ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 13/06/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


تركيا والمزاج العالميّ

السبت, 12 يونيو 2010

حازم صاغيّة

الحياة

يتشكّل مزاج عالميّ يمكن استقراؤه في الحدثين اللذين تتابعا خلال الأيّام القليلة الماضية: فمن جهة، شهدنا إجماعاً غير مسبوق ضدّ الجريمة الإسرائيليّة في عمق المياه الدوليّة. ومن جهة أخرى، شهدنا أيضاً إجماعاً بعيداً ضدّ إيران، عبّر عن نفسه في الرزمة الرابعة من عقوبات مجلس الأمن.

في الحالتين، كان هناك مَن عمل على الامتصاص والتخفيف، كما كان هناك من عمل على التضخيم والمبالغة.

فبالنسبة إلى إسرائيل، حاولت الإدارة الأميركيّة الالتفاف على الموضوع للحدّ من إزعاج حليفتها، بعد أن نزل بها إضعاف مفيد وإيجابيّ لدور واشنطن. وهذا فيما تكاثرت الأصوات العربيّة التي اعتبرت «أسطول الحريّة» بداية التاريخ، في مقابل الصوت الإسرائيليّ الذي صوّر الأمر عدواناً على الدولة العبريّة!. وبالنسبة إلى إيران، عملت روسيا والصين، من داخل الإجماع، على ضبط العقوبات وتنظيمها بحيث لا تطاول الطاقة النفطيّة، بينما ألحّ أحمدي نجاد على أن الأمر «لا يساوي قرشاً» ولا يستحقّ إلاّ «سلّة المهملات»، تماماً كما ألحّ الرسميّون الإسرائيليّون على أنّ العقوبات ينبغي أن تكون مجرّد «خطوة أولى».

بعيداً من هذا وذاك، يلوح كأنّ المزاج العالميّ ينحو إلى فرض تعديلات على الحصار الإسرائيليّ لغزّة، تنفتح معها أبواب محتملة للسياسة والديبلوماسيّة. وهذا، بالضبط، ما يزعم القادة الروس أنّهم طمحوا إليه من خلال العقوبات المدروسة على إيران.

وقصارى القول إنّ ثمّة إجماعاً على رفض السياستين الإسرائيليّة والإيرانيّة يكمّله الإجماع على رفض مبدأ الحصار المطلق. وفي الدائرة الوسطى هذه، وبعيداً من الديماغوجيا التي تملأ الأجواء حاليّاً، تقف تركيا: فهي الأتاتوركيّة – الإسلاميّة، والأطلسيّة – «العثمانيّة»، لا تستطيع إلاّ أن تكون هنا، أي في المحطّة السياسيّة التي تكفل تقويتها في أنظار العرب والمسلمين كما في أنظار الغربيّين، وفي الوقت ذاته توفّر لها تحسين شروطها للمنافسة مع كلّ من إسرائيل وإيران كطرفين إقليميّين منافسين.

وليس من دون دلالة أن يقارب وزير الدفاع الأميركيّ روبرت غيتس الموقف التركيّ من هذه الزاوية: ذاك أنّ أوروبا التي لم تقبل بعضويّة أنقرة في اتّحادها تتحمّل، في نظره، مسؤوليّة كبرى عن التحوّلات التركيّة الأخيرة. وأهميّة كلام كهذا، بغضّ النظر عن مدى صحّته، أنّه يعاود تدوير المسألة فينزع عنها الجذوة الإيديولوجيّة، شتماً أو تبريكاً، ويدخلها في الحسابات السياسيّة والديبلوماسيّة.

لكنْ، وبالمعنى نفسه وإن معكوساً، ليس من غير دلالة أن تباشر البيئة الإيرانيّة العريضة غمزها من قناة تركيا التي «تنسّق مع أوباما» و «لا تقيم فيها مكاتب لحركة حماس». وهذا فضلاً عن اليقظة الإسرائيليّة المتأخّرة على أحوال الحريّات وحقوق الإنسان في تركيا.

يُستنتج من ذلك أنّ أنقرة توّاقة، إنْ شعبويّاً على يد أردوغان أو عملاً باعتبارات الواقعيّة السياسيّة على يد أوغلو، لأن تنخرط في المزاج العالميّ المتشكّل، لا بل هي لا تملك إلاّ أن تنخرط.

وفي آخر المطاف سيكون مفيداً للعرب وللأتراك ولأمن المنطقة واستقرارها أن ينضاف الجهد التركيّ إلى الجهود الأوروبيّة والأميركيّة والعربيّة للحدّ من الغطرستين الإسرائيليّة والإيرانيّة الحائلتين دون السياسة.

ووجهة كهذه، في ما لو أتيح لها الإقلاع، لا بدّ أن تستنطق قوى ثلاثاً تناط بها أدوار أكبر: السلطة الفلسطينيّة التي التقى رئيسها، قبل أيّام قليلة، الرئيس أوباما، والمعارضة المدنيّة في إيران، ولو قرّرت إلغاء تحرّكها ليوم الغد، وحركة السلام الإسرائيليّة على رغم ضعفها الراهن.

أمّا الزوابع الكلاميّة، السلبيّ منها والإيجابيّ، التركيّ منها وغير التركيّ، فسبق، في هذا الجزء من العالم، أن شاهدنا كثيراً ممّا يماثلها.

والزوبعة، في آخر الأمر، غبار.

=====================

ثلاث دول لا دولة واحدة

السبت, 12 يونيو 2010

إلياس حرفوش

الحياة

لا يمكن أن يُشتمّ من حديث الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن «تآكل حل الدولتين» إلا شعوره بالمرارة حيال ما تعانيه القضية الفلسطينية في هذه المرحلة على يد إسرائيل بالدرجة الأولى، وعلى يد قسم من أبناء القضية أنفسهم من جانب آخر.

وإذا كان طبيعياً أن تفعل حكومة نتانياهو ما تفعله بهدف القضاء على فرصة قيام الدولة الفلسطينية، وهي الحكومة التي ينهض البرنامج الايديولوجي لعدد من أحزاب ائتلافها على اعتبار «يهودا والسامرة» جزءاً من «أرض إسرائيل»، فان من المستهجن أن تتحول الأرض الفلسطينية، المنقسمة بين الضفة وغزة، الى ساحة للصراع بين حركتي «فتح» و «حماس»، سوف ينتهي إذا استمر، الى تكريس انفصال دائم تتعزز معالمه يوماً بعد يوم في السياسة والاقتصاد والتعليم وسلوكيات المجتمع والأنماط الداخلية لإدارة شؤونه، وهو انفصال لا يقل خطره عن الخطر الذي شكّلته سيطرة الحركة الصهيونية على فلسطين.

يزيد من مخاطر هذا الانفصال ما حذّر منه مسؤولون في السلطة الفلسطينية من أضرار النهج الذي تسلكه حركة «حماس» في مقاربتها لمسألة فتح المعابر، لتسهيل حركة مرور الأشخاص والبضائع من القطاع وإليه. فبدل توظيف الفلسطينيين للضغوط التي تتعرض لها حكومة نتانياهو بعد عدوانها على «أسطول الحرية»، في سبيل استعادة وحدتهم وإنهاء الانقسام المعيب في ما بينهم، نجد أن الخلافات في شأن تنظيم فتح هذه المعابر تبدو أكثر حدة داخل الصف الفلسطيني مما هي بين إسرائيل والمجموعة الدولية، التي باتت مقتنعة بأهمية تخفيف الحصار المفروض على غزة. فبينما تدعو السلطة الفلسطينية الى فتح جميع المعابر وإعادة الترتيبات عند معبر رفح الى ما كانت عليه قبل سيطرة «حماس» على القطاع قبل ثلاث سنوات، تصر هذه الحركة على إشراكها في الترتيبات في رفح ولا تمانع في فتح الممر البحري الذي عرضته إسرائيل في اتجاه شاطئ غزة في ظل رقابة دولية، من غير الحديث عن المعابر الأخرى التي تشكل صلة الوصل بين جناحي الدولة الفلسطينية الموعودة. وهو ما يعني، لو تحقق، انقطاعاً كاملاً بين الضفة وغزة، إذ يؤمّن القطاع حاجاته عبر البحر والأراضي المصرية، وتنتفي الحاجة لأي اتصال داخلي بين الفلسطينيين، وتتكرس بالتالي هوية سياسية واقتصادية للقطاع مختلفة عن الضفة، وهو ما يعني على أرض الواقع «استقلالاً» غير معلن.

هكذا نكون عملياً أمام ثلاث دول بدل الدولة الواحدة التي يخشاها الرئيس الفلسطيني والتي لا توجد فرصة واقعية لقيامها على الأرض، والفضل لإسرائيل هذه المرة. فالقادة الإسرائيليون الأقل تهوراً من نتانياهو وليبرمان وشركائهما يدركون أن مشروع الدولة الواحدة، الذي يقتضي سيطرة إسرائيل الكاملة على أراضي وسكان المناطق الفلسطينية المحتلة، هو مدخل الى نظام «ابارتايد» معلن، تسيطر عبره الأقلية اليهودية على الأكثرية الفلسطينية. ويعرف هؤلاء الإسرائيليون انه إذا كان قد بات صعباً عليهم تسويق احتلالهم للأراضي الفلسطينية وإجراءات القمع التي ينفذها جيشهم في هذه المناطق، فسيكون أكثر صعوبة إعادة إحياء نظام فصل عنصري، حاربته الأسرة الدولية بنجاح في جنوب أفريقيا وانتصرت عليه.

من هنا إن ما هو أكثر خطورة من فكرة الدولة الواحدة سوف يكون استمرار الانقسام بين الفلسطينيين على حاله. والمؤسف أن المشاريع الخارجية التي تدعو الى إنهاء هذه الحالة الشاذة بين الفصيلين الفلسطينيين الكبيرين تبقى محسوبة على طرف من دون الآخر، ما يعني انعدام فرص نجاحها، وما يعني فوق ذلك أن المخرج الوحيد سوف يكون من خلال استعادة الوحدة على قاعدة المصلحة الوطنية وحدها. نقول هذا على رغم ادراكنا الكامل أن كلاماً من نوع «المصلحة الوطنية» بات يصنّف في إطار البلاغة الأدبية أكثر مما يعكس الحاجة الحقيقية للفلسطينيين.

=========================

معضلة الفقر وأسئلة الناس في سورية

زين الشامي

الرأي العام

12-6-2010

تكفي جلسة حوار لمدة دقائق قليلة مع أي شاب، أو خريج جامعي عاطل عن العمل، أو حتى موظف أو عامل، أو صاحب مهنة خاصة، حتى ندرك حجم الاحباط الذي يلقي بظلاله الثقيلة على الجميع جراء الأوضاع المعيشية المتردية وغلاء الأسعار، وبقية الهموم المتعلقة بتأمين القوت اليومي، أو الحصول على فرصة عمل.

أيضاً فإن جولة على الصحف السورية، والمواقع الالكترونية، تكشف لنا كم هي الأخبار الكثيرة التي تتعلق بالجرائم الجنائية، وحالات القتل والسرقة التي تمت لأسباب اقتصادية، أيضاً الفساد المستشري في جسد المؤسسات العامة، وفي مناحي حياتنا كافة، كذلك حجم الشباب الذين غادروا، أو الذين يقفون كل يوم على أبواب السفارات العربية والأجنبية بحثاً عن فرصة عمل، أو ربما فرصة حياة. إن كل ذلك يكشف أن بلدنا في حاجة لعملية إصلاح اقتصادي عاجلة.

بحسب تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي نشر في عام 2005 فإن ما نسبته نحو 11.4 في المئة من إجمالي عدد السكان البالغ 22 مليون نسمة يرزحون تحت خط الفقر، أي ان نحو 2.2 مليون شخص لا يمكنهم توفير احتياجاتهم الأساسية. ولنا أن نتخيل الأوضاع بعد خمسة أعوام من هذا التاريخ، حيث زاد عدد السكان، وزاد عدد الطالبين لفرص العمل، كما ازدادت تكاليف المعيشة وزادت أسعار غالبية السلع الأساسية بعد الأزمة المالية العالمية، ولا ننسى هنا مئات الآلاف من العمال الذين عادوا من لبنان بسبب الأزمة التي نشأت بين البلدين بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري.

حسب ذلك التقرير فإن 30 في المئة من السكان يعانون من الفقر، وهؤلاء الفقراء لا يستفيدون من النمو الاقتصادي للبلاد. كذلك بلغت نسبة التضخم، بحسب صندوق النقد الدولي، نحو 14 في المئة في عام 2009. ويقدر معدل البطالة بثمانية في المئة حسب الأرقام الرسمية، وحسب خبراء مستقلين باثنين وعشرين في المئة.

صحيح أن الانتقال إلى اقتصاد السوق له ثمن على المدى القصير، حيث بدأت منذ أعوام وببطء عملية الانتقال من الاقتصاد الاشتراكي إلى اقتصاد السوق، لكن المشكلة أن الفساد القائم، واستمرار العمل بالمنظومة الفكرية السياسية الحزبية والتشريعية «الاشتراكية» السابقة يعملان على تشويه عملية الانتقال تلك وهذا ما يدفع لخسائر مضاعفة، ومتضررين كثر من شرائح المجتمع السوري.

وكما أشرنا سابقاً فإن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية وانعكاساتها على كل الدول، رغم تبجح المسؤولين ونفيهم حصول تأثيرات تذكر، قد زاد من الأوضاع سوءا، كذلك لعبت الشروط المناخية والجفاف الذي يضرب مناطق كثيرة من سورية بين الفينة والأخرى، في مضاعفة الصعوبات، وزيادة نسبة من هم تحت خط الفقر منذ صدور تقرير التنمية عام 2005. فبسبب الجفاف المستفحل منذ 4 أعوام أو اكثر، تم رصد هجرة ريفية من المناطق الشمالية الشرقية «الحسكة والقامشلي» نحو العاصمة دمشق، والمدن الكبرى مثل حلب بشكل مكثف، ولنا أن نتخيل كيف أن مزارعاً مع جميع عائلته كان لوقت طويل يعيش حياة مستقرة ورغيدة معتمداً على أراضيه ومحصولاتها، بات اليوم وجميع أفراد أسرته على أطراف دمشق عاطلاً وينام تحت خيمة فيما أطفاله يشحذون على إشارات المرور في الطرق بعد أن تركوا بيوتهم ومدارسهم ودفء العائلة؟ هذه ليست قصة متخيلة، انها حقيقة.

كذلك يلعب نضوب الثروة النفطية وانخفاض عائدات النفط، رغم أنها قليلة في الأصل، في نقص إيرادات الخزينة وهو الأمر الذي عملت الحكومة على تعويضه للأسف من زيادة الضرائب والرسوم على السوريين، ووقف زيادات الأجور للموظفين في مؤسسات الدولة، الذين يقدرون مع أفراد الجيش بأكثر من مليوني شخص، وذلك بدلاً عن استدراك المشكلة مبكراً والعمل على توفير بدائل للمداخيل خارج جيوب ومحفظات المواطنين.

ان الأوضاع الاقتصادية المتردية تفرض على القيادة السياسية العمل بشكل حثيث اعطاء عملية الاصلاح الاقتصادي الأهمية التي تستحق، ولا نقول الاصلاح السياسي لأنها أعجز وأضعف من أن تقوم به. ان أهمية الدول اليوم، وحجم دورها الإقليمي، وكذلك تواجدها على الساحة الدولية وسمعة نظامها، تتوقف على أوضاع اقتصادها ومواطنيها، وعلى حجم النمو السنوي، وحجم دخل الفرد، وليس على التبجح السياسي الديماغوجي ومحاولة استغباء المواطنين وتجاهل ألمهم ومعاناتهم اليومية. ان الحكومات التي تحترم نفسها، هي الحكومات التي توفر الرخاء الاقتصادي لشعوبها، وشعبنا ملّ من الديماغوجيا والانتصارات الوهمية.

كاتب سوري

=====================

أي دور لتركيا بين العرب و"إسرائيل"؟

آخر تحديث:السبت ,12/06/2010

عصام نعمان

الخليج

لعبت تركيا مع العرب، خلال نصف قرن، ثلاثة أدوار . في خمسينات وستينات القرن الماضي، لعبت دور حليف الغرب ضد العرب . كانت عضواً رئيساً في حلف بغداد الممالىء ل “إسرائيل” والمعادي لحركة التحرر العربية بقيادة جمال عبد الناصر . في ظل حلف بغداد تواطأت بريطانيا وفرنسا و”إسرائيل” على مصر وقامت بغزوها العام 1956 انتقاماً منها لتأميمها مرفق قناة السويس، فلم تحرك تركيا ساكناً . بعد الحرب ولغاية انهيار الاتحاد السوفييتي، ظلت تركيا تدور في فلك الغرب الأطلسي وتقيم مع “إسرائيل” علاقات سياسية وعسكرية واقتصادية قوية .

 

بعد وصول الإسلاميين إلى السلطة بشخص نجم الدين أربكان ومن ثم رجب طيب أردوغان، انفتحت تركيا على العرب ولعبت دور الوسيط بين سوريا و”إسرائيل” في مفاوضات غير مباشرة .

 

إزاء ممانعة دول عدة انضمام تركيا إلى أوروبا، ضاعف أردوغان انفتاحه على العالم العربي والإسلامي، ونسج صلات مع فصائل المقاومة الفلسطينية، لاسيما مع حركة “حماس”، وعزز علاقاته السياسية والاقتصادية مع سوريا وارتقى بها إلى مستوى الشراكة الإقليمية، وشارك بفعالية في الترويج لشعار كسر الحصار على غزة، وساند حملة “أسطول الحرية لغزة” إلى حد الاصطدام مع “إسرائيل” سياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً .

 

اليوم تلعب تركيا، بقيادة أردوغان، دور نصير الفلسطينيين والعرب، لاسيما في ما يتعلق برفع الحصار عن غزة، بل هي شفعت هذا المطلب المحق بمطلب آخر هو ضرورة رفع الحصار عن حركة “حماس” . ألم يعلن أردوغان أخيراً في خطبته بمدينة قونية “أن رجال حماس ليسوا إرهابيين، وأن حماس يجب أن تعطى فرصة للممارسة الحكم الديمقراطي”؟

 

أكثر من ذلك، دخل أردوغان على خط مصالحة “فتح” و”حماس” بقوله إن “حماس” أعطته تفويضاً بذلك وأنه ينتظر أن تمنحه “فتح” تفويضاً مماثلاً .

 

هذه المواقف جميعاً توحي بأن رئيس وزراء تركيا، ماضٍ في نهجه السياسي الإقليمي الذي يصبّ في مصلحة أكثرية الشعب العربي ولكن ليس، بالضرورة، في مصلحة أكثرية الحكومات العربية . ذلك أن حكومات عدة تصنّف نفسها بأنها “معتدلة” ولا تجاري أنقرة في كل مواقفها وتتحفظ ضمناً عن بعضها بسبب تعارضها مع سياسة الولايات المتحدة في المنطقة .

 

مهما يكن من أمر، فإن نهج أردوغان يتطلب توضيحاً، وذلك لتمييز أطروحاته عن أطروحات تحمل العناوين ذاتها ويرفعها سواه . لنأخذ مطلب رفع الحصار مثلاً . إنه لا يعني إزالة العقبات التي تحول دون وصول مواد الغذاء والدواء والبناء إلى قطاع غزة فحسب، بل يعني أيضاً إلغاء قرار حجز شعب غزة في سجن كبير هو القطاع نفسه . إنه يعني تحرير شعب غزة من كل وإجراءات الاحتلال “الإسرائيلي” التعسفية المتمثلة بالحصار البري والبحري والجوي الذي يصادر حرية الناس في جميع الميادين وعلى جميع المستويات .

 

إن اتضاح موقف تركيا على هذا النحو يلقي على العرب عموماً وملتزمي خيار المقاومة خصوصاً مسؤولية سياسية، بل ميدانية أيضاً، بألاّ يكونوا أقل التزاماً بنصرة فلسطين والفلسطينيين من تركيا والأتراك . إن موقفاً متهاوناً في هذا المجال لا يسيء إلى قضية فلسطين وحقوق الفلسطينيين فحسب بل يضرّ تركيا (وأردوغان) أيضاً .

 

كيف يمكن أن نتصرف، لا سمح الله، على نحوٍ يسيء إلى قضيتنا وإلى تركيا؟

 

أن نتهاون في مسألة رفع الحصار، فنقبل بأن يقتصر فتح المعابر على نقل مواد الغذاء والدواء والبناء ولا نصرّ على وجوب فك الحصار عن كامل القطاع وتحرير شعب غزة من السجن الكبير الذي وضع فيه منذ ثلاث سنوات .

