ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 03/06/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الخيار العسكري والدبلوماسية في عملية السلام

احمد عبد الرحمن الرواشدة

6/2/2010

القدس العربي

يرى مؤيدو نظرية الصراع في العلاقات الدولية بأن الصراع بمفهومه العسكري (سواء باستخدام القوة او التهديد باستخدامها)، اداة مهمة من ادوات السلام والاستقرار، على مستوى النظام الدولي او الدول، وكذلك تعتبر القوة العسكرية اداة من ادوات السياسة الخارجية تتفاعل وتتكامل مع الدبلوماسية لتحقيق نتائح سياسية مطلوبة في البيئة الدولية أو الاقليمية، وبعيداً عن النظريات السلامية في العلاقات الدولية التي تنطلق من رؤية مثالية بأنه يمكن حل الصراعات والنزاعات بمزيد من الدبلوماسية وبناء الثقة والتعاون، الا أن الوقائع والتجارب التاريخية تشير إلى أن القوة العسكرية سواء بالاستخدام أو التهديد كان لها دور مهما في تحقيق الأمن والإستقرار والسلام في مناطق متعددة من العالم.

وبالنظر الى الصراع العربي - الإسرائيلي وفي جوهره الصراع الفلسطيني -الاسرائيلي والذي يعتبر من اكثر الصراعات تعقيداً وأهميةً في العالم، نقف كعرب أمام لحظة تاريخية مهمة في ظل الاوضاع التي آلت اليها عملية السلام وتقتضي منا جميعاً اعادة تقييم المرحلة السابقة من عملية السلام، التي انطلقت قبل عقدين من الزمن، ولماذا وصلت هذه العملية الى ما وصلت اليه الان من النتائج المخيبة للامال.

لا بل أن هذه العملية في وضعها الراهن زادت من حالة التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة وتهدد بشكل كبير بتدويل الصراع، وتجاوز قدرة الدول عن التحكم به او ادارته بفعل عوامل عديدة أهمها دخول اطراف غير الدول كلاعبين أساسيين في هذا الصراع سواء في الجانب العربي أو الجانب الاسرائيلي.

أمام ذلك يُطرح التساؤل، لماذا لم تحقق عملية السلام الاهداف المتواخاه منها؟ ولماذا لم تقنع هذه العملية الاسرائيليين بتحقيق تسوية سلمية للصراع؟ في محاولة للإجابة على هذه التساؤلات، أعتقد أنه من الضروري جداً الوقوف عند بعض الفرضيات الاساسية والمقولات التي أنطلق منها الجانب العربي في عملية السلام، ولعل أهمها المقولة العربية بأن السلام خيار أستراتيجي وهنا يكمن الخطأ الكبير الذي ارتكبه النظام الرسمي العربي فالسلام هدف وليس خيار والجميع يسعى لتحقيق هذا بمن فيهم الاسرائيليون ولكن كل وفق وجهة نظره، المهم في الامر أن العرب إستخدموا هذا المفهوم لاسقاط كافة الخيارات لحل الصراع سوى خيار المفاوضات أو الدبلوماسية أي بمعنى أن الخيار العسكري سواء باستخدام القوة او التهديد باستخدامها ليس مطروحاً في التعامل مع هذا الصراع من جانب العرب، بينما يقف الطرف الاخر على النقيض من هذا الموقف، وبالتالي اسقط العرب أداة مهمة كان يمكن لها أن تحقق السلام مع اسرائيل، والمقصود هنا ليس استخدام القوة لمحو اسرائيل أو لتدميرها، وانما من اجل الدفع الى تحقيق نتائج سياسية في عملية السلام، أي المزاوجة بين الدبلوماسية والقوة لتحقيق نتائج محددة وهو ما تفعله دول عديدة لتحقيق اهدافها في السياسة الخارجية.

هذا أدى الى أننا كعرب ندور في إطار الاستراتيجية الاسرائيلية وبالتالي الرؤية الاسرائيلية للسلام، فاسرائيل منذ اللحظة الاولى لاعلان قيامها ما فتأ قادتها يرددون رغبتهم بالسلام مع العرب ولكن وفق رؤيتهم وشروطهم وتحت تهديد السلاح الاسرائيلي، بينما العرب مجردين من كل الاسلحة اللهم الا سلاح الشرعية الدولية، والتي لم تستطع أن تقنع اسرائيل بالانسحاب من الاراضي التي احتلتها عام 1967، فالاسرائيليون يريدون فرض رؤيتهم للسلام على العرب بالقوة أو حسبما يقولون السلام بالقوة.

وفي ظل الظروف الحالية والوضع الراهن الذي تمر به عملية السلام وبوادر انهيارها وفشلها، وزيادة غطرسة اسرائيل واستفزازتها التي ستؤدي إن تواصلت على هذا النحو الى إندلاع صراع ديني عنيف لا يمكن السيطرة عليه، وفي ظل غياب قدرة المجتمع الدولي بالضغط على اسرائيل لا بل وزيادة دعم هذا المجتمع للمواقف الاسرائيلية وقد رأينا ذلك مؤخراً في موقف الصين وكذلك الاتحاد الاوروبي.

أرى من المهم جداً إعادة تبني خيار القوة العسكرية من أجل تحقيق نتائج سياسية في عملية السلام ضمن الرؤية العربية المطروحة في مبادرة السلام، بعدما فشلت الدبلوماسية والنهج الغريب الذي اتبعه النظام الرسمي العربي لاقناع الرأي العام الاسرائيلي بتغيير رؤيته للسلام من خلال الاعلانات في الصحف الاسرائيلية عن مبادرة السلام العربية، وكذلك لم تفلح مقولة بأن عبورنا للحاجز النفسي سيساهم بدرجة كبيرة في حل الصراع حيث عبرنا نحن الحاجز بينما ظل الاسرائيليون مكانهم.

فلماذا لا نفعلها ونهدد على الاقل باستخدام القوة من اجل تحقيق السلام، لان الوضع الراهن واستمراره سيجبر النظام الرسمي العربي بغض النظر عن التقاطعات داخله بالدخول في صراع عسكري مع اسرائيل رغماً عنه.

' باحث في الشؤون الاسرائيلية

===========================

الدور التركي على المحك

احمد القرعاني

6/2/2010

القدس العربي

لم يمض زمن طويل لتحقق فيه تركيا استراتيجيتها الجديدة المعروفة بالاتجاه شرقا حيث ضمنت لنفسها تفوقا اقتصاديا وسياسيا وعسكريا ما كانت لتحققه لو واصلت اتجاهها غربا كالسابق، ففي الشرق فراغ واسع طالت مدته لعبت فيه اسرائيل منفردة مدة طويلة واخرجت جميع اللاعبين الاساسيين من الحلبة ابتداء من مصر وليس انتهاءا بالعراق، وفتح هذا الفراغ شهية ايران لاخذ حصتها منه ووضع قدمها في مكان راسخ في فلسطين ولبنان وسط اكثر البؤر توترا وسخونة في المنطقة وما تبع ذلك من استقطاب حاد في المنطقة لم تحسم عواقبه حتى الان. وتوالت نجاحات الاتراك في الدخول الى العمق العربي وساعدها في ذلك عوامل كثيرة منها التاريخ المشترك ووحدة الدين والمذهب والرغبة الجامحة للعب دور في اهم صراع في العصر الحديث مع توفر ادوات اللعبة السياسية والاقتصادية، وقد ترك المجال لتركيا بالدخول على الخط لما تملكها من ادوات لم يمتلكه غيرها في المنطقة، وقد تململت مصر بداية من هذا الدور ثم ما لبثت ان استسلمت للواقع الذي رهنت نفسها اليه، فدخلت تركيا وسيطا بين سورية واسرائيل وعرضت سرا وجهرا التوسط بين حماس واسرائيل .

ولكن الدخول الى المنطقة لم يكن مفروشا بالورود، فاسرائيل تعي تماما حجم الطموح التركي والارادة القوية الرسمية والشعبية لدى الاتراك لاستعادة الارث السابق في المنطقة ككل ومن خلال البوابة الفلسطينية التي هي اقصر الطرق للنفوذ في العالم العربي والاسلامي. وكانت الاصطدامات السياسية و الدبلوماسية المعهودة بين اسرائيل وتركيا في مؤتمر دافوس وما تلاه من تصعيد دبلوماسي بين الطرفين اداره الاتراك بتفوق واضح على اسرائيل. وحاولت اسرائيل الدخول في مواجهة اقنصادية مع تركيا من خلال تقليص حركة السياحة الاسرائيلية الكبيرة بتركيا فردت عليها اسرائيل بما هو اقسى والغت تاشيرات الدخول لعدد كبير من الدول العربية، وكانت ضربة اخرى لاسرائيل تتلقاها وهي صامته عاجزة عن الرد.

ولا يخفى الدور الامريكي والمحرض عليه من قبل اسرائيل بفتح ملفات قديمة وشائكة للاتراك اهمها قضية الارمن و المجازر التي ارتكبت بحقهم ايام الدولة العثمانية، فسارعت الادارة التركية لاستيعاب الدرس وجاهدت لحل القضية مع الارمن بشجاعة فائقة عجز عنها اعتى الحكام الاتراك عبر قرون، وتعلم تركيا تماما الدور الاسرائيلي في الملف الكردي التي تعمل تركيا على تفكيك العقد المزمنة فيه، ناهيك عن المحاولات الاسرائيلية عن ايجاد حلفاء لها في المعارضة التركية.

وبعد هذه الاخفاقات الاسرائيلية المتوالية والشعور بالمهانة امام الدور التركي المتنامي على حساب اسرائيل في المنطقة توجت تركيا نجاحاتها في الاتفاق النووي الثلاثي بين ايران وتركيا و البرازيل، هذه المرة على مستوى دولي مما ادى الى احباط شديد لدى اسرائيل وخشيت ان يقتنع الغرب بهذا الاتفاق فعملت بكل جهد لها لافشال هذا الاتفاق وقد بان نفاق الغرب جليا برفضه هذا الاتفاق في حين ان هذا هو المطلب الرئيس له.

هنا قررت اسرائيل اللعب بالورقة التي تجيدها تماما وهي البلطجة، فانتهزت اقرب فرصة لتنقل الصراع مع الاتراك الى صراع دموي بعد ان اثبتت غباء منقطع النظير في ادارة الملفات السياسية و الدولية، فهي لاول مرة تجابه خصما امتلك ادوات الخصومة وخطط لها جيدا ويمارس دوره بعناد شديد، فعمدت اسرائيل الى توجيه ضربة عسكرية ليست كبيرة ولكنها مؤلمة جدا وجارحه للكبرياء التركي الى اسطول الحرية التركي بامتياز في رسالة مفادها انكم تجاوزتم حدود اللعبة.

تركيا الان امام تحد من نوع جديد وخطير، ربما لم تكن تتوقعه بهذه السرعة، الا انه تحد من نوع جديد ستجد تركيا نفسها في ميدان مشتعل تماما يقل فيه الصديق و الحليف ويكثر فيه النفاق والانتهازية، بل وستجد البعض جاهزا للشماتة فيها باقرب وقت ان لم تكن اعدت نفسها لهذا اليوم، وعلى تركيا ان تعي تماما ان استمرار نجاحها و دورها التي جاهدت من اجله ووصلت اليه مرهون بردها المناسب والحاسم بما يتساوى مع الحدث او يزيد عنه، وهذا ما سنراه في الايام القليلة القادمة.

' باحث في العلاقات الدولية

===========================

حل وحيد لكسر الحصار عن غزة!

خضير بوقايلة

6/2/2010

القدس العربي

غضب عالمي وإدانة شعبية واسعة ومظاهرات عارمة ضد المجزرة الإسرائيلية على المياه الدولية في حق أسطول الحرية. وماذا بعد؟ اجتمع مجلس الأمن الدولي الموقر وأصدر ما كان عليه أن يصدره، وقال كل زعيم غربي وعربي ما كان عليه أن يقول وصمت من كان عليه أن يصمت وعلق المعلقون ونالت إسرائيل ما نالت من الشتائم والوعيد وهي مستمرة في احتجاز سفن الحرية واختطاف نشطائها والتعتيم على قائمة المغدورين.

أزمة دورية ستستمر بضعة أيام أو أسابيع أو ربما شهور ثم تخفت في انتظار مجزرة أخرى وموجة غضب عارم جديدة، وأثناء ذلك سنشهد مفاوضات ومساومات وتدخلات من أجل إقناع تل أبيب بالإفراج عن جثث الشهداء ومن بقي من المخطوفين الذين ساروا في رحلة أسطول الحرية. ولعلنا قد نسمع كلمات شكر لإسرائيل على عملها الإنساني ذاك ونطلب منها أن تتفضل بإيصال المساعدات التي كانت على متن السفن المحتجزة إلى غزة.

لا أعتقد أن يكون هناك سيناريو آخر أكثر تفاؤلا من هذا تنتهي به أزمة أسطول الحرية. هل تنتظرون مثلا أن يصعد الرئيس الأمريكي أو وزيرة خارجيته على المنبر لإطلاق إدانة صريحة ضد ما فعلته البحرية الإسرائيلية فجر الاثنين الماضي في عرض البحر الأبيض المتوسط أو أن تقدم الولايات المتحدة الأمريكية مسودة قرار إلى مجلس الأمن يتضمن عقوبات من الدرجة الأولى أو الثانية أو الثالثة ضد إسرائيل التي انتهكت حرمة المياه الدولية وسفكت دماء بريئة مسالمة خرجت في مهمة إنسانية راقية بعد أن تخاذل المجتمع الدولي بقواه العظمى والمعتدلة؟ أم هل تنتظرون أن تنفض دولة أو مجموعة من الدول العربية الغبار عن ترسانة أسلحتها فتسير أو تطير أو تبحر بها نحو تل أبيب في عملية تأديبية خاطفة انتقاما لأرواح شهداء أسطول الحرية أو حتى الشهداء الذين سبقوهم طيلة سنوات الاحتلال الاثنتين والستين؟ أم هل تتوقعون أن تلتئم قمة جامعة الدول العربية فتصدر بيانا تعلن فيه تبرؤها من مبادرة السلام التي قدمتها كعروس قربانا إلى إسرائيل من دون أن يرضى بها أي من زعمائها المتعاقبين؟ أم لعلكم تترقبون أن يلتقي زعماء العرب في اجتماع طارئ (ولو بعد شهر أو شهرين) فيفاجئوا رأيهم العام والعالم أجمع بقرار نافذ يقضي بتجهيز 22 سفينة محملة بآلاف الأطنان من المساعدات الطبية والغذائية والإنسانية فيسيروا بها نحو شواطئ غزة، وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، بل سيعلن قادتنا الأشاوس أنهم قرروا بالإجماع أن يكونوا هم شخصيا في قمرات قيادة هذه السفن وأن يسمحوا فقط لورثتهم وأعضاء حكوماتهم وزبانيتهم بمرافقتهم في هذه الرحلة التاريخية (وليتهم يفعلون!). أم هل تنتظرون أن يستيقظ فخامة رئيس جمهورية مصر العربية يوما فيعلن أمام الملأ أنه قرر فتح المعابر إلى غزة فتحا دائما ثم يخرج وكاميرات الإعلام القومي والعالمي تتابعه وهو يركب جرافة متجها بها إلى المنطقة الحدودية لهدم الجدار الفولاذي ثم يدخل غزة راجلا ومعه باقة ورد ورسالة اعتذار لأهالي غزة ويعود ومعه في موكبه إضافة إلى كاميرات التلفزيون القومي آلاف المرضى والجوعى والمشردين الغزيين؟ هذه هي بعض السيناريوهات المتفائلة ولا شك أن لكل قارئ كريم مزيدا منها مثل اتفاق زعماء العرب على عقد لقاء قمة طارئة في قطاع غزة بعد تجمع في شرم الشيخ، لكن الأكيد أن لا شيء منها قابلا للتجسيد. وهذا هو الذي تأكدت منه إسرائيل من زمان وهذا الذي شجعها على الاستمرار في عدوانها وتصعيدها الإجرامي ضد الفلسطينيين وجيرانهم العرب، بل خطت هذه المرة خطوة أخرى باعتدائها على غير العرب.

