ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 12/06/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


تركيا سحبت من ايران ورقة غزة

هدى الحسيني

الشرق الاوسط

10-6-2010

لمفارقة المؤلمة أن الدول الثلاث التي تريد السيطرة وفرض نفوذها على الدول العربية، وتعطي دروسا في كيفية التحرير والدفاع، تحتل كلها أراضي دول أخرى. إسرائيل تحتل الضفة الغربية وقطاع غزة، حتى لا نقول كل فلسطين، إيران تحتل جزر دولة الإمارات العربية المتحدة، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وتركيا تحتل لواء الإسكندرون الذي اقتطعته من سورية وتحتل شمال جزيرة قبرص. كل هذا دون أن نتحدث عن معاملة هذه الدول الثلاث للأقليات لديها، خصوصا الأكراد في تركيا وإيران.

على كل، ليست العلاقات التركية - الإسرائيلية ضحية الغزو البحري السلمي، بل ضحيته المصالحة بين حماس وفتح، ذلك أن حماس ظنت أن الإدانة الدولية لإسرائيل، ترفع العزلة عنها، وتعطيها شرعية. قبل أشهر لمحت حماس إلى استعدادها للمصالحة مع فتح، وبعد حادثة «مرمرة» رفضت استقبال وفد من فتح. والذي يقرأ تحقيق صحيفة «الأوبزرفر» يوم الأحد الماضي حيث يقول الصحافي في نهايته: «إن حماس انتصرت على الحصار»، يشعر بأن «حماس» مهتمة بإنعاش السوق السوداء في غزة لما تدره الأنفاق عليها من أموال تفرضها كضرائب على أصحاب الأنفاق ووارداتهم، ولا يهمها مستقبل غزة أو الغزاويين كجزء من وطن أو كمواطنين يحق لهم العلم والتقدم والازدهار.

أيضا عادت القضية الفلسطينية وسيلة تنافس بين دول شرق أوسطية غير عربية، تريد السيطرة على المنطقة، وتريد أيضا تعزيز وضع أنظمتها داخليا. بقصة الأسطول البحري، خطفت تركيا الإعجاب بتصرفها الأخلاقي. داخليا هذا يساعد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الذي يريد إجراء استفتاء حول الإصلاح الدستوري في سبتمبر (أيلول) بحيث لا يحق للقضاء حظر أي حزب، وسيواجه انتخابات العام المقبل. لكن على الصعيد الدولي، فإن هذه الأخلاقية تحمِّل تركيا مسؤولية جديدة، ليس فقط بالتنديد بالقرصنة الإسرائيلية، بل بأن تتصرف بشكل بناء مع حماس والفلسطينيين.

قد تكون تركيا راغبة في دفع حماس وفتح إلى المصالحة، وبهذا تظهر أهميتها بنظر الولايات المتحدة، لكن من جهة أخرى فإن سورية وإيران ستظلان تشدان حماس بعيدا عن المصالحة. وقد تكون إيران أكثر من سورية راغبة في استمرار الصراع بين حماس وفتح. لأن هذه وسيلة إيران لفرض وجودها في المنطقة، وهو الأمر الذي قد تستعمله بين أوراق المساومة في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة والدول العربية. حماس ضرورية لها، لأن سورية حسمت أن حزب الله بيدها، وقد طلبت من كل المسؤولين اللبنانيين بدءا من رئيس الجمهورية ميشال سليمان، مرورا برئيس الوزراء سعد الحريري ووصولا إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، دون أن تنسى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي العائد إليها وليد جنبلاط، بعدم مناقشة سلاح حزب الله على طاولة الحوار، لأنه ورقة تحتاجها في هذه المرحلة. وفيما ترى سورية وإيران موقف تركيا القوي تجاه إسرائيل أمرا إيجابيا، إلا أن أيا من الدولتين لا تريد زيادة النفوذ التركي على حماس، لذلك ستعملان بالإبقاء على الشرخ في العلاقات بين حماس وفتح.

إن حادثة «أسطول الحرية» نسفت سعي إيران الحثيث للادعاء بأنها المدافع الأول عن القضية الفلسطينية، إذ إن التحدي جاءها من تركيا، القوة الإقليمية الأخرى البارزة في المنطقة. وبينما في حرب 2006 لم يوجه العالم إدانة إلى إسرائيل، رغم طول الحرب وتدميرها لبنان ودعم إيران لحزب الله بطل تلك الحرب، فإنه بعد حادثة «مرمرة»، لم تبق دولة لم تدن إسرائيل. وبهذا، ولفترة حملت تركيا عباءة المدافع الأول عن الفلسطينيين، بقصد أو غير قصد، إنما هذا أقلق إيران ودفع بأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، إلى محاولة استعادة اللحظة، وإملائه ما يجب على العالم «المقاوم» مواصلة عمله، وكأنه يقول لتركيا، شكرا، دعي هذه المساحة لنا.

ورغم أن دور تركيا في الأسطول كان واضحا وخدمها، إلا أنه تبين أن ردة فعلها الغاضبة لاحقا، ليست بسبب استمرار الحصار، بل لأنه جرى نوع من الاتفاق بين إسرائيل وتركيا بأن يجري تفتيش السفن قبل توجهها إلى غزة، وقد أخلَّت إسرائيل بهذا الاتفاق وسقط تسعة قتلى أتراك.

يوم الأحد الماضي، دخلت إيران على الخط بقوة، خصوصا بعدما اقترب موعد اجتماع مجلس الأمن لإصدار قرار دولي بحصار يشمل الحرس الثوري الإيراني، وقال ممثل آية الله علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، علي شيرازي، إن الحرس الثوري على استعداد لمرافقة سفن المساعدات المتوجهة إلى غزة. إن وصول البحرية الإيرانية إلى المتوسط سيكون سابقة، وقد تواجهه بسهولة البحرية الإسرائيلية. وإن هذا الإعلان، رغم استبعاد حدوثه هو محاولة من إيران لاستعادة وضع يدها وحدها على القضية الفلسطينية.

من جهتها، يهم تركيا أن تبقى الأوضاع عند هذا المستوى، فهي كسبت أخلاقيا، وارتفعت مصداقيتها في العالم الإسلامي لوضعها مسافة بينها وبين حليفتها منذ عام 1979 إسرائيل. لكن إذا نفذت إيران تهديداتها، ونشرت أسطولها، وتدهور الوضع، أو إذا دفعت حماس وحزب الله إلى القيام بعمليات ما، فسيعود التركيز على الدور الإيراني، وهذا قد ينسف الموقف التركي.

إن هذه المنافسة حول غزة، تكشف أن الدولتين، تركيا وإيران، تستغلان الوضع من أجل أهدافهما الخاصة. تركيا تريد الاعتراف بأنها القوة المسيطرة في الشرق الأوسط، وإيران تعرف ذلك، وتعرف أن لتركيا امتيازات جيو - سياسية، لتكون اللاعب الأول. ولهذا قد تجد أنه لا بد من قلب الأمور على أعقابها كي لا تسمع تركيا تقول لها: كش ملك. وتجدر الملاحظة إلى أن كل ما قدمته تركيا لل«أونروا» لمساعدة غزة العام الماضي بلغ 1.08 مليون دولار، وتعهدت هذه السنة بدفع 500 ألف دولار!

الثلاثاء قبل الماضي، قال أردوغان: «إن إسرائيل تخاطر بخسارة أقرب حلفائها في الشرق الأوسط إذا لم تغير من عقليتها». لم يصل إلى حد التهديد بقطع العلاقات معها كليا، هو يعرف أن إسرائيل دولة لا تتحمل العزلة، كانت تركيا وإسرائيل حليفتين طبيعيتين تواجهان عدوا واحدا هو الاتحاد السوفياتي، وكانت الولايات المتحدة الغِراء الذي يمسك هذا التحالف معا. حاليا لم تعد تركيا عرضة وبحاجة لمن يرد السوفيات عنها، ثم إنها تعيد اكتشاف جذورها العثمانية من الشرق الأوسط إلى آسيا الوسطى، وتستعمل الإسلام لنشر النفوذ التركي في العالم الإسلامي. لكنها في الوقت نفسه تستمد قوة نفوذها؛ لأنها ترتبط بعلاقات مع إسرائيل والدول الإسلامية في آن واحد. لهذا من المستبعد أن تقطع علاقاتها مع إسرائيل.

من ناحيتها، فإن الولايات المتحدة تريد الاحتفاظ بموطئ قدم استراتيجي في البحر المتوسط. وتحاول جاهدة الانسحاب عسكريا من العراق، والتوصل إلى تفاهم مع إيران. ولأن تركيا لا يعيقها أو يحرجها التنافس العربي - الفارسي أو العربي - الإسرائيلي فإنها تستطيع أن تكون أكثر فائدة لأميركا في المنطقة من إسرائيل.

واشنطن ستحاول التوسط بهدوء بين أنقرة وتل أبيب، لكنها إذا اضطرت ستقف مع أنقرة، خصوصا أن بعض العداء مع إسرائيل قد يساعد واشنطن على استعادة بعض مصداقية لها في المنطقة. إسرائيل وتركيا ستحتفظان بعلاقاتهما، لكن إسرائيل لم تعد قادرة على الاعتماد على تركيا كحليف إقليمي، وهذا قد يضر سورية.

================

ابعاد الدور التركي الجديد في الشرق الاوسط وحدوده

باسم الجسر

الشرق الاوسط

10-6-2010

لم تتعمد الحكومة التركية تحدي إسرائيل على سواحل غزة، ولكنها لم تفعل شيئا للحؤول دونه. بل اتخذت منه حجة لتفجير خلاف متنام، منذ مدة، معها، وسبيلا إلى دخول قلوب الجماهير العربية والإسلامية من الباب العريض، وارتفع العلم «العثماني» في مظاهرات المدن العربية، بعد غياب دام قرنا تقريبا.

ولا شك في أن انضمام تركيا إلى الفريق الشرق أوسطي الرافض للسياسة الإسرائيلية، له وزنه، ويعتبر كسبا مهما للقضية الفلسطينية ودعما للحقوق العربية المغتصبة من قبل إسرائيل. ولكن هذا التحول السياسي المهم في موازين القوى المشرقية يطرح أكثر من سؤال عن أسبابه وأبعاده وحدوده.

ينسب بعض المراقبين هذا التحول إلى الاستراتيجية التركية التي وضعها الحزب الحاكم في تركيا والهادفة إلى توسيع الدور أو الحضور التركي في المناطق الكبرى المجاورة لها، الإسلامية والعربية والقوقازية والآسيوية، متكلة على الروابط الدينية والثقافية والاقتصادية والتاريخية التي تجمعها بشعوب تلك المناطق، دون أن يعني ذلك خروجها من حلف الأطلسي ومن تحالفها مع الولايات المتحدة أو تخليها عن طلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولا عن التعاون العسكري مع إسرائيل. وقبل أن يقع ما وقع في غزة، كانت تركيا قد قطعت شوطا كبيرا في تنفيذ هذه السياسة الانفتاحية، بما في ذلك اصطدامها بإسرائيل «على الخفيف». أما وقد تفجر خلافها دبلوماسيا وعسكريا مع الدولة العبرية، فإن أسئلة جديدة باتت مطروحة: إلى أي مدى ستمضي تركيا في «معركتها» ضد إسرائيل؟ وهل سيؤثر ذلك على علاقاتها بالولايات المتحدة الحاضنة لها؟ وإلى أي حد ستذهب تركيا في الدفاع عن غزة، وخدمة القضية الفلسطينية؟ وهل سينشأ حلف تركي - عربي - إيراني معاد لإسرائيل أو ضاغط أو مقاوم لها؟ أم أن تركيا دخلت ساحة النزاع العربي - الإسرائيلي كمنافسة لإيران على الدور الإسلامي في المنطقة العربية؟

قبل العدوان الإسرائيلي على السفن الإنسانية في مياه غزة، كانت تركيا تقوم علنا بالوساطة بين سورية وإسرائيل. ولقد أصبح هذا الدور صعبا بعد تفجر الخلاف بين أنقره وتل أبيب. ولكن المراقبين شبه مجمعين على أن تركيا لن تذهب في «معاداة» إسرائيل - وبالتالي الولايات المتحدة - إلى الحد الذي بلغته إيران. أو إنها ستتحول إلى دولة داعمة لفصائل المقاومة الفلسطينية والإسلامية، التي تعتبرها واشنطن والدول الأوروبية «جماعات إرهابية». اللهم إلا إذا تخلت تركيا نهائيا عن تحالفها مع الولايات المتحدة ورغبتها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وهذا ما يستبعده المطلعون. ولكن، هل تستطيع حكومة أردوغان، داخليا، أن تصل بعلاقاتها بالغرب إلى هذه الدرجة من الجفاء أو العداء؟

أمام هذه الأبعاد والحدود، يطرح السؤال حول طبيعة الدور التركي الجديد في المنطقة وفي النزاع العربي - الإسرائيلي وقضية فلسطين بالذات؟

يرى البعض في هذا الدخول التركي على ساحة النزاع العربي الإسرائيلي، منافسة لإيران، ترحب بها الدول العربية، بل والدول الغربية أيضا. ويرى آخرون أن تركيا قادرة على دفع عملية السلام في المنطقة بعد الشعبية والصدقية التي اكتسبتها في قلوب الجماهير الغربية والفلسطينية والإسلامية، ابتداء بمصالحة فتح وحماس. كما يرى آخرون أن تركيا تسعى لا إلى منافسة إيران بل إلى منافسة إسرائيل أيضا كصديقة وحليفة للغرب في هذه المنطقة من العالم.

إن الأيام أو الأشهر القادمة هي التي ستكشف عن الهدف - أو الأهداف - التي ترمي إليها تركيا، من وراء هذا التحول الكبير في سياستها الخارجية والشرق أوسطية. والأمر لا يتعلق فقط بالاستراتيجية التي وضعتها، بل أيضا بموقف الولايات المتحدة وإسرائيل والدول الكبرى، بل الجيش والقوى العلمانية داخل تركيا. ولكن هذا لا يحول دون ترحيب الدول والشعوب العربية بالسياسة التركية الجديدة التي تشكل دعما مهما للقضية الفلسطينية وللحقوق العربية. وعسى أن لا تضيع هذه الفرصة التاريخية الجديدة في نزاعاتنا الفلسطينية - الفلسطينية، والعربية - العربية، والإسلامية - الإسلامية.

=======================

بلا حدود

الافتتاحية

الخميس 10-6-2010م

بقلم رئيس التحرير أسعد عبود

الثورة

لعل ما يتعرض له قطاع غزة يشكل حالة نادرة في التاريخ..

لكنه عرض لمرض.. ولن يغيب عن ذهن إسرائيل محاولة أن تنسينا المرض عبر إشغالنا بأعراضه.. وهذا يفسر إلى حد بعيد دفعها المستمر لتفاقم الأعراض.‏

ما قامت به إسرائيل ضد سفن أسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة، جريمة نكراء فريدة.. لكنه أيضاً يحمل غباء غير عادي.. حتى ليبدو أنه غباء مقصود؟!.‏

لجنة تحقيق دولية..‏

محاكمة الجناة القتلة دولياً..‏

كسر الحصار عن غزة..‏

وقف الاستيطان..‏

كلها لمعالجة أعراض المرض الذي هو الاحتلال بمعناه الواسع.. ذلك أن احتلال 1967 هو بحد ذاته عرض للمرض الأساسي الذي أصاب جسد المنطقة والأمة العربية والإسلامية بل حتى العالم بوجود إسرائيل!!‏

الكيان الإرهابي، هو الذي يقول للعالم اليوم إنه لا يؤمن بوطن له.. إلا الإرهاب والتوسع واللاحدود..‏

أكثر من تسعين عاماً على الوعد المشؤوم بالعطف على اليهود وإنشاء وطن لهم في فلسطين.‏

أكثر من ستين عاماً على تنفيذ بريطانيا المستعمرة للوعد..‏

أكثر من حرب..‏

أكثر من توسع..‏

ولم تصل القناعة إلى الذهن الصهيوني ب «الحدود» كما لكل دول العالم حدود..!!‏

هنا المرض.. وكل ما نواجهه.. أعراض..‏

علمياً معالجة الأعراض ضرورية جداً لإيقاف تفاقم آثار المرض.. لكنه لا يشفى.. وإذا كان المرض سرطانياً لا يعرف الحدود، كما هو الحال مع الكيان العدواني الإرهابي..‏

تنكسر «أحلام» معالجة العرض والتعايش مع المرض.. لأنه السرطان الذي لا يقبل التعايش مع الجسد الحي إلا كي يفتك به.‏

عفواً لهذا التشبيه العلمي الطبي في مقال سياسي.‏

لكن..‏

من الضروري جداً أن نفهم نحن العرب والقوى الخيرة المحبة للسلام وحقوق الإنسان، أن إسرائيل تريد مشاغلتنا والعالم بسلوك تتعمده، كي تتوقف مطالبتها بالجنوح للسلام.‏

حتى السلام تريد منه مشاغلة العرب كي يتوهوا في أحلامه.. فيعدلوا عن فكرة معالجة المرض من جذوره..‏

إذا كانت إسرائيل لا تريد السلام، فأي مخرج يتوقعه العالم لحالة المنطقة.. وما تثيره في كل العالم من مشكلات.‏

هل هناك حالة تأزم واحدة بأي مستوى كان وفي أي مكان بالعالم بعيدة عن حالة المنطقة، والعامل الإسرائيلي..؟!‏

أين؟!‏

لا أتحدث بذلك كنوع من التشاؤم.. على العكس أنا إلى حد ما متفائل.. فالعالم كله سيجد نفسه أخيراً ملزماً بمعالجة الواقع الإرهابي الذي تفرضه إسرائيل عليه فيضطر لإلزامها بالسلام وبالحدود.‏

وإلا.. فما العمل؟!‏

=======================

كيف غيّر الهجوم على «أسطول الحرية» معالم الشرق الأوسط؟

الخميس, 10 يونيو 2010

بول سالم *

الحياة

بات من الواضح أن هجوم القوات الخاصة الإسرائيلية على سفينة مرمرة التركية تمثّل منعطفاً أساسيّاً في تاريخ الشرق الأوسط، يفوق في عواقبه السياسية والاستراتيجية حرب غزة في عام 2008-2009 أو حرب لبنان في عام 2006. فللمرة الأولى في تاريخهما، أضحت إسرائيل وتركيا في عداء مفتوح، واستحوذت تركيا، وفي شكل سريع، على موقع قيادي في القضية الرئيسية في العالمين الاسلامي والعربي - قضية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني - متجاوزة بذلك موقع إيران، وضاغطة في شكل مباشر على مصر والدول العربية الأخرى.

