ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 19/06/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


قافلة الحرية والجريمة الصهيونية

جدل الصراع والترويض على حدود المصالح والدور في إقليم الشرق الأوسط

أبو خالد العملة

6/17/2010

القدس العربي

بعيداً عن القراءة العاطفية والسطحية ،علينا بداية أن نضع الحدث في سياقه الموضوعي وفي زمنه وموقعه وظروفه، حتى نصل إلى استخلاصات سياسية قد يترتب عليها صياغة واقع إقليمي جديد حيث تبرز مجموعة من التساؤلات حول الدور العربي في الإقليم، ومستقبل فلسطين ومستقبل الكيان الصهيوني.

فالعودة إلى المجزرة "الحدث" التي اقترفها الكيان الصهيوني بحق المتضامنين مع شعبنا الفلسطيني على متن قافلة الحرية، والتي أسالت دماءً طاهرة تركية وأممية من كل قارات العالم والتي ستبقى مشاعل حرية لكل المناضلين من أجل الحق والعدل ومن اجل تحرير فلسطين، مستهدفاً منع فك الحصار عن قطاع غزة بالشكل الذي أرادته تركيا، لأنه يعتبر هذا الأمر بالنسبة له قضية "حياة أو موت"، وبداية الخنق الاستراتيجي، وانه لن يسمح بذلك بدون اتفاق دولي.

قام الكيان الصهيوني بهذه المجزرة الوحشية لتوجيه ضربة معنوية لتركيا في محاولة لقطع الطريق على تنامي دورها في المنطقة على حساب الدور والوظيفة للكيان الصهيوني في الشرق الأوسط .

لم يتوقع قادة الكيان رد الفعل التركي الحازم و الشجاع على هذه الجريمة وأهدافها، ولم يتوقع كذلك رد الفعل العربي والإسلامي والعالمي على هذه الجريمة التي ساهمت في كشف طبيعة الحركة الصهيونية وكيانها العنصري المجرم. فقد ساهمت هذه المجزرة الصهيونية في كشف هذه الطبيعة العنصرية لهذا الكيان الذي يمارس إرهاب "الدولة" وبأنه كيان مارق وفوق القانون الدولي ومعاد للإنسانية، وبأنه كيان مجرم محتل لوطن الشعب الفلسطيني يسعى لتهويد الوطن، كما يسعى لإبادة الشعب، واستكمال إجلائه، وشل إرادته السياسية.

وإذا كان المتضامنون، من مكونات الحركة الشعبية الأممية العالمية ومن كل القارات يتحركون بدافع ومعيار الضمير الإنساني الطبيعي، معنيين بتظهير هذه الصورة التي لم يتوانى الغرب سابقاً عن طمسها وإخفائها والتستر عليها، فإن دوافع الأطراف الدولية لا تخضع بالقطع لهذا الدافع والمعيار.

الحكومات الغربية التي تواطأت مع جرائم الكيان الصهيوني منذ لحظه إنشائه على حساب الشعب الفلسطيني وتم تغذيته من دم هذا الشعب ومن ثروات الأمة العربية، هو ذاته أو بعضه الذي يتباكى اليوم على الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة.

لا بأس إذا كان هذا العالم "الرسمي" قد أصيب بصحوة ضمير مفاجئة إزاء عذابات الشعب الفلسطيني والظلم التاريخي الذي ألم به، والذي أغفله هذا العالم بدافع مصالحه. لكن الواقع ومعادلات السياسة تقول غير ذلك، فالعالم اليوم الذي تجاوز موضوعياً نتائج الحرب العالمية الثانية ، ومعادلة الثنائية القطبية، أصبح معنياً بالتخلص من الكثير من منتجاتها. فمعادلات الراهن السياسي لا تنسجم ومعادلات ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث الدول المنتصرة في تلك الحرب قد جاوزت المنفعة القصوى لهذا النصر، بل أن مزيداً من محاولات الاستثمار لذلك النصر بات يضع العالم أجمع على شفير فوضى عالمية غير ممكنة الضبط ، وان معادلات القوة تغيرت بفعل الكثافة الديمغرافية في الشرق، وكثافة انتقال الثروة نحوه، وتنامي قدراته الردعية الإستراتيجية، فإنه لا يمكن إبقائه تحت معادلة النهب غير القابل للتوقف، ويضاف إلى ذلك هذا الدور الفاعل للحركة الشعبية العالمية المناهضة للامبريالية والصهيونية والرأسمالية المتوحشة والتي عبرت عنها قافلة الحرية لكسر الحصار عن شعبنا في قطاع غزة وللدور التركي المتميز في ذلك.

من المفيد أن نشير هنا بأن الهزيمة التركية في الحرب العالمية الأولى هي التي فتحت المجال لإنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين، فمن الطبيعي إذن أن نرى تركيا، العائدة إلى المعادلة الدولية بقوة تتجاوز نسبياً قوتها بعيد هزيمة الحرب العالمية الأولى، سوف تعيد إنتاج مجالها الحيوي المفقود بما يتناسب مع معطياتها الراهنة، وبالتالي إعادة إنتاج رؤية جديدة لمستقبل المنطقة والكيان الصهيوني في ضوء المعادلة الجديدة.

من الخطأ الاعتقاد أن التحول في ميزان القوى الدولي يسمح اليوم بإعادة توازن القوى الدولي أو الإقليمي ضمن الصيغة التي كانت سائدة قبل الحربيين العالميتين حيث التاريخ لا يكرر نفسه .

ولكن من المهم إدراك أن ترويض الكيان الصهيوني بات مسألة ملحة لانتفاء المعادلات التي كانت تحمله بوصفه كياناً غير مقيّد الحركة وخارج القوانين الدولية، وأداة الغرب الأكثر فعالية وكنزها الاستراتيجي في المنطقة، هذا الكيان "المصطنع" لا يحمل مشروعاً قابلاً للحياة بالحد الأدنى، أو يشكل إضافة لإقليم الشرق الأوسط، لأنه غريب عن نسيج المنطقة وثقافتها وحضارتها . فالكيان الصهيوني ليس باستطاعته العيش إلاَّ من خلال تهويد فلسطين من النهر إلى البحر انسجاماً مع أطروحات المشروع الصهيوني، وجعلها قاعدة آمنه للقيام بدوره الوظيفي في إخضاع الأمة، من خلال تفتيت المحيط، هذا التفتيت وتجزئة المجزأ أصبح اليوم مستحيلاً، خلافاً لكل الرهانات والأوهام إبّان الحرب الباردة، أو بعد الانتصار الامبريالي الموهوم على الاتحاد السوفيتي إثر انهياره، أوحتى بعد الحرب على العراق الشقيق ...

وقد فشل المشروع الامبريالي – الصهيوني حتى الآن في تهويد فلسطين أو تغييب شعبها، أو إخضاع الأمة لإملاءات هذا المشروع، فالشعب الفلسطيني موجود وصامد في فلسطين يقاوم، والممانعة والمقاومة العربية في سورية صامدة ومتمسكة بالحقوق الوطنية والقومية وتشكل نقطة دعم للمقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وأصبح الكيان قلقاً على وجوده أكثر من أي وقت مضى. وما لم يستطع المشروع الامبريالي الصهيوني تحقيقه في الماضي، فإن تحقيقه الآن لم يعد ممكناً، لأن العالم لا يستطيع العيش في وضع دولي على تخوم حروب كارثية، وفي ظل توازنات الرعب على كل مستويات الصراع .

إن ما يجري للأسف من تحولات كبرى وتشكُّل هذه البيئة الإستراتيجية الراهنة دولياً وإقليمياً، تحدث وأمتنا العربية في حالة فراغ غير مسبوق، وغير قادرة على الإفادة من هذه البيئة الأكثر ملاءمة لها من كل المراحل التاريخية السابقة، إذا استثنينا الدور والموقف السوري الصامد والداعم لنهج المقاومة والرافض لأطروحات السلام المزيفة، والذي يشكل مرتكز التجسير مع كل من تركيا وإيران والعمل مع كل الشرفاء في الأمة لاستنهاضها وتشكيل مركزها القومي.

وللأسف فنحن إزاء نظام رسمي عربي ينخره الفساد والاستبداد، وبنى سياسية متآلفة تاريخياً مع معادلات سياسية باتت اليوم من حكم الماضي. وهو غير قادر على إيجاد مساحة له داخل التشكيلات الإقليمية وبالتالي الدولية الراهنة.

إن اكبر هذه الكيانات المتمثل في مصر تعيش حالة من فقدان الوزن ، لتأخر نظامها السياسي عن التعاون العربي المطلوب لوضع استراتيجية مناسبة للمستقبل السياسي للمنطقة العربية بوصفه القطب الأوزون داخلها. وبدلاً عن ذلك فقد غرق النظام المصري في معادلات الفساد الداخلي إلى الحد الذي انسدت أمامه الخيارات، وباتت خياراته الموضوعية تنحصر في الاعتياش على دور سياسي غير قابل للحياة، وكل ذلك نتيجة معاهدة كامب ديفيد الكارثية .

هذا الفراغ المخيف في النظام الرسمي العربي لا يمكن أن تقبله الطبيعة السياسية، بل ستندفع أطراف عديدة إقليمية ودولية لملئه إن لم تستطع نخب عربية القيام بذلك، من خلال إحداث اختراق في معادلة القوة بينها وبين نظمها السياسية، وتوظيف هذه المعادلات في استكمال مشروعها من خلال خلق معادلة توافق عربية على استراتيجية سياسية عليا تضعها على خارطة التشكيلات القادمة.

لم تكن البيئة الإستراتيجية الدولية يوماً تسمح للنخب السياسية العربية بتجاوز هذه النظم كما هو عليه الحال اليوم ، ولكن المشكلة أن غالبية هذه النخب تقبع اليوم في خانة الظلال للنظم السياسية بوصفها تابعاً وتسعى للشراكة من موقع المساومة، والجزء الآخر على شكل ظلال معارضة دون أن يمتلك شروط المعارضة الإستراتيجية صاحبة المشروع (البديل الثوري)، بل المعارضة من موقع التخالف وعدم الرضا، دون امتلاك الرؤية والإرادة القادرة على تقديم مخرج.

إن الخشية التي ينتجها هذا الفراغ هي أن يتجه العالم الساعي لتوفير الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط على قاعدة التوافق على حدود مصالح الأطراف الدولية والإقليمية ودورها في المنطقة في إطار جدل الصراع والترويض لتحقيق ذلك، بما في ذلك الكيان الصهيوني "الصراع العربي – الصهيوني". هذا السعي للتوافق الذي يعطي للأمة العربية فرصة القيام بمعادلة الترويض للكيان الصهيوني، بما يجعلها قادرة على خنقه استراتيجياً وتفكيكه وتذويبه، إن هي حشدت إمكاناتها البشرية والمادية وعلاقاتها الإقليمية والدولية.

والخشية أن يتجه العالم على ضوء واقع الأمة العاجز، إلى تكليف أو إعطاء الضوء الأخضر لطرف اقليمي للقيام بذلك، بديلاً عن الطرف العربي، بما يحوّل هذا الطرف الى مظلة هبوط آمن للكيان الصهيوني، وبوابة عبور لأطراف خارجية لإعادة ترسيم المنطقة العربية كمجال حيوي لها، أو تقاسمه مع آخرين.

نعم هذا يجري ومعظم النظام العربي صامت، والنخب السياسية تنتظر المعادلة الدولية من خلال أحد مكوناتها لتخوض المعركة نيابة عنها، والشعوب العربية في ظل هذا الفراغ تعيش حالة الإعجاب بهذا الزعيم الدولي أو ذاك، تنتظر المخلص المنتظر، فمرة تراه في هيئة احمدي نجاد ومرة في هيئة شافيز وأخرى في هيئة أردوغان مع الاحترام الشديد والتقدير العالي لهم جميعاً.

لكن من المهم الإدراك أن لا قائد محترم على وجه الأرض يخوض معركة الآخرين، بل لعل أهم خصائص القائد البطل تكمن في قدرته على خوض معركة شعبه وأمته بالأساس، ولا تكون صرخة المرأة المظلومة " وامعتصماه " إلا لقائدها "المعتصم"، وبعد ذلك يأتي الدعم من كل قوى الحرية في العالم، إن أحسنا حشد طاقاتنا وقدراتنا واعتمدنا على إنساننا العربي المالك لحريته وإرادته، والمؤهل بالوعي المعرفي لادارة الصراع بشكل علمي وغير مرتجل، في اطار البرامج الواضحة والتحالفات السليمة والأولويات الصحيحة التكتيكية والاستراتيجية لحماية آمننا القومي على كافة الصعد.

ليس صدفة أن تسمع وترى عملية الجمع في الخطاب وفي اللافته وفي الصورة داخل المسيرات الشعبية بين صور جمال عبد الناصر وصورة أردوغان. إنها شكل من أشكال البحث عن المفقود، وإيهام الذات بأن الوجود الخارجي يشبه إلى حد كبير الغائب المطلوب والخاص، ولكنه لا يسد عنه، وإلا لما كان هناك داع للجمع بينهما.

إذن لم يعد هناك من مجال لاستمرار الوضع الإقليمي على ما هو عليه، فتركيا هي الطرف الوحيد دولياً وإقليميا الذي يمتلك القدرة على تركيب المعادلة المطلوبة في البيئة الإستراتيجية الراهنة، فهي الدولة المركزية العضو في حلف الناتو، والتي تملك خطاباً قابلاً للهضم عربياً كما هو قابل للهضم غربياً، وهي الطرف الوحيد القادر على إقامة علاقة مع الكيان الصهيوني دون أن تتأثر صورته في عقل المواطن العربي، ودون أن تهتز علاقته بأطراف الاعتدال أو الممانعة العربية الرسمية، لأنها مع تسوية الصراع العربي – الصهيوني وفق المبادرة العربية.