وماذا عن أهالي غزة وسط كل هذه الضجة؟ هل تطعمهم بيانات الإدانة والتنديد من جوع وتبني لهم بيوتا ومدارس وجامعات ومستشفيات ومصانع وطرقا وجسورا ومطارات وموانئ جديدة آمنة؟ أقصى ما فعله كبراء العالم هو إدانة اللجوء إلى استعمال السلاح أو التأسف الشديد والعميق على سقوط قتلى في رحلة أسطول الحرية، أما الخوض في تفاصيل الأسباب التي دفعت هؤلاء الشهداء والنشطاء إلى ركوب البحر والتضحية بحياتهم في هذه المغامرة البحرية فذاك أمر ثانوي. لماذا خرج أسطول الحرية وقبله بواخر السلام الأخرى؟ لأن أهالي غزة في حاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة. ولماذا أهالي غزة في حاجة إلى مثل هذه المساعدات؟ لأنهم محاصرون. ولماذا هم محاصرون؟ لأن الرباعية الموقرة والمجتمع الدولي وإسرائيل قرروا ذلك. ولماذا قرر هؤلاء فرض حصار شامل على غزة؟ لأن فيها حكومة لا تروق لإسرائيل ولا لحلفائها. ولماذا وجدت السلطة الفلسطينية المناضلة والقيادة المصرية الحكيمة نفسيهما مؤيدتين أو ملتزمتين حتى لا نقول محرضتين على استمرار هذا الحصار؟ لأن حكومة غزة خرجت من رحم حماس وحركة حماس مصنفة ضمن ألد أعداء هاتين القيادتين العربيتين ولعل عداوتهما لحماس تفوق عداوتهما لإسرائيل (إذا سلمنا فرضا أن إسرائيل مصنفة عندهما في خانة الأعداء)، ولهذا لا بد أن يستمر الحصار حتى تنقطع أنفاس حماس وتخر صريعة، ولا يهم إن كلف ذلك موت كل شعب غزة فهو في نهاية المطاف يستحق مثل هذا المصير لأنه هو الذي اختار حماس لتحكمه وقد حفر بذلك قبره بنفسه. أليس هذا هو المنطق الذي تسير به الأحداث منذ سنوات؟

بعض الإخوة المصريين علقوا أمس على كثير من المقالات التي اتهمت أو أشارت ضمنا إلى مسؤولية مصر الرسمية في التصعيد الخطير ضد أسطول الحرية، فقد قال المعلقون لو أن مصر فتحت معبر رفح وتركت أهالي غزة يتنفسون عبره لما فكر نشطاء الحركة العالمية من أجل كسر الحصار عن غزة على ركوب البحر وتعريض حياتهم للخطر، وكان رد بعض الإخوة في مصر لماذا التحامل على أرض الكنانة ولماذا هي تحمَّل مسؤولية جريمة ارتكبتها إسرائيل ولماذا لا يعترف هؤلاء المعلقون والمنتقدون بدور مصر في الحفاظ على حياة الغزيين وفي الاستمرار في مدهم بكل ما يحتاجون إليه ليبقوا إلى اليوم على قيد الحياة؟ لا أريد الخوض في جدل أعلم أنه عقيم ولن يفضي إلى أية نتيجة حول صحة ما يقال من عدمه، لكني أعترف أن الأنفاق المحفورة على طول الشريط الحدودي بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية تساهم بدور كبير في بقاء أهالي غزة إلى اليوم أحياء يتنفسون، ولا أخوض هنا أيضا في الثمن الذي يدفعه الفلسطينيون من أجل إبقاء تلك الأنفاق سليمة تدب فيها الحركة.

لكن هل المكتوب على أهل غزة في القرن الواحد والعشرين وفي عهد الحريات والديمقراطية والأخوة العالمية أن يكتفوا فقط بالبقاء على قيد الحياة؟ ألا يستحق أطفال غزة وشبابها ورجالها ونساؤها أن يرتادوا مدارس وجامعات آمنة ومجهزة بأحدث وسائل التعليم وأرقاها، وأن يعالجوا مرضاهم في مستشفيات راقية ويستفيدوا من التطور التكنولوجي لإجراء العمليات الجراحية من طرف أطباء فلسطينيين متخصصين أو أطباء زوار أجانب مثلما يجري في كل العالم، وأن يسافروا متى شاؤوا إلى بلاد العالم ويعودوا متى شاؤوا للدراسة والتجارة وقضاء إجازاتهم السنوية، وأن يقتنوا أحدث موديلات السيارات ويستوردوا أرقى الألبسة، وأن يرتادوا شواطئ نظيفة ومهيأة، وقبل هذا وذاك أن يخرجوا إلى أعمالهم أو مدارسهم ويعودوا إلى بيوتهم دون أن يخطر ببالهم لحظة أنهم قد يتعرضون في كل حين إلى صاروخ أو إلى رصاص أو قنبلة تنفجر عليهم من غير ذنب اقترفوه؟ هل توفر لهم تنديدات العالم ومسيرات الغضب وقرارات القمم العربية هذا المستوى من العيش؟

أهالي غزة يعيشون الآن في بطالة تكاد تكون عامة يراقبون مرضاهم وهم يحتضرون بسبب ندرة الدواء والهياكل الصحية. أهالي غزة يأكلون القليل الذي يزرعونه في ما بقي من أرض صالحة للزراعة ويشربون المياه المالحة من البحر أو ممتزجة بمياه الصرف الحي. أبناء غزة وشبابها يرتادون أطلالا يتعلمون ويدرسون فيها أو هكذا يخيل لهم أنهم يفعلون، فلا هم ملتزمون بمناهج تعليمية محددة ولا بمواعيد دراسة منتظمة، بل إنهم مثل باقي سكان يوهمون أنفسهم أنهم يعيشون ويفعلون ما يفعله باقي البشر في العالم من حولهم، وإن لم تصدقوا فاسألوا أهل غزة أو شاهدوا الصور والأفلام الوثائقية أو اقرأوا ما يكتب في الصحف العالمية عن هذه المنطقة المنكوبة وأهلها وحينها ستدركون أنه لا فرق بين هؤلاء الناس والبشر في العصر البدائي الحجري.

أما نصيحتي إلى إخواني في غزة فهي أن لا ينتظروا لا من إخوانهم ولا من أشقائهم ولا من باقي العالم شيئا مفيدا يحول حياتهم من جحيم إلى نعيم، بل عليهم إن أرادوا أن ينكسر الحصار المضروب حولهم أن يدخلوا في إضراب شامل وعام عن الطعام ويضعوا إسرائيل وحلفاءها في الشرق والغرب أمام الأمر الواقع. أهالي غزة أشبه بالأموات الآن، لا هم أحياء ولا أموات، والعالم من حولهم منشغل بالتنديد بإسرائيل واختيار العبارات الملائمة والقوية للتنديد والمطالبة، وكل هذا لا يفيد ولم يفد يوما القضية الفلسطينية في شيء. فليجرب الغزيون إضراب الجوع لعلهم يجدون جيش إسرائيل يدخل عليهم يوما، لا ليقتلهم بل ليجبرهم على الأكل مثلما كان الأمريكيون يجبرون معتقلي غوانتانامو على ذلك. فليفعلوا ذلك لعل كبار العالم يهتزون ويسارعون إلى منع وقوع كارثة هي الآن تحل على أهل غزة لكن في صمت.

سؤال أخير، والله بريء، كم يوجد في أسطول الحرية من إخواننا الإيرانيين؟ أم هل هناك مبادرة إيرانية لإرسال سفن إلى المنطقة، سفن إنسانية طبعا وليس لمحو إسرائيل من الخارطة؟

===========================

قرار مجلس الأمن .. هل يوازي قرصنة اسرائيل البحرية!؟

عبدالله محمد القاق

abdqaq@orang.jo

الدستور

6/2/2010

القرار الذي اتخذه مجلس الامن الدولي في شأن القرصنة البحرية الاسرائيلية التي أودت بحياة 19 مواطنا تركيا وناشطا سياسيا داعما لكسر الحصار عن غزة لم يكن على المستوى المطلوب.

 

قرار مجلس الامن الذي لم يدن بصراحة العدوان الاسرائيلي على سفن اسطول الحرية والناشطين من مختلف دول العالم يخالف كل القرارات الانسانية الضامنة لحرية الملاحة في الممرات المائية الدولية لا سيما ان اسرائيل أقدمت على هذا العدوان بعيدا عن الحدود الاقليمية أو الطبيعية لغزة وهذا يخالف ايضا مخالفة واضحة لكل المبادىء والاعراف الدولية التي تحض على عدم التعرض لهذه السفن ، خاصة اذا كانت تحمل مواد انسانية لشعب غزة الذي يعاني الحصار الكبير والجائر من اسرائيل وغيرها مطالبين هذا الشعب بالخنوع والاستسلام لصالح قوات الاحتلال الاسرائيلي.

 

هذا القرار الذي صدر أمس ، بعد مساومات مع الولايات المتحدة لعدم ادانة اسرائيل ، اكثر ما يوصف بأنه "بيان منحاز" وخجول.. ويساوي بين الجلاد والضحية ، اذ كيف يعقل ان يدين البيان كل الاعمال دون تحديدها من الجانب الاسرائيلي ، والتي ادت الى هذه الجريمة البشعة. وهل يمكن للولايات المتحدة بوقوفها المؤسف والمخجل لهذه الاعمال الانسانية التي قام بها ناشطون أتراك وعرب ودوليون من حملة جائزة نوبل للسلام ، وتستبعد ادانة اسرائيل التي قامت بهذا العمل العدواني السافر الذي ينافي كل القرارات الدولية؟، وهل يجوز للولايات المتحدة التي تدعي حرصها على السلام الدائم والعادل في المنطقة ان تواصل دعمها لاسرائيل الذي يستهدف قتل الابرياء من هؤلاء النشطاء بدل ان تكون لها وقفة "تأمل" حقيقية تجاه الضغط على اسرائيل بغية وقف غطرستها وصلفها وعدوانها المستمر الذي ينسف السلام من أساسه،؟.

 

فالمطلوب أن يصدر القرار بإدانة اسرائيل ، وتشكيل لجنة دولية بدعم من الأمم المتحدة بدلا من القرار الذي أوصى بتشكيل لجنة محايدة ونزيهة "من اجل التحقيق حول هذه الجريمة".

 

لقد أحسنت تركيا عندما جهزت هذا الاسطول عبر قافلة الحرية.. ودعوتها العاجلة لمجلس الامن الدولي لاظهار الصلف والغطرسة الاسرائيلية تجاه الحملات الانسانية.. هذا الموقف التركي يدل عن دعم حقيقي لقضايا الشعب الفلسطيني ، وهو افضل موقف شهدته المنطقة لا سيما في عصر أردوغان لدعم قضايا الأمتين العربية والاسلامية.

 

لقد أحسن المشاركون في اسطول الحرية عندما وزعوا على منظمي هذا الاسطول الانساني نص قرار مجلس الامن رقم 1860" 2009" - باللغة الانجليزية القاضي باعتبار قطاع غزة جزءا من "الدولة الفلسطينية" وانها لم تعد جزءا من الاراضي المحتلة في عام 1967 الواقعة تحت السيطرة الاسرائيلية.. وكان الهدف من توزيع هذا البيان على ناشطي قافلة الحرية تأكيدا على ان وضع حملات الاغاثة والاجراءات التي اتخذتها سليمة تماما من الجهة القانونية وعلى المستوى الدولي اضافة الى عدم وجود مخالفات يمكن ان ترصدها اسرائيل ضد اسطول الحرية والمشاركين فيه.

 

فهذا العمل الاجرامي الاسرائيلي يمثل مجزرة تضيفها اسرائيل الى سجل اجرامها وارهابها المنظم لأن اقتحام سفينة تحمل مواد انسانية واغذية لشعب محاصر هو جريمة انسانية وهذا العمل الاجرامي ، كما قال العديد من اعضاء مجلس الامن الدولي ضد ناشطي الانسانية والسلام هو علامة ضعف لاسرائيل.. وقرصنة جديدة وغير مقبول ، ويهدد الامن والاستقرار في المنطقة وبخاصة المياه الدولية...،.

===========================

الأولوية الآن لجهد إنساني دولي لكسر الحصار

باتر محمد علي وردم

الدستور

6/2/2010

على متن السفن التي هاجمتها عصابات الاحتلال الإسرائيلي كان هنالك حوالي 700 شخص من مناضلي حركات السلام الدولية ، وجميعهم تعرضوا لإطلاق الرصاص والضرب فمنهم من قضى شهيدا ومنهم من تعرض للجروح وكلهم تعرضوا لعملية اختطاف همجية من قبل البحرية الإسرائيلية.

 

من ضمن المئات الذين كانوا على السفن كان هنالك طفل تركي لم يتجاوز 18 شهرا جاء إلى السفينة مع والديه وكانت أيضا ناجية الهولوكوست اليهودية الأميركية هيدي إبشتين التي تبلغ من العمر 85 عاما في محاولتها الرابعة لدخول قطاع غزة ودعم المواطنين الفلسطينيين ضد الاحتلال والحصار.

 

بين 18 عاما و 85 عاما هنالك أجيال وأديان وعقائد وجنسيات وقوميات مختلفة جعلت من هذه الرحلة واحدة من أروع الأمثلة على التضامن الإنساني في العالم ومن أكثر الأمثلة إثارة للاهتمام وجود قبطان يوناني لاحدى السفن التركية ضمن القافلة،.

 

لا أعرف ما هو الشعور الذي دار في خلد هيدي إبشتين والتي نجت من المجازر التي ارتكبها النازيون ضد اليهود في أوروبا واستغلها الصهاينة لاحتلال الأراضي الفلسطينية ومن ثم إقامة دولة لا تقل بشاعة وعنصرية وتدميرا عن الدولة النازية وحليفتها الفاشية في أوروبا ، ولكنها بالتأكيد لن تعجز عن عقد المقارنات بين أسوأ ما أنجبه التاريخ البشري من عدوان على الإنسان.

 

في الولايات المتحدة كان الكاتب والباحث اليهودي الأميركي نورمان فنكلشتاين المولود لأبوين ممن نجوا من الهولوكوست واضحا جدا في وصفه لإسرائيل بأنها دولة مخبولة Lunatic state في مقابلة مع تلفزيون روسيا اليوم تداولتها معظم الشبكات الاجتماعية في العالم. فنكلشتاين نفسه اصدر كتابا قبل أيام وثق فيه كافة الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان في عدوانها ضد غزة وكان بمثابة تقرير جولدستون ثان ولكنه أكثر حدة.

 

مجلس إدارة ومستشاري حركة "غزة الحرة" التي كانت المنظم الرئيسي للقافلة يضم شخصيات عالمية معروفة في نضالها من أجل حقوق الإنسان ومنهم نعوم تشومسكي وكذلك الناشطة الكندية اليهودية في مجالات العدالة ناعومي كلاين والأب عطاالله حداد وجيمس ابو رزق السيناتور الأميركي السابق وبيتر هانسن مدير الأونروا السابق والسيدة ليلى شرف التي نفخر بتمثيلها للأردن في هذه الحركة وجريتا دوزنبرج الناشطة الهولندية المعروفة في مجال حقوق الإنسان وجيف هيلبر مؤسس اللجنة الإسرائيلية لمنع هدم منازل الفلسطينيين وجون بيلجر منتج الأفلام الاسترالي الذي قام بإنتاج أفضل الأعمال الوثائقية حول فلسطين والبارون جين تونج عضو مجلس اللوردات البريطاني وغيرهم الكثير.

 

هذه اللحظة هي لحظة إنسانية بامتياز ولهذا يجب استثمارها في تعزيز وتقوية كافة الشبكات والقوى الشعبية على امتداد الكرة الارضية والتي تؤمن بمبادئ العدالة من أجل ممارسة أشد أنواع الضغط السياسي والشعبي والديمقراطي لكسر الحصار وهذا قد يتأتى من خلال حملات ضغط داخل الدول وخاصة المؤثرة في الولايات المتحدة وأوروبا وتسيير العديد من السفن وقوافل الإغاثة والدعم الإنساني لغزة.

 

على الدول العربية أن لا تقف متفرجة وإلا ستخسر الكثير من المصداقية الدولية ، ويجب إرسال سفن من موانئ عربية وتوجد الكثير من الموانئ في سوريا ولبنان ومصر وليبيا والجزائر وتونس والمغرب وهنالك آلاف الأثرياء العرب الذين يمكن أن يقفزوا من مراكزهم في قائمة فوربس للأثرياء إلى مراكز في قائمة رموز الإنسانية من خلال تقديم التمويل الكافي لهذه البعثات وهنالك رصيد هائل من العمل التطوعي والإنساني الذي يمكن تحريكه من العالم العربي لإيصال الدعم الإنساني إلى غزة وكسر الحصار عنها.

 

من الضروري ايضا أن نحاول إبعاد كافة الخطابات المتطرفة التي لا تفيدنا بشيء مثل ترّهات تنظيم القاعدة والطروحات المتعصبة دينيا وكذلك نتمنى من السيد أحمدي نجاد تخفيف تصريحاته حول "أكاذيب الهولوكوست" والتي تضر بالأهداف الإنسانية لدعم الشعب الفلسطيني كما أنها تنكر معاناة حقيقية واجهها الملايين من الابرياء الذين تم استثمار معاناتهم في خلق دولة العدوان العنصري الجديدة المسماة إسرائيل.

أن الوفاء لذكرى شهداء بحر غزة من مختلف الجنسيات يتمثل في توحيد كافة الجهود العربية والعالمية من أجل إنهاء حصار غزة وتحقيق الهدف النهائي الذي بذل من أجله المتضامنون أرواحهم وأي نقاش أو عمل لا يقدم الدعم لهذا التوجه أن يحاول الدخول في متاهات غير مفيدة سيكون إنكارا وجحودا لهؤلاء الأبطال.

===========================

من أجل أسرى أسطول الحرية وحتى كسر الحصار

ياسر الزعاترة

الدستور

6/2/2010

يقول البعض إن الهبة الجماهيرية نصرة لشهداء أسطول الحرية ما تلبث أن تنتهي ، كما هي العادة مع الهبات السابقة في مناسبات مشابهة ، الأمر الذي قد يبدو صحيحا وطبيعيا في آن ، ذلك أن أحدا لا يتوقع أن يترك الناس أعمالهم ثم يشرعوا في مسيرات وفعاليات متواصلة حتى تتحرر فلسطين ، لكن ذلك كله لا يلغي أهمية الفعاليات الموسمية التي تؤكد على جملة من الحقائق الأساسية التي لا ينبغي تجاهلها.