اما الشرق الأوسط القديم، شرق اوسط النصف الثاني من القرن العشرين، الذي تميّز بمنعطفات المواقف العربية، ومسارات التصادم والتفاوض العربي – الإسرائيلي، وتحولات سياسات القوى العظمى، ذلك الشرق الاوسط لم يعد موجوداً. فقد أصبحت تركيا وإيران الآن لاعبتين اساسيتين في المنطقة، تتحديان وتتعديان احياناً الادوار العربية، وتتحديان غطرسة إسرائيل وحرية التحرك التي كانت تتمتع بها، وترفضان الانصياع إلى إملاءات القوى العظمى. أما الدول العربية فهي محدودة الفعالية: لم تستعد وحدة الموقف منذ افول نجم مصر في السبعينات، أضعفتها الخسائر المتكررة أمام إسرائيل في ميدان المعركة، احبتطها انسدادات مسار السلام والوعود الاميركية، وهزّتها انتصارات القوى غير النظامية مثل «حزب الله» و «حماس».

اسرائيل تدخل اليوم الى شرق اوسط جديد. عاشت الدولة العبرية منذ عام 1967 نشوة القوة. وقد اعتبرت هذا الانتصار بمثابة ترخيص لضم الأراضي العربية المحتلة واستيطانها. واستغلت فرصة سلامها المنفرد مع مصر في عام 1979 لتوسيع مستوطناتها في الضفة الغربية وضم هضبة الجولان السورية. اما إسرائيل الآن فتُواجه تحوّلاً تاريخياً في موازين القوى الاقليمية، ليس نتيجة لسياسات الدول العظمى كما كان يحصل سابقاً، بل بسبب صعود قوى إقليمية - إيران وتركيا. فلن تستطيع اسرائيل ان تتعاطى مع هذه القوى الاقليمية الصاعدة كما تعاطت مع الدول العربية بعد 1967.

كان مشوار تركيا للعودة الى الشرق الاوسط طويلاً. أدارت تركيا ظهرها للعالم العربي بعد الثورة العربية في الحرب العالمية الأولى التي ساهمت في إسقاط الإمبراطورية العثمانية. وكانت تركيا واحدة من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل في عام 1948، كما كانت حليفاً وثيقاً لها على مدى عقود بعد ذلك. وبعد أن أصلحت تركيا علاقاتها مع العالم العربي في العقدين الماضيين، عرضت أن تكون جسراً لإسرائيل من أجل التوصل إلى السلام بينها وبين العرب. بيد أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة اجهضت هذه الجهود. افترقت إسرائيل وتركيا بسبب حرب غزة الأخيرة، بخاصة أن رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك ايهود أولمرت شن الحرب بعد أيام فقط من مناقشة محادثات السلام بين سورية وإسرائيل مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. لكن، حتى في ذلك الوقت، لم تدخل تركيا الى صلب القضية وظلت لاعباً على اطراف الصراع. أما اليوم، وبعد مقتل مواطنين أتراك على يد القوات الخاصة الإسرائيلية، فقد أصبحت تركيا - أمة ودولة - وللمرة الأولى، طرفاً مباشراً في صراع إسرائيل المتسع مع محيطها.

صعود ايران ليس وليد الساعة، فكانت قد ازدادت قوتها في شكل كبير في الشرق الأوسط بعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003. وباتت تتمتع بنفوذ قوي في العراق وسورية ولبنان وقطاع غزة، وتُلقي بظلالها على منطقة الخليج. ومع استمرار برنامجها النووي، يمكن إيران أن تتحدى إسرائيل في شكل مباشر في المجال النووي كذلك. كما حظي الرئيس أحمدي نجاد وزعيم «حزب الله» السيّد حسن نصرالله بشعبية كبيرة في الشارع العربي والإسلامي. لكن الهويات المذهبية والطبيعة الراديكالية لمشروعهما تحد بعض الشيء من شعبيتهما في الشارع العربي والسنّي.

بيد أن القيادة التركية ذات طبيعة مختلفة. فتركيا دولة سنّية، وريثة الإمبراطورية العثمانية، وآخر مركز للخلافة. ويُنظر إليها ايضاً في السنوات الاخيرة بوصفها دولة ناضجة ومسؤولة تقترح سبيلاً عقلانياً للمضي قدماً في منطقة الشرق الأوسط من حيث السياسة الخارجية وبناء الديموقراطية ونمو الاقتصاد. بمعنى آخر، يمكن رئيس الوزراء أردوغان، بعد الصدام الأخير مع اسرائيل، أن يستحوذ على شعبية واسعة في العالم العربي والإسلامي، وهي شعبية قد تثبت أنها قوية جداً وقابلة للديمومة.

هنا يكمن خطر وفرصة على حد سواء. فيجب على الرئيس أردوغان وحزب «العدالة والتنمية» الاحتراز من خطر التسارع في شكل غوغائي وغير مدروس على طريق التصعيد والمواجهة، فالمنطقة ليست في حاجة إلى حرب جديدة. وقد سبق العديد من القادة العرب وإيران تركيا على هذا الطريق. بدل ذلك، ينبغي على تركيا استخدام نفوذها الإقليمي والعالمي للاثبات لإسرائيل بأن الاستمرار في تحديها للحقوق الفلسطينية، والقانون الدولي، والنظام الإقليمي غير مقبول ولن يدوم، وأن مسار العقلانية والتفاوض وبناء السلام العادل والدائم لا يزال مفتوحاً، وانه الخيار الوحيد المتاح امامها اذا ارادت البقاء في المنطقة. فيجب على تركيا ألا تتخلى عن توازن موقفها وعقلانيته - الامر الذي ميّزها بين دول الشرق الاوسط - وألا تنزلق الى موقف منغلق، هو أقرب إلى موقف إيران، ومواقف العديد من القادة العرب في الماضي، وموقف إسرائيل اليوم، الموقف الذي يزيد الازمات توتراً ولكن لا يدفع باتجاه الحل.

اما في ما يتعلق بالولايات المتحدة والمجتمع الدولي، فكثيراً ما كان يردد مسؤولون في إدارة أوباما إن «الأزمات تخلق فرصاً يجب الا تضيّع». وبالفعل، فإن التصعيد الأخير بين إسرائيل وتركيا يُمثّل فرصة للخروج من الحلقة المفرغة، ومن الوضع القائم العقيم الذي ساد خلال السنوات الماضية، وإيجاد طريق جديد للمضي قدماً. لا شكّ في ان في إمكان تركيا أن تكون خصماً لدوداً لإسرائيل والولايات المتحدة، ولكن إذا كان في وسع الولايات المتحدة أن تستفيق فعلاً الى حقيقة مصالحها وقوتها، وتحمل إسرائيل على التخلي عن سياسات الاستعداء والاحتلال العقيمة والأخذ بخيار السلام العادل والدائم، فستجد أن رئيس الوزراء أردوغان يمكن أن يكون عنصراً فاعلاً في عملية بناء السلام والاستقرار في الشرق الاوسط. وذلك على خلاف الزعيم الايراني الذي لا يحبز مسار السلام اصلاً، والعديد من القادة العرب الذين يريدون السلام ولكن لا يملكون الشعبية الكافية لاتخاذ القرارات الصعبة الضرورية لذلك.

ختاماً، ومع زيارة الرئيس الفلسطيني أبو مازن واشنطن ولقائه بالرئيس باراك اوباما، يتعّين على الولايات المتحدة التحرّك بسرعة لرفع الحصار عن غزة، وتحسين الظروف في الضفة الغربية، وتشجيع «فتح» و «حماس» على إعادة بناء العلاقة بينهما. لكن الأهم من ذلك هو أن تحزم ادارة اوباما امرها، وذلك قبل نهاية هذا الصيف، وتطرح رؤيتها الخاصة للسلام وتلتزم بها، وتعمل للقيام الفعلي لحل الدولتين.

وإذا فعلت واشنطن ذلك، وإذا نجحت في إقناع أو لي ذراع إسرائيل للمضي قدماً، فستجد أن تركيا يمكن أن تكون لاعباً أساسياً في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط. وفي حال حدوث ذلك لن تكون الأزمة الأخيرة قد أُهدرت. اما اذا بقيت الامور على ما هي، فستضاف هذه الأزمة إلى العديد من الأزمات التي جعلت من منطقة الشرق الأوسط احدى اكثر المناطق توتراً واقلّها استقراراً في العالم.

* مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت

=======================

إسرائيل بين الاستثنائية والمشروعية

الخميس, 10 يونيو 2010

رغيد الصلح *

الحياة

يتجاذب الاسرائيليون خلال الازمات العصيبة التي تمر بها اسرائيل، كما هو حالها اليوم، نظرتين وتقييمين مختلفين للكيان العبري وموقف المجتمع الدولي منه. تعتبر النظرة الاولى اسرائيل كياناً استثنائياً في كل شيء، كونه وريثاً لضحايا «الهولوكوست» و «البوغرومات»، وبيتاً لشعب الله المختار، ومنارة للبشرية، واخيراً لا آخراً في مجابهة الاخطار الكبرى المحيطة به ك «كيان صغير تحيط به دول تفوقه حجماً وامكانات وتريد القضاء عليه». هذه الاستثنائية منحت الاسرائيليين حقاً في استخدام كل وسيلة، حتى ولو لم تكن مشروعة في الاعراف والقوانين الدولية، للدفاع عن انفسهم ولحماية ما يمثله الكيان العبري - كما تقول الميثولوجيا الصهيونية - من قيم و «تقاليد سامية» كما وصفها اللورد بلفور في وعده الشهير حول الوطن القومي لليهود في فلسطين.

في صراعها الطويل من اجل اقامة الكيان العبري وترسيخه، تستطيع الحركة الصهيونية أن تعتبر أنها حققت نجاحاً باهراً، في بعض اصقاع ودول العالم، في تكريس استثنائية الكيان في الاذهان. وفي علاقة اسرائيل مع الآخرين، امثلة ناطقة وفصول معبرة عن حجم تلك الإنجازات. من هذه الامثلة فصل اغراق البارجة العسكرية الاميركية «ليبرتي» خلال حرب حزيران 1967 اي قبل ثلاث واربعين سنة بالتحديد. فقد ضربها الاسرائيليون بكل الوسائل التي كانت في حوزتهم وهاجموها مراراً من الجو وتسببوا في قتل 34 واصابة 170 عسكرياً اميركياً كانوا عليها. وادعى الاسرائيليون ان هذا الحادث كان خطأ. ولكن التحقيقات المحدودة، وشهادة دين راسك وزير الخارجية الاميركي آنذاك، اثبتت ان هذا الادعاء كان كاذباً وان قادة «ليبرتي» ابلغوا المهاجمين مراراً انها بارجة اميركية، ولكن الهجوم لم يتوقف حتى تم تدميرها واغراقها.

يرجح باحثون ومسؤولون اميركيون تابعوا هذا الامر، ومن جملتهم السيناتور الاميركي بول فندلي، ان سبب اغراق البارجة هو رغبة الاسرائيليين في التعتيم على مخالفاتهم لقوانين الحروب. الاهم هنا هو موقف الادارة الاميركية اللاحق من اغراق «ليبرتي»، اذ اسدلت هي الاخرى ستاراً سميكاً من التعتيم على الحادث. فعل الاميركيون هذا لأنهم عاملوا اسرائيل على انها كيان استثنائي، وان من حقه ان يخرج عن القوانين والاعراف ليس مع الاعداء فحسب، بل حتى مع الاصدقاء والحلفاء، اذا اقتضت ذلك ظروف الحروب الاستثنائية التي يخوضها.

ادرك الاسرائيليون بعد انقضاء عقود من الزمن على قيام الكيان العبري، وعلى الافادة من ميزات الاستثنائية وفوائدها كافة، ان لها ثمناً، وان هذا الثمن قد لا يكون في مصلحة اسرائيل. فالاستثنائية قد تثير التباسات واشكالات حول «مشروعية» الكيان العبري وان الناقدين قد يستخدمون هذه «الاستثنائية» الاسرائيلية ضد اسرائيل، فينتقصون من دورها على الصعيد الدولي، ويحرمونها من عضوية العديد من الهيئات والمنظمات الدولية، ويمعنون في القاء شبهة على ما تنسبه لنفسها من حقوق، ويثيرون الاسئلة الحرجة حول «طبيعية» الكيان العبري.

تخوفاً من هذه «الاستثنائية»، اندفع الاسرائيليون الى التشديد على «مشروعية» الكيان العبري وعلى انه كيان طبيعي مثل سائر الكيانات والدول القائمة في العالم. فعندما اعلن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في جنيف عام 1988 اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل، رد رئيس الحكومة الاسرائيلية مناحيم بيغن على هذه الخطوة بقوله: ومن طلب منه الاعتراف بإسرائيل؟ هل تحتاج فرنسا او ايطاليا او بريطانيا – اي الدول الشرعية والطبيعية - الى من يعترف بها؟ وبعد ذلك بسنوات وخاصة عندما جاء بنيامين نتانياهو الى الحكم في التسعينات، اخذ المسؤولون الاسرائيليون يتحدثون عن احتمال تخلي اسرائيل (الطبيعية) عن المعونات (الاستثنائية الحجم) التي كانت تأتيها من الولايات المتحدة.

لئن تدرج الاسرائيليون من التشديد على استثنائية الكيان العبري الى التشديد على مشروعية اسرائيل وطبيعيتها، فإن ردود الفعل الاسرائيلية على سلسلة من الاحداث والمآزق الاخيرة التي مرت بها اسرائيل، تدل على الصعوبة الكبرى في اعتبار الكيان العبري دولة عادية مثل دول العالم الاخرى، وتندرج في اطار الاستنجاد بمنطق استثنائية اسرائيل للهروب من التعرض لمحاسبة المجتمع الدولي. فبينما تمكن الاسرائيليون بسهولة ملحوظة من اسدال الستار على اغراقهم البارجة «ليبرتي» يوم كانت اسرائيل كياناً استثنائياً، نجدهم يعانون اليوم ارتباكات غير مسبوقة في سعيهم لإطفاء نيران عدوانهم على «اسطول الحرية».

واذ يأتي هذا العدوان في اعقاب سلسلة من الإدانات القوية المتتابعة لاسرائيل (حصار غزة، تقرير غولدستون، جريمة اغتيال محمود المبحوح، مقررات مؤتمر نيويورك حول نزع السلاح النووي والاتفاق على عقد مؤتمر حول الشرق الاوسط عام 2012) فإنه يفتح الباب امام محاسبة اسرائيل كدولة «طبيعية» و «مشروعة» مثل سائر دول العالم التي تخضع للقانون الدولي، وليس كدولة «استثنائية»، تقف فوق القوانين والاعراف الدولية. الاسرائيليون يريدون الكيان العبري ان يكون الاثنين معاً، ولكن المثل الانكليزي الشهير يقول: «لا تستطيع ان تأكل الكعكة وان تحافظ عليها كما هي»!

في اسرائيل اليوم قلق كبير وتخوف وجودي من التراجع في مشروعية واستثنائية الكيان العبري. ولقد اطلق هذا القلق مبادرات كثيرة ترمي الى وضع اليد على اسباب هذا التراجع ومعالجة جذوره واقتراح السياسات التي تضع حداً له. في هذا السياق قامت مؤسسة «روت» الاسرائيلية بوضع تقرير سياسي تناول هذه المسألة. وسبقت التقرير دراسات كثيرة ومقابلات شملت مئة شخصية اسرائيلية وعالمية وابحاث ميدانية عديدة. وتمخض التقرير عن جملة مقترحات من اهمها ما يأتي:

اولاً: اعتبار ازمة التراجع في شرعية اسرائيل معضلة وجودية.

ثانياً: استنفار الشتات الاسرائيلي والمنظمات الاسرائيلية غير الحكومية مثل اتحاد العمال الاسرائيلي (الهستدروت) من اجل تكوين شبكة عالمية لمساندة اسرائيل، ولمواجهة الشبكة العالمية التي تعمل على اسقاط الشرعية عنها، وتوجيه هذه الشبكة لكي تتحرك على محورين معاً: واحد يمس مصالح الشعوب وقادتها، والثاني يخاطب عقول ومشاعر الشعوب والرأي العام العالمي.

ثالثاً: محاربة شبكات «نزع الشرعية» عن اسرائيل في اهم عواصمها مثل لندن وباريس وتورونتو ومدريد والسعي لعزلها عن الجماعات المؤيدة لها التي تزودها بالمتطوعين والمال والمعلومات.

رابعاً: اعادة تنظيم وتقوية وزارة الخارجية الاسرائيلية بتعزيز جهازها البشري وطاقاتها المادية.

خامساً: تخليص اسرائيل من الصفات السلبية «التي الصقت بها» مثل النزوع العدواني والاستخفاف بالقانون الدولي، واضفاء الصفات الايجابية التي تحصنها ضد محاولات نزع الشرعية، مع دمغ الذين يسعون الى تحقيق هذا الغاية بالصفات السلبية مثل اللاسامية.

سادساً: محاورة الناقدين، وعزل العاملين على نزع الشرعية عن اسرائيل.

تلك هي ابرز المقترحات التي جاءت في تقرير مؤسسة «روت». وتبين هذه المقترحات حجم الازمة التي تمر بها اسرائيل اذ انها لم تأتِ بجديد. فإسرائيل لا تشكو من نقص في حيوية ودعم منظمات الشتات الصهيوني مثل «ايباك» و «معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى» في الولايات المتحدة وغيرها من المنظمات الصهيونية في العالم. والصفات السلبية التي تسم اسرائيل لم تلصق بها من قبل ناقديها بل هي حصيلة سياساتها. اما تدهور علاقات اسرائيل بالعالم الخارجي فلا شأن للخارجية الاسرائيلية به، بل هو نتاج ازدياد الوعي الدولي وتحول العالم الى «قرية دولية» بإمكان اي مواطن عالمي ان يتابع احداث اي بقعة من بقاع هذه القرية.

