ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 14/06/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


أسطول الحرية: من يحاصر من؟

بقلم :ناصيف حتي

البيان

13-6-2010

يقول مثل صيني إن الأزمات تولد الفرص: الفرص لتغيير وضع ساهم أصلا في حصول هذه الأزمة. أسطول الحرية الذاهب إلى غزة ودبلوماسية القرصنة الإسرائيلية كرد فعل على هذا الأسطول تحمل فرصة لكنها تحمل أيضاً العديد من التحديات، ولا بد بداية من الإشارة إلى أهم تداعيات وانعكاسات ما قامت به إسرائيل:

 

أولا، وضع موضوع حصار غزة مجددا على الطاولة بعد أن كان وللسنوات الثلاث الماضية مسألة مسكوتا عنها ومقبولة ضمنيا وكأن تجويع مليون وخمسمائة ألف فلسطيني وتحديد عدد الوحدات الغذائية التي يحصل عليها كل مواطن في غزة كل يوم قرار إسرائيلي كما يذكر الكاتب توماس فريدمان وكأنما هذه المأساة الإنسانية يمكن تجاهلها «وإدارتها» بالحد الأدنى الممكن.

 

وضعت المسألة بقوة على الطاولة ليس فقط كقضية إنسانية بل كمسألة سياسية فاهتز ان لم يكن قد سقط، والسقوط يعتمد على كيفية التعامل مع هذه الأزمة لاحقا، التفاهم بين الأطراف المؤثرة والفاعلة الذي كان قائما حول «إخفاء» وتهميش المسألة الغزاوية.

 

ثانيا، وجد وضعا دوليا شعبيا وحكوميا متعاطفا بشكل كبير مع أهل غزة وينتقد ولو بدرجات متفاوتة ما قامت به إسرائيل مما «يربط» مجددا مسألة غزة كمدخل ساخن للتعاطي مع القضية الفلسطينية وإسقاط المنطق الحاكم لهذه القضية، منطق إدارة النزاع وليس تسويته والمحاولة الخجولة للخروج من الوضع القائم الذي تكرسه علنا ورسميا السياسة الإسرائيلية فلن تعود المسألة قضية مفاوضات غير مباشرة أو تهيئة لمفاوضات قائمة مسألة باهتة وباردة وهامشية على الأجندة الدولية والشرق أوسطية بل عاد الموضوع ليطرح بقوة عبر البوابة البحرية الإنسانية وما نتج عنها.

 

ثالثا، أحداث صدمة قوية في الجسم الفلسطيني، صحيح ان حماس خرجت منتصرة ومثبتة مرة أخرى ان الحصار لم يسقطها لا بل زاد من قوتها وان جريمة ضرب محاولة فك الحصار قد عزز مكانتها السياسية وصحيح ان السلطة صار من الصعب عليها المضي في المحادثات غير المباشرة التي هي أساساً عملية تقطيع وقت إلى حين بلورة إخراج ممكن للمفاوضات المباشرة الفلسطينية الإسرائيلية لكن ايا كان الاختلال الذي حصل في التوازن الداخلي للجسم الفلسطيني فان الفرصة صارت سانحة لإعادة تموضع من كلا الطرفين الفلسطينيين يكون بمثابة التجاوب الوحيد الممكن.

 

والمطلوب لبلورة استراتيجية وطنية فلسطينية تستفيد من هذا التطور الحاصل وتحاول إخراج القضية الفلسطينية من النفق التي وضعت فيه وتحررها قدر الإمكان من الحروب الباردة والصراعات العربية الاقليمية الدولية التي صارت القضية مادتها وأداتها بامتياز فالأطراف غير الفلسطينية كل لأسبابه صار بحاجة إلى تعزيز هذا الدور الفلسطيني الذي يبقى الشرط الضروري وقد يكون غير الكافي للولوج إلى التسوية العادلة والشاملة.

 

رابعا، فرضت دبلوماسية القرصنة نقاشا قويا في إسرائيل بين من برر العملية باعتبار ان الأمن الإسرائيلي حق مطلق يتخطى كل الاعتبارات الدولية والإنسانية الممكنة وعبر عن ذلك من اعتبره البعض بمثابة يسار الحكومة ايهود باراك وزير الدفاع الذي يردد دائما ان إسرائيل هي بمثابة «فيلا في غاب»، وللتذكير فباراك عضو الحكومة المصغرة التي اتخذت قرار الهجوم على سفينة الحرية.

 

وبين رأي آخر يتصاعد ويقول انه ليس من مصلحتنا الصدام مع العالم وخاصة الصدام مع الولايات المتحدة والانعزال فهذه سياسات مكلفة لإسرائيل باعتبار ان الأمن ليس موضوعا عسكريا فقط بل هو سياسي بامتياز ينتج عن علاقات وثيقة مع القوى الفاعلة وصورة ايجابية في ذلك العالم.

 

ويرى البعض ان ما حصل سيكون بداية أزمة تعززها أوضاع دولية وأميركية ضاغطة وتنتج عنها محاولات إسقاط الحكومة والذهاب إلى انتخابات تشريعية جديدة لكن المناخ العقائدي والسياسي المهيمن في إسرائيل مازال مناخا يمينيا متشددا سواء في شقه الوطني أو الديني. المثير للاهتمام في السياق ذاته يكمن في ارتفاع منسوب التوتر بين فلسطينيي إسرائيل والمؤسسة الحاكمة مما يزيد في تعميق الشروخ القائمة بين الطرفين.

 

وابرز ما عبر عن هذا الوضع لا بل رمز هذه الانتفاضة النائب حنين الزعبي من حزب التجمع الوطني الديمقراطي التي كشفت بمواقفها وما أثارته من ردود الفعل العنصرية الإسرائيلية في تجلياتها.

 

خامسا، خرجت تركيا منتصرة بشكل كبير في هذه الأزمة وكرست نفسها كالمدافع الأول في العالمين العربي والإسلامي عن القضية الفلسطينية بل صارت الرمز لهذا الدفاع بما يحمله من معان على صعيد الرأي العام العربي والإسلامي.

 

كل ذلك وهي تحمل خطابا يندرج كليا في السياقات وفي اللغة الدولية المقبولة والمتعارف عليها وتحت سقف ما هو متعارف ومتفق عليه كشرعية ومرجعية دولية مما يزيد من قوة الموقف التركي. فتركيا وضعت شروطا مقبولة مرة أخرى دوليا ومنطقيا لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل منها بالطبع قبول بتحقيق دولي.

 

لكن هذا الحدث كان بمثابة إعلان لنهاية العلاقات المميزة بين تركيا وإسرائيل وما تحمله هذه النهاية من تحولات استراتيجية في المنطقة تتخطى الشأن العربي الإسرائيلي.

 

أسطول الحرية حمل تركيا لتتموضع هذه المرة بشكل أفضل وكلي في قلب النظام العربي المفتوح على مصراعيه الذي يشهد أعلى درجات تفككه مما اوجد حالة من القلق المكتوم في هذا النظام الرسمي تجاه الدور التركي الذي يحمل «مخاطر» ذات مصداقية اكبر للأسباب المذكورة سابقا على النظام الرسمي العربي مقارنة مع الدور الإيراني بسبب طبيعة الخطاب الدولي عند كل من الطرفين وطبيعة العلاقات التي تربط كل من الطرفين بشكل خاص مع الغرب.

 

سادسا، وجدت واشنطن نفسها في حالة ارتباك بين حليف استراتيجي وصديق مميز صار عبئا عليها كما يقول أكثر من شخصية سياسية وفكرية أميركية فإلى أي مدى ستذهب واشنطن في الضغط على إسرائيل للقبول بالخضوع لسقف القانون الدولي اذ دون ذلك ستخسر واشنطن ما بقي لها من مصداقية وستهتز وعودها وهي في بداية تحريك المحادثات غير المباشرة للعودة إلى مفاوضات السلام .

 

وكيف ستلاقي واشنطن حليفها التركي في مطالبه المحقة وهي بحاجة إليه كصلة وصل مع الأطراف التي ترتبط معها واشنطن بعلاقات متوترة وهي بحاجة لتركيا أيضاً في ملف تحريك المفاوضات الإسرائيلية السورية غير المباشرة كذلك الأمر بالنسبة للدور التركي في طمأنة الأصدقاء في المنطقة وفي إطفاء الحرائق وتبريد النقاط الساخنة ودعم الاستقرار الاقليمي كل هذه الأدوار التركية معلقة حاليا لا بل مرتبطة بتسوية مسألة دبلوماسية القرصنة الإسرائيلية.

كاتب لبناني

=====================

سبل تفعيل دور المجتمع المدني

بقلم :فاطمة الصايغ

البيان

13-6-2010

للمجتمع المدني أو المؤسسات الأهلية التطوعية دور مهم في تفعيل العمل الاجتماعي ونشر الوعي بقضايا وهموم الوطن، فدوره مكمل لدور المؤسسات الرسمية في التنمية الاجتماعية والثقافية.

 

ولا يكتمل عمل المجتمع المدني ودوره الفاعل إلا بوجود أفراد فاعلين نشطين مشاركين بهمة في تفعيل هذا المجتمع متى ما أحسوا أن هناك تراجعا في دوره وفي نشاط مؤسساته التطوعية.

 

وتعد فاعلية المجتمع المدني مؤشرا لقياس مدى تطور المجتمعات ومدى تحمل المؤسسات الأهلية لدورها المنوط بها. فنشاط هذا المجتمع وفاعليته تعني أن هناك نوعا من الثقة المجتمعية به وبدوره في اثراء الوعي المجتمعي، وتراجع دوره يعني أن العلاقة بينه وبين الفرد والمؤسسات الرسمية يشوبها نوع من عدم الثقة وفقدان المصداقية.

 

وعلى الرغم من أن نشأة المجتمع المدني في الإمارات أقدم من الاتحاد وعلى الرغم من نشاطه المتقدم إلا أن الملاحظ أن دوره بدأ في الانحسار التدريجي مع تنامي عملية التنمية المجتمعية، وهي ظاهرة تعد عكس ما يحدث في مجتمعات العالم المتقدم.

 

كما أن تفاعل الأفراد معه يشوبها نوع من البرود بل الجمود أحيانا. هذه الظاهرة المثيرة للاستغراب تدعو لدراسة أسباب ضعف مؤسسات المجتمع المدني في الإمارات خاصة وفي دول الخليج عامة، وتحليل هذه العوامل بغية الوقوف على الأسباب المؤدية إلى هذا الانحسار.

 

يعزى البعض أسباب الضعف إلى انصراف الناس عن العمل التطوعي الاجتماعي عامة والى تفوق أصحاب القرار الاقتصادي وطغيان سلطتهم وهيمنتهم على الحياة العامة الأمر الذي حول أصحاب العمل الاجتماعي إلى أفراد هامشين.

 

عامل آخر هو ربما المتغيرات الحياتية التي صرفت الأفراد عن العمل الاجتماعي وحولت اهتمامهم من الشأن العام إلى الشأن الخاص في محاولة جاهدة لتحسين ظروف حياتهم في ظل المتغيرات الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها جميع مجتمعات الخليج.

 

إضافة إلى هذه العوامل يأتي الاهتمام بالشأن الاجتماعي في آخر سلم أولويات الفرد في مجتمعات الرفاهية، حيث أوكلت كل المهام العامة للدولة وتخلى الفرد عن دوره التطوعي. هذه بعض وليست كل الأسباب التي تساهم في دفع الفرد بعيدا عن ميدان العمل الاجتماعي.

 

ولكن هذه المبررات جميعها لا تشفع لهذه المجتمعات عن تراجع العمل الاجتماعي الذي هو مكمل لعملية التنمية المستدامة التي تنشدها الدولة. فهناك من لديه الرغبة في العمل التطوعي ولكنه لا يعرف أين يتوجه، وهناك مؤسسات أهلية تمد يدها ولا تعرف كيف تصل للفئة المستهدفة، وهناك مؤسسات أهلية تفتقد الموارد المالية وتظل تنظر للدولة كمصدر دون أن تعمل على تنويع مصادر دخلها.

 

إذاً هناك نوع من الخلل قد يكون في عمل تلك المؤسسات أو في العلاقة بينها وبين الفرد أو بينها وبين الدولة. ومن هنا يجب التمعن بعمق في الأسباب المسؤولة عن هذا التراجع أو العزوف ومعالجتها لأنها سوف تصبح مسؤولة عن وهن العلاقة المجتمعية بين الشارع والدولة.