 

أهم تلك الحقائق أن هذه الأمة كانت ولا تزال أمة واحدة مهما فرقتها حقائق السياسة ، ويظهر ذلك في مناسبات عديدة تتعرض فيها لعدوان من قبل الخارج ، إذ تراها تتحرك من المحيط إلى الخليج ومن طنجة إلى جاكرتا ، كما تتحرك كل جالياتها في مختلف أنحاء العالم. ثم إنها أمة حية تنتفض بقوة في وجه من يعتدي عليها أياً كان ، ولا ينكر ذلك غير جاحد ، مع التذكير أننا نتحدث عن الشعوب لا عن الأنظمة.

 

الحقيقة الثانية التي لا تقبل الجدال هي أن قضية فلسطين كانت ولا تزال القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية ، ولا تتقدم عليها أية قضية أخرى ، بدليل أن محطاتها الأساسية هي الأكثر إثارة لجماهير الأمة ، وقد تابعنا شيئا من ذلك أثناء عملية العدوان على قطاع غزة ومحطات سابقة كثيرة ، كما تابعناها ونتابعها اليوم فيما يتعلق بمجزرة الصهاينة بحق أسطول الحرية.

 

ثمة حقيقة أخرى تتعلق بالتفاعل مع قضية فلسطين من قبل أناس من غير العرب والمسلمين ، وهي حقيقة باتت ماثلة للعيان ، ففي هذا العالم كثيرون باتوا ينصرون الحق أنى كان ، كما أن قطاعات عريضة من الرأي العام الدولي باتت تنظر بالكثير من الازدراء للاحتلال الصهيوني وممارساته.

 

الآن ، وفي ضوء ما جرى ، لا بد من القول إن الفعاليات التي تابعناها كانت مهمة وكبيرة ، أكان في العالم العربي والإسلامي ، أم في العواصم الأوروبية والعالمية ، كما أن الفعاليات المقبلة ستكون كذلك في ظل دعوة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى جعل يوم الجمعة يوم احتجاج على المجزرة ، فضلا عن دعوات أخرى كثيرة تصب في ذات الاتجاه.

 

ما ينبغي التركيز عليه خلال الأيام المقلبة ، إضافة إلى التفاعل مع شهداء المجزرة وإدانة القتلة هو التركيز على الإفراج عن الأسرى (أسرى أسطول الحرية) ، مع التأكيد على أن لا يبقى أي واحد منهم رهن الاعتقال ، إذ من المتوقع أن يمارس الصهاينة لعبة الانتقائية في التعامل معهم ، حيث سيصار إلى الإفراج السريع عن رعايا الدول الأجنبية ، بينما سيجري التلكؤ في الإفراج عن الآخرين ، ولا يستبعد الاحتفاظ ببعض الآخرين من الفلسطينيين والعرب وتوجيه تهمة مساندة الإرهاب إليهم ، فضلا عن التحقيق معهم بالطرق السيئة المعروفة.

 

لا ينبغي وقف الفعاليات قبل الإفراج عنهم جميعا ، أما الأهم من ذلك فهو الوفاء للبرنامج الذي من أجله استشهد الرجال ، ومن أجله جرح واعتقل الآخرون ، ألا وهو برنامج كسر الحصار ، ولن يتم ذلك من دون التعاهد على تسيير المزيد من الرحلات البحرية التي تكسر الحصار وتؤكد حق الفلسطينيين في ممر بحري يحميهم من مسار الإذلال في معبر رفح ، ويسمح لهم بتأمين سائر حاجياتهم ، فضلا عن حرية التنقل والدخول والخروج.

 

تلك مهمة بالغة الحيوية ، وهي ذاتها التي كانت سببا في تسيير قافلة أسطول الحرية ، وهي بالتأكيد مهمة القوى الحية من أحزاب ونقابات في العالم العربي والإسلامي ، فهذا العدو ينبغي تحديه بكل الوسائل ، وتلك ليست مهمة الفلسطينيين وحدهم ، بل مهمة كل أبناء الأمة ، وأظن أن جحافل من الناس سيكونون على استعداد لركوب تلك السفن وخوض عباب البحر من أجل كسر الحصار.

خلاصة القول هي أن العدو في مأزق بعد الذي جرى ، وينبغي تعميق مأزقه من خلال الإصرار على كسر الحصار عبر قوافل جديدة لا تتوقف حتى تنجز المهمة.

===========================

دروس القرصنة الإسرائيلية

د. حسن البراري

الرأي الاردنية

6/2/2010

لن أقف عند مقولة «أخي جاوز الظالمون المدى» على بلاغتها وصدق تعبيرها، بل سأقول أن القرصنة الإسرائيلية لأسطول الحرية تطرح عددا من التساؤلات علينا جميعا، والأهم في واقع الأمر هو أن ننتبه لبعض الحقائق أو أن نعيرها الإهتمام بالرغم من الشحن العاطفي الذي ما زال يرافق إقدام إسرائيل على جريمة تقشعر لها الأبدان.

 

فأولا، الفراغ في المنطقة العربية وتقاعس الأنظمة العربية عن القيام بواجباتها لردع الإسرائيليين عن مجرد التفكير بجرائمها فتح الباب على مصراعية للأتراك لملئه، ولنقل بصراحة أن الانظمة العربية تنزعج من الدور التركي وذلك لأنه يكشف حالة الإنكشاف الإستراتيجي التي تميّز وضع الكثير من الأنظمة العربية التي تريد أن تغطي الشمس بغربال! ومع ذلك ترحب الشعوب العربية بالدور التركي الجديد الذي يراهن عليه الكثيرون بأنه سيكون طوق النجاة بعد ثبوت حالة العجز العربي.

 

ثانيا، ثبت أن بإمكان أي دولة حليفة للولايات المتحدة أن تحافظ على علاقاتها مع واشنطن ولكن بنفس الوقت ترفع من منسوب معارضتها وممانعتها لإسرائيل، والأتراك يعلمونا درسا إستراتيجيا قيّما بهذا الخصوص. وبالفعل ظهر نمط من التحليل الجديد في واشنطن ينص على أنه لم يعد بإمكان الولايات المتحدة اجبار حلفائها على التماشي مع سياساتها لتراجع تأثير واشنطن إذ لا تدقع الدول ثمنا باهظا لمخالفة أميركا. ورأينا كيف تمكنت تركيا والبرازيل من الخروج عن الخط الاميركي في الملف الأهم بالنسبة لواشنطن، فهذه الدول تكافأ على ما تقوم به في حين أن أميركا عاجزة عن تدفيعها ثمنا لقاء هذه المواقف.

 

ثالثا، وهنا الأهم أن هناك فجوة بين الكلام والأفعال، فقد تدين الأنظمة العربية المجزرة النكراء بالطريقة التي يرونها مناسبة، لكن واضح أنهم محامون سيئون لأعدل قضية، فهم غير قادرين على بناء تحالفات دولية، وغير قادرين على ترجمة ما يقولونه لأفعال ملموسة ترفع من كلفة استمرار احتلال الديلوكس للضفة الغربية. ولهذا السبب لم نستغرب ردة الفعل العربي الرسمية التي لم تختلف كثيرا عن دول تفصلها عنا أكثر من ألاف الأميال. فامتلاك قوة التأثير ليس قرارا تتخذه الانظمة اليوم، لكنه نتاج سيرورة ورؤية وتوفر قيادات تضع المستقبل نصب عينها وتتخلص من لعبة البقاء السياسي المستندة على الإذعان لعواصم غربية لم يعرف عنها تاريخيا أي إنحياز لقضايانا العادلة.

 

واللافت أن الشعوب العربية باتت تراهن على الأتراك، غير أن الأتراك يعبرون عن مصالحهم وعلينا أن لا نقع في خطأ رفع التوقعات حتى لا نصاب باحباط في حال رأى الأتراك أن من مصلحتهم عدم الإصطدام مع تل أبيب. ومن ثم فالمطلوب من العرب العمل على خلق خيارات عربية وتسخير الموارد لها. فقد إنهزم منطق اتباع الدبلوماسية كإستراتيجية للتعامل مع العدوان والاحتلال الإسرائيليين. كما أن ما حصل يبرهن مرة أخرى بأن هناك ضرورة لإعادة مفهوم الأمن القومي العربي كجزء لا يتجزأ لأن غير ذلك أثبت أنه مكلف للعرب وللأنظمة التي تبدو عديمة الحيلة في لجم الغول الإسرائيلي المنفلت من عقاله.

===========================

لقاء الأسد - الحريري: ارتياح وخطوة إلى الأمام

تداعيات للاعتداء الإسرائيلي وترقّب للموقف التركي

سمير منصور

النهار

6/2/2010

لعل أفظع ما في الجريمة الجماعية التي ارتكبها الجيش الاسرائيلي ضد مدنيين في المياه الاقليمية الدولية والتي اسفرت عن مجزرة قتل فيها 19 وجُرح العشرات من ناشطي السلام المشاركين في قافلة "اسطول الحرية" للمساعدات الانسانية وفك الحصار عن غزة، انها نفذت عن سابق تصور وتصميم وبقرار من الحكومة الاسرائيلية، وقد تم التحضير لتنفيذها بتدريبات عسكرية في البحر الاحمر الاسبوع الماضي، وبتعليمات بالقتل لا بالاكتفاء بمنع القافلة من الوصول او احتجاز المشاركين فيها والتحقيق معهم. وهكذا، لم يكن رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان مبالغا عندما وصف الجريمة ب"ارهاب الدولة".

وبدا واضحا ان اكثر الرسائل الاسرائيلية قساوة من خلال الاعتداء على القافلة الانسانية كان موجها الى تركيا باستهداف باخرة القيادة التركية للقافلة "مافي مرمرة"، مما ينذر بانعكاسات بدأت تلوح في الافق على العلاقات التركية – الاسرائيلية والمستمرة منذ اعتراف تركيا باسرائيل عام 1949. ويقال ان حجم التبادل التجاري بينهما تجاوز في السنوات الاخيرة الملياري دولار سنويا، عدا التعاون في مجالات اخرى ولا سيما العسكرية منها، وقد شكل الاعتداء الاسرائيلي على "اسطول الحرية" الحادث الاخطر في تاريخ العلاقات التركية – الاسرائيلية، ولا يبدو انه سيمرّ دون تداعيات ولن يقتصر على بيان احتجاج او "سحب السفراء".

وعلى خلفية هذا الواقع، بدأ الحديث جديا في اوساط سياسية ورسمية لبنانية عن تداعيات محتملة للاعتداء الاسرائيلي في المنطقة وانعكاسات على التحركات الجارية في شأن مساعي التسوية او "عملية السلام" التي تضطلع تركيا بدور اساسي فيها، ولا سيما دور الوسيط والراعي لمحادثات سورية – اسرائيلية في مراحل سابقة غير بعيدة.

وكان من الطبيعي ان يرخي العدوان الاسرائيلي الجديد بثقله على لقاء رئيس الحكومة سعد الحريري في دمشق قبل يومين مع الرئيس بشار الاسد. وقد بدا جليا في البيان الرسمي المشترك الذي صدر على الاثر. ومن المعروف ان اللقاء الذي جاء بعد يوم واحد من عودة الحريري من واشنطن ونيويورك، كان لاطلاع الاسد على اجواء لقاءاته مع الرئيس باراك اوباما واركان الادارة الاميركية، والتي تناولت شؤونا تتعلق بالوضع في المنطقة، وتعني سوريا بالطبع كما تعني لبنان.

واذا كانت اوساط الحريري تمتنع عن الدخول في تفاصيل لقائه والاسد، وتكتفي بان "لا شيء عندنا نضيفه على ما ورد في البيان الرسمي" فان اللقاء الثالث بينهما شكل خطوة الى الامام في مسار علاقتهما المتنامية، وقد عكسها مجرد صدور بيان مشترك عن اللقاء كان معبّرا في الشكل والمضمون، وكذلك بدت واضحة في تصريحات ايجابية لسياسيين لبنانيين يعكسون عادة "الجو" السوري المرتاح على ما يبدو الى المواقف التي عبر عنها الحريري في واشنطن، وهذا ما من شأنه ان ينعكس ايجابا على المشهد السياسي الداخلي اللبناني، وهدوءا داخل الحكومة.

وكان لافتا ان اوساطا حكومية تركز في احاديثها على الوضع في المنطقة وتدعو الى الخروج من "الزواريب" السياسية الداخلية والى التعامل بمسؤولية مع التطورات الجارية والمحتملة، معتبرة ان "ما يجري اكبر من الجميع"، ومتسائلة تكرارا عن التداعيات المحتملة للهجوم الاسرائيلي على القافلة الانسانية وعلى الباخرة التركية تحديدا، وعن الخطوات التركية اللاحقة. وعندما يقول رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان ان اسرائيل "داست القانون الدولي" وان هذا السلوك "يشكل تهديدا للسلام في المنطقة" ينبغي التمعن جيدا في مواقفه، وقراءاتها جيدا.

وسط هذه الاجواء ترى اوساط سياسية لبنانية ان الاعتداء الاسرائيلي على القافلة الانسانية والذي اسفر عن مجزرة حقيقية في حق مدنيين ناشطين في العمل الانساني ومن جنسيات مختلفة عربية واوروبية، ينبغي ان يكون حافزا لتحرك ديبلوماسي واعلامي عربي واسع النطاق لتسليط الضوء على "ارهاب الدولة" الذي يمارسه الاسرائيليون تاريخيا ومنذ ما قبل 1948، وتصحيح الصورة المشوهة التي تمكن اللوبي الصهيوني في العالم من رسمها و"زرعها" في اذهان الرأي العام العالمي من خلال الاعلام على اختلاف وسائله عن العرب والمسلمين، والعمل على تقديم الصورة الحقيقية للارهاب، ودعوة "العالم الحر" الى عدم المساواة بين القاتل والضحية، وبين المعتدي والمعتدى عليه، والتعبير بكل الوسائل عن ان من يدافع عن نفسه باللحم الحي في مواجهة الحديد والنار وأحدث الاسلحة الفتاكة التي يستخدمها الجيش الاسرائيلي ضده، ليس ارهابيا، بل قتل الاطفال والنساء والشيوخ وحصار المدنيين هو الارهاب بعينه. فهل من يُقدم ويلبي النداء؟ ام ان ما جرى ستنتهي مفاعيله كالعادة بعد ايام؟

===========================

مع الغطرسة الإسرائيلية... مانفع القرارات والبيانات ؟

بقلم: جان بول ليمارك‏

موقع info-decodee

ترجمة

الأربعاء 2-6-2010م

ترجمة: دلال إبراهيم

الثورة

قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون: لقد أوضحت لقادة إسرائيل أن سياسة الحصار لايمكن تحملها وهي سيئة و تسبب معاناة لاتطاق لسكان غزة.

ولكن تصريحه هذا لم يفض إلى اتخاذ قرار ملموس لمنع إسرائيل من مواصلة انتهاكها للقرار الدولي، وأي قرار سيبقى حبراً على ورق نظراً لأن إسرائيل لم تطبق أياً من القرارات العديدة الصادرة عن الأمم المتحدة، وللأسف ينسحب هذا الموقف على القادة الأميركيين والأوروبيين، فقد تراجع الرئيس باراك أوباما عن شرطه لعودة المفاوضات وهو التجميد الكلي لعملية الاستيطان.‏

وحتى القرار الاستفزازي الإسرائيلي بإعلانه بناء 1600 وحدة سكنية في القدس الشرقية والذي تزامن مع زيارة نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن إلى تل أبيب لم يثر سوى بعض الإدانة اللفظية، وسرعان ما لفه النسيان، وقد أعاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفضه، رسمياً، الطلب الأميركي بتعليق الوحدات الاستيطانية في القدس الشرقية،في الوقت الذي وصل فيه المبعوث الأميركي جورج ميتشل إلى إسرائيل في أواخر شهر نيسان بهدف إحياء المفاوضات من خلال إجراء مباحثات مباشرة.‏

ويحاول باراك أوباما حفظ ماء الوجه في محاولة الالتفاف على التعنت الإسرائيلي للإيحاء أن المفاوضات ليست مجمدة، وجاء في نشرة صادرة عن تجمع القضاة الديمقراطيين (حق التضامن) تتحدى إسرائيل في صلفها وغطرستها الحالية الداعم الرئيسي لها، وبلا ريب أنها تخاطر بذلك لعلمها أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المخلصين لها سوف يبدون صدمتهم وقلقهم ولن تذهب الأمور إلى أبعد من ذلك.‏

وأظهر الواقع، أن الاتحاد الأوروبي، وهو العضو في اللجنة الرباعية، إلى جانب الأمم المتحدة وأميركا وروسيا يبدي نفس التساهل والمحاباة تجاه إسرائيل، وضمن هذا السياق عزز الاتحاد الأوروبي بمبادرة من فرنسا، علاقته مع إسرائيل على قاعدة الوضع الخاص الممنوح لها استناداً إلى مشاركة إسرائيل في السوق الأوروبية وفي بعض من سياساتها المشتركة، ولقيت تلك الخطوة من جانب إسرائيل ترحيباً واعتبرتها بمثابة تشجيع لها على مواصلة سياستها الاستيطانية والقمعية.‏

ويكتفي المسؤولون في المؤسسات الأوروبية سواء في المجلس أم في المفوضية بإطلاق الخطابات الرنانة والتصريحات العظيمة للتعبير عن قلق،استنكار،حث،اعتراض، وإدانة، يتكرس عملهم الأساسي في البحث داخل قواميس اللغة عن مرادفات لكتابة نصوصهم، وقد رسم طوني بلير ممثل اللجنة الرباعية، خلال جلسة استماع أمام لجنة التطوير في البرلمان الأوروبي، صورة متفائلة عن التقدم المحرز في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ووصف الوضع بأنه متوازن.‏

