلحة .

 

التجاذب طبيعي، إذن، بين الموضوعية والمصلحة، أما اختصاره في القول بحاكمية الإيديولوجيا للتفكير الناحي منحى نشدان مبدأ ما، فلا معنى له ولا قيمة إلا داخل نزعة من الفكر علموية تريد بسط سلطان العلم على كل شيء إنساني واجتماعي لا يتحمل تنزيل قوانين المادة والطبيعة عليه، وهو ما كانت النزعة الوضعية قد دشنته منذ القرن التاسع عشر وانتعش التعبير عنه، في أعلى صوره النظرية، في أطروحات ألتوسير حول الإيديولوجيا والعلم بمناسبة قراءته لفكر ماركس .

 

هل نذهب بهذا الكلام، إذن، إلى التسويغ للتفكير الإيديولوجي والتماس المشروعية له؟

 

ليس هذا قصدنا، إنما أردنا به التشديد على ما نحسبه قواعد لا محيد عن اعتمادها لفهم ظواهر في الاجتماع غير معرفية، أي ظواهر سياسية أو اجتماعية مثل ظاهرة الانحياز إلى فكر إيديولوجية سياسية مثل الفكرة القومية أو الديمقراطية أو فكرة الثورة، على أن بيت القصيد في المسألة أن التزام فكرة ما من هذا النوع درجات بالنسبة إلى فئة المثقفين . ما يجوز للناس “العاديين” من علاقة بقضية مثل الثورة الاجتماعية أو الديمقراطية أو الوحدة العربية، لا يجوز للمثقفين . يكفي الأولين أن يؤمنوا بالقضايا تلك ويخلصوا العمل من أجلها في الحياة العامة، أو في الأطر المؤسسية المكرسة لها من أحزاب ومنظمات وجمعيات . أما المثقفون فلا يجوز لهم أن يكتفوا من تلك العلاقة بهذا الحد العام المتواضع، ينبغي لهم أن يقيموا وعيهم بها على أساس علمي صحيح كي يزيدوا من منسوب الشرعية الاجتماعية لتلك القضايا . وإذا كان الأولون غير مطالبين بتأسيس الالتزام على غير الإيمان بالفكرة، إيماناً عاماً، أو التماس المصلحة العامة فيها، فإن الأخيرين مدعوون إلى أكثر من ذلك بكثير، وإلا ما كان لرأسمالهم المعرفي فائدة في المجتمع والحياة العامة .

 

ليس من مسألة إيديولوجية أشد إيديولوجية من السياسة لأنها وطيدة الصلة بالمصالح الاجتماعية، غير أنه ما كل صلة بالسياسة صلة إيديولوجية على وجه الضرورة . إن كان أمرها كذلك عند من يخوض فيها من موقع الممارسة (السياسي)، فهي لا تكون كذلك في حالة من يتخذها موضوعاً للتفكير العلمي أو في حالة من يقصد إلى تأسيسها على القواعد النظرية . ولقد كان في تاريخ الإنسانية هذان النوعان من العلاقة بالسياسة: علاقة إيديولوجية جسدتها الممارسة والممارسون السياسيون والمفكرون في السياسة تفكيراً إيديولوجياً، وعلاقة نظرية، فكرية، علمية، جسدها المفكرون من فلاسفة السياسة وعلمائها . ولذلك من الخفّة وقصر النظر حسبان ما هو إيديولوجي بعيداً دائماً عن ضفاف الفكر .

 

يصدق الأمر على الفكرة القومية، هذه أيضاً فكرة إيديولوجية شديدة الاتصال بالمصلحة (مصلحة جماعة قومية في الوحدة)، يعيشها السياسيون والممارسون على نحو يطابق حاجات الممارسة، فيطغى على خطابهم المنزع الخطابي والتبشيري والشعبوي، ويعيشها المفكرون على نحو مختلف بما هي فكرة قابلة للتأسيس النظري المنظومي والنظرة العلمية والتاريخية . قد لا يكون الأولون (الممارسون) بعيدين تماماً عن الفكر، لكنهم لا يمارسون فعاليته في بيئة الممارسة . وقد لا يكون الثانون (المفكرون) بعيدين تماماً عن الممارسة، لكنهم يقيمون الفارق الضروري والموضوعي بينهما حتى لا تختلط الحدود .

=====================

إفريقيا الفرنسية بعد 50 عاماً

آخر تحديث:الاثنين ,24/05/2010

سانو مباي

الخليج

في هذا الشهر تحتفل البلدان الناطقة بالفرنسية في إفريقيا بالذكرى الخمسين لاستقلالها، كما تحتفل بالعلاقات التي حافظت عليها مع فرنسا منذ استقلالها، ولكن هل يستحق الأمر الاحتفال حقاً؟

 

حتى قبل أن يتولى الرئيس الفرنسي شارل ديجول مقاليد الحكم في عام ،1958 توقع نشوء موجة من القومية الثورية التي سرعان ما تجتاح إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط . وبوصفه رئيساً لفرنسا فقد سعى إلى اتقاء هذا المد العارم فاقترح على الزعماء الوطنيين في المستعمرات الفرنسية في إفريقيا التسوية عن طريق التفاوض على الاستقلال .

 

ولكي يقبل هؤلاء الزعماء عرض ديجول كان عليهم أن يتفقوا، من بين أمور أخرى، على السماح بتمركز القوات الفرنسية على أراضي بلدانهم، وتزويد فرنسا بمدد ثابت من المواد الخام بأسعار محددة سلفاً، وقبول جميع ديون الحقبة الاستعمارية المستحقة لفرنسا بلا نقاش، والحفاظ على الفرنك الإفريقي كعملة مشتركة، ومنح الخزانة الفرنسية حق النقض في ما يتصل بالقرارات التي تتخذها البنوك المركزية دون الإقليمية في بلدانهم . ولقد نجح ديجول في فرض أغلب طلباته، فمنح تلك البلدان الاستقلال .

 

ومنذ ذلك الحين ظلت إفريقيا الفرانكفونية (الناطقة بالفرنسية) تدفع ثمن استقلالها . ولقد تدخلت القوات الفرنسية على نحو متكرر في تشاد والجابون وزائير وإفريقيا الوسطى وتوجو وكوت ديفوار بهدف دعم وحماية حكام فاسدين ومستبدين وغير أكفاء، والإطاحة بزعماء متمردين أو قمع الاضطرابات المدنية . وحتى الآن لم تكفر فرنسا عن دورها في تمكين عملية الإبادة العرقية التي شهدتها رواندا في عام 1994 .