 

والملاحظ أن موضوع ضعف مؤسسات المجتمع المدني لا يثير حاليا الاهتمام ولا الرغبة في تحسين وتقوية هذه المؤسسات ووضعها مجددا على الطريق الفاعل الذي اختطته لنفسها منذ بداية عملها، وأيضا لا يثير موضوع العزوف عن المشاركة المجتمعية الفرد المنغمس في شؤونه الحياتية ولا الدولة التي تنظر أحيانا بعدم الثقة لعمل هذه المؤسسات متحينة الفرصة لسحب البساط من تحت بعضها بذريعة عدم فاعليتها.

 

وهكذا يظل العمل المدني التطوعي يدور في حلقة مفرغة. والمتضرر الوحيد من هذه العملية هو المجتمع والذي من حقه علينا أن نرد له جميله ونضع يدا بيد في سبيل الارتقاء بأوضاعه العامة اجتماعيا وثقافيا وتوعويا.

 

وعلى الرغم من عملية الشد والجذب هذه الا أن هناك حقيقة لا يمكن إنكارها وهي أن هناك رغبة رسمية ولو شكلية في استمرار عمل مؤسسات المجتمع المدني. فجميع دول الخليج تعرف أنه على المستوى العالمي لا يمكن قياس درجات الوعي العام بالقضايا السياسية والحقوقية والاجتماعية والبيئية والثقافية من خلال عمل المؤسسات الرسمية فقط، وإنما من خلال مؤسسات المجتمع المدني.

 

ولذا تأخذ دول الخليج جميعها منحى تشجيع عمل مؤسسات المجتمع المدني كواجهة مهمة ومكملة لعمل المؤسسات الرسمية. والحقيقة الأخرى التي لا يجب أن تغيب عن البال أن الإنسان في مجتمعات الخليج قد وصل إلى درجة عالية من الوعي والتواصل الثقافي والإنساني ليس فقط مع قضاياه المحلية والإقليمية بل مع مجمل القضايا العالمية.

 

وقد دلت قضية «أسطول الحرية» على مدى التزام مؤسسات المجتمع المدني خليجيا وعربيا على المشاركة المجتمعية ومدى تواصلها مع محيطها العربي والعالمي. وإذا كان في الإمكان استثمار هذا الوعي وتحويله كرصيد مهم لعمل مؤسسات المجتمع المدني المحلية وتقويتها.

 

ولتفعيل العاملين في هذه المؤسسات وحثهم على المشاركة بفعالية تحتاج المؤسسات الرسمية أن تزيل أولا نظرة عدم الثقة والمصداقية في قضية عمل هذه مؤسسات المجتمع المدني. فعندما يحس الفرد بأن رأيه له وزن وعمله ذي قيمة سوف يقبل على العمل التطوعي الاجتماعي بنفس مفتوحة ولكن عندما يحس بوجود علاقة تشوبها شوائب أو يحس أنه مجبر على العمل الاجتماعي لاعتبارات أخرى قد يكون آخرها الرغبة في تطوير المجتمع والارتقاء بأوضاعه، فهنا الكارثة في عمل تلك المؤسسات.

 

ولتفعيل عمل هذه المؤسسات تحتاج أولا لتجديد الدماء، فعمليات نقل الدم كافة لن تفلح في ضخ النشاط والحيوية إلى هذه المؤسسات ما لم تجذب لها عناصر جديدة قادرة على العطاء لتجديد الرؤى والبرامج. من ناحية أخرى على هذه المؤسسات النظر في قضية تطوير مواردها المالية بعيدا عن الدولة ويمكن التوجه إلى القطاع الخاص وإقناعه بضرورة المساعدة وأهميتها.

 

أن تفعيل عمل المجتمع المدني هو قضية مهمة للارتقاء بالأوضاع العامة ومواجهة جملة التحديات التي يواجهها المجتمع. وللدولة أن تدرك أن وجود مجتمع مدني فاعل يواكب تقدم الدولة وتطورها هو أفضل واجهة للدولة إقليميا وعالميا.

جامعة الإمارات

=====================

رؤية الحكماء تجاه المستقبل الاقتصادي العالمي

أ.د.فؤاد حمدي بسيسو

 الدستور

 13-6-2010

طرحت الأزمة المالية والإقتصادية المعاصرة العديد من المناقشات ومحاولات بلورة الرؤى حول ملامح النظام الأقتصادي العالمي ومحاولة الإهتداء إلى المواصفات التي تضمن الإستجابة لدروس الأزمة الإقتصادية العالمية الراهنة ومنطلقاتها وأسبابها و محاولة بناء علم اقتصادي يخلو من التلوث الذي لم يصب البيئة العالمية فقط ، نتيجة الإفراط في استغلال الموارد دون مراعاة لحقوق الأجيال القادمة في الموارد الطبيعية التي تعرضت للإستغلال الفاحش ، وإنما أصاب هذا التلوث قلب النظام الرأسمالي الحر وأصابه بفيروس الإنفلات اللاأخلاقي والجشع والفساد الذي ضرب جميع أركانه والعديد من مؤسساته ، ونجم عن الحوارات المتعلقة بهذه الرؤى بروز العديد من المقترحات المتعلقة بمصير النظام الرأسمالي ، الذي أشارت نظرية ماركس ونظرية شومبيتر إلى أنه إلى زوال .هذه النظريات التي وجدت تربة جديده خصبة لإنطلاق بذورها لدى بعض المفكرين ، بينما برزت آراء أخري تشير الى ضروؤة إقامة الرأسمالية الإجتماعية (بمفهوم التدخل عندما تفشل قوى السوق الحرة في تحقيق الأهدف المجتمعية - وهو مانطلق عليه الرأسمالية المدارة ) وفي إطار الفكر الإقتصادي الإسلامي والقطاع المالي والمصرفي الإسلامي تكثف الحديث حول حاجة النظام الإقتصادي العالمي الى الإلتزام بأركان وقواعد الإقتصاد الإسلامي ، بإعتبارها الحصانة التي تحول دون تكرار الأزمات ، و بالعمق والحدة التي تحدث فيها في ظل العولمة الإقتصادية والمالية المنفلتة .

 

وضمن سياق هذه المناقشات أشار قبل أيام البروفيسور جوزيف ستيجليتز Joseph E. Stieglitzأستاذ الإقتصاد في جامعة كولومبيا والحائز على جائزة نوبل في الإقتصاد ومؤلف آخر كتاب صدر له بعنوان "وداعا للأسواق الحرة وغرق الإقتصاد العالمي ""Freefall: Free Markets and the Sinking of the Global Economy., أشار ستيجليتز في تقييمه لمستقبل الأزمة الإقتصادية العالمية الراهنة بشكل مركز إلى الجهود الرامية إلى فرض بعض القيود على التعامل في المشتقات المالية (Derivatives)باعتبارها من الملوثات التي نجمت عن العولمة المالية. المشتقات المالية التي ارتبطت تعاقداتها بصفقات لسلع متعاقد عليها ورقيا وليس فعليا أو استنادا لصفقات سلعية ملموسة ، لذلك أطلق عليها تعبير الأستثمار في المشتقات المالية ، والتي كانت سببا رئيسيا في حدوث الأزمة المالية العالمية الراهنة.

 

ونتيجة وجود حالة من صراع القوى والمصالح التي تمثل في رأي ستيجليتز كبار البنوك والمؤسسات المتعاملة في هذه المشتقات وبين المصالح العامة للإقتصاد الوطني ، فإنه يميل الى استمرارية الأزمة الراهنة لفترة أطول ، إذا حيل دون فرض القيود على التعاملات بالمشتقات المالية وغيرها من الأنشطة التي يجب التدخل فيها ، وضمان التنظيم الرقابي المشدد عليها في ظل اقتصاد عالمي لازال في حالة الغرق ، نتيجة حرية السوق التي تم الإجماع على أن استمرار تبنيها ، وبشكل معمق وفق فلسفة تاتشر -ريجان ( طالبت منذ ثلاثين عاما بعدم التدخل في حرية الأسواق) ، كان سببا رئيسيا في انطلاق الأزمة الحالية .

 

والحقيقة الجلية في رأي ستيجليتز الذي نؤيده بقوه تشير إلى الدمار الذي أصاب الإقتصاد العالمي من الإلتزام الوثني بحرية السوق التي سبق أن أطلقها آدم سميث في كتابه ثروة الأمم في القرن الثامن عشر (1776) وأسهمت في تحقيق العديد من المآسي الإقتصادية والإنسانية بما فيها إطالة عمر الكساد العالمي الذي ضرب الإقتصاد الأمريكي والعالمي منذ عام 1929 واستمر لمدة خمس سنوات نتيجة الإلتزام من قبل الرئيس الأمريكي الجمهوري بفلسفة أدم سميث ، ولم يتوقف منحنى الكساد ويتحول في اتجاه التعافي والنمو إلا عندما جاء إلى الحكم في عام 1933الرئيس الديمقراطي روزفيلت الذي آمن بفلسفة التدخل في النشاط الإقتصادي ، وتدخل في ضوء المفاهيم التي أطلقها الإقتصادي البريطاني اللامع كينزJohn Maynard Keynes ونشرها فيما بعد في كتابه بعنوان "النظرية العامة للتشغيل والفائدة والنقود - The General Theory of Employment Interest and Money سنة ,1936

 

خلاصة القول يمر الفكر الإقتصادي العالمي بوقفة متعمقة يجول من خلالها في الملاذات التي تشكل مرتكزات قوية لإنطلاقة نظام اقتصادي دولي ، يجمع ما بين محاسن الحرية التي أطلقها النظام الرأسمالي ومرتكزات التدخل اللازم والمحدود لضمان تحقيق الأهداف الإقتصادية والإجتماعية للمجتمع الإنساني ، وضمن هذا السياق المرتبط بالفكر المعاصر يطرح السؤال الكبير التالي : كيف للدول العربية والإسلامية أن تستفيد بشكل رشيد وموضوعي من المنابع الأصيلة للنظام الإقتصادي الإسلامي من ناحية ، وكيف يمكن للنظام العالمي أن يسترشد في صياغة ملامحه الجديدة بهذه المنابع ومكوناتها من أجل تخليص الإنسانية من الكوارث الإقتصادية الدورية وتحقيق حلم الإنسان في الأمن والأمان ؟؟؟

=====================

حرب بوسائل مختلفة

راكان المجالي

الدستور

13-6-2010

قد يكون صحيحا ان امريكا أوباما الاسود تريد ان تبيض وجه النظام السياسي الامريكي الذي تلطخ بالسواد في عهد الرئيس بوش الابن ، وفي الحسابات ايضا فانه في ظل النتائج الكارثية للحرب الوقائية على منطقتنا وتحول امريكا الى دولة غزو واحتلال ، يصعب تجاهل هذه الآثار الكارثية ونتائجها ، فامريكا متورطة في افغانستان التي هزمت كل الغزاة عبر التاريخ وفي الزمن الحديث ايضا وامريكا كذلك غارقة في المستنقع العراقي ، ولهذه المعطيات والاسباب وغيرها فان المغامرة الامريكية لحرب جديدة خاصة اذا كان البلد المستهدف هو ايران البلد العقائدي والعصي على الاستسلام ، ومن هنا فان امريكا أصلا ليست في وارد شن حرب على ايران أو توجيه ضربة تدميرية له ، لأن لذلك ثمنا ، ولأنه ايضا يفاقم من ازمة امريكا في المنطقة والعالم.

امريكا استخدمت ورقة التهديد بالحرب وكذلك التحريض الاسرائيلي لتساوم الصين وروسيا وغيرهما من اجل استصدار قرار عقوبات من مجلس الامن الدولي بموجب الباب السابع ، وباعت هؤلاء تنازلها عن الحرب مقابل تظاهر امريكا بمجاراتها في قرار عقوبات رابع متشدد ضد ايران بعد قرارات مجلس الامن الثلاثة السابقة واولها الصادر في كانون الاول من العام 2006 وثانيها الصادر في اذار 2007 وثالثها الصادر في اذار ,2008

 

وبالنسبة لايران فهي ايضا تعتبر ان قرار العقوبات يعطيها نفس ومدى لاستكمال برنامجها النووي وتعتبر ان تجنب الحرب نجاح لها دون ان تقدم اية تنازلات في مسألة برنامجها النووي.

 

اما بالنسبة لاهل المنطقة فمهما تكن التناقضات والخلافات بين انظمة الحكم في المنطقة فان تفادي الحرب يعني تفادي مأساة اخرى تصيب الجميع بدون استثناء ، فقد تعلم الجميع بمن في ذلك الذين حرضوا على العراق بان مصيبة احتلال العراق دفعت كل بلدان المنطقة ثمنها غاليا.