 

أن نتهاون في مسألة إجراء تحقيق دولي في جريمة اعتداء “إسرائيل” بتاريخ 31/5/2010 على “أسطول الحرية لغزة” في المياه الدولية، فنرضى بتحقيق تجريه “إسرائيل” وحدها .

 

لعل أفضل ما يجب أن ندعو إليه، مداورةً، كي تقوم تركيا (وغيرها من الدول) باعتماده مباشرةً هو تنظيم أساطيل من السفن يمتلىء كل منها بمئات المتضامنين مع شعب غزة، يكونون مستعدين للاصطدام والعراك مع جنود البحر “الإسرائيليين” إذا ما حاول هؤلاء منعهم من الوصول إلى ميناء غزة . المطلوب حصول مقاومة غير مسلحة ولكن فعّالة للجنود “الإسرائيليين” بغية حصول حدث بل أحداث تصنع أخباراً وتجتذب انتباه ملايين البشر تحت كل كوكب .

 

وحبذا لو تقوم تركيا بإرسال بعضٍ من قطع أسطولها لمواكبة الأساطيل المتجهة إلى ميناء غزة في المياه الدولية إلى أن تصل بها إلى المياه الإقليمية الفلسطينية، وأن تدعو الأمم المتحدة لتقوم، بشكل أو بآخر، بتفتيش السفن وحمولاتها قبل تفريغها لتتأكد من أنها لا تحمل أسلحة أو معدات عسكرية .

 

إن أحداً لن يلوم تركيا إذا ما نفذ أسطولها البحري هذه المواكبة للأساطيل المدنية المتجهة إلى ميناء غزة لأن المواكبة تتم في المياه الدولية وهي من قبيل “المرور البريء” الذي يجيزه القانون الدولي، مع العلم أن “إسرائيل” خرقت هذا القانون باعتراضها “أسطول الحرية لغزة” في المياه الدولية، فلا يمكنها تحت أية ذريعة ان تعترض قيام تركيا بممارسة حقها وفق أحكام القانون الدولي .

 

ولا خوف من نشوب صدام بين أسطولي تركيا و”إسرائيل” في أعالي البحار أو في المياه الإقليمية الفلسطينية لأن لتركيا الوزن السياسي والقدرة الردعية الكافية لإحباط أي تفكير “إسرائيلي” جنوني من هذا القبيل، ولأن أمريكا، أم “إسرائيل”، لن تسمح لابنتها المدللة بأن تزجها في ورطة كهذه، مهما استبد بها الدلال و . . . الجنون .

==================

تركيا إلى قلب الصراع العربي الإسرائيلي

بقلم :خالد السرجاني

البيان

12-6-2010

أدخلت أزمة قافلة الحرية تركيا إلى قلب الصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما يمكن اعتباره تحولاً نوعياً في الموقف التركي من هذا الصراع منذ بدايته وحتى الآن. فحتى في ظل تولي حزب العدالة والتنمية مقاليد السلطة، فقد كان يسعى لأن يلعب دور الوسيط بين حماس وإسرائيل تارة، وبين الأخيرة وسوريا تارة أخرى، وأحد شروط القيام بهذا الدور هو الحياد بين الطرفين.

 

وهو ما كانت تركيا تنفذه بصورة واضحة، وكانت تركيا في ظل حكم الحزب ذي الأصول الإسلامية ترى أن التعاون مع إسرائيل في العديد من المجالات وفي مقدمتها المجالات العسكرية يعطي لها الفرصة لكي تقوم بالدور المتمثل في التقريب في وجهات النظر بين العرب وإسرائيل.

 

ولكن جاءت تطورات أزمة قافلة الحرية وما تبعها من مواقف تركية تمثلت في التصريحات التي صدرت عن أركان الحكومة، وإلغاء التدريبات العسكرية المشتركة بين تركيا وإسرائيل، لتؤكد أن تحولاً نوعياً طرأ على الموقف التركي في ما يتعلق بمجمل الصراع العربي الإسرائيلي.

 

وإذا كان هناك مراقبون يرون أن هناك تردداً وارتباكاً في السياستين الإقليمية والخارجية لتركيا، وذلك لأن تركيا لا تدري ما إذا كانت دولة غربية في الشرق أم هي بلد مسلم بتطلعات أوروبية؟ وحسب وصف أحد كتاب جريدة التايمز البريطانية فهي دولة غير محبوبة في معظم أنحاء الاتحاد الأوروبي، وتتصرف بطريقة بهلوانية مع جيرانها فهي تدعو إلى القيم الغربية في الدول الإسلامية وتحرص على إقامة علاقة وثيقة مع إسرائيل.

 

ولكن الكاتب لا يدرك أمراً مهماً وهو أن تركيا ومن اجل تحقيق حلمها في أن تصبح عضواً في الاتحاد الاوروبي، قررت أن تقدم نفسها لأوروبا باعتبارها جسر التواصل بينها وبين العالم الاسلامي في وقلبه العالم العربي.

 

وأنها كانت تعتقد أن إسهامها في إنهاء الصراع العربي الاسرائيلي يمكن أن يكون الجائزة التي تقدمها لأوروبا من اجل الانضمام لها، ولكن الممارسات الإسرائيلية جاءت لتحبط هذا الهدف التركي، وهو ما يبرر الموقف التركي المتشدد من هذه الممارسات في أكثر من مناسبة خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

 

ولكن تطورات قافلة الحرية دفعت تركيا إلى موقف أكثر تقدماً وتشدداً في مواجهة إسرائيل، لأن الأخيرة لم تراع دفء العلاقات بينها وبين تركيا، ولا العلاقات التي تجمع نخب الدولتين، ولا التعاون المشترك بينهما في أكثر من مجال.

 

ولا انتماءهما معاً إلى المعسكر الغربي، حيث رأت تركيا ان إسرائيل باعتدائها على مواطنين أتراك وسفن ترفع العلم التركي وجهوا إهانة لتركيا بعيداً عن أي تداعيات أو تجليات أخرى للأزمة، ومن هنا أصبحت تركيا بين ليلة وضحاها من أشد المنتقدين لإسرائيل فالبرلمان التركي دعا حكومته لإعادة النظر في التعاون العسكري مع إسرائيل، بل وقامت بإلغاء مناوراتها العسكرية المشتركة واستدعت سفيرها، كما بثت وسائل الإعلام صوراً ومشاهد لا تتوقف للهجوم الإسرائيلي والجرحى الأتراك.

 

ولاحظت وسائل الإعلام الدولية أن السياسيين الأتراك لم يساعدوا على تهدئة الموقف، والدليل على ذلك تصريحات وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، الذي قال فيها «من حيث الأثر النفسي هذا الهجوم بالنسبة لتركيا يشبه هجمات الحادي عشر من سبتمبر ونحن نتوقع التضامن الكامل معنا». وأضاف «ليس هناك مجال للخيار بين تركيا وإسرائيل بل هو بين الحق والباطل وبين القانوني وغير القانوني».

 

كذلك فإن تركيا طرحت فك الحصار عن غزة كشرط لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، بما يؤكد أنها انخرطت في الصراع العربي الاسرائيلي، وأصبحت في قلبه بعدما كانت تتحرك من خارجه بهدف تهدئة الأوضاع بين الأطراف المتنازعة.

 

ومن الممكن في حال لم يتصرف الجانب الاسرائيلي بحكمة أن ينمو تحالف بين تركيا وبعض الدول العربية المعتدلة من أجل الضغط على اسرئيل في المحافل الدولية، وفي بعض الدول الغربية، ذلك أن الموقف التركي الذي برز في أحداث قافلة الحرية جعلها تقترب من معسكر الممانعة العربية.

 

ولكن هناك في هذا المعسكر من يتعامل معه الغرب على أنه دول مارقة، وهو ما يجعل استجابة الغرب لمطالبها أو رؤيتها أمراً مستبعداً، ولكن الثقل التركي في هذا الأمر يمكن أن يخلق تفاهماً بين الجانبين، وهو ما يزيد من ثقل المواقف العربية المتوافقة مع المواقف التركية ويحرج إسرائيل ويزيد من عزلتها الدولية.

 

لقد أصبحت تركيا طرفاً في الصراع العربي الاسرائيلي، وهذا الأمر يمكن التعامل معه باعتبار أنه كان هدفاً إسرائيلياً، حيث أرادت إسرائيل أن تحرق تركيا لدى الغرب حتى لا يتحقق الحلم التركي الخاص بالاتحاد الاوروبي، فتحقيق هذا الهدف كان سيعد خصماً من الدور الإسرائيلي، خاصة أن إسرائيل تسوق نفسها لدى الغرب باعتبارها وكيل الغرب في منطقة أصولية ومتخلفة، وما حدث مؤخراً يمكن أن يساعد إسرائيل على تحقيق هذا الهدف، لأن انخراط تركيا في الصراع العربي الاسرائيلي، سيعني أنها أصبحت طرفاً في مشكلات المنطقة بما يصعب عليها إمكانية القيام بالدور الذي تريد أن تقوم به، لأن أحد شروطه الضرورية هو الحياد.

كاتب مصري

================

أوباما بين الرغبة والقدرة

بقلم :حسين العودات

البيان

12-6-2010

قبل عام ألقى الرئيس الأميركي باراك أوباما خطابه (التاريخي) في جامعة القاهرة، بحضور ألفين وخمسمئة مدعو، توجه به إلى العالمين العربي والإسلامي، وافترض الجميع أميركيين وعرباً ومسلمين أن الخطاب يتضمن سياسة الرئيس وإدارته تجاه البلدان العربية والإسلامية، ولذلك أصغوا إليه بانتباه.

 

وتناولوه من جوانبه الإيجابية، وحملوه أحياناً ما لم يكن يحمل، خاصة أنه جاء بما احتواه وكأنه انقلاب على سياسة إدارة الرئيس بوش، وعندما استهله (بالسلام عليكم) هاج المدعوون في القاعة واستقبلوا تحيته بالتصفيق وقوفاً، ليس فقط لأن التعبير إسلامي.

 

ويشير إلى تودد الرئيس وعدم حذره أو خشيته من استعمال هكذا تعبير، بل لأن العبارة تعني أيضاً أنه رسول سلام تخلى عن شعارات الحرب الكريهة التي أطلقتها إدارة الرئيس بوش ومارستها في البلدان العربية والإسلامية طوال ثماني سنوات، واعتبرت الإسلام عدواً رئيساً للولايات المتحدة والغرب والحداثة والحضارة وغيرها، وكان خطاب الرئيس أوباما إيذاناً بطي مرحلة وبدء مرحلة جديدة من العلاقات بين العرب والمسلمين وبين الولايات المتحدة، خاصة عندما ضمن الرئيس خطابه مواقف مختلفة كلياً عن مواقف الإدارات السابقة، حيث نادى بالحوار (الحضارات والأديان).

 

واعتذر عن عداء هذه الإدارات للإسلام، وقال بحل الدولتين وأبدى أسفه وحسرته على الفلسطينيين وعيشهم البائس واستنكر الاستيطان، ونادى بحق شعوب المنطقة في تقرير مصيرها، وتمنى أن تقيم ديمقراطيتها وتطور حياة شعوبها، وشجب عدوان بلاده على بعض دول المنطقة، وأكد أن لا مطامع لدى إدارته لا في إقامة قواعد عسكرية ولا في غيرها.

 

وبالإجمال قدم وجهة نظر وسياسة ما عهدها العرب والمسلمون من الإدارات الأميركية السابقة، ولعل هذا هو الذي شجع السياسيين والمراقبين والصحافيين العرب على إطلاق صفة (تاريخي) على الخطاب، خاصة أنه جاء مكملاً لخطابه في أنقرة قبل شهرين من ذلك الوقت أمام أعضاء المجلس النيابي التركي واعُتبر خطاب القاهرة وخطاب أنقرة يشكلان معاً ملامح سياسة أميركية متكاملة تجاه القضايا العربية والإسلامية وعلى رأسها الصراع العربي الإسرائيلي.

 

لم يستطع الرئيس تنفيذ ما جاء في خطابه، رغم المحاولات التي بذلها (وعلى الغالب مخلصاً)، فلم ينجح في إيقاف الاستيطان لا أيقافاً دائماً ولا مؤقتاً، أو في دفع المفاوضات خطوة إلى الأمام، أو إيقاف العدوان الإسرائيلي اليومي على الفلسطينيين، ولا في بناء الثقة بين العرب والمسلمين وبين إدارته، وبناء حوار جديد بين الحضارات أو بين الأديان، ولا في تخفيف الاتهامات التي تطاول العرب والمسلمين وتضعهم في صف الإرهاب والإرهابيين.

 

ولم تساعد إدارته في تخفيف تواجدها العسكري في المنطقة العربية، أو تعزف عن نهب ثروات بلدانها، وفي الواقع لم تتغير سياسة الولايات المتحدة ولم تختلف سياسة إدارة أوباما عن إدارة الرئيس بوش إلا بأنها (تذبح بريش النعام) بينما كانت إدارة بوش تصرح بعدائها في كل مناسبة، وتستعمل العصا الغليظة بدون جزرة، ولا تخفي كرهها للعرب والمسلمين وعداءها لهم، وتفتخر بهذا العداء وذاك الكره.

 

يفرض تساؤل نفسه في هذا المجال وهو: هل الرئيس أوباما راغب بهذه السياسة وموافق عليها، وبالتالي هل كان يخدع العرب والمسلمين عندما ضمن خطابه في جامعة القاهرة ما يرضي ويسر، أم أنه لم يكن يدرك أن رغباته ليست أوامر ومهما كانت آراؤه سديدة فهي ليست دائماً قابلة للتنفيذ، وأن مراكز القوى في بلاده هي التي تصنع القرار وليس الرئيس.

 

وفي ضوء هذا ذهبت رغباته أدراج الرياح، وتبخرت أمانيه في أن يكون فعالاً في تطبيق رؤيته تجاه القضايا العربية والإسلامية؟ ويبدو لي أنه كانت لدى الرئيس كل الرغبة ولكن لم تكن لديه القدرة.

 

أخطأنا- وربما أخطأ الرئيس أوباما أيضاً عندما اعتقدنا أن رئيس الولايات المتحدة كمعظم رؤساء بلدان العالم النامي يأمر فيطاع، وهو صاحب القرار وصانعه ولا يرد له طلب، بينما واقع الحال يشير إلى أن القرار في الولايات المتحدة هو نتيجة توازن عدة قوى أو حوارها أو صراعها أحياناً، وجميعها خارج قبضة الرئيس، فالاحتكارات النفطية لها دور في اتخاذ القرار، وكذا احتكارات صناعة السلاح (المجمع الصناعي العسكري).

 

والاحتكارات الأخرى، فضلاً عن الكونغرس، والمؤسسة العسكرية والأمنية، وقوى الضغط الاجتماعية (اللوبي اليهودي مثلاً) ومؤسسات الدولة المختلفة(كوزارة الدفاع، ووزارة الخارجية وغيرهما) ويكون القرار عادة نتيجة تسوية بين هذه القوى، أو خلاصة صراع هذه القوى، وما الرئيس في الواقع سوى قوة من هذه القوى لا أكثر ولا أقل، ومن يعتقد أنه صاحب القول الفصل في اتخاذ القرارات الأساسية، أو في رسم السياسة الخارجية إنما ابتعد عن الصواب.

 

يرى البعض - على العكس من ذلك - أن الحسم في النهاية يعود للرئيس، ويستشهد بإجبار الرئيس أيزنهاور عام 1956 حكومة بن غوريون على الانسحاب من سيناء، لكن جميع الدراسات التي تناولت ذاك القرار تؤكد أنه لم يكن قرار الرئيس أيزنهاور.

 

وإنما قرار الاحتكارات وخاصة (النفطية والصناعات العسكرية) التي كانت تطمع في نفط الشرق الأوسط وفي بيع منتجاتها الصناعية من الأسلحة للبلدان العربية التي لم يكن النفوذ الأميركي قد هيمن عليها بعد، فضلاً عن ملأ (الفراغ) الذي سيتركه البريطانيون والفرنسيون (الاستعمار القديم) بعد الانسحاب من المنطقة، فكان لا بد للسياسة الأميركية أن تتودد للعرب ولذلك اتخذ الرئيس أيزنهاور قراره.

 

وأخيراً هل يعني هذا أن لا أهمية للرئيس باتخاذ القرار؟ بالتأكيد ليس الأمر كذلك، فالرئيس قوة من هذه القوى وقد تكون القوة المميزة، ورغم أن النظام السياسي الأميركي نظام رئاسي وديمقراطي، ينتخب المواطنون الأفراد رئيسه، إلا أن مراكز القوى هي التي تحكم البلاد.

كاتب سوري

================

ثمن العقوبات

سميح صعب

النهار

12-6-2010

بعيد تبنّي مجلس الامن العقوبات الجديدة على ايران، سارعت القوى الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة الى الاعلان ان هذه الخطوة لا تعني إقفال باب الحوار مع طهران، وكأنها توحي بذلك ان العقوبات هي مجرد أداة للضغط على النظام الايراني لحمله على الجلوس الى طاولة المفاوضات. لكن ما لا يستطيع الغرب التنصل منه هو ان قرار العقوبات مثّل تصعيداً في المواجهة مع ايران التي سعت في ربع الساعة الاخير الى تفادي العقوبات عبر التوقيع على اعلان طهران لتبادل الوقود النووي بوساطة تركية وبرازيلية.

وأتت العقوبات لتزيد التصعيد الاقليمي المتأجج أصلاً بمضاعفات الهجوم الاسرائيلي الدامي على "اسطول الحرية" الذي كان متجهاً الى غزة، وبما أفرزه من تحول في الموقف التركي جعل واشنطن تبدي قلقاً حياله وتدقق في اسبابه، فضلاً عن انسداد الافق في عملية سلام متعثرة لم تنجح المفاوضات غير المباشرة التي تتوسط فيها اميركا، في اعادتها الى الحياة بسبب تمسك الحكومة الاسرائيلية اليمينية المتشددة بالاستيطان وبالاحتلال والحصار.

واذا كانت واشنطن تتوخى من العقوبات دفع ايران الى القبول بالحوار، فإن ما يخشى هو ان تؤدي الى نتائج عكسية، لا سيما ان طهران لا تزال تمسك بالكثير من الاوراق الرابحة في يدها من فلسطين الى لبنان والعراق وافغانستان. وواشنطن هي في حاجة الى تعاون ايران من اجل تطبيع الاوضاع اقليمياً، في حين ان اتساع رقعة الخلاف معها ستؤدي الى حرب باردة في المنطقة.

وايران تحاول اليوم من خلال علاقاتها الجيدة مع تركيا ان ترسم خريطة تحالفات جديدة في المنطقة لا سيما بعدما تأكدت واشنطن ان تدخلها العسكري في العراق كان تجربة فاشلة، فيما يبدو ان الوضع في افغانستان يتجه الى عراق آخر وربما أسوأ على رغم الزيادة في عديد القوات الاميركية والاطلسية التي ينتج منها تزايد في الخسائر البشرية وفق قائد القوات الاميركية في افغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال الذي قال ان الخسائر تضاعفت ثلاث مرات في الاشهر الاخيرة.

وهذا ما يقود الى الاستنتاج أن واشنطن المتعبة في العراق وافغانستان تخوض المواجهة مع ايران بالاختباء خلف مجلس الامن. عدا عن ان ثلاث دفعات من العقوبات أخفقت في اقناع ايران بالتخلي عن برنامجها النووي. وقد يكون رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين محقاً في استنتاجه ان العقوبات لم تمنع كوريا الشمالية مثلاً من تطوير برنامجها النووي ومن اجراء تجربتين نوويتين، وتالياً فإن العقوبات الجديدة على ايران لن تؤدي الغرض المتوخى منها.

أما اذا كان الرئيس الاميركي باراك اوباما يريد توظيف العقوبات كانتصار له في السياسة الخارجية على ابواب انتخابات منتصف الولاية، ووسيلة لاصلاح العلاقات مع اسرائيل التي مرت بمرحلة توتر بسبب دعوة واشنطن الدولة العبرية الى وقف الاستيطان، فإن من المشكوك فيه ان يكون أدى غرضه لأن في اسرائيل قراراً استراتيجياً بعدم إقامة دولة فلسطينية. كما انه من المشكوك فيه ان تقتنع اسرائيل بأن العقوبات وحدها كافية لعرقلة البرنامج النووي الايراني.

وعليه، فان العقوبات لا تمثل سوى حلقة من حلقات الخلاف الاميركي – الايراني المستمر منذ اكثر من 30 عاماً. وبعدما كانت تلوح في الافق احتمالات تحقيق اختراق نحو تطبيع العلاقات في ظل رئاسة اوباما، تبدو الامور اليوم اكثر تعقيداً مع العودة الاميركية الى ممارسة المزيد من الضغط على ايران، الامر الذي يقفل الباب على أي انفراج قريب، ويفاقم التأزم الموجود أصلاً، ويشرّع المنطقة على كل المخاطر.