 

ثم تفاقمت الصعوبات الاقتصادية التي تلت ذلك في عهد الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، الذي انتهج رئيس وزرائه بيير بيريجوفوي سياسة الفرنك الفرنسي القوي - وهي السياسة التي أدت في النهاية إلى خفض قيمة فرنك غرب إفريقيا بنسبة هائلة بلغت 100% في عام 1994 . وكان ارتفاع قيمة اليورو في مقابل الدولار منذ عام 2002 وحتى وقت قريب يعني أن التحول في ربط سعر صرف فرنك غرب إفريقيا من الفرنك الفرنسي إلى اليورو كان سبباً في تكرار نفس السيناريو . وبما أن الدولار الأمريكي يهيمن على القسم الأعظم من صادرات هذه البلدان، إلى جانب تقييم وارداتها أساساً باليورو، فقد تسبب هذا في نشوء عجز بنيوي مزمن أدى إلى تخريب الاقتصاد في بلدان منطقة الفرنك، وبمرور كل يوم تتزايد احتمالات خفض قيمة العملة التي باتت تلوح في الأفق للمرة الثانية .

 

والأمر الأشد ترويعاً هو أن فرنسا أعلنت عن ضمانها تحويل الفرنك الإفريقي إلى العملات الصعبة، شريطة أن تسلم بلدان منطقة الفرنك الخمسة عشر 100% من احتياطياتها الأجنبية للخزانة الفرنسية . ثم تم تخفيض النسبة إلى 65% ثم إلى 50% في عام ،2005 ولكن فرنسا ما زالت تخصم حصتها مباشرة من عائدات تصدير هذه البلدان .

 

إن العلاقة غير المتوازنة بين فرنسا ومستعمراتها السابقة في إفريقيا من شأنها أن تخرب الثقة إذا تغاضينا عن الحالة النفسية التي كان عليها “محررو” إفريقيا قبل خمسين عاماً . فكان أول رؤساء السنغال، ليوبولد سيدار سنجور، من أقوى المؤمنين بتفوق الجنس الأبيض، حتى أنه كتب ذات يوم: “العقل إغريقي، والعاطفة زنجية” . وكان ليون مبا، أول رؤساء الجابون، من أشد أنصار فرنسا، حتى أنه ترك ثروته الشخصية بعد وفاته لفرنسا من أجل تمويل بناء مستشفى في باريس .

 

وعلى نحو مماثل، اخترع مؤسس كوت ديفوار، فيلكس هوفويت بوانيي، تعبير “إفريقيا الفرنسية” من أجل التأكيد على الارتباط بين فرنسا ومستعمراتها السابقة . ولقد ذهب هوفويت بوانيي في دعمه للسياسات الفرنسية في إفريقيا إلى الحد الذي قاده إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وتحويل بلاده إلى طريق لعبور الإمدادات للانفصاليين في بيافرا .

إن الوضع الراهن على الصعيدين الاقتصادي والنفسي يضمن بقاء التحرر الحقيقي لبلدان إفريقيا الفرنسية أملاً بعيد المنال رغم مرور خمسين عاماً منذ الاستقلال . وإن كان هناك ما يستحق أن نحتفل به فهو أن ميزان القوى الاقتصادية العالمية يتحول الآن نحو البلدان الناشئة، وأن الجيل الجديد الذي نشأ في عالم تحكمه العولمة بات الآن مستعداً لتولي زمام القيادة .

رجل اقتصاد سنغالي، وعضو سابق بفريق الإدارة العليا لبنك التنمية الإفريقي، والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت”.

=====================

العرب والإستعداد لحروب المياه

الإثنين, 24 مايو 2010

عرفان نظام الدين *

الحياة

طغت الأحداث السياسية والأمنية في كل مناحي الحياة العربية خلال الفترة الماضية على كل ما عداها حتى كاد العرب ينسون المشاكل الحياتية اليومية الملحّة والقضايا المصيرية التي تهدد لقمة عيشهم ومستقبل أطفالهم ومصير الأمة ككل. ومع عدم إنكار ما جرى ويجري من خلافات وصراعات وأحداث دامية على الحاضر والمستقبل ووحدة البلاد ومصير العباد، إلا أن هناك قضايا لا يمكن إغفالها مثل الأمن الغذائي والأمن المائي إضافة الى قضايا الأمية والبطالة والفقر والأمراض المستشرية والبيئة المهددة والتصحر ومناهج التعليم والمخدرات والعنف العائلي والأخلاقي ومشاكل الشباب والفراغ والتطرف والإرهاب.

كل هذه القضايا الشائكة هي بمثابة حروب أخرى تضاف إلى الحروب والمعارك الداخلية والإقليمية والأطماع الدولية وحروب اسرائيل العسكرية والسياسية ضد العرب ضمن معادلة أن الحروب تحمل في طياتها بذور حروب وأزمات تجر إليها مثل الفقر ونقص المواد الغذائية وشح المياه، وأن هذه القضايا ستؤدي حتماً الى نشوب حروب أخرى قد تكون أشد إيلاماً وضراوة وتدميراً مما يتطلب منا الاستعداد لها مثلها مثل أي حرب أخرى... ولكن من يفعل ذلك؟

فالأمن الغذائي العربي يأتي في مقدم القضايا الملحّة المطلوب معالجتها على كل الصعد وبسرعة قصوى قبل أن يتفاقم الأمر وتخرج الأزمة من يد أصحاب القرار وتتحول إلى مشاكل مزمنة وتفجيرات اجتماعية وأمنية واقتصادية، فالفقر كافر والجوع صاعق تفجير قد ينفجر في أية لحظة وسط توقعات دولية متشائمة تتحدث عن نقص فادح في الحد الأدنى من الأغذية الضرورية للبشر، ولا سيما في "الدول الفقيرة وتلك المصنفة تحت تسمية دول العالم الثالث".

إلا أن الأمر الملحّ الآخر هو أزمة المياه العالمية، والتي تزداد حدة وخطراً في منطقة الشرق الأوسط والدول العربية بالذات من محيطها إلى خليجها، وهي ترتبط في شكل مباشر بأزمة الأمن الغذائي لأن الله عزّ وجلّ جعل من الماء كل شيء حي... والزراعة لا تزدهر إلا بتوافر المياه، والإنسان لا يعيش إلا بشربة ماء تروي عطشه، والعلاج لا يكتمل إلا بغسل أدران المرض ومضاعفاته.

وخلال الأشهر القليلة الماضية تابعنا الدراسات والتقارير الدولية والعربية المتخصصة بهذه القضية المصيرية وقرأنا فيها تباشير أخطار كبرى تحذر من نقص فادح في المياه العربية وتتحدث عن أطماع الدول الإقليمية المعنية بهذه المياه وصولاً إلى التحذير في شكل أكيد وبعيداً من المبالغة من أن حروب المنطقة في العقود المقبلة ستكون حروب المياه بلا منازع، من دون إغفال الحروب الأخرى المعدّة والمرسومة والفتن الطائفية والمذهبية والعرقية التي تجرى محاولات محمومة لصب الزيت على نيرانها البغيضة بين الآونة والأخرى.