 

لكن ما يزعج في موضوع العقوبات على ايران وباستعادة النموذج العراقي هو ان العقوبات والحصار على العراق كانت نوعا من الحرب غير المباشرة والتي لا تترك اثرها على ايران فقط وانما تبقي الازمة قائمة والتوتر في تزايد ولن يكون احد في المنطقة بمنأى عن تداعيات المواجهة الامريكية والغربية المستمرة مع ايران بما في ذلك انعكاسات كل الحروب والضغوط على المنطقة سلبيا على القضية الفلسطينية خاصة اذا كان الهدف اخراج كل الكتل الكبرى من معادلة الصراع مع اسرائيل وهو ما حدث عبر خروج مصر في كامب ديفيد ثم اخراج العراق بحرب والجزائر بقضية والسودان والصومال ..و.. و.. وكل ذلك له معنى واحد هو ان هنالك حربا متصلة على الامة بوسائل عديدة مباشرة وغير مباشرة.

=====================

(أسطول الحريّة) وسيناريو (الفصل) الإسرائيلي

نعوم تشومسكي

(أستاذ الفلسفة واللسانيات بمعهد مساتشوستس للتكنولوجيا)

«نيويورك تايمز» الاميركية

الرأي الاردنية

13-6-2010

اعتداء إسرائيل العنيف على أسطول الحريّة، الذي كان يحمل مساعدات إنسانيّة إلى غزّة، صدم العالم بأسره. بالتأكيد، يشكّل اختطاف السفن وقتل الركاب داخل المياه الإقليميّة جريمةً خطيرةً. لكن الجريمة ليست بجديدة، إذ أن إسرائيل تواصل منذ عقود اختطاف السفن بين قبرص ولبنان وقتل المسافرين أو خطفهم حتى أنها في بعض الأحيان تحتجزهم كرهائن في السجون الإسرائيليّة.

وتفترض إسرائيل أن بإمكانها ارتكاب مثل هذه الجرائم بحصانة لأن الولايات المتحدة الأميركيّة تجيز هذه الأعمال كما أنّ أوروبا غالباً ما تحذو الحذو الأميركي. وكما أشار المحررون في صحيفة «الجارديان» في الأول من يونيو الجاري، وهم محقون بذلك، «إذا ما هاجمت مجموعة مسلّحة من القراصنة الصوماليين بالأمس ستة مراكب في عرض البحر، وقتلت عشرة ركاب وجرحت الكثيرين لتوجّهت قوات حلف شمال الأطلسي اليوم نحو الشاطئ الصومالي». في هذه الحال تجبر معاهدة «الناتو» أعضاءها على مساعدة دولة زميلة في حلف شمال الأطلسي، تركيا، تم الاعتداء عليها في عرض البحر.

أما ذريعة إسرائيل، فكانت أنّ أسطول الحريّة كان ينقل مواد تستطيع حركة «حماس» استخدامها كمستودعات لإطلاق الصواريخ نحو إسرائيل.

لكن هذه الذريعة عاريّة عن الصحّة، أضف إلى ذلك أن إسرائيل تستطيع بسهولة وقف تهديد الصواريخ من خلال الوسائل السلميّة. تعدّ الخلفيّة مهمّة، فلقد تمّ تصنيف «حماس» كخطرٍ إرهابي أساسي منذ أن فازت في الانتخابات الحرّة التي جرت في شهر يناير 2006. ومنذ ذلك الحين صعّدت الولايات المتحدة الأميركيّة وإسرائيل بشدة عقوبتهما ضد الفلسطينيين بسبب جريمة الاقتراع في الاتجاه الخاطئ.

فكانت النتيجة فرض حصار ضد غزّة يشمل حصاراً بحريّاً، اشتد بقوة في شهر يونيو عام 2007 بعدما أدت الحرب الأهليّة إلى سيطرة «حماس» على القطاع. في الواقع يتأتى ما يتم غالباً وصفه بانقلاب «حماس» العسكري نتيجة التحريض الأميركي والإسرائيلي في محاولةٍ فظّة منهما لإلغاء نتائج الانتخابات التي جلبت الحركة إلى السلطة.

وقد انتشر هذا الأمر أمام الرأي العام على الأقل منذ عام 2008 عندما نقل «دايفيد روز» في مجلّة «فانيتي فير» أن مستشارة جورج بوش للأمن القومي كوندوليزا رايس ونائبها إليوت أبراهامز «دعما قوةً فلسطينية مسلحة من فتح وسببا بذلك حرباً أهليّةً داميةً في غزة جعلت حماس أقوى من أيّ وقتٍ مضى».

يشمل إرهاب «حماس» إطلاق صواريخ على البلدات الإسرائيليّة القريبة، ما يشكل جرماً من دون شك، بيد أنّ ذلك يمثّل نقطةً في بحر روتين الجرائم الأميركيّة الإسرائيليّة في غزة. في يونيو 2008 توصّلت «حماس» وإسرائيل إلى اتفاق وقف إطلاق نار. وقد اعترفت الحكومة الإسرائيليّة رسميّاً به إلى أن خرقت الاتفاق في شهر نوفمبر من العام الفائت عندما اجتاحت غزّة وقتلت ستّة من الناشطين في «حماس»، في وقت لم تكن هذه الأخيرة قد أطلقت صاروخاً واحداً باتجاهها.

وقد اقترحت حركة «حماس» تجديد وقف إطلاق النار غير أن الحكومة الإسرائيليّة فكّرت بالعرض ورفضته مفضّلة البدء باجتياح غزة الدامي في 27 ديسمبر2008.

على غرار الدول الأخرى، تملك إسرائيل حقّ الدفاع عن النفس، ولكن هل كانت إسرائيل تملك الحق باستعمال القوّة ضد غزّة باسم الدفاع عن النفس؟ إن القانون الدولي بما فيه ميثاق الأمم المتحدة واضحٌ: تملك أمّة مثل هذا الحق فقط عندما تكون قد استنزفت الوسائل السلميّة التي لم يتم حتى اختبارها في هذه الحالة، وذلك بالرغم، أو ربما بسبب، وجود كافّة الأسباب التي تفترض أنها كانت لتنجح. لقد شكّل الاجتياح بالتالي اعتداءً إجراميّاً محضاً كما هو الحال بلجوء إسرائيل إلى استعمال القوة ضد أسطول الحريّة.

إن الحصار متوحّش يهدف إلى إبقاء الناس في داخل القفص بالكاد أحياء بشكلٍ يمنع الاعتراض الدولي، بيد أنّه وللأسف يرمي إلى أكثر من ذلك، إذ أنه يشكّل المرحلة الأخيرة من المخططات الإسرائيليّة القديمة العهد المدعومة من أميركا لفصل غزة عن الضفة الغربية.

في هذا السياق تشير الصحافيّة الإسرائيليّة المتخصصة في شؤون غزة «سارة هاس» إلى تاريخ عمليّة الفصل فتقول: «بدأت القيود التي فرضتها إسرائيل على الحركة الفلسطينيّة في شهر يناير من عام 1991 مقابل عمليّة أخرى تمّ البدء بها منذ يونيو 1967.

«في ذلك الوقت وللمرّة الأولى منذ عام 1948 عاد جزء كبير من الفلسطينيين للعيش مرةً جديدة في منطقةٍ مفتوحةٍ داخل بلدٍ واحدٍ، لمزيدٍ من التأكيد، في بلدٍ كان محتلاً ومع ذلك كان واحداً».

وتخلص «سارة» إلى القول:»يشكّل الفصل الكامل لقطاع غزّة عن الضفّة الغربيّة أحد أعظم إنجازات السياسة الإسرائيليّة. أما الهدف الأسمى لهذه السياسة، فهو منع التوصّل إلى حلّ يرتكز على القرارات والتفاهمات الدوليّة وفرض تسوية تستند إلى تفوّق إسرائيل العسكري». لقد تحدّى أسطول الحريّة هذه السياسة لذا تم قمعه.

تمّ إيجاد إطار عمل لحلّ الصراع العربي- الإسرائيلي منذ عام 1967 عندما اعتمدت الدول العربيّة في المنطقة قراراً صادراً عن مجلس الأمن يدعو إلى إقامة دولتين على الحدود الدوليّة يحتوي على كافة ضمانات الأمن المنصوص عليها في قرار الأمم المتحدة 242، الذي تمّ إقراره بعد حرب يونيو 1967.

في الواقع تحظى المبادئ الأساسيّة بتأييد العالم بأسره بما فيه جامعة الدول العربيّة ومنظمة المؤتمر الإسلامي (التي تضمّ إيران) إضافةً إلى الجهات الفاعلة المهمة من غير الدول ومن بينها «حماس». لكن الولايات المتحدة الأميركيّة وإسرائيل قادتا رفض هذا الحل لثلاثة عقود وشكلتا استثناءً صريحاً وعنيفاً. لقد أثار كلينتون في الشهر الفائت في مكتبه، مفاوضات طابا (مصر) الفلسطينيّة- الإسرائيليّة يناير 2001، التي أفضت إلى اتفاقٍ حسبما أعلن المشاركون قبل أن تقوم إسرائيل بقطع المفاوضات.

في الوقت الراهن، لا تزال شرعيّة السلام الذي لم يتحقق مستمرةً، لكن لا يمكن تعزيز القانون الدولي في مواجهة الدول الكبرى إلا من خلال المواطنين في هذه الدول، ولطالما شكّل ذلك مهمّة صعبة.

=====================

العراق.. والأزمة الحكومية المفتوحة

نصوح المجالي

الرأي الاردنية

13-6-2010

سيجتمع البرلمان العراقي الجديد في أول جلسة مفتوحة له لكن أزمة تشكيل الحكومة وتجاوز الاساليب والمنطلقات التي قام عليها الوضع السياسي الجديد ستبقى أيضاً مفتوحة تحتمل الصراع السياسي والجدل والتسويات.

 

إياد علاوي رئيس الكتلة التي حازت على الاغلبية معارض للنظام السابق وجزء من النظام الجديد, فلماذا يستبعدونه عن الحكومة؟

 

مشكلته انه اراد أن يحرف بوصلة النظام العراقي الحالي نحو معادلة اكثر توازنا, اكثر عراقية واقل طائفية, وابعد قليلاً عن التبعية المطلقة لايران واقرب للولاء الواضح للعراق بكل مكوناته واطيافه وأنه يطالب بصيغة سياسية مدنية, لا تلغي أي مكون ولا تتجاهل احداً, ولكنها تقلص من تسييس الدين في السياسة العراقية.

 

هذا ما يحتاجه العراق المتعدد الطوائف والاطياف ان صح المقصد, واياد علاوي أقل شيعية من غيره وأقل سنيّة ايضاً, وأقل طائفية وقائمته متعددة الاتجاهات والاطياف تدعو لصيغة وطنية عراقية اكثر عراقية.

 

لكن خصوم القائمة العراقية او منافسيها في نفس النظام السياسي الحالي يرونه غريباً وخطراً لأن نجاح تياره سيعني الانفكاك التدريجي عن النفوذ الايراني وتقليص الاحتلال الباطني الذي تمارسه ايران من ثنايا الاحتلال الاميركي الذي قدم العراق هدية مجانية لايران.

 

الاخرون يريدون عراق المحاصصة والتقسيم لأنهم يخشون المستقبل, يريدون حصتهم سلفاً من العراق, اقاليم, ونفطاً وثروة يتم محاصصتها وحماية ايرانية مباشرة.

 

فالعراق المقسّم المنقسم اقرب لمصالحهم ومصالح ايران, ولهذا يتجاهلون الملايين من المهاجرين العراقيين في دول الجوار لأنهم ليسوا ضمن حصتهم.

 

لا يحتاج السيد اياد علاوي الى اثبات ولائه للنظام السياسي الجديد فهو رئيس الوزراء الذي أمر باقتحام الفلوجة السنية, وهو رئيس الوزراء الذي أمر بضرب النجف, ليؤكد ان الدولة العراقية فوق الاعتبارات الطائفية بحسب رأيه, وهو يدرك أن بناء عراق جديد مستمر ومستقر يحتاج الى آليات عمل جديدة, وثوابت سياسية واضحة وتوافقات سياسية واجتماعية تجعل من وحدة العراق والمواطنة العراقية حجر الاساس في منعة العراق واستقراره الداخلي.

 

خصوم اياد علاوي يتهمونه بأنه اقرب للعرب من ايران, وأنه بعثي سابق, والحقيقة أنهم يرون أنه أبعد منهم عن ايران, وهذا زمان يتهم العربي فيه بأنه قريب من أمته وهويتها وتتهم فيه مراكز النهضة العربية وتوصم بأنها عربية, فبغداد كانت بغداد الرشيد وليست بغداد كسرى والعاصمة التي مدّت رواق الاسلام وروحه والحضارة العربية الى ما حولها من بلدان بلاد فارس..