تركيا هي المركز الإقليمي الوحيد الذي قدم للعالم من خلال كتاب وزير الخارجية التركي أحمد أوغلو "العمق الاستراتيجي" مجموعة مبادئ تكاد تكون ملزمة وموجهة للسياسة التركية، أساسها الأمن للجميع ، والتعاون بين الجميع والانفتاح على الجميع، كما أن تركيا هي الطرف الوحيد الذي يقيم علاقة مع منظمات مصنفة "إرهابية" في الغرب كحماس وحزب الله، دون أن يطلب الغرب منها التوقف عن هذه العلاقة، أو يعرضها لضغوط ناتجه عن هذا الموقف.

إنّ ما يجب ملاحظته بعمق هو أنه في حال رغبت تركيا لعب دور المروض للكيان الصهيوني، فإن مبادئ السياسية التركية تستدعي أن تكون مروضاً أو مقنعاً لأطراف المقاومة العربية، لأنه ليس بإمكانها أن تلعب دور رأس الحربة في رفع الحصار عن غزة، دون أن تأخذ التزاماً من الأطراف الموجودة في غزة بعدم التصرف بعيداً عن التزامات تركيا الدولية ومحددات سياساتها وإستراتيجيتها. وهي تعلم بأن فك الحصار عن قطاع غزة لن يكون بدون اتفاق دولي مع الكيان، لأنه يعتبر ذلك قضية حياة أو موت ولن يسمح به أبداً.

هناك نزوع دولي لفك الحصار عن القطاع لم تتحدد معالمه بعد، وهناك أكثر من اجتهاد حول الوسائل والآليات لضمان أمن الكيان من جهة وضمان نقل المعونات الإنسانية للقطاع من جهة أخرى. وهناك طرح حول الاستعانة بقوات دولية، أو قوات تقتصر على "الناتو" ولكن من خلال العضو التركي في هذا الحلف لأنه سيقدم بوصفه تركيا المقبولة من كل الأطراف وليس بوصفه قوة "ناتو". وقد يبدو هذا الخيار مستبعداً في ضوء العلاقات التركية الصهيونية المرشحة للتصعيد، بسبب عدم إقرار الكيان بالدور الإقليمي المركزي لتركيا على حساب دوره الوظيفي الإقليمي. وهذا يعني صراعاً مفتوحاً في المنطقة على حدود المصالح والدور دولياً وإقليميا، حتى تتوصل كل الأطراف إلى اتفاق حول مصالحها ودورها. وفي صلب هذا الاتفاق التوصل إلى حل للصراع العربي – الصهيوني، والذي يبدأ بالمصالحة الفلسطينية على قاعدة التسوية التي أصبحت مقبولة من معظم الأطراف الفلسطينية بما فيها حركة حماس تحت حجة المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني الذي سيتم استفتاؤه على وطنه.

ليس في هذا الكلام اعتراضاً على الدور التركي، ولا إنكاراً لايجابياته، ولكنه اعتراض على الفراغ الذي لا يبني على هذا الدور، بل يترك له التحول في فراغ كامل (سوى الموقف السوري)، يجعله يتشكل وفق مصالح الغير التي لا يمكن إلا أن تجود عليه بفوائض مشاريعها الخاصة إيجابا أو سلباً، وليس بمساحة حقوقك، وهذا قانون الطبيعة وليس أحكام على النوايا.

أما على المستوى الفلسطيني فإن لديه قوى سياسية كبيرة وصغيرة، لكنه مازال يفتقد للتنظيم القائد القادر أيضاً على الاستفادة من البيئة الدولية التي تحتمل البناء عليها لاستعادة الحقوق الفلسطينية. ولأن الأمر كذلك ستبقى هذه القوى تبحث عن طرف تتحرك على هوامش مصالحه، وتعيد إنتاج نفسها كفصائل وعشائر، أو كمناذرة وغساسنة، دون القدرة على إعادة إنتاج حالة سياسة "حركة التحرر الفلسطيني" المعبرة عن مصالح شعب مناضل وتقوده نحو أهدافه العليا، وتجبر العدو كما الحليف على الإحساس بالحجم والمساحة المطلوبة لمصالحه الآن وفي المستقبل، دون البحث عن أوطان بديلة أو حلول على حساب الأردن لأن هذه الحلول ستكون ضد فلسطين والأردن معاً.

يبدو كأن النظام السياسي العربي قد اختبأ بين يدي خزيه معتقداً أن وضع الأيدي على الوجه خزياً، كافياً لطمس الخزي، بينما اكتفت معظم النخب السياسية بالتغني بالدم التركي وكارزمية أردوغان، دون أن تتذكر أن الدم التركي الزكي وكارزمية أردوغان لا يمكن أن تغطي عار التقصير المفجع، ولا الانتماء اللفظي لهما بقادر على تعبئة مساحات الخواء، ولا يمنح صكوك غفران للنكوص عن الدور التاريخي المطلوب ذاتياً وطنياً وقومياً، والذي به يمكن تطوير مواقف الأطراف الإقليمية الصديقة نحو تحرير فلسطين وتحقيق أهداف الأمة العربية، حين تصل هذه الأطراف إلى قناعة معنا بأن هذا الكيان الصهيوني العنصري الاحلالي خطر على أمنها ومصالحها استراتيجياً، وعندما يصبح التعاون على قاعدة المشترك من مصالح وتراث وثقافة وحضارة بين الأمة العربية وكل من تركيا وإيران، وبناء نظام إقليمي لا يتناقض مع هذه المصالح.

إن من السذاجة السياسية أن يعتقد البعض اليوم بأن الإدارة الأمريكية ستقوم بإضعاف الكيان الصهيوني، الذي لا يزال جزءاً أساسياً من إستراتيجيتها الإقليمية والدولية قبل تبلور حدود مصالحها والمصالح الدولية والمراكز الإقليمية. ومن السذاجة أيضا إن لم أقل غير ذلك لبعض قوى المقاومة في بلادنا التي لا تعتبر الولايات المتحدة العدو الرئيسي لشعبنا وأمتنا ولشعوب العالم.

كما أنه من الجهل السياسي عدم الاهتمام بالعلاقة مع الصين وروسيا الاتحادية ، وتوصيفها من قبل البعض بأنها حليف للكيان الصهيوني، وبأنها تبني علاقاتها مع الآخرين وخاصة مع الولايات المتحدة من أجل مصالحها وعلى حساب العرب والمسلمين. إن هذا الفهم ينقصه فهم التحولات والعلاقات الدولية على قاعدة المصالح، كما ينقصه فهم الموقفين الصيني والروسي تجاه المخاطر عليهما من قبل الولايات المتحدة، وليس من العرب والمسلمين التي تتطور العلاقات بينهم في كافة المجالات لكن دون أية أوهام بأن تتطابق المصالح في كل زمان ومكان. فبين أمتنا العربية، كما الدول الإسلامية، الكثير من المشترك مع هذين البلدين موضوعياً في مواجهة أطماع الامبريالية التي لم تتخلى عن أوهامها بقيادة العالم، وإن بدى ذلك من المحال الآن.

و إنها لمعيبة مواقف الاستهزاء بالتجربة الصينية وتجربة الاتحاد السوفيتي السابق المنطلقة من البعض، حيث وقف كلاهما الى جانب قضايا أمتنا ولا زالا نسبياً رغم المتغيرات الدولية. ولأننا أمة الوفاء فعلينا أن نقدر ونثمن مواقفهما ونعمل على تطوير العلاقات معهما، حيث لن يستفيد من مواقف الاستعداء اتجاههما إلا أعداء شعبنا وأمتنا.

ومن السذاجة أيضاً أن نتوهم بأن "دولة إسرائيل" قادرة على التخلي عن مشروعها الصهيوني رغم الأصوات الصهيونية من داخلها وخارجها التي تطالبها بتغيير سياستها لضمان استمرار وجودها ومن موقع حرصهم عليها. ويصبح من الضروري الاهتمام بهذه التطورات دون تفاؤل طوباوي أو إهمال، بل العمل على الاستفادة منها في تعميق أزمة الكيان لأنه إذا تكامل هذا التحول داخل الكيان الصهيوني مع ألوف المفكرين الصهاينة والتحولات الرسمية والشعبية في الغرب، مع كفاح متواصل فلسطينياً وعربياً لضرب امن الكيان واقتصاده وروحه المعنوية والاستمرار في تعرية وفضح عنصريته وإجرامه على الصعيد العربي والإقليمي والدولي، فإنه يصبح ممكناً الاستفادة من التحولات الدولية والبيئة الإستراتيجية دولياً وإقليميا في الشرق الأوسط، والتي يمكن أن تكون المقدمة الضرورية لانجاز الخنق الاستراتيجي لهذا الكيان على طريق هزيمته نهائياً.

كاتب وسياسي فلسطيني

====================

في الحاجة إلى مقاربة عقلانية للدور التركي

د. بشير موسى نافع

6/17/2010

القدس العربي

أعادت أحداث الاعتداء الإسرائيلي على قافلة الحرية، ومقتل المتضامين الأتراك التسعة على ظهر السفينة مرمرة، تسليط الأضواء من جديد على الدور التركي النشط في المشرق، وأطلقت عاصفة من الاهتمام العربي بجارتهم الكبيرة. ضمت قافلة الحرية عدداً من السفن، بينها سفينة تركية واحدة، ونشطاء من مختلف أنحاء العالم. ولكن الدور الذي لعبته مؤسسة وقف حقوق الإنسان والعمل الخيري التركية في تنظيم القافلة، والتعاطف الشعبي التركي العارم، سيما في مدينة اسطنبول، مع القافلة، أوحى بأن القافلة تركية خالصة. لم يكن للدولة التركية من دور يذكر في تنظيم أو إدارة أو إطلاق الحملة خلف القافلة، اللهم إلا دعوات الخارجية التركية للدولة العبرية بأن لا تعترضها وأن تترك سفن الإغاثة للمرور إلى قطاع غزة. وربما تحسبت الدوائر التركية الرسمية من احتمالات الأزمة التي يمكن أن تولدها القافلة، بعد التوتر الذي أحاط بقافلة الإغاثة البرية السابقة على الجانب المصري من معبر رفح.

بيد أن بشاعة الاعتداء على القافلة، والاستهتار الإسرائيلي بأرواح النشطاء المدنيين، خاصة الأتراك بينهم، ولد الانطباع في أنقرة بأن ثمة نية إسرائيلية لاستهداف تركيا وتوجيه الإهانة لحكومة العدالة والتنمية. والأرجح أن الحكومة التركية عملت منذ اللحظة التي نشرت فيها أنباء ما حدث على السفينة مرمرة على تحويل الأزمة إلى فرصة. عودة رئيس الحكومة إردوغان السريعة إلى العاصمة أنقره من جولته في أمريكا اللاتينية، وقطع رئيس الأركان التركي زيارة رسمية لمصر، واستنفار وزارة الخارجية التركية، أكدت جميعاً على أن حكومة العدالة والتنمية، وإن نظرت إلى القافلة باعتبارها عملاً خيرياً مدنياً بحتاً، لم تكن لتترك الاعتداء الإسرائيلي على سفينة تركية يمر بلا رد. خلال ساعات من وصوله إلى أنقرة، تحدث إردوغان إلى الشعب ونوابه من على منصة البرلمان، مؤكداً على أن الحادث يمثل لحظة تحول في السياسة التركية الخارجية، وقال للإسرائيليين بلا مواربة أن اختيار العداء لتركيا سيكون مكلفاً. وفي الأيام القليلة التالية، عملت الدبلوماسية التركية في مجلس الأمن على إصدار بيان رئاسي من المجلس يدين التصرف الإسرائيلي ويطالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية للكشف عن حقيقة الأحداث، كما عملت عبر إدارة أوباما لعلى توجيه إنذار للحكومة الإسرائيلية بضرورة الإفراج عن المتضامنين المعتقلين، لاسيما الأتراك منهم، وإعادة جثث الضحايا. وقد سربت أوساط حكومية للصحافة التركية تقارير تفيد بأن حكومة العدالة والتنمية ستقوم بالتحلل من كافة الاتفاقات التي عقدتها الحكومات السابقة مع الدولة العبرية خلال النصف الثاني من التسعينات، أو ستترك التجارية منها لتصل إلى نهايتها بدون أن تسعى إلى تجديدها.

لم يكن في الموقف التركي إزاء أحداث المتوسط من رد غير متوقع. انتهت الأحداث بمقتل نشطين أتراك مدنيين، عملوا على التضامن مع منطقة فلسطينية محاصرة بغير وجه قانوني أو أخلاقي. ويجمع الموقف من الحصار على قطاع غزة الأتراك شعباً وحكومة، كما يجمع دوائر لا حصر لها في أنحاء العالم. ولم يفت رئيس الحكومة إردوغان في كلمته أمام البرلمان التركي إعادة التوكيد على موقف حكومته من الحصار المفروض على غزة. ولعل وعد إردوغان المفعم بأن تركيا (وكان ملفتاً بالطبع أن يتحدث باسم تركيا وليس باسم الحكومة وحسب)، وإن تخلى الآخرون عن مسؤولياتهم، لن تدير ظهرها لأهالي القطاع المحاصر، مثل أحد أكثر لحظات الأزمة تأثيراً على الرأي العام العربي. ولكن حتى بدون اللغة المباشرة لرئيس الحكومة التركية، لم يفت الرأي العام العربي الجدية البالغة التي اتسم بها تعامل الأتراك مع الحدث.

منذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في نهاية 2008، والعرب يراقبون باهتمام بالغ التوتر المتصاعد في العلاقات التركية - الإسرائيلية، وقد أدهشتهم في المقابل الخطوات المتسارعة التي اتخذتها الحكومة التركية خلال السنوات القليلة الماضية للتقارب مع المحيط العربي، من تدعيم العلاقات الاقتصادية مع كافة الدولة العربية تقريباً، ابتداء من سورية والجزائر وليبيا ومصر إلى دول الخليج والسعودية، ومن رفع التأشيرات والرسوم الجمركية على حركة البشر والبضائع مع عدد متزايد من الجارات العربيات. كما أدهشهم الموقف التركي البرازيلي من الملف النووي الإيراني، ومحاولة البلدين، التي لم ترق للدولة العبرية وعدد من القوى الغربية، إيجاد مخرج للأزمة، ومن ثم تصويت تركيا والبرازيل ضد مشروع القرار الأمريكي لفرض عقوبات على إيران.

بيد أن ثمة بعداً آخر لهذا الاهتمام؛ فهناك تاريخ عثماني مديد يربط بين العرب والأتراك، لم يمر على نهايته سوى عقود قليلة. وحتى منتصف القرن العشرين، كانت فئات النخبة في المدن العربية الكبرى لم تزل تتحدث العثمانية. وسواء في قاعات الدرس، أو في أوساط الرأي العام العربي، لم تنجح الدولة العربية القطرية في تقديم سردية مقنعة، يمكن لها أن تسوغ إدانة الحقبة العثمانية أو القطيعة معها. تماماً كما أن سردية القطيعة التي نسجتها الدولة الكمالية في تركيا تتعرض الآن للتساؤل والشك في أوساط الأتراك المحدثين. الحنين العربي للماضي العثماني يعززه بحث العرب عن دولة قائدة، بعد انسحاب كبريات الدول العربية من مسؤولياتها، وفراغ مقعد القيادة الذي تركته وراءها، ليس في دائرة القضية الفلسطينية وحسب، بل وفي العراق والسودان واليمن و...إلخ. في تصدى تركيا العدالة والتنمية للاستهتار الإسرائيلي، وفي حرص تركيا الحثيث على تعميق الروابط مع جوارها العربي، بدا وكأن العرب وجدوا ضالتهم. صور إردوغان وأعلام الجمهورية التركية (التي هي الأعلام العثمانية) رفعت عالياً في المظاهرات الاحتجاجية التي اجتاحت المدن العربية، من غزة وصنعاء والقاهرة إلى الدار البيضاء. ولم يخش المتظاهرون العرب تذكير حكامهم ووزراء خارجيتهم بضرورة التعلم من نظرائهم الأتراك. وبالرغم من أن بعضاً من الأجداد استغرب يوماً أن تكون اسطنبول وليس بغداد أو دمشق أو القاهرة مقراً للخلافة الإسلامية، فقد اكتشف قطاع من العرب في صلابة إردوغان صورة تذكرهم بأن تلك البلاد كانت يوماً حاضنة الخلافة.

ما يتطلبه تقدير الدور التركي اليوم شيئاً من المقاربة العقلانية. تركيا العدالة والتنمية لن تتحول إلى دولة ممانعة، كما سورية وإيران مثلاً؛ بمعنى أنها ستبقى حريصة على علاقاتها الغربية، بما في ذلك عضوية حلف الناتو والمثابرة على طلب عضوية الاتحاد الأوروبي، حتى وهي تدرك أن الدول الأوروبية الرئيسية تمضي الوقت في تعاملها مع الملف التركي، لا أكثر. وبالرغم من أن المسؤولين الرئيسيين في حكومة العدالة والتنمية، بمن في ذلك رئيس الجمهورية عبد الله غل، لم يستبعدوا قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدولة العبرية، فالأرجح أن مثل هذه الخطوة ليست على جدول أعمال الحكومة التركية الآن، وإن اتخذت يوماً فلأن الدولة العبرية دفعت أنقرة دفعاً إلى اتخاذها. الحقيقة، أن السياسة الخارجية لحكومة العدالة والتنمية تقوم على تعددية الأبعاد ودوائر الاهتمام، والارتباط التركي بالمعسكر الغربي ليس بعداً أصيلاً في هذه السياسة وحسب، بل هو أيضاً وثيق الصلة بماضي تركيا، الذي كان إسلامياً وعثمانياً وأوروبياً كذلك. وربما ليس من مصلحة تركيا ولا مصلحة اصدقائها العرب، أن تنقلب على علاقاتها الغربية، لا بالمعنى السياسي ولا بالمعنى الثقافي. إحدى عناصر قوة تركيا الجديدة أنها غربية ومشرقية في الآن نفسه.

ومن الضروري أيضاً إدراك أن تركيا العدالة والتنمية تمر بطور انتقالي، طور يتعلق بإعادة اكتشاف الذات والتاريخ، وتحديد المتطلبات الاستراتيجية لبناء دولة حرة وقوية ومؤثرة. في هذا الطور الانتقالي، ثمة ثوابت ومسلمات للجمهورية تتعرض الآن للانتقاد والإنشاء من جديد، وثوابت ومسلمات أخرى يجري التخلي عنها. ولكن هذا طوراً انتقالياً إصلاحياً وليس ثورياً؛ بمعنى أنه سيأخذ زمناً ما لينضج ويتبلور. ولذا، فليس بالضرورة بعد أن تكون كل خيارات الرؤية الإصلاحية لحكومة العدالة والتنمية قد أصبحت خيارات للدولة التركية بمؤسساتها الأمنية والعسكرية والمدنية. التدافع على روح تركيا وملامحها لم يزل على أشده، وسيحتاج إردوغان نجاحاً في معركة تعديل الدستور، وربما حتى دستوراً جديداً، وفوزاً ثالثاً في الانتخابات البرلمانية، قبل أن يتمكن من غرز جذور رؤيته الإصلاحية عميقاً في تربة الجمهورية التركية العصية، وأن تصبح خياراته الكبرى حول دور تركيا وموقعها وعلاقاتها خيارات الدولة أيضاً. المهم في كل ما يجري أن هذه الخيارات تجد صدى واسعاً في صفوف الشعب التركي بفئاته المختلفة.

الأهم من ذلك كله، في النهاية، أنه مهما كان تقدير الدور التركي، فعلى العرب أن يدركوا، شعوباً وقوى سياسية، أن تركيا، الشقيقة العثمانية القديمة، الصديقة والحليفة الجديدة، لن تقوم مقامهم، ولا يجب أن تفعل. صلابة الموقف التركي في مواجهة السياسات الإسرائيلية، ودفاع حكومة إردوغان عن القضايا العدالة في الجوار العربي والإسلامي، لا يجب أن يعفي العرب، حكومات وقوى سياسية من مسؤولياتهم. تركيا لن تحل محل مصر المنسحبة من دورها، لا يجب أن تغض النظر عن التكبيل الطائفي للعراق، لن تعوض صمت السعودية المدوي، ولا انكفاء الجزائر على نفسها. إن كان في الموقف التركي من إيجابية، فيجب أن تتحول هذه الإيجابية إلى قوة دافعة لإصلاح الشأن العربي، لخوض معركة إعادة بناء الدور العربي، مهما كانت التكاليف. ومن الجدير ربما التذكر بأن تغييراً ملموساً في توازن القوى، وانقلاباً إيجابياً في أوضاع المشرق العربي الإسلامي، لن يتحققا بدون دور عربي مواز للدور التركي.

' كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

====================

هكذا تحدث اردوغان

راكان المجالي

الدستور

6/17/2010

اصطدمت هجرة اليهود الاستيطانية في بدايات القرن الماضي بالرفض القاطع للمشروع الصهيوني الغربي من قبل الامبراطورية العثمانية ، وبانهيارها بدأ الغرب يضخ مقومات الهجرة اليهودية ، وعلى مدى ما يقرب من قرن غابت تركيا عن القضية الفلسطينية التي ظلت قضية عربية ولا تزال لكن العودة التركية للاهتمام بالقضية جعل الانظار تتجه لكل ما يقوله اردوغان حول اسرائيل والغرب.

 

فقد شن رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان هجوما شديدا على الاتحاد الأوروبي ، متهما إياه بأنه يتلاعب بتركيا منذ 50 عاما. ولم يوفر اردوغان في كلامه الصحافيين الأتراك الذين يرددون كلام الصحافة الإسرائيلية وكلهم يغرفون من منهل واحد.

 

في هذا الوقت ، أعلنت رئاسة الأركان التركية أنها ستجري مناورات بحرية بين 14 17و حزيران الحالي في المياه الإقليمية الدولية لقبرص التركية. وفسّر المراقبون ذلك بأنه يستهدف الرد على محاولة إسرائيل إرسال سفينة إلى قبرص التركية احتجاجا على الاحتلال التركي للقسم الشمالي للجزيرة ردا على محاولة أنقرة كسر الحصار على غزة.

 

ففي احتفال في إحدى جامعات مدينة طرابزون على البحر الأسود ، قال اردوغان ، أمس الأول ، إن كلاما انتشر عن أن تركيا انقطعت عن الغرب وأنها عادت إلى الدول العربية. وأضاف إن من يقولون هذا الكلام هم الصحافة الإسرائيلية والصحافة الغربية التي تتلقى الدعم من إسرائيل. والتعليمات تأتي من مكان واحد. واليوم أيضا يأتي من الصحف المحلية من يردد العبارات والعناوين ذاتها ، وهؤلاء ليسوا سوى أقنعة ، وإذا كانت الصحافة الغربية تخدم إسرائيل فلماذا انتم تقومون بالخدمة نفسها في وقت يقوم بلدكم بالمواجهة ويبكي ضحاياه .

 

وتابع اردوغان لن ننحني لهذه الدعاية السوداء ، وليس من شبهة عندنا في وضوئنا لكي نشتبه في صلاتنا ، موضحا أن الحملة ضده في بعض الصحافة التركية هي ذاتها في الصحافة الإسرائيلية فقط اللغة اختلفت . وقال إذا سكتنا على الظلم فسوف تصطك عظام السلطان محمد الفاتح والسلطان سليم الأول .

 

وأضاف إن الذين يقولون بأننا نغير المحور إن لم تكن نواياهم خبيثة فهم لا يفهمون سياستنا الخارجية متعددة البعد ، ولا الدور الجديد لتركيا. وأنا أذكركم بأن الذي بدأ بالمفاوضات المباشرة مع الاتحاد الأوروبي هو حكومتنا نحن . وتابع : قبل أن تصبح المجموعة الأوروبية اتحادا أقدمنا على طلب الانضمام عام 1959 ، ورسميا في العام ,1963 خمسون عاما وهم يتلاعبون بنا ولا يزالون حتى الآن. وأسسنا وزارة لهذا الشأن. وعيّنا كبير مفاوضين خاصا لهذا الأمر جال كل أوروبا ، ومع ذلك يتلاعبون بنا .

 

واعتبر اردوغان انه من خلال لقاءاتنا مع المسؤولين الأوروبيين عرفنا ما يخبئون ، لكن ليس من المناسب قول ذلك. ولكن أقولها لهم بصراحة: إذا لم تكونوا ناديا مسيحيا فأنتم مضطرون لقبول عضوية تركيا. إن الشيء الوحيد الذي ينفي أنكم ناد مسيحي هو أن تأخذوا دولة شعبها مسلم مثل تركيا . وقال إن تركيا مقارنة بآخر عشر دول انضمت إلى الاتحاد الأوروبي تمتلك الشروط اللازمة للعضوية . وأضاف كلما ازددنا قوة كلما دخلت أياد سوداء خفية لتضعف تركيا ، وكلما تقدمنا اقتصاديا ظهرت سيناريوهات معاكسة وكلما بادرنا إلى خطوات تاريخية على طريق أن نكون دولة قوية تدخل تخريبات من الداخل ومن الخارج . واعتبر أن العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية بدأت مع طوروغوت اوزال ، وللدول الأوروبية استثمارات كبيرة في العالم العربي ولتركيا علاقات اقتصادية واسعة مع الغرب وأوروبا.

 

في هذا الوقت ، اعتبر رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كيليتشدار اوغلو أن اردوغان يحاول أن يعوض تراجع حزب العدالة والتنمية في الداخل بالعمل على السياسة الخارجية. وقال إن تركيا اتبعت سياسة تصفير المشكلات مع الجميع ، لكنها تحولت إلى بلد له مشكلات مع الجميع ، واردوغان يحاول سدّها بالسياسة الخارجية .

 

وفي حوار هو الثاني له مع الصحافة الغربية دعا رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولين إلى تعزيز العلاقات التركية - الأميركية ، مذكّرا بأنه ضيف على الولايات المتحدة . وكان غولين أثار ضجة عندما أدلى إلى صحيفة وول ستريت جورنال بمواقف انتقد فيها أسطول الحرية لكسر الحصار على غزة ، قائلا انه كان يجب أن يحصل على إذن من إسرائيل قبل التوجه إلى هناك. وقد فسّر موقف غولين على انه جزء من سيناريو أميركي إسرائيلي لإضعاف حزب العدالة والتنمية خصوصا انه كان من مؤيدي اردوغان في انتخابات 2002 و ,2007

 

وأشار الكاتب فائق بولوت إلى أن قول غولين انه يجب اخذ الإذن من إسرائيل يطرح علامات استفهام كبيرة على موقف رجل دين مسلم من الجهة التي يتلقى منها الأوامر ، وهل يمكن أن يتلقى الأوامر من بلد معاد للإسلام ، ويحدد المواقف إلا وفقا لمرجعية القرآن والسنة؟.