فبالإضافة إلى العوامل البيئية الناجمة عن التصحر واستخدام المواد المضرة وحرائق الغابات وقطع الأشجار وتشويه الطبيعة ونقص الرعاية والحماية والتوعية الصحيحة لدى المسؤولين والمواطنين على حد سواء، تبرز في الأفق ملامح أزمات ناجمة عن أطماع "الجيران" بالمياه العربية وخروج تداعياتها من السر إلى العلن.

ففي العراق وسورية هناك معاناة حقيقية من نقص المياه وشحّها في أحيان كثيرة، نتيجة للعوامل الطبيعية أولاً ثم استغلال تركيا للمياه في السدود الكثيرة التي أقامتها على مجرى نهري الفرات ودجلة وعدم الالتزام باتفاقات الحصص المنجزة في إطار القوانين الدولية والاتفاقات الثنائية والاتفاق الموحد بين الدول المطلة على النهرين الكبيرين. ونسمع كل يوم عن شكوى في العراق المريض الذي تتنازعه الملمّات والصراعات وآثار الاحتلال الأميركي من جفاف يصيب معظم المناطق ولا سيما في الجنوب ومنطقتي الأهوار وشط العرب، مما سيؤدي حتماً إلى ضرب الثروة المائية والحيوانية والقضاء على الثروة الزراعية وبالتالي تهديد الأمن الغذائي والمائي والتسبب بهجرة مئات الآلاف ونزوح أهالي المناطق المتضررة إلى أماكن قد لا تفتح أمامهم، مع ما يحمل ذلك من أخطار على العراقيين ويتسبب بزيادة حالات الفقر والمجاعة والمرض والأمية والموت. وفي سورية قد تبدو الأزمة أقل خطورة نظراً الى العلاقة المميزة التي تربطها مع تركيا، إضافة إلى اعتمادها على مصادر أخرى للمياه في الوسط والجنوب، لكن الجانب التركي لم يستجب النداءات ويفتح "صنابير" المياه لتروي السهول والوديان السورية، بل بقي على موقفه المتعنت وواصل بناء السدود واستغلال المياه حتى آخر نقطة بحيث لا يصل إلى سورية والعراق سوى الحد الأدنى من الحصص القانونية المتفق عليها من دون الأخذ في الاعتبار نضوب مياه الأمطار وتغير الأحوال الجوية، إضافة إلى تزايد الحاجة الى المياه نظراً لازدياد عدد السكان في شكل هائل.

أما الوضع في المقلب العربي الآخر، أي في مصر والسودان فحدّث عنه ولا حرج على رغم الحرص على عدم تأزيم الأمور ومحاولة حل الخلاف مع دول حوض النيل بالحوار والمفاوضات والإقناع. فقد حملت المؤشرات أخيراً نذر مشاكل كثيرة تسببت بتقليص حصص البلدين من مياه النهر العظيم، من بينها تعنت الدول الإفريقية المطلة عليه وتخطيطها لاستغلال المياه وإقامة السدود وتخفيض حصص الدولتين العربيتين، والضغوط الدولية والأصابع الصهيونية المحرضة على الإقدام على مثل هذه الخطوة القاتلة، إضافة الى حروب المنطقة ولا سيما في السودان المعرّض لخطر التقسيم واستقلال الجنوب في حال الموافقة على هذا الأمر في الاستفتاء العام المقرر إجراؤه هذا العام.

وقد صدرت صيحات تحذير من مصر أخيراً وصلت إلى حد اعتبار أي إجحاف بحقها في مياه نهر النيل بمثابة إعلان حرب لأن المياه تعتبر بمثابة خط أحمر يعني تجاوزه حتماً تهديد الأمن القومي المصري. والمفاوضات مستمرة من دون نتيجة، بل إن مؤتمر دول حوض النيل الذي عقد الشهر الماضي فشل في التوصل إلى حل وسط نتيجة الخلاف على الحصص والنسب والمخططات المرسومة والتي زادت من حدة آثارها المتغيرات البيئية وشح مياه الأمطار وسوء الاستغلال وتلوث المياه وانعدام وسائل الحماية ومنع استخدام المواد السامة والضارة.

ويبقى الأمر الأهم والأخطر وهو المطامع الاسرائيلية الدائمة بالمياه العربية مع الاشارة إلى أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي ترفض تحديد حدودها ويرمز علمها الى خطين أزرقين تتوسطهما نجمة داوود يمثلان النيل والفرات، وهو شعار الدولة الصهيونية المرفوع على المنصة الرئيسة للكنيست (البرلمان) وترجمته:"دولتك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل".

وندعو الله أن يتنبه العرب إلى هذا الأمر وألا يستخفوا بما يحمله هذا الشعار من أخطار مستقبلية ويحبطوا أي مخطط يؤدي إلى تحويله إلى واقع يضاف إلى الواقع الحالي القائم على استغلال المياه العربية في الضفة الغربية بحيث لا تسمح اسرائيل إلا بالنذر القليل من حق الشعب الفلسطيني، إضافة إلى استغلال المياه السورية واللبنانية والأردنية الغنية، وتمنع قيام مشاريع وطنية وعربية لاستغلالها في التنمية والزراعة وتأمين مياه الشفة لأصحاب الحق المحرومين من حقوقهم نتيجة للاحتلال الغاشم والضغوط والتهديدات الاسرائيلية والتدخلات الدولية لينطبق على العرب (ولا سيما في بلاد الشام) الذين يعانون من العطش وندرة المياه قول الشاعر:

"كالعيش في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول".

هذه المطامع الصهيونية يجب على العرب مجابهتها والتنبيه الى مخاطرها لأن معظم أسباب رفض العدو مبادرات السلام والقرارات الملزمة له بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة تعود إلى مطامعه في المياه، بل إن أحد أبرز أسباب التأزم المستمر مع لبنان يكمن في مطامع العدو في مياه أنهاره: الليطاني والحاصباني والوزاني، كما أن منطقة مزارع شبعا وجبل الشيخ والجولان تتجمع فيها مياه الأنهار لتصب في فلسطين المحتلة، وتستغلها إسرائيل أبشع استغلال مما أدى إلى جفاف بحيرات مثل الحولة وغيرها ونضوب مياه بحيرة طبريا وانخفاض مستوى مياه البحر الميت والقضاء على الثروة السمكية إضافة الى التلوث الذي يتسبب به سوء الاستغلال الإسرائيلي للمياه العربية.