================

أستانة عبدالمجيد في اسطنبول أردوغان! [1]

علي حماده

اسطنبول

النهار

12-6-2010

بداية حكاية: عام 1856، وفيما كانت حرب القرم مندلعة بين روسيا القيصرية من جهة وتركيا والى جانبها تحالف فرنسي – بريطاني من جهة اخرى، نادت الامبراطورية العثمانية الى الجهاد لصد القوات الروسية التي كانت تتطلع الى احتلال ارجاء واسعة من شرق الاناضول، يومذاك لبى النداء اعيان كثر من انحاء الامبراطورية، بينهم احد الاعيان الدروز في الشوف الذي جمع بضع مئات من المقاتلين الدروز وسلّحهم على نفقته، ثم توجه على رأس القوة من جبال لبنان الى مدينة قارص في اقاصي شرق الاناضول والتي تقع اليوم في الاراضي التركية، وهي تلامس حدود جمهورية ارمينيا التي نشأت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. شاركت القوة الدرزية في معركة الدفاع عن مدينة قارص، ثم عن قلعتها، باعتبارها بوابة الامبراطورية الشرقية الاساسية، واستماتت حامية قارص العثمانية المتنوعة في دفاعها اشهراً عدة، وواجهت حصارا خانقا عزلها عن بقية ارجاء الامبراطورية، ولم يفلح الروس في احتلال القلعة التي عانت العطش والجوع وصمدت. ولم ينل من الحامية سوى داء الطاعون الذي فتك بمعظم افرادها فاستسلمت بعدما فاوضت على اخلاء جميع افرادها الاحياء وبينهم الجرحى. وعادت الى العاصمة الأستانة (اسطنبول) فدخلتها في عرض عسكري مهيب، وقابلت السلطان عبد المجيد الذي قلد قادتها وافرادها نياشين. وكان قائد القوة الدرزية ورجاله بينهم. معظمهم عاد الى الجبل، اما قائدهم وقد جرح في قارص، فأكمل رحلة الدفاع عن الامبراطورية العثمانية في موقعات اخرى الى ان انتهت حرب القرم بهزيمة روسيا القيصرية، فعاد الى جبله ومعه زوجة (خانم) كانت ارملة احد اعيان مدينة قارص الذين سقطوا في تلك الحرب... وما زال احفاد القائد الدرزي يرفعون في دورهم الى يومنا هذا صورا ولوحات لجدهم المكلل بالنياشين العثمانية والفرنسية والبريطانية العائدة الى تلك الحقبة...

لماذا هذه الحكاية؟ الحقيقة اني تذكرتها وانا استمع الى وزير خارجية تركيا احمد داود اوغلو يتحدث اول من امس في افتتاح اعمال "الملتقى الاقتصادي التركي – العربي الخامس" الذي انعقد على ضفاف البوسفور في اسطنبول وينظمه زملاؤنا في مجموعة "الاقتصاد والاعمال" بنجاح مطّرد. تحدث داود اوغلو، منظِّر السياسة الخارجية التركية، عن حدود تركيا الديبلوماسية والاقتصادية، وبمعنى آخر رسم في كلمته خريطة الطموحات التركية المبنية على الديبلوماسية وسياسة "صفر ازمات"، فقال: "اننا نطمح الى ان ينطلق مواطنونا بلا عراقيل من قارص في الشرق الى موريتانيا والمغرب على المحيط الاطلسي"، واشار الى ان تركيا ستتعامل مع كل المشاكل والازمات التي تنشأ في المنطقة على اعتبار ان تركيا اليوم تنظر الى هذا المدى الجغرافي على انه "مجال استراتيجي واحد"... اتى هذا الكلام في حضور وزراء خارجية 17 دولة عربية شاركوا على هامش الملتقى في الاجتماع التشاوري لوزراء خارجية تركيا والدول العربية الذي عقد هنا ايضا، وقد أشار في هذه المرحلة الحبلى بالاحداث والتحولات السياسية العميقة التي شهدتها المنطقة في السنوات الخمس الاخيرة، واهمها على الاطلاق التحول في مسار تركيا التي خرجت من عزلة عن المنطقة في بعدها العربي، الى وضعية الشريك الرئيسي والمتدخل في شؤونها، كبيرها وصغيرها. وقد اتمت ازمة "اسطول الحرية" استدارة تركيا الاستراتيجية في المنطقة لتحصد مكانة "بريستيج" في العالم العربي بحيث لم يعد نادرا ان يسمع المراقب هنا كلاماً عربياً عن عودة الامبراطورية العثمانية.

بطبيعة الحال، كان للاعلان عن تأسيس مجلس تعاون استراتيجي رباعي يضم تركيا ودول المشرق العربي سوريا الاردن ولبنان، وقْعٌ كبير، حيث ان دخول العنصر التركي في العلاقات القائمة بين الدول العربية الثلاث المشار اليها يوسع آفاق علاقاتها الاصلية، ويزيل الكثير من التحسس التاريخي المتبادل بينها. ودخول العنصر التركي ليس مسألة صغيرة لا سيما لجهة الحجم الديموغرافي، والاقتصادي، والعسكري الاستراتيجي، والديبلوماسي بعدما صارت شريكا مع "عملاق اميركا اللاتينية" البرازيل في اتفاق طهران لتبادل الوقود النووي الايراني. وتتعاظم اهمية الدور التركي حتى بعد اغراق الاتفاق الثلاثي في قرار العقوبات المتشدد على ايران الذي جرى التصويت عليه في مجلس الامن قبل ايام.

تركيا تتحدث اليوم عن هدف التكامل الاقتصادي مع العالم العربي خلال 15 سنة. وتتحدث في الجغرافيا بلسان وزير خارجيتها بلغة "نيو – عثمانية"... كل هذا في زمن تتعرض فيه "الامبراطورية" الاقليمية الاخرى، ايران، لحصار دولي يتعاظم أكثر فأكثر. والحال ان تركيا تقدم النموذج الاقتصادي والسياسي - الدبلوماسي ممزوجين باللعب على المشاعر الدينية التي تجمعها بالغالبية السنية في العالم العربي، وهي اكتشفت من المسار الايراني كم هو مربح القفز على الصراع العربي – الاسرائيلي في بعده الفلسطيني الذي يمثل العنوان الجامع لمشاعر الاحباط العربي والاسلامي. ولكنها خلافا للمسار الايراني الذي قام على اختراق المجتمعات العربية بشكل عنيف وفتنوي، وأسّس لقيام "شرعيات" موازية للشرعيات الرسمية مهمتها مقاتلتها وتجويفها من الداخل، تقوم بتقديم صورة القوة الاقليمية الايجابية التي تنتهج اسلوبا ومسارات مستوحاة من التجربة الاوروبية.

ماذا يعني قول رجب طيب اردوغان: قبل 1922 كانت المنطقة واحدة؟ وما هي رمزية العودة الى الجغرافيا والثقافة والحضارة المشتركة بين تركيا والعرب؟

================

الحصار فشل .. و"حماس" انتصرت

("هآرتس" افتتاحية 10/6/2010)

المستقبل - السبت 12 حزيران 2010

العدد 3679 - رأي و فكر - صفحة 19

اسطول المساعدة التركي الى غزة حقق هدفه، حتى لو كان بثمن دموي تمثل في سقوط تسعة قتلى وعشرات الجرحى. بعد اسبوع على اعتراض الجيش الاسرائيلي للسفن، انهار الاغلاق التام الذي فرض على غزة، وتلقت اسرائيل موجة من التنديد الدولي وهي تقف امام دعاوى للتحقيق.

لقد انهار الحصار مع إعلان مصر قبل يومين، أن معبر رفح سيبقى مفتوحا من الان فصاعدا وباستمرار. الحركة ليست حرة، ولكن حظر الخروج الجارف الذي فرضته اسرائيل ومصر في السنوات الاخيرة على 1,5 مليون فلسطيني في غزة وصل إلى نهايته. وكما في السوق التجارية، في اللحظة التي فقدت فيها اسرائيل الاحتكار على بوابات الدخول الى القطاع، عملت المنافسة في صالح المستهلكين. عميرة هاس (مراسلة الشؤون الفلسطينيية في هآرتس) ذكرت اليوم في "هآرتس" بان قائمة المنتجات التي تسمح اسرائيل بدخولها الى القطاع اتسعت، ومن الان فصاعدا سيتمتع سكانه ايضا بتوايل الكوزبرة التي كانت محظورة عليهم. كان يكفي دخول بديل من مصر كي يتسع الدخول من اسرائيل الى غزة ايضا.

الحصار الاسرائيلي على غزة ومترتباته البضائع المحظورة، الادعاءات الكاذبة بانه لا توجد أزمة انسانية شكلت عقابا جماعيا لسكان فقراء ومقموعين، وتركت وصمة اخلاقية على الديمقراطية الاسرائيلية. الحصار لم يحقق أهدافه الموعودة: حكومة حماس لم تسقط، والسكان لم يتمردوا عليها، وجلعاد شليت لا يزال قيد الاسر.

ولكن حتى لو كان مناسبا رفع الحصار، فان الشكل الذي حصل فيه هذا الأمر (اي رفع الحصار) يعبر عن عدم حكمة وعن خلل في رجاحة العقل لدى رئيس لحكومة بنيامين نتنياهو وايهود باراك. فبدلا من ان تعمل اسرائيل بنفسها على رفع الحصار، وحصره بالاحباط المبرر لتهريب السلاح، حاولت الابقاء على اغلاق تام- وعندها فقدته بسبب العملية الفاشلة. نتنياهو، في محاولته لان يُظهر لكل العالم بانه "قوي"، مُني بهزيمة سياسية من قبل حماس ومؤيديها الاتراك.

لم يتأخر الوقت بعد لتقليص الاضرار. على الحكومة ان ترفع ما تبقى من الحصار وان تبلور نظام رقابة وفرض، بتعاون دولي، على الحركة البحرية الى القطاع، لمنع دخول الصواريخ وغيرها من السلاح تحت غطاء البعثات الانسانية. الوضع الذي سبق الاسطول انتهى، وكل محاولة لاعادته الى سابق عهده سيلحق باسرائيل ضررا اضافيا.

================

يوميات الكاتب السويدي مانكل في «السفينة إلى غزة»

ترجمة: زهراء مرتضى

عن جريدة «ليبراسيون»

الثلاثاء 25 أيار نيس

السفير

12-6-2010

إنّها الخامسة صباحاً. أنا أنتظر في الطريق سيّارة الأجرة التي ستقلّني الى المطار. يبدو أن «سفينة الى غزّة» صارت جاهزة للإقلاع، وها أنا أتوجّه الى قبرص، كما كان مقرراً، لأنضمّ الى القافلة. إنّ هدف كلّ رحلة منقوشٌ في نقطة انطلاقتها، هكذا فكّرت وأنا انتظر سيّارة الأجرة. هدف عمليّة «سفينة الى غزّة» واضحٌ وصريح: كسر الحصار غير الشرعي الذي تفرضه إسرائيل على غزّة. منذ الحرب قبل أكثر من سنة، تزداد الحياة اختناقاً على الفلسطينيّين الذين يعيشون هناك. لكنّ هدف الرحلة أكثر وضوحاً وصراحةً أيضاً. أفكّر: إنّ الفعل يؤكّد القول. من السهل أن نقول بأنّنا ندعم، أو ندافع أو نحارب هذا الشيء أو ذاك. ولكنّنا لا نثبث ذلك إلا بالفعل. إنّ الفلسطينيّين، الذين ترغمهم إسرائيل على العيش ضمن هذه الظروف التعيسة، يجب أن يعرفوا أنهم ليسوا وحدهم وأنّنا لا ننساهم. على باقي العالم أن يتذكّر وجودهم. سنستغلّ فرصة التذكير تلك لنحمل إليهم بعض المواد الضروريّة: أدوية، مواد لتحلية المياه، إسمنت.

هنا، في سيّارة الأجرة هذه، أتذكّر أنّي كتبت أولى ملاحظاتي. لا أتذكّر الكلمات الفعلية التي دوّنتها لكن محتواها. استغربت حينها كوني لم أقدّر جيداً حتى الآن الرهان الذي نقوم به: هذا المشروع يثير كره الإسرائليين لحدٍّ قد يستعينون به بالقوّة لإيقاف أسطول السفن.

لكنّ هذه الفكرة غادرتني حتى قبل الوصول الى المطار. في ما يخصّ هذه النقطة بالذات، كان هدف الرحلة واضحاً وصريحاً أيضاً: لن نلجأ الى العنف، ولن نملك أسلحة، ولن نعرب عن رغبة في المواجهة. إذا ما مُنعنا من التقدّم، يجب أن تحلّ المسألة من دون أن تتعرّض حياة المشاركين للخطر.

الأربعاء 26 أيار نيقوسيا

الحرارة أكثر ارتفاعاً مما كانت عليه في نيس. الأشخاص الذين سينضمّون إلينا على السفينة يجتمعون في فندق Centrum في نيقوسيا... سنقوم بكسر حصارٍ غير شرعي. تتردّد هذه الكلمات بلغاتٍ عدّة. لكن فجأة، تتضاعف الشكوك. تأخّرت السفن، طرأت بعض المشاكل، لا نعرف بعد في أيّ مكانٍ ستجتمع السفن الستّة. قبرص ترفض أن تستقبل سفننا. لا بدّ من أن إسرائيل مارست عليها بعض الضغوط (...)

الخميس 27 أيار

ما زلنا ننتظر. الحرارة خانقة

الجمعة 28 أيّار

أتساءل إن كان الأمر سينتهي هكذا. إن كنت سأضطرّ لمغادرة هذه الجزيرة من دون أن أستقلّ أيّ سفينة. يبدو أن هناك نقصاً بالأماكن على متن السفن، وأنّ هناك لوائح انتظار للمشاركة في هذه الرحلة التضامنيّة. النائب اللّطيف ك. وزوجته الطبيبة س.، السويديان اللذان يشاركانني هذه الرحلة ساهما في الحفاظ على الروح المرحة. السفر بالسفينة عمل مضنٍ دوماً، أقول في سرّي. نكمل في تنفيذ مهمّتنا. ننتظر.

السبت 29 أيّار

كلّ شيءٍ سار بسرعة فجأةً. سوف نصعد بالرغم من أنّ كلمة ربّما ما زالت تحوم في الأجواء على متن مركبٍ سريع حتى ننضمّ الى السفن الخمس الأخرى في عرض البحر ونبحر معاً الى غزّة. ننتظر. قبل الساعة الخامسة بقليل، تأذن لنا سلطات المرفأ بالصعود على متن سفينة تدعى Challenger ستقودنا الى نقطة الالتقاء حيث سنستقلّ سفينة Sophia (...) عند الساعة الخامسة بالضبط، دارت محركّات الديزل بصوتٍ هادر. ها قد انطلقنا.

الساعة الحادية عشرة ليلاً

استلقيت على كرسي على الجسر الخلفي للسفينة. الهواء ليس قوياّ جداً، لكنه قويٌّ بما يكفي ليصاب بعض الركاب بدوار البحر. ملتفاً بغطاء، رحت أراقب القمر يرسم طريقاً على الماء وهو يزيّن الأمواج، وأفكّر في أن التضامن قد يأخذ فعلاً أيّ شكلٍ كان. لا نتكلّم كثيراً في ما بيننا على السفينة بسبب صوت المحركات. معظم الأشخاص يحاولون النوم، او الإستلقاء على الأقل. أقول في سرّي أن الرحلة حتى الآن تبدو هادئة بشكلٍ لافت. لكنّه هدوءٌ خائن.

الأحد 30 أيّار جنوب شرق نيقوسيا بحراً الساعة الواحدة ليلاً

أضواء باهرة. كابتن السفينة الذي لم أستطع حفظ اسمه حتى الآن أبطأ السرعة. الأضواء التي تلمع أمامننا هي لسفينتين من الأسطول. سوف نتوقّف عن السير الآن بانتظار الصباح، حتى نتمكّن من الانتقال الى السفن الأخرى. حتى الآن لم أجد بعد مكاناً أستطيع الاستلقاء فيه لأنام. أكاد أغفو وأنا جالس على كرسيّي المبتل. التضامن يبدأ بالرطوبة، بالانتظار، هكذا نساهم في أن يحظى آخرون بسقفٍ يحميهم.

الساعة الثامنة صباحاً

البحر أصبح أكثر هدوءاً. نتوجّه نحو أكبر سفينةٍ في الموكب. سفينةٌ لنقل المراكب على متنها أكثر من مئة شخص. تحدّثنا كثيراً عن أنّ الإسرائيليّين سيركّزون نشاطهم على هذه السفينة بالذات. لكن أي نشاط؟ إنّه السؤال الذي نجترّه منذ أن انطلق المشروع. هل ستقوم البحريّة الإسرائيليّة بإغراق السفن؟ أم ستصدّها بالقوّة؟ أم أنّها، وهو الحلّ الأنسب، ستسمح للسفن بالمرور وتكسب بذلك من جديد سمعتها التي تتشوّه أكثر وأكثر في نظر العالم؟ لا نعرف. لكنّ أكثر الأمور احتمالاً هو أن تأمرنا بعودة أدراجنا ما ان نقترب من مياهها الإقليميّة، مستخدمةً مكبّرات الصوت على متن مراكبها البحريّة. إذا ما رفضنا حينها، فقد تقوم بهدم مراوح أو دفف السفن ثمّ تجرّنا الى مرفأ ما حتى نصلح أعطالنا.

(...)

الساعة السادسة مساءً

كلمة «انتظار» لم تعد ضمن قاموسنا. ها نحن نقترب الآن. لكن مم؟ لا أحد يعرف ما سيفعله الإسرائيليّون. لا نعرف سوى تهديداتهم بأنّ الأسطول سيصدّ بكلّ الطرائق. لكن ما الذي يعنيه ذلك؟ مناورات سريّة؟ سحب السفن بالقوّة؟ إنزال جنود من طائرات الهيليكوبتر؟ لا نعرف. لكن العنف، إذا ما استعمل، فلن يكون من نتاجنا. لن نقوم بالرد بما يتعدّى دفاعنا الشرعي عن أنفسنا. لكن في الوقت ذاته، بإمكاننا ان نصعّب المهمة على الذين قد يهاجموننا. لذا نقرّر أن ننشر أسلاكاً شائكة على أطراف السفينة. نعتاد على ارتداء بذلة الإنقاذ. ننظّم دورات حراسة ونتّفق على المكان الذي سنجتمع فيه إذا ما صعد الجنود على متن السفينة. (...)

الاثنين 31 أيّار الساعة الثانية عشرة ليلاً

أتولّى أمر المراقبة ما بين منتصف اللّيل والساعة الثالثة. تمرّ الساعات بسرعة. أتنبّه للتعب الذي أنا فيه عندما يأتي شخص آخر لأخذ مكاني في المراقبة. لا نزال بعيدين عن المياه الإقليميّة التي قد تظنّ إسرائيل أنّ من حقّها حمايتها. سيكون بمقدوري أن أنام بضع ساعات. (...)

الساعة الرابعة والنصف

كنت قد غفوت لتوّي عندما استيقظت مجدّداً. ذهبت الى سطح السفينة ووجدتها مضاءة. سمعت صوت إطلاق نار. فهمت أنّ إسرائيل اختارت مواجهتنا بالعنف، في المياه الدوليّة.

مرّت ساعة قبل أن تقترب منّا الزوارق الهوائيّة الإسرائيليّة الضخمّة محمّلةً بجنود مقنّعين. يحتّلون السفينة. نجتمع كلّنا على عبّارة السفينة. يريد الجنود إنزالنا إلى السطح. ينفد صبرهم. يتطلّب الأمر من أحد الركّاب بعض الوقت فيحصل فوراً على ضربة صاعقٍ كهربائي في اليد. يقع أرضاً. راكب آخر، بطيء أيضاً، يصاب بطلقة رصاصٍ مطّاطي. أفكّر في كون ذلك يحصل في القرب منّي. الأمر واقعي جداً. أشخاص لم يفعلوا شيئاً يعاملون كالماشية ويعاقبون على بطئهم.