 

وكما ذكرنا فان انظار الشعوب العربية الاسلامية تتجه نحو ما يقوله اردوغان وتقرأ ما بين سطور احاديثه وخطابه السياسي المدروس كما تتجه الانظار نحو تطورات الوضع التركي والتطلع الى ان تكون تركيا هي حامية الحمى والقوة الموضوعية العاقلة القادرة على تعديل الموازين عبر توظيفها لمصداقيتها وعلاقتها التاريخية في الزمن الحديث مع الغرب وتفاعلها الايجابي واندفاعاتها لان تكون خزءا من المشروع الاوروبي الغربي.

 

والاهتمام بكل ما يحدث في تركيا من حالة شعبية وردود افعال وانجازات سياسية يفرض نفسه اليوم على المشهد في المنطقة لذلك فان الاهتمام بكل ما يجري ويقال في تركيا هو جزء من رهان وبروز امل بان يكون لتركيا تأثير حقيقي يخرج المنطقة من مشاكلها الراهنة.

====================

غياب المحتوى المعرفي في الإعلام العربي

باتر محمد علي وردم

الدستور

6/17/2010

بالرغم مما يسمى النهضة الإعلامية العربية التي تمثلت مؤخرا في الانتشار الواسع لقنوات وأدوات الإعلام الجديد ، الفضائي منه أو الإلكتروني أو الإذاعي والذي يعتمد على كثرة الإحصائيات الرقمية المساندة مثل تزايد أعداد المشتركين والزائرين والتعليقات ، وتزايد عدد محطات البث والمواقع الإلكترونية فإن الإعلام العربي لا يزال يواجه مشكلة كبيرة في نوعية المحتوى وضعف ما يتضمنه من عناصر معرفية ذكية.

 

وعندما نقول المحتوى الذكي فإن ذلك لا يعني بالضرورة وجود "نقيض غير ذكي" مثلا بل ما نقصده هو غياب المحتوى الذي يركز على طرح الأفكار الذكية والجديدة في كافة مجالات السياسة والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا والمجتمع والتنمية وهي الأفكار التي تصنع السياسات والمستجدات العالمية ولكنها تبقى غائبة عن المحتوى العربي.

 

وللأسف يمكن القول ، ومع كثير من الحرية في التعميم أن المضمون العربي الإعلامي يركز على خمس قضايا اساسية. أولاها المتابعة الإخبارية الإعلامية وثانيها التركيز على الثقافة الدينية ووسائل الإعلام ذات المحتوى الديني التي تخاطب الجمهور العربي المتدين ، وثالثها محتوى الغناء والتمثيل والرقص بكافة أنواعه وخاصة الرديء منه ومحتوى الرياضة والترفيه وأخيرا الصخب السياسي الذي يعتمد على الصوت العالي والجدال غير المفيد واستقطاب المشاعر الوطنية والقومية بدون تقديم معلومات ولا بدائل.

 

هنالك بعض الاستثناءات التي تتمثل في برامج فضائية محدودة ذات طبيعية تحليلية ووثائقية تقدم معلومات جديدة ووجهات نظر عميقة ، وهنالك بعض المساهمات من قبل مجلات رصينة وكذلك صحف تخصص مساحات جيدة للمحتوى الإستراتيجي ولكن معظم هذه المضامين تكون مترجمة مثل مجلات فورين بوليسي وصحيفة اللوموند والنيوزويك والتي يبدو أنها توقفت عن الصدور بالنسخة العربية ، ومع أن هذا لا يقلل من أهمية هذه المنشورات ولكنه يعكس غياب الإبداع الذاتي. هنالك ايضا بعض المواقع الإلكترونية التي تركز على المحتوى الفكري والمعرفي ولكن ترتيبها في قائمة المواقع ذات "الشعبية" المعتمدة على عدد الزيارات وعدد التعليقات ضعيف جدا ، وبالإضافة إلى ذلك فإن المواقع الإلكترونية للجامعات ومراكز الابحاث والدراسات العربية تبدو أكثر اهتماما بالعلاقات العامة من الاهتمام بالمحتوى المعرفي.

 

في مقابل ذلك نلاحظ وجود الآلاف من ادوات الإعلام والمعرفة باللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية الأخرى والتي تقدم قراءات حديثة وعميقة من أفضل المفكرين في العالم حول التغيرات والمستجدات الدولية حتى قبل حدوثها. وربما يكون أحد أهم هذه الأدوات موقع "بروجكت سنديكايت" التي يقدم وجبة ثرية من مقالات أفضل المفكرين في العالم في مكان واحد وهو لحسن الحظ مترجم إلى اللغة العربية. كما يتميز بشكل كبير موقع "تيد تولكس" الذي يقدم مئات من المحاضرات أو العروض التي يقدمها خبراء ومبدعون في كافة المجالات عبر الفيديو ويعتمد كل عرض على قيمة المعلومة الجديدة وطريقة التقديم وشخصية المتحدث ، ولا تتجاوز المحاضرة أو العرض الواحد 20 دقيقة بالحد الأقصى ولكن تتضمن ثروة كبيرة من المعرفة الخالية من الإنشاء والتنظير ، ولكن العالم العربي يفتقر تماما إلى مثل هذه المنابر.

 

ليس من الصعب تفسير هذه الظاهرة فهنالك جانب العرض والطلب. من الأفضل دائما البحث عن المحتوى الذي يحظى باهتمام المتلقى وهو في العادة الذي لا يتطلب الكثير من التفكير ويحتاج فقط إلى التواصل المباشر مع المشاعر الدينية والسياسية والترفيهية والاجتماعية ، كما أن إنتاج المحتوى المعرفي يتطلب المزيد من الاستثمار المالي والفني والبشري لتقديم ما هو جديد ، ولكن من المؤكد أن حالة النهضة الإعلامية الجديدة التي نفاخر بها في الإعلام العربي لم تقدم الكثير من الاضافات النوعية في مجالات المعرفة الذكية بل أضافت المزيد من الصخب والضجيج والفوضى.

====================

فرصة الساعة الأخيرة

محمود عباس

(رئيس السلطة الفلسطينية- رئيس منظمة التحرير الفلسطينية)

خدمة «كومون جراوند» الإخبارية والاتحاد الاماراتية

الرأي الاردنية

6/17/2010

استؤنفت المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد سنة ونصف السنة من الجمود الذي بدأ بعد أن أطلقت إسرائيل هجمة عسكرية مدمرة على قطاع غزة في شهر ديسمبر من سنة 2008.

وجاء استئناف المفاوضات نتيجة لجهود حثيثة ومثابِرة من جانب الإدارة الأميركية، ومن قبل الرئيس باراك أوباما بالذات وبدعم فلسطيني وعربي ودولي واسع.

وتوفّر هذه الجولة من المفاوضات فرصة الساعة الأخيرة لتحقيق سلام دائم مبني على حل الدولتين. وحتى لا تضيع هذه الفرصة هناك حاجة للشجاعة والقيادة الحكيمة.

ورغم الواقع القاسي المفروض علينا، ينوي الجانب الفلسطيني التفاوض بنيّة حسنة بهدف إنهاء حالة النزاع التي ابتليت منطقتنا بها لمدة طويلة. لقد شكّل بالنسبة لي تحقيق السلام والتعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين التزاماً طوال حياتي، وقد أصبحت أومن منذ فترة مبكرة بأن النزاع الفلسطيني–الإسرائيلي لا يمكن حله في غياب الحوار والتفاوض. ومن ثم فقد أرشَدَت هذه الرؤية تفكيري وعملي السياسي معاً خلال السنوات الخمس والثلاثين الماضية.

وكنت أول القادة الفلسطينيين الذين أسسوا وشجّعوا الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ فترة بدأت في سبعينيات القرن الماضي. وكان من شأن النشاطات المبكرة في الاتجاه، أن مهدت السبيلَ لتوقيع معاهدة أوسلو عام 1993، وقد عملت منذ ذلك الوقت بجدّ مع زملائي في القيادة الفلسطينية لإنهاء النزاع وتحقيق السلام الدائم.

ومنذ أن توليت مقاليد السلطة لم أغادر يوماً أية مفاوضات جادة، ولا أنوي أن أفعل ذلك مستقبلاً.

إلا أنه لا يمكن الطلب منا أن نتفاوض إلى الأبد بينما يتراجع الواقع على الأرض ويتدهور مع مرور كل ساعة.

تتطلب معاهدات أوسلو وخطط ومبادرات السلام التي تلت توقيع تلك المعاهدة، مثل خريطة الطريق التي رعتها الولايات المتحدة، تتطلب من إسرائيل أن تتوقف عن النشاط الاستيطاني في المناطق الفلسطينية المحتلة. إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة استمرت بتوسيع المستوطنات وتعميق الاستيطان. ولم يتوقف تمدد هذه المستوطنات، التي يعتبرها المجتمع الدولي غير قانونية وتمثل عائقاً أمام السلام، فتضاعف عدد المستوطنين ثلاث مرات منذ توقيع معاهدات أوسلو.

لا يمكن تحقيق مفاوضات ذات معنى والنشاط الاستيطاني لإسرائيل متواصل في الوقت نفسه؛ لأن استمرار بناء المستوطنات لن يترك أرضاً كافية لنا لإنشاء دولتنا المترابطة والقادرة على البقاء.

ولهذا السبب بالذات أصررت على الحاجة لوقف النشاطات الاستيطانية كافة قبل استئناف المفاوضات المباشرة. فهؤلاء الذين يصرّون على استمرار النشاطات الاستيطانية لا يمكن أن يكونوا جادين في حل الدولتين أو في صنع السلام الشامل والعادل.

ولا تزال الإجراءات من طرف واحد تُفشل احتمالات تحقيق اتفاقية سلام متفاوض عليها. لقد رفضت دائماً الخطوات الأحادية من جانب أي من الطرفين. وأنا مستمر على ذلك الرفض، بغض النظر عما إذا كان تلك الخطوات إعادة انتشار إسرائيلي من طرف واحد من غزة أو بناء المستوطنات الإسرائيلية أو جدار الفصل أو إعلان دولة فلسطينية من طرف واحد.

ونحن نقوم الآن، وبدعم كامل من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، ببناء مؤسسات دولتنا المستقبلية، ونحرز تقدماً عظيماً في هذا المجال، ونحن مصممون على عمل المزيد.

إننا ندرك أن الإسرائيليين قلقون فيما يتعلق بأمنهم. ولا شك في أن الحاجة إلى الأمن أمر له أهمية قصوى عند الشعبين معاً. وإذا أخذنا بالاعتبار أن أمن إسرائيل وفلسطين أصبح أمراً واحداً لا يتجزأ تقريباً، فإن لدينا نحن الفلسطينيين مصلحة في رؤية الإسرائيليين يعيشون بسلام وأمن في دولتهم إلى جانب الدولة الفلسطينية. وإني أرفض أن يتم استغلال كفاح شعبي العادل من أجل الحرية من قبل متطرفين، بغض النظر عمن هم.

وحتى يتسنى دحر التطرف، يتوجب علينا جميعاً مضاعفة جهودنا لتحقيق سلام دائم وعادل بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

لقد حان وقت الانفصال عن الماضي والتطلع قدماً إلى المستقبل. ففي مبادرة السلام العربية، عرضت 57 دولة عربية وإسلامية السلام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل انسحابها من الأراضي التي احتلتها بالقوة في يونيو عام 1967، وبقيت تحتلها منذ ذلك الوقت.

لقد فشل قادة إسرائيل منذ ذلك الوقت في استغلال هذه الفرصة التاريخية، وهم يعملون بدلاً من ذلك على جعل حل الدولتين أمراً مستحيلاً.

وإن لديّ ثقة كبيرة في عدالة الشعب الأميركي، الذي ناضل بشكل يدعو للإعجاب للحصول على حريته واستقلاله والحفاظ عليهما. كذلك يريد الشعب الفلسطيني الحقوق نفسها التي كافح ويكافح من أجلها الأميركيون: الحياة بحرية وأمن، وأن تكون هناك فرصة لعائلاتنا ولمن نحبهم ليعيشوا ويزدهروا.

لقد قُدّر للفلسطينيين والإسرائيليين أن يعيشوا معاً. ليس حل هذا النزاع بشكل نهائي في مصلحة شعوب المنطقة فقط، وإنما هو كذلك ذو أهمية قصوى لصالح الولايات المتحدة الأميركية أيضاً. وإذا كانت هناك في يوم من الأيام قضية عالمية تستوجب الشجاعة والقيادة، فهي هذه القضية وفي هذا الوقت تحديداً.

====================

الاستخبارات الباكستانية تحت «القصف» الاميركي: عندما يغضب «الراعي»!!

محمد خرّوب

Kharroub@jpf.com.jo

الرأي الاردنية

6/17/2010

ثارت ثائرة الاجهزة الاستخبارية الباكستانية, عندما اتهم تقرير صادر عن «معهد لندن للاقتصاديات» الاستخبارات الباكستانية ليس فقط بتدريب وتمويل حركة طالبان الافغانية وانما ايضاً بوجود تمثيل «رسمي» لها في مجلس شورى الحركة..

 

الاتهامات الاميركية (جاءت عبر التقرير) ليست جديدة على أي حال, بل إن اوساطاً سياسية وحزبية واعلامية باكستانية اشارت اكثر من مرة الى وجود علاقة كهذه, متهمة بعض «الاصوليين» في هذه الاجهزة بمواصلة إمداد طالبان (ودائماً الافغانية) بالمعلومات والاموال والسلاح واماكن الاختفاء, ما يعني أن ثورة الغضب الاخيرة مفتعلة أو مبالغ فيها, أو أنها لاحباط أي محاولة لتحميل بعض قيادات هذه الاجهزة مسؤولية وجود علاقة كهذه, والتي قد تعني في جملة ما تعنيه, اعطاء ضوء أخضر لعملية تطهير واطاحة مراكز قوى داخل هذه الاجهزة, التي لم يتأثر نفوذها أو يتقلص دورها, سواء في عهد الديكتاتوريات العسكرية المتعاقبة التي حكمت باكستان منذ استقلالها قبل ستة عقود ونيّف, كان اخرها الجنرال برويز مشرف, أم في عهد «الديمقراطيات» القليلة وسيئة الحظ ودافعة الثمن على الدوام, سواء في عهد ذو الفقار علي بوتو ام في زمن نواز شريف الذي اطاحه الديكتاتور برويز مشرف.