 

بغداد لم تكن مستعمرة لدولة في الجوار والممالك, كانت تتبع لملكها في عاصمة الرشيد, والتاريخ لا يزوّر وان كانت السياسة تحتمل ادنى أشكال المكابرة والتزوير, عندها تصبح السياسة المشكلة وليس الحل.

 

اننا مع اقامة أفضل الوشائج والعلاقات مع ايران المسلمة, ولكننا ضد وجود مندوب سام ايراني يخرب وميليشيا في كل ساحة عربية, هنا يقع الخطأ في الدور والتصور السياسي.

 

اننا نتمنى الخير للعراقيين وأول الخير وقاعدته توحدهم على ثوابت العراق ووحدته أرضاً وشعباً, وحضور جميع أطيافه, في معادلة وطنية ديموقراطية لا تحركها ثارات الماضي, انما استحقاقات الوطن الجريح, الذي قطع أوصاله الاحتلال واستحقاقات بناء مستقبل لجميع العراقيين, ولم شمل الشعب وتحقيق المصالحة الوطنية بعيداً عن الاستقواء بالاحتلال أو الجوار.

=====================

أردوغان: تركيا هي سوريا وسوريا هي تركيا! [2]

علي حماده

(اسطنبول)

النهار

13-6-2010

في مداخلته التي خرج فيها تماما عن النص خلال "الملتقى التركي – العربي الخامس" الذي نظمه الزملاء في "الاقتصاد والاعمال" الخميس والجمعة الفائتين في اسطنبول، اطلق رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان شعارا سيدخل ادبيات المرحلة السياسية الراهنة، بما يؤشر الى التحول الذي تشهده الخيارات السياسية التركية، قال: "ان تركيا هي سوريا وسوريا هي تركيا، وعلى المنوال نفسه فإن تركيا هي لبنان ولبنان هو تركيا".

في السياق نفسه كان لأردوغان خطاب أمام الحضور وفي مقدمهم وزراء خارجية 17 دولة عربية اجتمعوا على ضفاف "الآستانة" ليستمعوا الى "خليفة" عبد المجيد! يعود بالتاريخ الى قصيدة ألفها واضع النشيد الوطني التركي يقول فيها ما معناه: لا يعيش التركي من دون العربي ولا يعيش العربي من دون التركي، والتركي للعربي عينه ويده اليمنى... ويسترسل اردوغان في العودة الى تاريخ المنطقة ليذكر ان "المنطقة كانت قبل 1922 واحدة؟ وليضع "فلسفة العلاقات التركية – العربية التي شرعت حكومته في تنفيذها، وهي تستند الى رباعي: الجغرافيا والتاريخ والثقافة والحضارة التي تهدف الى تكوين علاقات سمتها الاساسية الحميمية.

اكثر من ذلك وفي ما يتعدى في الاهمية كلاما آخر قاله عن ان تركيا لم تتراجع عن سياسة التقارب مع الغرب، يطلق رجب طيب اردوغان عبارات من نوع ان "تركيا وسوريا دولتان وكأنهما دولة واحدة"، او قوله "اننا نقوم بإزالة الحواجز المصطنعة بيننا وبين العالم العربي"، او قوله ايضا "لقد ادرنا ظهرنا للعرب وهم اداروا ظهرهم لنا بسبب الدعاية السيئة في مرحلة ما بعد الاستقلال، لكن تلك المرحلة انتهت".

كلام جديد، ومصطلحات جديدة آتية من البوسفور، كانت من صلب الايديولوجيا القومية العربية التي بنيت على رباعي الجغرافيا والتاريخ والثقافة والحضارة، وعلى هدف ازالة الحواجز المصطنعة التي نشأت بفعل اتفاقية "سايكس – بيكو". والحال ان الاتراك اليوم ينجحون في شكل او آخر في تمزيق " سايكس – بيكو " حيث عجزت الأنظمة القومجية العربية التي حكمت اهم دولتين في المشرق العربي في المس بها. وجل ما نجحت في تحقيقه كان تفجير مزيد من العصبيات ومشاعر الكراهية المتبادلة، وصولا الى تمزيق النسيج الاجتماعي المتنوع الذي ميّز المشرق العربي.

شعرت وانا استمع الى رئيس وزراء تركيا ان مشهدا جديدا يرتسم في سماء المنطقة، حيث تعود تركيا الى المشرق العربي على انقاض القومية العربية التي قتلتها الانظمة العسكرية الديكتاتورية من ناحية، ومن ناحية أخرى يأفل بالتأكيد نجم الجمهورية الاسلامية في ايران التي تتجه الى أن تصبح أشبه بمارد "غوليفر" الذي كبلته حبال حاكها رهط الاقزام فلم يقوى على التخلص منها على الرغم من حجمه.

ففي حين مثلت الجمهورية الاسلامية في ايران مشروعا تفجيريا للمنطقة، من العبث بالنسيج الاجتماعي للكيانات العربية، الى القفز على حبال القضية الفلسطينية، وصولا الى محاولة خلق شرعيات مذهبية موازية للشرعيات القائمة، تستغل تركيا في شكل او آخر الفراغ العربي الكبير وتحاول ان تمثل مشروعا نقيضا يستند الى الشرعيات القائمة، في محاولة لتجنب إعطاء انطباع انها تحمل مشروع هيمنة جديداً يحاول ان يحل مكان مشروع الهيمنة الايراني الذي بدأ بالتداعي لاسباب كثيرة ليس اقلها العقوبات الدولية وآخرها القرار 1929، او الاهتزاز الكبير الذي شكلته الانتفاضة الخضراء اثر الانتخبات الرئاسية في حزيران 2009.

في كانون الثاني الفائت خلال زيارة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري الرسمية الاولى لتركيا دعي والوفد المرافق الى تناول طعام العشاء في المقصف الخاص بالسلطان عبد المجيد في قصر توبكابي والمقفل امام الزوار والسياح، وقد جلسنا تحت لوحة ضخمة لعبد المجيد تصدرت القاعة. لم انس مهابة تلك اللحظة ولا كيف يعود التاريخ زائرا يفرض قواعده. فكيف عندما يكون التاريخ حقيقيا بخلاف تاريخ بعض "ولايات" يتخيل ورثتها انها ذات مرة كانت امبرطورية بينما لم تكن اكثر من "ولايات" من بين "ولايات" التي تشكلت منها كيانات ما بعد سايكس- بيكو!

=====================

لنغلق مطارات أوروبا وموانئها بوجه إسرائيل

موقع information clearing house

ترجمة

الأحد 13-6-2010م

ترجمة: رواء حمادة

الثورة

لايزال الغموض يلف أعداد ضحايا المذبحة الإسرائيلية ضد أسطول الحرية حتى الآن، لكننا على أي حال نعلم أن المئات من جنود إسرائيل هاجموا أسطول الحرية الذي كان ينقل المساعدات الإنسانية الدولية لقطاع غزة وذلك حوالي الرابعة فجراً بتوقيت القطاع،

ونعلم أيضاً أن الصحف العربية ذكرت أن ستة عشر ناشطاً للسلام قتلوا وأكثر من خمسين آخرين جرحوا، لكن الأيام القادمة ستكشف العدد الحقيقي للضحايا، لقد أصبح واضحاً مرة أخرى أن إسرائيل لاتحاول إخفاء طبيعتها الحقيقية، تلك الطبيعة غير الإنسانية والإجرامية والوحشية وكأنها مجتمع مختل عقلياً بكامله بسبب سياساتها العنصرية.‏

لقد كانت الحكومة الإسرائيلية لأيام تعمل على تهيئة المجتمع الإسرائيلي للمذبحة البحرية، حيث صرحت أن الأسطول يحمل على متنه الأسلحة والإرهابيين ولكن تبين لنا أن هذا التلفيق الإعلامي الإسرائيلي الخبيث كان من أجل تحضير شعبها لعملية عسكرية قاتلة بكل المقاييس في المياه الدولية، فإذا كنا مدركين تماماً لوجهة إسرائيل وللنتائج المحتملة فإن مجلس الوزراء الإسرائيلي والنخبة العسكرية كانا مدركين بالكامل لنتائج القرصنة التي قام بها جنودهم.‏

إن حدث لم يكن هجوم قرصنة إرهابياً فقط، كان في الواقع مذبحة علنية ففي المياه الدولية شنت إسرائيل غاراتها على قافلة دولية بريئة من السفن تقل الإسمنت والمساعدات الطبية والورقية إلى أبناء غزة المحاصرين، حيث كانت فرصة العديد من ناشطي السلام ومعظمهم شيوخ أمام آلات القتل الإسرائيلية.‏

لقد شهدنا خلال أسبوع المظاهرات حول العالم وشهدنا الكثير من الأحداث التي تندب ضحايانا وربما سنشهد أيضاً بعضاً من أصدقاء إسرائيل يستنكرون هذه المجزرة، هذا غير كاف بالطبع، فتلك المجزرة هي عملية تعمدتها إسرائيل فقد أرادت سفك الدماء لأنها تعتقد أن قوتها الرادعة تتسع بأكبر عدد من القتلى تتركهم خلفها.‏

القرار الإسرائيلي بتجنيد المئات من الجنود ضد المدنيين كان قراراً اتخذه مجلس الوزراء الإسرائيلي بالتعاون مع كبار القادة العسكريين الإسرائيليين.‏

ليس بالشيء السري أن الفلسطينيين يعيشون في الحصار لسنوات لكن الوقت حان حتى تتحرك الأمم وتصعّد أقصى الضغوط على إسرائيل لفك هذا الحصار الظالم.‏

فمنذ ارتكاب الجيش للتلك المجزرة، الجيش الذي أطاع تعليمات حكومة نتنياهو، فإن كل إسرائيلي من الآن فصاعداً سيعتبر مجرم حرب مالم يثبت العكس.‏

لذا يجب على كل من أعضاء حلف الناتو وبلدان الاتحاد الأوروبي أن يوقفا علاقاتهما مباشرة مع إسرائيل وأن يغلقا مجالهما الجوي في وجه الطائرات الإسرائيلية، آخذين بعين الاعتبار أن إسرائيل انقضت على سفن بحرية تبحر تحت الأعلام اليونانية والتركية والآيرلندية، وعلى العالم أن يرد بسرعة وبشدة، آخذاً بالحسبان أخبار الغواصات النووية الإسرائيلية المتوضعة في عرض البحر والتي تهدد السلم الدولي.‏

إسرائيل الآن فقدت صوابها رسمياً وبشكل فظيع والدولة اليهودية ليست فقط غير مبالية بالحياة الإنسانية، بل إنها تنشد السعادة في إيقاع الألم والدمار بالآخرين.‏

=====================

نقاط صهيونية على حرف أمريكي

آخر تحديث:الأحد ,13/06/2010

خيري منصور

الخليج

لم يكن العالم بانتظار ما قاله وزير الأمن الأسبق في الدولة الصهيونية عن دور الصهيونية في احتلال العراق فالقرائن كانت ولا تزال عديدة، وكذلك الشهادات التي أدلى بها شهود عيان من مختلف المواقع والمواقف، لكن آفي ديختر في محاضرة له حول دور تل أبيب في احتلال العراق أضاف أدلة أخرى، وسمى الأشياء بأسمائها، فهناك أطراف كانت على صلة بتل أبيب والقنوات التي كانت سرية في السبعينات من القرن الماضي فاحت رائحتها في مطلع هذا القرن، لكن ما لم يقله آفي ديختر هو الدور التحريضي الذي لعبته تل أبيب كي تورط واشنطن في مستنقع جديد، رغم أن الصهيونية فاتها أن من أهم إنشاء الدولة الصهيونية ومساندة الدول الكولونيالية لها هو أن تكون عازلاً بين العراق والبحر المتوسط، وأنها فقدت نصف وظيفتها على الأقل باحتلال العراق، لأن حاسوبها الأحمق أحصى سنوات قليلة قادمة، ولم يستطع إحصاء ما تبقى من التاريخ، فالعراق لم يحذف من تضاريس العرب القومية، ولم يعد كما هدده شوارتسكوف إلى القرن التاسع عشر، إنه حاضر بكامل التعقيدات التي يتشكل منها مشهده السياسي، والعراقيون يدركون الحقيقة، رغم كل أساليب التضليل التي مورست لتغييب الوعي، ولا أظن أن الأوان قد فات لاستدراك ما يمكن استدراكه فالعراق لا يزال ماكثاً بمائه ويابسته ونخيله وسكانه وما في باطن أرضه من ثروات حيث هو، وحيث كان منذ آلاف السنين، لكن ما حدث وباعتراف الصهيونية هو محاولة إضعاف وتفكيك لبلد عربي أساسي وعريق وذي عمق استراتيجي وحضاري، ومحاولة الإضعاف هذه ليست بأية حال الطعنة القاتلة فما أصيب في العراق ليس مقتله الوطني والقومي، بل جلدته السطحية التي سوف تتحرر آجلاً أو عاجلاً من بثور الاحتلال والحمى التي أحدثها الانتهاك تحت ذرائع ملفقة، فالأقنعة منذ سبع سنوات كانت الأعجف في تاريخ العرب المعاصر تساقطت تباعاً، خصوصاً تلك الأقنعة الشمعية التي أذابتها شمس العراق الساطعة التي لم تفلح غرابيل الاحتلال في حجب أشعتها .