يجمعوننا ويجلسوننا على سطح السفينة. سنبقى على هذه الحالة إحدى عشر ساعة حتى نصل الى إسرائيل. من وقت لآخر، يقوم الإسرائيليّون بتصويرنا من دون أن يملكوا حقّ القيام بذلك. أريد أن أدوّن بعض الملاحظات، لكن أحد الجنود يقترب منّي ويسألني عمّا أكتبه. إنّها المرّة الوحيدة التي أنفعل فيها. أجيبه بأن الأمر لا يعنيه. لا أرى سوى عينيه. لا أعرف ما الذي يفكّر فيه. لكنّه يدير ظهره ويذهب. إحدى عشرة ساعة من الجمود، مكوّمين على بعضنا البعض في الحر، الأمر يشبه التعذيب. علينا الاستئذان قبل الدخول الى الحمام. كلّ ما نحصل عليه من طعام هو بعض البسكويت والتفاح. لا يحقّ لنا أن نحضّر بعض القهوة، في الوقت الذي كان بإمكاننا ان نقوم بذلك من مكاننا. نتّفق كلّنا على ألا نطلب من الجنود الإذن لتحضير الطعام. وإلا لقاموا بتصويرنا واستخدموا ذلك ليظهروا مدى نبلهم معنا. نكتفي بالبسكويت. الوضع كلّه مذل جداً (...)

خلال هذه الساعات الإحدى عشرة، امتلكت الوقت الكافي لأحللّ الوضع وأستخرج بعض النتائج. لقد هوجمنا في وسط البحر، في المياه الدوليّة، ما يعني أنّ الإسرائيليّين قد تصرّفوا كقراصنة، لا يختلفون بشيء عن أولئك الذين يمارسون قمعهم في عرض البحر الصومالي. ومنذ اللّحظة التي تولّوا فيها قيادة السفينة وراحوا يقتادوننا الى إسرائيل، نستطيع القول اننا اخطتفنا. إنّ هذا التدخّل يعدّ انتهاكاً للقانون، من اوّله الى آخره.

نحاول ان نتحدّث في ما بيننا لنفهم اكثر ما قد يحدث بعد ذلك. الجنود ينظرون إلينا. بعضهم يحاول التظاهر بعدم فهم اللّغة الإنكليزيّة. في الحقيقة هم يفهمونها جيداً. يوجد بينهم بعض الفتيات. بدا عليهنّ أنهنّ منزعجات. ربّما سوف يكنّ من يهربن الى غوا ويدمنّ على المخدّرات حتى الموت بعد أن ينهين خدمتهن العسكريّة؟ يحدث ذلك كثيراً.

الساعة السادسة مساءً

وصلنا الى اليابسة، في مكانٍ ما من إسرائيل. لا أدري أين. أنزلوننا أرضاً وأرغموننا على الركض في الطرقات بين الجنود بينما يقوم التلفاز العسكري بتصويرنا. أظنّ أنّ هذا، وبالتحديد هذا، لن أسامحهم عليه أبداً. في هذا اللّحظات بالذات، لا أفكّر بشيء آخر سوى بكونهم أوغادا قذرين.

يفصلوننا عن بعضنا البعض. لا يحقّ لنا التحدّث في ما بيننا. يأتي إليّ رجلٌ من وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة. أظنّ انه هنا ليتأكّد من أنّهم لا يعنّفونني. فأنا بالرغم من كلّ شيء معروفٌ في إسرائيل ككاتب، وكتبي تترجم للّغة العبرية. يسألني إن كنت أريد شيئاً ما. اجيب «نعم، ان يتمّ تحريري، وكلّ الآخرين أيضاً». لا يجيب، فأقول له بأن يرحل. يتراجع بضع خطوات، لكنّه لا ينصرف.

لا اعترف بشيءٍ طبعاً. يتمّ إعلامي بأنّني سوف أرحّل. الرجل الذي يخبرني ذلك يقول لي انّه معجبٌ بكتبي. أصمّم على السعي لأن لا تترجم كتبي الى اللّغة اليهوديّة من اليوم وصاعداً. إنّها فكرة لم تنضج بعد.

تسود أجواء من الفوضى العارمة في هذا «الملجأ». من وقت لآخر، يضربون أحداً ما، يرمونه أرضاً، يربطونه، يكبّلونه. أفكّر أكثر من مرّة بأنّ احداً لن يصدّقني عندما سأروي ذلك. لكنّ عيوناً كثيرة ترى ما أراه الآن. كثيرون سيروون ما شهدوه. كثيرون سيقرّون بأنّ ما أقوله حقيقي.

مثلٌ واحد يكفي لذلك. الى جانبي، يرفض رجل أن تؤخذ بصمات أصابعه. يقبل بأن يتمّ تصويره لكن يرفض أن تؤخذ بصماته. يعتبر انّه لم يرتكب أيّ خطأ. يعترض، يقاوم. فيضربونه. عندما يقع أرضاً، يجرّونه الى خارج الصالة. الى أين؟ لا أعرف. أيّ كلماتٍ يمكنني استخدامها لأصف ما أراه هنا؟ مقيت؟ غير إنساني؟ ليس أمامي إلا الاختيار.

الساعة الحادية عشرة ليلاً

يتمّ أخذنا نحن السويديين الثلاثة، النائب، زوجته وأنا الى مركزّ للاحتجاز. يفصلوننا عن بعضنا البعض، ويعطوننا بعض السندويشات التي لها طعم الإسفنج المستخدم لغسل الأطباق. الليّلة طويلة. أستعين بحذائي كوسادة.

الثلاثاء 1 حزيران

يجمعوننا أنا والنائب ويعلموننا بأنه سيتمّ نقلنا بغية ترحيلنا. نرفض الذهاب قبل معرفة ما حصل للسيدة س. نعلم أنّها في طريقها أيضاً ونخرج من زنزانتنا.

في الطائرة، تعطيني المضيفة زوج جوارب. لقد سرقت جواربي من قبل أحد اعضاء فرقة المغاوير على متن السفينة.

هذه أسطورة تتهاوى: أسطورة الجندي الإسرائيلي الشجاع الذي لا يملك شيئاً يلام عليه. الآن، نستطيع أن نقول عنهم انّهم سارقون مثيرون للشفقة. لست الوحيد الذي تعرّض للسرقة: المال، بطاقات الائتمان، الثياب، الكمبيوترات، لا شيء سلم من أيديهم. كنّا كثيرين على هذه الحال على متن هذه السفينة التي هوجمت عند مطلع الصباح من قبل جنودٍ مقنّعين لم يكونوا في النهاية أكثر من قراصنة.

في وقتٍ من اللّيل، وصلنا الى السويد. أتحدّث الى بعض الصحافيّين. ثمّ أبقى بعد الوقت جالساً في الظلمة قرب المنزل الذي أسكن فيه.

في اليوم الثاني، 2 حزيران، أستمع الى غناء الشحرور. نشيدٌ لأرواح الذين ماتوا.

الآن، يوجد كلّ ما تبقّى لينجز. لا يجب أن نضيّع الهدف الأساسي، كسر الحصار عن غزّة. سيحدث ذلك. خلف هذا الهدف، كثيرون ينتظرون. إنّ الانتهاء من نظام قائمٍ على التفرقة العنصريّة يتطلّب وقتاً، لكن ليس دهراً.

================

«إيران والمشرق العربي» مواجهة أم تعاون؟

سركيس ابو زيد

السفير

12-6-2010

ما هي طبيعة العلاقات بين إيران والمشرق العربي، هل هي محكومة بالمواجهة والتصادم أم هناك خيار مشترك للتعاون والتساند؟

ان التجاور الجغرافي بين الدول والمجتمعات والحضارات يفرض التحدي او الاستجابة، فالعلاقة إذاً هي خيار بين الحرب والعدوان والاطماع من جهة او التعاون والتشارك والتكامل من جهة أخرى.

نعيش اليوم في عالم تتداخل فيه العلاقات وتتدرج من الأصغر الى الأكبر والاوسع، وهي تشمل دوائر وأبعاداً مركبة وفق دورة الحياة وفعاليتها وقدرتها ومداها الحيوي. وتعبر من المتحد المحلي (قرية، مدينة، جهة) الى متحد الكيان السياسي (الدول المستقلة) الى متحد قطري (مجموعة دول متجاورة جغرافيا) الى متحد إقليمي (مجموعات قطرية متقاربة) الى متحد قاري (يضم تكتلات قطرية وإقليمية) وصولا الى متحد عالمي وكوني، يشمل البشرية.

وفي عالم اليوم الذي يشهد ثورة مواصلات واتصالات وتفاعلا إنسانيا مفتوحا، يحيا الإنسان في متحد متداخل ومركب على أكثر من صعيد ومستوى، يجمع ما بين الهوية الخاصة والعلاقات القطرية والإقليمية والعالمية.

وتتدرج العلاقات من الوحدة الوطنية على مستوى الدولة السياسية، الى التعاون القومي في قطر جغرافي، الى تكامل إقليمي وتساند قاري وتشارك عالمي، وتتحد العلاقات وفق معالجة دورة الحياة التي تشمل المصالح وموازين القوى وحيوية الجماعات والأمم.

اننا نعيش اليوم في عالم أضحت فيه المتحدات مفتوحة على التعامل الإنساني وهي تواجه خطر الانغلاق والعزلة والعنصرية والتقوقع، لذا فهي مضطرة الى التمسك بهويتها الوطنية وحقوقها ومصالحها مع المحافظة على دورها ومشاركتها في التفاعل الحضاري مع محيطها القريب والبعيد.

والتحدي الإنساني اليوم، هو كيفية ايجاد صيغة إنسانية تجمع بين الالتزام بالهوية والخصوصية ضمن التشارك مع الجوار الحضاري والإنساني، ومنطق التاريخ والحضارة يجمع بين الخصوصية والمشترك.

ماذا عن العلاقة بين إيران والمشرق العربي تحديدا والعالم العربي بشكل عام؟

تواجه العروبة عامة والمشرق العربي خاصة، تحدي بناء الذات القومية بطريقة حضارية تلتزم بالهوية والحقوق والمصالح دون عزلة بين الجوار المشرقي، لا سيما مع إيران وتركيا من أجل بناء شرق جديد، قادر على بناء تكتل يتمكن من لعب دور بين السياسات الدولية والإنسانية. هذا التحدي المشترك، يواجه المشارقة في الهلال الخصيب والجزيرة العربية وإيران وتركيا من أجل بلورة بنى إقليمية منسجمة ومتفاعلة جديدة ذات بعد إنساني بعيدة عن العنصرية والشوفينية والعدوانية والانعزالية، تتمسك بما هو خاص على مستوى الهوية والمصالح والحقوق، وتعزز ما هو مشترك على مستوى الحضارة والاستراتيجية وتغليب الأساسي على الثانوي، ليكون لتكتل الشرق الجديد دور وفعالية ومساهمة خلاقة في الحضارة الإنسانية.

ان دورة الحياة الحديثة والتفاعل الحضاري والقضايا الاستراتيجية المشتركة تفرض على الأمم المتجاورة في غربي آسيا ونقترح تسميته ب«المشرق الواسع» (الهلال الخصيب، الجزيرة العربية وتركيا وإيران) صياغة مجلس تعاون في المدى الحيوي لفعاليتها وقدرتها، حتى تتمكن كل أمة من بلورة شخصيتها المميزة والتفاعلية المتمايزة عن جوارها وبالتساند مع الأمم الأخرى المتجاورة من أجل بناء اتحاد دولي آسيوي غربي منسجم في استراتيجيته العليا دوليا ويحترم التعددية القومية ويصون المصالح المشتركة ويقدم للعالم نموذجا حضاريا لتعدد الأمم والدول، بعيدا عن التعصب الديني والعرقي والسلالي العنصري والشوفينية القومية المدمرة.

فهل يستجيب المشرق العربي والعرب عامة وإيران لهذا التحدي؟

ان فراغ القوة الذاتية في المشرق العربي خاصة والعالم العربي عامة هو مسألة عربية اولاً، تتحمل مسؤوليتها شعوب ومجتمعات ودول المشرق والعروبة، لذا فان استقامة العلاقات المنفتحة مع إيران وتركيا وغيرها من امم «المشرق الواسع» والكبير متوقفة على اطلاق نهضة جديدة من أجل استعادة القوة الذاتية لمواجهة مشاريع الهيمنة الصهيونية الغربية والتجاوب مع تحديات التنمية والتربية وعملية بناء إنسان جديد يمتلك الحرية والمعرفة، على أن تكون مقاومة مشاريع الهيمنة الخارجية وتحديات النهضة في الداخل، وتفعيل القيم والمثل الحضارية لكل أمة، هي القاسم المشترك للتعاون والتساند بين الأمم المتجاورة المتقاربة المصالح من أجل بناء واقع جيوسياسي جديد، كنموذج لحضارة إنسانية أكثر عدالة وأقدر على بناء إنسانية جديدة تجمعها مثل الحق والخير والجمال والرفاهية وسعادة الإنسان.

ف«القومية الإيرانية» و«القومية العربية» انطلقتا من مضمون اعتباري خاص قائم على العنصر واللغة والدين، وهي عناصر تولد قومية انعزالية معادية للقوميات المجاورة، او على الأقل متنافرة لها. وللخروج من هذا المأزق يقتضي إلقاء نظرة فاحصة الى مفهوم كل من القوميتين العربية والفارسية، قائمة على أساس التفاعل الاجتماعي الذاتي والثنائي الدولتي المنسجم في بعد إنساني بناء مولّد دفعا حضاريا متجددا، يستهدف المحافظة على الهوية الخاصة والتعامل بايجابية بين ما هو مشترك، ولا بد من اعادة النظر بمفهوم القومية ومضمونها فيساعد على بناء قومية جديدة منفتحة ومتعاونة في ما بينها، من أجل ابداع تأسيس تاريخي لحل المشاكل العالقة عن طريق الحوار والتفاهم وصيغ التساند المتبادلة، خاصة ان القومية في زمن العولمة وما بعد الحداثة، تفرض ايجاد مجال حيوي تعاوني، يساعد في بناء متحدات إقليمية متساندة قادرة على لعب دور استراتيجي فاعل في السياسية الدولية يحقق لها صيانة مصالحها القومية والإقليمية.

وفقا للتاريخ العالمي الحديث الذي يضع الدولة في اطار متحدات متدرجة من المتحد المحلي الى المتحد القومي فالى المتحد الإقليمي والقاري والعالمي، وهي متحدات متفاعلة ومتداخلة ما بين الانفصال والاتصال وفق حيوية الشعوب والدول وموازين القوى ومصالح الأمم، فان البشرية أمام خيارين: الصراع والحروب للدفاع عن حقوقها، او الصراع والتعاون من أجل صيانة حقوقها ومصالحها. وبين الحروب الدائمة والسياسة الواقعية، يتقرر مصير الدول والأنظمة الراشدة.

 [ مقدمة كتاب «ايران والمشرق العربي» يصدر قريبا

================

هلوسات سياسية حول قافلة الحرية

زين العابدين الركابي

الشرق الاوسط

12-6-2010

بالرجوع مرة أخرى إلى «مرجعية» ديكارت في تعريف التهور، وهو: «أن يُسبق القرار والتصرف بتفكير غير حصيف وحكم غير عقلاني، ينظر بعمق في الحال والمآل». بالرجوع إلى هذه الحكمة الديكارتية، يتضح أن هذا التعريف ينطبق على عرب من العرب، كما انطبق في الأسبوع الماضي على قادة إسرائيل الذين «تهوروا» في التعامل مع قافلة الحرية في المياه الدولية في البحر الأبيض المتوسط.. ويتمثل انطباق التعريف على عرب من العرب في أن ألسنتهم وأقلامهم سبقت تفكيرهم وإعمال عقولهم وهم يعلقون على حدث قافلة الحرية.

1) ولنبدأ بمحاولة «أسلمة» قافلة الحرية من خلال صبغها ب«الصبغة الإسلامية» في باعثها وسلوكها ومقصدها (كاستنطاق المشايخ واستعمال مفردات الجهاد)، فهذه محاولة تجافت عن العقلانية بأكثر من اعتبار ومقياس:

أ) تجافت عن العقلانية من حيث إنها محاولة غير صادقة، بمعنى أنها لا تطابق الواقع.. والتعريف العقلي الموضوعي اللغوي للكذب هو «عدم مطابقة الواقع». فلقد انتظمت القافلة جنسيات متعددة، منها جنسيات: السويد وألمانيا وبريطانيا وكندا وبلجيكا وفرنسا واليونان وإسبانيا وأيرلندا وإيطاليا، وهي جنسيات غير عربية وغير إسلامية، بل إن أصحابها ينتمون إلى الكاثوليكية والبروتستانتية والأرثوذكسية.

لماذا الإصرار على «أسلمة» أفعال هؤلاء ومسالكهم وهم غير مسلمين؟! هل هذه «انتهازية دينية»؟!

ب) والمحاولة المتهورة تجافت عن العقلانية لأنها لم تستحضر ولم تستصحب مقاييس العقل الرشيد التي تقول: إن الناس في عالمنا هذا (سبعة مليارات إنسان) يجمعون على «الإنسانية» - بحكم إنسانيتهم وبشريتهم - ولكنهم لا «يجمعون» على «الإسلاميات»، وذلك لسبب جد بديهي، وهو أن ليس كل سكان الكوكب مسلمين.

ج) وتجافت المحاولة عن «العقلانية»، إذ غاب عنها - من خلال غيبوبة عقلية - أن فعل الخير والمعروف والمرحمة والعدالة والمروءة والنبل ليس «محصورا» في المسلمين.. ولو أُحصيت أفعال الخير والإنسانية في العالم لكانت حظوظ غير المسلمين منها أضعاف أضعاف حظوظ المسلمين، بالقياس إلى العدد الكمي، والنبل النوعي في الحالين.. إن غير المسلمين يسارعون إلى الخيرات ودعم الحرية والعدالة وهم باقون في أماكنهم، لم ينتقلوا إلى الإسلام.

وهذا كله يُعرف بالعقل والتجربة، بمنطق وقائع التاريخ، ووقائع الحاضر الراهن.. ولمن أراد مرجعية إسلامية في هذا الشأن، فإنا نحيله إلى الفقرة الآتية.

د) إن «الإنسانيات المجردة» قد أعانت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونصَرته وحمته.. فبباعث إنساني محض سعى نفر من كرام العرب إلى نقض الوثيقة الظلوم التي تنص على مقاطعة النبي وصحبه وبني هاشم أجمعين.. وبدافع إنساني أصيل، سارع المطعم بن عدي إلى حماية النبي مرجعه من الطائف.. وناقضو الوثيقة الجائرة والمطعم كانوا جميعا على الشرك حين بذلوا هذا المعروف، وتبدى منهم هذا الخلق الإنساني الرفيع. لم ينطقوا بكلمة «لا إله إلا الله»، ولم يصلّوا صلاة المسلمين.. فمتى يتعلم المسلمون أن البشرية أوسع منهم، وأن «العمل الإنساني» ليس حكرا عليهم؟ ثم متى يتعلمون ويلتزمون الكف عن تعميم «الحكم بالسوء» على أسرتنا البشرية، والكف عن تعميم الدعاء البدعي على غير المسلمين؟ ثم متى يتعلمون الاندماج في «تضامن إنساني» هو أوسع من التضامن العربي، وأرحب من التضامن الإسلامي؟

2) ومن الهلوسة السياسية حول قافلة الحرية (وتعبير الهلوسة ألطف وأرحم من الاتهام بالتشويش على قضايا العروبة والإسلام لصالح أجندات أخرى: شخصية آيديولوجية أو غير ذلك).. من هذه الهلوسة: تفسير حراك قافلة الحرية «العالمية» بأنه حراك وراءه أصابع إيرانية «!!!!!».

إن هذه الهلوسة تثبت نظرية ديكارت (التهور هو أن يُسبق القرار والتصرف بتفكير مستعجل غير ممحص بأحكام العقل، غير ملتزم بصرامة مقاييسه).. وهذا هو البرهان على وجود هذه الهلوسة:

أ) إن هذا التعجل في التحليل والاستنتاج يعيد إلى الأذهان هلوسات سابقة في الفكر السياسي والإعلامي العربي.. هلوسات مثل أن الصهيونية أو المخابرات المركزية هي وراء كل شيء يقع في الوطن العربي والعالم الإسلامي، حتى قال أحد الظرفاء: لو أن زوجين اختلفا على مسلسل تلفزيوني أو مباراة لكرة القدم لسارع أولئك المهلوسون إلى القول بأن وراء الخلاف كيدا صهيونيا أو استخبارا أميركيا!!.. ولقد اعترت هذه الهلوسات تيارات عربية وإسلامية مختلفة، شيوعية وقومية ودينية، إلخ.

ب) إن تفسير حراك القافلة الإنسانية بالأصابع الإيرانية خدمة «غير عقلانية» لإيران من خلال إهدائها مكاسب وأرباحا هائلة بالمجان؛ أرباحا مثل: القدرة الإيرانية الفائقة على تسخير تركيا وأكثر من ثلاثين جنسية أخرى لخدمة أجندتها.. ومثل أن إيران هي ذات الحس الإنساني الأقوى والأعلى والأصدق في عالمنا هذا.. ومثل أن إيران هي النصير الأعظم والأشجع للفلسطينيين وقضيتهم.