 

وإذ بات معروفاً وعلى نطاق واسع (ومن البدايات كما تنبغي الاشارة) ان حركة طالبان الافغانية هي صنيعة تحالف استخباري اقليمي ودولي يبدأ من الاستخبارات الباكستانية ولا ينتهي عند السي آي إيه الاميركية (فتش دائماً عن الاجهزة العربية)، فإن من السذاجة الاعتقاد ان الاتهام الاميركي (البريطاني الأصل) الاخير يندرج في اطار الفضيحة او كشف المستور، بل إن اتهاماً كهذا، يدفع للاعتقاد ان التدهور الحاصل ميدانياً في افغانستان وضع الاميركيين (وقوات الاطلسي والبريطانية على وجه الخصوص) في موقف اكثر من حرج، يستدعي وبالضرورة البحث عن اكباش فداء، لا تستطيع ادارة اوباما، وقد وضعت كل ثقلها في «حرب الضرورة» على حد وصف اوباما نفسه للاحتلال الاميركي لافغانستان، ان تطيح عسكريا في حجم الجنرال ستانلي مكرستال او تنحو باللائمة على غرفة عمليات الاطلسي التي تسجل يوميا ارتفاعا في عدد ضحاياها في مواجهات مفتوحة وعنيفة مع مقاتلي طالبان.

 

طالبان, هي صنيعة الاستخبارات الباكستانية والاخيرة هي المرشد والراعي، أما وقد انخرطت باكستان «برويز مشرف» في الحرب الاميركية المزعومة على الارهاب وغدت حليفة لقوات الاطلسي, بعد أن قدمت الدليل تلو الآخر على استعدادها لخوض معركة كهذه, مقابل دعم سياسي وعسكري ومالي لحكم الجنرال, الذي أخذ يشعر بفقدان دور بلاده لصالح دولة مثل الهند, استطاعت أن تجبر ادارة بوش على توقيع مذكرة تفاهم على تزويدها باليورانيوم, دون أن تسمح لواشنطن بالتفتيش على منشآتها النووية أو تخبرها عما لديها من مفاعلات نووية سواء للاستخدام المدني أو العسكري, فإن استمرار علاقة كهذه بحركة تمت اطاحة نظامها ومطاردة اعضائها واعلان المكافآت «المليونية» لمن يرشد عن زعيمها الملا عمر و»ضيوفه» من قيادات القاعدة.. فهذا أمر غير مقبول ويجب أن يتوقف فوراً, كما قال الجنرالات في البنتاغون وبروكسل (مقر الاطلسي)..

 

فهل ثمة امكانية لتوقف علاقة كهذه؟

من السذاجة الاعتقاد أن «المجمّع» الاستخباري والعسكري الباكستاني مستعد للتخلي عن ورقة كهذه, ليس فقط لاسباب عرقية حيث العلاقة وثيقة بين اثنية الباشتون على طرفي الحدود مع افغانستان وعميقاً في الداخل, وانما ايضاً لأن أي ادارة اميركية لن تسلّم بوجود الترسانة النووية الباكستانية, حتى لو واصل الجنرالات حكم البلاد وقدموا كل شهادات حسن السلوك, التي تكفل ابقاءها بعيداً عن الوقوع في ايدي الجماعات الارهابية التي تمتلك قوة لا بأس بها في المشهد الباكستاني نفسه (طالبان باكستان والجماعة الاسلامية نموذجاً).

 

احتمالات سقوط نظام زرداري واردة, إلا أن موازين القوى في باكستان منذ قيامها على اسس دينية كما ارادها محمد علي جناح, كانت على الدوام مائلة لصالح العسكر وهي مستمرة الى أمد لا بأس به حتى لو نجحت واشنطن في اختراق المؤسستين العسكرية والاستخبارية.

متى يكشف حلفاء اميركا «الاستخباريون» عن حجم الدعم الذي قدمته السي آي ايه الى منظمات الارهاب وفرق الموت في انحاء العالم؟

====================

«إنترنت عربية».. ما المطلوب ليكتمل المشهد؟

بقلم :أحمد بن حميدان

البيان

6/17/2010

أقرت هيئة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة (الآيكان) أخيراً لغة الضاد، كأول لغة غير لاتينية في العالم تُستخدم في كتابة عناوين مواقع الإنترنت في الخانة المخصصة لما يعرف ب«الدومين»؛ بفضل جهود حثيثة من المعنيين بالأمر في كل من دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية ومصر، تحت مظلة جامعة الدول العربية.

 

وبهذا الإقرار تكون النطاقات الثلاثة: (السعودية) و(إمارات) و(مصر)، هي أول نطاقات عربية ضمن نظام سجلات المواقع عالية المستوى لرمز الدول (ccTLD) تُطبق فعلياً.. وعلى خط مواز تُبذل جهود حثيثة الآن للانتهاء من قائمة أسماء المواقع العامة عالية المستوى (gTLD) باللغة العربية، ليتم استخدام (شركة) بدلاً من (com) مثلاً، وهكذا.

 

تتبدى أهمية هذه الخطوة في كونها تحمل في جنباتها بشارة لنسبة مرتفعة من السكان في الوطن العربي، ممن لا يجيدون التعامل مع اللغة الإنجليزية أو اللغات اللاتينية الأخرى، ما يحول بين أفراد هذه الشريحة وبين التجوال بحرية في عالم الشبكة المعلوماتية؛ إذ منذ دخول الإنترنت إلى حياتنا في النصف الأول من التسعينيات وحتى الآن.

 

كان الوصول إلى المعلومة عبر الشبكة مشروطاً بتجاوز الحاجز المتمثل في «الدومين» اللاتيني، وهو ما حرم الغالبية العظمى من المتحدثين بالعربية، من الاستفادة من المعارف المتاحة على الإنترنت وقصرها على فئة محدودة للغاية.

 

من وجهة نظرنا فإن هذا الإنجاز الفريد نوعياً، هو بداية تأسيس لمرحلة جديدة للشبكة العالمية، وبروح عربية هذه المرة، بعدما طال انتظاره من أبناء لغتنا العربية التي تعد اللغة السابعة عالمياً على صعيد الاستخدام على الإنترنت، والأسرع نمواً في حجم المحتوى بين اللغات الأخرى خلال الفترة الأخيرة، كما صرح بذلك رود باكستروم، الرئيس والمدير التنفيذي لسالآيكان»، خلال مؤتمر صحافي عقد في دبي لإطلاق المشروع الأسبوع الماضي.

 

ولعل اختيار الإمارات لتكون ثالث دولة عربية تُمنح حق استخدام عنوان إلكتروني بلغتها الأم من منظمة «الآيكان»، المخولة الوحيدة بهذا التصريح، لم يكن عشوائياً؛ فدولتنا صاحبة أول حكومة إلكترونية عربية..

 

كما أن معطيات الواقع الحالي هي التي دفعت باكستروم في مؤتمره الصحفي، إلى التأكيد على أهمية إطلاق النطاق هنا، في الدولة، وعلى دوره الكبير في التسهيل على مستخدمي الإنترنت حين قال: «تشير الإحصاءات المتوافرة لدينا إلى أن 74% من إجمالي سكان الإمارات يستخدمون الشبكة العنكبوتية، تعادل 3 .5 ملايين نسمة، ما يعكس انتشار الخدمة بمستويات كبيرة مقارنة مع دول المنطقة».

 

وقد جاء الإعلان عن إطلاق أول موقعين بأسماء نطاق عربية، هما الموقعان الرسميان لكل من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله (خليفة.امارات)، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله (الشيخ - محمد - بن - راشد.امارات) أو (محمد-بن-راشد.امارات).

 

ليعكس اهتمام القيادة باللغة العربية ودعمها لها، واعتزاز الإمارات بلغتها وانتمائها العربي؛ وبهذه الخطوة يرسل قادتنا رسالة لكل الجهات الحكومية لتسير على النهج نفسه ولتبادر بتسجيل مواقعها بأسماء نطاق عربية.

 

أما وقد أُنصفت لغة الضاد رسمياً على الشبكة العالمية، مع رسم الضلع الثاني من المثلث باعتماد أسماء النطاق العربية، وباعتبار المحتوى العربي الموجود عملياً هو الضلع الأول، فإذاً لم يتبق على اكتمال الصورة وظهور المشهد المتناغم إلا أن نقوم بواجبنا جميعاً، كلٌ من موقعه، لرسم الضلع الثالث.

 

من خلال ما أصبحت تمليه الضرورة والحاجة الملحة للتعاون في البدء بوضع مواصفات المحتوى العربي على شبكة الإنترنت، ومعايير تمنع العشوائية التي نعانيها الآن في صياغة المحتوى الإلكتروني، معززة برفع موثوقية المعلومات المنشورة وجودتها.. حتى يكتمل المشهد وحتى يمكننا أن نقول بأفصح عربية: «الإنترنت عربية»!

 

وأخيراً، إذ جميعنا يغمرنا الفخر بهذا الإنجاز التاريخي، فإننا نتوجه بالتقدير والامتنان لكل من ساهم في صنعه وتحققه على أرض الواقع، سواء لفرق العمل التابعة للمملكة العربية السعودية أو لجمهورية مصر العربية أو لدولة الإمارات.. آملين بالمزيد من الرفعة والتقدم لوطننا العربي الكبير، وبالخصوص لدولة الإمارات التي نستلهم دائماً من توجيهات قادتها وحكمتهم ما نرفع به هاماتنا عالية وراياتنا خفاقة.

مدير عام دائرة حكومة دبي الإلكترونية

====================

انفصال جنوب السودان والأجندة الأميركية

بقلم :احمد عمرابي

البيان

6/17/2010

بترتيب من الإدارة الأميركية، يزور واشنطن الآن الأمين العام ل«الحركة الشعبية» لجنوب السودان باقان أموم، على رأس وفد رسمي من الحركة لمخاطبة الكونغرس الأميركي بشأن الاستفتاء المقرر لأهل الجنوب في يناير المقبل، لتقرير المصير.

 

ويمكن القول إن الهدف من الزيارة هو تهيئة الأذهان لانفصال الجنوب، كتوطئة لمولد دولة مستقلة كاملة السيادة لذلك الجزء من السودان. وأول تساؤل يخطر على البال هو: لماذا هذا الاهتمام الأميركي بفصل الجنوب؟

 

خيار الانفصال منصوص عليه بالطبع في اتفاقية نيفاشا للسلام بصورة ضمنية، من حيث تمكين شعب الجنوب من ممارسة حق تقرير المصير. ولكن لماذا قررت الولايات المتحدة أن تتبنى هذا الخيار كسياسة معتمدة فيما يبدو، دون خيار الوحدة المنصوص عليه أيضاً في الاتفاقية؟

 

لقد نصت اتفاقية السلام كذلك على فترة انتقالية لمدى خمس سنوات تبدأ من يناير 2005، يكون خلالها الحكم المركزي شراكة بين حزب «المؤتمر الوطني» الشمالي والحركة الجنوبية، على أن تنفرد الحركة بالسلطة في الجنوب في إطار نظام حكم ذاتي محلي.

 

وعلى مدى معظم المساحة الزمنية لهذه الفترة، كان محور السياسة الأميركية هو تشجيع استمرار الوحدة بين الجنوب والشمال، حتى بعد نهاية المرحلة الانتقالية. وكان تعليل هذه السياسة هو أن من شأن مشاركة الحركة الجنوبية في الحكم المركزي، أن تكبح جماح التوجه الإسلامي الراديكالي الذي يمثله حزب المؤتمر الوطني الشريك.

 

لكن، على صعيد التطبيق العملي ثبت أن هذا التقدير الأميركي خاطئ. فقد أدت غلبة حزب المؤتمر على جهاز الدولة، إلى جعل التوجه الراديكالي الاستقلالي للسلطة المركزية أقوى في الساحتين الإقليمية والدولية، بحيث إن قيادة الحركة الجنوبية صارت مجرد تابع.

 

هذا ما يفسر لنا ما طرأ مؤخرا من تغيير كامل في السياسة الأميركية تجاه مصير ومستقبل جنوب السودان، بأنه يهدف إلى تفكيك الوحدة بين الجنوب والشمال، لتنشأ دولة «جنوبية» مستقلة.

 

والسؤال التالي إذن هو: هل لدى الولايات المتحدة الآن أجندة معينة تجاه الدولة الجنوبية المرتقب مولدها؟ ويتفرع من هذا السؤال، بل ويسبقه ما يلي: هل لدى جنوب السودان أصلا المقومات الأساسية اللازمة لقيام دولة مستقلة ومتماسكة، وبالتالي كيان مستقر يمكن الولايات المتحدة من تنفيذ أجندتها أيا تكن طبيعة هذه الأجندة؟

 

الرؤية الأميركية الأساسية لجنوب السودان تنبع من كونه كياناً إثنياً إفريقياً غير عربي وغير مسلم، بالمقارنة مع الشمال العربي المسلم. وبناء على هذه الرؤية الأساسية، فإن دولة الجنوب الجديدة بهويتها الإفريقية المسيحية، تمثل في نظر واشنطن قاعدة نموذجية لمحاربة «الإرهاب» في منطقة شرق إفريقيا.