ان هشاشة هذه المقترحات لا تعود الى نقص في الجهود التي مهدت للتقرير الذي تضمنها، ولا الى تقصير المؤسسة التي أصدرته، وقد وصفها ناطق بلسان وزارة الخارجية الاسرائيلية بأنها تحظى ب «احترام بالغ وصدقية عالية» في اسرائيل، وقالت عنها تسيبي ليفني، زعيمة حزب «كاديما» ان مقترحاتها «اثرت في كل دائرة من دوائر الحكم الاسرائيلية». ان مشكلة الشرعية الاسرائيلية لا تكمن في تقارير الباحثين ولا في اداء الادارات الاسرائيلية. انها تكمن في صلب المشروع الصهيوني وليس في تجلياته واعراضه وتفرعاته.

=======================

خطاب أوباما . . الخاسر الأكبر

آخر تحديث:الخميس ,10/06/2010

جميل مطر

الخليج

يوجد احتمال أن يكون نتنياهو وباراك أخطآ في بعض حساباتهما عندما قررا مع غيرهما الصعود أو الهبوط مع ريح السماء إلى بواخر قافلة الحرية . يوجد احتمال آخر، أن يكونا قد خطّطا بدقة ولم يرتكبا أخطاء وجاءت النتائج أقرب ما تكون إلى الأهداف الموضوعة للخطة . أميل بالحس والطبع إلى الاحتمال الثاني ليس إيماناً بنظرية المؤامرة، وإن كنت أعترف بأنني مع غيري من الذين وقع على عاتقهم ذات يوم الإسهام في صنع سياسة أو قرار سياسي، اشتركت في التآمر، بمعنى من المعاني، ضد دولة عدو . لم أعرف وقتها أنني كنت متآمراً . عرفت فقط حين تبدلت أولويات المصالح القومية فصارت الخطة التي وضعناها قبل سنوات للإضرار بمصالح دولة عدو تتناولها في عهود أخرى أقلام مصرية معينة بالانتقاد والتسفيه باعتبارها مؤامرات .

 

أميل إلى احتمال أن يكون “الإسرائيليون” خططوا جيداً لتحقيق نتائج قريبة الشبه جداً من النتائج الفعلية التي أسفرت عنها الحملة . أميل إلى هذا الاحتمال ربما تحت تأثير تجاربنا السابقة مع “إسرائيل” ومع نتنياهو تحديداً، وربما استناداً إلى متابعتي مسلسل التطورات الأخيرة في “إسرائيل” . في تصوري أن الصعود الرهيب لقوى اليمين “الإسرائيلي” وأفكاره خلّف لدى “الإسرائيليين” شعباً وحكومة ولدى القيادات المتطرفة في الجاليات اليهودية في الخارج، اعتقاداً بأنه ربما آن الأوان أن تقفز “إسرائيل” قفزات واسعة لعبور المرحلة النهائية في مسيرتها نحو استكمال الاستيلاء على معظم فلسطين وفرض هيمنتها على الإقليم وترسيخ نفوذها في العالم . ولماذا الانتظار؟ لقد تحققت ل “إسرائيل”، كما يعرف محللون عرب كثيرون، الهيمنة على الحيز الرسمي العربي وصارت لها كلمة تؤثر بها في معظم علاقات الحكومات العربية في ما بينها، وبينها وحكومات دول أخرى مثل الولايات المتحدة ودول أعضاء في الاتحاد الأوروبي . حدث هذا بعد أن تعزز نفوذها في معظم العواصم العربية المهمة . لم تعد توجد دولة عربية، أو عدة دول عربية، أو الدول العربية مجتمعة في قمم عقدت بالفعل في القاهرة أو طرابلس أو الدوحة، تجرؤ على التصدي لهذه الهيمنة أو تقوى على تكبيل هذا النفوذ . وبالفعل صارت تصدر وبكثرة عن مسؤولين عرب تهديدات جوفاء وقرارات منزوعة الأنياب وبيانات حروف كلماتها أكثر عدداً من كل جنود العرب وطائراتهم ودباباتهم .

 

أذكر أننا خرجنا بانطباع أن دولاً عربية كبيرة أعربت لتركيا عن طريق أجهزتها الدبلوماسية والإعلامية عن تبرمها أو خشيتها من المتغير التركي الذي يمكن أن يؤدي إلى تغيير في الوضع القائم في المنطقة .

 

في الوقت نفسه كانت “إسرائيل” تبعث برسائل عديدة إلى إيران تحذرهم من أنهم لن يفلتوا من عقوبة صدر القرار فيها بسبب إصرارهم على تطوير قدراتهم العلمية والتكنولوجية . كذلك وصلت رسائل، وإن من نوع آخر، إلى الأتراك . بدأ وصول هذه الرسائل منذ الأيام الأولى في حكومة حزب العدالة والتنمية، وتكثفت مع تجدد المحاولات التركية للاتصال بالسوريين والفلسطينيين . لم يكن في قصد الأتراك أن يزايدوا حين تعاطفوا مع أهل الجنوب في لبنان خلال العدوان “الإسرائيلي” بينما كانت دول عربية تراهن على القضاء على كافة إمكانات المقاومة، ولم يقصد الأتراك المزايدة عندما توسطوا بين السوريين و”الإسرائيليين” وعركوا مكر حكام “إسرائيل” ونواياهم العدوانية ضد سوريا ولبنان . علق في ذلك الحين معلق غربي بأن تركيا أخطأت في حق نفسها وتحالفها التقليدي مع “إسرائيل” عندما كشف بعض المسؤولين فيها قدر الخداع الذي يمارسه “الإسرائيليون” في مفاوضاتهم مع العرب .

 

وبمرور الوقت وباتضاح العزم التركي على وقف الانهيارات السياسية في النظام العربي ومنع “إسرائيل” من الانفراد بالنفوذ، أصبحت لدى “الإسرائيليين” دوافع أكثر لفتح النيران اليهودية على تركيا . نذكر غضب “إسرائيل”، وجالياتها في الخارج حين خرج أردوغان غاضباً من حوار في دافوس كان شيمون بيريز رئيس “إسرائيل” مشاركاً فيه . أذكره ليس بسبب ردود الفعل في “إسرائيل” ونيويورك وبين الجاليات اليهودية وممثلي الدولة الغربية وبخاصة دول حلف الأطلسي، وكلها اعتبرت سلوك أردوغان انحرافاً عن نمط تعود عليه المسؤولون في عديد الدول وهو التغاضي عن إهانات “إسرائيل” وتجاوزاتها، ولكن أذكره لأنني اكتشفت في ذلك اليوم، نفس ما اكتشفه أردوغان عقب عودته إلى بلاده، ورد فعل الشارع التركي . كان ظني أن الغضب على “إسرائيل” في تركيا، إن وقع، لن يخرج عن دائرة صغيرة من دوائر الرأي العام ولن يتجاوز عمقه عمق قشرة على سطح الحياة السياسية التركية، فإذا به متجذر وعميق ومنتشر .

 

تدرج متصاعداً الانتقام “الإسرائيلي” . لم يكن انتقاماً عشوائياً أو غير مخطط . عرف “الإسرائيليون”، ونعرف نحن أيضاً، أن الأتراك ما كانوا ليغفروا ل “إسرائيل” الإهانة التي وجهتها لسفيرهم . كان واضحاً أيضاً أن “الإسرائيليين” تعمدوا تصعيد التوتر مع تركيا على أمل أن يضيق العسكريون الأتراك ذرعاً بحكومة مدنية تطاردهم وتهدد مسلماتهم الأمنية التي نشأوا عليها في عصر الحصار الأمريكي على الاتحاد السوفييتي . وتعمدوا التصعيد على أمل أن تستعيد الحكومة التركية “رشدها” فتتخلى عن مشروعها “العربي”، وربما على أمل أن تضغط دول الاتحاد الأوروبي فيتراجع أردوغان عن التعاطف مع الفلسطينيين .

 

على الجانب الآخر، بدا أن حكومة أنقرة لن تتراجع وستواصل تعاطفها مع الفلسطينيين في غزة واختارت دعم قافلة الحرية ورفضت الانصياع للضغوط الدولية والعربية التي بوشرت في محاولات مكثفة لتثني أنقرة عن دعمها القافلة . واختارت “إسرائيل” خطة التدخل العسكري ضد القافلة وبدا واضحاً لبعضنا على الأقل أنها أطلعت أمريكا وحلفاء آخرين على خطتها، ولكنها لم تنتظر موافقة، رأينا ردود فعل الدول التي استشارتها “إسرائيل” وأغلبها لم تنكر بأنها كانت تعرف . سمعنا مندوب أمريكا في مجلس الأمن وشاهدنا جو بايدين في برنامج حوار روز، ورأينا الرئيس الأمريكي الغارق حتى رأسه في “زفت” خليج المكسيك يتحدث من شاشة CNN، وسمعنا تصريحات من قادة أوروبيين وفجعنا بمواقف من مسؤولين عرب، لا تنفي أن استشارات وقعت قبل تنفيذ عملية القرصنة، وأن وعوداً بذلت لتحجيم الصدى وتقييد الإعلام وحرمان كل من غزة وتركيا من جني ثمار انتصار سياسي أو إعلامي .

 

عام كامل انقضى منذ أن وقف أوباما على مسرح جامعة القاهرة يخطب ود الشعوب الإسلامية . كان خطاباً عاطفياً ومؤثراً، وبالفعل حقق لأوباما شعبية وخفف من كراهية العرب المسلمين لأمريكا، هذه الكراهية التي بلغت أوجها على أيدي الرئيس بوش وسياساته العدوانية في أفغانستان والعراق ودعمه توسع “إسرائيل” وحروبها المذلة للعرب والمسلمين . انقضى عام لم يحقق فيه أوباما خطوة واحدة إيجابية تحسب له على صعيد وقف النشاط الاستيطاني “الإسرائيلي” أو تحجيم عنف “إسرائيل” وغطرستها، أو وقف أعمال العنف العشوائي ضد المدنيين في أفغانستان أو وقف أنشطة القوات الخاصة في أراض يسكنها عرب ومسلمون في إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا . عادت الكراهية تزحف إلى عقول العرب والمسلمين وتؤثر في عواطفهم تجاه أمريكا، وعاد اليأس من عدالة أمريكا إلى مكانه في الوعي العربي . سمعت مواطناً يريد من أمريكا أن تلعب دوراً غير منحاز، يقول إنه حزين في الحالتين، حالة أوباما الذي كان على علم بخطة نتنياهو وعندما انتهت تطوع للدفاع عنها، كأنه يريد أن يقول لكل العرب والمسلمين إنه بريء من خطابه الذي ألقاه في العام الماضي في جامعة القاهرة . وحزين في حالة أوباما الذي وصلت إدارته إلى درجة من الضعف تجاه “إسرائيل” ما جعلها ترتكب هذه الجريمة غير مكترثة باحتمال أن يغضب فيعاقبها . هذا الأوباما أو ذاك لا يستحق الحب الذي أحاطته به شعوب المسلمين عقب إلقائه خطاب تركيا ومن بعده خطاب مصر . حزين هذا المواطن . أفضل له ولنا أن يبحث عن شعور آخر غير الحزن واليأس .

 

خسر العرب في معركة الرأي العام الدولي لرفع الحصار عن غزة، ولكن لا خسارة عربية جديدة صارت تؤثر بينما فاقت الزيادة في مكانة تركيا ما كان متوقعاً ودشنت الأحداث مرحلة إقليمية جديدة . أما “إسرائيل” فلم تخسر كثيراً، خططت ونفذت مطمئنة إلى مساندة عواصم غربية وعربية . الخاسر الأكبر هو خطاب أوباما في جامعة القاهرة بعد أن انكشف أن الرجل أضعف مما قدرنا، أو أن الخطاب كان أكبر من الرجل .

=======================

قوافل الحرية . . صراع الإرادات

آخر تحديث:الخميس ,10/06/2010

يوسف مكي

الخليج

يطرح الموقف المتعنت للكيان الصهيوني، تجاه قوافل التضامن مع غزة المحاصرة، الذي بلغ حد القرصنة والقتل بحق المتضامنين أسئلة ملحة عن دوافع تمسك الصهاينة بالحصار، وحالة تراخي العرب تجاهه .

 

قراءة أهداف الحصار، لن تكون صائبة إن لم يتم ربطها بمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يراد فرضه على المنطقة، والهادف إلى الاستعاضة بالبعد الاستراتيجي بديلاً من الجغرافيا الطبيعية، وتحقيق اندماج “إسرائيل” بالمنطقة، ليس بصيغة الشريك فحسب، ولكن بصيغة القاعدة العسكرية والاقتصادية والسياسية المتقدمة للمشروع الإمبريالي الغربي على الأرض العربية .

 

كان إيغال ألون، رئيس الوزراء “الإسرائيلي”، أول من لفت الانتباه، في أوائل السبعينات من القرن المنصرم، إلى إمكانية قيام سلطة فلسطينية، تتمتع بحكم ذاتي، بالضفة والقطاع، وترتبط بكونفدرالية سياسية واقتصادية مع الأردن، وترتبط أمنياً ب”إسرائيل”، وتكون معبراً برياً للتسلل الصهيوني، إلى قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا . وقد تزامن ذلك بربط “إسرائيل” بمشاريع تصدير الغاز العربي عن طريق الموانئ الفلسطينية، وإيصال المياه عبر أنابيب تمتد من تركيا إلى الأراضي المحتلة . كما ارتبط بالحديث عن تحقيق توسع “إسرائيلي” في جنوب لبنان بهدف الوصول إلى مياه الليطاني، واستكمال مشروع تحويل مياه نهر الأردن إلى أراضي النقب، في القلب من فلسطين المحتلة .

 

حالت حرب أكتوبر عام ،1973 واتخاذ القادة العرب قرارهم التاريخي باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، دون تحقيق مشروع ألون . ولم تكن فكرة قيام دولتين مستقلتين على أرض فلسطين التاريخية قد تبلورت بعد آنذاك لدى عرفات ورفاقه .

ومنذ منتصف السبعينات، كان قطاع غزة متميزاً في مقاومته ومناهضته للاحتلال . وكان من وجهة نظر الحكومات “الإسرائيلية” المتعاقبة، بما يمثله من ثقل سكاني وحركة رفض وممانعة مستعصية، يشكل عبئاً ثقيلاً على سلطات الاحتلال، وأثناء محادثات كامب ديفيد بين القيادة المصرية والصهاينة، حاول رئيس الحكومة “الإسرائيلية”، مناحيم بيجن إقناع الرئيس المصري أنور السادات بدمج موضوع القطاع بالمفاوضات، على اعتبار أن مصر كانت تدير القطاع حتى حرب يونيو/حزيران عام ،1967 ورفض الرئيس السادات ضم القطاع للأراضي المصرية، خشية من تعقيدات ذلك على عملية التسوية السلمية برمتها .

بقي قطاع غزة مصدر إزعاج مستمر، لقوات الاحتلال الصهيوني . وكانت انتفاضة أطفال الحجارة، قد انطلقت من غزة، لتعم سريعاً مختلف المدن الفلسطينية، ولتسجل صفحة فريدة، من صفحات النضال الفلسطيني . وحسب وصف إسحق رابين، مثلت غزة كابوساً، يحرم القادة الصهاينة، من الأمن والطمأنينة . وفي واحد من أكثر تصريحاته مرارة وإحباطاً تمنى ألا يستيقظ صباحاً من نومه إلا وقطاع غزة قد غرق في البحر .

 

ليس ذلك فحسب، بل إن إدارة رابين، بادرت بالاتصال بأحد قادة حركة فتح في غزة، وعرضت عليه مشروع استلام الحركة لقطاع غزة، وتم تبليغ ذلك للرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، ولحقتها رسائل أخرى، كانت المقدمة لمفاوضات أوسلو، التي انتهت بتوقيع اتفاق غزة أريحا أولا في 17 أغسطس/آب عام 1993 .

 

لكن “إسرائيل” واصلت، كسر إرادة الصمود بالمناطق المحتلة، لترتيب الأوضاع السياسية في المنطقة، انسجاماً مع مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي نظّر له شمعون بيريز، والذي عُدل لاحقاً ليكون “جديداً” يأخذ مكانه من خلال “الفوضى الخلاقة” و”مخاض الولادة الجديدة” .

 

انتهت حرب لبنان عام ،2006 من دون إجراء تعديلات جذرية فوق رقعة الشطرنج، ومن دون تحقيق مخاض ولادة الشرق الأوسط الجديد، وكانت كما تم توصيفها بحق من زعماء صهاينة، “حرباً لم تكتمل”، وبالنسبة لأولمرت ووزير حربه موفاز نذير شؤم بنهاية مستقبلهما السياسي .

 

ومن جديد أعيد بعث مشروع إيغال ألون الذي طرح في مطلع السبعينات، لكن من دون قطاع غزة في هذه المرة، والتركيز فقط على الضفة الغربية، وربطها بكونفدرالية أردنية “إسرائيلية” .

 

وأثناء حرب غزة، صدرت تصريحات، تؤكد هذا الاستنتاج . ففي مقالة نشرها السفير السابق للولايات المتحدة بمجلس الأمن، جون بولتون في صحيفة ال”واشنطن بوست”، ذكر أن محاولة إقامة سلطة فلسطينية تقودها منظمة التحرير الفلسطينية قد فشلت بشكل لا رجوع عنه، وأن أي حل قائم على دولتين على أساس السلطة ولد ميتاً . “لأن الإرهابيين نجحوا في السيطرة على غزة” . ورأى أن “خارطة الطريق” الأمريكية لإحلال السلام بين الفلسطينيين والصهاينة لم تؤد إلى نتائج إيجابية، وأن الحل، يقتضي التفكير في مقاربة جديدة تقوم على أساس وجود “ثلاث دول” توضع بموجبها غزة مجدداً تحت سيطرة مصر فيما تعود الضفة الغربية وفق صيغة معينة إلى الأردن” . إن ذلك حسب بولتون سيتكفل بتحقيق السلام بالشرق الأوسط .