وقد أبدى الجانب الفرنسي من ناحيته الفتور نفسه في ردات فعله، إلى حد التقاعس في العمل والمتواري خلف قناع التصريحات المطمئنة، وعلى هذا الأساس اعترف وزير الخارجية برنار كوشنير بضعف وعجز حكومته وكذلك الاتحاد الأوروبي، رداً على أسئلة طرحها وزير الخارجية الأسبق هيرفيه دو شاريت، على نحو ماذا يمكننا أن نفعل؟ مجيباً ليس بإمكاننا فعل الكثير، حتى إلى جانب أوروبا.‏

وأعاد كوشنير نفس الجواب في السابع من نيسان، في معرض رده على سؤال طرحه النائب جان بول ليكوك لدى لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية الفرنسية، (نحن ندين بحزم سياسة الاستيطان والطريقة التي تتواصل بها.... ومع ذلك لانستطيع إيقافها إلا في حال تطبيق القرارات الدولية ويجدر أن نأخذ هذا الواقع بعين الاعتبار... ليس للقبول به،للنظر في تحليلاتنا ما العمل الآن؟ لو كانت الحلول واضحة،كانت، حتماً، موجودة).‏

جواب هو أقرب إلى التواطؤ منه إلى العجز! ولم تحتج الحكومة الفرنسية عندما تعرض دبلوماسييها إلى الاعتداء، في مرات عديدة على يد القوات الأمنية الإسرائيلية،وقد سمحت لمؤسسات فرنسية الإقامة في القدس والإسهام في تعزيز الاحتلال الإسرائيلي.‏

وبسبب التقاعس الذي أبدته الدول الغربية زادت الحكومة الإسرائيلية من تعنتها وغطرستها، ولم تبال لطلب البرلمان الأوروبي بتطبيق توصيات تقرير غولدستون، الذي يقر بارتكاب إسرائيل انتهاكات للقانون الدولي، فهي تواصل حصارها للقطاع، كما تأسر في سجونها أكثر من 10آلاف فلسطيني، منهم النساء والأطفال ونواب منتخبون في البرلمان لايعودون إلى قراهم أو عائلاتهم لدى خروجهم من السجن، على غرار ماحصل مع أحمد سعيد صباح، لأنه يتم ترحيلهم نحو غزة، وإسرائيل لاتواصل رفضها تجميد بناء المستوطنات فحسب، بل إنها تعلن العكس عن مواصلتها البناء، والآن يبلغ عدد اليهود الذي يقطنون الجزء العربي في القدس الشرقية 200ألف إسرائيلي منذ تاريخ 1967.‏

خلال شهر آذار أعلن بيليغ أحد أعضاء بلدية القدس، بشكل علني،أن القدس هي مدينة موحدة تحت السيادة الإسرائيلية،ويتعين الاستمرار في منح رخص البناء، وهذا ماتنفذه بلدية القدس والحكومة الإسرائيلية بحذافيره مع قيامها ببناء وحدات استيطانية جديدة مرافقة مع طرد السكان العرب من منازلهم،وقد نفى عمدة مدينة القدس نيربركات رسمياً أي تجميد لبناء المستوطنات في الجزء الشرقي من المدينة.‏

وفي سياق انتهاكها للقانون الدولي وللقرارات الأممية، لاتريد تل أبيب أن تستمع لكل ما يتعلق بحدود 1967، بل وتزعم أن القدس هي عاصمة أبدية لإسرائيل.‏

وبرهنت تجارب الأعوام الأخيرة استهزاء إسرائيل بالنصائح والإدانات اللفظية، ويتعين إزاء هذا الواقع قرن الأقوال بالأفعال، مثل فرض عقوبات اقتصادية وتجارية ومالية،وعلى الصعيد الأوروبي،إن أفضل وسيلة لوضع حد لظاهرة إفلات إسرائيل من العقاب حيث تعتبر نفسها فوق القانون والمعايير الدولية تكمن في تعليق الشراكة بين دول الاتحاد وإسرائيل.‏

ومن أجل هذا السبب ينبغي تطوير وتعزيز الخدمات الداعمة للتعبئة الدولية الداعية إلى مقاطعة، سحب استثمارات وعقوبات، وهذا أهم سلاح لوقف تدمير فلسطين.‏

وكما أكد مؤخراً بيتر ستامبول لايمكن حل النزاعات إلا من خلال إنهاء الاحتلال والاستيطان،وتفكيك جميع المستوطنات وإزالة الجدار الفاصل، وضم الأراضي والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين وعودة اللاجئين والاعتراف بحقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة والقابلة للحياة ، وتكون القدس الشرقية عاصمة لها.‏

===========================

استراتيجية الأمن القومي الأميركية

بقلم :د.منار الشوربجي

البيان

6/2/2010

من يقرأ استراتيجية الأمن القومي الأميركي التي صدرت الأسبوع الماضي، يدرك أن أميركا ابتعدت عن رؤية بوش الابن وفريقه، وعادت بسياستها الخارجية إلى ما كانت عليه قبله. فهذه الوثيقة، رغم أنها لا تمثل تحولا راديكاليا في سياسة أميركا الخارجية، ولا هي قدمت أفكارا جديدة، فإن قيمتها تنبع من أنها أكدت على تراجع أميركا عن منهج بوش، بل وقامت صراحة بتفنيد كل أطروحات إدارته وأفكارها.

 

فالوثيقة التي تقع في اثنتين وخمسين صفحة، فضلا عن المقدمة التي كتبها ووقعها الرئيس الأميركي، رفضت صراحة ليس فقط رؤية بوش للعالم، وإنما المبادئ الرئيسية التي تبنتها إدارته.

 

فهي رفضت اعتبار الإرهاب هو التهديد الأول لأميركا، ورفضت الأحادية في السياسة الخارجية والغطرسة التي اعتمدتها إدارة بوش في التعامل مع الحلفاء قبل الأعداء، ورفضت الاعتماد على القوة الغاشمة وحدها لإدارة السياسة الخارجية الأميركية.

 

وقد اختفت من الوثيقة تعبيرات الكاوبوي الملفقة، بدءا من «الحرب على الإرهاب»، مرورا بالصدمة والرعب، ووصولا إلى الحرب الاستباقية.

 

وفي المقدمة التي كتبها أوباما، كان واضحا أن رؤيته للعالم لا تقوم مثل بوش على اعتباره عبارة عن مكان مليء بالتهديدات والشر، وإنما باعتباره مكانا مليئا بالفرص والتحديات. بل قال أوباما صراحة، إن أمن أميركا على المدى الطويل «لن يتحقق من خلال قدرتنا على زرع الخوف في نفوس الشعوب الأخرى، وإنما عبر قدرتنا على أن نخاطب آمالهم».

 

وأول ما يلفت الانتباه في تلك الوثيقة، هو تكرارها المستمر لتعبير «إحياء» الزعامة الأميركية، في اعتراف ضمنى بأن هناك فشلا قد منيت به أميركا في السنوات الماضية، فقدت معه ما يستوجب «الإحياء».

 

ومن هنا، جاء تأكيد الوثيقة على ضرورة العمل الدولي الجماعي، بما في ذلك العمل من خلال المنظمات الدولية التي ناصبتها إدارة بوش العداء وسخرت منها.

 

ومن هنا أيضا كان التأكيد الصريح في الوثيقة، على أن القوة العسكرية الأميركية لن تكون أهم أدوات السياسة الخارجية الأميركية، ولا الأولى التي يتم اللجوء إليها. فبينما تحتفظ الوثيقة بحق أميركا في الاستخدام الأحادي للقوة العسكرية إذا لزم الأمر، فإنها تؤكد على أن اللجوء لها يكون بعد استنفاد كل الوسائل الأخرى، ومتزامنا مع الالتزام بالقواعد المتعارف عليها دوليا عند استخدامها.

 

ومن الواضح أن هناك جديدا في ترتيب إدارة أوباما لما اعتبرته تهديدات للأمن القومي الأميركي. صحيح أن الوثيقة بدأت بالحديث عن الإرهاب قبل غيره، إلا أنها قالت صراحة إنه «واحد فقط من بين العناصر التي تشكل بيئتنا الاستراتيجية»، بل ورفضت اعتبار «شبكات جماعات العنف المتطرفة» هي التهديد الأول والأخطر للأمن القومي الأميركي.

 

ففي الوثيقة، احتل انتشار السلاح النووي واحتمال وقوعه في يد المتطرفين، الموقع الأول في سلم التهديدات. بعبارة أخرى، فإن حصول الجماعات المتطرفة على السلاح النووي، لا تلك الجماعات نفسها، هو التهديد الأول للأمن القومي الأميركي. وهو فارق مهم، لم يكن موجودا في عهد إدارة بوش التي كانت تساوي بين الاثنين.

 

لكن ما لفت انتباهي، هو اهتمام الوثيقة بالتهديدات التي تحدث في العالم الافتراضي، بل واعتبارها من أهم تهديدات الأمن القومي الأميركي. فقد قالت الوثيقة في عبارة ذات دلالة، إنه «بالإضافة إلى المعارك التقليدية، هناك تهديدات تستهدف اعتمادنا على الفضاء وعلى العالم الافتراضي».

 

وقد خصصت الوثيقة فعلا جزءا معتبرا لتناول تلك المسألة، والتأكيد على ضرورة حماية «البنية التحتية الرقمية»، وزيادة الوعي بأهمية الأمن في العالم الافتراضي، فضلا عن «ضرورة ابتكار تكنولوجيا جديدة يمكنها حماية» المواقع الحكومية والصناعية الحساسة.

 

أما في ما يتعلق بالشرق الأوسط، فرغم أن الجزء الخاص بالصراع العربي الإسرائيلي لم يتضمن جديدا يذكر، بل انطوى على استخدام خطاب بالغ العمومية، فإن ما جاء بخصوص دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، كان هو الأكثر أهمية. فمجمل ما جاء في الوثيقة معناه أن أميركا في عهد أوباما، ستتوقف عن استخدام الديمقراطية كأداة لابتزاز النظم الشمولية كما كان عليه الحال في عهد بوش.

 

فالوثيقة جسدت براغماتية أوباما، بشرحها الواضح لكيفية التعامل مع النظم غير الديمقراطية الحليفة لأميركا. فإدارة أوباما لن تحرج أولئك الحلفاء «علنا»، عبر انتقاد سجلاتهم البائسة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان.

 

فهناك منهج «ثنائي» ستتبعه الإدارة على حد تعبير الوثيقة، يقوم على «دعم علاقات التعاون مع تلك النظم، ثم استغلال تلك العلاقات القوية لفتح حوار معها، لدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان»، وهو ما يعنى بالضرورة أن ذلك «الحوار» سيكون في الغرف المغلقة.

 

ولا يقل أهمية عن ذلك، ما قالته الوثيقة عن فتح القنوات مع القوى والحركات السياسية المختلفة، ثم ما ذكرته عن «الاعتراف بشرعية كل الحركات الديمقراطية السلمية»، بغض النظر عن اتفاق الولايات المتحدة مع أهدافها، «والترحيب بكل الحكومات التي تنتخب بشكل شرعي، طالما التزمت باحترام حقوق شعوبها واحترمت التزامات بلادها الدولية».

 

والحقيقة أن ما جاء بخصوص دعم الديمقراطية في العالم ليس جديدا، إذ سبق أن قاله أوباما بنفسه في خطاب القاهرة. وتلك في الواقع، هي الرسالة الأهم في الوثيقة للنظم الحليفة لأميركا، في العالم العربى وغيره. فهي رسالة ذات بعدين؛ فمن ناحية، يمكن لهذه النظم أن تطمئن إلى أن أوباما لن يحرجها علنا أو يبتزها باسم الديمقراطية.

 

ولكن الرجل من ناحية أخرى، لن يتوانى عن فتح قنوات مع كل القوى والحركات السياسية. والأهم من ذلك، هو أن هذه الإدارة لن تمانع في وصول أي فريق للسلطة، بما في ذلك الإسلاميون، في أي بلد عربي، طالما احترم ذلك الفريق حقوق الأقليات مثلا، والتزم بعدم الإخلال بالمعادلة الإقليمية الراهنة بكل مفرداتها.

كاتبة مصرية

===========================

مفوضية الإعلام آمال وطموحات

بقلم :نورة السويدي

البيان

6/2/2010

قبل أيام تداعى خبراء ومسؤولو الإعلام العرب، وانتظموا في اجتماع إعلامي عربي احتضنه مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في القاهرة، لبحث مسيرة الإعلام العربي وواقعه وتطوراته، وسبل الارتقاء به وبلورة خطاب إعلامي جديد يحاكي أحلام الوطن الكبير، ويتناغم مع طموحاته في الساحة الإعلامية العربية، ويجاري بنجاحاته ما تحمله وسائل الإعلام العالمية وما ينقله الفضاء الكوني المفتوح على مصاريعه.

 

وبالجملة كان الاجتماع ناجحاً في تشخيص الحالة الإعلامية العربية، ووضع أسس العلاج الناجعة الكفيلة بإعادة تأهيل الرؤية الإعلامية العربية، وتبادل المجتمعون هموم الماضي الإعلامي وحاضره ومستقبله، ووضعوا النقاط على الحروف المتناثرة في الخطاب الإعلامي العربي.

 

إلا أن ما عقد الاجتماع من أجله، وهو دراسة موضوع مشروع إنشاء مفوضية للإعلام العربي، لم يحظَ بالتأييد الكامل من المشاركين، بل اختلفت الآراء حوله، وانفض سامر المجتمعين على أمل الوصول إلى حلول ترضي جميع الأطراف في المستقبل القريب.

 

والحقيقة أن عدم الاتفاق على مشروعات ضخمة، بحجم مفوضية للإعلام العربي توازي مفوضية الإعلام الأوروبي في تجربتها المحكمة والناجحة، لم يكن مستبعداً، لا سيما وأن الواقع الإعلامي العربي لا يزال يحمل الكثير من علامات التباعد في الرؤية ما بين بلد وآخر، ويحتاج إلى عمل عربي دؤوب لتقريب وجهات النظر والبحث عن أرضية مشتركة تنظم انطلاقة الفضاء العربي، وتوجه كوادره وطاقاته لخدمة قضايانا العربية من المحيط إلى الخليج.

 

ولا نعيب على المجتمعين عدم الاتفاق، لأن المسألة في حقيقتها تحتاج إلى قراءة متأنية ودراسة عميقة للمشروع من جميع جوانبه، وإعداد البيئة الإعلامية المجتمعية العربية التي تهيئ لتبني مثل هذا المشروع، وليس أقل من وجود لجنة مبدئية تضم خبراء في الإعلام والقانون والاتصال، كما اقترح الوفد الإماراتي المشارك، ما يضمن تأمين الدراسة الكاملة للمشروع لتذليل مختلف الصعوبات المالية والقانونية.

 

وعلى الرغم من أن المتابعين لمشاورات الخبراء الإعلاميين العرب في الاجتماع، لاحظوا درجة من الشعور بالإحباط لدى البعض ممن وصفوا بعض الردود العربية ب«غير المشجعة»، وعنفوا على واقع تغيب عنه النية والإرادة الجادة لتنفيذ مثل هذا المشروع الضخم، غير أن الأمر يحتاج إلى إعادة الطرح، بل وتكرار الدعوة إلى إنشاء مفوضية الإعلام العربي.

 

لما تحمله من إيجابيات واسعة على رأسها مواكبة العصر في التقدم العلمي الإعلامي، بما يتناسب مع قيمنا وعاداتنا وديننا وأخلاقنا، ضمن رؤية واحدة تضمن الوصول إلى درجة الإعلام المتطور الذي يوازن بكفاءة بين حرية التعبير واحترام قيم المجتمع، ويجمع بين الالتزام ومواكبة العصر.

 

ويعزز دور الإعلام العربي في مواجهة التحديات الدولية وإظهار الحق العربي في إطار عربي مؤسسي، وإيجاد حالة معرفية داخل المجتمع العربي عن واقع الأمة وحاضرها ومستقبلها، وحالة أخرى موازية لدى الغرب للمساهمة في تعديل الصورة النمطية عن العرب.

 

وإذا كان مشروع مفوضية الإعلام العربي قد طرح على طاولة البحث في الجامعة العربية، ولا يزال يخضع للشد والجذب حتى موعد ولادته المأمول، إلا أننا لا بد أن نسجل لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، قصب السبق في رؤية سموه الواضحة المنطلقة إلى رحاب الفضاء المفتوح.

 

حين قرر أن الإعلام يجب أن يكون ضمير الناس، وأداة بناء وتصويب لا معول هدم وتخريب، وأن يكون رسالة سلام ومحبة وجسراً للتواصل الحضاري والإنساني بين الثقافات والشعوب، وأن يعكس الإعلاميون الوجه الإنساني والصورة الحضارية لشعوبنا التي تحكمها قيم ومفاهيم إنسانية، ممزوجة في كينونتها ونابعة من أصالتها العربية ومبادئ الإسلام الحنيف.

كلمات واضحة تصلح أن تكون دستوراً وميثاق عمل إعلامي، للوصول بالمجتمع الإعلامي إلى أرضية مشتركة، يمكن الانطلاق منها إلى جدول مشروع مفوضية الإعلام العربي، لتلتقي عندها مختلف الرؤى والجهود العربية في هدف واحد وحلم واحد.