ج) بمقتضى الطرح السياسي الإعلامي الذي يقول إن إيران تمثل خطرا ما على المنطقة، كان ينبغي تثمين وتشجيع «الدور التركي» لأجل إحداث توازن إقليمي معقول في حراك دولتين تكادان تتماثلان في الثقل البشري - مثلا - ثم بمقتضى الطرح نفسه، فإن تركيا «السنية» تعادل إيران «الشيعية».. هذه الحسابات - المبنية على نظرية الطرح هذه - كانت خليقة بأن تمنع التفكير من التعجل بالتفسير القائل: إن أصابع إيرانية وراء حراك سفينة الحرية. بيد أنه لما غابت هذه الحسابات كانت «الهلوسة» بديلا!!

3) إن واقعة قافلة الحرية كانت «إعلامية» في المقام الأول من حيث إنها «حدث ضخم».. و«حدث جديد» - فعل ورد فعل - و«حدث عالمي» بحكم تعدد جنسيات قافلة الحرية.. وبموجب هذه الاعتبارات تضاعفت مسؤوليات الإعلام تجاهه، بيد أن فريقا من الإعلاميين لم يتحمل مسؤوليته كما ينبغي.. وهذه النقطة مفتتح للمحور الأخير من المقال، محور «الدور السلبي للإعلام في قضايا الأمة».. يضم إلى ذلك: أننا في كنف مناسبة تثبت ضرر الإعلام «المتهور» على مصائر العرب والمسلمين، أي مناسبة هزيمة 1967. فلقد كثر الحديث عن مسؤولية السياسيين والعسكريين في هذه الهزيمة، ولكن الحديث لم يكثر (وهذا مريب جدا) عن دور الإعلام في تلك الهزيمة الماحقة، مسؤوليته عن الأكاذيب الكبرى قبيل الحرب وأثناءها.. ومسؤوليته عن «التفسير البعدي» لذلك الزلزال، وهو تفسير ملؤه التنويم والتخدير والتعليل المفسد للعقل والمنطق.. ومن «العبرة العقلانية» أن لا يكرر الإعلام اليوم تلك المأساة في تفسير الوقائع، وتفسير الأحداث.. وكاتب هذه السطور «منحاز» إلى الإعلام بمقتضى الاقتناع المبدئي والعصري، وبموجب مهنة تدريس الإعلام، وبحكم الممارسة الإعلامية، بيد أن هذا «الانحياز الموضوعي» للإعلام لا يعني - البتة - التعصب ل«القبيلة الإعلامية» بإطلاق. فهذا تعصب يتناقض مع الغيرة المحمودة على الإعلام، مبدأ وقيمة، ومهنة، وتدريسا، وممارسة، ودورا وأثرا.

================

الإطار القانوني لملاحقة جريمة أسطول الحرية

آخر تحديث:السبت ,12/06/2010

خليل حسين

الخليج

ربما هي المرة الأولى التي تعيش فيها “اسرائيل” حالة عزلة وضيق كبيرين في الوسطين الاقليمي والدولي،جراء ما ارتكبته في حق “اسطول الحرية” .ومن الضروري والحال هذه متابعة القضية من منطلقات قانونية بهدف اجبارها الالتزام بما كفلته القوانين والشرائع الدولية من تقديم التعويضات المناسبة للضحايا .الامر الذي يتطلب التدقيق أولا بالبيئة القانونية التي انتهكتها وبالتالي تحديد الأطر القانونية لملاحقتها .

 

ثمة العديد من المداخل التي يمكن الانطلاق منها، ومن بينها الاتفاقيات الدولية المبرمة الخاصة بجرائم القرصنة في أعالي البحار، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالقانون الدولي الانساني،والقانون الدولي لحقوق الانسان،علاوة على الاطر القانونية لمرتكزات القانون الدولي الجنائي .

 

في المبدأ، لا خلاف أولاً بأن الجريمة وقعت في منطقة تصنف أعالي البحار، وهي بطبيعة الأمر خارج النطاق الاقليمي لسواحل فلسطين المحتلة . وثانيا لم تكن أي من البواخر المشاركة في محاولة كسر الحصار عن غزة تحمل أي معدات عسكرية أو شبه عسكرية تشكل خطراً حقيقياً على أحد، بل جل ما احتوته كان بمثابة مؤن ومواد غذائية تغطيها عملياً قواعد القانون الدولي الإنساني بل توجب فعل ذلك . ففي واقع الأمر تقع جريمة أسطول الحرية ضمن نطاق القرصنة البحرية وتعتبر عملاً ارهابياً موصوفاً قانوناً ومن بينها على سبيل المثال، يعتبر عملاً إرهابياً كل من يستولي على طائرة أثناء تحليقها في الجو أو سفينة أو رصيف ثابت، عن طريق العنف أو التهديد بالعنف، أو أية صورة أخرى من صور الترويع ، وهو ما أقرته الاتفاقية الدولية تاريخ 12/3/1999 المتعلقة باحتجاز السفن . كما حددت اتفاقية جنيف لأعالي البحار المبرمة في 29/4/،1958 والتي تعد أول اتفاقية دولية بشأن القرصنة البحرية، إلى تحديد الأفعال التي تشكل جريمة قرصنة، إذ نصت المادة (15) من الاتفاقية على أنه يعد من قبيل أعمال القرصنة الأفعال التالية: أي عمل غير قانوني ينطوي على العنف أو الحجز أو القبض أو السلب يُرتكب لأغراض خاصة، بواسطة طاقم أو ركاب سفينة خاصة أو طائرة خاصة ويكون موجهاً ضد سفينة أو طائرة أخرى في أعالي البحار (خارج المياه الإقليمية) أو ضد أشخاص أو ممتلكات على متن تلك السفينة أو الطائرة . وكذلك ضد سفينة أو طائرة أو أشخاص أو ممتلكات في مكان خارج المياه الإقليمية لأية دولة .

 

أما المادة (101) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة ،1982 فتعتبر جرائم القرصنة البحرية من قبيل الجرائم الدولية التي تخضع للقضاء الدولي، كما أقرت المادة (105) من الاتفاقية نفسها حق الملاحقة والقبض والاعتقال ومحاكمة وتوقيع العقوبة على مرتكب جرائم القرصنة البحرية . كما نصت على ذلك معاهدة 1988 الخاصة بالأعمال غير المشروعة التي يتم اقترافها في البحار، وفي مقدمتها جريمة القرصنة البحرية .

 

أولا تعتبر جريمة القرصنة من الجرائم ذات الأثر العالمي والدولي في تداعياتها وآثارها، إذ تمس أمن وسلامة الملاحة البحرية والجوية في مناطق تخرج عن الاختصاص الإقليمي للدول، لذا فإن ارتكاب تلك الجريمة يُعد عملاً موجهًا ضد كيان الجماعة الدولية بأسرها، وقد استقر العرف الدولي إلى إنه في حالة وجود أسباب جدية تبرر الشك في أن إحدى السفن قد تكون سفينة قرصنة فيجوز لأي سفينة حربية حق زيارة السفينة المشكوك في كينونتها للتحقق من صفتها، ولا يجوز لسفينة القرصنة الاحتماء وراء العلم .الذي تحمله لأن ثبوت قيام السفينة بأعمال القرصنة يجردها وطاقمها من حق الاحتماء بجنسية الدولة التي تحمل علمها، وينعقد الاختصاص لكل دولة وكل سفينة حربية بالقبض على القراصنة ومحاكمتهم .

 

 وقد جاءت المادة (106) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لتنظيم القاعدة العرفية السابقة، فنصت على أنه في حالة ضبط سفينة أو طائرة بشبهة قرصنة من دون مبررات كافية فتتحمل الدولة التي قامت بعملية الزيارة والضبط مسؤولية أية خسائر أو أضرار مادية أو أدبية تترتب على تلك الزيارة .وقد أعطت المادة (104) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لدولة العلم الحق في الاحتفاظ بجنسية سفينة أو طائرة القرصنة أو تجريدها من هذه الجنسية .

 

وقد اختصت المادة (107) من الاتفاقية سالفة الذكر السفن الحربية أو الطائرات العسكرية أو غيرها من السفن أو الطائرات التي تحمل علامات واضحة تدل على أنها في خدمة حكومية ومأذون لها بذلك . وقد ذهب جانب من الفقه إلى حق السفن التجارية الخاصة في التصدي ومعاقبة القرصان من قبيل استعمال حق الدفاع عن النفس .

 

كما أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار حين عقدت الاختصاص القضائي عن جريمة القرصنة لأية دولة وإخضاعها في الضبط والمحاكمة والعقاب للقوانين الوطنية، فإنها لم تتعامل مع تلك الجريمة بصفتها الدولية وإنما بصفتها العالمية، ولما تمثله من خطر يهدد سلامة وأمن وحرية الملاحة والتجارة الدولية، وبالتالي أمن وسلامة المجتمع الدولي ككل .

 

وعليه تقر الاتفاقية السالفة الذكر الحق لأي دولة تم فعل القرصنة البحرية على احدى السفن التي تحمل علمها مقاضاتها عبر محاكمها الوطنية وتحميلها المسؤولية عما تسببته من اعمال قرصنة، وأن لم تخضع للاحكام، فعندها يمكن اللجوء الى المحافل الدولية لاجبارها على الالتزام بما قررته محاكمها، هنا بصرف النظر بالطبع عن السياسات الدولية المتبعة لمثل وقائع جريمة أسطول الحرية .

================

من سيناريوهات الحصار والحل

محمد الشواهين

malshawahin@yahoo.com

الرأي الاردنية

12-6-2010

تداعيات الاشكالية الكبرى التي اثارها الهجوم الاسرائيلي على قافلة الحرية الى قطاع غزة بقصد كسر الحصار ،من شأنها ان بات السياسيون والمراقبون يبحثون عن وسيلة لتلافي اية اشكاليات جديدة على ضوء اصرار قوى الخير والحرية والسلام في العالم ،على كسر هذا الحصار الجائر ، سيما ان قوات الجيش الاسرائيلي المحتلة أخلت منذ زمن مواقعها العسكرية والاستيطانية جميعها من القطاع سواء تم ذلك تحت ثقل ضغط المقاومة العنيفة التي جابهها الاحتلال، أو كما تدعي حكومة اسرائيل انها ارتأت بأن وجودها في غزة لا يحقق لها الا الخسران المبين اقتصاديا ولوجستيا .

 

أكثر من سيناريو تم طرحه في هذه الآونة للدراسة والمناقشة بهدف اختيار آلية مناسبة لهذه المسألة الشائكة ، بعض ساسة الدول الأوروبية ومنهم كوشنير وزير خارجية فرنسا أخذوا يتجهون من الآن فصاعدا نحو تفتيش حمولة كل السفن القادمة الى موانئ غزة في عرض البحر للتأكد من خلوها من أية أسلحة أو وسائل قتالية ، كما انهم طالبوا بإعادة المراقبين الأوروبيين الى معبر رفح لمزاولة عملهم السابق في الرقابة والتفتيش بالتعاون مع أجهزة السلطة الفلسطينية .

 

سيناريو آخر ومن جهة أخرى يطالب اعطاء تركيا دورا في الاشراف على دخول هذه السفن التي تحمل مساعدات انسانية الى اهالي غزة ، في حين ان بعض المراقبين من جانب آخر اشاروا الى اللجنة الرباعية الدولية التي هي بصدد وضع حل دائم لهذا الوضع يكون مرتبطا مع الحل النهائي وبإشراف مباشر من الأجهزة الأمنية المصرية والفلسطينية التابعة لسلطة عباس تحت رقابة دولية ، وهذا السيناريو يدفع بالمصريين الى التسريع في انهاء المصالحة بين الفصائل الفلسطينية وبشكل خاص فتح وحماس .

 

في سياق متصل دول الجامعة العربية ، لا تمانع في دور تركي ،أو بالتعاون مع جهات دولية محايدة سواء كانت اللجنة الرباعية أو غيرها بما لا يتعارض مع مبدأ السيادة العربية على أراضيها ، في حين ان زيارة السيد عمرو موسى الى قطاع غزة لا بد ان تولي مسألة المصالحة الفلسطينية أولوية على غيرها من القضايا ، وذلك كي يقطع الطريق على بعض الجهات الدولية التي تتخذ من الانقسام الفلسطيني حجة لتقوية دور الرقابة الاجنبية وتهميش الدور العربي ، أما الأسوأ من ذلك فهو العمل على خفض سقف السيادة العربية على المعابر .

 

من الأهمية بمكان قيام الرئيس محمود عباس بزيارة الى قطاع غزة كرئيس شرعي لدولة فلسطين التي سوف يتم الاعلان على قيامها في العام القادم حسب ما صرح به أكثر من مرة الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني ومعظم قيادات منظمة التحرير الفلسطينية ذات المرجعية الأولى لكافة المؤسسات الفلسطينية الرسمية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني ، في هذا الصدد يرى المراقبون انه لا بد من التمهيد لهذه الزيارة التي ستكون العامل الحاسم لعودة المياه الى مجاريها لاعادة توحيد جناحي الوطن الفلسطيني ، مما سوف يدفع الولايات المتحدة في المقام الأول الى بذل جهود مكثفة لإقناع الحكومة الاسرائيلية بأي وسيلة كانت . . للتوصل الى الحل النهائي المبني على اساس دولتين تعيشان جنبا الى جنب في امن وسلام وهي القاعدة العريضة والأهم في خطة خارطة الطريق الأمريكية .

=======================

الفراغ العربي والدور الإيراني والوضع التركي ولاعبون جدد وقدامى

محمد عبد الحكم دياب

6/12/2010

القدس العربي

المنطقة خلت من اللاعبين العرب تقريبا وتركت الملعب لغيرها. وهي إما مشغولة بما يجري داخلها أو أنها تؤثر السلامة وتفضل العمل في بلاط الإدارة الأمريكية وسعيدة بقربها من تل أبيب مع تصميمها على إدارة شؤون المنطقة لحسابها وحساب الولايات المتحدة وتوابعها . وإذا أخذنا بالتصنيف الحالي.. وتقسيم المنطقة بين معتدلين وممانعين وما بينهما. نجد أن المعتدلين تحولوا إلى محميات وجزر ومستوطنات أمريكية وأطلسية وصهيونية، لا رابط بينها. فقدت استقلالها، وتتحول تباعا إلى مناطق محتلة وبؤر استيطانية، محاطة بقواعد عسكرية وحاملات طائرات وغواصات مستعدة للانقضاض في أي لحظة. ونستطيع أن نلمس ذلك ونرصده بدءا من منطقة الخليج والعراق حتى حدود مصر الغربية وما هو أبعد من ذلك، وفي الحقيقة أن المنطقة بكاملها محاصرة بأساطيل وبوارج وحاملات طائرات وغواصات نووية، في المحيط الهندي وبحر العرب والقرن الافريقي ، مرورا بالبحر الأحمر وصولا إلى سواحل الشمال العربي الافريقي. وتجد في خدمة كل ذلك العتاد تناقضا مفتعلا بين مكونات الوطن العربي، وامتداده الإسلامي والافرو آسيوي . وإن كان المعتدلون يرتاحون لهذا الوضع يقلقهم ما منيت به الآلة العسكرية الصهيونية من انكسارات وهزائم في لبنان و غزة، التي ما زالت تحت الحصار، وتتحمل أعباء المحرقة الأخيرة. ومع تحول محور الاعتدال إلى جسر لعبور الجحافل العسكرية الصهيوغربية القادمة إلى المنطقة. مع هذا التحول غاب اللاعبون العرب. تركوا ملعب المنطقة فارغا وخاليا من لاعبيه الحقيقيين وأصحابه. وترتب على ذلك أن أصبحت أرضهم مستباحة وإراداتهم تابعة. والسياسة لا تعرف الفراغ. وأي فراغ يُملأ في الحال إن لم يكن بأهله فبغيرهم. وهذا ما انتهى إليه النظام العربي الرسمي واعتماده المطلق على الإدارة الأمريكية. ومع التغير والتبدل في أدوار ومواقع اللاعبين في المنطقة وحولها ظهر لاعبون آخرون يملأون الفراغ العربي ويسدونه.

هناك اللاعب القديم الجديد.. الولايات المتحدة وركيزتها الصهيونية ومعهما أوروبا. ذلك اللاعب في حقيقته لاعب قديم، غير من شكله واحتفظ بطبعه وطبيعته، فعلى مستوى الشكل انتقل موقع القيادة من أوروبا، في ظل الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية. انتقل إلى العالم الجديد. عالم أَوْرَبه المستوطنون الجدد. القادمون مع الكشوف الجغرافية، فأبادوا أهل البلاد الأصليين، وأحلوا الأوروبيين محلهم . أعاد اللاعب الأمريكي ترتيب أوراقه القديمة. أخرجها من جعبته. وقد سبق وذبلت ورقة ورقة في فترة ما قبل الفراغ والاستقالة من الدور، والانسحاب من الفعل، والخروج من التاريخ. ووقت أن كان هناك حضور وتأثير عربي فشل مشروع الدفاع عن الشرق الأوسط، وماتت نظرية الفراغ لجون فوستر دالاس في مهدها، وسقط حلف بغداد تحت ضربات المد التحرري العروبي الوحدوي الكاسح. وحل الحلف المركزي محل حلف بغداد، وتعزز بالحلف الإسلامي، وظلا محاصرين إلى أن انقلبت الأوضاع. ولم تجد كل تلك المشروعات فراغا يمكنها من الاحتواء وإدامة السيطرة، كانت الحكومات الوطنية وأبطال التحرير اللاعبين الرئيسيين بتحالفاتهم وصداقاتهم وعلاقاتهم. حرر الحضور العربي المنطقة بالكامل. ولم يبق منها إلا فلسطين. ترزح تحت وطأة نظام فصل عنصري استيطاني، ولو قيض للتطورات بأن تسير على نفس الوتيرة ما حل الفراغ، ولكانت فلسطين قد تحررت كما تحررت الجزائر، وكانت خاضعة بدورها لاستيطان عنصري، جعل منها امتدادا لفرنسا، وبؤرة من بؤر الاستيطان الممتد إلى جنوب غربي المتوسط، ورأس حربة إلى وسط وغرب أفريقيا.

أعيدت الحياة إلى المشروعات الأمريكية القديمة، في صيغة مشروعي الشرق الأوسط الجديد منه والكبير. وقد كانت تواجه في السابق المد القومي الوحدوي. تغيرت المهام بالكامل، وتركزت حول تأمين وجود الدولة الصهيونية، وضمان بقائها، وتمكينها من إنجاز مشروعها التوسعي، بالإبادة والتهجير القسري. بشعارات مزيفة عن السلام وعن حل الدولتين، الذي لن يرى النور، إلا إذا كان على هيئة مخفر، يؤمن المستوطنات، ويهيئ الظروف لاستقرار الاحتلال، وهذا ما بناه ونفذه دايتون في الضفة الغربية ورام الله.. والغرب ينظر إلى تل أبيب كأحد أهم عواصمه، لا فرق بينها وبين واشنطن أو لندن وبرلين وباريس وروما وبروكسل. بينما العكس تراه قطاعات عريضة من مواطني الغرب، ويتابع المرء في بلد مثل بريطانيا تحولا ملحوظا في الرأي العام، له تأثيره الواضح على مواطنيها وخارج حدودها، وبذلك اتسعت الفجوة بين كثير من حكومات أوروبا وبين مكونات شعوبها الأهلية، وهذا بدوره أتاح الفرصة لنمو رأي عام رافض للممارسات والحروب والإرهاب الأمريكي الأوروبي. ويلعب الحضور العربي والإسلامي المتنامي، رغم الحدة العنصرية في مواجهته، يلعب دورا في ذلك التحول، الذي كشف حقائق كثيرة غائبة ومُعَتّم عليها، في الفكر والثقافة والتاريخ والإعلام. وهذا لم يرق بعد لإحداث تغيير جوهري في السياسة الخارجية الأوروبية، وهي تضع مصير الدولة الصهيونية في صدر أولوياتها، بما تمثل في بناء الاستراتيجية الغربية بتنوعاتها واختلافاتها. وذلك التحول لم يغير من موقف الحكومات الغربية لسبب واضح هو أن موازين القوى ما زالت في غير صالح الرأي العام، ما زالت الموازين مستقرة بتأثير ونفوذ قوى ظاهرة وخفية. متحكمة في العالم ومتمكنة من فرض نفسها عليه، وسيلتها احتكارات النفط والسلاح والمعادن النفيسة والتقانة والشركات المتعددة الجنسية، ومنظمات وجماعات علنية وسرية.. صهيونية وعنصرية وكاثوليكية فاشية. تملك إمكانيات مالية وإعلامية وسياسية ونفوذ طاغ يمكنها من ذلك.