هذه النظرة المجملة لأزمة المياه في العالم العربي تستدعي تحركاً سريعاً لمعالجة الوضع قبل مواجهة المصير المحتوم وهو أزمة مياه كبرى تنتج منها زلازل وحروب ومشاكل اقتصادية واجتماعية وإنسانية ولو استدعى الأمر عقد قمة استثنائية تخصص لأزمة المياه وأزمة التصحر التي تعاني منها الدول العربية حيث وصل سعر قارورة المياه الى ضعف سعر قارورة النفط، أي أن المياه كانت وستكون أكثر أهمية وحيوية من النفط الذي نعتني به كأحد الروافد الرئيسة للثروات العربية.

والعلاج في يد اصحاب الاختصاص والخبرة، ولكن واجبنا كإعلاميين يقضي بأن ندق نواقيس الخطر ونطلق صفارات الإنذار ونساهم في عملية التوعية والتوجيه الصحيح والتحذير من الإهمال والهدر وسوء الاستخدام وطرح الحلول الناجحة والوسائل الضرورية لمحاصرة الأزمة، أو على الأقل حصر أضرارها والتخفيف من انعكاساتها على المواطن المغلوب على أمره والذي ينوء بأحمال تكاليف الحياة وأثمان لقمة العيش.

فمسؤولية الحكومات والجهات المعنية تقضي بالمسارعة الى اقتراح المشاريع الخلاقة من بناء السدود الكبيرة والصغيرة للحد من هدر المياه وضياع مياه الأمطار والثلوج الذائبة، والبحث عن مصادر أخرى للمياه وإقامة مشاريع مجدية لتحلية مياه البحر واستغلال مياه الصرف الصحي وسنّ قوانين تحاسب على هدر المياه وتعمل على تأمين التوزيع العادل على المواطنين والمزارعين ثم على حماية البيئة ومعاقبة كل من يقطع الأشجار أو يتسبب في حرائق وتأمين وسائل الإطفاء السريع والقيام بحملات تشجير دائمة. أما المواطن فهو مطالب بالمساهمة في أمر يتعلق بحياته ومصير أبنائه وأحفاده وهو ضمان عدم هدر المياه في الاستخدام المنزلي ووضع حد للترف الحاصل في المسابح والمبالغة في ري الحدائق وحتى في الاستخدام الشخصي ثم في البحث عن مصادر مياه دائمة مثل المياه المجمعة من المكيفات وهي تكفي وحدها لإعادة استخدامها في الحاجات المنزلية وغيرها. فكل قطرة مياه تذهب هدراً قد تسهم بموت طفل في المستقبل، وكل مبالغة في استخدام المياه قد تؤدي إلى أزمة عطش لا يجد فيها الإنسان نقطة ماء تروي عطشه.

والرسول (صلّى الله عليه وسلّم) عندما دعانا إلى التقشف في حديثه الشريف: "إخشوشنوا، فإن النعم لا تدوم"، كان يقصد به كل النعم وبينها نعمة الماء الذي جعل الله عز وجل منها "كل شيء حي"، فاخشوشنوا في المياه وفي كل النعم ولا تسرفوا لأن الله لا يحب المسرفين.

* كاتب عربي

=====================

مشكلة إيران في مكان آخر

المستقبل - الاثنين 24 أيار 2010

العدد 3661 - رأي و فكر - صفحة 20

خيرالله خيرالله

لا شك أن النظام في إيران ناور بشكل جيّد وحاول كسب بعض الوقت في سبيل تفادي مزيد من العقوبات الدولية بسبب برنامجه النووي الذي يجهل العالم الأهداف الحقيقية من وراء الإصرار عليه وعلى رفض الرقابة الدولية في الوقت نفسه. يبدو أن إيران، في ضوء الاتفاق الذي وقعته مع تركيا والبرازيل، باتت تمتلك خط دفاع عن مواقفها. لكن هذا الخط لا يبدو كافياً لتفادي العقوبات الجديدة بدليل أن الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في المجلس تسير في هذا الاتجاه. حتى الأمس القريب، كانت الصين مترددة في الذهاب بعيداً في فرض عقوبات جديدة. لكن موقف بيجينغ الداعم لطهران، بدأ مع الوقت يميل شيئاً فشيئاً نحو مزيد من التفهم للموقفين الأميركي والأوروبي... أما روسيا، فقد أظهرت أخيراً بعض الحماسة في اتجاه مسايرة الأوروبيين والأميركيين مع ميل الى دعم عقوبات جديدة وإن ضمن حدود معينة. عملياً، أوجدت إيران مبرراً كي يطرأ تغيير على الموقفين الروسي والصيني.

هل مشكلة إيران الحالية مع العالم ومع محيطها مرتبطة بالملف النووي وحده؟ يبدو أن طهران ترفض الاعتراف بأن الملف النووي يمثل جانباً من المشكلة فقط. يكفي أن المفاعل النووي الذي تبنيه إيران يقع في منطقة بوشهر القريبة من الضفة الأخرى من الخليج العربي، كي يشعر كل مواطن خليجي بالقلق، خصوصاً في الكويت. هناك مخاطر كبيرة لدى أهل الخليج من أي تسرب في مفاعل بوشهر أو أي عطل يؤدي الى تلويث البيئة في المنطقة. الكويت أقرب الى بوشهر من أي مدينة إيرانية أخرى. ليست الكويت وحدها مهددة. هناك إجماع على أن المفاعل الإيراني يشكل خطراً على المنطقة كلها في غياب الرقابة الدولية وفي غياب الشفافية التي تسمح بالتأكد من أن المفاعل مبني استناداً الى مواصفات معينة تأخذ في الاعتبار معايير السلامة المعتمدة دولياً.

ثمة جانب آخر من المشكلة تطرحه طريقة التعاطي الإيرانية مع الملف النووي. ليس ما يشير الى أن هناك رغبة واضحة في تفادي انتاج قنبلة نووية تستخدم رافعة لدعم السياسة الإيرانية في المنطقة. أقل ما يمكن قوله في هذا المجال إن السياسة الإيرانية المستندة الى الغموض تثير قلقاً كبيراً من المحيط الى الخليج نظراً الى اعتمادها على إثارة الغرائز المذهبية واستغلالها في مجال تحقيق أهداف سياسية. لن تؤدي القنبلة النووية الإيرانية الى سباق تسلح في المنطقة فحسب، بل ستثير في الوقت ذاته مخاوف لدى دول عدة تعرف تماماً أن القنبلة الإيرانية لن تستخدم ضد إسرائيل وإنما لتخويف العرب وإثبات عجزهم. إنها تتمة لعملية خطف القضية الفلسطينية والمزايدة على العرب والفلسطينيين أنفسهم عن طريق رفع شعارات من نوع إزالة إسرائيل من الوجود. لا يمكن لإيران أن تستخدم القنبلة ضد إسرائيل التي تمتلك ما بين مئتين وثلاثمئة رأس نووي. إيران لا تقاتل إلاّ بأجساد الآخرين، بأجساد اللبنانيين والفلسطينيين، على سبيل المثال وليس الحصر. أكثر من ذلك، يظلّ أخطر ما في القنبلة الإيرانية أنها ستثير سباق تسلح في المنطقة لا يمكن أن يستفيد منه أي طرف. هل يمكن أن تكون إيران دولة نووية وأن تقف كل من تركيا ومصر والسعودية مكتوفة؟