 

ما يقوله وزير الأمن الأسبق ديختر، سبق أن رشح من عدة مصادر منها ما هو إقليمي وما هو دولي، لكن النقاط لم تكن واضحة فوق الحروف كما هي الآن، فاحتلال بلد كالعراق وبأهميته ومكانته في القلادة القومية يخدم الصهيونية كثيراً، لكن في المدى المنظور فقط، لأن العراق لن يبقى غارقاً في دمه، ولن يبقى مشتبكاً حول الهويات الفرعية التي قضمت الهوية الأم لبعض الوقت، وذات يوم سيعي حتى هؤلاء الذين زينوا الاحتلال وسوغوه وابتكروا له المبررات والذرائع أن ما مارسوه كان انتحاراً، لكنه انتحار القط الذي يلحس مبرد الحديد ويستعذب دمه .

 

لأن الاحتلال منذ أقدم العصور حتى القيامة سيبقى النقيض للتحرير، ولن يكون بأية حالة الطريق المعبد الذي يوصل إلى الخلاص .

 

ما حدث كان أكثر من التباس في الوعي، لأن هناك أطرافاً كانت تدري، لهذا فالمصيبة أعظم، وغالباً ما يدفع من يخلطون الإجرائي بالاستراتيجي ثمن هذا الخطأ، لكن بعد خراب البصرة كما يقول مثل عراقي مشبع بالحسرة والندم .

 

شهادة وزير الأمن ديختر مجرد توقيع بالاسم الكامل بدلاً من البصمة الحمراء، وما نخشاه هو أن يتطوع لتكذيب ديختر من كانوا ضحايا الاحتلال وهم لا يعلمون .

=====================

فرص كبيرة لتعزيز العلاقات الأوروبية - الخليجية

آخر تحديث:الأحد ,13/06/2010

غونزالو دي بينيتو ولويجي ناربوني وكريستيان كوخ

الخليج

يجتمع في الرابع عشر من يونيو/ حزيران 2010 وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون لدول الخليج العربية في لكسمبورغ من أجل عقد اجتماعهم الوزاري السنوي المعتاد . وستكون هذه هي المرة الأولى التي تجتمع فيها الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، لايدي كاثرين آشتون، بنظرائها في مجلس التعاون الخليجي من أجل مناقشة تفاصيل العلاقة بين المنطقتين . وبما أن هذا الاجتماع يتزامن والذكرى العشرين لدخول اتفاقية التعاون الأوروبية الخليجية حيز التنفيذ عام ،1989 سيستغل المجلس الوزاري هذه المناسبة لتعزيز مبادرات عدة اتخذها الطرفان مؤخراً بهدف الارتقاء بالعلاقات الأوروبية الخليجية لتصبح أكثر دينامية وفعالية .

 

ونظراً إلى آخر التطورات على الساحة الدولية، يعتبر الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي منظمتين على قدر من الأهمية في مواجهة تحديات الوقت الراهن . وأصبح الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 27 دولة و495 مليون نسمة وينتج ربع إجمالي الناتج المحلي في العالم، المنظمة الإقليمية الأنجح . فقد حققت ازدهاراً غير مسبوق في قارة مزقتها الحروب والنزاعات في ما مضى . ويعتبر الاتحاد أيضاً فعالاً جداً في إدارة مجموعة من الأدوات السياسية الجوهرية لمواجهة عدد من التحديات القائمة أو الناشئة على المستوى العالمي . فالاتحاد هو أكبر مزود للمساعدة والتنمية التقنية (49 مليار يورو عام 2009) وهو مساهم ناشط في العلاقات المتعددة الأطراف وإدارة الأزمات والنزاعات .

 

ورسخ الاتحاد رغبته في ممارسة تأثير أكبر في المسائل العالمية مع دخول معاهدة لشبونة حيز التنفيذ في ديسمبر/ كانون الأول ،2009 وذلك عن طريق تعزيز عملية صناعة القرار وتعزيز سياسته الخارجية . وبرهن الاتحاد في الواقع أنه بعيد كل البعد عن البيروقراطية الكبرى والجامدة، بل أثبت أنه يتمتع بقدرة كبيرة على التكيف مع التقلبات في المناخ الدولي . ويبدو بالتالي أن الاتحاد، بطبيعته ككيان فعّال على الساحة الدولية ورسالته للارتقاء بالمساعي الدولية لمواجهة التحديات العالمية، شريكاً ممتازاً لدول مجلس التعاون الخليجي .

 

في الإطار نفسه، أسس مجلس التعاون الخليجي عام 1981 كمنظمة تملك قدرة عملية متزايدة وقد أسهم في رفاه شعبه وعمل من أجل إرساء السلام والأمن في دول الجوار . وباتت عملية الاندماج الاقتصادي التي نفذها نموذجاً يُحتذى به لأسواق الشرق الأوسط المتذبذبة . وبالإضافة إلى دورها في أسواق الطاقة العالمية، باتت دول المجلس رائدة في تحرير الاقتصاد والاستثمارات الأجنبية في المنطقة .

 

علاوةً على ذلك، بدأت دول المجلس تعزز دورها في مسائل الأمن الإقليمي، كما برز جلياً من خلال مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز من أجل فض النزاع العربي - “الإسرائيلي”، ومن خلال دورها البنّاء في إخماد نار الفتنة في لبنان، وسعيها لإرساء الاستقرار في أفغانستان . وباتت الدبلوماسية الخليجية اليوم لاعباً أساسياً على الساحة الإقليمية والدولية، ولا شك في أن هذا التطور يصب في مصلحة أوروبا .

 

بشكل عام، تعتبر العلاقات الأوروبية الخليجية اليوم أكثر حيوية على الصعيد الاقتصادي وأكثر أهمية في توطيد استقرار المنطقة . وينعكس ذلك في التزام الطرفين مؤخراً بإعطاء هذه العلاقة ما تستحقه من أهمية، فاتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي أصبحت قريبة المنال، على الرغم من أن إبرام هذه الاتفاقية بين الجانبين لا يزال بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود الصادقة . إن من شأن هذه الاتفاقية أن تعزز الشراكة الاقتصادية بين المنطقتين، وتجعل من أوروبا أبرز سوق للصادرات الخليجية . وتجدر الإشارة إلى أن حجم التجارة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي بلغ 79 مليار يورو عام 2009 ويتوقع أن تنمو هذه التجارة أكثر في ظل اتفاقية التبادل التجاري الحر . وتكتسب هذه العلاقة الاقتصادية أهمية كبرى مع تركيز المنطقتين على مسائل مشتركة كالطاقة البديلة وبالتالي مواجهة التغير المناخي ومشكلات بيئية أخرى، بالإضافة إلى إصلاح السياسات المالية والاقتصادية العالمية وتعزيز نظامٍ دولي يقوم على قوانين شاملة .

 

بالإضافة إلى ذلك، طورت المنطقتان مشاريع عدة وشبكات تبادل في حقل الدبلوماسية العامة والعلوم والتكنولوجيا والطاقة النظيفة والتعليم وتوسيع الحوار السياسي . ويتوقع أن يوافق المجلس الوزاري على برنامج عمل مشترك يحدد الأولويات والمبادرات المشتركة ليشكل إطار عمل متسق لتنفيذ المشاريع في السنوات المقبلة . لا شك بالتالي في أن الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون يبديان نية واضحة للارتقاء بالعلاقات إلى مستوى استراتيجي أعلى .

 

وبالتزامن مع تطور العولمة التي تجعل من العالم قرية صغيرة، يبرز الاتحاد والمجلس ككيانين مجاورين يتشاركان القيم والمثل نفسها، كما أنهما يدركان الحاجة إلى تعميق التعاون من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والازدهار والأمن والسلام . وتعتبر هذه العوامل محفزات مهمة تقرر مسار هذه العلاقة بينهما .

ــــــــ

* غونزالو بينيتو هو السفير الحالي لإسبانيا في دولة الإمارات العربية المتحدة، فيما تتولى إسبانيا حالياً رئاسة الاتحاد الأوروبي، والسفير لويجي ناربوني هو رئيس وفد الاتحاد الأوروبي في المملكة العربية السعودية، وكريستيان كوخ مدير الدراسات الدولية في مركز الخليج للأبحاث في دبي .

=====================

عندما يبحث العرب مجدداً... عن بطل!

خيرالله خيرالله

الرأي العام

13-6-2010

البحث العربي مستمر عن بطل. هناك صمود عربي حقيقي وتمسك بفكرة البطل- المنقذ الآتي على حصان أبيض. في المخيلة صورة لبطل ما يأتي ويخرج العرب بقدرة قادر من وضعهم الراهن. ينام عشرات الملايين كل ليلة، من المحيط إلى الخليج، وهم يحلمون بأنهم سيستفيقون على ولادة بطل. ليس هناك من يريد أن يسأل، ولو من باب الحشرية، لماذا العرب الآن في وضع لا يحسدون عليه، ولماذا الحاجة الحقيقية إلى مسؤولين يتعاطون مع الواقع بدل الهرب منه إلى الشعارات؟ تكمن المشكلة على الأرجح في غياب الرغبة، حتى لا نقول الشجاعة في تسمية الأشياء باسمائها. على سبيل المثال وليس الحصر، ليس هناك من يريد أن يسأل لماذا لا علاقة للعرب بالثورة التكنولوجية التي يشهدها العالم، مثلما أنه لم تكن لهم في يوم من الأيام علاقة بالثورة الصناعية، لماذا لا علاقة لهم بالبرامج التربوية الحديثة، لماذا لا يجرؤ مسؤول كبير ويتحدث عن أخطارالنمو السكاني غير الطبيعي، خصوصاً في بلدان عربية فقيرة، لماذا لا يتجرّأ سوى عدد قليل من الزعماء العرب على التطرق إلى اوضاع المرأة التي تشكل في نهاية المطاف نصف المجتمعات العربية؟

حسناً، وفق العرب أخيرا ببطل، وطرأ تدهور على العلاقات التركية - الإسرائيلية. ما الذي سيترتب على ذلك... وإلى أي مدى يمكن لتركيا أن تذهب في المواجهة مع حكومة بنيامين نتانياهو التي يبدو كل همها محصوراً في تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. اسم البطل الجديد تركيا التي تحدت إسرائيل وقررت فك الحصار عن غزة. ماذا كانت النتيجة؟ سقط تسعة قتلى من المواطنين الأتراك الذين كانوا على إحدى سفن «أسطول الحرية» بعدما لجأت إسرائيل إلى القوة. أرادت تأكيد إصرارها على متابعة حصارها لغزة بحجة وجود أسير لها في القطاع من جهة، ورغبتها في تفادي تحولها إلى ميناء إيراني من جهة أخرى. ماذا بعد، هل نام أهل غزة بطريقة أفضل في تلك الليلة التي تلت المحاولة التركية لفكّ الحصار؟

في كلّ مرة وُفَق العرب ببطل، كانت الكوارث. في أساس ما يعانون منه حالياً كارثة البحث عن بطل. في مرحلة ما بعد النكبة في العام 1948 كانت سلسلة الانقلابات العسكرية بداية التدهور المستمر للمجتمعات العربية انطلاقاً من سورية. هذا التدهور بلغ ذروته في مرحلة ما بعد العام 1956 عندما صعد نجم جمال عبدالناصر اثر دحر «العدوان الثلاثي» بفضل الولايات المتحدة... فعثر العرب أخيراً على بطل أخذهم إلى كارثة حرب 1967 مروراً بكوارث أخرى لا تقل أهمية عنها، على رأسها الانقلاب العسكري في العراق في الرابع عشر من يوليو 1958. كان هذا الانقلاب الدموي، الذي استهدف الهاشميين، بمثابة الخطوة الاولى على طريق تمزيق المجتمع العراقي، ووصول العراق الى ما وصل اليه اليوم.