===========================

4 رسائل كبرى وراء الغارة "الإسرائيلية"

آخر تحديث:الأربعاء ,02/06/2010

سعد محيو

الخليج

هل كان الاعتداء “الإسرائيلي” على المواطنين المدنيين الأتراك في القافلة البحرية الدولية، “خطأ متعمداً”؟

 

كل المؤشرات تؤكد ذلك . “فالاسرائيليون” كانوا يعلمون بالطبع أن السفن الثلاث الأولى من أسطول المساعدات لغزة كانت تركية، كما يعرفون جيداً أن الأتراك شعب مُقاتل لايقبل أن يُستفز من دون أن يرد .

 

لكن، هل اطلاق العيارات النارية الحيّة كان حتمياً أيضاً؟ ألم يكن في مقدور الكوماندوس “ الإسرائيلي” المُدرّب تدريباً عالياً على احتلال السفن في عرض البحر، قادراً على احتواء الموقف من دون إسالة هذا السيل من الدماء؟

 

الجواب هو “نعم، بالتأكيد” على كل هذه الأسئلة الثلاثة، ولذا لاتبقى سوى الفرضية بأن تل أبيب تعمّدت افتعال هذا الخرق الفاضح لكل معايير القانون الدولي الإنساني والمعاهدات الدولية الخاصة بحرية الملاحة في أعالي البحار، لتحقيق ثلاثة أهداف تتضمن في ثناياها ثلاث رسائل إلى كلٍ من تركيا وأمريكا والأسرة الدولية .

 

- الرسالة إلى تركيا:

 

لاتحاولي ثانية التدخّل في غزة والضفة، فهاتان المنطقتان مستعمرتنا الخاصة للغاية وحديقتنا الخلفية، وإذا ما كنّا اليوم قتلنا بعض مواطنيك لمنعكِ من تحقيق نصر دبلوماسي عبر كسر الحصار الذي نفرضه على غزة، فغداً قد نفعل أكثر من ذلك إذا تطلب الأمر، ولتذهب إلى الجحيم حينها مناوراتنا العسكرية المشتركة ومعها الثلاثة بلايين دولار من التبادلات السنوية التجارية معكِ .

 

ثم لاتنسي يا بلاد الأناضول أنكِ لست الخلافة العثمانية الجديدة (ليس بعد على الأقل)، بل “الخلافة الأطلسية” التي تتربع على عرشها حليفتنا الكبرى أمريكا، وبالتالي، أي محاولة للمس بسيطرتنا على نظام الشرق الاوسط، ستلقى مصير أسطول غزة نفسه .

 

الرسالة إلى الولايات المتحدة:

 

تلقينا مؤخراً تلميحات منكِ تهدد بتركنا من دون غطائك الدولي المعهود، كما استلمنا رسائل مماثلة من تحت الماء خلال المؤتمر النووي . حسناً . هانحن نرد التحية بمثلها، ونتحداك الآن أن تشتركي في أي بيان رئاسي في مجلس الأمن يمكن أن يُشكّل إدانة حقيقية لنا أو تهديداً جدّياً لأمننا المطلق . سنعرف عما قريب مْنْ يجب أن يهدد مَنْ : أنتِ وبيتك الأبيض أم نحن و”كونغرسنا” الأبيض .

 

الرسالة إلى الأسرة الدولية:

 

عملية الكوماندوس في أعالي البحار تذكرة لكِ، ومعكِ “جي ستريت” و”جي كول” وأكاديميي هارفارد ويهود جنوب إفريقيا، بأن رصاصنا هو الرد الوحيد على كلماتكم وقوانينكم ومعاهداتكم . هكذا كنّا منذ العام 1948 وهكذا سنبقى الآن، ومن لايعجبه فليشرب من مياه البحر المتوسط أو المحيط الأطلسي .

ثم هناك رسالة رابعة أقل وضوحاً لكن اكثر خطرا: مخططو العملية في المتوسط ليسوا “المجانين السبعة” (وزراء اليمين المتطرف في الحكومة “الإسرائيلية”) بل حزبا العمل والليكود وبموافقة كل أطياف اللون “الإسرائيلي” . وهذا يعني أن “إسرائيل” كلها، وليس الصقور الدينيون والقوميون وحدهم، هم من قرّر القيام بهذه المغامرة البحرية الفاقعة في جنونها .

وهذا وحده يجب أن يقرع أجراس الانذار في كل العواصم العربية، لأنه يعني أن تل أبيب تسير بالفعل في خط مستقيم نحو حروب جديدة، فيما المنطقة برمتها تلهج بأحاديث السلام والتسويات .

وهذا لايجب أن يُثير العجب: فمن شبّ على الحروب وإرهاب الدولة، شاب عليه .

ورأس الدولة الصهيونية يعج هذه الأيام بالشيب .

===========================

أوراق أمريكية تكشف ما خفي في حرب 67

آخر تحديث:الأربعاء ,02/06/2010

عاطف الغمري

الخليج

من وقت لآخر تتكشف معلومات كانت غاطسة تحت السطح في ثنايا أوراق أمريكية ليست متداولة، وهي معلومات تضع النقاط الناقصة على الحروف، عما جرى في فترة تجهيز “إسرائيل” لحرب يونيو/حزيران 1967 .

 

وبعضها كان في جعبة شخصيتين أمريكيتين لم تشغلا مقاعد في الصف الأول في سلطة اتخاذ القرار في إدارة الرئيس ليندون جونسون، وهما ريتشارد هيلمز مدير وكالة المخابرات المركزية، وجيمس انجلتون رئيس وحدة مكافحة التجسس بالوكالة، وكلاهما كان له دور مؤثر في الأحداث التي أخذت تتصاعد منذ مايو/أيار 67 .

 

المعلومات المتاحة عنهما، تطرح من جديد السؤال الذي سبق أن أثاره كتاب ومؤرخون أمريكيون، وإن لم يجدوا إجابة عنه وهو: هل أعطت إدارة جونسون الضوء الأخضر ل”إسرائيل” عشية هجومها في 67؟

 

إن تقديرات وكالة المخابرات المركزية كانت دقيقة وقاطعة حول توقيت الحرب، والمدى الزمني الذي ستستغرقه، ونتائج الحرب، وإذا كان ذلك صحيحاً فلماذا وافق جونسون على أن يزور زكريا محيي الدين نائب الرئيس عبد الناصر واشنطن، لاستطلاع فرص إيجاد تسوية للأزمة بالطرق الدبلوماسية؟

 

كانت علاقة جونسون مع هيلمز قد أصبحت وثيقة منذ أن عينه مديراً لوكالة المخابرات المركزية في مايو ،1966 ويقول هيلمز في مذكراته لقد وصفت علاقة العمل بين الرئيس جونسون وبيني بأنها علاقة ممتازة golden، بالدرجة التي كان يأملها أي مدير للوكالة .

 

وزاد من قوتها قلة خبرة جونسون بالشؤون الخارجية وكان من أهم المهام التي كلف جونسون بها هيلمز هي التحليل الذي كان يقدمه إليه عن حرب 67 قبل وقوعها .

 

وكان هيلمز يعتمد أساساً في إعداد هذا التحليل على قوة العمل Task force التي تكونت في مايو ،1967 ومن خلالها كانت الوكالة ترد فوراً على أي أسئلة من البيت الأبيض حول الأزمة، التي لاحت بوادرها بين العرب و”إسرائيل” . وفي 23 مايو، قام جونسون باستدعاء هيلمز من جلسة استماع كان يحضرها بالكونجرس، وطلب منه تقديم تقدير موقف للوضع الذي يزداد توتراً في الشرق الأوسط، ولم تمض سوى أربع ساعات حتى كان هيلمز قد سلم إلى جونسون ورقتين: الأولى عن حالة التأهب في مصر والقدرات العسكرية لكل من العرب و”إسرائيل” . والورقة الثانية مذكرة بعنوان من الذي سينتصر في الحرب؟ وجاء فيها أن “إسرائيل” يمكنها ان تدافع عن نفسها بنجاح ضد أي هجمات تدور على كل الجبهات في وقت واحد .

 

وإلى جانب هاتين الورقتين، تسلم البيت الأبيض تقريرين من مجموعة العمل المختصة بالعلاقة العربية- “الإسرائيلية”، والتي شكلت في أوائل عام ،1967 بالاضافة إلى تقارير مخابراتية ظلت تقدم طوال شهرين من مكتب مختص بالتسجيل المستمر للقوة النسبية للجانبين العربي و”الإسرائيلي” واستعدادات كل منهما .

 

أي أن المعلومات كانت كاملة وصريحة أمام الرئيس جونسون خاصة من خلال هيلمز .

 

الشخصية الأخرى هي جيمس إنجلتون، وقد كانت أنباء اتصالاته المستمرة مع “الإسرائيليين” ما بين واشنطن وتل أبيب تتردد، وكان هو المسؤول في المخابرات المركزية عن التنسيق مع الموساد، ويحيطهم علماً بالصورة التي رسمتها تحليلات المخابرات المركزية للموقف . وقد حدث بعد يومين من تقديم هيلمز للورقة التي تحمل عنوان “من الذي سينتصر” إلى جونسون أن أرسلت “إسرائيل” تقييماً من الموساد إلى الولايات المتحدة يزعم أن الجيش “الإسرائيلي” تعرض لقصف شديد من موقع عربي بأسلحة سوفييتية، وكانت “إسرائيل” تستغل علاقتها الخاصة مع انجلتون لإعطاء قوة دفع للموقف الذي يتكون في واشنطن .

 

وعلاقة انجلتون بالمخابرات “الإسرائيلية” ازدادت متانة لأنها كانت تزوده بمعلومات سرية عن الاتحاد السوفييتي والدول الحليفة له، والتي تحصل عليها من المهاجرين اليهود من هذه الدول .

 

وقد ظل انجلتون شخصية تحيط بها علامات استفهام في واشنطن، إلى أن أصبح ويليام كولبي مديراً لوكالة المخابرات المركزية، فراح يقلص من سلطاته، إلى أن طالبه في ديسمبر/كانون الأول ،1974 بتقديم استقالته .

 

حتى اليوم هناك مؤرخون في “إسرائيل” يقولون إن كل ما جرى في الفترة التي سبقت حرب ،67 لم يتكشف بالرغم من رفع الحظر عن الوثائق السرية المتعلقة بها . لكن هذه المعلومات التي خرجت من ثنايا أوراق مسؤولين سابقين بوكالة المخابرات المركزية، تلقي ضوءاً على مسألة كان هناك خلاف حولها، بين مصدق ومشكك، وهي عن معرفة جونسون بموعد الهجوم “الإسرائيلي” في يونيو 67 .

===========================

فوائد السلام السوري - الإسرائيلي على لبنان

زين الشامي

الرأي العام

6/2/2010

في الآونة الأخيرة زار رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي جون كيري دمشق، طبعاً لم تكن هذه الزيارة الأولى، سبقتها زيارات عدة، وأخيرا اعترف الرئيس السوري بشار الأسد أن زيارة كيري تركزت على السلام بين سورية وإسرائيل. هذا يعني أن المحاولات لإعادة المفاوضات بين الطرفين لم تنته منذ توقفها في تركيا في أعقاب الحرب على غزة في أواخر 2008.

السلام على الجبهة السورية - الإسرائيلية يعتبر في غاية الأهمية للجميع، وربما اليوم يشكل مفتاحاً لإدارة الرئيس باراك اوباما فيما لو أردات أن تحقق اختراقاً في الصراع العربي - الإسرائيلي وقضية الشرق الأوسط. صحيح أن حل القضية الفلسطينية يبقى أساسياً لإدارة اوباما، وللاستقرار والسلام الدائم في المنطقة، إلا أن سلاماً سورياً إسرائيلياً ربما يكون، وهو حقاً كذلك، السلام «الأسهل» بسبب غياب التعقيدات في ملف هضبة الجولان، ولأن الطرفين خاضا تجربة مفاوضات سابقة وتوصلا لأكثر من 80 في المئة من الاتفاقية المنشودة.

طبعاً لا يعني السلام مع سورية تجاهل القضية الفلسطينية، يبقى السلام بين إسرائيل والفلسطينيين هو جوهر عملية الشرق الأوسط، إلا أن السلام مع سورية يبقى خطوة أولية مهمة سوف يحوّل وبشكل كامل ديناميكة العملية ويجعلها أكثر احتمالاً

للتحقيق من أي وقت مضى.

أيضاً ربما هناك من يعتقد عكس ذلك ويقول ان توقيع اتفاقية سلام سورية إسرائيلية سيجعل إسرائيل تستفرد بالفلسطينيين بعد ان يبقوا وحدهم في الساحة، وبعد انتهاء الصراع بينها وبين جميع جيرانها العرب، لكن الحقيقة غير ذلك، لأن سورية دون اتفاقية السلام ومع بقاء هضبة الجولان محتلة، ستعمل على إعاقة أي اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما أنها لن تترك إسرائيل تنعم بالهدوء، ولقد أثبتت التجارب أن النظام في سورية يعتمد كثيراً، لا بل انه يبني سياسته في مواجهة إسرائيل، وسياسته الاقليمية كذلك، على «الأذرع الطويلة» خارج حدوده سواء في لبنان، أو في الأراضي الفلسطينية، أو حتى في العراق. وقد رأينا جميعاً الدور السوري في نجاح تجربة «حزب الله» في الجنوب اللبناني وانسحاب إسرائيل عام 2000، وما يشكله إلى اليوم الحزب من خطر على إسرائيل، وما يملكه من ترسانة صواريخ بسبب التسهيلات السورية.

طبعاً بعد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية «كامب ديفيد»، إضافة إلى اتفاقية «وادي عربة» بين الأردن وإسرائيل، بقيت سورية الدولة العربية الوحيدة، إضافة إلى لبنان، التي تملك حدوداً مع فلسطين التاريخية، أي مع إسرائيل اليوم، دون أن توقع معها اتفاقية سلام. ان توقيع مثل هذه الاتفاقية سيغير الكثير من طبيعة الصراع في المنطقة، لا بل ربما من شأنه وإذا ما تبعه حل على المسار الفلسطيني، أن يغير تاريخ المنطقة، وإذا كنا أكثر تفاؤلاً، فإن سلاماً سورياً إسرائيلياً سيكون الخطوة الاولى على طريق تحول إسرائيل إلى جسم طبيعي ومقبول في المنطقة. ومن قال يوماً انه «لا حرب دون مصر ولا سلام دون سورية» كان محقاً تماماً.

بسبب غياب السلام بين سورية وإسرائيل، لن يبقى لبنان هادئاً، كذلك ستبقى ظاهرة «حزب الله»، أو أي ظاهرة حزبية عسكرية مقاتلة أخرى قد تنشأ في المستقبل، وبكل تأكيد سيكون لسورية دور كبير في نشوئها مثل غيرها من التنظيمات والفصائل والحركات المناهضة لإسرائيل الموجودة اليوم في لبنان، سواء أكانت فلسطينية أو لبنانية.

ان سورية ومنذ معاهدة «كامب ديفيد» اختارت أن تقاتل إسرائيل من خارج الحدود، لكن بطريقة غير مباشرة، كلنا يعرف ذلك وإسرائيل أيضاً، لقد رأينا ما جرى في حرب 1982 حين انخرطت سورية وإسرائيل في مواجهة مباشرة إضافة إلى حلفائها من الفصائل الفلسطينية واللبنانية، كذلك رأينا كيف أنها أسقطت «اتفاق 17 ايار» الذي وقعه الرئيس بشير الجميل دون موافقة سورية، أيضاً رأينا كيف انتصر «حزب الله» في العام 2000 بمساعدة سورية وإيرانية، ورأينا كيف أن الحزب بقي موجوداً ومحافظاً على قوته العسكرية وجسمه القيادي في حرب 2006 التي تعتبر بمنظار سورية وإيران و«حزب الله» وجزءاً من الشارع العربي والاسلامي نصراً على إسرائيل.

ان هناك فوائد واضحة لكل من سورية وإسرائيل في التوصل إلى اتفاقية سلام، تحتاج سورية إلى التنمية الاقتصادية، وإلى البدء في عملية اصلاح سياسي واقتصادي، وهذا لن يتم دون التخفيف من احتياجاتها العسكرية الكبيرة، ولن يتم مع استمرار عسكرة المجتمع، واستمرار العمل بقانون الطوارئ بحجة الحرب مع إسرائيل واحتلالها للجولان. كذلك يمكن لإسرائيل الحصول على السلام مع عدو مهم، وهي عملية يمكن أن يتبعها سلام رسمي مع لبنان.

ان سورية بعد أن قررت، أو «اجبرت» على اخراج قواتها من لبنان عام 2005، وبعد أن افتتحت سفارة لها في بيروت، وبعد تأكيد الرئيس بشار الأسد أنه لن يعيد أبداً قواته إلى لبنان تحت أي ظرف من الظروف، وبعد اعترافه بأخطاء شابت العلاقة السورية اللبنانية في مرحلة ما قبل الانسحاب ومقتل رئيس الوزراء رفيق الحريري، ان كل هذه المواقف تؤشر على عقلية جديدة في التعامل السوري مع لبنان «الدولة» وهذا تقدم في السياسة السورية الرسمية ونظرتها التاريخية إلى دولة لبنان.

ما من شك في أنّ المفاوضات السورية - الإسرائيلية ستؤثر على لبنان بطريقة رائعة، وربما يمكن القول أن لبنان قد يكون المستفيد الأول وليس إسرائيل ذاتها، فمع اتفاقية سلام كهذه، ستحل مشكلة السلاح الفلسطيني، وستسعى دمشق للعب دور كبير في تحقيق انخراط سياسي كبير ونهائي ل «حزب الله» في الدولة اللبنانية، صحيح أن القرار النهائي في ذلك سيكون في يد طهران، إلا أننا نعرف ماذا يعني الا تكون سورية موافقة على دور عسكري للحزب ضد إسرائيل بسبب التزامها في اتفاقية سلام معها.