 

وبالامتداد المنطقي، ستكون الدولة الجديدة قاعدة لمنظمات التبشير المسيحي «الربية»، يشمل نشاطها خططا لعمليات التنصير في أوساط الأقليات الإسلامية في بلدان إفريقيا الشرقية، وخاصة كينيا ويوغندا وتنزانيا. وبالطبع ستكون على رأس أجندة هذه الأنشطة، محاربة انتشار الإسلام داخل الجنوب السوداني نفسه.

 

إجمالا، يمكن القول إن ما يراد للدولة الجديدة هو إدراجها ضمن الاستراتيجية الأميركية تجاه القارة الإفريقية، حيث تلتقي أهداف هذه الاستراتيجية مع التوجهات الاستراتيجية الإسرائيلية. وفي هذا السياق، علينا أن ننتبه إلى أن المدخل الإسرائيلي إلى دولة جنوب السودان، هو التدخل في معادلة قسمة مياه النيل بين دول الحوض، بما يلحق ضررا جسيما بمصر والسودان.

 

فالدولة الجنوبية الجديدة، ستكون فور إعلانها العضو الإضافي الجديد في مجموعة دول المنبع، التي بدأت منذ الآن في إثارة مسألة إعادة النظر في توزيع الأنصبة المائية، بتحريض إسرائيلي مدعوم أميركيا في ما يبدو.

 

ويجدر بالذكر هنا أن صحيفة خليجية أوردت أن أمانة السياسات في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في مصر، تلقت مذكرة سرية من أحد أعضاء الأمانة تكشف عن خطة إسرائيلية لتوصيل مياه النيل إلى إسرائيل، مقابل التزام إسرائيلي بتمويل مشروع قناة جونغلي في جنوب السودان.. ذلك المشروع الذي يؤدي إلى زيادة موارد روافد النيل عن طريق تقليص كمية التبخر.

 

صفوة القول إن قيام دولة مستقلة في جنوب السودان صار تقريبا حقيقة واقعة، حيث إن الاستفتاء المقرر إجراؤه في يناير 2011 سيكون تحصيل حاصل.. وثانيا، إن الولايات المتحدة تعد العدة للتعامل مع الدولة الجديدة كدولة تابعة للنفوذ الأميركي.

 

لكن هذا يعود بنا إلى السؤال السابق: هل تملك الدولة الجديدة من مقومات الاستقلال الكياني ما يجعل منها دولة مستقرة قابلة للبقاء؟

 

علينا أولا أن نعيد إلى الأذهان أن جنوب السودان ليس نسيجا إثنيا موحدا، فهو يتكون من عشرات من القبائل المتصارعة التي لا يربط بينها حتى رباط لغوي. هناك اثنتا عشرة مجموعة لغوية قبلية، ليست بينها لغة تواصل وطنية. لذا فإن الولاءات السياسية مبنية على الانتماءات القبلية.

 

الآن، وعلى مدى شهور، ظلت تدور حرب أهلية متصاعدة، تتقاتل من خلالها قبيلة الدينكا التي تنتمي إليها «الحركة الشعبية» الحاكمة، مع القبائل الرئيسية الأخرى المحرومة من قسمة السلطة الجنوبية.

ومع افتراض وجود عسكري أميركي في الدولة الجنوبية الجديدة سيوفر دعما للقبيلة الحاكمة، فإن من المؤكد أن جنوب السودان أصبح الآن موعودا بأن يكون «أفغانستان» أخرى.

كاتب صحافي سوداني

====================

المجازفة الإقليمية... شرط التأهل للقيادة

جميل مطر

السفير

6/17/2010

كان بول نوبل أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ماكغيل يقول لي ولآخرين يدرسون سياسات الشرق الأوسط، إن أرادت دولة أن يكون لها صوت مؤثر في السياسة الدولية، وتكون محل احترام الدول الكبرى، فما عليها إلا أن «تجازف إقليميا»، لأنه بدون مجازفة إقليمية وبدون الإقدام على مخاطرات محسوبة، لن ينتبه لها الأقطاب، وإن انتبهوا لأسباب أخرى فلن يسعوا إليها إلا لتلعب أدوارا هزيلة.

كنا نقارن بين الأقاليم وأدوار الدول فيها. توقعنا أن لا يكون للصين مكان ومكانة إلا إذا خرجت من عزلتها ولعبت دورا إقليميا مؤثرا. وتوقعنا أن تبقى أميركا اللاتينية ملعبا للولايات المتحدة، تلعب فيه منفردة مطمئنة، وتوقعنا أن لا تصل إسرائيل، على أهميتها وقوتها وروابطها بالولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، إلى مكان الدولة القائدة أو الدولة الإقليمية الأعظم تأثيرا، مهما بلغت شبكة التطبيع من متانة وكثافة. فالدولة الصهيونية بحكم التعريف والتركيب لن تطمئن إلى كل ما هو خارج أسوارها، ولن يطمئن جيرانها خارج الأسوار إلى ما يبطنه حكامها. هذه الدولة يمكن أن تقدم على مغامرات في الإقليم لكنها لن تجازف بما هو أكثر من غارات عسكرية ومؤامرات استخباراتية.

[[[[[[

تذكرت ما كنا نتحدث فيه وما كنا نتوقعه قبل عقود وأنا أقرأ للولا دا سيلفا، رئيس البرازيل، وهو يدعو المكسيك، الدولة الثانية في أميركا اللاتينية من حيث الكثافة والثروة، للعودة إلى قارتها ولتنظر ناحية الجنوب بعد أن أصابها كرب شديد نتيجة تدهور علاقاتها بالولايات المتحدة. كان يقال إن من جاور السعيد يسعد، وبالتالي كانت المكسيك مرشحة دائما لقيادة أميركا اللاتينية بحكم موقعها بين القارتين الأميركيتين ودعم الولايات المتحدة لها وشراكتها المتعددة الأوجه بالدولتين الأكبر في أميركا الشمالية. لم يكن تصريح كهذا ليصدر عن الرئيس البرازيلي، إلا إذا كان هو ونخبته الحاكمة والرأي العام البرازيلي عقدوا العزم جميعا على التزام خيار المجازفة الإقليمية لتكون للبرازيل كلمة مسموعة في المحافل الدولية. وقد كان.

تذكرته أيضا وأنا أقرأ تصريحا للسيد أوغلو، وزير خارجية تركيا، يتحدث فيه عن «العربة» التي تحركت من اسطنبول متجهة نحو أقصى نقطة في المغرب على ساحل الأطلسي، ومتمنيا أن لا تقف الحدود السياسية حاجزا يعرقل مسيرتها. تشوب التصريح مبالغة لا شك فيها، لكن إذا وضع في سياق التطورات الراهنة لأمكن اعتباره توصيفا دقيقا لحالة مجازفة إقليمية، كتلك المجازفات التي كنا نشتغل على تحليلها نظريا قبل عقود. كان يمكن اعتبار التصريحات التركية فقاعات كلامية كتلك التي تعودنا عليها في أجوائنا العربية، لو أن أردوغان لم يجمع قادة أربع دول عربية ليوقعوا على وثيقة تنشئ اتحادا رباعيا في منقطة المشرق يضم، إلى جانب تركيا، سوريا ولبنان والأردن. بمعنى آخر، لم تكن العربة التي تحدث عنها أوغلو حلما أو صرخة إعلامية. ها هي تسير على قضبان تجر قطارا وصل بالفعل إلى محطات في سوريا ولبنان والأردن، ومن قبلها وصل، بمعنى من المعاني، إلى فلسطين محمولا على أسطول تقوده سفينة تركية واسمها مافي مرمرة . هذا النوع من العمل السياسي الخارجي يقع تحت «عنوان «مجازفة إقليمية» محسوبة تمهد لدور دولي مؤثر وفعال».

هذا، على الأقل، ما يعترف به زببغنيو برجنسكى مستشار البيت الأبيض في عهد الرئيس كارتر عندما توجه منذ أيام بنصيحة إلى إدارة أوباما يقول فيها ما معناه، أن واشنطن يجب أن تسعد بما حققته حكومة تركيا على الصعيد الإقليمى، لسبب بسيط، هو أن تركيا حليف قديم للولايات المتحدة، وكل إضافة إلى مكانة تركيا ونفوذها هو إضافة إلى أمن أميركا ومصالحها الخارجية. وانتهز برجنسكى الفرصة ليرد على خصوم تركيا الجدد في أميركا والغرب قائلا إنه إذا وجدت كراهية خاصة لدى بعض الأتراك لأميركا، فإنها لن تكون أشد من كراهية الباكستانيين لها، فضلا عن أن أميركا قصرت حين تقاعست عن بذل جهود كافية لمنع تدهور علاقاتها بتركيا منذ بدايات حرب العراق. يعرف برجنسكى، ويعرف أهل العلم والسياسة الخارجية في أنقرة واسطنبول، أن تركيا تجازف إقليميا في الشرق الأوسط لأنها تريد أن تكون أقوى وأشد فاعلية في دائرتها «الغربية» التي تسعى لتأكيد انتمائها لها. سمعت أردوغان يقول إن الحملة التي تشنها أوساط أوروبية تحت زعم أن تركيا خرجت من الغرب حين بدأت تتقارب مع الدول العربية الإسلامية، إنما هى «دعاية قذرة»، ففرنسا مثلا التي تتعاون مع الدول العربية الإسلامية وتتقرب إليها، لا يقال عنها انها خرجت من الغرب أو تسعى للخروج منه.

[[[[[[

لكل مجازفة ثمن. لا أظن أن الاتفاق الرباعي الذي جرى توقيعه في اسطنبول يعني بالضرورة أن المشرق يرقد الآن مطمئنا في حضن تركيا. صحيح أن اتصالات ومفاوضات سبقت الإعلان عنه، وأنه لم يأت إلا بعد أن تطورت العلاقات الاقتصادية وتكثفت بشكل ملحوظ بين تركيا والأطراف العربية في هذا الاتفاق قبل توقيعه، وأن أنقرة حين نفذت خطة أسطول غزة وضعت بين أهدافها «تعميد» الاتفاق المزمع توقيعه، وأن يقوم على شعبية كاسحة لتركيا وسياساتها الإقليمية، وقد سنحت الفرصة فرأيت بنفسي في عدد من أحياء بيروت أعلام تركيا تنافس أعلام الدول المشاركة في أولمبياد جنوب أفريقيا، وتركيا ليست مشاركة فيه وإن كانت تشارك بعزم وإصرار في سباق من نوع آخر. صحيح هذا كله، لكن تبدو صحيحة أيضا الاعتبارات التالية:

أولا: أنه بإقامة هذا التجمع الرباعي زاد عدد خطوط التماس بين تركيا وإيران، وبخاصة في النقاط الحساسة في منطقة المشرق العربي. تشعر بهذه الحساسية في لبنان حيث بدا لي الإطمئنان واضحا لدى هؤلاء الذين يأملون أن يساعد الاتفاق الرباعي على خروج العلاقات اللبنانية  السورية من الشرنقة الثنائية إلى التعددية الرباعية، لكن شعرت أيضا بقلق في أوساط أخرى للسبب نفسه وأسباب متباينة.

ثانيا: إن تجمعا رباعيا آخر دعت إلى إقامته قبل سنوات غير قليلة، الحكومة الأردنية بالتشاور مع الرئيس صدام حسين، وكان يضم إلى جانب العراق والأردن مصر واليمن، واعتبرته المملكة السعودية تهديدا مباشرا لأمنها ومصالحها، وهو ما انتهت إليه الدبلوماسية المصرية بعد التوقيع على الاتفاقية حين تبين أن للاتفاق أهدافا لم يفصح عنها في وقتها. أحبط المشروع لكن بقيت أشباحه تخيم بظلالها على الدبلوماسية المصرية وبخاصة في مراحل الحذر الشديد ومنها المرحلة التي تمر بها الآن.

ثالثا: ان العالم الغربي يسعى الآن إلى إخراج إسرائيل من أزمتها التي تسبب فيها تدخلها الهمجي ضد قافلة الحرية ويطلب من تركيا مساعدته في ذلك والتوقف عن تعبئة الرأي العام العربي الإسلامي.

رابعا: ان خطوات عشوائية تخطوها الآن عواصم عربية معينة تسعى إلى تحجيم آثار «المجازفة الإقليمية» التي تخوضها تركيا واستطاعت بفضلها تحقيق مكانة متميزة في السياسة الإقليمية، وكشفت بفضلها أيضا، جمود، إن لم يكن، عجز سياسات خارجية لدول عربية عدة. في هذا السياق يمكن فهم جانب أو أكثر من جوانب الزيارة غير الموفقة التي قام بها الأمين العام للجامعة العربية إلى غزة. التحليل المنطقي يقول إن الجامعة العربية، أو الدول المؤثرة فيها، فاجأها حجم «الحراك» الذي تشهده الساحة السياسية الدولية والإقليمية منذ انطلاق «المجازفة التركية»، فأقدم بعضها على اتخاذ ردود فعل أغلبها غير مدروس بعناية، وبعضها غير مقنع بالمرة، وبعض آخر هيمنت عليه ديماغوجية خالصة. تارة يرى المراقب محاولات عربية للحاق بالقطار التركي الذي تحرك من أنقرة، وتارة يرى محاولات أخرى تسعى لوقفه أو للتقليل من أهميته وجدواه، وتارة ثالثة تسمع عن رؤوس غرست نفسها في الرمال فهي لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم.

[[[[[[

أشفق على الدبلوماسية التركية وبخاصة على مجازفتها الإقليمية من أمة عربية محبطة ونظام عربي منهك.