والكنز الحقيقي لدى اللاعب الأمريكي هو رديفه ورصيده العربي الذي يوفره معتدلون.. يدينون له بالولاء، ويتبنون مشروعاته، ويحاربون بسيفه، ويمولون غزواته، ويحلون له أزماته. يبيعهم سلاحا لا يستخدمونه. يدير بعائده ماكينة القتل والإبادة التي لا تتوقف، يعوضونه ما يخسر. يستثمرون في مشروعاته، بما فيها تطوير مدنه وأحيائه الفقيرة، ويشترون خبرته وخبراءه ويهملون أبناءهم المتميزين. أهملوا مدنا عربية محاطة بالفقر والتخلف والعشوائيات. لا فرق بين بلد عربي غني وأخر فقير. فعشوائيات بعض بلاد النفط لا تقل سوءا عن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين أو عشوائيات مصر. انتهى الأمر ب'المعتدلين' العرب فأضحوا حماة ومدافعين عن الوجود الصهيوني، ومتصدين لكل ما يهدده، ومتماهين معه على طريقة حسني مبارك. ومن أجل ذلك الوجود غير الشرعي صيغت نظرية العدو أو الخطر البديل، وبوحيها فُجرت الصراعات المحلية، والعربية العربية، والعربية الإسلامية، والعربية الأفروأسيوية واللاتينية، لم يبق للمعتدلين صديق ولا حليف. بقيت لهم إلإدارة الأمريكية. تكافئهم بالإذلال والإضعاف. حتى صاروا خطرا داهما على شعوبهم وأمن بلادهم. وعلى الرغم مما قدموا من تنازلات فلا بلادهم آمنة، ولا هم ينعمون بالراحة أو الاستقرار على مقاعدهم. يتهددهم الخطر من كل جانب، إن لم يكن من الغرب مباشرة فمن الآلة العسكرية الصهيونية أو تنظيم القاعدة، الذي يستهدف دول 'الاعتدال' العربي أكثر من غيرها .

وفي العقود الأخيرة تغيرت أدوار وتبدلت مواقع، وبدأت البوادر مواكبة لخطوات الانسحاب العربي فيما بعد 1973 وزيارة السادات للقدس المحتلة، ثم توقيع معاهدة كامب ديفيد، تغير الدور الإيراني بفعل الثورة الخمينية، وكان دورا رديفا للمشروع الغربي وعنصرا نشطا في تثبيت قواعد الدولة الصهيونية، ومحرضا لا يكل في العدوان المستمر على العرب، انتقلت الثورة الخمينية بإيران من ضفة إلى أخرى ومن حليف وصديق للغرب ونصير للدولة الصهيونية إلى معاد له. وقد كانت فلسطين بوابة الإيرانيين إلى العرب، وأكسبها ذلك قيمة كبرى. احتل الإيرانيون مكانة بارزة، ونمت بلدهم كقوة عظمى إقليمية تتطلع إلى محيطها الخليجي والعراقي والعربي والأسيوي، وإلى جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، ثم الصين وكوريا، وامتدت بعلاقاتها إلى البرازيل وفنزويلا وكوبا ونيكاراغوا، ووصلت إلى عمق افريقيا، وطموح دورها جعل منها طرفا مؤثرا في معادلات القوة الإقليمية والدولية. ويجد الغرب صعوبة بالغة في التعبئة ضدها وإعلان الحرب عليها. وذلك جعله يقف مترددا. غير واثق من قدرته على المغامرة والعمل العسكري ضدها، فمن المتوقع أن يكون باهظ التكاليف وغير مضمون النتائج، عكس وضع العرب المغري بالابتزاز والضغط والتصفية. دخل الإيرانيون إلى المنطقة من باب النفوذ والأمن لا من باب التعاون أو تبادل المصالح.

وها هو لاعب آخر يعود بعد غياب. عاد مكتمل الأهلية واللياقة السياسية والوطنية. إنه تركيا، التي ضاق بها الغرب وأغلقت في وجهها أبواب الاتحاد الأوروبي. وجدت الفراغ العربي يناديها ويقول نحن أمة بلا دور. وقضاياها لا تجد من يدافع عنها أو يتبناها، وماذا يمنع تركيا من أن تملأ ذلك الفراغ. وتدخل إلى منطقة ليست غريبة عليها. أهلت نفسها للدور والجدارة. منعت استخدام القاعدة الأمريكية على أرضها في غزو العراق، ورفضت التصريح للطائرات الحربية الأمريكية بالإقلاع منها . وتابع العالم احتجاج وانسحاب رئيس وزرائها في مؤتمر ديفوس ردا على صلف وكذب الرئيس الصهيوني. انفتحت على سورية، ومدّت لها الجسور، فقويت تركيا واستقوت سورية، فخف عنها الضغط. تراجع المتربصون والمستعدون للانقضاض، ولعبت مع البرازيل دورا خاصا لسحب الذرائع الغربية والصهيونية. المتعلقة بتخصيب اليورانيوم الإيراني. وبعد الغارة الوحشية للقوات الصهيونية الخاصة على أسطول الحرية قاد رجب طيب أردوغان معركة شجاعة في مواجهة التضليل الغربي والصهيوني. ولم يخذله الشعب التركي. هب يحاصر منزل السفير الصهيوني في أنقرة، ويتظاهر ويحتج في طول البلاد وعرضها. ذلك التحول النوعي في السياسة التركية لم تصنعه ثورة كثورة الخميني. صنعته تطورات وتحولات ديمقراطية تعززها إرادة صلبة، وقدرة سريعة على الفعل والحركة. تتحلى بها قيادة حزب العدالة والتنمية، وقلت الأسبوع الماضي ان وضع تركيا أكثر تعقيدا مقارنة بوضع مصر لكن حظ تركيا هو وجود قادة قادرين على تحدي الظروف والتغلب على التحديات، فاتخذوا الموقف الصحيح أما مصر فمنكوبة بحاكم على خصام مع الشجاعة والجرأة. ناور وداور بورقة معبر رفح المحروقة. ويبقى هناك لاعبون آخرون. روسيا والصين ونمور آسيا. كلهم حاضرون إلا العرب. فهل يعود الغائب ليملأ الفراغ؟

' كاتب من مصر يقيم في لندن

===================

ما بعد «أسطول الحرية»ليس كما قبله

محمد شريف الجيوسي

 الدستور

12-6-2010

بدأت القضية الفلسطينية والمنطقة وقضايا الصراع العالمي برمته: الدخول في مرحلة جديدة بعد اختطاف إسرائيل لأسطول الحرية ومن وما عليه من متضامنين وحمولة واستشهاد 19 أممياً وجرح العشرات منهم.

 

ولم يعد الموقف من أمر إسرائيل وداعميها وبخاصة واشنطن يحتمل التدليس أو المواربة أو النفاق.. ومن كان في ريب من أمره لم يعد كذلك ، فقد بات حتى الصهاينة يدركون جيداً أن العالم لم يعد بعد القرصنة الإسرائيلية الأخيرة كما كان قبله ، رغم محاولات الاختفاء وراء مزاعم يعلم زيفها مئات المتضامنين الأمميين ، فقد بدت هذه الحقائق مكشوفة في ملامح وجه نتنياهو الباهت المتلعثم المهزوز في محاولته البائسة ، تبرير الجريمة الصهيونية فكشف أكثر مما حاول تغطيته.

 

لا بد أن أسطول الحرية لم يكسر حصار غزة ، ولا وضع حدا للصلف الإسرائيلي المدعوم بقاعدة صهيونية متزايدة ، ولا هو سيضع قريباً حداً للدعم الأمريكي ومعظم الأوروبي للإسرائيليين ، وإن تكشفت الغطرسة الإسرائيلية على نحوْ لا يتيح الدفاع القوي المقنع عنه.

 

لكن أسطول الحرية أتاح مزايا عديدة لمجمل القضايا العربية (وهي قضايا عادلة بكليتها وتفاصيلها) فمن ذلك تكريس استعادة تركية للعرب واستعادة العرب لتركية ، وتمكين الشارع التركي على نحو غير مسبوق من الإفصاح عن مكنونه الداخلي تجاه الصهاينة ، الذين حماهم العثمانيون من محاكم التفتيش قبل قرون ، فردوا لاحقاً بالتحالف مع الاستعمار البريطاني والفرنسي ضد تركية ، وقبل ذلك تسللوا إلى مراكز القوة في السلطنة عبر يهود الدونمة فمسكوا بمواقع القرار الرئيسة وطرحوا أنفسهم أتراكاً أشد من الأتراك ، ففرضوا التتريك على مكونات السلطنة العثمانية ما دفع بمكوناتها إلى الدعوة إلى الاستقلال وهددوا استقرار السلطنة بخلع السلاطين وتعيين غيرهم حتى سقوط السلطنة العثمانية.

 

لقد استطاع الصهاينة منذ قيام كيانهم المصطنع سنة 1948 بل وقبله ، تحويل الصراع من صراع معهم إلى صراعات بين مكونات كل قطر عربي وبين قطر وآخر وبينهم منفردين ومجتمعين بأشكال مختلفة مع جيرانهم (وآخرها ما اختلقوه في منابع نهر النيل بمواجهة مصر والسودان) وبينهم وبين مراكز قوى عالمية ، لكن محاولات الإفساد هذه لم تعد قابلة للتطبيق بعد اليوم ، وهو الفشل الذريع الذي قاد إليه الغرور والاستشعار المطلق بالقوة ، والاعتقاد الدائم بأنهم القوة التي لا يعصى لها امر.

 

لقد أضاف الفشل الإسرائيلي فشلاً جديداً للدبلوماسيتين الأمريكية والغربية ، ولعلاقاتهما المستقبلية بالعرب والعالم الإسلامي والشعوب الحرة ، كما بين الفشل الإسرائيلي (من حيث المجريات والنتائج) مدى حمق المراهنة على التفاوض مع كيان لا يؤمن بالسلام ، ويعمل على خرق التزامات السلام بكل الوسائل المتاحة. وهو الكيان الوحيد الذي لا يصلح ولا يمكن إقامة سلام حقيقي معه.

 

من هنا ، فسيكون ما بعد جريمة أسطول الحرية التي ارتكبها الصهاينة ، مختلفاً عما قبلها ، من حيث علاقة بعض العرب بإسرائيل وعلاقة دول تقيم علاقات معها دبلوماسيا واقتصادياً وعسكرياً. وسيصعد تيار الدول العربية المقاومة ، وستفهم (جماعات) متمردة أو انفصالية هنا أو هناك أن الاستعانة بإسرائيل وبالأجنبي ليس فقط لا يراهن عليه وإنما يقود إلى كارثة.

 

وبعامة ، فإن الجريمة الصهيونية تجاه أسطول الحرية لن تمر دون عقاب مناسب تجاه من أسهم فيها، ومن هنا فإنه ما لم تجر تصويبات للمواقف بجوهرها ، فإن المنطقة ستكون معرضة لانفجارات شارعية قد يصعب ضبطها أو السيطرة عليها.

 

إن تركيا الراهنة إذ تستعيد التاريخ: توسع قاعدة مصالحها (دعت أمانة الأحزاب العربية إلى إعطاء المنتج التركي أولوية) وتركيا التي أسقطها الاستعمار الأوروبي قبل قرن (بالتعاون مع الصهيونية) وورطها في أحلاف ليست لها ورفض تقبلها في آن ، باتت اليوم تدرك أن المنطقة العربية والطورانية الآسيوية هي مجالها الحيوي الوحيد ، مثلما يدرك بعض العرب أن تركيا الراهنة حركت ما كان راكداً ، وأنهم وتركيا في سياق واحد وأن المقاومين في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين هم رأس حربة النصر القادم وعنوانه ووقوده ودماغه.

========================

أين وكيف ستعاقب تركيا إسرائيل وأمريكا معا

أيمن خالد

6/12/2010

القدس العربي

العقل السياسي الذي يحكم إسرائيل وصل مرحلة متقدمة من الشيخوخة، وبالتالي أصبح الخرف، واضحاعلى هذه السياسة، فإسرائيل فقدت البعد الاستراتيجي للتخطيط، وأصبحت تعيش السياسة يوما بيوم، وساعة بساعة، فالقادة في إسرائيل يعتبر الثابت الوحيد لديهم هو، أقتل الفلسطيني أو استولي على بيته، وغير ذلك فالسياسة الإسرائيلية تشبه السياسة في دول العالم الثالث، فالزعيم يصحو من النوم وأول سؤال له، هل الأمن مستتب، وهل حدث انقلاب ما؟ وكذلك قادة إسرائيل يصحون من النوم وأول سؤال لهم، هل لا نزال بأمان؟

الأتراك يريدون استثمار الغباء الإسرائيلي بشكل جيد، والعقاب الذي سيكون لإسرائيل سيكون بمثابة استدراج لهذا الغباء لكي ترتكب إسرائيل أخطاء قاتلة، يساهم ذلك في عزلتها، ويفرض متطلبات جديدة على أجندة السياسة الدولية، ويمكنني أن الخص الخطوات القادمة بأنها على صعيدين، الأول: إنساني والثاني هي خطوات ذات طابع امني.

ففي الجانب الأول ستقتصر المسألة الإنسانية على تعبئة الرأي العام للوقوف خلف قافلة جديدة وأظن ان توقيت القافلة القادمة سيكون في رمضان، وأظن أن المنظمات الإنسانية ستوزع الدور على خطين، فهي سترسل السفن عبر البحر، وسترسل أيضا حملة برية إلى مصر عبر ميناء نويبع المصري الذي سبق وان منعت مصر دخول قافلة شريان الحياة منه.

وأما اختيار المعبر البري واختيار رمضان، فالأتراك يريدون إرسال عشرات الآلاف من المتضامنين، ويريدون أن تتحول غزة إلى مزار لكافة القوى والأطياف الشعبية، ويريدون أن يصبح الطريق البري متاحا للجوار العرب وغيرهم، بمعنى إعادة وصل غزة عربيا بشكل طبيعي، مع التوجه أيضا إلى الميناء وما يعنيه ذلك من حقوق في المياه.

هكذا ستسير الأمور خلال الأشهر الثلاثة القادمة، وستكون مصر في مواجهة العرب من البر، وتكون إسرائيل في مواجهة العالم من البحر.

بالنسبة للجانب الأمني من المعادلة، وهنا لا أريد الحديث في المسائل الاقتصادية المتعلقة بإسرائيل لان الأتراك يدركون، أن الذي يؤلم إسرائيل هو الحصار والطوق الأمني أكثر من بقية الجوانب الاقتصادية التي تستطيع الاستعاضة عنها من حلفائها العرب والأمريكان، فالخطوة التركية بدأت مباشرة وقبل دفن شهداء المجزرة، وكانت بالزيارة التي قام بها رئيس إقليم كردستان العراق، إلى أنقرة وهي الزيارة التي لم تكن لتعزية، وإذا كانت بالطبع قد أخذت عنوانا واحدا وهو حزب العمال الكردستاني فان الزيارة كان لها عنوانها الأمني الخطير جدا على إسرائيل.

بالتحديد، فالقصف الذي جرى قبل ساعتين من اقتحام السفينة على معسكر الجيش التركي في منطقة خارج نفوذ حزب العمال الكردستاني، جعلت الصحافة التركية تشير بالاتهام لدور إسرائيل في العملية وتم وصفها بأنها عملية ذات طابع امني، أرادت منها إسرائيل صرف أنظار الجيش والشعب نحو حزب العمال الكردستاني، وإدخال تركيا في قلق، لأنها أصيبت في العمق الاستراتيجي، غير أن الأتراك التقطوا المسألة وكان الهدف من استدعاء رئيس كردستان العراق محصورا بالرد على إسرائيل بالذات.

معلوم ان هناك علاقات إستراتيجية معلنة بين كردستان العراق وإسرائيل ومعلوم ان هناك مواقع أمنية واستخباراتية إسرائيلية تحت واجهة مراقبة التحركات الإيرانية، وهي قواعد ترفع الاعلام الامريكية لكن أنشطتها إسرائيلية خالصة، وما أرادته تركيا هو رسالة موجهة إلى كردستان العراق، لأن النفط من كردستان يمر عبر تركيا فقط، وإذا أرادت حكومة كردستان العراق إرسال النفط عبر أي طريق آخر فهناك ثمن سياسي باهظ، ولذلك فان المعادلة الأمنية الخالصة، تتمثل في فتح شريان اقتصادي ينعش كردستان العراق، بمقابل استجابة كاملة لمتطلبات تركيا، وهي عمليا لعبة ذكية جدا وخطرة بآن معا، لأن تركيا توجه هنا رسالة إلى أمريكا وتدخل لاعبا مهما في الملف العراقي، وتعيد تركيب السياسة في المنطقة بشكل جديد، وهو ما يقلق الآن إسرائيل، التي تفقد دورها كمؤثر استراتيجي في جوار إيران.

بالتالي هذا الملف الأمني الصغير من وجهة نظر البعض، سيتحول إلى قضية محورية كبيرة في المنطقة، لأن تركيا وإيران لديهما رؤية واحدة لهذه المنطقة، وعنوان هذه الرؤية بات إخراج إسرائيل منها، وهو يعني بالتأكيد إخراج الأمريكان، لان الأمريكان لا يستطيعون تلبية احتياجات كردستان العراق، وبالتالي فان مصلحة كردستان العراق ستكون بين محور تركيا إيران، وهو الذي سيخنق حزب العمال الكردستاني، وسيفرض على سكان هذه المناطق مواجهة أمريكا ورفضها لان وجود أمريكا في شمال العراق لم يعد بالإمكان أن يحل مشاكلهم الاقتصادية.

هناك عملية معاقبة وتنظيف للمنطقة بهدوء، وطرد للأمريكان وإسرائيل من شمال العراق ويبدو أن إسرائيل لا تزال لا تعي ان غزة هذا الملف الذي تتشبث بخنقه، هو الذي بات يخنقها.

==========================

ماذا يعني ضعف المعارضة العربية؟!

ميشال كيلو

القدس العربي- الخميس 10 حزيران (يونيو) 2010

كلما فتحت سيرة المعارضة العربية، لاحظ جماعة النظام العربي أنها ضعيفة. المعارضة ضعيفة: هذا هو النبأ السار، الذي يزفه لنا عالمنا الرسمي، قبل أن يضيف: بما أن المعارضة ضعيفة، فإن من الصعب أن تتحسن أحوال العرب. هكذا، بسحبة واحدة ، تصير المعارضة، التي لا تنفك تعير بضعفها، مسؤولة عن حال عربي لعين، لا يغيظ عدوا ولا يسر صديقا.

المعارضة العربية ضعيفة. هذا الاكتشاف لا يحمل جديدا. إنها ضعيفة حقا وضعفها أمر مؤكد منذ وقت طويل. غير أن القول بضعف المعارضة لا يجب أن يكون بداية الكلام، بل نهايته، خلاصته الأخيرة، التي تفتح شهيتنا للتفكير والنقاش بدل أن تفتح باب الشماتة، ما دام ضعف المعارضة حدثا كاشفا إلى أبعد الحدود، يتعلق أساسا وبدرجة أولى بالنظم وأحوالها، أكثر مما يتعلق بمئات أو آلاف قليلة من الأفراد، يعارضون، أو ينسبون أنفسهم إلى معارضة الأمر العربي القائم.

لو قال أحد بين عامي 1933 و1945 إن المعارضة الألمانية ضعيفة، لذهب ذهن متابعي أوضاع ألمانيا إلى النظام الهتلري أكثر بكثير مما كان سيذهب إلى المعارضة، ولتذكر هؤلاء بنية النظام وممارساته، وما سار عليه من إقصاء وإبادة للآخرين، ومن رفض مطلق للاعتراف بحق الاختلاف، في علاقاته مع المواطن والمجتمع والدولة، ولفكروا بالطريقة والوسائل التي عالج من خلالهما أي انزياح عن مواقفه وآرائه، وكيف مارس القتل الفردي والجماعي، وطبق سياسات إجرامية على الجميع، سواء كانوا من أنصاره أم خصومه أم من المحايدين. قبل الحرب العالمية الثانية، كتب مؤرخون ألمان وأجانب كثيرون عن المعارضة الألمانية وأحوالها ومصائرها المأساوية، لكنهم ناقشوا أوضاعها انطلاقا من أوضاع النظام وبدلالتها، واعتبروا ضعفها من الأحداث التي تفضح حقيقته، ورأوا فيه نتيجة طبيعية لإغلاق المجال العام وقصره على الحزب النازي وأجهزته القمعية الجبارة من جهة، ولخطط الملاحقة والتضييق والإبادة، التي تعرض لها على مدار الساعة كل من لم ينتسب إلى النازية، وحتى بعض أبرز من انتسبوا إليها، من جهة أخرى، فمن غير الجائز رد الضعف إلى وضع المعارضة الذاتي وحده، أو إلى أخطائها وحدها وهي موجودة حتما وقد تكون فادحة -. قال الدارسون: لو تعرض الحزب النازي، الواسع الانتشار والحديدي التنظيم والمسلح، لقدر مماثل من الاضطهاد والملاحقات والتصفيات، لما كان حاله أفضل من حال المعارضة الألمانية، التي تمت تصفية معظم قادتها في أفران الغاز، وهلك الملايين من أعضائها وأنصارها جوعا وتعذيبا وهم يكدون كالعبيد في المناجم ومصانع السلاح، أو قتلوا خلال غارات الحلفاء الجوية على مواقع عملهم ومعسكرات اعتقالهم، ولم ينج منهم بالكاد أحد، رغم أن أحزابهم نالت مجتمعة قرابة أحد عشر مليون صوت في انتخابات عام 1933، التي أوصلت هتلر إلى السلطة.