أيضاً يمكن أن تتقدم سورية كشريكٍ بنّاءٍ يساهم في حل مشاكل الوضع الداخلي على الساحة اللبنانية ايجاباً وليس معرقلاً بسبب حساباتها الخاصة، أو حسابات الصراع مع إسرائيل. لا ننسى أن حل الصراع بين سورية وإسرائيل، سيعني أن لبنان سينعم بهدوء طويل لأنه خرج من لعبة الصراع الإقليمية ولم يعد يمثل ساحة حرب ومعارك بين الجانبين. فسورية لن تقدم على أي خطوة من شأنها أن تثير مخاوف إسرائيل كذلك إسرائيل لن تقوم بأي دور في لبنان يثير حفيظة وخوف السوريين.

كاتب سوري

===========================

مستقبل الإسلام في أوروبا

الاربعاء, 02 يونيو 2010

خليل العناني *

الحياة

ثمة هوس غربي بمسألة حظر وتحريم النقاب (أو البرقع)، حتى ليبدو الأمر أحياناً وكأنه تعبير لا شعوري عن رغبة في تقليص كل ما هو عربي وإسلامي وإن كان شيئاً رمزياً. وتحريم النقاب لم يأت لكونه زيّاً إسلامياً، وهي حقيقة يعرفها الساسة الغربيون جيداً، وإنما لكونه تعبيراً عن ثقافة يراها البعض دخيلة على المجتمعات الأوروبية ربما تهدد هوية شعوبها وثقافتهم. ولو ارتدت النساء الهنديات والبوذيات (وربما الملحدات) النقاب لما وقفت برلمانات أوروبا على أطراف أصابعها لمواجهته وتخصيص جلسات كاملة لمناقشة كيفية حظره.

وبعيداً من الجدل الفقهي حول مسألة النقاب، فإن الانتفاضة الغربية ضده لا يمكن تفسيرها إلا باعتبارها أحدث تجليات الإسلاموفوبيا (ظاهرة الرعب الشديد من كل ما هو إسلامي)، والتي تتزايد مظاهرها في شكل واضح بدءاً من "الحجابوفوبيا" و "المساجدوفوبيا" و "المآذنوفوبيا" والآن "النقابوفوفيا". ولو استمر الحال كما هو عليه فقد نصل إلى مرحلة تجتمع فيها برلمانات أوروبا من أجل تحريم (وربما تجريم) كل من يطلق لحيته ويرخي شاربه، وقد نختار وقتها ضمه إلى فصيلة "الفوبيا" بسبب الركاكة اللغوية!

الضمير الغربي يعاني أزمة حقيقية مع ذاته ومع الآخر. ولولا الخوف من توجيه تهم العنصرية والتنكر لتاريخ الآباء المؤسسين للحضارة الأوروبية الحديثة بخاصة في ما يتعلق بقضايا الحريات والمساواة لرأينا أسوأ مما هو حاصل حالياً. فما الذي يُضير 65 مليون نسمة في فرنسا، وأكثر من 22 مليوناً في استراليا وحوالى 10 ملايين في بلجيكا ومثلهم وربما أكثر في هولندا ممن يتأهبون لخوض معركة النقاب، أن ترتدي بضع مئات أو آلاف عدة من النساء ما يشأن من ملبس حتى وإن كان تعبيراً عن عقيدة أو عادة معينة؟

في حين يتجلى النفاق الغربي من هذه القضية حين أُصيبت الانتلجنسيا الغربية (المثقفون وقادة الرأي) بالخَرَس امام هذه القضية، وهي التي تدافع عن حقوق المثْليين في الزواج وتحتضن كل من ينتقد الإسلام والمسلمين تحت يافطة حرية التعبير. وقد وصل هذا النفاق قمته مع الصمت المُخجل عند تصويت البرلمان الفرنسي بحظر النقاب تحت ذريعة تهديده لعلمانية الدولة الفرنسية. في حين أن العلمانية بريئة من مثل هذا القرار ومن قبله قرار حظر الحجاب. فقد قامت العلمانية تاريخياً من أجل حماية حقوق الجميع، بخاصة الأقليات، في ممارسة عقائدها والحفاظ على هويتها في إطار من التعددية والتسامح الديني. ولربما من الأفضل أن تتم إضافة ثلاث كلمات إلى شعار الدولة الفرنسية الشهير (حرية، مساواة، إخاء Liberté, Égalité, Fraternité) هي (لغير المسلمين فقط).

في حين يمثل البعد الأمني في مسألة حظر النقاب فضيحة أخلاقية ونقطة سوداء في الضمير الغربي. فأولاً يفترض هؤلاء أن كل من ترتدي النقاب (وربما كل من يرتدي جلباباً ويطلق لحيته) هو بمثابة قنبلة موقوتة يجب إيقاف مفعولها. وهم ثانياً، لا يفرّقون بين شخص متشدد وآخر معتدل (وهو تقسيم موجود في كل المجتمعات والديانات، ولنتذكر فقط ما حدث مع المصرية مروة الشربيني في ألمانيا قبل عام). وهم ثالثاً، لا يملكون أية أدلة واقعية تربط بين النقاب والإرهاب، فجميع العمليات الإرهابية التي تعرّضت لها أوروبا سواء في لندن أو مدريد قام بها رجال (ومن المفارقة كانوا غير ملثمين)، كما أن العمليات التي قامت بها نساء منقبات (ورجال منقبون) في العالم العربي والإسلامي تكاد تكون محدودة جداً مقارنة بنظيرتها المكشوفة. فالشخصية الإرهابية تفضّل الظهور على الاختفاء عند قيامها بمهمتها الانتحارية.

ويشعر المرء بالمرارة حين يقارن بين التراث الفكري والفلسفي الكبير الذي تركه آباء ورموز التنوير الأوروبي أمثال جون لوك ومونتسكيو وكانط... إلخ، والذي يمثل مقصداً لكثير من باحثي ومثقفي الشرق، وبين ما يفعله أحفادهم الآن تجاه كل ما هو غير أوروبي. وتُصاب النفس بالتقزز حين يصل الانحدار الأخلاقي والقيمي في مجتمع متعدد الأعراق مثل بريطانيا ومعروف بالتعددية الدينية والتسامح الإنساني، أن يتم هدم أكثر من ثلاثين قبراً من قبور المسلمين فى منطقة "ليدز" أو أن يتم الاعتداء على محلات بريطانيين من أصول مسلمة كما حدث قبل شهور في مدينة برمنغهام.

على الجانب الآخر، ثمة "هوس" ديني وهوياتي لدى الجاليات المسلمة في أوروبا التي ترى أن مستقبل الإسلام معلّق على ارتداء النقاب وإطلاق اللحى وإقامة المآذن. في حين يتعاطى بعض أفراد هذه الجاليات، بخاصة ذوي الأصول الآسيوية، مع المجتمعات الغربية وكأنهم لم يبرحوا بيشاور أو إسلام أباد التي تركوها قبل عقود، من دون اكتراث لهويتهم الجديدة. وهو ما يزيد من موجة الفوبيا والكراهية لدى الطرف الآخر. صحيح أن الإسلام هو أكثر الديانات انتشاراً في أوروبا، بيد أن ذلك لم يأت نتيجة لزيادة مظاهر الإسلام (الطقوسي) الشكلاني، ولكن بسبب المضمون الروحاني (الجوهراني) الذي يجذب الهاربين من سطوة الحياة المادية.

وتبدو سمة مشتركة لدى معظم الجاليات المسلمة في أوروبا أنها تعلي من شأن ارتباطها "الأممي" مقابل انتمائها المحلي، فتجدها أكثر اهتماماً بقضايا العرب والمسلمين في فلسطين والعراق وأفغانستان، من دون اكتراث بالقضايا المحلية مثل حقوق المرأة وتصحيح العلاقة مع الآخر والمشاركة في الحياة السياسية في شكل فاعل. وهي هنا تخلط بين مفهوم الوطن وحقوق المواطنة. فالوطن بالنسبة الى هذه الجاليات ليس هو ذلك الذي تعيش فيه مثل بريطانيا أو فرنسا، وإنما هو هناك في ديارها الأصلية، في حين يطالب معظم أفرادها بالحصول على كل حقوق المواطنة كالمساواة وحرية ممارسة الشعائر الدينية. وهي حال انفصام تغذيها التيارات السلفية المناهضة للاندماج والتعايش الخلاّق، والتي تعتاش على موجة الإسلاموفوبيا التي تنمو باضطراد في كثير من المجتمعات الأوروبية. وهكذا تحوّل بعض المسلمين المقيمين في الغرب إلى عقبة في وجه الإسلام وحالوا دون نشر مبادئه السمحة ومنعوا وصوله إلى غير المسلمين، بسبب جهلهم وشكلانيتهم.

ولا مبالغة في القول إن ثمة مفاهيم دينية خاطئة يجرى ترويجها بين الأقليات المسلمة في أوروبا، ما يعقّد مسألة اندماجها في مجتمعاتها الجديدة. وقد قابلت مسلمين كُثراً في بريطانيا وفرنسا لديهم أفكار مشوّهة ومغلوطة حول كيفية التوفيق بين تعاليم الإسلام والاندماج مع غير المسلمين (تماماً مثلما حدث مع الشاب النيجيري عمر الفاروق الذي حاول تفجير طائرة دلتا إيرلاينز فوق مدينة ديترويت الأميركية عشية أعياد الميلاد). وقبل أيام استوقفني موقف غريب حين سمعت أن بعضاً من الشباب المسلم في لندن قد حرّم مشاركة المسلمين البريطانيين في الانتخابات العامة التي أُجريت قبل شهر، وكان أعجب ما سمعته لتبرير هذا التحريم هو أن الانتخابات معصية و "كبيرة" تتناقض مع مبادئ الإسلام. والمدهش أن هذا الكلام جاء على لسان بعض البريطانيين الذين اعتنقوا الإسلام أخيراً، ما يعني أنهم انتقلوا من النقيض إلى النقيض. وهنا بيت القصيد، ذلك أن ثمة أسطورة سائدة لدى كثير من "المتحولين الجدد" الى الإسلام بأن الرؤية السلفية للإسلام هي الأمثل والأنقى والأجدر بالاتباع. ما يعني الانصراف عن اعتناق أية رؤية تقدمية يمكنها الموازنة بين المصالح والضرورات.

وتقوم هذه الرؤية المغلقة للإسلام على ثلاثة أسس، أولها الالتزام الصارم بما يُفترض أنه الإسلام "الأصلي" بخاصة في قضايا شكلية مثل الرداء والمئذنة. ثانيها، الالتزام الحرفي بتفسير النصّ الديني من دون الأخذ في الاعتبار أية اختلافات زمنية أو موضوعية أو ما قد يطلق عليه "فقه الأقليات". ثالثها، أنها تخلط بين مفهومي حرية العبادة واحترام الفضاء العام Public Sphere. وهنا تبدو المسألة أكثر تعقيداً، فبعض الأقليات المسلمة في الغرب تخلط بين حرية ممارسة الشعائر الدينية، ومسألة احترام الخصوصية الثقافية والحضارية للبلدان الأوروبية. صحيح أن كثيراً من الدول الغربية تكفل وتتيح ممارسة الحريات الدينية من دون أي تدخل، ولكنها أيضا تظل موالية لتراثها وإرثها الثقافي الذي تحاول حمايته من أي اختراق أو تبديل قد يؤدي إلى توترات دينية أو اجتماعية، بخاصة إذا ارتبط الأمر بقضايا مثل مسألة النقاب التي هي محل خلاف داخل البلدان الإسلامية ذاتها وليس الدول الأوروبية فحسب.

وإذا كانت هذه الرؤية السلفية هي الأقل تأثيراً بين الأقليات والتجمعات الإسلامية في الغرب، إلا أنها الأكثر حضوراً في الفضاء العام الأوروبي، وهي التي تخلق ذلك الحاجز "الإسمنتي" لدى المواطن الغربي تجاه الإسلام والمسلمين، وتجعله يصوّت لتلك القوانين العنصرية التي تستهدف فرض قيود إضافية على حركة المسلمين وأنشطتهم. وهو ما يعطي اليمين الأوروبي فرصة لبث الذعر والرعب لدى المواطن الأوروبي فيما يخص أسلمة مجتمعه وغزوه دينياً وثقافياً.

نحن إذاً أمام حالة من سوء الفهم والتحزّب الهوياتي والديني المتزايد لدى طرفين كلاهما مهووس بتأكيد سموه وأفضليته، وإذا تُرك الأمر لكليهما فسنشهد فصلاً جديداً من الكراهية وسوء الفهم بين الإسلام والغرب، لا يختلف كثيراً عما شهدناه طيلة العقد الماضي.

* أكاديمي مصري - جامعة دورهام، بريطانيا.

===========================

لماذا الصدمة إزاء القرصنة الإسرائيلية؟

الاربعاء, 02 يونيو 2010

رندة تقي الدين

الحياة

صدمة العالم والأوساط الإعلامية العالمية أمام عملية القرصنة البحرية التي قامت بها القوات الإسرائيلية على السفينة التركية مرمرة التي كانت متجهة الى غزة مع إمدادات إنسانية غير مبررة. فالمجزرة التي نفذت ضد «أسطول الحرية» الذي أراد خرق حصار غزة ليست إلا منطق ونهج السياسة الإسرائيلية منذ عقود والعالم يُصدم ولا يفعل شيئاً.

فمنذ جرائم قانا في لبنان ثم الحرب الإسرائيلية على لبنان في 2006، ثم حرب غزة سنة 2008 والتقارير الصادرة عن تحقيقات «غير منحازة» أو مستقلة مثل تقرير غولدستون وغيره. والعالم الغربي لا يجرؤ على مواجهة إسرائيل بإجراءات صارمة وعقوبات ملموسة. وبدلاً من ذلك يتسابق الجميع على القول إنه حريص على أمن وسلامة إسرائيل وإنه يريد دفع عملية السلام.

إلا أن جميع أصدقاء إسرائيل في الغرب وفي طليعتهم الولايات المتحدة يتفادون مواجهة أمر واقع وحقيقي وهو أن الحكومة الإسرائيلية لا تريد السلام ولا تريد على حدودها دولة فلسطينية، وهي تغذي كل حركات التطرف والإرهاب في المنطقة من دون أي مراقبة أو عقاب. فلماذا الدهشة والصدمة ثم النسيان وعدم المحاسبة بل مكافأة إسرائيل بادخالها الى منظمات عريقة مثل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) وتهنئتها بأنها دولة متقدمة وحديثة وديموقراطية.

فعلى رغم كل الصدمة والإدانة من أوساط إعلامية ومسؤولة في الغرب واستدعاء سفراء إسرائيل والبيانات الرسمية التي لا توافق على «استخدام القوة غير المتوازن» فقد أصبح ذلك بمثابة «المعتاد» لدولة إسرائيل التي تستمر في نهجها وهو دفع منطقة الشرق الأوسط الى أن تكون بؤراً لحركات التطرف والتشدد. والواضح أنه منذ أن بدأ الحديث عن المسار السلمي ومفاوضات السلام، كانت إسرائيل هي جبهة الرفض والغرب لا يعمل شيئاً للضغط عليها للقبول بقرارات أُقرت دولياً ومن قبل القوى الغربية بأسرها مثل الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها من الدول الفاعلة في العالم. فمن الذي لم ينفذ خريطة الطريق؟ ومَن الذي رفض وقف الاستيطان؟ ومن الذي رفض رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني وعلى غزة؟ وأين العقاب لهذا الرفض؟ لا شيء والأنظمة العربية تهدد بالتوجه الى مجلس الأمن ولكن لا شيء!

فماذا بعد؟ إن الحكومة الإسرائيلية الحالية والحكومات من قبلها لا تريد السلام. ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مدرك تماماً لذلك ولكنه مستمر في التفاوض ليظهر للعالم أن المشكلة ليست مع الفلسطينيين ولكن مع إسرائيل.

فالدولة اليهودية لا تريد على حدودها دولة فلسطينية، وهي تفضل إبقاء الإسلاميين المتطرفين وكانت هذه سياستها عندما بدأت الضغط على مسيحيي القدس لتهجيرهم كي تبقى الدولة اليهودية منفردة مع عناصر مسلمة متطرفة، وكان أول من تنبه الى ذلك هو فيصل الحسيني القيادي الفلسطيني الذي زار فرنسا قبل وفاته بأشهر ليقول لأسقف باريس وللرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك: لا تدعوا مسيحيي القدس يغادرونها فإسرائيل تبذل كل الجهود لتهجير مسيحيي فلسطين كي تبقى منفردة مع الإسلام المتطرف وتدفع الى هذا التطرف. وهذا ما حصل وما يحصل حالياً بسبب أعمال إسرائيل. والمنطق نفسه كان عندما شنت إسرائيل حربها الوحشية على لبنان في 2006 بحجة أنها ستنهي «حزب الله» ولكنها جعلت منه بطلاً لدى الرأي العام العربي.

وإسرائيل ادعت أنها تريد التفاوض مع سورية عبر تركيا. إلا أنها قامت بكل الجهود للعمل على تدهور علاقتها مع الوسيط التركي والعمل الأخير كان عملية القرصنة البحرية ومجزرة سفينة «مرمرة» في المياه الدولية.