 

من جانبه، عبّر الملك الأردني، عبدالله الثاني، أثناء لقاء صحافي له مع مدير فضائية الجزيرة بعمان . عن قلقه من وجود مؤامرة على الشعب الفلسطيني، تهدف للقضاء على آماله بقيام دولة مستقلة على أرضه، وصياغة خارطة جديدة لدول عدة بالمنطقة .

 

إن الهدف إذاً، هو فصل القطاع للأبد عن الضفة، وإلحاقه بمصر . أما الضفة الغربية فستغرق مجدداً بأتون حرب أهلية، ويزج بعشرات الألوف من فلسطينيي أراضي عام ،1948 إليها، وفقاً لتصريحات سيبني ليفني . وسيجري طرح الأردن مجدداً كوطن بديل للفائض من اللاجئين الفلسطينيين . وستوضع القيادة الأردنية أمام خيارين أحلاهما كارثي ومفجع: إما القبول بفكرة الوطن البديل، وتحقيق اتحاد كونفدرالي مع الضفة الغربية، والارتباط اقتصادياً بالكيان الصهيوني، واعتبار الضفة الغربية حجر الركن في التسلل الاقتصادي والسياسي للوطن العربي، وإما الدخول في أتون حرب أهلية لا تبقي ولا تذر .

 

في حديثه عن الأهداف الاستراتيجية لحصار غزة، أشار الكاتب مايكل شوسادوفسكي إلى أن “الحصار لغزة هو جزء من استراتيجية، صاغتها “إسرائيل” . ووفقاً لهذه الخطة فإن الهدف هو تدمير السلطة الفلسطينية، ومنع قيام دولة فلسطينية مستقلة، وتحويل أراضي القطاع والضفة إلى كانتونات منفصلة عن بعضها، وفصل الضفة الغربية نهائياً عن القطاع، وضمان بقاء حكومتين متصارعتين إحداهما في رام الله والأخرى في قطاع غزة، حتى يتم استكمال تطبيق المشروع الصهيوني، والمتمثل في الطرد الجماعي للفلسطينيين، وإعادة إلحاق الضفة بالأردن .

 

الكاتب المعروف كريس هيدجز، كتب مقالاً مهماً عنوانه “لغة الموت”، أوضح فيه أن هدف الحصار لغزة هو خلق كانتونات، أو بالأصح غيتوهات فلسطينية يكون بمقدور “إسرائيل” دوماً شل الحياة فيها، وتمنع عنها الدواء والغذاء ومقومات الحياة . وسيكون من نتائح ذلك القضاء نهائياً على إمكانية قيام دولة فلسطينية .

 

هذه إذاً الأهداف الحقيقية للحصار، وهي التي تفسر الموقف الغاضب للكيان الصهيوني من تجرؤ أحرار العالم على محاولة كسره . ما هو سبب استرخاء بعض الأنظمة العربية، في مواجهة هذا الحصار، ومن الرابح والخاسر في النهائيات التراجيدية لقوافل الحرية، وراشيل، أسئلة سنحاول الإجابة عنها في الحديث القادم بإذن الله .

=======================

الشرق الأوسط والعصر التركي الجديد

بقلم :احمد عمرابي

البيان

10-6-2010

هل تشتعل حرب بين تركيا وإسرائيل؟ هذا ليس سؤالا تنظيريا.. فهو لا ينطلق من فراغ.. إنه من نوع الأسئلة المحورية التي أفرزتها حادثة «قافلة الحرية» وتداعياتها الخطيرة المتفاعلة على نحو يومي..

 

تلك التداعيات التي باتت تنذر ببزوغ شرق أوسط جديد، تنتقل فيه القضية الفلسطينية من دائرة صراع إسرائيلي عربي، إلى دائرة صراع إسرائيلي إسلامي يطغى عليه دور تركي قوي. ليس هذا فحسب، بل إنه مع مرور الأيام سيكون لهذا الصراع بعد شعبي عالمي.

 

سفن قافلة الحرية التي كانت متجهة صوب ساحل قطاع غزة، كانت تتقدمها سفينة تركية غالبية ركابها مواطنون أتراك متطوعون، ينتمون إلى منظمات خيرية إنسانية. لذا فإن الهجمة الدموية الإسرائيلية التي استهدفت «مرمرة»، أسفرت عن مصرع تسعة أتراك وسقوط عدد من الجرحى.

 

وفي حمأة الغضب الشعبي العارم الذي انتظم الشعب التركي بكافة فئاته وقطاعاتها، انبرى رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان متوعدا إسرائيل وقادتها بالويل والثبور وعظائم الأمور. ومن خلال هذا التوعد، أعلن أردوغان على شعبه وعلى العالم أن تركيا تعد العدة لإرسال «قافلة حرية» ثانية وثالثة، لتتوجه صوب ساحل غزة محملة بالمساعدات الإنسانية.

 

هذا التوعد في حد ذاته خطير. لكن الأشد خطرا من ذلك أن الزعيم التركي توعد أيضا بأنه ستكون هناك قطع من الأسطول الحربي التركي لمرافقة سفن «الحرية ؟»، بغرض حمايتها من القوات البحرية الإسرائيلية.

 

والسؤال الذي يطرح هنا هو: هل يقع صدام قتالي بين قوات بحرية تركية وقوات بحرية إسرائيلية قد يتطور إلى مستوى حرب شاملة؟

 

سواء وقع الصدام أم لم يقع، فإن ما أصبح في حكم المؤكد الآن هو بروز تركيا جديدة، تتقدم العالم العربي والإسلامي في مواجهة حاسمة متعددة الجوانب ضد إسرائيل. ولكن بينما سوف يؤدي هذا العهد الشرق أوسطي الجديد إلى تصعيد الفوران الشعبي في الدول العربية، فإنه لن يكون للنظام العربي الرسمي دور في المعادلة.

 

هنا نجد أنفسنا أمام سؤال ثان: هل أردوغان «عبد الناصر» جديد يتبنى استراتيجية أيديولوجية بعيدة المدى وذات ثوابت؟ أم أنه مجرد سياسي محترف يمكن أن يتغير من حال إلى حال وفقا لمصالح حزبية أو طموحات شخصية؟

 

فلنستذكر أولا أن أردوغان ليس حاكما دكتاتوريا على رأس نظام استبدادي مفروض فرضا على الشعب، كما هو حال غالبية أنظمة الحكم في العالم العربي. إنه ينتمي إلى حزب في إطار نظام ديمقراطي تعددي. و«حزب العدالة والتنمية» بجذوره الإسلامية، يمثل التيار الشعبي الغالب الذي يتوق إلى إعادة بعث الهوية الإسلامية الأصلية لتركيا. لذا فإن «العدالة والتنمية» اكتسح الانتخابات العامة مرتين.

 

الرؤى الأيديولوجية التي يتبناها الحزب بقيادة أردوغان، بنيت على هذا الأساس. ولاستثمار هذا التحرك الشعبي الإسلامي الطابع الذي انتظم المجتمع التركي بأسره، فإن حزب العدالة والتنمية يتطلع إلى إعادة بعث الأمة الإسلامية، ليتحول العالم الإسلامي إلى كتلة دولية موحدة في عالم متعدد الأقطاب.

 

مثل هذا التوجه الأيديولوجي الجيو سياسي، سوف يقود تركيا بالطبع إلى مواجهة مع الولايات المتحدة وبالامتداد مع إسرائيل.. القلعة المتقدمة للقوة الأميركية العظمى في العالم العربي والإسلامي.

 

بالطبع، يدرك أردوغان وحزبه هذه الحقيقة الحتمية، لكنه يدرك أيضا أن لدى تركيا من أسباب القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية، ما يؤهلها لدورها التاريخي الجديد.

 

الإقدام التركي على تحدي إسرائيل ليس، إذن، مجرد تصرف ظرفي عابر. إنه تصرف ينبع من قلب الأجندة الاستراتيجية التركية للحاضر والمستقبل. وفي هذا يقول أردوغان: «مصير القدس مرتبط بمصير إسطنبول.. ومصير غزة مرتبط بمصير أنقرة».

 

لذا يمكن القول إن الاشتباك التركي مع إسرائيل على نحو ما نرى حاليا، ليس سوى مقدمة لاشتباك تركي مع الولايات المتحدة.. بل ومع الحركة الصهيونية العالمية المتمركزة في أميركا.

 

مثل هذا الوضع ينبغي نظريا أن يكون مصدر ارتياح ورضى للأنظمة العربية الحاكمة، بما في ذلك قيادة السلطة الفلسطينية. لكن العكس هو الصحيح على صعيد الواقع المرئي، فغالبية الأنظمة العربية تستشعر قلقا عميقا تجاه المواجهة الحتمية بين تركيا والولايات المتحدة، لأن مثل هذه المواجهة من شأنها أن تسبب حرجا لهذه الأنظمة، من حيث إنها مرتبطة بعلاقة تحالفية مع واشنطن.

 

وعلى الأفق القريب سيكون الوضع الشرق أوسطي كما يلي: كلما صعدت تركيا من المواجهة ضد كل من إسرائيل والولايات المتحدة، تصاعدت حالة التوتر في المنطقة. وكلما تصاعدت حالة التوتر، تضاعفت حدة الفوران الشعبي في البلدان العربية. وكلما تضاعف هذا الفوران، ازداد وضع الأنظمة العربية أو بعضها حرجا.

 

في هذا السياق تبرز مؤشرات ذات دلالة:

 

أولا؛ أن تركيا صارت في موقف من القوة يجعلها تملي شروطا على إسرائيل. من ذلك مثلا مطالبة البرلمان التركي للحكومة الإسرائيلية بأن تقدم اعتذارا رسميا عن مقتل شهداء قافلة الحرية، وأن تعقد محاكمة للقادة الإسرائيليين المسؤولين عن الهجوم الدموي.. وألا تطبيع تركيا مع إسرائيل قبل رفع الحصار عن قطاع غزة.

ثانيا؛ انتشار ظاهرة رفع الأعلام التركية في مظاهرات العالم العربي.

ثالثا؛ تواتر المظاهرات ضد إسرائيل في العواصم الغربية، بترتيب من منظمات وحركات غربية.وإذا كانت هذه التطورات مثيرة، فإننا أصبحنا موعودين كما يبدو بما هو أشد إثارة في الأيام المقبلة.

=======================

حصار يُضرَب... حصار يَسقط !

راجح الخوري

النهار

10-6-2010

لن تكون إيران في حاجة الى إرسال السفن والطائرات لحماية الأساطيل التي تسعى لكسر الحصار الإسرائيلي على غزة، لأنها ستواجه بعد الآن حصاراً دولياً على سواحلها هي.

وإذا كانت حركة "حماس" قد رفضت بلياقة العرض الإيراني وتمنت على طهران ان لا ترسل حرسها الثوري الى سواحل غزة، فإن طهران ستواجه إمتحاناً قاسياً وصعباً وخطراً في الوقت عينه بعد جولة العقوبات الجديدة في مجلس الأمن ضدها والتي تشير الى إمكان تفتيش سفنها في المياه الدولية، والى حظر بيعها أنواعاً جديدة من الأسلحة الثقيلة كالدبابات والمروحيات الهجومية والصواريخ، وكل هذه تنقل عادة في البواخر، بما يعني أن حصاراً دولياً سيواجه السفن المتجهة الى إيران، ستنفذه على الأغلب قوات تفتيش أميركية وأوروبية ترفع علم الأمم المتحدة.

وإذا كان من الواضح والمفهوم أن مروحة العقوبات الجديدة ضد طهران لن تؤدي الى إلحاق الأذى الكبير والمؤثّر بالنظام، خلافاً لما تقول هيلاري كلينتون، فإن القصة تتصل بالهيبة وبالمعنويات، ولن يكون في وسع الحرس الثوري، الذي أجرى سلسلة متواصلة تقريباً من المناورات العسكرية البحرية وأعلن تكراراً امتلاكه أنواعاً من الصواريخ المتطورة المضادة للسفن والغواصات، أن يقف متفرجاً على تفتيش السفن التي تتجه الى إيران، رغم أن تجارب الماضي تؤكد سلفاً أن طهران ستتمكن من الحصول على حاجتها من "الممنوعات" التي يحددها قرار مجلس الأمن، فهذه هي الجولة الرابعة من العقوبات بعد ثلاث جولات متلاحقة في الأعوام 2006 و2007 و2008.

من جهة ثانية، سيكون من الصعب تماماً على الإدارة الأميركية ودول "الرباعية الدولية" البدء بتنفيذ الحصار البحري على إيران في وقت يستمر الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، وخصوصاً الآن بعد الجريمة التي اقترفها العدو الإسرائيلي ضد "أسطول الحرية"، والتي خلقت موجة عارمة من الاستياء والغضب الدوليين.

لن يكون في وسع الديبلوماسية الأميركية أن تتحمل التبعات السياسية والمعنوية لاستمرار الحصار الإسرائيلي المتوحش على قطاع غزة مع بداية "محاصرة" إيران، ولهذا فإن قرار العقوبات الجديد يشكل منصة لمزيد من الضغط الأميركي على إسرائيل، أولاً بهدف اجراء تحقيق بمشاركة دولية في جريمة "أسطول الحرية"، وثانياً بهدف رفع الحصار عن قطاع غزة بعد وضع آلية مراقبة إسرائيلية – مصرية – أوروبية لمنع تهريب الأسلحة اليه.

من الواضح تماماً أن حكومة القتلة في تل أبيب لن تتمكن من التملّص هذه المرة، لا بل انها ستجد في قرار العقوبات و"الحصار" على إيران ما يفرض عليها رفع الحصار عن غزة استجابة للضغط الأميركي المتزايد وامتصاصاً للنقمة الدولية العارمة.

-------

• توضيح: تلقت هذه الزاوية رسالة من السيد عمر نعمة من تشيرفيل – إنديانا وفيها ان والد هيلين توماس من آل توما ووالدتها من آل ريوادي من المينا – طرابلس.

=======================

واشنطن وأزمة «الحرية»

جيمس زغبي

السفير

10-6-2010

مثلما كان متوقعاً، فقد وازت إسرائيل استخدامها المفرط للقوة ضد ركاب وناشطي السفينة «مرمرة»، بمحاولات لا تقل إصراراً هدفت إلى تشكيل القصة الإخبارية وكتابة محتواها بحسب ما ظهرت هنا في الإعلام الأميركي، وكذلك تحديد استجابات مسؤولي واشنطن. ومن أجل ذلك الغرض، جندت إسرائيل عدداً كبيراً من أنصارها الذين يتحدثون باسمها ونيابة عنها، وحددت لكل واحد منهم مجال الضغط الذي يمكن أن يمارسه، إلى حد يمكن وصفه بتجنيد جيش كامل من الناشطين باسمها، بهدف مراقبة ما يكتب في الصحف والرد عليه وممارسة الضغط على الساسة والمواد المبثوثة عن حادث الاعتداء على أسطول الحرية عبر الشبكة الإلكترونية.

وفي ما يتعلق بالمضمون الخبري الذي أرادت إسرائيل بثه، فهو بمثابة رواية بديلة لما تم في الواقع. فهي تزعم مثلا أن السفن تمثل تهديداً أمنياً لإسرائيل ما دامت تكتظ بمجموعات «من أخطر الإرهابيين». ولو صح هذا الزعم، فلا بد من التساؤل عن الأسباب التي دفعت إسرائيل لإطلاق سراحهم. ومن المزاعم أيضاً أن كميناً عدوانياً قد نصب للجيش الإسرائيلي، ما اضطره للدفاع عن نفسه، كأن عشرات الجنود الإسرائيليين الذين اقتحموا السفينة ليلاً كانوا مجرد متفرجين على ما يحدث حولهم. ومما ادعته النسخة الإسرائيلية من الرواية أنه كان ممكناً تسليم حمولة المعونات الإنسانية التي جاءت بها السفينة سلمياً لقطاع غزة، فيما لو تم تفريغها في أحد الموانئ الإسرائيلية أولاً. وتصل هذه المزاعم إلى نفي إسرائيل وجود أزمة إنسانية في قطاع غزة أصلاً. وهذا ما تدحضه الإحصاءات الموثقة التي قامت بها المنظمات غير الحكومية في ما يتصل بدراسة معدلات الفقر وسوء التغذية بين أطفال غزة.

وعلى نقيض هذه الرواية الإسرائيلية، جاءت ردود الفعل الدولية الغاضبة على السلوك الإسرائيلي بحق ناشطي السلام وما نتج عنه من قتل وتنكيل. لكن إسرائيل لا تأبه لمثل هذه الحالات والأزمات عادة، ما دامت توجه رسالتها إلى لاعب أوحد يلتزم في كل الظروف والأحوال بالوقوف إلى جانبها. فماذا لو صوت مجلس الأمن الدولي بأغلبية 14 ضد واحد إدانة لسلوكها، ما دام ذلك الواحد هو الولايات المتحدة الأميركية؟ وعند النظر إلى الأمر من هذه الزاوية، فربما تنفست إسرائيل الصعداء إزاء التغطية الإخبارية الصحافية لما حدث صبيحة الاثنين الماضي بحق ناشطي أسطول الحرية.

فعلى سبيل المثال، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» افتتاحية في عددها الصادر في أول حزيران/يونيو الجاري، دعت فيها إسرائيل إلى تخفيف قبضتها على فلسطينيي القطاع والضفة، إضافة إلى مطالبتها باتخاذ خطوة جدية صادقة نحو التسوية السلمية. بيد أن الافتتاحية لم تثر تلك المطالب في وجه إسرائيل إلا بعد أن أكدت الافتتاحية أن ناشطي السفينة «مرمرة» كانوا عبارة عن جماعة من المتطرفين الذين هاجموا الجنود الإسرائيليين بالمدي والقضبان الحديدية. كما اتهمت الافتتاحية تلك العناصر بأن لها صلات بتنظيم «القاعدة»، وبأن افرادها كانوا بمثابة استفزاز أمني عسكري للجيش الإسرائيلي.