لا حاجة إلى تعداد أسماء كل «الأبطال» الذين لجأ إليهم العرب معتقدين أنهم سيأخذونهم إلى مكان ما أفضل. بعد جمال عبد الناصر، صفقوا طويلاً لآية الله الخميني في العام 1979 معتقدين أن ساعة الخلاص من إسرائيل اقتربت وهم لا يدرون أن عين الخميني كانت على العراق، وعلى دول الخليج العربي، وعلى لبنان، والجزر الاماراتية الثلاث. وصفقوا طويلاً لصدّام حسين، خصوصاً في مرحلة ما بعد ارتكابه جريمة غزو الكويت. لم يكن معروفاً من أغبى من الآخر. هل صدّام أكثر غباء من الذين نزلوا الى الشارع دعماً لمشروعه الانتحاري فصدّق أن هذا الجمهور يمثل شيئاً... أم أن جمهوره، الذي اختفى فجأة بالطريقة نفسها التي ظهر فيها، يتفوق في غبائه على صدّام نفسه؟

وصفقوا طويلاً قبل ذلك لأبطال الثورة الفلسطينية الذين ساهموا مع غيرهم من لبنانيين وغير لبنانيين في ارتكاب أبشع الجرائم في لبنان، بما في ذلك الدخول في لعبة الصراعات الطائفية وتغذيتها. حاولوا قبل ذلك تخريب الأردن لأسباب لا تزال مجهولة... أو ربما معروفة أكثر من اللزوم. وصفقوا طويلاً ل»حزب الله» قبل أن يدركوا أنه ليس سوى ميليشيا مسلحة يمكن أن تاخذ لبنان والمنطقة إلى كارثة في أي لحظة...

لا داعي لتعداد الكم الهائل من «الأبطال»، أو اشباه الأبطال، الذين صفق لهم العرب باسم «المقاومة» أحياناً، وباسم «الممانعة» في أحيان أخرى كثيرة متجاهلين أن مشاكلهم الحقيقية في مكان آخر. ربما أكثر ما تجاهله العرب الباحثون عن بطل، قد يأتي وقد لا يأتي... والأرجح أنه لن يأتي، أن الانجاز الوحيد الذي حققوه في الأعوام الستين الماضية يتمثل في احتواء إسرائيل وابقائها في عزلة تامة. لم تستطع إسرائيل اختراق أي دولة عربية، أو أي مجتمع عربي، على خلاف قوى إقليمية أخرى لعبت على الوتر الطائفي والمذهبي واستغلته سياسيا إلى أبعد حدود... فوصل تدخلها إلى اليمن.

في استطاعة التركي، أكان رجب طيب اردوغان، أو عبدالله غلّ، أو أحمد داود اوغلو، المزايدة على العرب قدر ما يشاء في موضوع غزة. سيجد الإيراني بالمرصاد له، خصوصاً أن طهران نجحت إلى حد كبير في خطف القضية الفلسطينية واللعب على الأنقسامات الداخلية، وكانت لها اياد بيضاء في مجال تكريس القطيعة بين الضفة وغزة. في حال كانت تركيا تريد تأدية خدمة للفلسطينيين وقضيتهم، فإن الخطوة الأولى في هذا المجال تفترض ابتعاد رئيس الوزراء أردوغان عن كلام من نوع أن «غزة بالنسبة إلينا قضية تاريخية... وسنكون حازمين حتى رفع الحصار عنها ووقف المجازر والاقرار بحصول إرهاب دولة في الشرق الأوسط».

لا يختلف اثنان على أن إسرائيل تمارس إرهاب الدولة. لكن المنطق يقول أن غزة ليست قضية تاريخية في أي شكل. على من يريد خدمة غزة وأهلها المساعدة في انهاء الوضع الناجم عن انقلاب «حماس» على السلطة الشرعية الفلسطينية. انها الخطوة الأولى في اتجاه رفع حصر الظالم الذي تفرضه إسرائيل على القطاع. التركيزعلى غزة يخدم إسرائيل وحكومة بنيامين نتانياهو. الموضوع ليس موضوع غزة، والحصار الذي يتعرض له القطاع بمقدار ما أنه موضوع كيفية لعب تركيا لدور يتجاوز عقدة أن على «الإخوان المسلمين» الذين يحكمونها حالياً دعم «الإخوان» المنتمين إلى «حماس» في غزة وذلك خشية أن يسقط الجميع في الحضن الإيراني. مثل هذا الدعم سقوط في الفخ الإسرائيلي ليس إلاّ. يكمن البديل من هذا السقوط في دعم البرنامج السياسي الفلسطيني القائم على خيار الدولتين. كل ما عدا ذلك إضاعة للوقت وابتعاد عن المنطق ودخول في لعبة البحث عن بطل. هذه اللعبة لا تعدو كونها عملية استغلال لحال العجز التي يعاني منها العرب. انها لعبة ممجوجة دفع العرب والفلسطينيون ثمنهاً غالياً دماً وأرضاً.

=====================

تركيا أردوغان .. من صفر مشاكل إلى عمق المشاكل

الأحد, 13 يونيو 2010

حسن أبو طالب *

الحياة

حين وقف الدكتور أحمد داوود أوغلو مطلع أيلول (سبتمبر) الماضي في القاهرة يلقي محاضرة بدعوة من مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في «الاهرام» عن أسس السياسة الخارجية التركية، بعد فترة وجيزة من تعيينه وزيراً لخارجية بلاده، أعجب الحاضرون بما قاله، لا سيما في ما تعلق بمبدأي التوازن بين الحرية والأمن، و»تصفير» المشاكل، كمبدأين حاكمين لحركة تركيا الجديدة، حتى إن بعض الحضور وصف أوغلو بأنه كيسنجر تركيا.

العارفون بفكر الرجل حين كان أكاديميا وحين عمل كبيراً لمستشاري رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان، قالوا بأن الرجل لديه فرصة ليطبق أفكاره الكبرى التي أوضحها في كتابه القيّم «العمق الاستراتيجي» المنشور عام 2001، عن إعادة بعث تركيا كدولة محورية في الشرق الأوسط أولا وفي العالم ثانياً، وإنهاء مرحلة تركيا الدولة التابعة للغرب. وهي الفكرة الرئيسة التي يؤمن بها أنصار حزب «العدالة والتنمية» والعديد من الحركات الصوفية الإسلامية التي تؤيد الحزب وسياساته حتى وإن لم تعلن ذلك صراحة.

فكرة «تصفير» المشاكل، أو إنهاء المشاكل والنزاعات إلى حد الصفر، كما أوضحها اوغلو في تصريحاته أو في كتاباته، تعني ببساطة القيام بمبادرات سياسية نشطة سواء لإنهاء بؤر النزاع التاريخية التي تنغص علاقات تركيا مع عدد من جيرانها وحلفائها في حلف الاطلسي، مثل أرمينيا واليونان، وأيضا البؤر الصراعية التي تشتعل في الاقليم الأكبر، والذي تنظر إليه تركيا الجديدة باعتباره مجالها الحيوي الجديد. ومن هنا تحركت انقرة في أكثر من اتجاه، وقامت بأكثر من مسعى نشط وفق صيغة الوساطة المباشرة أو غير المباشرة أو إبداء رغبة في تغيير مسار العلاقات كلياً. بدا ذلك إزاء أكثر من أزمة وحالة توتر شملت أرمينيا وأذربيجان واليونان والعراق وسورية وأفغانستان وباكستان والقضية الفلسطينية، وأخيراً إيران وبرنامجها النووي.

يمكن القول هنا إن مبدأ «صفر مشاكل» ناتج عن قناعة بأن تركيا وبما لها من علاقات منفتحة ونشطة مع كل دول الاقليم الشرق أوسطي، وإن بدرجات مختلفة وتعمل على تطويرها وتنميتها بصورة شمولية، وبما أنها مدعومة سياسياً واستراتيجياً من الولايات المتحدة التي ترى فيها نموذجاً مقبولا للدولة التي غالبيتها مسلمون معتدلون يُفضل تعميمه عربياً وإسلامياً، وبما أنها في موقع جغرافي مهم يتوسط بين أكثر من اقليم شرق اوسطي وأوروبي وبلقاني وآسيوي، وبما أنها بلا دوافع امبراطورية أو استعمارية أو استعلائية على من حولها، فهي بالفعل قادرة على تقديم نموذج لدور يؤمن بالسلام ويعمل على نشره ويؤمن بالاخلاق والمثاليات ويستهدي بها، ومن ثم سد الفواصل ولو جزئياً مع الاتحاد الأوروبي المتخوف كثيراً والرافض دائماً للانفتاح البنيوي على دولة كبيرة ومسلمة كتركيا.

وربما جاز القول هنا إن هذه القناعة هي امتداد لشعار كمالي اتاتورك الشهير «سلام في الداخل سلام في الخارج»، والذي يكتب دائماً في أسفل الصور الرسمية المنتشرة في كل مكان تقريباً في تركيا لا سيما في المدارس بكل درجاتها. ولعل هذه القرابة من حيث المضمون هي التي جعلت قطاعاً مهماً ممن يطلق عليهم اسم مثقفي تركيا العلمانيين لا يجد حرجاً في تأييد سياسة تركية نشطة طالما أنها تسهم في اغلاق بؤر توتر تاريخية عجزت عنها الحكومات العلمانية السابقة طوال سبعين سنة. وإن كان البعض قد عبر عن تحفظات من الانسياق وراء مبادرات في كل أزمة أو توتر من دون أن تكون لدى انقرة الاوراق اللازمة التي تساعدها في الوصول إلى نتائج مرغوبة تركياً وإقليمياً.

كان التساؤل ولا يزال هل نجحت تركيا بالفعل في ضوء هذه المبادرات والتحركات النشطة أن تحقق هدفها الرئيسي وهو الوصول إلى «صفر مشاكل» تركياً وإقليمياً؟، وهل بإمكان تركيا أن تكون مشدودة إلى أزمة إقليمية أو دولية تؤثر في تطوراتها القوى الكبرى بدرجة أساسية من دون أن يمس تركيا بعض الرذاذ أو قدر من الشطط؟، وهل بإمكان تركيا أن تحقق الانجاز تلو الاخر من دون أن تثير حفيظة هذا الطرف أو ذاك؟

الاسئلة الثلاثة وما يتفرع عنها من اسئلة فرعية عديدة جداً تمثل في واقع الأمر جزءاً من ورطة التفكير المثالي في بيئة تحكمها المصالح المادية والتوازنات المعقدة والتشابكات المتغيرة والحساسيات التاريخية المفرطة. ولذا فإن أي جردة حساب بسيطة وسريعة لهذا النمط من التفكير المثالي تجد أنه لم يحقق الكثير، وهو ما يفسر تلك التحذيرات التي خرجت في أكثر من مناسبة من محللين سياسيين أتراك يشيرون فيها إلى أن التورط المثالي في بعض القضايا الاقليمية، حتى وإن عكس مصالح حقيقية لا بد من الدفاع عنها، قد يؤدي إلى العكس تماماً، فبدلا من «تصفير» المشاكل، يتحول الأمر إلى الانغماس والتورط في عمقها، وبدلا من أن تكون المبادرة من أجل وساطة بين طرفين، إذا بها تتحول إلى أزمة تؤثر على مصالح تاريخية وعلاقات ممتدة الجذور في أكثر من قطاع حيوي، أو على الاقل تؤكد أن لكل أزمة صانعها والقادر على تسويتها، وأن تركيا ليست بالقوة التي تتيح لها أن تكون صانعة السلام الوحيدة في أزمات الشرق الأوسط، حتى وإن أرادت ذلك عن صدق ويقين، فعليها أن تكون واقعية بعض الشيء وأن تدرك أن لكل أمر سقفاً ولكل طارئ مخرجاً، ليس بالضرورة في أحضان انقرة أو حتى على أبوابها، وما جرى إزاء المبادرة التركية الإيرانية البرازيلية بشأن تبادل اليورانيوم الإيراني خير مثال على أن مفاتيح بعض الأزمات غير موجودة في الشرق الأوسط، بل في عواصم بعيدة جداً عنه.

نحن العرب أو جزءاً منا على الأقل قد يجد في هكذا تحذيرات تخرج من داخل تركيا ما يخيب أمالنا، لا سيما ونحن بحاجة ماسة إلى إعادة ترتيب أوضاع المنطقة وتغيير معادلاتها التي منعت طوال الستين سنة الماضية حلحلة القضية الفلسطينية بل وفاقمت من تعقيداتها وأحالتها إلى طائر العنقاء الخرافي الذي لا يعرف أحد ما هو وأين هو.