فشل الاتفاق الإيراني- التركي- البرازيلي، أقله الى الآن، في تأجيل المواجهة بين إيران من جهة والولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى وفي تأجيل حزمة جديدة من العقوبات يتبين كل يوم أن إيران غير قادرة على تحملها. ستبقى مشكلة إيران مع المنطقة والمجتمع الدولي تراوح مكانها في غياب الرغبة في التصرف كدولة عادية وليس كقوة اقليمية مهيمنة. لا يمكن للعرب أن يقبلوا بهيمنة إيرانية عليهم. لا يمكن للبناني، بغض النظر عن مذهبه، إلاّ أن يكتشف، عاجلاً أم آجلاً، أن اللعبة التي تمارسها إيران في بلاد الأرز تصب في مصلحة إسرائيل عبر جعلها تظهر في مظهر الدولة المهدَدة، في حين أن إسرائيل دولة تمارس، عبر إصرارها على احتلال الأرض، الإرهاب. ولا يمكن للفلسطيني إلاّ أن يدرك، في وقت ما، أن كل ما تشجع عليه إيران، أكان ذلك عبر دعم فوضى السلاح أو حركة "حماس" أو منظمات أخرى مفلسة سياسياً، إنما هو نشر البؤس واستمرار الانقسامات على الصعيد الفلسطيني. إن كل دولة من دول المنطقة تشعر بأنها مهددة من إيران التي تريد أن تكون شريكاً للولايات المتحدة في العراق واستغلال نفط العراق وأن تؤكد لكل الدول المسالمة في الخليج، وصولاً الى اليمن، أنها تمتلك مفتاح الاستقرار داخل هذه الدول...

سيأتي يوم تظهر فيه حدود الدهاء الإيراني. لم يسقط صدّام حسين لأنه تجرأ على تلك المغامرة المجنونة في الكويت صيف العام 1990 فحسب، بل سقط أيضاً وخصوصاً لأنه لم يفهم أن لا مجال للعب أدوار اقليمية تفوق حجم العراق...

لا مجال، طبعاً، للمقارنة بين غباء صدّام والقدرة الإيرانية على المناورة. هذا صحيح. لكن الصحيح أيضاً أن إيران لم تعد تعرف أين يجب أن تتوقف. توحي تصرفاتها الأخيرة، بما في ذلك طريقة ردها على الشيخ عبدالله بن زايد وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة بأنها لم تعرف أن هناك حدّاً لا بدّ من التوقف عنده وأن احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث لا يمكن تسميته بشيء آخر غير كلمة احتلال. لا وجود لاحتلال ظريف وآخر كريه. الاحتلال هو الاحتلال.

بكلام أوضح، لن يحل الاتفاق الأخير مع تركيا والبرازيل مشكلة إيران. مشكلة إيران في مكان آخر، بما في ذلك استخفافها بموقف المجتمع الدولي من برنامجها النووي. في النهاية، هل مسموح لدولة من دول المنطقة يعيش القسم الأكبر من شعبها تحت خط الفقر أن تمد يدها الى خارج حدودها الى ما لا نهاية...

=====================

أزمة الديون الأوروبية تنذر بعهد من التقشف

مايكل غيرسون

الشرق الاوسط

24-5-2010

بعد عقود من الرفاهية وسنوات من التبذير، تتطلع أوروبا المذعورة إلى قدوم سياسات التقشف، فأجبرت الدول المدينة المستاءة مثل اليونان وإسبانيا والبرتغال على زيادة الضرائب وخفض الإنفاق المضني الذي قوبل بالسخط من مواطنيها - ولم تكن تلك سوى البداية وفقط.

صب مواطنو هذه الدول الغاضبون جام غضبهم وأحيانا الحجارة على قوات الشرطة، فيما تساءل الدائنون المستاؤون، مثل ألمانيا، الذين قدموا خطط الإنقاذ، عن السبب في ربط أنفسهم (وقيمة عملاتهم) بمثل هذه الحكومات غير المسؤولة. أما من لا يبدون استياءهم فهم مذعورون، فعمدت بريطانيا - التي تبلغ نسبة العجز في ميزانيتها أعلى من اليونان - إلى تشكيل حكومة تحالف لا يجمعها من القواسم المشتركة سوى القليل، عدا عن التزام باستقرار الميزانية. وكان الهدف من الحفاظ على البرلمان الحالي على مدار السنوات الخمس القادمة طمأنة الدائنين والمصنعين بأن حكومة ديفيد كاميرون ستكون مستقرة بما يكفي لاتخاذ الخيارات المالية الصعبة.

كل أزمة مالية تلوح في الأفق تبدو وكأنها اختبار سياسي - اختبار لبعد النظر السياسي والقدرة على وضع النظم الكفيلة بالتعامل معها أو اختبار لإدارة الأزمة. وأميركا ليست استثناء في ذلك. ففي عام 2009 أنفقت الحكومة الفيدرالية 1.67 دولار لكل دولار تجمعه من الضرائب. وسوف تزيد مقترحات الميزانية التي وضعتها إدارة الرئيس أوباما من الدين العام على مدار العقد القادم، مما سيؤدي في النهاية إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع نسبة التضخم وجعل أميركا أكثر اعتمادا على كرم الدائنين.

هل استجابت قيادتنا السياسية لذلك؟ مؤخرا وجد الكونغرس 60 مليار دولار مدخرات لبرنامج قروض الطلاب الفيدرالي - أنفق غالبيتها على المشروعات التعليمية الأخرى، كما اقتطع مشروع إصلاح الرعاية الصحية أكثر من 350 مليار دولار من الإنفاق على الرعاية الصحية - وأنفقها جميعا وأكثر في استحقاقات صحية جديدة.

قد يمضي وقت طويل قبل أن يتحول التحدي الذي تواجهه بريطانيا إلى تحد مماثل لذلك الذي تواجهه اليونان. وتوشك أميركا هي الأخرى على الدخول في عهد من التقشف، الذي يتوقع أن يهيمن على المشهد السياسي على مدار العقد المقبل. وستشهد اللعبة الجديدة عددا قليلا من الرابحين وعددا أكبر من الخاسرين.

وإذا ما طبقت الحكومة الفيدرالية خفض الإنفاق بصورة أكثر جدية، فستضرب الموجة الأولى من التقشف الولايات وموظفي الدولة. فقد أدى ضخ أموال خطة التحفيز، التي أقرت العام الماضي، إلى التعتيم على الأوضاع المالية غير المستقرة للعديد من الولايات، لكن لن يكون هناك المزيد من خطط الإنقاذ.