عندنا، يقفز كثير من كتابنا عن الواقعة الأهم، وهي طابع نظمنا القمعي، الذي يمكنها من الاستئثار بكل شيء: من السلطة والثروة والقوة إلى الإعلام والتعليم والخدمات الاجتماعية والاقتصادية، إلى توزيع الأرزاق وتقرير المصائر العامة والفردية، ومن القدرة شبه الكلية على تقطيع أو احتلال قنوات التواصل الاجتماعي والسياسي، إلى ممارسة رقابة لحظية على عقول وأرواح المواطنين، الذين يولدون ويموتون في ظل سلطة هي تجمع مؤسسات حجر وقمع تمكن حكوماتها من إحكام قبضتها على أي جديد يظهر في بلادها، مما يمر عبر قنواتها أو يخضع لمقصها ويتكيف مع معاييرها ومصالحها، فإنه يصير من قبيل التعالم السخيف اكتشاف أن المعارضة ضعيفة، فكيف إذا أضيف إلى هذا الاكتشاف استنتاج أكثر سخفا ومجافاة للحقيقة يدعي أن ضعف المعارضة هو مشكلة بلداننا العربية!.

ثمة أسئلة يطرحها الواقع العربي على من يقولون بضعف المعارضة العربية: هل المجتمعات العربية، التي تتعرض منذ قرابة نصف قرن أو يزيد لسياسات وتدابير تنفرد السلطة بتقريرها انفرادا مطلقا، قوية؟. وهل الدولة العربية، التي تنفرد السلطة بوضع قوانينها وتديرها دون أية مشاركة من أية جهة أخرى، قوية؟ أخيرا: هل السلطة العربية نفسها، التي تفرد سلطانها على كل شيء وفي كل مكان، وتكتم أنفاس مجتمعاتها ومواطنيها، قوية؟.. إذا كانت المجتمعات العربية قوية، لماذا تقبل التهميش، وتصمت على تدهور أوضاعها، وتخضع خضوعا شبه مطلق لسلطة تنكر حقها في المساهمة بأي شيء أو شأن، مع أن حصتها من ثروات وطنها تتناقص، وفقرها يتزايد حتى صار واحدة من العلامات الفارقة لوجودها؟ وإذا كانت الدولة قوية، لماذا تسمح بانتهاك السلطة لقوانينها، وبقفزها من فوق مصالحها العليا، وتخريب علاقاتها مع مجتمعاتها؟ وإذا كانت السلطة قوية، لماذا هزمت في كل صراع أو عراك خاضته مع الخارج، أي خارج، وفشلت في تنمية بلدانها وفي إقامة حد أدنى من العلاقات الودية والسلمية مع جوارها العرب؟ أخيرا: هل أحزاب هذه السلطة قوية / أم أنها تجمعات مغلوبة على أمرها، انتسب أعضاؤها إليها لتفادي مصير مواطنيهم البائس، وكي ينجوا من القمع والتجويع؟ لو كانت السلطة قوية، هل كانت بحاجة لأن تنقض دون رحمة على أي شخص تتباين آراؤه عن آرائها، مهما كان التباين طفيفا وهامشيا، ولأن تتصرف وكأن مصيرها معلق على رأي أو سلوك أو كلمة يقولها أحد من رعاياها؟ هل هكذا يكون سلوك القوي؟

لا شك في أن المعارضة العربية ضعيفة. هذا تحصيل حاصل. لكن ضعفها يكمن أيضا في ضعف المجتمع والدولة، وفي تشوه السلطة وتغولها وشعور من بيدهم أمرها بالخوف من مواطنيهم، واعتقادهم أن إضعاف المجتمع ومراقبته وإذلاله وتعريضه لعمليات تطهير دائمة، من ضرورات دوام الحال، وأن عدوهم الحقيقي الوحيد موجود داخل مجالهم الوطني وليس خارجه، فلا بد من التنمر عليه واستخدام عنف مفتوح وغير محدود ضده. أليس سلوك هؤلاء دليلا دامغا على ضعفهم؟ ألا يشي بغربتهم عن داخلهم وبخوفهم منه، وبعجزهم عن التصدي لمشكلاته بالطريقة التي تعتمدها السلطة القوية في كل مكان: أي بالسياسة وأدواتها؟. أليس مسخ السلطة إلى أجهزة قمع، واستخدام كل ما في حوزة الممسكين بأعنتها من وسائط لدعم طابعها القهري ولإفقار مواطنيهم ووضعهم بعضهم في مواجهة بعضهم الآخر، والتعامل معهم كما تتعامل سلطة أجنبية مع شعب غريب تخوض حربا متنوعة الأشكال ضده، علامة ضعف قاتل للرسمية العربية، التي تضرب عرض الحائط بما تؤكد عليه دعايتها حول وحدة الحال المطلقة بينها وبين شعبها، وحول تفانيها في خدمته. في الختام، تمارس السلطات العربية سياسات إضعاف منهجي لمجتمعاتها، خوفا من أن ينمو فيها بدائل لها أو أن تتلمس سبل الخروج مما هي فيه. هذه هي وظيفتها الرئيسية، وهي ليست وظيفة سلطة قوية بأي حال من الأحوال.

ليس إضعاف المجتمع عموما والمعارضة خصوصا مما تعمل له سلطة شرعية وقوية. إنه بالأحرى وصمة عار على جبين السلطة، إن كان نتاجا مقصودا لبرامجها وممارساتها. في هذه الحالة، العامة عند عرب زماننا الشقي، يغدو من الخطأ عزل ضعف المعارضة عن ضعف الدولة والمجتمع والسلطة، ويصير ضعفها مقياسا ل، وبرهانا على، تدهور وانهيار الحكم الشرعي، وإفلاس أساليب السياسة المدنية والقانونية، يؤدي إلى مزيد من عجز الممسكين بالسلطة عن السيطرة على الشأن العام بغير العنف، الذي يمكن أن يصيب عندئذ أي شخص أو جماعة، مع أنه يضعف أيضا من يمارسونه ويقيد قدرتهم على تلبية حاجات وطنهم وشعبهم، وبناء قوة داخلية قادرة على رد الأخطار الخارجية - إن كان ردها مطلوبا أساسا- هذه الحلقة الشيطانية المفرغة، لا تبقي للسلطة أي مظهر من مظاهر القوة غير استخدام وتصعيد العنف ضد داخلها، وتجاهل ما يجمع عليه الفكر السياسي الحديث، وهو أن قوة الحكم من قوة مجتمعه ودولته ومعارضته، وأن شرعيته تتوقف أيضا على قبول الأخيرة بها، هذا إذا كان يعبر حقا عن وطنه، ويحظى بتأييد مواطنيه، ويفهم أن المعارضة هي وجه من وجوه الإرادة العامة، يعمل ضمن ثوابت وطنية متوافق عليها، ترتبط السلامة العامة بدوره في ترسيخها، وبنضاله من أجل تقوية مجتمعه ودولته، خاصة في مراحل البناء الداخلي ومواجهة التحديات الخارجية، التي تكون السلطة والمعارضة خلالها في قارب واحد، وتكون نجاتهما في تكامل قوتيهما، ويؤدي إضعافهما المتبادل إلى هلاكهما معا، وإن في أزمنة متباينة.

هل تتوهم السلطة، التي تضعف مجتمعها ودولته، وتقوض المعارضة، أنها قوية ؟ على مستوى الكلام، هي تفعل ذلك أو شيئا منه. أما على مستوى الواقع، فتؤكد تجارب التاريخ أنها تشعر بضعفها وتخاف نتائجه، وأن شعورها وخوفها هما اللذان يضيقان عليها الخناق، فلا تجد طريقة شرعية تخرجها من مأزقها، فتجنح إلى كتم أنفاس مواطنيها، أفرادا وجماعات، كي لا تنطلق نهايتها من كلمة أو هتاف أو صرخة أو احتجاج، على غرار ما حدث في رومانيا. إن مشكلة العرب تكمن أساسا في ضعف السلطة، التي تولت أمورهم واحتكرت شؤونهم، وأضعفت مجتمعاتهم ودولهم، وانخرطت في مغامرات كشفت خلالها أوطانها وتسببت في هزيمتها. هذه السلطة تتحمل مسؤولية حصرية عن أحوال العرب الراهنة، فكيف يقول من يقول: إن ضعف المعارضة هو اليوم مشكلة العرب، بينما كان عليه القول: لقد أضعفت السلطة المجتمع والدولة والمواطن، وأقامت أوضاعا تحول دون قيام معارضة، وهذه هي مشكلة العرب، اليوم، وإلى أن تغيير هذه السلطة. لا تتباهى السلطة القوية بضعف المعارضة، ولا تضعف سلطة رشيدة وعاقلة المعارضة في بلدانها. لا تفعل سلطة وطنية وعقلانية شيئا كهذا، وتدرك أن لكل مجتمع تعبيرات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية متباينة تجسد رؤى ومصالح شرائحه وفئاته وطبقاته المختلفة، التي تتوحد، بالمقابل، في مشتركاته الجامعة، داخل حقل السياسة وغيره من حقول الشأن العام. وقد بينت تجارب العصر الحديث أن مصالح الدولة والمجتمع العليا تنتفي في ظل سلطة أحدية السياسة والطابع والخطاب والرموز، لأن سلطة كهذه لا يكون لها أي هدف آخر غير الحفاظ على حكمها.

لا تكون المعارضة ضعيفة في مجتمع حر وقوي. ولا تلاحق وتقمع في دولة حق وقانون وشرعية. بالمقابل، لا تكون المعارضة قوية في مجتمع ضعيف ومستعبد ودولة متهالكة وسلطة مستبدة. كما لا تتحمل المعارضة وزر أوضاع لا علاقة لها بتقريرها أو إقامتها، يقتصر دورها فيها على التعرض للقمع والملاحقة. هذا ما يقوله لنا واقع العرب القائم، المهزوم والفاشل والمخجل إلى أبعد حد!.

============================

الانتخابات الحرة وفقا للمعايير الدولية لحقوق الانسان

الخميس 10-06-2010 م الموافق 27-6-1431 ه

د.طالب عوض *

*رئيس مرصد العالم العربي للديمقراطية والانتخابات

taleb@palestine-pmc.com

شبكة مساواة للتربية على حقوق الإنسان والثقافة المدنية

تعتبر مشاركة المواطنين في ادارة الشؤون العامة لبلدانهم إحدى الركائز الأساسية لحقوق الإنسان التي أكد عليها الاعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، حيث جاء في المادة 21 على انه " لكل شخص حق المشاركة في ادارة الشؤون العامة لبلده، إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون بحرية. وان إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجري دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت.

وأكدت الفقرة 2 من المادة 25 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية للمواطن الحق في أن ينتخب وينتخب في انتخابات نزيهة تجري بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين.

تعتبر الانتخابات هي الركيزة الأساسية في عملية البناء الديمقراطي ولكنها ليست كافية إذ يتطلب إجراؤها ضمان العديد من الحريات الأساسية حيث أشار الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن " الانتخابات بحد ذاتها لا تشكل الديمقراطية، فهي ليست غاية بل خطوة لا ريب في أنها هامة وكثيرا ما تكون أساسية على الطريق المؤدية إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على المجتمعات و نيل الحق في مشاركة المواطن في حكم البلاد على النحو المعلن في الصكوك والقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. وسيكون من المؤسف خلط الغاية بالوسيلة و تناسي الحقيقة القائلة بان معنى كلمة الديمقراطية يتجاوز مجرد الإدلاء دوريا بالأصوات ليشمل كل جوانب عملية مشاركة المواطنين في الحياة السياسية لبلدهم.

ومن اجل ضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة لا بد من توفر المناخ الديمقراطي والحريات الأساسية للمواطنين ولا سيما حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي، وتشكيل الأحزاب السياسية والمنظمات والجمعيات المستقلة وسيادة القانون. وأكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1991 أن " الانتخابات الدورية والنزيهة عنصر ضروري لا غنى عنه في الجهود المتواصلة المبذولة لحماية حقوق ومصالح المحكومين، وان التجربة العملية تثبت أن حق كل فرد في الاشتراك في حكم بلده عامل حاسم في تمتع الجميع فعليا بمجموعة واسعة من حقوق الإنسان والحريات الأساسية الأخرى وتشمل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ".

 

أكدت كافة الوثائق والإعلانات والاتفاقيات المعنية بحقوق الإنسان على العديد من المعايير الدولية التي تضمن إجراء انتخابات حرة ونزيهة ونذكر منها الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، ومشروع المبادئ العامة بشأن الحرية وعدم التمييز في مسألة الحقوق السياسية، وقرار لجنة حقوق الإنسان حول زيادة فعالية الانتخابات الدورية النزيهة، والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان و الشعوب، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان …

واستنادا لهذه الوثائق فقد صنف مركز حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة هذه الحقوق على النحو التالي :

أولا : إرادة الشعب

ثانيا : تأمين الحرية

ثالثا : تأمين الحقوق الأساسية التالية :

أ- حرية الرأي والتعبير

ب - حرية التجمع السلمي

ج- حرية تكوين الجمعيات / الأحزاب

رابعا : استقلالية السلطة القضائية

خامسا : مبدأ عدم التمييز

سادسا : الاقتراع السري

سابعا : الاقتراع العام المتساوي

ثامنا : الاقتراع الدوري

واحتراما لمبدأ حق تقرير المصير، فقد أكدت المادة المشتركة الاولى في العهدين الدوليين للحقوق المدنية و السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أن لجميع الشعوب الحق في تقرير مكانتها السياسية ومركزها السياسي بحرية حيث جاء فيها " لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها بنفسها، وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي، وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

هذا ونصت كافة الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، على ضرورة ضمان الحرية وذلك بإجراء الانتخابات في مناخ حر و ديمقراطي، وفي أجواء خالية من الخوف، ولذا يتطلب توفير الثقة لدى المواطنين وعدم تعرضهم للخوف أو التنكيل نتيجة اختياراتهم.

وتستهدف التشريعات المتعلقة بحقوق الإنسان الواردة في المواثيق الدولية إيجاد تربة ملائمة وخلق مناخ مناسب لإجراء انتخابات حرة ونزيهة وبدون ممارسة هذه الحقوق تصبح الانتخابات مجرد مسألة شكلية وصورية وسوف نحاول استعراض الحقوق الأساسية :

 

حرية الرأي والتعبير

أكدت المادة (19) من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) الحق في حرية التعبير التي تشمل البحث عن واستقبال وإرسال معلومات وأفكار عبر أي وسيط وبغض النظر عن الحدود. وجاء في المادة (19) كذلك من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ما يلي :

1) لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة

2) لكل إنسان حق في حرية التعبير ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها

 

 تتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة (2) من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محدودة بنص القانون أو تكون ضرورية

أ – إحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم

 ب - لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة أو الآداب العامة

وكررت المواثيق الإقليمية أو توسعت في ضمان وحماية حرية التعبير، فالمادة (10) من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان تحمي حرية التعبير على مستوى الدول الأعضاء، والمادة (9) من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب تضمن الحق نفسه. وكذلك المادة (13) من الاتفاقية الأمريكية لحماية حقوق الإنسان تنص على أن : لكل إنسان الحق في حرية الفكر والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في البحث عن مختلف أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود سواء شفهية أو كتابة أو طباعة أو في قالب فني و بأي وسيلة يختارها.

لقد وردت بعض القيود والاستثناءات " المشروعة " على حرية الرأي والتعبير مثل بقية الحقوق والحريات، في نص المادة (29) من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والفقرة الثالثة من المادة (19) للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وهي في مجموعها تحمي حقوق وسمعة الآخرين، والأمن القومي أو النظام العام أو الصحة والأخلاق العامة، وتعتبر حماية هذه الأغراض قيودا مشروعة على حق التعبير وخاصة حرية الصحافة ، وكذلك الفقرة (2) من المادة (10) للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان فقد نصت على " يجوز إخضاع ممارسة هذه الحريات التي تتطلب واجبات ومسؤوليات لبعض الشكليات أو الشروط أو التعقيدات أو المخالفات التي يحددها القانون والتي تعد في مجتمع ديمقراطي تدابير ضرورية لحفظ سلامة الوطن وأراضيه، والأمن العام وحماية النظام ومنع الجريمة وحماية الصحة والأخلاق وحماية الآخرين وسمعتهم وذلك لمنع إفشاء المعلومات السرية أو لضمان سلطة الهيئة القضائية ونزاهتها".

إن الأمم المتحدة وكافة الدول الديمقراطية والرأي العام الديمقراطي في العالم كله يكاد يجمع على أن حق الرأي والتعبير هو الركن الأساسي في كافة الحقوق الممنوحة للإنسان في المواثيق والعهود الدولية. وقد أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن حرية التعبير هي حق إنساني أساسي … وهي محك الاختبار لكل الحريات التي كرستها الأمم المتحدة، وقد أكدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على أن " حق حرية التعبير يشكل واحدا من الأسس الجوهرية للمجتمع الديمقراطي وواحد من الشروط الأساسية لتقدم وتنمية الإنسان ".

وهناك العديد من المعايير المتعارف عليها دوليا تضمن حماية حرية الرأي والتعبير نذكر منها :

1) حق معارضي الحكومة في التعبير عن آرائهم ونشرها في وسائل الاتصال الجماهيرية التي تملكها الدولة، بما في ذلك الراديو والتلفزيون بالتساوي مع الآخرين ( أي حزب الحكومة أو أي منظمة أخرى ) وخاصة في أوقات الانتخابات العامة والمحلية

2) حق الحصول على المعلومات وتامين وصولها من مصادر الحكومة

3) حماية الحريات الأكاديمية والعلمية والتعليمية والتعبير الفني والأدبي

4) ضرورة الحصول على دعم حكومي لحق التعبير على أسس غير سياسية وبهدف تعزيز وضمان التعددية

5) حماية حق التوزيع والنشر

6) الحق في إنشاء الإذاعات والمحطات التلفزيونية المستقلة ( الخاصة )

ووصفت الجمعية العامة للأمم المتحدة حرية التعبير بأنها المحك لجميع الحريات التي تكرس الأمم المتحدة نفسها لها، وقد أشارت المحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان " أن حرية التعبير حجر الأساس الذي يستند إليه النظام الديمقراطي ولا مفر منه لتشكيل الرأي العام ، و يمكن القول بان مجتمعا غير مطلع جيدا ليس مجتمعا حرا ".

 

حرية التجمع السلمي

تؤكد المادة (21) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على حق التجمع السلمي وضرورة عدم وضع قيود على ممارسة هذا الحق باستثناء ما يتعلق بصيانة الأمن القومي، أو السلامة العامة، أو النظام العام، أو حماية الصحة العامة، أو الآداب العامة، أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.

كما أشارت المادة (11) من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والمادة (15) من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان على حق كل شخص في الاجتماع السلمي بدون سلاح مع عدم جواز فرض قيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك المفروضة طبقا للقانون، والتي تشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لسلامة الوطن ومصلحة الأمن القومي، أو السلامة العامة أو النظام العام، وحماية الصحة العامة، أو الأخلاق العامة أو منع الجريمة، أو المساس بحقوق الآخرين أو حرياتهم.

ولذلك فان عملية التجمع السلمي تعتبر ضرورية من اجل نقل المعلومات وممارسة الحملات الانتخابية، ولهذا ينبغي عدم تقييدها والحفاظ عليها ما دامت سلمية، لا بل ضرورة تامين حماية خاصة بها من قبل أجهزة الدولة.

 

حرية تكوين الجمعيات والأحزاب

من الحقوق المهمة التي ركزت عليها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان فيما يتصل بقضية الانتخابات. تشكيل الجمعيات والأحزاب والنقابات المهنية والعمالية وكافة مؤسسات المجتمع المدني (الأهلي ).