من جانب آخر، سارع عدد من أعضاء الكونغرس المؤيدين لإسرائيل بإصدار تصريحات مؤيدة لإسرائيل، فاحت من معظمها رائحة النسخة الإسرائيلية من الرواية. ومضى بعض أعضاء الكونغرس شوطاً أبعد من ذلك بكثير، من بينهم السيناتور جون ماكين الذي علق قائلاً إن ما حدث ليلة الاثنين ليس سوى حلقة ضمن سلسلة من حلقات الأحداث المؤسفة التي بدأت بإصرار الرئيس أوباما على ضرورة تجميد إسرائيل لأنشطتها الاستيطانية، باعتبار أن ذلك شرط لازم لاستئناف المفاوضات السلمية. ومضى ماكين متهكماً في قوله: هل نطالب إسرائيل بتجميد أنشطتها الاستيطانية في القدس، رغم أن القدس هي عاصمة إسرائيل وليست مجرد مستوطنة؟

لكن قبل أن نقرر نهاية القصة عند هذا الحد، يجب القول بانضمام عدد من الأصوات المسؤولة والعميقة التفكير إلى جوقة التعليقات السياسية على ما حدث ليلة الاثنين الماضي. فقد دعت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، إلى إجراء «تحقيق نزيه وشفاف» في ما حدث، وكذلك طالب السيناتور كيري، رئيس مجلس العلاقات الخارجية. كما صدرت تصريحات قوية من أعضاء آخرين في الكونغرس: دنيس كوسينتش، وكيث إليسون، وأندري كارسون وبتي ماكولم... أعربوا فيها عن قلقهم إزاء ما حدث. إلى ذلك طالب العضو ويليام دلهنت بإجراء تحقيق مستقل وغير متحيز عن أحداث صبيحة الاثنين، في إطار الحرص على العلاقات الثنائية بين واشنطن وتركيا.

ضمن ذلك وصفت واشنطن استمرار حصار إسرائيل لقطاع غزة بأنه غير ممكن، بينما شجب أوباما «كافة الأفعال والممارسات التي أدت إلى عنف الاثنين الأخير».

=======================

دفاع أردوغان عن فلسطين والعدالة

المستقبل - الخميس 10 حزيران 2010

العدد 3677 - رأي و فكر - صفحة 19

عدنان السيد حسين

العبارات التي أطلقها رئيس حكومة تركيا رجب طيب أردوغان أمام البرلمان التركي بعد الهجوم العسكري الإسرائيلي على (قافلة الحرية) المتجهة لفك الحصار عن قطاع غزة، جديرة بالتأمل.

(من يسكت على ما قامت به إسرائيل يكون شريكاً في جرائمها) قالها أردوغان. وفي ذلك دعوة للعالم لكي يضع حداّ لجرائم إسرائيل المتمادية بحق الفلسطينيين والعرب الآخرين.

وأضاف: (لم يعد من الممكن التغطية على خروج إسرائيل على القانون أو تغاضيها عنه. وعلى المجتمع الدولي أن يقول من الآن وصاعداً: كفى).

(ولم يعد وارداً إغماض أعيننا على المظالم التي ترتكبها إسرئيل، وعلى الحكومة الإسرائيلية أن تدفع الثمن). أما الثمن الذي يجب أن تدفعه فهو السقوط، وقيام حكومة جديدة في نهجٍ مختلف وسياسة مختلفة كما يلمّح الأتراك في غير مناسبة.

ينبّه أردوغان الرأي العام في الدولة العبرية إلى الحقائق التاريخية وكيف دافعت تركيا عن اليهود والساميّة، ولا يمكن اتهامها بمعاداة السامية، فيقول: (إننا وقفنا ضد العداء للسامية دائماً وساهمنا في العيش بسلام في المنطقة، وأتى الوقت الذي يقف فيه الشعب الإسرائيلي ليقول لحكومته: توقفي). وكأنه بذلك يحذر الصهاينة من توجيه موقفه نحو معاداة السامية، وتضليل الغرب من جديد.

ويلاحظ أردوغان أن السياسة الإسرائيلية الراهنة صارت عبئاً على المجتمع الدولي والعالم: (إن مشكلة إسرائيل لم تعد تركية، بل عالمية... وهناك انتهاك للقانون ودوسٌ على الكرامة الإنسانية). وفي هذا الكلام دلالة بالغة على أزمة إسرائيل في وجودها وسياستها وعدوانها المستمر.

ورئيس حكومة تركيا لا تضلّله شائعات إسرائيل عن الإرهاب الفلسطيني والعربي والإسلامي، ويحكم بأن العالم (تعب من أكاذيب إسرائيل... وقادة إسرائيل أظهروا من جديد أنهم يعرفون القتل جيداً). لا يوجد أقسى من هذا الكلام الواضح والصريح في مواجهة الحملات الإسرائيلية، في الإعلام والديبلوماسية والسياسة، التي تضع الدولة العبرية في موقع المدافعة عن نفسها ضد الغزو الفلسطيني والعربي (الإرهابي).

كان أردوغان يعلم أن ردة الفعل الإسرائيلية ستنطوي على مهاجمة تركيا وإتهامها بالإنحياز والتطرف، وربما بالإرهاب. هذا ما دفعه إلى التحذير المسبق: (تركيا ليست دولة يتيمة يمكن أكل حقوقها... وبقدر ما تكون صداقة تركيا قوية، فإن عداوتها أقوى).

إذاً، نحن أمام مشهد درامي للعلاقات الإسرائيلية- التركية، وهي تتجه إلى الانحدار. وهذا ما سيتضح أكثر فأكثر في الأسابيع القليلة المقبلة. إن العتب التركي على إسرائيل لم يبق في حدود الانزعاج، أو التعبير الديبلوماسي، وإنما تعدّى هذا الإطار ليبلغ مرحلة إعادة النظر بطبيعة العلاقات التركية الإسرائيلية.

من أسوأ المواقف ربما، أن تقف الحكومات العربية على الحياد في النزاع التركي- الإسرائيلي. لقد راعينا كثيراً السياسات والمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، إلى حد عدم اتخاذ موقف معارض للسياسة الأميركية. ولو تأملنا في مواقف أوروبية، وغربية متعدّدة، كانت حليفة لإسرائيل في مراحل مختلفة، وكيف تبدّلت مع حرب غزة وتقرير غولدستون الذي أدان الدولة العبرية وطالب بمحاكمة قادتها، لأدركنا وجود أزمة داخل كيان إسرائيل، وأزمة هذا الكيان مع العالم. فهل يجوز والحال هذه أن يبقى التنازع الفلسطيني الداخلي بين حركتي فتح وحماس؟

وهل يبقى التردد الرسمي العربي مسيطراً على الاجتماعات الرسمية وأنشطة جامعة الدول العربية؟

ثمة فرص في الديبلوماسية والسياسة كما في الحرب والمواجهة المسلحة. فرص الضغط على إسرائيل التي انتهكت مراراً وتكراراً القانون الدولي، وأطاحت بحقوق الفلسطينيين وسوريا ولبنان، وهدّدت الأمن العربي، وشكّلت وما تزال خطراً على السلم والأمن الدوليين... لماذا لم نلتقط هذه الفرص؟

تتردّد أصداء أقوال الديبلوماسيين الدوليين في أروقة الأمم المتحدة، وهم يطالبون العرب بالتوحّد واتخاذ الموقف. فلماذا الانتظار؟ وإلى متى؟

=======================

الحصار ضروري لوجودنا

المستقبل - الخميس 10 حزيران 2010

العدد 3677 - رأي و فكر - صفحة 19

آفي أيتام

(عميد احتياط، وزير ونائب سابق عن حزب المفدال اليميني الديني)

(يديعوت أحرونوت 8/6/2010)

ترجمة: عباس اسماعيل

إسرائيل التي تعمل من اجل الحفاظ على وجودنا، ممنوع عليها رفع الحصار عن أحد الكيانات الكثر تطرفاً - حماس، لأنه في ظل اي وضع آخر، مع السلاح الذي سيدخل إلى القطاع، ستجد إسرائيل نفسها امام خطر وجودي.

الحصار ليس الحل الأمثل، وهذا ليس سرا. لكن من المؤكد أنه ليس نزوة من دون أساس. فهو يرمي إلى منع قطاع غزة والمنظمة الارهابية التي أعلنت الحرب على إسرائيل، من الحصول على السلاح بعيد المدى، ومن تطوير قاعدة إيرانية جنوب إسرائيل. وهو يمنع إقامة كيان هدفه إتمام المهمة الإيرانية بمهاجمة إسرائيل بالصواريخ بعيدة المدى من الجنوب أيضا.

إذا أخذنا لبنان نموذجا، فالحصار البحري المفروض عليه ناجحا، لكن الحصار البري تم الدوس عليه رغم القرار 1701. ففي لبنان توجد الآن عشرات آلاف الصواريخ، من بينها صواريخ سكودز هل الوضع مماثل في قطاع غزة؟ هل ثمة من هو مستعد للمخاطرة بوضع كهذا؟

إذا رفعنا الحصار البحري عن القطاع، فلن يكون في وسعنا أن نطلب من مصر مواصلة منع نقل السلاح الثقيل من أرضها، الخطوة التي تحاول تنفيذها يوميا. لا يتعلق الأمر هنا بمسألة امنية فورية فقط، بل بمستقبلنا السياسي. ذلك أن تواجدنا في مناطق تفتقر إلى المراقبة ضروري. هذه المسالة سنضطر إلى مواجهتها أيضا في الضفة الغربية، في حال التوصل إلى اتفاق مستقبلي. بناء عليه، نحن امام اختبار سيؤدي فشلنا فيه إلى نكون مستهدفين بكل صاروخ يُهرب من إيران عبر دول المنطقة. هذا اختبار لقدرتنا على فرض تسويات فعالة لنزع السلاح.

لا توجد أي صلة بين الحصار وبين الوضع الانساني. والأسطول الحالي تحديدا أثبت أنه لا توجد أزمة كهذه. كل اقتراح لنقل حمولته إلى غزة ووُجه بالرفض الشديد لأن الاسطول كان محاولة من قبل مشاغبين لاستخدام عدد غير قليل من الأشخاص الأبرياء من اجل خلق استفزاز. لكن كما العادة، الأصوات التي ترتفع بعد كل أزمة أو توتر، تفيد أن الحكمة تتطلب التنازل، غض النظر والتخلص من المشكلة. ليت هذا صحيح. ففي لبنان، غزة، وحتى في الضفة الغربية - إلى حين عملية الرصاص المصهور، اصطدمنا برد فظ ومعاد عندما استخدمنا هذا الأسلوب. وكما هو معروف، يوجد في لبنان عشرات آلاف الصواريخ، بينما يسود الهدوء في الضفة. والحصار جعل غزة أقل خطوة من لبنان.

لذلك، محظور علينا الشعور بالهلع من السيناريوهات المرعبة والتهديدات التي تحيط بنا، والانهيار. يجب علينا الرجوع إلى مقاربة الأمور وفق معيار التناسب: حتى الآن لم تقطع أي دولة علاقاتها مع إسرائيل. العرب في إسرائيل وفي الضفة الغربية لم ينفذوا سيناريوهات الرعب التي تم تخويفنا بها.

وهكذا فإن الحصار جزء من رزمة الوسائل التي تستخدمها الدولة ضد العدو في غزة، ومن أجل وجودنا. رأينا أعداء ادركوا مع مرور الوقت أن الأثمان التي يدفعوها جراء المس بإسرائيل غير مجدية. وحماس تُعتبر من الكيانات المتطرفة والتي يصعب كبحها. فنحن غادرنا غزة ويمكن لسكانها أن يختاروا طريقهم. وطالما اختاروا طريق الحرب، فسيحصلون على الحرب. علينا أن نثبت أن نفسنا طويل. لدينا مبرر وجودي لمواصلة الحصار، مهما كانت المدة الزمنية المطلوبة له.

=======================

القرار 1929.. ابعد من «حكاية» العقوبات!

محمد خرّوب

Kharroub@jpf.com.jo

الرأي الاردنية

10-6-2010

من المبكر اعتبار قرار مجلس الامن 1929 الذي يفرض النسخة «الرابعة» من العقوبات, (بعد أن أورد نصاً في ديباجته يؤكد على «ثبيت» القرارات الثلاثة السابقة), نقطة ايجابية تسجل لادارة اوباما, وبخاصة أن القرار شكّل فاصلاً بين مرحلتين, يمكن القول في غير تسرع, أن المرحلة الجديدة مفتوحة على احتمالات عديدة, وبخاصة في ظل اعلان الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد ومن اسطنبول, على هامش مشاركته في مؤتمر «التفاعل واجراءات بناء الثقة في آسيا».. أن بلاده لن تجري محادثات بعد الان بشأن برنامجها النووي اذا فرضت عليها عقوبات» مستطرداً إن الادارة الاميركية وحلفاءها يخدعون أنفسهم اذا ما اعتقدوا أن بامكانهم التلويح بمشروع القرار ثم الجلوس معنا.. مثل هذا الأمر لن يحصل» حسم نجاد.. (زد على ذلك مقاطعته قمة شنغهاي التي تحتل فيها الصين وروسيا مركز الصدارة)..

 

فهل الامور متجهة نحو المواجهة؟

هيلاري كلينتون تصف العقوبات التي نص عليها القرار بأنها موجعة ومختلفة عن السابق, فيما طهران كعادتها – أو هي مضطرة لقول ذلك – تبدي استعداداً لدفع اكلاف مواقفها وتشير الى أنها لا تكترث بها..

موقفان مرتبكان أو مكابران, يسعى أحد الطرفين دفع الآخر لرفع الايدي والاستسلام..

 

الاستسلام..؟؟

نعم, فادارة اوباما محرجة ورصيدها السياسي والشعبي وصدقيتها آخذة في التآكل, ليس فقط على صعيد التلوث البيئي الكارثي في خليج المكسيك, كما ليس تماماً فقط في «النفاق» الذي ميّز مواقفها ازاء جريمة اسرائيل ضد اسطول الحرية (وما تسريع طرح مشروع القرار الاميركي للتصويت بهذه السرعة الا محاولة اميركية لابعاد الانظار عن هذه الجريمة), وانما ايضاً ودائماً لأن الدبلوماسية الاميركية تبدو مرتبكة ومترددة وفاقدة لأي استراتيجية محددة, ازاء كثير من القضايا والملفات الدولية, أقلها في مسألة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي, وبما يتجاوزه نحو الملف الافغاني والتحول «المفاجئ» الذي طرأ على ما وصف بالمعركة الحاسمة في قندهار, حيث ترشح انباء بأنها لم تعد واردة على أجندة القيادة الاميركية هناك, وتم صرف النظر عن الهجوم, بسبب معارضة الاهالي والحكومة الافغانية, والبديل كان الانخراط في عمليات «تنموية» لايجاد فرص العمل واستمالة السكان الذين يؤيدون طالبان..

معادلة التحالفات والاصطفافات التي سادت قبل التاسع من حزيران 2010, مرشحة للتغيير أو على الاقل للتعديل, لأن «عناصر» هذه المعادلة بدّلت تموضعها, وهو ما يبرز في موقف كل من بيجين وموسكو وخصوصاً الاخيرة, التي تبدو منسجمة مع مواقف واشنطن وحماستها, الأمر الذي دفع الرئيس الايراني الى تحذير روسيا من التحول الى «عدو ايران التاريخي» وهو مصطلح لم يُستخدم من قبل, ما يؤشر الى أن الامور ذاهبة نحو مربع القطيعة بين «الجارين».

يلحظ المراقب ايضاً, صمتاً محسوباً من طهران ازاء الصين, التي صعدت العربة الاميركية ووقفت الى جانبها في التصويت، الأمر الذي يثير الريبة ازاء ما استطاعت الصين (وروسيا) ان تحصلا عليه من واشنطن مقابل «التخلي» عن ايران، خصوصاً اذا ما توقفنا عند ما انطوت عليه تصريحات فلاديمير بوتين في اسطنبول بشأن تواصل الاستعدادات الروسية الايرانية لافتتاح مفاعل بوشهر في آب المقبل، كذلك التزام موسكو تزويد طهران بمنظومة صواريخ (اس.اس300) الذي شاع ان ادارة اوباما استثنتها من رزمة العقوبات التي وردت في القرار بشمول الصفقات الجديدة (وليس القديمة).

 

ماذا ستفعل ايران؟.

هي في موقف صعب لا تحسد عليه, ومن يراقب اداءها على اكثر من صعيد, يدرك انها ستختار الرد في ساحات «اخرى»، إذ ان وقوف تركيا والبرازيل (دع عنك لبنان) الى جانبها، كان لحفظ ماء الوجه وخصوصاً ان انقرة وبرازيليا تشعران بأهميتها الاقليمية والدولية وتريان في التعجيل الاميركي بالتصويت على مشروع القرار وعدم السماح بجلسة نقاش مفتوح... صفعة لهما.

طهران هي المعنية الوحيدة, بافشال هذا «النصر» الاميركي التكتيكي الذي قد يشجّع واشنطن على المضي قدماً في «حرق» المزيد من الاوراق التي راكمتها طهران بدأب ومهارة بعد الحادي عشر من ايلول 2001 وبخاصة بعد التاسع من نيسان 2003.

ما يعني أن الصيف المقبل سيكون حاراً... رغم كل ما يقال.

.. استعدوا للأسوأ.

=======================

غزة.. علينا أن نرفع الحصار

* يهوشع سوبول

اسرائيل اليوم الاسرائيلية

الرأي الاردنية

10-6-2010

رد الاعلام الاسرائيلي على الجلبة الدولية التي ثارت في اعقاب قضية «مرمرة» كشف النقاب عن عدة حقائق مثيرة للاهتمام لم يطلع عليها الجمهور في اسرائيل حتى الان. الاعلام الاسرائيلي اطلع العالم بانه في اثناء 2009 انتقل من اسرائيل الى القطاع نحو مليون طن من المنتجات الاستهلاكية.