ينشر بالتزامن مع جريدة «الشروق» المصرية

====================

أبعاد الإخفاق الإسرائيلي

رندى حيدر

النهار

6/17/2010

إقدام إسرائيل على تشكيل لجنة تقصٍ للحقائق للتحقيق في ظروف مقتل مواطنين أتراك كانوا على متن "أسطول الحرية"، وقبول الحكومة الإسرائيلية البحث في خطوات عملية لتخفيف الحصار على غزة؛ يشكلان أهم حصيلة إيجابية مباشرة للضغط الدولي الذي تعرضت له إسرائيل في أعقاب المواجهة الدموية التي دارت بين الجيش الإسرائيلي والمحتجين على الحصار، والتي أدت الى سقوط تسعة قتلى أتراك.

ولكن المفاعيل السلبية لحادثة "أسطول الحرية" على إسرائيل أكبر وأعمق من ذلك بكثير على الصعيد الداخلي الإسرائيلي وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي.

فعلى الرغم من شبه الاجماع الإسرائيلي على الموقف الداعم لقرار الحكومة منع "أسطول الحرية" من خرق الحصار على غزة، إلا أن حوادث العنف والقتل التي وقعت على ظهر السفينة "مرمرة" شكلت موضوع نقد عنيف من جانب الصحافة الإسرائيلية على اختلاف توجهاتها للحكومة والمسؤولين. ولم يخفف من حدة هذه الانتقادات تشكيل لجنة تحقيق، فكون هذه اللجنة غير حكومية ومحدودة الصلاحيات، سيجعل من الصعب تحديد المسؤوليات عما جرى، وتالياً ملاحقة المسؤولين سواء أكانوا عسكريين أم سياسيين، مما حوّل اللجنة أيضاً موضوع نقاش وجدل بين المعلقين والسياسيين الإسرائيليين حول مدى قدرتها على جلاء الحقائق ومحاسبة المسؤولين.

 ثمة إجماع داخل إسرائيل اليوم على أن الإخفاق الإسرائيلي في مواجهة "أسطول الحرية" تحول نجاحاً كاملاً حصدته حركة "حماس" على الصعد الفلسطينية والعربية والدولية. وأكبر دليل على ذلك فتح مصر معبر رفح، وتهميش أهمية المفاوضات السياسية غير المباشرة التي كان بدأها الموفد الأميركي الخاص الى المنطقة جورج ميتشل بين السلطة الفلسطينية وحكومة نتنياهو، وتحول تركيا الوسيط الفاعل من أجل تحقيق المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس"، ودعم الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي رفع الحصار عن غزة الذي تحول الموضوع الأساس لإهتمام العالم بأسره. من هنا فموافقة الحكومة الإسرائيلية البحث في تخفيف الحصار من دون تحقيق أي تقدم في عملية اطلاق سرح الجندي المخطوف جلعاد شاليت المحتجز لدى حركة "حماس"، هو اعتراف ضمني بانتصار "حماس" وبفشلها.

دولياً، تأتي حادثة اطلاق النار من قبل رجال البحرية الإسرائيلية على المحتجين الأتراك بعد أشهر قليلة على حادثة تورط الموساد في عملية إغتيال مسؤول "حماس" محمود المبحوح في دبي، والتي تسببت في توتير العلاقات الديبلوماسية مع أكثر من دولة أوروبية استخدم عملاء الموساد جوازات سفر مزيفة تابعة لها، مما فاقم الانتقادات الدولية الموجهة لإسرائيل، وزاد في حرجها حتى أمام حليفتها الولايات المتحدة.

لم تفضح حادثة "أسطول الحرية" فشل التفكير الإسرائيلي في استخدام القوة في مواجهة حركة احتجاج مدنية فحسب وإنما أيضاً كشفت المأزق الذي وضعت نفسها إسرائيل فيه أمام أنظار العالم بصفتها دولة محتلة، لا تقيم وزناً للقوانين الدولية، وتتصرف مثل أي "دولة مارقة". فما الذي يميز إسرائيل في نظر العالم الغربي عن كوريا الشمالية التي اقدمت على اغراق سفينة كورية جنوبية وتسببت بمقتل بحارتها، ثم قامت بتشكيل لجنة تحقيق في الحادثة؟ لقد دأبت إسرائيل طوال الأعوام الماضية على تصوير حركة "حماس" أمام انظار العالم نفسه كتنظيم إرهابي إسلامي متشدد معاد للغرب، لا يقيم وزناً لحياة المدنيين فلسطينيين واسرائيليين على حد سواء. وها هي أحداث "أسطول الحرية" تكاد تقوض كل هذه الجهود، لأن الحادثة بعكس كل التوقعات الاسرائيلية منحت "حماس" نوعاً من اعتراف دولي"بشرعيتها".

في مقال استثنائي نشرته "هآرتس" حذر الفيلسوف الفرنسي من أصل يهودي برنار هنري ليفي، إسرائيل من دوامة "الكراهية والجنون" التي أثارتها قضية "أسطول الحرية" وسط الرأي العام الدولي. وعلى الرغم من الطابع الدفاعي للمقال عن إسرائيل في وجه الهجمة الإعلامية عليها في الصحافة الأوروبية والأميركية، فإن الكاتب يعترف بأن ما فعلته إسرائيل كان عملاً "أحمق"، ويحذر من الانعكسات السلبية البعيدة المدى على إسرائيل وسط الرأي العالمي.

 حتى الآن دفعت إسرائيل أثماناً سياسية واقتصادية واخلاقية مؤلمة جراء مواجهتها "اسطول الحرية" بالقوة، لكن الأهم من هذا كله أن يتحول الضغط الدولي على إسرائيل آلية حقيقية وفعالة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في مستقبل منظور.

====================

علاقات لبنانية - سورية متحررة من عقد الماضي ؟

علي حماده

النهار

6/17/2010

كانت القمة اللبنانية – السورية ناجحة بكل المقاييس وفق ما اشيع من الجانب اللبناني بعد عودة الرئيس ميشال سليمان من دمشق. فقد اعتبرت اوساطه ان القمة حققت اربع نقاط مهمة، اولها، تلقي سليمان جرعة معنوية – سياسية من نظيره السوري في ما يتعلق بدور الرئاسة في "ضمان السلم الاهلي الداخلي". وثانيها اعلان نيات سورية للدفع قدماً بأعمال اللجنة التحضيرية المشتركة بين البلدين، وثالثها، قرار انعقاد المجلس الاعلى اللبناني – السوري قريباً، وآخرها وعد الرئيس السوري بتلبية دعوة خطية قدمها اليه الرئيس سليمان لزيارة لبنان "في الوقت المناسب".

طبعاً جرى حديث عن اهمية المجلس الاعلى استناداً الى المثال السوري – التركي الذي اورده الرئيس السوري كعامل مهم في تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وطبعاً كانت الاشادة "الابوية" بمسيرة الرئيس سليمان منذ كان قائداً للجيش، وهذه مسائل ايجابية اذا ما اخذنا في الاعتبار ان العلاقات بين البلدين عبرت مرحلة حرجة في السنوات الخمس الاخيرة. ولكن هل هذا كل ما يحتاج اليه البلدان لتحسين علاقاتهما؟ بالطبع لا.

لقد جرت الاشادة بالرئيس سليمان، وهذا اضعف الايمان لما يتصف به الرئيس اللبناني من مقومات وايجابيات في العديد من الميادين، ولا سيما في ميدان تحليه بروح المسؤولية. ولكن هل كانت الاشادة نتيجة مواقف اتخذها سليمان في المدة الاخيرة في شأن خلافي كبير في البلاد مثل موضوع "حزب الله"؟ فقد كان للرئيس اللبناني موقفان خلافيان في الآونة الاخيرة كاستعادته قولاً عن "المقاومة" باعلانه انه يحميها برموش العين! او اعلانه موقفاً يقفز فوق الخلاف الوطني الكبير بتثبيت مقولة دور الجيش والشعب والمقاومة في الدفاع عن لبنان بشكل متواز، بخلاف ما كان اعلنه قبلاً من ان المقاومة تبدأ حيث يعجز الجيش عن الدفاع عن الوطن!

امر آخر يستدعي ايضاحات، ولا يتوقف عند الرئيس سليمان وحده بل يشمل كل اركان الدولة ولا سيما رئيس الحكومة، هو امر المجلس الاعلى اللبناني – السوري الذي كان ولا يزال مسألة مقلقة ولا سيما ان قياسها على المجلس السوري – التركي لا يستوي في ظل العلاقات اللبنانية – السورية التي لم تتحرر من المنحى "الابوي" السوري بما يجعل المجلس الاعلى بين البلدين اشبه بمجلس كونفيديرالي في غياب ارادة لبنانية جامعة بالتحرر من التطلع الى وراء الحدود. ومن هنا فإن تثبيت المجلس كمرجعية مؤسساتية بين البلدين يلغي حكماً دور السفارات بين البلدين، ويحيلها الى دور ادنى من دور بروتوكولي.

لا نقول هذا الكلام تركيزاً على سلبيات دون ايجابيات، بل للقول ان ثمة قضايا اخرى وجبت معالجتها، مثل ترسيم كامل الحدود بما فيها مزارع شبعا، وطلب مساعدة حقيقية من الجانب السوري لتفكيك القواعد الفلسطينية التابعة له واستعادتها الى ما وراء الحدود نهائياً، واخيراً وليس آخراً المضي في مراجعة ملف الاتفاقات بين البلدين مع الحرص على ان بنوداً متعلقة بحرية الاعلام لا يجوز ان تكون موضع بحث او مراجعة، او بنوداً متعلقة بالجانب الامني ولا يجوز ان تصير بمثابة اجازة مفتوحة لتحويل اجهزتنا الامنية الوطنية اجهزة تابعة تحت شعار المصالح الامنية المشتركة بين البلدين.

اننا من أشد المؤيدين لقيام علاقات متينة بين لبنان وسوريا بصرف النظر عن الحكم القائم في دمشق. والمهم هنا ان يعي المسؤولون اللبنانيون ان القبول مرة جديدة بقيام علاقات غير متوازنة سيكون استثماراً في علاقات ستبقى في المستقبل معرضة للاهتزازات في كل مرة تتحول فيها رياح المنطقة. نحن نريد علاقات لبنانية – سورية متحررة من عقد الماضي، لبنانية كانت ام سورية.

====================

استراتيجية أمنية للقرن الحادي والعشرين

آخر تحديث:الخميس ,17/06/2010

خافيير سولانا

الخليج

“مراراً وتكراراً يرتفع الأمريكيون إلى مستوى لحظات التحول . ولابد أن تكون اللحظة الحالية واحدة من هذه اللحظات” . هكذا يبدأ تقرير الاستراتيجية الأمنية الوطنية للولايات المتحدة الأمريكية، الذي عُرِض على الكونجرس في السابع والعشرين من مايو/ أيار . وكما هي الحال مع السياسات التي لاحقتها إدارة أوباما طيلة ستة عشر عاماً في السلطة الحوار، والالتزام الدولي، ومنع الانتشار النووي، ونزع الأسلحة فإن قوة هذه الوثيقة تكمن في الموقف الذي تتخذه . إن هذه الاستراتيجية الأمنية تشكل خروجاً واضحاً على تلك التي تبنتها الإدارة السابقة، وهي تعرض مفهوماً أوسع لما يمثله الأمن القومي بالنسبة للرئيس الأمريكي باراك أوباما .

 

ففي مواجهة التحديات الكبرى في عصرنا، اتخذ أوباما موقفاً يستند إلى عقيدة شاملة . والواقع أن الاستراتيجية الأمنية تكاد تكون استراتيجية “وطنية” . ذلك أن الفكر المرتبط بها يذهب إلى ما هو أبعد من النموذج المهيمن الأحادي الجانب الذي تبنته الإدارة السابقة، وهو يشتمل على الدفاع عن القانون الدولي . وهذا جدير بالملاحظة بشكل خاص، وذلك لأن كل المعاهدات الكبرى التي أبرمت لإنشاء محكمة جنائية دولية، ومحكمة دائمة مختصة بجرائم الحرب وقَّعت عليها الولايات المتحدة أثناء ولاية جورج دبليو بوش .

 

فضلاً عن ذلك فإن النهج الذي تبناه أوباما في التعامل مع الأمن كان أوسع أيضاً، حيث اعتبر الدفاع والدبلوماسية والتنمية كلاً لا يتجزأ . والبعد العسكري للتدخلات الخارجية يفقد دوره المميز هنا، الأمر الذي يفسح المجال أمام منع الصراعات وحفظ السلام وإرسال بعثات دعم الاستقرار .

 

وفي مجال الكفاح ضد الإرهاب تهجر الاستراتيجية الجديدة وجهة النظر العسكرية المهيمنة التي تستند إليها الحرب ضد الإرهاب، وتمنح الأجهزة الاستخباراتية دوراً أكثر أهمية . وللمرة الأولى يشار بالتحديد إلى الأشخاص الذين قد يشكلون تهديداً لأمن الولايات المتحدة . والواقع أن الولايات المتحدة لا تشن حرباً ضد الإرهاب، بل إنها “تخوض حرباً ضد شبكة محددة تتألف من تنظيم القاعدة وأتباعه” . وفي هذه الحرب تشكل موارد المعلومات أهمية خاصة .

 

ومن أجل ضمان الأمن الوطني فإن الاستراتيجية تشكل أهمية حاسمة من دون الاستسلام لإغراء الانعزالية في الإقرار بالقيمة الاستراتيجية للقدوة وأهمية الدراسة المتروية لكل تحرك . ويرسم أوباما بوضوح ظروف التدخلات لأغراض إنسانية ومحاولة تصدير الديمقراطية بالقوة .