ما يموج في داخل تركيا، وإن غلبت عليه فورة الغضب على إسرائيل وطابع الحماس في دعم القضية الفلسطينية، مع التحذير من مغبة التمادي في تمزيق ما تبقى من أوراق مع إسرائيل وتجاهل رغبات الولايات المتحدة، لا يختلف كثيراً عن تلك المفارقة التي ظهرت في مواقف محللين عرب كثيرين، فهؤلاء الذين أُعجبوا بأداء تركيا في تحريك بعض الأمور وإعلان المساندة للشعب الفلسطيني واعتبار قضية فلسطين قضية تركية ورفع الحصار عن غزة أولوية لأنقرة، هم أنفسهم الذين فسروا الدينامية التركية بضعف العرب وعجزهم وانسحابهم من مواقعهم الطبيعية وتركها خلاء وساحة فضاء ترحب بمن يملأها من الجوار البعيد أو القريب، وهم أنفسهم الذين يطالبون العرب «العاجزين الضعفاء المهزومين» بأن يقفوا الآن مع تركيا فيما تعرضت له من ضربة قاسية لجهودها ولدورها ومكانتها، وما تضمنه الأمر من رسالة سلبية لتركيا بأن تحركاتها تجاوزت خطوطاً حمراء وعليها أن تعيد تدبير الأمر.

المفارقات التركية والعربية على النحو المشار إليه تجسد إشكالية معروفة في العلاقات الدولية، فالمدرسة الاخلاقية المثالية بكل مبادئها رفيعة الشأن لا تستطيع أن تنسلخ تماماً عن مركبات توازن القوى التي تمثل جوهر المدرسة الواقعية. ولعل أهمية ما جرى من إرهاب اسرائيلي ضد الناشطين الأتراك هو أنه يسمح بإعادة ترتيب مركبات توازن القوى على نحو أفضل حالا بالنسبة الى القضية الفلسطينية تحديداً والقضايا العربية اجمالاً، وذلك مع الأخذ في الاعتبار شرطين متكاملين: الأول ألا نتوقع من تركيا أكثر مما تستطيعه بالفعل، فهي على رغم كل النيات الحسنة وكل الاندفاع الايجابي في دعم القضايا العربية وتنشيط العلاقات كافة مع الدول العربية، إلا أنها أيضاً مرتبطة بالتزامات وترتيبات دولية وإقليمية من المستحيل أن لا تعيرها اهتماما أو لا تأخذها في الحسبان. ونذكر هنا بالالتزامات الاستراتيجية والقانونية والامنية مع حلف الاطلسي ومع الولايات المتحدة ومع إسرائيل نفسها. ونذكر أيضاً بتلك التصريحات ذات الدلالة لوزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو وعدد من نواب البرلمان التركي، يتحدثون فيها عن شروط تحسين العلاقات مع إسرائيل كرفع الحصار عن غزة وتقديم اعتذار والمطالبة بتعويضات وتشكيل لجنة تحقيق في ما جرى ل «اسطول الحرية». وبمفهوم المخالفة فهذا يعني أن البحث يجري عن وقف التدهور في العلاقات وإن بشروط يقبل بعضها التطبيق، والحفاظ على رباط ما مع إٍسرائيل، لأن البديل، أي الانقلاب التام على هذه العلاقات، ليس أمراً متاحاً كما يتصور البعض. فهناك شبكة مصالح كبيرة وممتدة وتمس أعصاباً حيوية، خاصة في جوانبها العسكرية والامنية والاستخباراتية. وعلينا أن نعي أن تغيير المنظومة الاقليمية كلياً وفي ضربة واحدة لا يحدث إلا في الاساطير، والزمن الحالي هو زمن القوة بأشكالها المختلفة.

والشرط الثاني أن على العرب أن يقوموا بجزء من الواجب، فعليهم أن ينهوا الانقسام الفلسطيني بأسرع ما يمكن قبل طلب دعم انقرة، وأن يتوقفوا عن الثرثرة بمناسبة وغير مناسبة عن المبادرة العربية للسلام، فإن تمسكوا بها فلا بد من خطة عمل حقيقية لتنشيطها، وإن رأوا غير ذلك فعليهم إعلان موتها والبحث عن مولود جديد، اما البقاء في المنطقة الرمادية فلم يعد له معنى، وبات كنكتة سخيفة تدر البكاء بدلاً من الضحك.

* كاتب مصري

=====================

تركيّا، البطلة الجديدة للقضية الفلسطينية

المستقبل - الاحد 13 حزيران 2010

العدد 3680 - نوافذ - صفحة 9

دلال البزري

إنها جمعية اسلامية تركية تلك التي نظّمت القافلة البحرية نحو غزة. اسمها الطويل، "المؤسسة الخيرية من أجل حقوق الانسان والحريات والانقاذ والاغاثة"، مما لا يشي بهويتها الحقيقية. صحيح ان عدداً من الجمعيات الأوروبية المناصرة للفلسطينيبن اشتركت معها؛ ومنها خاصة الجمعية الفرنسية "لجنة المساعدة والانقاذ للفلسطينيين"، وهي مع 50 جمعية اسلامية اخرى، منها "المؤسسة" التركية، في تحالف "ائتلاف الخير" بقيادة الشيخ "الوسطي" يوسف القرضاوي. ولكن الجمعية التركية، المعروفة في بلادها بالأحرف اللاتينية (IHH)، هي التي قادت العملية. القليل المعروف عنها، انها بالاضافة الى اسلاميتها وتأييدها ل"حماس" واتهامها، عام 1990 ، بتسهيل تمرير أسلحة للمنظمات الاسلامية المسلحة في البوسنة والشيشان، فانها تحظى بالتأييد والدعم من حزب "العدالة والتنمية" الحاكم الآن في تركيا.

اذن المعني بالموضوع سياسياً هو الدولة التركية، السياسة الرسمية للدولة التركية. وهي سياسة بدأت تتغير منذ تولي حزب "العدالة والتنمية" زمام الدولة وتوجهاتها السياسية الكبرى. ولعل أهم ما طرأ على هذه السياسة منذ هذا التولّي هو تصور الدولة لعلاقتها بالعالمين العربي والاسلامي، بعدما رفضتها أوروبا الموحدة. صحيح ان وزير خارجيتها أحمد داوود أوغلو وضع الخطوط العريضة لهذا التوجه الجديد بعبارته التي اصبحت شهيرة "صفر مشاكل مع المحيط": أي إنهاء، أو نشر الانطباع بإنهاء العداوات مع الجيران، اليونان، أرمينيا، الاكراد، سوريا، ولكنها في المقابل كسرت عقودا من الصداقة الاستراتيجية مع اسرائيل. وملامح هذه النهاية لم تظهر فجأة: مسلسل تلفزيوني من هنا يبيّن جنودا اسرائيليين يقتلون بدم بارد أطفالا فلسطينيين، خطابات ساخنة من هناك، ولعنات رئيس وزرائها أردوغان على شيمون بيريز أثناء قصف غزة، ثم طلب السفير التركي اعتذاراً من اسرائيل عن سوء استقباله... والأكيد ان مؤشرات صغيرة أخرى خرجت من الداخل التركي لم نتابعها، كلها صبّت في تنامي مشاعر وسياسات لا تخطب ودّ صديق قديم. صيغة "صفر مشاكل" اعتمدتها تركيا من أجل تمتين خاصراتها جنوباً وشمالاً وشرقاً تمهيداً للتوغل أبعد وإشعال "أول مشكلة"، هي في العمق تعبير عن فائض قوة تركي لم تكن الارض الاوروبية صالحة لتلقّيه، فاتجه نحو الشرق الاوسط، وقضيته الضعيفة، فلسطين، رغم كل "الانتصارات الالهية"، أو بسببها ربما.

ما الذي جعل هذا الحقل المشتعل مؤاتياً للقوة التركية الصاعدة؟ إنها عزوة تركيا وقوتها ودمائها السياسية التي تجدّدت بالانتخابات، وشرعيتها الشعبية، وذلك بالرغم من القيود التي تضعها المؤسسة العسكرية العلمانية في وجه الحزب الحاكم وتردعه عن الذهاب بإسلاميته الى ما دون الفصل بين الدين والدولة. فالحزب الحاكم اسلامي "معتدل"، صحيح، ولكنه يدعم "حماس" ويؤازر، كما شاهدنا، جمعيات تركية "غير حكومية" لها صلات اسلامية غير معتدلة. وهو، بالرغم من تنكّره الرسمي لذلك، فان كل سياسته، الثقافية خصوصا، تضعه في طليعة المدغدغين للعثمانية الجديدة، بكل ما تنطوي عليه من أحقية الهيمنة على المحيط الواسع، ب"صفر مشاكل" أو... "مشكلة واحدة كبيرة".

والذي يضاعف من قوة تركيا هو الضعف الذي لحق بالولايات المتحدة، نتيجة تورطها بحربين، واستيعاب رئيسها الجديد لهذا الوهن الأقل جدّة، ودعوته الى "عالم متعدد الاطراف"، بل مخاطبة ودّ تركيا لإقامة "شراكة نموذجية" معها. وأيضا، ضعف الذين حتى وقت قريب كانا اللاعبين الاساسيين في ملعب "المشكلة": اسرائيل اولاً، التي تلقت ضربة قوية من ايران في حرب تموز 2006، وزادت من هواجسها الامنية، ما استنزف مخيلتها وجعلها لقمة سائغة لكل من يحاول إخافتها. ففقدت نخبتها السياسية "ذاك المزيج من النداوة والابداع والحيوية" على حدّ قول احد أدبائها الكبار، دافيد غروسمان، الذي يضيف انه بعد الانقضاض "الأحمق" للكوماندوس الاسرائيلي على المتضامنين في باخرة "مافي مرمرة"، دخلت اسرائيل الآن في طور "الانحطاط".

إيران ثانياً، اللاعب الآخر، التي اضعفت اسرائيل، ولكنها باتت هي أيضا أكثر ضعفاً: عصيانها على المجتمع الدولي، العقوبات الدولية، تنامي توجهها الامني واهتزاز شرعيتها اثر انتخابات حزيران من العام الفائت. إيران المجنونة ايضا بالقوة العسكرية، وقد سخرت توجهاتها الاقليمية بالتسليح، قد حرمها الاتراك من المبادرة، تحاول الدخول معهم شريكاً في الرد على الاسرائيليين بفرق "الحرس الثوري" لحماية قوافلها التي قررت، مثل الغيورين الآخرين، إرسالها الى غزة، نصرةً لأهلها...

اللاعبان متعبان، يتقاتلان، فيما سلطات أصحاب القضية الأساسيين مصابة بثقل دمائهم وركودها، مشغولون بأنفسهم، بصراعات الحصص والمواقع والمغانم. اللاعبان متعبان، ولكن أصحاب القضية في سُبات عميق من المراوحة والفوضى... ولكن ايضا مبرْمجون على ردود فعل، من غير فعل واحد، الا اذا كان بقيادة ايران، واليوم تركيا.

هكذا دشنت تركيا دخولها الى المحيط الشرق أوسطي بشعار سوف يتبعه العالم، ويعبّىء من أجله جماهير غفيرة ومتطوعين ومتبرعين وأقلاماً وأصوات: "فك الحصار عن غزة!". طبعا المعركة لن ينقصها التعقيدات، ولا الكرّ والفرّ. لكنها معركة جديدة أدخلتنا في طور آخر من أطوار القضية، سوف يكون لها صولات وجولات. هكذا "يتفاعل" مع الحدث أحد الكتاب العرب الكبار، فينشر في عدد من الصحف العربية: "أمامنا الآن فرصة نادرة لكسر حصار غزة ومحاسبة قادة اسرائيل".

وهكذا "تفاعل" معظمنا: من النوافل استنكار "البربرية" الاسرائيلية، ومخالفتها لأبسط القوانين الدولية والانسانية، ولكن أولى ردود أفعالنا وأكثرها انتشارا هو ذاك السيل من الكلام عن جرائم اسرائيل وكأننا نكتشفها الآن، مقلدين رئيس وزراء تركيا، أردوغان، الذي قد يكون حقا في حال من الاكتشاف لهذه الجرائم، بعد ابتعاد عقود عن الشرق العربي الذي "خانه" مع البريطانيين. ولكن نحن...؟ يسّرنا ان يكتشف رئيس الوزراء التركي ذلك، فنفرح للاكتشاف وكأنه اكتشافنا، أو كأننا نحن الذين نوّرنا عقله بحقيقة اسرائيل و"بربريتها".