كما تبين من منشورات الاعلام الاسرائيلي بانه في الربع الاول من العام 2010 فقط ادخل من اسرائيل الى القطاع قرابة 100 الف طن من المؤن تضمنت نحو 550 طن مسحوق حليب وغذاء للرضع، 185 طن حبوب، 2.700 طن أرز، 2.000 طن ملابس واحذية، 20 طن حديد، 25 طن اسمنت، 40 الف طن دقيق، 48 الف طن منتجات غذائية، اكثر من 1.000 طن أدوية وامدادات طبية. كما تزود اسرائيل سكان القطاع بالوقود والكهرباء، ومئات الفلسطينيين يصلون لتلقي العلاج الطبي في اسرائيل.

يبدو أنه فضلا عن السلاح والذخيرة فان اسرائيل تزود القطاع تقريبا بكل شيء. صحيح أنه حسب معطيات المنظمات الانسانية، في السنوات التي سبقت الحصار زودت اسرائيل غزة بالبضائع بكميات تفوق اربعة أضعاف الكميات التي زودتها بها منذ الحصار، ولكن هذا النقص تسده 900 نفق يربط القطاع بالجانب الاخر من الحدود مع مصر. 900 نفق تساوي في عرضها ما لا يقل عن عشرة طرق سريعة. رغم أن الحركة في الانفاق لا تتم بذات السرعة التي في طريق 6 يبدو أن كمية البضائع التي تنقل في 900 شريان تحت ارضي هذا، لا تقل كثيرا عن كمية البضائع التي تمر في اليوم في أحد طرقنا السريعة. يمكن ان تستمد هذه المعلومات من الصور التي ينشرها الاعلام الاسرائيلي، وتظهر اسواق غزة تتفجر من وفرة «الفواكه» الخضار وباقي منتجات الغذاء والملابس.

عبر شبكة الطرق السريعة التحت أرضية هذه تتدفق الى القطاع ايضا وسائل قتالية دون عراقيل، بعيدا عن قدرة الرقابة الاسرائيلية. ما تبقى هو فقط بحر غزة، حيث تواصل اسرائيل فرض حصار، بينما التموين يتدفق من كل باقي الاتجاهات، بما في ذلك معابر الحدود مع اسرائيل.

في ختام أربع سنوات من الحصار على غزة، يمكن لاسرائيل أن تعزو لنفسها نجاحين: من جهة الحصار – غير الحصار هذا منح الغزيين ما يكفي من الحوافز لتطوير القطار السفلي الذي يدفع الى غزة بالبضائع بما في ذلك الوسائل القتالية. من جهة اخرى نجحت اسرائيل في أن تجعل لنفسها سمعة سيئة لمجوعة سكان مدنيين أبرياء، وهي في الطريق لنيل المكانة المنشودة لدولة بشعة ومنبوذة.

الحصار على غزة افاد حماس أساسا، التي جعلتها اسرائيل من خلال هذا الحصار الاخرق من منظمة ارهابية مجرمة الى ضحية بريئة في نظر العالم بأسره. في نفس الوقت نجحت السياسة الفاشلة هذه في أن تدفع سكان غزة الى أذرع حماس. قاعدة ثابتة هي أن العقاب الجماعي يعمل كالسهم المرتد: فهي تثير الكراهية تجاه المعاقب، وترص صفوف الشعب حول من يتلقى العقاب. عندما عاقبت سلطات الانتداب البريطاني السكان اليهود بفرض حظر تجول، تفتيشات وابعاد زعماء الحاضرة، تراصت الحاضرة اليهودية حول الهغناة وحول قيادة الحاضرة، ولم تصبح عاطفة على سلطة الانتداب.

سياسي اسرائيلي شجاع وعظيم كان سيعلن عن أن التجربة المتراكمة في السنوات الاربع الاخيرة تثبت بان الحصار حقق عكس ما ارادت منه اسرائيل تحقيقه، وان استمرار الحصار الفاشل هذا يمس باسرائيل وبأمنها ولا يفيد سوى حماس.

من الصعب الاعتراف بهذا الخطأ ولكن سيكون أصعب بكثير واكثر ايلاما تحمل نتائج استمرار السياسة المغلوطة التي ولدت هذا الفعل المنكر.

=======================

تشويه صورة اردوغان

أسامة الشريف

 الدستور

10-6-2010

لم يمض اسبوع على ارتكاب اسرائيل مجزرتها البحرية في المياه الدولية التي راح ضحيتها تسعة اتراك من المتضامنين مع غزة ، حتى بدأت الماكينة الاعلامية الصهيونية - الاميركية حملتها ضد رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان. كان ذلك متوقعا منذ ان القى اردوغان خطابه الناري امام البرلمان التركي الاسبوع الفائت حيث وصف اسرائيل باشبع الاوصاف وتوعدها بمساءلة دولية عن جرائمها وطالبها برفع حصارها الجائر فورا عن غزة.

 

كان اول الذين تطوعوا للدفاع عن اسرائيل ومهاجمة اردوغان الصحفي الاميركي روبرت بولك ، الذي كتب في صفحة الآراء في جريدة وول ستريت جورنال مقالا بعنوان: اردوغان وانحطاط الترك. يسخر بولك من الاتراك كونهم اصحاب لغة ليست (اندو - اوروبية) مع انهم بملايينهم الثمانين يسيطرون على مضيق حيوي يربط بين الشرق والغرب. وينسى بولك ان الاتراك بتراثهم العثماني هم احفاد امبراطورية اسلامية حكمت لاكثر من ستة قرون بلادا امتدت حدودها من فينا والبلقان في اوروبا حتى شمال افريقيا ومعظم انحاء الجزيرة العربية وكل بلاد الشام.

 

ما شأن اللغة هنا؟ وهل هذا مدخل لادانة امبراطوريات غابرة كالرومانية والروسية وحتى البريطانية والفرنسية والهولندية؟ هذه الامبراطوريات قدمت بقدر ما أخذت ، وربما اخذ بعضها اكثر مما قدم ، بينما لم تفلح الامبراطورية الاميركية بتفوقها العسكري في تقديم أي شيء في فيتنام والفليبين والمكسيك وكوبا وجمهوريات الموز في اميركا اللاتينية واليوم في العراق وافغانستان الا الخراب والدمار.

 

ويقدم بولك ، الذي يقول انه التقى اردوغان عدة مرات ، وصفا سطحيا لرئيس الوزراء التركي ، فهو اما ساذج او اسلامي راديكالي لادانته للفظائع الاميركية في العراق. وينسى الكاتب ان ملايين البشر اقشعرت ابدانهم لما حدث في زنازين ابو غريب ولا يغيب عنهم ما تقدم عليه الآلة العسكرية الاميركية من فظائع في افغانستان والعراق في كل يوم.

 

وتعلو الاصوات المناهضة لاردوغان وتركيا ، فتوماس فريدمان في صحيفة نيو يورك تايمز يبالغ في مدح برنامج رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض لبناء مؤسسات دولة تحت الاحتلال الاسرائيلي ، باعتباره نمطا ايجابيا يناقض نهج عرفات ، في الوقت الذي تقوض فيه سفن السلام وكسر الحصار ، ومن يسيرها ، جهود السلام وحلم الدولتين.

وينبري اسرائيليون للدفاع عن شرف اسرائيل الجريح ، في اعقاب الهجوم على سفينة مرمرة ، فمنهم من يدعوا اردوغان لادارة غزة - حماس والاكتواء بنار ايران وحزب الله ، وهناك من يكيل لتركيا اقذع الاوصاف لتحديها اسرائيل.

 

استمرأت الماكينة الاعلامية الصهيونية الهجوم على اردوغان ، وقريبا ستوجه اليه تهم كمعاداة السامية واسرائيل والاصطفاف الى جانب الراديكاليين الاسلاميين. ولم لا؟ الرجل غاضب على اسرائيل لقتلها مدنيين اتراكا ، ويطالب ليل نهار بتحقيق دولي ، ويعد الدولة العبرية بدفع ثمن الدم المسفوك ، ويصفها بالدولة المجرمة والباغية. لقد وضع اردوغان نفسه كهدف للاعلام الصهيوني ، وعليه اذن تحمل العواقب.

 

اسرائيل تملك مفاتيح وتسيطر على مداخل من شأنها خلق ازمات داخلية وتهديد مكانة اردوغان. في الاسبوع الفائت اعلن حزب العمال التركي انقضاء هدنة وشن هجمات ضد مصالح تركية. وهناك من يتصيد في الماء العكر ويبحث عن حلفاء. فاردوغان يخوض معارك قانونية لتقليص دور العسكر ، وعليه ان يناور للحفاظ على تقدم حزب العدالة والتنمية وعلى شعبيته. لكن اسرائيل ليست بعيدة عن الداخل التركي ، وبامكانها خلط الاوراق واشغال اردوغان بمشاكل داخلية.

 

لكن اسرائيل والاعلام الصهيوني ينسيان ان مشكلتهما ليست مع اردوغان وحسب ، وانما مع ملايين الاتراك. فكراهية اسرائيل ليست حكرا على اسلاميي تركيا ، والشعور القومي التركي تجاوز الحدود والاطر السياسية. ستمعن الماكينة الاعلامية الصهيونية في تشويه صورة اردوغان لكنها لن تنجح في تغيير قناعات غالبية الاتراك على اختلاف مشاربهم السياسية.

=======================

قافلة الحرية: سقوط المشروع

د. عبدالله معروف

6/10/2010

القدس العربي

لابد أن أقول بدايةً إنني لم أكن متفاجئاً من مجرد رد الفعل الصهيوني الأرعن على قافلة أسطول الحرية بقدر ما فوجئت من حجم هذه الرعونة الصهيونية الذي فاق ما أشيع عن ساسة دولة الاحتلال من حنكة سياسية –مفقودة لدى كثير من ساستنا- في التعامل مع القافلة ومع القضية برمتها.

إن رد الفعل المتمثل بالقتل ليس غريباً على دولة الاحتلال ابتداءً، فهم من قتل الكونت برنادوت في فلسطين قبيل قيام دولتهم. وهم من قتل مئات الساسة والقادة المناوئين لمشروعهم، بل إن دولة الاحتلال نفسها قامت على أشلاء مئات الألوف من الفلسطينيين عام 1948م، ولذلك فليس من الغريب أن تتابع هذه الدولة سيرتها الدامية كما عرفناها وخبرناها طول التاريخ المعاصر.

 

لا أرى أن من الغريب أن يصدر بنيامين نتنياهو ووزيره إيهود باراك أوامرهما لقوات جيشهما بقتل المدنيين العزل في عرض البحر في قرصنةٍ عز أن يرى لها التاريخ مثيلاً.. فبنيامين نتنياهو كان جزار مجزرة الأقصى الثانية وانتفاضة النفق عام 1996م، وإيهود باراك كان سفاح مجزرة الأقصى الثالثة وانتفاضة الأقصى عام 2000م، بل إن باراك بالذات هو الذي قتل بيديه ثلة من خيرة المجاهدين والمناضلين الفلسطينيين لم تكن أولهم ولا آخرهم أول استشهادية فلسطينية: دلال مغربي.

 

إلا أن المستهدف بالقتل والكيفية التي تم فيها الأمر هذه المرة -وعلى الملأ- هو الأمر الذي يثير الدهشة. والمدهش في هذه المرة أن الشهداء لم يكن بينهم فلسطيني واحد، بل لم يكن من بين أسماء الشهداء التي أعلنت عربي واحد.... كانوا في أغلبهم أتراكاً لا ينطبق عليهم مصطلح العروبة ولا محاولة الفلسطنة التي أضفاها عرابو الحل القومي والحل الفلسطيني، وهنا أرى أن لا بديل هذه المرة ولا يصلح لهؤلاء الشهداء أي وصف يربطهم بفلسطين وبغزة إلا أن نقول إنهم كانوا مسلمين، وهذا هو التفسير الوحيد لوقفة هؤلاء الشهداء في وجه عربدة قوات الاحتلال ودفاعهم المستميت عن السفينة كما روى شهود العيان الذين أطلق سراحهم حتى دفعوا أرواحهم ثمناً لهذه الوقفة المشرفة.

 

إذن فالقضية التي حركت هؤلاء كانت قضية إسلامٍ بالدرجة الأولى، ولا يمكن أن تُفهَم إلا بهذا النَّفَس، وهذا يعيد القضية الفلسطينية برمتها إلى المربع الإسلامي الذي عمل الاحتلال وأدواته العالمية والمحلية على تحييده وإخراج القضية منه. حاول العالم كله أن يخرج الإسلام من المعادلة، إلا أن القضية عادت إلى طبيعتها مع دماء هؤلاء الشهداء التي صبغت بحر فلسطين ووصلت رغم أنف الاحتلال إلى سواحل غزة، فاتحد الدم الفلسطيني والعربي والإسلامي لتعود القضية إلى مربعها الأساسي وبُعدِها الصحيح: البعد الإسلامي.

 

أثناء متابعتي خطاب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في البرلمان التركي قبل أيام لفت نظري عدد كبير من إشاراته وملاحظاته وعباراته، إلا أن أكثر جملة شدت انتباهي كانت حين أعلن أن اليوم الذي هوجمت فيه قافلة أسطول الحرية كان علامة فارقة ليس ما قبلها كما بعدها، وهذا يذكرني –مع الفارق الهائل بالطبع بين الشخصيتين- بخطاب الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش يوم أحداث سبتمبر حين أعلن أن ما قبل 11 سبتمبر لن يكون كما بعده، وبالرغم من الفارق الكبير بين الرجلين وبين الخطابين إلا أن النتيجة واحدة، فالعالم بعد أحداث قافلة الحرية لن يكون كما كان قبلها بالتأكيد، فتركيا في ذلك اليوم التاريخي دخلت المعادلة بقوة لتعيد –برغبتها أو دون رغبة منها- القضية برمتها إلى المربع الإسلامي الكبير، ولتصبح القضية لا مجرد قضية حصار على عدد من الفلسطينيين و"نزاع" بين الفلسطينيين والإسرائيليين كما كان العالم كله يروج، وإنما أصبحت القضية قضية عالم إسلامي يبذل أبناؤه دماءهم على طريقها، وامتدت القضية الآن أكثر لتشمل البعد الإنساني بين عالم إنساني متحضر يقف في وجه عربدة هذه المجموعة المارقة من كل القيم، والتي تسمي نفسها "دولة ديمقراطية".

 

هذا على الصعيد الإسلامي، أما على صعيد رد الفعل العالمي الإنساني، فقد فوجئت إلى حد الدهشة الممزوجة بشيء من السعادة وأنا أقرأ تعليقات القراء غير العرب وغير المسلمين في موقع هيئة الإذاعة البريطانية BBC –التي كان تحيزها واضحاً لرواية الاحتلال في قضية أسطول الحرية كما يرى كثير من المراقبين- ورد فعلهم الشديد وغير العادي ضد دولة الاحتلال، حيث قرأت أكثر من أربعة آلاف تعليق كانت النسبة الأكبر منها لبريطانيين وأمريكيين لا عرباً ولا مسلمين، ولم يكن بين هذه التعليقات أي شخص يدافع عن موقف دولة الاحتلال إلا تعليق واحد لشخص "إسرائيلي" كال له الآلاف شتى ألوان السخرية من روايته ورواية دولته. هكذا وببساطة اكتشف العالم وجه دولة الاحتلال الحقيقي الذي كان البعض ما زال لم يكتشفه حتى في خضم الحرب الدموية على غزة. ذلك أن الطعنة حين أتت للغربيين أنفسهم من حليفتهم الكبرى كان لها ألم أكبر بكثير من رؤيتهم لأشلاء الضحايا الفلسطينيين الذين لا يظهر الإعلام الغربي لهم منه إلا أقل القليل، إن لم يكن أقل أيضاً.

 

إن ما حدث يثبت أن دولة الاحتلال في طريقها للأفول حقاً، فهذه الدولة كانت في الأساس مشروعاً إعلامياً قام على أساس التباكي على ما اعتبر في ذلك الوقت ضحايا اليهود الذين سقطوا في المحرقة النازية، إلا أن هذا المشروع قد سقط سقوطاً إعلامياً مدوياً وذاب في مياه البحر الأبيض المتوسط في اللحظة التي سقطت فيها أول قطرة دم متضامنٍ دوليٍّ في هذا البحر خلال مجزرة قافلة أسطول الحرية. وتكفي نظرة سريعة إلى الإعلام الصهيوني لمعرفة فداحة الخسارة التي تعانيها دولة الاحتلال بعد هذا الحدث إلى الحد الذي أطلقت عليه وسائل إعلامهم "الكارثة" و"الفضيحة".

 

نعم كانت فضيحة إعلامية لهم بامتياز عندما فقدت دولتهم ورقة التوت "الديمقراطية" التي كانت تتستر بها، وكانت كارثة سياسية لهم بامتياز بعد أن أيقظ نتنياهو وباراك برعونتهما المارد الإسلامي وأعطوا للقضية بعدها الإسلامي الحقيقي، ولا أعرف في الحقيقة أأشكرهما على حماقتهما أم أسخر منها مع الساخرين.

 

المستقبل مضمون لهذه القضية كما يشهد التاريخ، ونحن اليوم نشهد كتابة فصوله مرة أخرى، فطوبى لمن ضرج بدمائه الزكية بحر فلسطين المبارك، وطوبى لمن خط بدمه صفحة النصر القادم، وطوبى لأحفاد الخلفاء شهادتهم على عتبات الأرض التي رفض أجدادهم بيعها، وطوبى لك يا بوابة الفتح.... طوبى لك يا غزة.

أستاذ دراسات بيت المقدس

=======================

المسكوت عنه في الحديث عن النكسة

عوني فرسخ

6/10/2010

القدس العربي

على مدى السنوات الثلاث والاربعين الماضية ظل غير يسير من النخب السياسية والفكرية العربية مُسمًرة انظارهم على ما حققته اسرائيل من نصر عسكري في حرب 1967 . متجاهلين أنه ما إن أعلن الرئيس عبدالناصر تخليه عن السلطة وانحيازه للشعب في مقاومة الغزاة حتى هبت جماهير القاهرة في انتفاضة عفوية ، سرعان ما عمت مصر وامتدت لمعظم المدن العربية ، رافضة تخليه عن دوره القيادي ومعلنة الالتزام بمواصلة القتال لتحرير الارض العربية المحتلة ، في تعبير حي عن إرادة المقاومة المتجذرة في الثقافة العربية . وهذا هو المسكوت عنه الاول في الاحاديث المتوالية عن نكسة 1967 .