هناك العديد من الولايات - مثل كاليفورنيا ونيويورك - تقف على حافة العجز عن سداد ديونها، ومن ثم ستقوم بإجراء تخفيضات كبيرة في الإنفاق عبر خفض معاشات وتعويضات الموظفين، مما يقود إلى معركة كبيرة بين الحكومات والحركة العمالية نظرا لأن غالبية عمال النقابات العمالية موظفون في القطاع العام. ويكون المحافظون الديمقراطيون في موقف يحسدون عليه لأنهم انتخبوا بدعم من النقابات العمالية.

ومن المتوقع أن يشكل السواد الأعظم من الخاسرين، نتيجة سياسات التقشف، أبناء الطبقة العاملة الذين يعيشون الأربعينات من العمر. لا يمكن أن تكون هناك انخفاضات كبيرة في الإنفاق الفيدرالي دون إصلاح الاستحقاق. فسيحتاج الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية في النهاية إلى التحول من استحقاقات الطبقة المتوسطة بسبب عصر الاستحقاقات التي منحت لأصحاب الدخول المنخفضة. وفي أي إصلاح للاستحقاق سيتم استثناء الأميركيين المتقاعدين أو من هم على وشك التقاعد، وسيكون أمام العديد من الشباب عقود للاستعداد لبنية استحقاق جديدة. وربما يعْلق الكثير ممن هم في وسط العمر أو الطبقة المتوسطة في المنتصف.

وربما يكون أكبرَ الخاسرين نتيجة لذلك مسؤولون سياسيون يأخذون تلك الحقائق بجدية. فلن تشبه التغييرات الضرورية البرامج الحكومية الضخمة لمعالجة خفض العجز في الميزانية الذي وقع بين عامي 1990 و1993 والذي كان هينا إلى حد ما. فهذه الجولة ربما لا تتطلب وسائل اختبار الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية فقط، لكن أيضا خفض أو إلغاء استحقاقات الطبقة الوسطى مثل خفض فوائد الرهن العقاري واستثناء الرعاية الصحية لأرباب العمل. وربما يُطلب من بعض السياسيين التضحية بعملهم السياسي من أجل قضية عادلة.

نظرا لهذه الصعوبات لن تكون الحكومة الفيدرالية جادة في شأن خفض الإنفاق، نظرا لتشكيل موظفي الدولة وكبار السن من الطبقة الوسطى جماعات التصويت الأقوى. سيكون البديل محاولة خفض العجز في الميزانية عبر زيادة الضرائب - ربما الاستهلاك الإضافي أو الضريبة على القيمة المضافة. لكن هذه الطريقة ستتضمن تحولا خطيرا للموارد من القطاع الخاص إلى القطاع العام، مما يجعل المواطنين أكثر فقرا لصالح الدوائر الانتخابية السياسية المفضلة. مما جعل الكثير من الأميركيين أكثر فقرا لصالح الدوائر السياسية المفضلة. وللحفاظ على الالتزامات التوسعية العامة، سيطلب من الأميركيين قبول انخفاض معدلات النمو الاقتصادي وضعف فرص العمل. وقد لا يرحب أبناء الطبقة الوسطى بالضرائب قدر ترحيبهم بخفض الفائدة.

ربما يكون عهد التقشف باعثا على الشقاء وسيقيد الكثير من الخطط التوسعية لكنه في الوقت ذاته مهم أيضا.

* خدمة «واشنطن بوست»

=====================

وجه الفاشية المضطرب

بثينة شعبان

الشرق الاوسط

24-5-2010

أن يستجوب جندي إسرائيلي أستاذا أميركيا بقامة نعوم تشومسكي، الذي يجله ملايين الطلاب والأساتذة حول العالم، طوال ساعات، ومن ثم يمنعه من دخول الضفة الغربية المحتلة ليلقي محاضرة مدعوا لها مسبقا، لهو أمر ذو دلالات خطيرة وجديدة عن الدرك الأسفل الذي أوصلت إليه الإدارات المتعاقبة في واشنطن، بلادها، نتيجة رضوخها لإرادة الجنرالات في الكيان الصهيوني. ليس تشومسكي فقط مواطنا أميركيا، وأستاذا جامعيا، وعلاّمة في اللغويات، بل هو معروف في كل أصقاع الأرض بآرائه، وأبحاثه، وإبداعاته، ويتشرف أي بلد بدخول تشومسكي إلى أراضيه، وتتشرف أي جامعة بأن يقبل بإلقاء محاضرة فيها، ومع كل هذا الإذلال الذي تعرض له فلم نسمع حشرجة احتجاج من أي مسؤول أميركي حتى ولو كانت خافتة.

لنتخيل أن أي مواطن أميركي قد منع من الدخول على أي حدود أخرى بهذه الطريقة، أو أنه استُجوِب على يد جندي غير إسرائيلي، ربما إيراني، أو تم التحقيق معه لساعات طوال على الحدود مع كوريا، ما هي ردود الفعل الأميركية السياسية والإعلامية المتوقعة حينذاك؟! وكيف كان الناطق باسم البيت الأبيض، والخارجية، وربما الرئيس نفسه، وكلينتون نفسها، يطلقون تلك التصريحات النارية حينما تكون موجهة ضد سورية أو إيران عن حقوق الإنسان، والقيم الديمقراطية، والحرية؟! ولكن التجرؤ الإسرائيلي على هذه الأسطورة الأكاديمية الأميركية أصاب الناطقين الرسميين هذه المرة بالشلل، فإذا هم صم بكم لا ينطقون.

إن عدم سماح جنرالات إسرائيل ومخابراتها لتشومسكي بالدخول إلى الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة لإلقاء محاضرة في جامعة بيرزيت يشكل تصعيدا لسياسة تحدي الولايات المتحدة التي تقوم بها حكومة نتنياهو معتمدة على قدرة اللوبي الإسرائيلي في الكونغرس على تطويع الرئيس الأميركي ولي ذراعه في كل مرة تتحداه إسرائيل. إن تجاهل القيم الإنسانية والأخلاقية أمر معتاد في السلوك الإسرائيلي تجاه العرب، ولكن تصاعد الغطرسة الإسرائيلية تجاه الإدارة الأميركية يثبت حقيقة أن جنرالات الكيان قد أُطلِقَت يدهم من قِبَل حكومة نتنياهو المتطرفة ليمارسوا غطرستهم ضد الجميع، وخطورة ذلك يؤكدها برادلي بورستون في صحيفة «هآرتس» (19 مايو/ أيار 2010) «بأن اليمين في إسرائيل وأصدقاءه وداعمين في الخارج قد بدأوا بزراعة وتغذية بذور الفاشية». ويذهب بورستون إلى وصف ما فعله ضباط إسرائيليون بمراسل أخبار «راديو إسرائيل»، الذي كان يلتقي أحد المتظاهرين من الفلسطينيين الذين طُرِدوا من منازلهم كي يحتل اليهود هذه المنازل: «انقض العسكر الإسرائيلي على المراسل وسحبوه أرضا وألقوه في سيارة للشرطة، هذا بالإضافة إلى القتل والضرب والغاز المسيل للدموع مع أن معظم المتظاهرين هم من اليهود الإسرائيليين، فإن هذا يُري أن الفاشية تنمو بتسارع في إسرائيل ولكن بوجه مضطرب». كما أن إعلانات جنرالات إسرائيل بأنهم لن يسمحوا لسفن المساعدات الإنسانية بالدخول إلى غزة المحاصرة منذ ثلاث سنوات والمحرومين من أبسط مستلزمات العيش من غذاء ودواء ومواد البناء، فكل هذا، كما يقول بورستون، هو «معاملة عنصرية وغير ديمقراطية وفاشية من قبل حاخامات متطرفين خاصة هؤلاء الإسرائيليين المتسلطين على الضفة الغربية».