فالصدمة والإدانة أمام الأعمال الوحشية وخرق كل القوانين الدولية، لا فائدة منها طالما أن الإفلات من العقاب هو القاعدة، خصوصاً لدى الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالنسبة الى إسرائيل. أما مسؤولية الأنظمة العربية فهي كبيرة لأن باستطاعتها تغيير مجرى الأمور كون مصالح الدول الغربية مرتبطة في شكل كبير بها، وبإمكانها الضغط على هذه الدول لو كانت الدول العربية موحدة الموقف في التصدي لسياسات دولة عبرية ستبقى على هذا النهج!

===========================

أسطول غزة: ضرر دولي كبير

المستقبل - الاربعاء 2 حزيران 2010

العدد 3669 - رأي و فكر - صفحة 19

عاموس هرئل

مقياس الضرر - لا يمكن التقليل من حجم الأضرار الدولية التي سببتها إسرائيل لنفسها في هذه القضية. فالعلاقات مع تركيا في أزمة، وفضيحة إذلال السفير التركي قبل عدة أشهر تبدو عديمة القيمة مقارنة بما حصل. العلاقات مع تركيا تدهورت قبل ذلك، على خلفية عملية الرصاص المصهور والسياسات المعادية لإسرائيل التي أعلنتها الحكومة الإسلامية في تركيا. الأزمة الحالية قد تؤدي إلى قطع العلاقات. حتى رد أوروبا، حيث هناك عدد كبير من مواطنيها مشاركين في القافلة البحرية، لا يتوقع أن يكون أفضل بكثير. وعلى الرغم من الرواية التي ستقدمها إسرائيل، ومن عرضها لصور تظهر النشطاء يهاجمون الجنود بالسكاكين، فلن يغير ذلك من النتيجة النهائية، وهي انه في العالم، ستعتبر الحادثة استخدام مفرط للقوة، لغاية غير معقولة.

يتعين علينا أيضا أنتظار انعكاسات القضية مع الفلسطينيين وبشكل خاص مقابل العرب في إسرائيل. ستحاول حركة حماس استغلال الغضب بشأن الحصار لتحويل النقاش عن الانتقادات الموجهة إلى ما يعانيه سكان القطاع. وثمة امكانية لحدوث مصادمات محلية على حدود القطاع، كما يتوقع بالتأكيد مظاهرات عنيفة في الضفة أيضا. لكن القصة الأساسية هي العرب في إسرائيل. الاستفزازات المحلية لنشطاء إسلاميين ونشطاء من اليسار المتطرف ستأخذ الآن أبعاد إستراتيجية. في ظروف معينة، إذا لم تتخذ الأطراف بسرعة خطوات كبح، فقد يصل الأمر إلى نوع من انتفاضة ثالثة بلغة عسكرية.

المقاتلون غير متهمين - لا يوجد سبب لتوجيه الادعاءات إلى جنود الكومندو البحري. الجندي الذي نزل على السفينة وهو معلق بحبل من المروحية، يتواجد في وضع من الضغط ويهاجم بسكاكين، ينبغي أن يدافع عن نفسه. لكن لا يجب الخلط بين هذه النقطة وبين التشخيص بان عملية "رياح السماء" هي فشل عسكري مدوي. العملية لم تحقق هدفها، وهو السيطرة المعقولة على القافلة البحرية، عبر تقليص الأضرار الدولية التي ستأتي بسببها على أية حال.

سيكون هناك عدة نقاط يجب فحصها وعلى رأسها أسلوب العملية، إعداد القوات للاستخدام، ونوعية الاستخبارات.

في الأيام القادمة سيتم سماع متحدثين إسرائيليين يستخدمون كل ما يوجد في جعبة الادعاءات للتوضيح انه لم يكن هناك مفر آخر وان المتهم بذلك هو الطرف الثاني. لكن يجب على إسرائيل أن تقوم بعملية فحص لذاتها.

صلب الموضوع - قرارات المستوى السياسي. يجب فحص دقيق لجميع قرارات المستوى السياسي والأمني الكبير، من فرض الحصار الفاشل على غزة، في أيام حكومة أولمرت، مرورا بقرار حكومة نتنياهو فرض الحصار على القافلة البحرية هذا الشهر. وأيضا تورط مسؤولين كبار بالمصادقة على خطة السيطرة العسكرية. وفي ضوء الانعكاسات بعيدة المدى المتوقعة، بشكل خاص على المستوى الدولي، يبدو انه لا مفر من تعيين لجنة تحقيق. إذا بدأنا في الساعات القادمة سماع روايات متناقضة واتهامات متبادلة, يتجاوز الخط الرسمي الذي يسوق للإعلام، سيكون ذلك الدليل الأفضل بان السياسيين يدركون ذلك أيضا.

الفشل الإعلامي - تعرف إسرائيل أنها تقترب إلى هذه المواجهة وهي في وضع دوني من الناحية الإعلامية. صور المقاتلين المسلحين مقابل المتظاهرين مرة أخرى ستكون غير مقبولة في العالم. الحل الذي قدم كان مزدوجا، محاولة للتشويش على البث من السفن، وفي المقابل، دعوة صحفيين مناسبين، من وسائل إعلام في البلاد والعالم، للانضمام إلى احدى المدمرات التي شاركت في العملية، عبر الالتزام بعدم البث منها إلى حين العودة إلى البلاد. حتى أن هواتفهم الخليوية أقفلت. والنتيجة انتصار ساحق لتركيا.

===========================

إبادة.. فإنكار.. فاعتراف.. فاعتذار

المستقبل - الاربعاء 2 حزيران 2010

العدد 3669 - رأي و فكر - صفحة 19

ممدوح الشيخ

"روسيا تكشف وثائق مجزرة كاتين".

كلمات قليلة تعني الكثير وتشير لفصل جديد لا من تاريخ روسيا وحسب بل من تاريخ العالم، والخبر قد يراه بعضهم لحظة مصارحة روسية لا أكثر، وقد يوسع إطار النظر قليلا معتبرا إياه فصلا من فصول تاريخٍ دامٍ في العلاقات الروسية البولندية. لكن الخبر في الحقيقة جزء من سياق أكبر بكثير هو أن "الدولة المطلقة" (كما كان يسميها المفكر المصري المرموق عبد الوهاب المسيري)، هذه الدولة كإطار تنظيمي تم إنزالها من عليائها، وهي بعد نزولها تمر بمرحلة تطهر (كاثارسايز) تبدأ بالاعتراف بخطاياها بعد طول إنكار ومكابرة، وهي في الوقت نفسه تعتذر عنها.

والمشهد الروسي ليس سوى جزء من مسلسل تتوالى حلقاته في عدة عواصم، وما حدث في موسكو أن الدولة قررت أخيرا نشر الوثائق الرسمية السرية الخاصة بمجزرة كاتين التي راح ضحيتها آلاف أسرى الحرب البولنديين في غابة كاتين غربي روسيا على أيدي القوات السوفياتية في الحرب العالمية الثانية.

والنشر لن يكون "في الظل" بل على الموقع الإلكتروني الرسمي للوكالة الفدرالية الروسية للأرشيف التي تحفظ الأرشيف التاريخي السياسي للدولة الروسية". والوثائق كما قال مسئول روسي كبير "دليل على انفتاح روسيا الكامل في ما يخص موضوع إعدام الأسرى البولنديين عام 1940 في الاتحاد السوفياتي".

وقد عثر في ملف مجزرة كاتين على مذكرة تاريخها مارس 1940 كتبها وزير الداخلية ذو السمعة الأسطورية لافرينتي بيريا وكان آنذاك يشغل منصب المفوض الشعبي للشؤون الداخلية، بيريا اقترح في المذكرة إعدام الضباط البولنديين الأسرى رميا بالرصاص، وفي المذكرة هوامش كتبها ستالين وغيره من أعضاء المكتب السياسي مثل فوروشيلوف ومولوتوف وميكويان. كما عثر في هذا الملف على نص قرار المكتب السياسي في الشهر نفسه بالموافقة على مقترح بيريا.

ولعل أخطر ما كشف عنه مذكرة بخط يد مدير الاستخبارات السوفياتية (كي جي بي) آنذاك ألكسندر شيليبين يخبر فيها قيادة الحزب بأن كل ما يتعلق بإعدام الضباط البولنديين قد أتلف، ما يعني أن مرتكبي الحادث من البداية كانوا يدركون أنهم اختاروا أن يكونوا من "كارهي الحقيقة".

واخيرا شهد البرلمان الصربي لحظة تاريخية عندما وصلت صربيا إلى المحطة الأخيرة من متوالية تلخص مسارا سياسيا بدأ بالهولوكوست النازي وامتد ليشمل جرائم مماثلة أصبحت في ذمة التاريخ لكنها عادت لتظل رأسها عندما أصبحت موضوع إدانة مثيرة للجدل، وآخرها إبادة الأرمن في تركيا. والمتوالية السياسية هي:

إبادة...فإنكار...فاعتراف...فاعتذار!

فقد اعتذر البرلمان الصربي مؤخرا عن مجرزة سربرنيتشا التي أدت لمقتل آلاف المسلمين البوسنيين عام 1995، لكنه لم يصل لحد وصف ما حدث ب "الإبادة الجماعية". وصحيح أن الخطوة تستهدف على المستوى السياسي المباشر كسب تأييد الإتحاد الأوروبي بهذا القرار بأمل انضمام صربيا للاتحاد، لكن القرار له دلالات أخرى أكبر وأعمق وأهم.

البرلمان عبر قراره عن التعاطف مع الضحايا وقدم اعتذارا عن عدم اتخاذ إجراءات كافية لمنع المذبحة. والقرار أيضا تجنب استخدام مصطلح "التطهير العرقي" واكتفى بذكر مصطلح "الجريمة". والاعتراف والاعتذار كان يمكن إعلانهما في شكل مختلف لا يتمتع بالمصداقية والأهمية التي يتصف بها قرار صادر عن البرلمان, وهو بالتالي أصبح يتمتع بحجية قانونية تتجاوز أي شكل آخر من الاعتذار السياسي.

ومن الحقائق المهمة أيضا قول برانكو روزيتش الذي كان حزبه الاشتراكي تحت قيادة سلوبودان ميلوسفيتش خلال التسعينات: "إننا نتخذ خطوة متحضرة لأناس يشعرون بالمسؤولية السياسية على أساس قناعة سياسية عن جريمة الحرب التي حدثت في سربرنيتشا"، أي أن التغيير ليس سببه الوحيد وجود حلفاء للغرب في الائتلاف الحاكم في صربيا، بل إن المفهوم الجديد الذي تبناه يشكل سقوطا لواحد من أهم معاقل التطرف القومي الصربي، وهو الحزب الذي كان الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش على رأسه ذات يوم، وهو من بين المصوتين لصالح القرار.

وقتلت قوات من صرب البوسنة بقيادة الجنرال راتكو ملاديتش حوالي 8000 رجل وصبي من مسلمي البوسنة بعد استيلائها على الجيب الواقع في شرق البوسنة والذي كان قد وضع تحت حماية الأمم المتحدة. والمذبحة هي أسوأ ما حدث بأوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

والقرار يثير قضايا عديدة مهمة أولها أن معايير "التجريم" و"التكريم" في عالم السياسة تشهد تنازعا بين مرجعيتين: وطنية وكونية، وبناء على هذا التنازع فإن الجنرال راتكو ميلاديتش الذي قاد منفذي المذبحة هو بنظر القانون الدولي "مجرم"، لكنه بنظر كثيرين من صرب البوسنة القوميين المتطرفين "بطل قومي".

وفي المسافة بين البطل القومي والسفاح يشهد العالم تحولا في العلاقة بين ما هو وطني وما كوني، من السجال الحاد حول إبادة الأرمن بعد قرار الكونجرس الأميركي بإدانتها، وهو ما امتد ليشمل إجراءات رسمية اتخذتها الحكومة التركية احتجاجا، فضلا عن موجات ارتدادية امتدت لعواصم أخرى انحازت للموقف الأميركي.

والتدويل الذي تشهده العلاقات الدولية للحق في إبداء الرأي في علاقة الدولة الوطنية بمواطنيها لم يكن يوما محل إجماع في العلاقات الدولية، لا يوم حاولت أميركا تسمية مفوض سامي دولي لحقوق الإنسان في المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان بفيينا (1993)، ولا يوم وجهت ضربة جوية أطلسية لصربيا لإرغام الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش على وقف أعمال الإبادة بإقليم كوسوفا الذي تزعمت أميركا عملية فصله عن صربيا كدولة مستقلة.

ومع تغير معايير التجريم والتكريم وحدود المرفوض والمقبول في العلاقة بين الدول أو علاقة كل دولة بما يسمى "المجتمع الدولي"، وهو مفهوم أكثر وضوحا وتأثيرا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي أصبحت "سيادة الدولة" محل إعادة نظر وإعادة تعريف، وما تزال المقاومة كبيرة لهذا التحول.

وإذا نحينا الاعتبارات السياسية جانبا فإن هذا يكون مؤشرا على حضور أقوى لثقافة الاعتذار بدلا من الإنكار والمكابرة والتبرير!

===========================

أوهام الحمقى...

الأربعاء 2-6-2010م

الافتتاحية: بقلم رئيس التحرير: أسعد عبود

الثورة

الغضب الذي أظهره السيد رجب طيب أردوغان في خطابه أمس، رسالة تضع نقاطاً على حروف، ربما اعتقدت «إسرائيل» أنها استلبت نقاطها فبهت لونها.

ما قاله رئيس الوزراء التركي عنوان، ولابد أن يكون خلف الأسطر ما على «إسرائيل» أن تحسن قراءته.. هذه تركيا.. عليهم أن يعرفوا ماذا تعني...‏

ماذا تعني في المنطقة وماذا تعني في العالم... ولا ينسوا خلال ذلك الدور الكبير لها في حلف الناتو...‏

في الناتو لن تستطيع الولايات المتحدة أن تتحمل عن «إسرائيل» ما تتحمله عادة في الأمم المتحدة.. إنه لمن المؤسف أن يكون الأمر على هذا الشكل، لكنه كذلك فعلاً... لقد أفرغت أميركا الأمم المتحدة من محتواها... وحولتها إلى ما لا ينتظر منه فعل... بسبب «إسرائيل» قبل كل شيء.. حتى أصبح المنطق ينتظر الموقف الجريء والعادل من حلف ك «الناتو» أكثر مما ينتظره من الأمم المتحدة.‏

ما ارتكبته «إسرائيل» ليس أبداً مجرد فعل حماقة، ولا يمكن أن تزول آثاره باعتذار.‏

جريمة «إسرائيل» المقترفة على سفن أسطول الحرية هي حماقة وغباء... و... و... لكنها سياسة مقصودة.‏

لقد حاولت «إسرائيل» أن توجه عبر جريمتها رسالة «قوية» لتركيا والعالم، تقول فيها: لا نرى كبيراً في المنطقة... نحن وفقط!!.‏

خطاب السيد أردوغان رد مباشر يقول: لستم وحدكم في المنطقة... وعليكم أن تستعدوا للالتزام بحقوق ومصالح شعوبها ودولها وأمنها واستقرارها والسلام فيها..‏

والمسألة لم تبدأ اليوم... ولم تبدأ من هنا... ولذلك أقول إن «إسرائيل» ارتكبت حماقة غبية، لكن حماقتها تأتي في إطار سياسة مقصودة، لأسباب تراها هي.. في مقدمتها إقدام تركيا على ممارسة دور لها غير مسبوق في المنطقة، باتجاه السلام والتنمية متعاونة مع سورية... وللأمر علاقة مؤكدة بالدور التركي في عملية السلام، ولعل هذا يفسر الإصرار السوري على الوساطة التركية...‏

لقد تعلمت «إسرائيل» منذ مدريد 1990.. كيف تميَّع المواقف.. وتطيل في المحادثات.. وتهدر الوقت، محاطة بمواقف أميركية غربية أربكت كثيراً عملية السلام.‏

وعلى أمل الخوض في مفاوضات السلام على الطريق ذاته قبلت الوساطة التركية مع سورية.‏

نجحت تركيا بدور الوسيط.. ووصلت بالمحادثات غير المباشرة إلى مستويات متقدمة فعلاً..‏

لكن «إسرائيل» انشغلت عن السلام ب «الرصاص المسكوب» على غزة.. مؤكدة أن السلام قضية لا تعنيها..‏

ومع عصابة نتنياهو - ليبرمان.. لم تعد السياسة الإسرائيلية غير معنية بالسلام وحسب.. بل تعادي أي محاولة بهذا الاتجاه.. ولما كانت تركيا الوسيط النزيه والناجح والشفاف.. فقد أكدت سورية على هذا الدور.. ورفضته «إسرائيل».. ثم.. مارست العداء له والحقد عليه.‏

هناك أكثر من سبب جوهري لعداء «إسرائيل» لتركيا في مقدمتها، السعي التركي للسلام ودورها كوسيط نزيه وناجح. طبعاً إضافة إلى مواقفها العادلة والإنسانية والصحيحة من عموم القضايا المطروحة في المنطقة..‏

يجب أن نتذكر أن الكراهية الإسرائيلية لتركيا لم يعبر عنها في جريمة أسطول الحرية النكراء فقط..‏

لقد بدأت العلاقات التركية الإسرائيلية بالتراجع منذ مارست تركيا دورها الناجح في عملية السلام، ويمكن بسهولة ملاحظة أي إضافة تعنيها مواقف تركيا لقوى السلام والاستقرار في المنطقة.‏

هذا يعني أن «إسرائيل» اتجهت إلى حماقتها النكراء مع سبق التصميم والترصد مستهدفة تركيا والمواطنين الأتراك.. مثلما هي استهدفت كل من يتعرض لمحاولاتها التأكيد أنها سيدة الكلمة والحصار.‏

ومادامت إسرائيل تنظر بالمنظار ذاته، فلن تتردد دائماً في ممارسة الحقد والجريمة ذاتها على مواطني كافة الدول.. حتى الأميركيين، عندما تشعر أن ثمة من يحاول أن يخرج من الحصار حتى لو كان فكرة.. أو موقفاً تضامنياً.‏

هل يتذكر أحدكم إغراق إسرائيل للسفينة الأميركية «ليبرتي» قبالة الشواطئ المصرية عقب حرب حزيران 1967.. وسكتت الولايات المتحدة وتركت الحكاية ليطويها النسيان ؟‏

الرد.. لا يمكن أن يكون اعتذاراً..‏

الرد إنهاء.. الحصار والاحتلال وقيام السلام.‏

فما الذي يقنع العالم بالقعود عن ذلك.. أميركا... أوروبا... الغرب... الشرق... من له مصلحة في هذا الواقع الذي تضع إسرائيل المنطقة فيه؟‏

===========================

حصار نتنياهو

عثمان ميرغني

الشرق الاوسط

6/2/2010

إذا كان هناك من يحتاج إلى دليل على أن حكومة بنيامين نتنياهو لا تريد السلام، فقد جاءه الدليل القاطع بالهجوم الذي شنته قوات الكوماندوز الإسرائيلية على «أسطول الحرية». فالهجوم من القوات التي تنتمي إلى الفرق الخاصة في البحرية الإسرائيلية، لم يكن فقط هجوما على ناشطين مدنيين يسعون لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة وإيصال المساعدات إلى أهلها المحاصرين، بل كان هجوما لإحباط مساعي إحياء مفاوضات السلام. فنتنياهو استخدم الأزمة التي نجمت عن الهجوم على «أسطول الحرية» كذريعة لإلغاء الاجتماع الذي كان مقررا مع أوباما أمس، حيث كان يتوقع أن يواجه مطالب بتسريع عجلة المفاوضات. ولا يغيب عن الذاكرة ما فعلته حكومة نتنياهو خلال زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن عندما أعلنت عن المشروع الإسكاني الاستيطاني في القدس، لنسف أو على الأقل تعطيل الخطوات الأميركية لاستئناف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية.