ولم تحل الانتفاضة الجماهيرية دون سقوط دور عبدالناصر القيادي فقط ، وإنما مكنته ايضا من حسم صراعه المكتوم مع فاسدي المؤسسة العسكرية ومستغلي اجهزة المخابرات بإجراء تغييرات جذرية في قيادة الجيش وتصفية دولة المخابرات . الأمر الذي لم يكن ليستطيعه قبل ان تحرره انتفاضة جماهير مصر من الشعور بأن الجيش واجهزة الامن حماة النظام في مواجهة القوى المضادة . وهو الشعور الذي اصلته أزمة مارس / آذار 1954 مع الاحزاب والاخوان المسلمين والنقابات المهنية واساتذة الجامعات وسائر القوى التي وجدت في انقسام "الضباط الاحرار" حول مطالبة الرئيس محمد نجيب زيادة صلاحياته فرصتها لاستعادة النظام شبه الليبرالي ، الذي كان فشله في حل القضية الوطنية وتحقيق التنمية والعدل الاجتماعي واقامة نظام ديمقراطي يعبر عن الغالبية الساحقة ، أبرز حوافز تشكيل حركة "الضباط الاحرار " وما لقيته من تأييد شعبي عارم صباح 23 يوليو / تموز 1952 . وهذا هو المسكوت عنه الثاني .

 

وثالث ما هو مسكوت عنه استقبال جماهير الخرطوم لعبدالناصر استقبال المنتصرين ، لدى انعقاد القمة العربية فيها بعد ثلاثة شهور من الهزيمة العسكرية . فيما بدا تعبيرا عن إصرار الجماهير العربية على الاعتصام بقيادته والالتزام باستراتيجية التحرير وفق شعاره "ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة " . ما همش توجه غالبية الانظمة العربية لاعتماد الدبلوماسية في محاولة "إزالة آثار العدوان " . إذ كان لجماهير السودان تأثير فاعل في تعزيز موقف عبدالناصر في مباحثات القمة ، بحيث تضمن بيانها الختامي لاءات الخرطوم الثلاث : لا اعتراف باسرائيل ، ولا مفاوضات مباشرة معها ، ولا صلح منفرد معها ما يعني ان نهج الممانعة هو ما اعتمدته قمة الخرطوم . فضلا عن تحقق المصالحة المصرية – السعودية ، والتوافق على حل عربي لحرب اليمن ، وعلى أن تخصص دول النفط نصيبا من عوائدها لدعم دول المواجهة ، وتحقق مستوى متقدم من التضامن العربي تواصل الى ما بعد 1973 .

 

وحين النظر لما تحقق في القاهرة ثم في الخرطوم في اعقاب الهزيمة العسكرية الدلالة التاريخية على أن ارادة الممانعة والمقاومة ، المعززة بالدعم والتأييد الشعبيين ، شكلت معوضا للخلل الاستراتيجي في ميزان القدرات العسكرية والامكانات المادية لصالح التحالف الامبريالي – الصهيوني . وعلى النقيض مما استهدفته إدارة الرئيس الامريكي جونسون ، من العدوان الصهيوني الذي خططت له ، حفزت الهزيمة العسكرية حراكا عربيا ملتفا حول قيادة عبدالناصر ، بحيث احتفظت القاهرة بدورها المحوري عربيا واقليميا دوليا . بل إن السنوات الثلاث الاخيرة من حياة عبدالناصر كانت الاكثر خصبا في الحقبة الناصرية . وكان لانتفاضة جماهير مصر وامتها العربية دورها في ذلك الانجاز التاريخي .

 

ورابع المسكوت عنه "حرب الاستنزاف " ، التي بدأت بعملية " راس العش" بعد أقل من اسبوعين على وقف القتال . ما فاجأ العدو المنتشي بنصره المبهر ، والمحللين العسكريين الذين غلب في اوساطهم القول بان الجيش المصري يحتاج بضع سنين لتعويض خسارته الفادحة ، خاصة على الصعيد المعنوي بعد القصف الاعلامي المحبط الذي تعرض له عربيا ودوليا . ومع تطور عملية إعادة بناء الجيش ، التي بادرها عبدالناصر واولاها الاهتمام الاول ، تطورت "حرب الاستنزاف " وتعددت عمليات اقتحام تحصينات العدو ، وأعماق سيناء ، ما جعل احتلالها مكلفا . بل وحققت "حرب الاستنزاف " توازن الردع مع الجيش الصهيوني على جبهة القناة . وما كانت الادارة الامريكية لتطرح "مبادرة روجرز " في يونيو / حزيران 1970 لولا تحسبها من تداعيات توالي استنزاف القوات الصهيونية ، وبخاصة الاثار النفسية على ضباط وجنود لم يسبق أن واجهوا مقاومة عربية فاعلة . فضلا عن دروس "حرب الاستنزاف " المستفادة في اعداد وتنفيذ العبور في حرب 1973 . وكثيرة الدراسات الامريكية والاوروبية والاسرائيلية التي ابرزت "حرب الاستنزاف" ، خاصة دلالتها على تطور اداء الجيش المصري ما لم يكن متوقعا في زمن قصير للغاية . وبالمقابل ندرت للغاية الدراسات العربية لاول حرب خسرتها اسرائيل ، كما يقرر حاييم هرتزوج .

 

وخامس المسكوت عنه كون نكسة 1967 إحدى عمليات الاجهاض الامريكية لحركات التحرر الوطني الاسيوية والافريقية والامريكية اللاتينية التي بدأت باسقاط سوكارنو في اندونيسيا عام 1965 ولم تتوقف بعد الانقلاب على الليندي في تشيلي عام 1972 . في حين كان النهوض العربي من الكبوة الابرز والاسرع ، إلا أنه أجهض بإهدار نصر حرب 1973 على عتبة التحول الدراماتيكي في دور مصر التاريخي وتوجهها السياسي والاقتصادي الذي احدثه السادات .

 

وليس ينكر ان صدمة الهزيمة العسكرية المذلة سنة 1967 هزت قناعات القطاع الاعظم من النخب العربية بداية ، وتسببت في أن يغلب لديها الانفعال على الموضوعية في تناولها عوامل النكسة وتداعياتها . غير أن تواصل التقويم غير الواقعي للنكسة بعد وضوح فشل العدوان في تحقيق الاهداف السياسية المتوخاة أمريكيا وصهيونيا ، واتضاح الاثار الايجابية للانتفاضة الجماهيرية و"حرب الاستنزاف" ، ما يلقي بظلال الشك حول دوافع وغايات الذين لما يزالوا يحَملون نكسة 1967 تبعات غياب دور مصر وبؤس مجمل السياسات القطرية في العقود الاربعة الماضية . وصحيح ان عبدالناصر فارق دنيانا قبل إزالة آثار العدوان ، إلا أن الهزيمة السياسية لم تقع في عهده ، إذ كان قد أعد جيش العبور ، فيما كانت جميع الانظمة العربية ملتزمة بلاءات الخرطوم ، وهذا هو سادس المسكوت عنه في احاديث النكسة .

كاتب من فلسطين

=======================

اردوغان كمثل

غلعاد سيغف

6/10/2010

القدس العربي

قبل نحو اسبوع تلقيت اقتراح اقامة عرض موسيقي مشترك مع مطرب تركي مشهور. أرسلت فكرة العرض بتشجيع من وزارة الداخلية التركية، من أجل أهداف سلمية. تخيلوا مبادرة تركية أرسلت في هذه الأيام لتقديم السلام والعلاقات بين دولتين. ثار دمي لأنه هل توجد وقاحة أكبر من هذه؟

لم يعد غضبي أن طغى على أثر أحداث الرحلة البحرية وفي ضوء استمرار تلون تركيا الفظيع ومن يترأسها أي اردوغان الذي يعظنا باللغة العبرية قائلا 'لا تقتل'، بعد أن نفذ شعبه كارثة في الشعب الأرمني. تلون دولة عانت إرهابا هي نفسها وتبادر الآن الى اجراءات كالرحلة البحرية ترمي الى تعزيز منظمات ارهاب خارج حدودها. وإلى الان، لماذا يجعلني التلون التركي أغضب الى هذا الحد؟ إن من الواضح للجميع أن خبرة اردوغان بأن يجمع على حسابنا شعبية في دولته بخاصة وفي دول المنطقة بعامة حيلة معلومة معروفة منذ فجر التاريخ اليهودي. فليست هذه فقط حيلة مقبولة بل حتى مطلوبة. أربما يكون ذلك كلام الكراهية الاسلامي الذي يمس بي؟

هنا أيضا بعد التفكير ذكرت لنفسي أن الاسلام ليس أكثر من وسيلة لاحراز الهدف، كما خدمت أديان أخرى أو عقائد أخرى قادة آخرين في طريقهم ليصبحوا أكبر ولتوحيد الشعب من ورائهم. أدركت بعد ذلك أنه لا يوجد ما يغضب من اردوغان او ما يجعلني أكره الاسلام، لأن الأمر في الحقيقة هو نفس القصة الانسانية التطورية التي تكرر نفسها في كل زمن وكل عصر وهي أن يحاول شخص آخر ان يقوى على حسابك.

اذا كان الأمر كذلك فيجب اذن ان نعترف بأن الرحلة البحرية ونتائجها اجراء لامع من اردوغان لاحراز أهدافه: فقد بادر اجراء وحد الشعب التركي من ورائه، في حين نجح في عرض نفسه بأنه ضحية أمام الرأي العالمي.

وبعد تفكير فهمت أنني مثل أكثر أبناء شعبي، بعد أن نغضب جدا على الرحلة ونتائجها، ونشعر كم نحب الوحدة البحرية التي يخدم فيها أفضل ابنائنا، ربما قد حان الوقت لنفهم أنه في معركة الأدمغة، في هذه اللعبة التي ستقرر مستقبلنا، أصبحنا متخلفين وراء موقف الخصم وتقدمه، وأننا بتأثرنا الكبير نعمل في مصلحة ذلك الشخص الذي يريد أن يقوى على حسابنا.

قد تكون الرحلة البحرية أكثر من كل شيء دعوة للاستيقاظ يجب ان تسمع عن جانبي الخريطة السياسية في بلدنا: فهو دعوة استيقاظ لليسار، الذي يجب ان يفهم أنه برغم طموحه الرائع الى احراز السلام لا يوجد من يعتمد عليه في الجانب الثاني، وأن كل من يوجهه طموح أعمى الى السلام يسلم أبناء شعبه الى قادة طغاة غير مستقرين، أصحاب مصالح يمكن أن يصبحوا في لحظة أعداء لا هوادة عندهم. يجب أن يحدث الاستيقاظ لليمين أيضا الذي يجب ان يستوعب نهائيا أنه يوجد ثمن لا يمكن رده لتسويف القرارات زمنا طويلا، وأنه يجب بعد أكثر من 40 سنة النزول عن أراض ما، بسط السيطرة عليها يقضي علينا من الداخل والخارج.

فاذا وقعت حالات أخرى مثل الرحلة وأصبحنا مثل جنوب افريقيا فاننا نعلم جميعا كيف ستنتهي بنا الحال. لا نريد ها هنا زعيما يسمونه نيلسون عبدالله. يذكرنا مثل اردوغان مرة اخرى بأن بقاءنا كشعب متعلق قبل كل شيء وبعده بحكمتنا.

وقد يكون هذا هو ما أضر بنا أكثر من كل شيء. لقد جعلوا لنا مدرسة.

========================

مجزرة أسطول الحرية..اختبار لإرادة العرب في المجال الإنسانيّ والإعلاميّ

بقلم: السيد أبو داود

الأمان 11/6/2010

المجزرةُ التي ارتكبتها «إسرائيل» بعد قيام قواتها الخاصة بالهجوم على سفن أسطول الحرية، الذي يحمل مساعدات إنسانية للفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة، وأدت إلى قتل وجرح العشرات في عرض البحر، هذه المجزرة ينبغي مناقشة أبعادها، كما ينبغي استغلالها فلسطينيّاً وعربيّاً من النواحي السياسية والقانونية والإعلامية، لتحويلها إلى صالح العرب وقضيتهم.

بدايةً، لا يمكن أيّ إنسان في العالم مهما كان وضعه أن يعترض على فكرة أسطول الحرية الذي تنبع من التعاطف والمساندة لأناس من بني البشر يتعرضون لأقسى أنواع الظلم والقهر بفعل الحصار الذي يفرضه الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة منذ عدة سنوات، ورأى العالم على الهواء مباشرةً العدوان الأثيم من قوات الاحتلال ضد البشر والحجر في القطاع مطلع عام 2009م، الذي استخدمت فيه قوات الاحتلال الأسلحة المحرمة دوليّاً ضد المدنيين.

هذه الأوضاع التي رآها العالم، حوَّلت «غزة» إلى معتقل كبير، مع ما يمثِّله من حرمان المرضى والطلبة وأصحاب الحاجات من فرص العلاج والتعليم والسفر، وعدم تمكُّن من هدمت منازلهم جراء العدوان من إعادة بنائها.. كل ذلك حرك ضمائر نفرٍ من النشطاء السياسيين من مختلف أنحاء العالم، فأرادوا تنفيذ مبادرة رمزية لكسر الحصار، كي يلفتوا أنظار العالم إلى معاناة أهالي غزة، فكوَّنوا هذا الأسطول من تسع سفن هي: سفينة شحن بتمويل كويتي ترفع علم تركيا والكويت، وسفينة شحن بتمويل جزائري، وسفينة شحن بتمويل أوروبي من السويد واليونان، وست سفن لنقل الركاب تسمى إحداها «القارب 8000» نسبة إلى عدد الأسرى في سجون الاحتلال، ويحمل الأسطول 650 مشاركاً من أكثر من 60 دولة رغم أنه تلقى مئات الطلبات للمشاركة، ومن بين المشاركين 44 شخصية رسمية وبرلمانية وسياسية أوروبية وعربية بينهم عشرة نواب جزائريين.

وهكذا، فإن استهداف هؤلاء المتضامنين من المدنيين من مختلف أنحاء العالم، والهجوم عليهم بالقوات المسلحة الخاصة «الكوماندوز» وإعمال آلة القتل فيهم بهذه الوحشية، فضيحة عالمية بكل المقاييس ينبغي ألا تفلت من أيدينا فرصة تعظيم الاستفادة منها.

الأمور كانت تشير إلى احتمال حدوث هجوم إسرائيلي على الأسطول، فاليهود منذ فترة وهم يهددون بمنع وصول الأسطول إلى غزة، وبأنهم سيقودون السفن إلى ميناء أشدود واعتقال كل من على متنه في مكان أعدوه هناك مسبقاً لهذا الغرض.

حاول اليهود إقناع تركيا بمنع الأسطول من الإبحار باتجاه غزة، لكن تركيا رفضت اقتراحاً بأن تنقل إلى إسرائيل حمولات السفن المبحرة نحو القطاع من مواد غذائية وملابس ومواد بناء وغيرها من المساعدات الإنسانية على أن يتم إدخالها إلى القطاع بواسطة منظمات إغاثة دولية، تحت رقابة إسرائيلية.

العصبية التي أصابت اليهود ودفعتهم للتصرف بهذا الأسلوب الإجرامي أمام العالم، سببها أنهم يعلمون جيداً أن توالي وصول مثل هذه المبادرات الدولية، رغم محدوديتها، يعني تعاطفاً دوليّاً متزايداً مع الفلسطينيين وقضيّتهم، وفي نفس الوقت فضح للأكاذيب «الإسرائيلية».

وتعتبر «إسرائيل» نجاح قوى دولية متعاطفة مع الفلسطينيين في تمرير قرارات دولية ملزِمة بفك الحصار هو خط أحمر لا يمكن السماح به، لأنه سيعني في النهاية أن المقاومة الفلسطينية انتصرت، وأن حكومة حماس المحاصرة انتصرت، وأن آلة الحرب المتطورة لم تنفع اليهود، وهذا كله من شأنه أن يقلب معادلة الصراع تماماً.

وربما يفسر ما قلناه العنف «الإسرائيلي» المبالغ فيه في التعامل مع هؤلاء المتضامنين من المدنيين العزل، فقد تم مراقبة الأسطول بالطائرات العسكرية لفترة طويلة، ثم تم إنزال القوات التي اقتحمت سفن الأسطول بالمئات من الجنود الذين استخدموا أسلحة نارية وغازات مسيلة للدموع.

وربما أراد «الإسرائيليون» توجيه رسالة إرهاب وتخويف لمن يفكِّر بعد الآن بالمشاركة في مثل هذه المبادرات التضامنية، فحين يسقط الضحايا بالعشرات على أيدي قوات «الكوماندوز» ويُساق الباقون إلى معتقل معدّ مسبقاً لهم، كل ذلك يرى اليهود أنه رادع قوي لكي يريحوا رؤوسهم من هذا الصداع مستقبلاً.

تبقى مشكلة واحدة فكَّر فيها «الإسرائيليون» بعض الوقت لكنهم تجاوزوها بسرعة، وهي التداعيات التي يمكن أن تحدث بعد هذه المجزرة في غير صالحهم.

السبب في ذلك هو الصمت الدولي تجاه جرائمهم المستمرَّة في حق العرب والفلسطينيين، مما جعلهم متأكدين من أن كل خرق من جانبهم للقانون الدولي، وكل تنصُّل من مسؤوليتهم، كسلطة احتلال تجاه الشعب الفلسطيني، لن يحاسبوا عليه، وإنما هناك مَن سيقف الى جانبهم ويدعمهم حتى يفلتوا من العقاب.

وإذا كنا فاقدي الأمل في رد الفعل الرسمي العربي، من جانب سلطة محمود عباس، ومن جانب دول الطوق وعلى رأسها مصر والأردن، وإذا كنا أيضاً فاقدي الثقة في النظام الرسمي العربي المتمثِّل بالجامعة العربية، فليس أمامنا إلا العمل الشعبي الفوري، على المستوى الإعلامي والسياسي والإنساني والاقتصادي.