ثم ذاك الشعور نفسه بالانتصار كلما أمعنت اسرائيل بجرائمها. يعني نرفع اصبعينا بابتهاج. ننتصر لأن اسرائيل أعطت دليلا جديدا على بربريتها. ننتصر و"نغضب" طبعا كما يجب ان يغضب أصحاب قضية عادلة. كيف يتعايش الانتصار والغضب في شخص واحد، في "جماهير" ونخب واحدة؟ أليس الانتصار بذاته باعثاً على الفرح وعلى التخفّف من آلام الظلم ومصائبه؟ كلا. الشعور بالانتصار له معنى آخر في حالتنا بالذات: ننتصر لأننا اثبتنا ان اسرائيل هي الشرّ المطلق، الشرّ الوحيد، الشرّ الاول والأخير. وبعدما نثبت ذلك، ننطلق الى المرحلة الاخرى من التفكير المنطقي، من انه اذا كانت اسرائيل شر مطلق، فمن المحال ان يقوم بيننا وبينها سلام ما. فتعود وترتفع الاصوات والاقلام الشامتة بأصحاب السلام، كم انهم اغبياء أو عملاء. وتنتفخ الصدور، ويصبح المنتصر والغاضب، منتصرا وغاضبا ليس على اسرائيل ومنها، بل على "العملاء والأغبياء" الذين يريدون اقامة سلام مع دولة "الشر المطلق" هذه.

صحافي في جريدة "مقاومة" يستكثر على دعاة السلام اعتصامهم وتظاهرهم استنكارا للجريمة الاسرائيلية. يقول عنهم ممتعضاً: "كيف يكون المرء ضد اسرائيل وضد المقاومة؟". دور "المستنْكِر"، الثانوي في كل الأحوال، يريد هذا الصحافي الاستحواذ عليه، مستقويا بالانتصار الذي تحقّق بوقوع اسرائيل في فخ منطقها الامني... انظر كيف تثمر الانتصارات الكارتونية! بالتخوين. أنتم ضد المقاومة؟ اذن أنتم مع اسرائيل! أنتم بوقوفكم الاستنكاري هذا إنما تكذبون... معركة جانبية هي، وأبطالها اصحاب "دور ثاني"، ولكن فيها مغانم محلية وإعلامية لا بأس بها.

في نفس الروحية، خذْ على فولكلور: أضيف الى معرض صورنا بعد صلاح الدين الايوبي وعبد الناصر وصدام وبن لادن ونصر الله ونجاد... أردوغان، الذي أصبح فجأة "شخصية كاريزماتية"، واسمه يحمله مولودون جدد... قال أحد المستظرفين: "صلاح الدين الايوبي كان كرديا... وحرّر القدس. فاذا كان محررنا الآن تركيا، فما الخطب؟". عَلَم تركيا دخل الى مشهدنا اليومي، وأضيف الى الأعلام التي يبعيها الجائلون على الطرقات لبلدان نساندها في مباراة المونديال. وسط كل هذه الاعلام تود لو تسأل ماذا يفعل هذا العلم اللبناني االذي أكلت الشمس ألوانه؟ هل لبنان مشترك في المونديال، أم انه حرّر غزة؟

أبطال آخرون شاركوا في حفل "وحشية اسرائيل": هؤلاء الذين كانوا على متن الباخرة وعادوا الى بلادهم. الإعلام لهث خلفهم، يعيدون ويزيدون الكلام نفسه عن شجاعتهم في وجه اسرائيل، عن عدم خوفهم، عن صمودهم، عن رفضهم توقيع تعهدات. هؤلاء الابطال، الثانووين أيضاً، تصدّروا الصورة. فيما غابت تماما صورة اصحاب القضية المباشرين التي تكبّد أبطالنا كل هذه الاهوال من أجلهم؛ أي أهل غزة. أين هم أهل غزة على الشاشة؟ الإعلام الملتزم غير ملزم بهم. قضية هذا الاعلام هي إبهارنا بأبطال السفينة، الذين انتصروا بتبيان الوحشية الاسرائيلية.

بالمناسبة، عشرة قتلى أتراك يُستنفر العالم كله من أجلهم، فيما العشرات الآخرون من الفلسطينيين يسقطون، يُصطادون، خارج أوقات المواجهات... على يد البربرية نفسها. ولا "لجان تحقيق دولية"، ولا قيام الدنيا وعدم قعودها: أصحاب القضية يُقتلون من دون حساب، ولكن "مناصري" أصحاب القضية، قادتها الجُدُد، لهم حصانة دولية.

=====================

الاسئلة الحائرة حول فك حصار غزة

بلال الحسن

الشرق الاوسط

13-6-2010

بدأ موضوع أسطول الحرية كقضية تخص عدة سفن وبضع عشرات من الأشخاص، يتحركون إنسانيا نحو غزة لفك الحصار عنها، ولكنه تطور بسرعة إلى قضية دولية كبيرة أفرزت مواضيع عدة تدور كلها حول الموضوع الإنساني الكبير الذي يدعى غزة.

الموضوع الأول: أن هناك سياسة دولية اسمها محاصرة غزة. تقف على رأس هذه السياسة أهم دولة في العالم ممثلة بالولايات المتحدة الأميركية. وتقف إلى جانبها وفي ظلها دولة إسرائيل وجيشها الذي يتولى تنفيذ سياسة الحصار حتى من خلال عمليات القتل المنظم. وترعى هذه السياسة اللجنة الرباعية الدولية ذات الشروط المعلنة التي تتماشى مع مصالح إسرائيل وحدها. وفي الحصيلة فإن العالم الغربي كله، يتعاون، ويتفاعل، ويتساند، من أجل مواصلة حصار غزة.

يستدعي الأمر هنا طرح سؤال مقلق: لماذا؟ ما هو هذا الخطر الذي تمثله غزة، حتى يتم حصارها بهذا الشكل الجماعي والصارم وغير الإنساني؟ والجواب نجده في كلمة واحدة هي «حماس». ليس حماس كحركة دينية، فهناك حركات دينية كثيرة ترضى عنها أميركا وتتعامل معها، ويرضى عنها الغرب ويتعامل معها. وإسرائيل كما هي الآن، ربما كانت أكبر دولة دينية، وتطلب علنا الاعتراف بها كدولة يهودية، وتتعامل معها أميركا إلى حد التفاعل الاستراتيجي. ولكن حماس كحركة تتبنى نهج مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بالسلاح، وهو ما ترفضه أميركا، وما يرفضه الغرب، حتى لو كان قرار المقاومة هذا مؤجلا على صعيد التنفيذ، كما هو الحال في غزة الآن.

الولايات المتحدة الأميركية، أرادت وسعت إلى كسر إرادة المقاومة في فلسطين وفي المنطقة العربية كلها. نجحت مع السلطة الفلسطينية في رام الله وتم تدمير القوة العسكرية لحركة فتح، وفشلت مع حركة حماس. ولذلك فهي تسعى إلى اكمال سياستها لتشمل الجميع.

الأمر الغريب هنا، أن سياسة ضرب المقاومة الفلسطينية، تبلورت وترسخت في عهدي الرئيس السابق جورج بوش، وكانت جزءا أساسيا من سياسة فريق المحافظين الأميركيين الجدد، الذين سعوا إلى إنشاء «الشرق الأوسط الجديد» والهيمنة عليه وعلى نفطه. وقد سقط المحافظون الجدد في الولايات المتحدة الأميركية، وجاء إلى البيت الأبيض رئيس جديد هو باراك أوباما، وأعلن أنه يعارض سياسة المحافظين الجدد، بل ويريد علاقة صداقة مع العالم الإسلامي، حتى أنه ألغى قبل أيام شعار أن أميركا في حرب مع الإرهاب في العالم، واكتفى بالقول إن لدى أميركا سياسات تحافظ على مصالحها. ورغم ذلك، فإننا نجد على أرض الواقع، استمرارا أميركيا في سياسة المحافظين الجدد في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وفي كل ما يتعلق بقطاع غزة، وفي كل ما يتعلق بحركة حماس أو بأي حركة مماثلة لها، وكأن أميركا لا تزال تعتبر أنه إذا سقطت فكرة المقاومة في غزة، فسيفتح لها ذلك الأبواب من جديد للسيطرة على المنطقة. وربما يكون الهدف الأميركي الآن أصغر من ذلك، ويسعى إلى إسقاط فكرة المقاومة التي لا تزال صامدة في غزة، من أجل السيطرة على الوضع الفلسطيني، ومن أجل بدء العمل لإنجاز تسوية على غرار تسويات السلطة الفلسطينية في رام الله مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، أي من أجل تسوية تبقى فيها إسرائيل مهيمنة على الوضع كله.

وحين انفجر الموقف في العالم كله، رفضا وإدانة لاستمرار حصار غزة غير الإنساني والفريد من نوعه في تاريخ العالم الحديث، حيث الحصار للناس ومن أجل تجويعهم بشكل جماعي، لم تتراجع الولايات المتحدة الأميركية، وبدأت تبحث عن مخارج دبلوماسية، تقدر هي عليها، بحكم كونها الدولة الأقوى في العالم. فهي الآن تريد تحقيقا دوليا، ولكنها تريد في الوقت نفسه أن يراعي هذا التحقيق مخاوف إسرائيل الأمنية. وهي تريد رفع الحصار عن غزة، ولكنها تريد صيغة للمراقبة والتفتيش، تفتيش سفن الإغاثة لعلها تحتوي على أسلحة وذخائر. تبحث الولايات المتحدة الأميركية عن صيغة لرفع الحصار عن غزة يكون وجهها الآخر إضعاف حماس، وربما إبعادها عن السلطة.

وهنا تتقدم إلى الواجهة قضية المصالحة الفلسطينية. فجأة يعلن محمود عباس أنه سيرسل وفدا إلى غزة لبحث المصالحة. وفجأة يقول أبو الغيط إنه ينتظر قدوم حركة حماس لتوقع على المصالحة. وفجأة يصل إلى القاهرة نائب الرئيس الأميركي (جوزيف بايدن) ليبحث مع الرئيس المصري كيفية معالجة شؤون المنطقة، والمقصود شؤون فك الحصار عن غزة، مع أنه هو شخصيا المسؤول الأميركي الكبير الذي دافع عن الجريمة الإسرائيلية في الاعتداء على السفن، وفي قتل المدنيين، في المياه الدولية.

هذه المصالحة الفلسطينية المنشودة تتعثر. ولا بد من السؤال عن الأسباب، ويمكن إيجاز هذه الأسباب بما يلي:

هناك فريقان فلسطينيان مختلفان ومتصارعان، والمصالحة بينهما تعني «الاتفاق»، ولا يمكن أن تعني دعم طرف ليسيطر على الطرف الآخر. والمصالحة المعروضة تعطي للسلطة الفلسطينية في رام الله فرصة السيطرة على قطاع غزة.

وهذان الفريقان شاركا في انتخابات أفرزت فوزهما معا، إنما فازت حماس بالأغلبية وتلتها حركة فتح. والمصالحة في ظل هذا الوضع تعني «المشاركة» في السلطة ولا تعني الانفراد بها. وهذا ما استوعبته جهود المصالحة التي أفرزت «اتفاق مكة»، الذي كان في جوهره اتفاق مشاركة بين الطرفين، بينما تغيب فكرة المشاركة عن مشاريع المصالحة الأخرى.

والمصالحة المطلوبة تتعلق بالشأن الفلسطيني كله (وليس بمصالحة بين فصيلين فقط)، أي بالقضية السياسية الأساسية في المنطقة، والتصالح حولها يحتاج إلى مضمون سياسي، عنوانه الحق في مقاومة الاحتلال، وعنوانه منع إسرائيل من فرض شروطها على الفلسطينيين. وهذا المضمون السياسي غائب عن أوراق المصالحة الفلسطينية المعروضة.

ولذلك، فإن العودة إلى البحث في هذا الموضوع من جديد، وبعد هذا النشاط الدولي العارم، لا يمكن أن يكون عودة إلى الوراء، بل لا بد أن يكون خطوة إلى الأمام، ومن خلال: مفهوم أميركي جديد للتعامل مع الوضع كله. ومفهوم إسرائيلي جديد مستعد للتحقيق الدولي، ومستعد لتحمل نتائج جريمته. ومفهوم عربي جديد للمصالحة يشكل دعما للفلسطينيين في مواجهة تبعات قضيتهم، ولا يختصر نفسه بالسعي لنصرة فريق ضد آخر.

ولأن القوى العربية الفاعلة ترفض التعامل الصريح مع هذه القضايا الثلاث، يبدو دورها باهتا، بينما يتقدم الدور التركي إلى الواجهة، مهما كانت أسبابه ودوافعه واحتمالات تطوره.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