فإسرائيل تتصرف من منطلق غطرسة القوة، ولا ترى حاجة للسلام والتنازلات التي يتطلبها، خصوصا في ظل حالة التشرذم الفلسطيني وضعف الموقف العربي. كما أنها ترى نفسها فوق القانون لأن المجتمع الدولي لا يقاطعها ولا يحاسبها على كل انتهاكاتها للقوانين والأعراف الدولية. وفي الهجوم على «أسطول الحرية» وحده انتهكت إسرائيل القانون الدولي ثلاث مرات. مرة لأن الهجوم على القافلة البحرية حدث في المياه الدولية في انتهاك لميثاق الأمم المتحدة وقانون أمن البحار. ومرة لأن الجنود الإسرائيليين استخدموا القوة المفرطة في مواجهة مدنيين وهو أمر يخالف مبادئ الأمم المتحدة. أما الانتهاك الثالث للقانون الدولي فيتمثل في الحصار على غزة باعتباره مخالفة صريحة لميثاق جنيف الذي يحظر مبدأ العقوبة الجماعية ويشدد على الحماية والضمانات الإنسانية للمدنيين في مناطق النزاعات.

في مواجهة هذه الغطرسة الإسرائيلية لن تجدي الإدانات وبيانات الشجب والاستنكار أو حتى دعوة مجلس الأمن لتحقيق عاجل في الاعتداء على «أسطول الحرية» وإزهاق الأرواح الذي حدث، فالأمر العاجل المطروح الآن هو إنهاء الحصار على غزة وإنهاء معاناة شعبها. فهناك مليون وأربعمائة ألف فلسطيني يعيشون في أكثر بقاع العالم اكتظاظا بالسكان، في ظروف غير إنسانية يحرمون فيها من أبسط الاحتياجات التي تكفلها كل الأعراف الإنسانية والمواثيق الدولية. وإحصائيات وتقارير الأمم المتحدة تشير إلى أن 80% من سكان القطاع يعيشون تحت خط الفقر ويعتمدون على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم، و60% ليس لديهم إمدادات مياه، بينما تفتقر المستشفيات إلى كثير من الأدوية والمتطلبات العلاجية. أما الإمدادات التي تسمح إسرائيل بمرورها فلا تغطي سوى ربع احتياجات سكان القطاع، وفقا للمنظمات الدولية.

صحيح أن هناك خلافات مع حماس، واتهامات بأنها تقدم مصالحها وحساباتها السياسية على معاناة أهل غزة، كما يراها الكثيرون مسؤولة عن تعطيل جهود توحيد الصف الفلسطيني، وبالتالي إضعاف الموقفين الفلسطيني والعربي، لكن المشكلة مع حماس يجب ألا يدفع ثمنها أطفال ونساء وشيوخ غزة. وتبرير الحصار لم يعد مقبولا أخلاقيا أو إنسانيا، والواجب الآن رفعه بشكل دائم، والبحث عن أسلوب آخر لحل الإشكالات القائمة مع حماس خصوصا أنه مرت ثلاث سنوات ولم يحقق الحصار سوى زيادة معاناة الفلسطينيين. فإذا كان الهدف هو إضعاف حماس أو إسقاطها، فإنها لم تسقط بل شددت قبضتها على القطاع، مما يعني أن هذه الاستراتيجية فشلت وتكلفتها الأخلاقية والإنسانية لم تعد مقبولة.

من هنا تأتي أهمية الخطوة التي أعلنتها مصر بفتح معبر رفح لمرور المساعدات الإنسانية إلى غزة، باعتبارها ردا عمليا قويا على غطرسة حكومة نتنياهو. ولكي يبقى المعبر مفتوحا، يجب ألا تعتبر حماس تضحية «أسطول الحرية» مكسبا سياسيا يبرر لها الاستمرار في سياسات أضعفت الموقف الفلسطيني وأسهمت في معاناة فلسطينيي القطاع. فالحركة مطالبة بأن تتحمل مسؤوليتها تجاه الشعب الفلسطيني باستكمال المصالحة وتوحيد الصف، مثلما أنها تحتاج إلى طمأنة محيطها العربي لأنها نكصت عن اتفاق مكة كما سعت إلى إثارة مشاكل لمصر على الحدود وعبرها.

إن أجواء الغضب العارم بسبب العدوان الإسرائيلي على «أسطول الحرية» يمكن أن توظف ليس لإنهاء الحصار على غزة وحسب، بل لمحاصرة إسرائيل دبلوماسيا، خصوصا في ظل الإدانات الدولية والدور التركي المتنامي الداعم للموقف العربي. فحكومة نتنياهو تواجه ضغوطا من إدارة أوباما التي جعلت عملية السلام هدفا مرتبطا بالأمن القومي الأميركي، كما أن هناك تيارا وسط يهود أميركا وأوروبا تمثله حركات مثل «جيه استريت» يدعم حل الدولتين وإحياء عملية السلام، وإذا ترافق ذلك مع مصالحة فلسطينية تدعم الموقف العربي، فإن عملية حصار غزة قد تتحول إلى حصار لنتنياهو ولإسرائيل.

======================

قراصنة المتوسّط

رشاد أبوشاور

6/2/2010

جريدة "القدس العربي"

مساكين القراصنة الصوماليون، فهم غالبا، صيّادون فقراء حرمتهم البوارج والسفن الغربيّة من التقاط رزقهم من البحر الذي لوثته، وسممت أسماكه..ومع ذلك فقد انتفضت دول أوربة وأرسلت بوارجها لمطاردة أولئك الصيّادين الفقراء، وزوارقهم الفقيرة مثلهم، وتنافست على التنكيل بهم، معتبرة أن ما تقوم به محاربة للقرصنة!

قراصنة المتوسط، ليسوا جوعى، ولكنهم مُتخمون مالاً وسلاحا، ولهم نشيد وعلم، وإن غابت الجمجمة عن العلم، فإن الجماجم تتساقط منه مع كل هزّة هواء، فهو وعن جدارة لا يضاهيه علم للقراصنة عبر تاريخ البحر المتوسط، و(الكاريبي) الذي شاهدنا عنه أفلاما مثيرة، مسليّة، فيها الكثير من المبالغة والتشويه لقراصنة بعضهم شبه حقيقي، وبعضهم من خيال كتّاب السيناريوهات في سينما الإثارة.

هنا القرصنة هي هوية (دولة)، وثقافتها، ومكونها الرئيس، وفلسفتها، وهذا ليس هجاءً، ولكنه وصف لحالة ما عادت مارقة في المتوسط، وشرق المتوسط، ولكنها تمرق على العلم كله، برعاية أمريكيّة.

فجر يوم الاثنين 31أيّار/مايو - وهذا التاريخ يفترض أن لا يمّر كما مرّ غيره - داهمت قوّات محمولة جوّا، وبحرا، سفنا مدنيّة تحمل مئات المتضامنين مع غزّة، ودواءً، وغذاءً، وإسمنتا لإعمار بعض البيوت المهدمّة، وعربات تساعد من بُترت أطرافهم، وأيضا، وهذا هو الأهم: غزة لن تبقى محاصرة، ونحن كبشر من بلدان وأديان وقارات مختلفة سنكسر الحصار.

يفترض أن لا نفاجأ نحن العرب بخّاصة، بعقلية البلطجة والزعرنة التي خطط لها قادة الكيان الصهيوني على أعلى مستوى، والوحشيّة التي نفذتها قوّة عسكريّة بحريّة، وجويّة، تكفي لاحتلال بلد، بحّق متضامنين مع شعب فلسطين المحاصر في قطاع غزّة، على سفن مدنيّة تحمل مساعدات إنسانيّة تضامنية من بشر أحرار وفدوا من32 بلدا، من أعمار، وبلدان، وثقافات، واديان، وأعراق مختلفة، يجمعهم الضمير الإنساني النزيه، والغضب على هذا الظلم الذي تمارسه (دولة) القرصنة التي تحاصر وتخنق كل فلسطينيي القطاع، وتقتلهم قتلاً بطيئا مُعلنا مفضوحا، بلا رادع من أحد، دوليا، ومحليّا...

قافلة الحريّة في حال مرّت كانت ستدشن بدء انتهاء الحصار، وفك حبل الموت الملفوف حول عنق غزّة، وهذا سيعني مقدمة لصعود فلسطين من جديد قضية إنسانيّة، ينصفها رأي عام عالمي، يتجاوز حالة النفاق، وهيمنة أمريكا على المنظمات الدولية، وإشهارها الفيتو حماية للكيان الصهيوني، لتفلت من العقاب باستمرار، وتواصل دورها قرصنةً وبلطجة.

يستدعي منّا ما جرى أن نبتعد عن الوصف، وأن نضع الحروف على النقاط.

ما فعله الكيان الصهيوني هو من صلب طبيعته، فهو مارس القرصنة برّا وبحرا وجوّا، في البحر المتوسط، وأجواء الوطن العربي، دمّر طائرات مدنيّة في الجو وعلى الأرض وهي جاثمة في المطارات- الطائرة الليبية، والطائرات اللبنانيّة في مطار بيروت- واختطف بعضها

بحجة ملاحقة (إرهابيين)، وفجر موانئ..وكل هذا بسبب الضعف العربي الرسمي.

الحصار المضروب على قطاع غزّة ينفذه بشراسة نظام حكم غيّب دور مصر، وارتضى دور التابع الذليل، لضمان حكمه ومنافعه، وهو لا يستجيب لصوت شعب مصر، ولا لأنين مليون ونصف المليون في قطاع غزّة تدّب فيهم الأمراض، ويحرق الاحتلال أرضهم بحيث لم تعد تصلح للزراعة، ويلوّث مياههم ليموتوا بالأمراض التي ازدادت فتكا بهم بعد حرب (الرصاص المصبوب)، ونداءات ملايين العرب، وأصوات ملايين البشر في العالم.

الشهداء والجرحى أتراكا وأوربيين وعربا، نضيفهم إلى قائمة ضحايا الحصار، وكلهم وإن كان الكيان الصهيوني يتحمّل المسؤوليّة المباشرة في قتلهم وجرحهم وترويعهم، فإن نظام الحكم في مصر هو شريك رئيس في الجريمة، هو الذي يوقع يوميّا ضحايا فلسطينيين جددا في الأنفاق، وأمام بوّابة رفح الموصدة.

بيانات الشجب والاستنكار (بأشد العبارات) التي يدلي بها الناطقون باسم الدول العربيّة، جديرة فقط بالاحتقار و(بأشد وابلغ) عبارات الاحتقار، والسخرية، والازدراء، لأنها تصدر عن كذبة منافقين تعرف جماهير الأمّة أنهم هم لا غيرهم من جرّأ الكيان الصهيوني على استباحة سماء بلاد العرب، والبحر الأبيض المتوسط الذي يفترض أنه بحر عربي لما للبلاد العربيّة على شواطئه من امتدادات.. (كان يوما بحيرة عربيّة)!..ولكن ليس في زمن هؤلاء ال...

إن أمريكا هي راعية (دولة) القرصنة والبلطجة، ولا يمكن ردعها إلاّ حين تبدأ بالخسارة اقتصاديا، وسياسيّا، في بلاد العرب..وهذا لن يتحقق إلاّ إذا وجدت حكومات تمثّل شعوبها، وتنطلق من مصلحة أمتها، وتضع فلسطين في قمّة أولوياتها، وتجعلها أساسا في علاقاتها مع كل دول العالم.

من يتخلّى عن فلسطين تتخلّى عنه، ويخسر نفسه، ولا يربح سوى أن يكون تابعا وعميلاً وذيلا.

انظروا إلى جماهيرنا العربيّة من بيروت إلى غزّة، إلى عمق فلسطين ال48، إلى المغرب العربي الكبير..إن العلم التركي يرفرف عاليا، عنوانا للشجاعة، والاستقلاليّة، والانحياز للحّق، و..انتزاع دور كان بانتظار من يؤديه عربيّا، بالفعل لا بالأقوال.

قيادة تركيا الذكية تنطلق من الجانب الإنساني في سعيها الحثيث لكسر الحصار، وهي بهذا تفوّت الفرصة على من يمكن أن يتهمها بالانحياز إسلاميّا، وتراكم دعما تركيا داخليا من جماهير لا يغيب عن وعيها قدسية القدس وفلسطين، والتاريخ المشترك، وعامل الدين، والجغرافيا، وهذا يجد صداه في نفوس ملايين العرب المحبطين من حكّام باتوا عبئا، وعامل ضعف، وخذلانا لكل قضايا الأمّة وفي مقدمتها قضية فلسطين.

على سفن كسر الحصار حريّة غزّة، التقى الأتراك واليونانيّون، رغم العداوة بين البلدين، ففلسطين تجمع، وعلى اسمها تسمو المشاعر الإنسانيّة، واليونان بادرت بعد الهجوم على سفن القافلة فاحتجت، ونددت، واستدعت سفير الكيان الصهيوني ولحقت بها إسبانيا، والنرويج، بينما حتى ساعة متأخرة من الليل لم نسمع عن موقف (المملكة)!

السيّد عمرو موسى (ندد) و..نسي أن وزراء خارجية (دول) الجامعة، وفي كنف الجامعة، وبرعايته..غطّوا عودة السلطة الفلسطينيّة للعودة للمفاوضات غير المباشرة !..فهل سيعلن مجلس الأمناء - أمناء على ماذا؟! - ووزراء الخارجيّة إنهاء الحوار غير المباشر، والمباشر، و..( المبادرة) العربيّة..التي وضعت استرضاء لإدارة بوش الابن؟!

تستحق الجماهير البريطانية التي تدفقت مع العرب على شوارع لندن، وغيرها، في المدن الأوربيّة، والأمريكية، أن لا يسيء إليها احد ( باسمنا) و(اسم) قضايانا، فهذه الجماهير، ليست (عدونا)، ومن الجنون أن نستعديها هي التي تنزل إلى الشوارع في الوقت الذي تواصل جماهيرنا العربيّة حالة الخنوع والسكينة..إلاّ ما ندر!

قادة الكيان الصهيوني خططوا للبطش بالمتضامنين، لكسر استمرار القوافل البحرية، وهذا ما يدركه حتما القائمون على حملة كسر الحصار، و..أحسب أن إفشال مخطط وأهداف الكيان الصهيوني، سيتحقق بالمزيد من القوافل مهما يحصل، لفضح (دولة) القرصنة، ومن يرعاها ويدعمها، ومن يتواطأ معها (عربيّا).

غير مقبول من حاكم مصر سوى فتح معبر رفح، وإنهاء الحصار...

حكّام العرب هل شعروا بالحرج والخجل وهم يصغون لخطاب القائد التركي أردوغان، وهو يعلن مواجهة تركيا للكيان الصهيوني؟!

الدم الذي غطّى زرقة المتوسط، فتح ثغرة في الصمت على موت فلسطينيي غزّة، وألحق مزيدا من العار بالكيان الصهيوني وأمريكا، و..زادنا يقينا بأن الحكّام العرب ليسوا حتى (ظاهرة صوتيّة)، ولكنهم ظاهرة لا سابق لها في التخلّي عن أعدل قضيّة، وخذلان أمّة وبيعها، تهالكا على كراسي حكمهم...

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