هل يعلم المسؤولون في الولايات المتحدة أنهم حين يقدمون الأعذار والمال والدعم لحكومة نتنياهو المتطرفة أنهم يعملون في العمق ضد مصلحة اليهود والمسلمين والمسيحيين في الشرق الأوسط؟! إن منح الكونغرس أكثر من 200 مليون دولار إضافية من أنظمة التسلح الجديدة لإسرائيل سيزعزع الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط، وسيؤدي ذلك إلى تسارع سباق التسلح، وإلى تشجيع المتطرفين في إسرائيل على شن المزيد من الحروب ضد جيرانهم. ألغى أليفس كوستيلو حفلتين كان يزمع إقامتهما في إسرائيل احتجاجا على جرائم حكومتها ضد الإنسانية: «يجب أن أعتقد أن الجمهور الذي كان سيحضر حفلاتي يتضمن عددا من الناس يشككون بسياسات حكومتهم الاستيطانية ويدينون ظروف الإذلال والتنكيل، أو أسوأ من ذلك بكثير، المفروضة على المدنيين الفلسطينيين باسم الأمن القومي».

وإذا كان البعض في الأوساط الحاكمة في الولايات المتحدة لا يحرص على كرامة تشومسكي، ولا يثق بحكمة ونزاهة كوستيلو فليقرأوا مقالة غادي بالتيانسكي «الشعب الإسرائيلي ضائع في الغابة» (مجلة السياسة الخارجية، 19 مايو 2010) الذي يوضح أن «ثلثي الناس في إسرائيل يدعمون إخلاء المستوطنات كجزء من اتفاق سلام مع الفلسطينيين. ومع ذلك في الوقت نفسه فإن 30% فقط يعتقدون أن هذا هو رأي الأغلبية». وهكذا فإن الأغلبية التي تدعم إخلاء المستوطنات ترى نفسها كأقلية بينما ترفع مجموعة ضئيلة من المتطرفين العنصريين لنشر الفاشية في إسرائيل عبر تشجيع الاستيطان، وتتصرف كفرق «إس إس الهتلرية» لقمع الإرادة العامة للناس. يقول الكاتب الإسرائيلي باليتانسكي: «لو قَبِلَ قائد أجنبي التحدي وأمسك بأيدينا وخاطب قلوبنا يمكن لنا أن نجد طريقا يقودنا خارج الغابة». أي أن محاباة الكونغرس للجنرالات الإسرائيليين المعروفين بعطشهم لدماء المدنيين العرب العزل، وتزويدهم لمجرمي الحرب هؤلاء بالمال والسلاح اللازمين لشن المغامرات العسكرية ضد الجيران، فإنهم، رغم تصريحاتهم الرنانة عن السلام، يقودون شعوب الشرق الأوسط نحو الكارثة المحتومة. ها هو الإعلام الإسرائيلي (انظر «هآرتس» 18، 19 و20 مايو 2010) يعبر عن آراء ترى في منع تشومسكي من الدخول إلى الضفة الغربية المحتلة نقلة عنصرية وفاشية ونذرا من نظام متطرف مرعب، بينما لم يشن الإعلام الأميركي، بمجمله، العاصفة التي يتوقعها الجميع نتيجة هذه المعاملة المذلة التي عُومِل بها مواطن أميركي يمثل شرف وقيم الولايات المتحدة.

إن تجرؤ الجنرالات الإسرائيليين على القاضي اليهودي غولدستون، الذي صرح مرارا وتكرارا أنه لا يبغي شيئا سوى العدالة، والحملة التشويهية التي أطلقها جنرالات الكيان ضده وضد عائلته وتسببت له في الكثير من الأذى ولم يأتِ الإعلام الغربي على انتقادها بتاتا، قد قادت هؤلاء الجنرالات إلى التجرؤ على قامة أسطورية مثل تشومسكي، وإذا لم يتم إيقاف هؤلاء الجنرالات هنا فمن يدري، قد يستَجوب جندي إسرائيلي على الحدود رئيس دولة غربية، خاصة إذا ما تجرأ على انتقاد أي من جرائم الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين العزل.

إن سياسة المحاباة التي يتبعها أوباما وكلينتون والكونغرس والغرب عموما حيال إسرائيل ستؤدي إلى خلق فرانكشتاين إسرائيلي الذي لن يُرعب الفلسطينيين وحدهم، بل سيمتد إرهابه ليطال هؤلاء الذين حابوه ولم يضعوا حدا له حين كانوا قادرين على ذلك.

إن مقاطعة أسطورة موسيقى الروك إليفس كوستيلو لإسرائيل، ومن قبله مطرب الجاز جيل سكون هيرون، وعازف الغيتار كارلوس سانتانا ليست دعما للعدالة في فلسطين وحدها، بل للقيم الإنسانية والديمقراطية، وإنقاذا لمن سيكونون ضحية لهؤلاء الجنرالات من العرب والإسرائيليين على حد سواء في المستقبل القريب. فقد بدأ هتلر مساره السيئ الصيت كألماني محب لألمانيا، وحريص على الألمان، ولكنه أورث الألمان عار اضطهاده المريع لمن كان يسميهم أعداء ألمانيا؟ هؤلاء الجنرالات في إسرائيل ليسوا أحسن حالا من جنرالات هتلر، وجرائمهم ليست أقل بشاعة من جرائم النازيين، ولذلك من الحكمة الاستنتاج أنهم لن يكونوا أقل خطورة من أولئك على شعبهم وعلى الشعوب الأخرى، فهل هناك من يجرؤ على اتخاذ قرار بالوقوف ضد الطغاة الإسرائيليين اليوم لإنقاذ مستقبل العرب واليهود والعالم غدا؟

=========================

فن صناعة الأعداء!