فعلى المستوى الإعلامي، كل الإعلاميين العرب مطالبون بالمشاركة، كلّ حسب إمكاناته ووضعه، بالكتابة والحديث في ما يمكن أن يصل إليه من وسائل إعلام، عربية وغير عربية، للتأكيد بكل ما يملك من ثقافة وفكر ومعلومات وقدرة على الإقناع، لإثبات أن هذه الجريمة لا تحتمل وجهتي النظر، بمعنى أن اليهود ضُبطوا وهم متلبسون أمام العالم بقتل مدنيين أبرياء من منظمات حقوق إنسان، لا يملكون إلا ملابسهم وأقلامهم ومعوناتهم، وأن من يفعل ذلك ولا يعبأ بنتيجته فهو مجرمٌ بكل ما تحمله الكلمة.

وإذا كان السياسيون العرب سيقفون متفرجين كما هي عادتهم، فعلى الجماهير العربية أن تَهُبَّ للضغط على حكامها من أجل الوقوف في وجه هذه العربدة، وليس أقل من أن توقف السلطة الفلسطينية المفاوضات مع «إسرائيل» سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، وكذلك أن تلغي الجامعة العربية دعم أية مفاوضات، وكذلك الضغط من أجل سحب كل السفراء العرب في «إسرائيل» ووقف كل أشكال التطبيع.

على الشارع العربي، بما فيه من طلبة وعمال ومنظمات مجتمع مدني وأحزاب ومهنيين، الضغط بكل ما يملكون من أجل دعم المقاومة للمشروع الصهيوني، وأن يكون فتح معبر رفح بشكل دائم هو أول هذه الخطوات، وكذلك دعم حماس بالمال والسلاح.

أما المجال القانونيُّ ففيه طريقان، الطريق الأول: لن تقوم به إلا الحكومات، وهو يتعلق بملاحقة مرتكبي المجزرة وقادتهم في المنظمات الدولية وفي الأمم المتحدة، والطريق الثاني: أن يبدأ الأفراد والمنظمات، بالتعاون مع الجهات المتضامنة مع أهالي غزة، في ملاحقة مرتكبي المجزرة أمام المحاكم الأوروبية.

فهل نتعلم من اليهود؟ وهل نقيم الدنيا ونقعدها دفاعاً عن حقوقنا؟ وهل نصحح أخطاءنا التي وقعنا فيها قبل ذلك؟ وهل نستغلُّ الدعم الذي يأتينا من العالم؟ وهل تكره حكوماتنا هذه المرة «إسرائيل» مثلما تكره حماس والمقاومة؟ وهل تتفق إرادة قادتنا ولو مرة ويقولون للأمريكان: لا؟

====================

يريدون مسلمين بغير إسلام

فهمي هويدي

صحيفة السبيل الأردنيه 10/6/2010

البعض يريدون مسلمين بغير إسلام، يرحبون بالناس وينفرون من المعتقد والقيمة.

يعتبرون أن استحضار الإسلام يعقد الأمور ويستدعي مشكلات نحن في غنى عنها،

 

 حجتهم في ذلك أن إظهار الهوية الإسلامية يثير الحساسية ويمثل عنصرا طاردا للآخرين. ثم إنه يختزل القضايا الكبرى في رموز دينية ضيقة. ويفتح الباب لحروب دينية استئصالية ضد «اليهود» تقوض إمكانية التعايش السلمي معهم.

والحل يتمثل في إخراج الإسلام من الموضوع، وتنقية الصراع من «شوائبه»، وتنحية ما هو ديني لصالح ما هو إنساني وعلماني.

 

هذا الكلام قرأته في كتابات نشرت مؤخرا، جاءت في سياق حملة مطاردة حضور الإسلام في المجال العام، التي يقودها نفر من المثقفين، إذ حذرت تلك الكتابات من فكرة «أسلمة الصراع»، التي قصد بها الانطلاق من المرجعية الدينية في مواجهة العدو.

 

ثمة ملاحظتان جوهريتان على هذا الخطاب؛

الأولى أنه ينطلق من رؤية استشرافية نافرة من الإسلام بالأساس. وهي معنية بإقصائه عن الصراع بأكثر من عنايتها بالصمود في مواجهة العدو أو كسب الصراع.

ذلك أنهم حين يعتبرون الإسلام مؤديا إلى استبعاد الآخرين وليس متصالحا معهم أو قادرا على استيعابهم، فإنهم يصدرون حكما متأثرا بأجواء التعبئة السياسية والإعلامية الراهنة، التي اختزلت الإسلام في أداء بعض جماعات التطرف والإرهاب.

بمعنى أنه حكم يخص بعض المسلمين ولا شأن للإسلام به. وهذا القصور في النظر يضعف الموقف العربي ولا يخدمه،

فالغيورون والمخلصون حقا يحرصون على لملمة الصفوف وتوسيع دائرة الاحتشاد في مواجهة العدو، ولا يلقون بالا لمعايير الخصم والإقصاء، وأبسط مبادئ الاحتشاد تدعو إلى التركيز على وحدة الهدف مع القبول بتنوع المنطلقات الفكرية والسياسية. بحيث يصطف المشاركون استنادا إلى منطلقاتهم الوطنية جنبا إلى جنب مع أصحاب المنطلقات القومية أو الدينية أو الإنسانية،

 أما أن تطالب أي جماعة بالتنازل عن منطلقاتها، بعضها أو كلها، فذلك مما ينطبق عليه قول الجاحظ أنه سقم في العقل وسخف في الرأي، لا يتأتيان إلا بخذلان من الله سبحانه وتعالى.

 

الملاحظة الثانية لا تخلو من مفارقة، ذلك أن هذا الكلام يصدر في حين تتصدر القوى الإسلامية صفوف المجاهدين المناضلين في ساحة الصراع. وهي التي تدفع الثمن الأكبر في ساحة المواجهة.

ذلك ينسحب على حركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، وحزب الله في لبنان، ومقاومة الاحتلال الأمريكي في العراق.

هم المقاتلون والمحاصرون والشهداء والأسرى. صحيح أن هناك جماعات وطنية شريفة تقف إلى جوارهم في الساحة، لكن أحدا لا ينكر أن القوى الإسلامية تقف في الصف الأول كما أنها تتحمل العبء الأكبر وتدفع الثمن الأكبر.

ولا أعرف كيف يمكن لعاقل أن يطل على ساحة الصراع، ليدعو تلك القوى الإسلامية لأن تتنازل عن منطلقها الجهادي بدعوى عدم إثارة حساسيات الآخرين.

كما أنني لا أعرف كيف يمكن أن ندعو الشباب إلى الجهاد والموت في سبيل القضية، إذا لم نقل لهم إنهم حين يقدمون أرواحهم فداء لوطنهم ودفاعا عن قضيته العادلة، فإن ذلك يعد جهادا في سبيل الله، وبابا للفوز بجنته ورضاه.

 

المدهش في الأمر أن الذين يأنفون من ذكر المرجعية الدينية في الصراع، لا يقدمون بديلا ينهض بمسؤولية مواجهة العدو، في حين ينشغلون بتجريد القوى الإسلامية من أمضى أسلحتها وأكثرها فعالية. وبدلا من دعوتهم إلى توثيق العرى مع القوى النضالية والمنظمات الإنسانية الأخرى، فإنهم يسعون إلى تعميق الفجوة بين الطرفين، وإعطاء انطباع بأن خطاب القوى الإسلامية يقوض التصالح والتوافق، ويثير التناقض والتعارض.

 

إن خطاب مناهضة الاتكاء على الهوية الإسلامية يغيب تماما الحس التاريخي. ويتجاهل خبرة الإسلام في التعامل مع العالم طوال 14 قرنا، في حين حاكموه بما تنشره الصحف عن بعض جماعاته وما تروجه تقارير مباحث أمن الدولة.

ثم إنه يتسم بخفة نلحظها في الادعاء بأن خطاب الأسلمة لا يدرك الفرق بين اليهود والصهاينة، وأنه حين يتطرق إلى تحرير المقدسات فهو لا يعني إلا تحرير المساجد والأضرحة والزوايا، إلى غير ذلك من القرائن الدالة على أن الكاتبين خاضا في أمر يجهلان كنهه، وقدما مرافعة في قضية لم يدرسا ملفها جيدا، حيث قرآ عنها ولم يقرآ فيها.

===========================

قمرٌ على وجه الحياة 1-2: القابضات على الجمر

نوال السباعي

العرب القطرية

نقلاً عن موقع أمهات بلا حدود 11/6/2010

الى يمان وسيرين وسلام ، وهاجر وميسون وناديا ، ونفيسة وروان ، وبنان وزينب وسماح ، وصبا وليندا ، وبييا وفاطمة ، وبهيجة وأفنان وليلى ، وورنيم وسعدية ومريم ، وسارة وهدى وعليا ، وبتول وأندلس وسندس، ويسرى وحليمة ، وسلوى ورشا، ورحمة وشيماء ، وسعيدة وبشرى وليلى ولمياء ورولا، إلى كل فتاة ولدت أو جاء بها أبواها صغيرة إلى اسبانيا ، ساقتهن أقدارهن جميعا ليصبحن مواطنات أوربيات من أصول "عربية" ، في اسبانيا ، بريطانيا ، النمسة ، فرنسة ، الدانمارك ، في الأرض التي نزحت إليها أقوام من بني جلدتنا ترجو العدل والحرية والكرامة وبعض حقوق الانسان ، إلى كل فتاة من أصول عربية في أوربة محجبة أو غير محجبة ، - وحتى غير المسلمات منهن- ، عاشت في هذه البلاد قهرا ، ونمَت صبرا ، وعانت دهرا ، وهي تمسك بالجمرالمزدوج بين ظلم بعض شرائح المجتمع "الأوربي الديمقراطي" الغارق في الجهل والتعصب والاستكبار، وظلم ذوي القربى المتخبطين في الجهل والتخلف والظلمات، الى كل فتاة تقبض على الجمر يحرق كفيها الصغيرتين، ولايستطيع أن يمسّ منها عقيدة ولاهوية ولاشموخا ، يزلزل قدرتها على الصبر ولكنه لايستطيع أن يحرق قناعتها بغربتها وهويتها و"رسالتها" الخاصة التي تحملها ، رضََعتْها في المهد ولقنتها الحياة في الغربة أبجديتها الصعبة المريرة ولكنها لم تتخل عنها يوما ، على الرغم من الشقاق الصعب الذي تعانيه الفتاة الأوربية من أصول عربية في الحياة بين مجتمعين وحضارتين وانتمائين ، ولاتجد فيها ملجأ أو دعماً أو سنداً، في عصرالكساد والعار "العربي" الذي نعيشه كجاليات وكمنطقة وكأمة ، ثبتن على الرغم من المحن والزلازل ووعورة الطريق ، تعلمن فيم ماتعلمن في أوربة أن الإنسان خلق ليخطيء ويصيب ، وأنه " ليس العار في أن تسقط ولكن عاراً ان لاتستطيع النهوض" –"خواطر في زمن المحنة" - ، سقط البعض منهن على أطراف هذا الطريق لأنهن لم يستطعن الصمود ،أو لأنهن لم يجدن الصحبة الصالحة ولا الجماعة الصالحة التي تضمهن وتؤيهن، أو لأن الأهل لم يستطيعوا الدفاع عنهن ولاحمايتهن ولا القيام بالواجب، في مجتمع لم يفهم معظم الوافدين إليه من الجيل الأول مشكلات أبنائهم فيه ، أو لأن التعب أخذ من بعض هؤلاء كل مأخذ فقالوا لحظة يرتاحوا فيها فغفلوا عن المهمة وامتُحنوا وزلزلوا زلزالا عظيما، ونالوا قهراً وعذاباً وآلاماً كادت أن تبعد بهم ألف ميل عن المنزلِ !!، بين محنهم في مواجهة المجتمع الجديد الذي أتوه ، ومشكلاتهم ومعضلاتهم الأخلاقية الفردية والأسرية التي حملوها في حقائب سفرهم يوم أتوا أوربة ولم يتخلوا عنها ظناً منهم بانها من الدين ، ولم يغربلوها ويعملوا على مراجعة مافيها من خلط وخواء ، خشية أن يمسوا الثوابت ، فأصيبوا بشقاق وانفصام هدم البيوت وشرد الأولاد وشوه صورة العمل الدعوي والجماعي والمؤسساتي في أوربة ، وأتى على الجاليات المسلمة في الغرب بأشد مما تعانيه من موجات التعصب والكراهية والحقد من بعض فئات المجتمعات الغربية، لقد كانت معاولنا أشد فتكاً فينا من معاول الآخرين ، ولم نؤت في الغرب –كما في الشرق- إلا من عند أنفسنا!.

إلى بناتنا اللاتي رزقهن الله العافية فلم يُمتّحن بغير الغربة والكربة وهن شريحة كبيرة جدا ،وكفى بالغربة والكربة محنة!، وإلى بعض بناتنا في الغرب من اللاتي وقعن فريسة الجهل والخديعة- وبالضبط كما يحدث في المجتمعات العربية والاسلامية وبنفس الدرجة والنسبة والأسباب-، وانحرفن عن الطريق ذات يوم ثم عدن إلى الحياة بكل شجاعة وإيمان بالله ثم بأنفسهن وبالحياة ، وإلى أولئك اللاتي تقطعت بهن السبل وامتُحنّ أشد الامتحانات ، وإلى اللاتي ركبن مراكب الأمل في صحبة "زوج" ظنّنّ عندما ارتبطن به أنما وجدن رفيقا يعينهن على لأواء الطريق وتثبيت الهوية ، فكان بعض هؤلاء – وليس كلهم- كارثة على بعض فتياتنا دمّرت لديهن القدرة على الصبر في زمن لم يستطع فيه كثير من رجال العرب والمسلمين الارتقاء إلى مستوى اسلامهم وحضارتهم وعصرهم ، ومازالوا يتخبطون في منزلقات الجاهلية التي تحكم معظم تصرفات الناس في المنطقة العربية بعيدا عن روح الاسلام وأسسه الأخلاقية الحضارية ،كشرت الحياة لبعض بناتناعن أنيابها ، فترجّلن من تلك المراكب جريحات مكسورات القلوب !، لكن الحياة في أوربة – ولكي لانظلم الحياة في أوربة - منحتهن وأهلهن فرصة جديدة للوقوف على أقدامهن ورفع رؤوسهن ومحاولة الخروج من سراديب الخوف .

وأخريات –قلة قليلة نادرة- ضِعْنَ في زحمة الغربة والابتعاد فلا يعرف أحد عنهن شيئا ، ابتلعتهن الأغوال ، أغوال التضييع والجهل وحماقات المراهقة ، فلا يعرف أحد أين أصبحن وماذا عن أخبارهن ، كما لايعرف النوم طريقا إلى عيون الأهل المفجوعين بانفسهم وماجَنَت أيديهم، وماامتحنوا به من عند أنفسهم وهم لايعلمون.

وإلى ..لاورا وسيلفيا وكونسويلو وسوسانا وبي أتريث ولوردس وتوني ،اللاتي اعتنقن الاسلام بعدما أعياهن البحث والسير في طرق الحياة وهن مازلن يافعات حديثات سن ، فأقمن على القبض على الجمر كبناتنا المولودات في الغرب ، وكانت معاناتهن أشد ، اذ اجتمع عليهن أذى الأهل والأصحاب والجيران و" العرب المسلمين" والحياة !!، وعانين الغربة بعد الغربة !!، والشدة بعد الشدة ، بين فهمهن للحياة الذي قادهن إلى الاسلام وبين مااصطدموا به من فهم "المسلمين" اليوم للحياة والاسلام ، وأشد ذلك تلك الصورة النمطية التي زرعتها بعض وسائل الإعلام في تصورات الناس عن المسلمات في الغرب ، والتي شوهت وجودهن الإنساني في إطار صحراء غربة قاسية لاتكاد تجد يدا حانية تواسي وتساعد وتنتشل وتكرم وتقف موقفا مسؤولا أمام الضمير الأخلاقي العربي العام.

إلى كل فتياتنا في الغرب ممن صمدن وثبتن وكن مثالا رفيعا للنقاء والصفاء والطهر والعفاف ، وممن وقعن ذات يوم ولكن الله سلم فأعانهن على الوقوف من جديد بصبر وطهر ونقاء وصفاء واستئناف للمسيرة من جديد ، وإلى أولئك اللاتي سقطن بين أنياب الذئاب من عرب وعجم فاختفين خوفا وهلعا من مواجهة المجتمع أو الأهل أو أنفسهن ، إلى كل هؤلاء المنسيات المضيعات من قبل أمة لاتصحو إلا على قرع الطبول الجوفاء ولاتعرف معنى للمسامحة ولا العفو ولا التجاوز ولا المغفرة ، أقدم تحية احترام ووقفة إجلال لمن يعانين اليوم هذه الهجمة المسعورة من قبل قطاعات اليمين الأوربي "الديمقراطي" اليوم ، وهجمات وسائل الإعلام الأوربية التي أصابها الجنون وخرجت عن حدود اللياقة والأخلاق وهي توجه سهامها نحو هذه الفئة الصابرة المحنسبة من المسلمين في الغرب ، هذه الفئة التي تحمل الهوية في أسمائها ، على رؤسها ، في القلوب ، تُرضع الرسالة ، وتورث الهمّ والقضية للأجيال الآتية التي تخافها أوربة اليوم ، والتي تحاول اجتثاثها منذ الآن باختلاق فقاعات سخيفة كمنع بناء المآذن وحظر النقاب ، وصولا إلى ممارسات خطيرة مثل حرمان البنات المسلمات من المدرسة إذا هنّ التزمن "الحجاب".

أوجه تحية إجلال واحترام عطرة إلى هذه الأقمار التي توشحت بالحياة لتكون أقمارا على وجه الحياة ، في مثل هذه الأيام النحسات ، ومعظمهن لايكدن يجدن نصيرا واعياً يمكنه أن يوقف هذه الحملة المسعورة على بناتنا القابضات على الجمر في أوربة باسم الحقوق والحريات!.

=يتبع=

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