حيث أكدت المادة (22) من العهد الدولي للحقوق المدنية الأساسية على أن لكل فرد حق تكوين الجمعيات مع آخرين بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من اجل حماية مصالحه. وأشارت المادة (20) من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية ولا يجوز إرغام أحد على الانضمام إلى جمعية ما.

وجاء في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان المادة (1) أن لكل شخص الحق في تكوين الجمعيات، بما في ذلك إنشاء النقابات مع الآخرين والانضمام إليها للدفاع عن مصالحه، كما نصت المادة (16) من الاتفاقية الأمريكية لحماية حقوق الإنسان على أن " لكل شخص حق التجمع وتكوين جمعيات مع آخرين لغايات أيدلوجية أو دينية، أو سياسية أو اقتصادية أو عمالية أو اجتماعية أو ثقافية، أو رياضية أو سواها ".

وتعتبر الاتفاقية هذا الحق في تكوين الجمعيات الأساس في تشكيل الأحزاب السياسية التي تشكل العامل الأساسي في العملية الانتخابية.

 

استقلالية السلطة القضائية

إن وجود سلطة قضائية مستقلة محايدة، يعتبر عاملاً هاماً وأساسياً من اجل ضمان حرية ونزاهة الانتخابات ويشكل الضمانة لجميع المواطنين للاعتراض على أية خروقات قد تواكب الانتخابات، وينبغي أن تكون السلطة القضائية بمعزل عن أي تأثيرات من أي جهة رسمية أو غير رسمية تشارك في الانتخابات.

 

ولضمان استقلالية القضاء والسلطة القضائية لا بد من مراعاة المبادئ الأساسية التالية والتي أصدرتها الأمم المتحدة بشان استقلال السلطة القضائية وهي :

1) تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد أو قوانينه، ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية.

2) تفصل السلطة القضائية في المسائل المعروضة عليها دون تحيز، على أساس الواقع وفقا للقانون ودون أي تقييدات أو تأثيرات غير سليمة أو أية اغراءات أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات، مباشرة كانت أو غير مباشرة، من أي جهة أو لأي سبب.

3) تكون للسلطة القضائية الولاية على جميع المسائل ذات الطابع القضائي، كما تنفرد بسلطة البت فيما إذا كانت أية مسالة معروضة عليها للفصل فيها تدخل في نطاق اختصاصها حسب التعريف الوارد في القانون أم لا.

4) لا يجوز أن تحدث أية تدخلات غير لائقة، أو لا مبرر لها، في الإجراءات القضائية، ولا تخضع الأحكام القضائية التي تصدرها المحاكم لإعادة النظر، ولا يخل هذا المبدأ بإعادة النظر القضائية أو بقيام السلطات المختصة، وفقا للقانون، بتخفيف أو تعديل الأحكام التي تصدرها السلطة القضائية.

5) لكل فرد الحق في أن يحاكم أمام المحاكم العادية أو الهيئات القضائية التي تطبق الإجراءات القانونية المقررة، ولا يجوز إنشاء هيئات قضائية لا تطبق الإجراءات القانونية المقررة حسب الأصول والخاصة بالتدابير القضائية لتنتزع الولاية القضائية التي تتمتع بها المحاكم العادية أو الهيئات القضائية.

6) يكفل مبدأ استقلال السلطة القضائية لهذه السلطة ويتطلب منها أن تضمن سير الإجراءات القضائية بعدالة، واحترام حقوق الأطراف.

7) من واجب كل دولة عضو أن توفر الموارد الكافية لتمكين السلطة القضائية من أداء مهامها بطريقة سليمة.

وبهذا يشكل القضاء المستقل ضمانة أكيدة لنزاهة وحرية الانتخاب.

 

مبدأ عدم التمييز

تؤكد المادة (2) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن " لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة، في هذا الاعلان دون أي تمييز كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو اللغة أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر دون تفرقة بين الرجال والنساء.

وقد أكدت معظم الاتفاقيات والعهود المعنية بحقوق الإنسان على مبدأ عدم التمييز، وخاصة المادة (2) من العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ونصت المادة (2) من الميثاق العربي لحقوق الانسان على حق كل إنسان موجود على أي دولة وخاضع لسلطتها في التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة فيه دون أي تمييز بسبب العنصر، أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل الوطني والاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر دون أي تفرقة بين الرجال والنساء.

وحظرت المادة (26) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التمييز أمام القانون إذ أكدت على أن " الناس جميعا سواء أمام القانون ويتمتعون دون أي تمييز بحق متساو في التمتع بحماية وفي هذا الصدد يحظر القانون أي تمييز وان يكفل لجميع الأشخاص على السواء حماية فعالة من التمييز لأي سبب كالعرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسيا أو غير سياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو غير ذلك من الأسباب.

 

ولكن هناك تدابير خاصة تأخذها بعض البلدان من اجل ضمان تمثيل بعض الفئات لا تعتبر تمييزية ضدهم مثل حفظ حصة من المقاعد للمسيحيين كما هو معمول به في الأردن وفلسطين أو حفظ حصة للمرأة كما هو معمول به في المغرب والأردن حديثا، وتصنف تلك التدابير ضمن فئة " التدخل الإيجابي " أو " التمييز الإيجابي "، إذ نص البند (11) من مشروع المبادئ العامة بشان الحرية وعدم التمييز في مسالة الحقوق السياسية الذي اعتمدته اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الاقليات في الأمم المتحدة انه يجب عدم اعتبار التدابير التالية التي ينص عليها القانون أو النظام بأنها إجراءات تمييزية :

 أ - الشروط المعقولة لممارسة الحق في التصويت أو الحق في تقلد منصب عام خاضع للانتخاب

 ب - المؤهلات المعقولة للتعيين لتقلد منصب عام ناشئ عن طبيعة واجبات المنصب

 

وهناك تدابير خاصة لتامين مايلي :

1)التمثيل الملائم لجزء من سكان بلد ما تمنع أفراده في الواقع ظروف سياسية أو اقتصادية أو دينية أو اجتماعية أو تاريخية أو ثقافية من التمتع بالمساواة مع بقية السكان في مسالة الحقوق السياسية.

2) التمثيل المتوازن لمختلف العناصر المكونة لسكان بلد ما وشريطة ألا تدوم هذه الإجراءات إلا طالما ظلت هناك حاجة إليها فقط بمدى لزومها.

 

وأكدت المادة (4) من الاتفاقية الدولية لإلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة على انه لا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة مؤقتة تستهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة بالمعنى الذي تأخذ به هذه الاتفاقية، ولكنه يجب أن لا يستتبع، على أي نحو، الإبقاء على معايير غير متكافئة أو منفصلة، كما يجب وقف العمل بهذه التدابير متى تحققت أهداف التكافؤ في الفرص والمعاملة

 

الاقتراع السري

نصت الفقرة (ب) من المادة (25) للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على حق المواطن في أن ينتخب وينتخب في انتخابات نزيهة تجري دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة وبالتصويت السري، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين.

 

ولهذا يعتبر التصويت السري هو الأساس في اعتبار الانتخابات حرة و نزيهة وقد أشار مشروع المبادئ العامة بشان الحرية وعدم التمييز في الحقوق السياسية وجوب أن يكون بإمكان كل ناخب التصويت بأسلوب لا سبيل فيه إلى كشف الطريقة التي صوت أو ينوي التصويت بها، وان لا يرغم على الكشف عن حيثيات ذلك وان يحاول أحد الحصول من أي ناخب ، بشكل مباشر أو غير مباشر على أي معلومات عن عملية تصويته.

وهذا يتطلب العديد من الإجراءات الفنية والإدارية لضمان الحفاظ على سرية الاقتراع وحماية صوت الناخب من التأثير المباشر أو غير المباشر للإفصاح عن طريقة تصويته.

 

الاقتراع العام المتساوي

ضمان مساواة جميع الناخبين للتأثير على العملية الانتخابية وان يتساوى الوزن الصوتي لكل مواطن، وان يشارك كافة المواطنين في عملية الاقتراع على قدم المساواة وان يكون لكل منهم نفس التأثير في العملية الانتخابية وهذا يتطلب في حالة اعتماد دوائر انتخابية أن يكون لكل ناخب نفس " الوزن الصوتي " وتحديد الدوائر الانتخابية على أساس منصف يعكس إرادة الناخبين بأكبر قدر ممكن من الدقة والشمولية في حين توزع لكل دائرة مقعد وتوزع على أساس عدد السكان مع انحراف لا يزيد عن 5% فقط.

 

الاقتراع الدوري

أكدت المواثيق والإعلانات على أن تجري الانتخابات بشكل دوري ونظرا لعدم تحديد مدة زمنية لإجراء الانتخابات، فان العديد من البلدان تنص دساتيرها على إجراءها كل 4 سنوات مرة ويجوز تأجيلها في الظروف الطارئة.

ومن اجل نزاهة الانتخابات يجب أن تشرف على إجراء الانتخابات وغير ذلك من الاستشارات العامة بما فيها إعداد القائمة الانتخابية ( الجداول ) ومراجعتها الدورية السلطات التي يكفل استقلالها وتكفل نزاهتها وتكون قراراتها قابلة للطعن كسلطة القضائية أو غير ذلك من الهيئات المستقلة النزيهة. ويجب تامين الحرية الكاملة للتعبير السلمي عن المعارضة السياسية وكذلك تنظيم حرية وعمل الأحزاب السياسية والحق في تقديم مرشحين للانتخابات.

=========================

هذا التعويل "العربي" على دور "القيادات"

مابين أوباما وأردوغان

العرب القطرية – مدريد

نوال السباعي

الجمعة 11/6/2010

بدت عملية القرصنة الإسرائيلية الأخيرة - التي جاءت نتائجها على العكس مما كانت تتوقعه إسرائيل - وكأنها ضربة متعمدة موجهة أولاً: للإمعان في تشويه صورة الرئيس أوباما الذي لم يَنتظر منه أي تغيير في المنطقة العربية إلا الذين لايفقهون طبيعة سير السياسات في الولايات المتحدة ، ولاحراك المجتمعات المتقدمة المعاصرة ، وثانياً: للإمعان كذلك في محاولات إذلال الطرف التركي وجرّه للقيام ببعض "الحماقات" المعتادة في المنطقة على الطريقة الإيرانية أو العربية! .وقد تحقق الهدف الاول خاصة وأن "أوباما" لايمكنه أن يتعدى دوره كمثقف كبير ، استطاع تغيير "صورة" الوجه الكريه والقبيح للإدارة الأمريكية في فترة قياسية ، لكنه لايستطيع ولن يُسمح له في هذه الفترة بتغيير ضمير هذه السياسات ولا هياكلها الفكرية والتنفيذية ، خاصة فيم يتعلق بالمنطقة العربية .

 

ربما كان "العرب " ينتظرون من أوباما وقفة تتناسب مع المباديء التي أعلنها يوم تسلمه مقاليد الحكم ، أو مع جائزة نوبل للسلام التي لم يخجل من استلامها ، ربما كان "العرب" يودون لو أنه قام بحركة رومانسية يعلن فيها عن موقف استثنائي تجاه "الصهاينة" الذين استكبروا في البيت الأبيض ، والذين تسببوا بالأزمة المالية التي تهز العالم اليوم ، وتبدو وكأنها ستقوض الازدهار والتقدم الأوربيين ، مابين الحرب الخفية على "الأورو" والتأجيج الإعلامي الدائب لمشاعر الكراهية والرفض للإسلام والمسلمين في الاتحاد الاوربي ، ربما انتظر "العرب" من أوباما أن يتصرف بشرف تمليه عليه معرفته الأكاديمية الواسعة بإدوارد سعيد ، وملابسات القضية والصراع في المنطقة العربية ، وليستقيل وهو مرفوع الرأس ، ويخرج من الباب الأمامي للبيت الأبيض الذي لايمكنه أن يحتمل رئيسا أسود ! ، ربما ، ولكن هذا لم يحدث ، ومن المستبعد تماما أن يحدث !، فحتى الصحفية العتيقة الطاعنة في السن "هيلين توماس" التي تجرأت على انتقاد إسرائيل ، لم تستطع الصمود أمام حملات القذف والشتيمة وعدم احترام سنها ولاعراقتها ، فضلا عن احترام حرية الرأي وأبسط أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان في التعبير عما يريد، فاضطروها إلى الاعتذار والانسحاب من الباب الخلفي للتاريخ!.

 

لكن المسألة الشائكة حقيقة تتلخص في كل ماصدر عن أصحاب الرأي و وسائل الإعلام في المنطقة العربية خلال هذه الازمة الأخيرة فيم تعلق بقافلة الحرية ، حيث علق كثيرون وبسذاجة مبالغ فيها آمالا عريضة ، على مواقف القيادة الأمريكية ، بالضبط كما فعل الجمع وبصورة غير منطقية ولاموضوعية ولاعلمية مع مواقف القادة الأتراك ، الذين حملهم "العرب" فوق مايحتملون ، وفوق مايمكن تحميله لأية قيادة حتى لو كانت قيادة نبوية !! ، فالأنبياء من أولي العزم أنفسهم وعلى مرّ العصور لم يستطيعوا إحداث التغيير الحقيقي في مجال الواقع الذي يحيط بهم إلا عن طريق "رجال" و "نساء" و "مجتمع" مؤهل للتغيير !. هذه الفكرة "العربية" المعاصرة و الغريبة عن هذا التغيير الذي يأتي من فوق ، تنتشر انتشار النار في الهشيم بين المثقفين والإعلاميين وأفراد الشعب ، هذا التعويل الأسطوري على دور "القيادات" هو حالة شاذة ، فالقيادات لايمكنها أن تصنع شيئا دون شعوبها ، بالغة مابلغت من الذكاء والنبوغ والحنكة والقدرات !. والقيادة التركية غير مستثناة من هذه القاعدة الاجتماعية التاريخية الناصعة ، الشعب التركي هو الذي انتخب هذه القيادة التركية ، وهذه القيادة التركية غير منبتة عن ذلك الشعب بكل توجهاته وانتماآته وتطلعاته وظروفه الاجتماعية والسياسية ، والقيادة التركية لم تتحرك إلا في حدود مايرضاه الشعب التركي ومايريده ومايستطيعه ، ولم تخرج عن ذلك قيد أنملة ، وهذا ماتثبته دراسة الكلمة التي ألقاها "أردوغان" في مجلس الشعب التركي إبان عملية القرصنة الإسرائيلية!.

يثير القلق والحزن أن يقوم البعض – وقد فعلوا- بمقارنة "أردوغان" ببعض "الزعماء" العرب الغابرين– من المستبدين القتلة- من الذين كانوا يستخدمون الغوغائية ودغدغة عواطف الجماهير بالكذب على الجماهير وعلى التاريخ ، "أردوغان" لم يستعمل كلمة واحدة لايعرف ماذا تعني بالنسبة لبلاده وموقعها وعلاقاتها الدولية ، وقبل ذلك قدرة تركيا على الفعل ، والمساحة المخصصة لها للحركة ضمن النظام الدولي اليوم ، ولم يفعل أصلا اعتمادا على "مرتزقة" يكتبون له الكلمات التي يجب أن يلقيها ويلهب فيها حماس الناس مجانا! ، ولكنه فعل بعد اجتماعات برئيس مجلس الأمة ورئيس الأركان وزعماء المعارضة ومن كل الاتجاهات ، وبعد محادثات مع حلف شمال الأطلسي والإدارة الأمريكية ، لأنه رجل يعرف من هو وأين يقف وماذا يريد ، لأن الأمة التي انتخبته تعرف "اليوم" من هي وأين تقف وماذا تريد .

"أوباما" – وإدارته- الأكاديمي المثقف الكبير، والمفكر الأسود الأنيق ، لايستطيع أن ينفك عن الأمة التي اختارته ليقود البلاد في مرحلة مابعد عصر الكراهية العالمية لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية ، وهو لم يخذل أمته حتى لو كان ذلك على حساب خذلانه للعالم كله ! ، و"أردوغان" – وإدارته- الإسلامي الحداثي الديمقراطي السياسي المحنك ، لم ينفك عن خدمة تطلعات الأمة التي انتخبته ليقود البلاد في مرحلة هذا الاستيقاظ الإسلامي الهائل في كافة أرجاء العالم ، دون أن ينسى ولاللحظة واحدة شبكة العلاقات الدولية التي تربط تركيا سلماً وتحالفاتٍ بالعالم ، وهو لم يخذل ناخبيه ولاأمته حتى لو كان ذلك على حساب المُحبَطين حقيقةً بسبب ملابسات الموقف التركي المشَرِّف في هذه الأزمة التاريخية.

 

تركيا اليوم تعتبر نفسها أمة مسلمة ، وهذا يصدم مشاعر القوميين والعلمانيين العرب ، الذين لايفهمون أبعاد المشاعر الأخوية الدينية المتنامية حديثا ومن جديد بين الشعوب ، كما لايريدون الاعتراف بسقوط النظريات القومية والوطنية اليوم مقابل نهوض الفكرة "الدينية" أو "الاقتصادية" الجامعة في مشارق الأرض ومغاربها ! حتى بات الفكر السياسي المعاصر يعتبر أن الشعوب التي تتغنى بقوميتها أو بوطنيتها شعوبا بدائية متخلفة! ، وتركيا اليوم تعتبر نفسها أمة أوربية ، وهذا يصدم مشاعر "الإسلاميين العرب" الذين لايفهمون ولايحسنون التعامل مع العصر وآليات التغيير بعقلية معاصرة وأساليب معاصرة ، وانعتاق من سطوة الفهم التاريخي الثقافي للتراث ، وتركيا تعتبر نفسها أمة حداثة ومعاصرة لاترتقي إلى مصاف الأمم الكبرى اليوم ، ولكنها تريد أن تكون في ركابها ومعها ، وهذا يصدم مشاعر المحبوسين في المنطقة العربية في قمقم "الخلافة" ، و" التكفير والتفجير" ، لايستطيعون إدراك أبعاد اللعبة السياسة والفكرية لعالم التقنية ذات "الأبعاد الخمسة" ، بينما هم غارقون في تفنيد مسائل إرضاع الكبير!! ، وطلاق الغاضب !، والضرب بالسواك !، مما يثير الغثيان لدى البعيد والشفقة لدى القريب!! .

 

لقد عكس الإعلام العربي على هامش "مهاجمة قافلة الحرية" مرضا عضالا تعاني منه شريحة كبيرة من النخب الفكرية والدينية والسياسية ، وغوغائية وسطحية في التفكير تعاني منها الجماهير ، ومحاولات يائسة لركوب الموج لدى كثير من العاجزين عن إحداث أي تغيير يذكر في هذه المجتمعات ، لأنهم عاجزون أصلا عن فهم ملابسات هذا التغيير في أنفسهم عن طريق تبني مشروعات فكرية إنسانية حقيقية تلبي حاجات الأمة وتنهض بها ، "أردوغان" لم يأت من فراغ ، و"أردوغان" ليس "صلاح الدين" ، و"صلاح الدين" لم يأت من فراغ ، والقيادات لاتستطيع أن تحدث تغييرا بسيوف من خشب ، ولا بجيوش من ورق !، لقد كان من أهم أهداف الحركة الإسرائيلية الغبية في مهاجمة سفن محاولات فك الحصار عن غزة ، سبر القدرة الحقيقية لدى القيادة التركية على التصرف ووضعها في مأزق دولي ، كما وضع القيادة الأمريكية في موقف محرج صعب ، لكن الذي حدث بالفعل كان فضيحة حقيقية ، ليس بالنسبة لإسرائيل المجرمة فحسب ، ولا بالنسبة للإدارة الأمريكية الموالية للظالم بصورة استراتيجية مصيرية ، ولا بالنسبة لحكوماتنا المسكينة العاجزة المشحرة والمطلية ، ولا بالنسبة للكيانيين الفلسطينيين المتشرذمين المتشبثين بكراسي التمزق والأثرة ، ولكن بالنسبة لشعوبنا التي تعاني حالة من الضياع والفراغ والاستجداء، الضياع الفكري والمرجعي ، والفراغ السياسي على هامش التفسخ الاجتماعي ، واستجداء القيادات الفاعلة القادرة على التغيير ، فهي تتمسك بأي قادم ، وتضخم أي حدث ، وتجعجع في كل الاتجاهات رجاء أن تتحقق آمالها في قيادات ، لا ولن تولد إلا من رحم هذه الشعوب ، لأن التغييرفي المنطقة العربية لايأتي من أمريكا ولن يأتي من تركيا ، ولكنه يكون وفقط على يد شعوب المنطقة عندما تدرك أن في يدها وحدها تقرير مصيرها وصناعة أقدراها التي يجب أن تفر إليها من هذا القدر البئيس الذي صنعته هي بيدها كذلك.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