 د. عيسى الغيث

الاثنين, 24 مايو 2010

http://www.al-madina.com/node/250106

قد أفهم أهمية دراسة هذا الفن في العلوم السياسية والعسكرية، وتطبيقه لتحقيق أهداف معروفة عند المتخصصين، كالإشغال السياسي، والتحفيز العسكري، والتبرير الأمني، والتسويغ التعبوي، والاكتساب الفردي والمؤسسي من وراء هذه الصناعة للأعداء.

ولكن لا يمكنني أن أقنع بوجوده - ولو بغير قصد - في الممارسات الدعوية والجهود الاحتسابية، لأن المنطلقات الروحية تختلف عن المادية، والوسائل لا تبررها الغايات الميكافيلية، لأنها ربانية أخروية، ولا تدنس بلوثات السلوكيات غير الأخلاقية، ولا يمكن تدجينها وتهجينها بأي منهجية.

وهذه الصناعة تتميز بأنها سهلة، حيث أنها لا تحتاج لتخطيط أو ذكاء أو دهاء، أو براعة تنفيذ، فكل ما في الأمر أن يداس على المسلّمات ويتجاهل الأخلاقيات ويعتدى على السلوكيات وتستباح الحقوقيات، ويسعى في الأرض فساداً وإفساداً، وسيكون له من قرينه مبرر ومعين، فكل ضلال له تسويغات غير متناهية.

ولذا من يجيد فن تحييد الأعداء، فضلاً عن تلافي تفريخهم وتكثيرهم، مع محاولة استمالتهم وحسن معاملتهم، فهو نادر في هذا الزمان، ولا يخفى أن من مصارف الزكاة المؤلفة قلوبهم وليس المنفرة صدورهم، فصناعة الأعداء سهلة المنال، ولا تحتاج أكثر من حمق وسوء تصرف وعدم مبالاة، في حين أن فن صناعة الأصدقاء لا يجيده إلا العقلاء الحكماء المستنيرون بنور الكتاب والسنة.

فلو تأملنا قول الحق تبارك وتعالى (فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم)، فمن كان عدواً لك أو أنت معادٍ له أو أصبحت العداوة مشتركة بينكما فلمصلحتك أن تعامله بالتي هي أحسن، ليصبح كأنه وليّ لك لا عدوا عليك، لأنك بهذا لن تزيد عداوته وستحيّدها، وربما أضعفت من لأوائها، وقد تبلغ بحذقك أن تجرّده من عداوته، لتكفّ شرّه، وربما وصلت إلى حدّ جلب ولو بعض خيره.

ولكن عبر سلاطة اللسان ووقاحة البنان، وقلة الاحترام للغير والغرور بالذات والمكابرة بالنفس، سيُصنع كل يوم جملة من الأعداء، وربما يتطور الأمر إلى ابتكار أساليب جديدة لرفع الجودة في مستوى العداء، وتنويع دائرة الأعداء من كل الفئات والأجناس وتنمية إراداتهم العكسية، بما يعود على الطرف المقابل بالخسارة والمفسدة والضرر.

ومع جميع خطوط الإنتاج والوفرة في المخرجات والدقة في الإخراج، قد يخدع نفسه ويقنعها بأنه قضى على أعدائه وبكل سهولة، وكأنه بهذا يخدّر نفسه ويعزّيها، ويخدع من حوله ويستغفلهم، وما هو إلا حافر قبره بيديه، ويقطع خط رجعته، فلا طريقاً قطع ولا ظهراً أبقى، والقافلة سارت بالإبل، ولكنه ما برح يشبعها بالشتائم التي لم يسمعها سواه.

وفي نفس الوقت قد يجد رابطة المشجعين على المدرجات يصفقون ويهتفون بنصره وفتحه، وهو تحت هذه النشوة المغيّبة لعقله يزيد من إدخال الأهداف في مرماه وبكل ثقة ورزانة لا يساويها إلا تسابق فريقه لمزيد من كسب الوقت لصالح الفريق المقابل، ولن يجد عند انكشاف الهزيمة أي صعوبة أو حرج في إقناع أصحاب التطبيل بأنه قد حقق لهم الفتوحات الفلكية والانتصارات السرمدية، لأنهم لم يفقهوا بعدُ حقيقة الانتصار، وكأنه يريد منهم المزيد من الصفاقة والحماقة، والمزيد من الغرق في الوحل، وهكذا هو وهم منذ عقود تتوالى بلا زرع ولا حصاد.

ولذا فإنه من المعروف عند الشركات الكبرى تعاقدها مع بيوت الخبرة من خارج إطار القطاع لتقوم بدور الرقيب المقيّم المحايد الموضوعي، ليبيّن الخلل بلا مجاملة ولا مزايدة، ولذا يحتاج كل قائم بدور دعوي واحتسابي ألاّ يحكم بنفسه ليشبع غروره ويتشبّع بما لم يعط، وذلك لتكشف له تلك الخبرات أنه قد خدع نفسه وما حقق سوى الغوغاء والقلق مع كره الناس له والتندّر عليه.

وأما الأغلبية الصامتة فليست هي كذلك في كل حين، فيمكن معرفة رأيها بسهولة غير ممتنعة، فلا تحكم على من يجاملونك أو أنهم ضمن بيئتك الصغرى، وإنما أوسع نظرك إلى أبعد من بصرك لتحصل حينئذ على النتيجة الموفقة في الدنيا بلا أعداء وفي الآخرة بدعاء الأصدقاء.

وبعد هذه المقدمة المسترسلة التي تحمل في عمقها ووراء سطورها الكثير مما غاب عن ظاهرها، فأقول لهؤلاء: عليكم بمراجعة المسيرة، فالواقع هو الذي يحكم بالحقائق وليست الأحلام، وإذا لم يكف الواحد عن تلك السلوكيات المخالفة للأخلاق والآداب الإسلامية من باب الخوف من الله بمخالفة هدية، والحياء من الفطرة التي حشمت العلاقة بين الخلق، فلا أقل أن يكون العقل والمنفعة هي الدافعة والرافعة لواقع كئيب.

ومن المعروف أن العداوة ليست من المغانم، كما أن الصداقة ليست من المغارم، وبما أن المؤمن مرآة لأخيه، فيجب علينا أن نتراءى لبعضنا، ونبين وجوه القصور فيما بيننا، ونحدد نقاط الضعف لنقومها، ونُعيِّن نقاط القوة لننميها، ونكشف الأعراض السلبية لنتلافاها، والعلامات الإيجابية لنطورها، وهكذا نسير في الطريق الصحيح، مع التأكيد على أن جميع هذه الأخلاقيات العفيفة والسلوكيات الحكيمة مذكورة في القرآن الكريم والسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، فعلينا التعرف عليها والالتزام بها، لننجح في دنيانا ونفلح في آخرتنا.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