 

ولا توجد وسيلة أفضل لتصدير قيم الديمقراطية من تعزيز قوة الولايات المتحدة على المستوى الداخلي . وعلى هذا فإن السياسة الاقتصادية التي تتعامل مع الديون الأمريكية والعجز في موازنتها تشكل القسم الرئيسي من الاستراتيجية . إن دعم التعليم التنافسي، والإبداع، والتكنولوجيا، والطاقة، ونظام الرعاية الصحية الأكثر كفاءة ومساواة، كل هذا من شأنه أن يكمل ويعزز النهج القيادي الذي يتبناه أوباما في العمل كقدوة من خلال السياسات التي يتبناها . ومن بين الأمثلة المهمة إزالة السجن الأمريكي في خليج جوانتانامو، وكان ذلك من أولى مبادراته كرئيس للولايات المتحدة .

 

والواقع إن هذا النهج لا يحظى بالدعم التام بين مختلف الخبراء الدوليين . والانتقادان الرئيسيان لهذا النهج الافتقار إلى الوضوح الاستراتيجي ونقص التركيز على المفاهيم الكلاسيكية للقوة يشيران إلى خسارة أمريكا للنفوذ والسلطة والزعامة . ولكن هذين الانتقادين يعكسان عدم القدرة على فهم الطبيعة الحالية للصراع المسلح، والتي لم تعد تتبع المنطق الكلاسيكي للنصر العسكري أو الهزيمة العسكرية .

 

ولقد أبرزت الحرب في أفغانستان والوضع المعقد في العراق أهمية اتباع نهج شامل، ولا يجوز لنا أن ننظر إلى العمل العسكري باعتباره الوسيلة الوحيدة للنجاح، بل إن الاستراتيجية الناجحة لابد أن تستعين بالسبل المدنية، وهو النموذج الذي ينادي به الاتحاد الأوروبي .

 

إننا الآن نواجه ضرورة صياغة سياسة طويلة الأمد كفيلة بالتأثير في كل من الدول والمجتمعات، وهذه المهمة تتطلب الصبر والمثابرة الاستراتيجية، ولن يحدث التغيير بين عشية وضحاها، ولكن النتائج في نهاية المطاف سوف تكون أفضل وأكثر دواماً .

 

إن أوباما يتبنى فكرة اضطلاع الولايات المتحدة بهمة تاريخية: الوظيفة المهمة المتمثلة في ضمان الأمن العالمي، ولكن خلافاً لمن سبقوه في البيت الأبيض، فإن الاستراتيجية الأمنية الوطنية التي يتبناها أوباما تعترف بقيمة الشراكات، وتعلق أهمية أعظم على البعد المدني في مقابل البعد العسكري، وتؤكد قيمة الحوار والاحتياج إلى تعزيز قوة المؤسسات الدولية، وهذه علامة طيبة لعالم يحتوي على مراكز قوة ومصالح مختلفة، مع بقاء الموارد والشرعية على ارتباطها بالدولة القومية، ولكن حيث تحولت التحديات (تحدي المناخ، والنزاعات المسلحة، والأوبئة، والجريمة العابرة للحدود الوطنية) إلى مشكلات عالمية، وهي بالتالي تتطلب تعاوناً دولياً .

إننا الآن نمر بمرحلة انتقالية: فالترابط الدولي في ازدياد واضح، كما أثبتت الأزمة الاقتصادية العالمية، ولكن الأدوات الإدارية والآليات اللازمة لضمان العمل السلس بين الحكومات غير متفق عليها حتى الآن . والواقع أن استراتيجية أوباما الجديدة في التعامل مع الأمن الوطني تؤكد الاستعداد السياسي لدعم النظام الدولي القادر على التصدي لهذه التحديات .

إن الطريق أمامنا لا يخلو من العقبات والمصاعب، ولكن الاستراتيجية تمثل خطوة حاسمة نحو حل تحديات القرن الحادي والعشرين وإعدادنا للحياة في عالم الغد .

* الممثل الأعلى السابق لشؤون السياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي، والأمين العام الأسبق لمنظمة حلف شمال الأطلسي، ويشغل حالياً منصب رئيس مركز إيساد للاقتصاد العالمي والجغرافيا السياسية . والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت” .

====================

خطر التقسيم يهدد عاصمة الاتحاد الأوروبي

آخر تحديث:الخميس ,17/06/2010

غسان العزي

الخليج

وصل الانفصاليون في بلجيكا المتمثلون بحزب “الحلف الجديد” إلى المركز الأول 28،3 في المائة من الأصوات في منطقة الفلاندر في الانتخابات الاشتراعية المبكرة التي جرت في بلجيكا في الثالث عشر من الشهر الحالي . هذه النتيجة غير مسبوقة في تاريخ البلد المولود في العام ،1831 ويطالب هذا الحزب بتحويل بلجيكا إلى دولة “كونفدرالية” حيث تعود السلطات الأساسية إلى المناطق، الأمر الذي يسمح للفلاندر ان تحكم نفسها بنفسها قبل أن تضحى مستقلة تماما بعد اختفاء بلجيكا الحالية عن الخارطة . والمسار المأمول لن يحدث بأي شكل من أشكال القوة أو الإكراه، كما يقول زعيم “الحلف الجديد” بارت دوويفر ولكن بشكل سلمي ديمقراطي وتدريجي من دون أن يشعر بوقعه أحد ومن دون أن يتضرر منه أحد .

 

وفي انتظار أن يتحقق مطلب دوويفر فإن بلجيكا تخرج من انتخاباتها الاشتراعية أكثر انقساماً من أي وقت مضى بين الفلاندر(سكانها الفلامان يتكلمون النييرلندية التي يتكلمها الهولنديون) والوالوني (سكانها الوالون يتكلمون الفرنسية)، المجموعتين اللغويتين الأساسيتين اللتين يتكون منهما البلد واللتين تتسببان بالأزمات التي تعصف به منذ وقت طويل . وأكثر المراقبين تفاؤلاً لا يتوقع ان تتشكل الحكومة الجديدة قبل أشهر عديدة وطويلة من المباحثات التي قد لاتنتهي قبل شهر سبتمبر/ أيلول المقبل . اختراق “الحلف الجديد” حدث في الواقع على حساب الحزب المسيحي-الديمقراطي الفلاماني (حصل على 17،5 في المائة من الأصوات) الذي يتزعمه رئيس الوزراء الحالي ايف لوتورن الذي حقق فوزاً انتخابياً لافتاً في يونيو/حزيران 2007 حمله إلى رئاسة الوزراء . أما اليمين المتطرف الفلاماني فقد حصل على 12،7 في المائة من الأصوات في حين أن الحزب الشعبوي “لائحة دو ديكر” فلم يسجل سوى 3،7 في المائة . وفاز الاشتراكيون ب15 في المائة من الأصوات والخضر بسبعة في المائة فقط . هذا في منطقة الفلاندر .

 

الهوة السياسية التي تتسع بين شمال وجنوب المملكة البلجيكية تبرزها نتائج الانتخابات في الجانب الفرانكوفوني . فالحزب الاشتراكي استحوذ على 36،5 في المائة من الأصوات في والونيا وبروكسل فتقدم على الحزب الليبرالي (24،8 في المائة) وحزب الوسط(14،8 في المائة) وأنصار البيئة(21،8 في المائة) .

 

هذه الانتخابات المبكرة، التي اتت على شاكلة استفتاء حول مستقبل البلد كان لا بد منها بسبب المأزق الذي وصلت اليه الحكومة الممزقة بفعل النزاعات بين الاحزاب الفلامانية والفرانكوفونية، لا سيما حول الحكم الذاتي الاقتصادي والاجتماعي الذي يطالب به الفلامان .

 

لكن المفارقة هي ان انتصار “الحلف الجديد” المطالب بهذا الحكم الذاتي كتمهيد للاستقلال قد يقود، وللمرة الاولى منذ العام ،1970 إلى أن يصل إلى رئاسة الوزراء فرانكوفوني هو زعيم الحزب الاشتراكي اليو دو روبو، الذي حقق انتصاراً بارزاً هو الآخر في مناطق الوالون . ودو روبو الذي ينتمي إلى عائلة مؤلفة من سبعة أشقاء من أب مهاجر من إيطاليا يتكلم لغة الفلامان بصعوبة بالغة على نقيض دو ويفر الفلاماني الذي يتكلم الفرنسية بطلاقة لافتة . وقد وعد بدراسة الرسالة التي وجهها الناخبون الفلامان باهتمام شديد مع الحفاظ على وحدة البلد في إطار نظام سياسي جديد يمكن الاتفاق عليه . لكن الجميع يدرك تماماً ما هو شكل النظام الجديد الذي يسعى اليه الفلامان وهم الأقوى سياسياً واقتصادياً وديمغرافياً .

 

ويعول كثيرون على الملك البرت الثاني لترميم التصدعات الناتجة عن زلزال الانتخابات الأخيرة، فهو الضامن لوحدة البلاد . لكن فضائح مالية تحوم حوله، لا سيما بعد أن نشرت وسائل الإعلام صوراً ليخته الثاني من نوعه والذي اشتراه بحوالي خمسة ملايين يورو . وقد أطلق الملك مباحثات تشكيل الحكومة الجديدة على خلفية سيناريوهين متوقعين حول مستقبل البلد:

 

الفرضية الأقرب إلى التحقيق على المدى المنظور هي الاتفاق على نوع من اللامركزية المتقدمة مع تحويل قسم كبير من صلاحيات الدولة الفدرالية إلى المناطق .

 

الفرضية الأكثر تشاؤماً والتي يتوقعها بعض المحللين هي نفق سياسي يدخل فيه البلد وصولاً إلى انقسامه بين منطقتي الفلاندر والوالون . هذه الأخيرة قد تنضم إلى فرنسا، كما يتمنى معظم سكانها . لكن هذا السيناريو يبقى ضعيف الاحتمال في المدى المنظور ولو أنه حتمياً في المدى الأطول .

المشكلة أن بلجيكا تستعد لتبوء الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي ابتداء من الأول من يوليو/تموز المقبل . والمفارقة أن رئيس الاتحاد الأوروبي هرمان فان رومبي هو بلجيكي فلاماني فكيف سيواجه الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بأوروبا وبلده يعيش مثلها من دون أمل بالحل في المدى المنظور؟

====================

اليسار الإسرائيلي والالتزام بالسلام: كذب وخداع

الخميس, 17 يونيو 2010

علي بدوان *

الحياة

يحاول بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي تبرير تمسكه بمسألة مواصلة عمليات التهويد والاستيطان في الضفة الغربية والقدس، بالسعي الى المحافظة على ائتلافه الحكومي، وحمايته من التصدع وبالتالي انفراط عقد حكومته. وفي محاولة للهرب هذه المرة من مطالب العالم وصرخاته المنادية بوقف عمليات الاستيطان، انطلاقاً من الاتكاء على معادلة التوازن الداخلي في ائتلافه الحكومي، لا يستثني من ذلك شريكه الأساسي في الائتلاف ممثلاً بحزب العمل ورئيسه ايهود باراك. وبالطبع، فان حزب العمل لم يكن معارضاً في الأصل لاستمرار عمليات التهويد والاستيطان، بل ولم يصدر عنه أي احتجاج على سياسات نتانياهو.

وتؤكد مواقف حزب العمل ومشاركته الحميمة في صياغة سياسات الائتلاف الحكومي الحالي في إسرائيل، أن مقولة «اليسار الإسرائيلي» ليست سوى أكذوبة كبرى يجري تسويقها من قبل بعض المراهنين (المتفائلين جداً) في منطقتنا على إمكانية حدوث تحول كبير في السياسات الإسرائيلية بالنسبة الى الموضوع الفلسطيني ومواضيع التسوية في شكل عام، من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التدقيق في مسارات حزب العمل خلال العقدين الأخيرين. فكيف هي حال هذا الحزب وأحزاب اليسار الإسرائيلي اليوم، وهل هناك افتراق حقيقي بين مواقف أحزاب «اليسار» ومنها حزب العمل من جهة وتكتل «الليكود» من الجهة المقابلة؟

تبدو حالة حزب العمل والأحزاب والقوى المحسوبة على ما يسمى «اليسار الإسرائيلي» منذ سنوات طويلة أكثر تعقيداً من حال أحزاب اليمين، نتيجة وصولها إلى شفير الهاوية والإفلاس الداخلي في الوسط اليهودي داخل فلسطين المحتلة عام 1948، فضلاً عن سقوط مصداقيتها عند الجمهور الليبرالي في إسرائيل نتيجة حال التخبط التي عاشتها وتعيشها، وخصوصاً مع الانتكاسات التي أصابت عملية التسوية على المسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية. فقد تراجع حضورها داخل الوسط اليهودي في إسرائيل وداخل أوساط المستوطنين في القدس والضفة الغربية.

ويمكن المراقب تتبع العواصف الداخلية التي ضربت مؤسسات حزب العمل، وهو الحزب الذي يقدم نفسه باعتباره الحزب الأساسي بين قوى اليسار، ويتوقع لأزماته أن تأخذ مداها إلى حين من الزمن، حيث يتوقع أن تعود التفاعلات لتتصاعد داخل قيادته وبين قاعدته التي يزيد عددها على 114 ألف عضو، بخاصة أن التناقضات الطبقية وبين مجموعتي الاشكناز (الأمراء) والسفارديم (الدخلاء) بدأت تتزايد داخل الحزب الذي كان دائماً حزب اليهود الغربيين الأوروبيين، فضلاً عن فقدانه برنامجه السياسي وتعقيدات التسوية مع الجانب الفلسطيني على ضوء الانقسام الراهن بين تياراته. وعلى هذا الأساس فإن ايهود باراك في وضع لا يحسد عليه داخل حزبه، وفي إطار الائتلاف الحكومي الذي يشكل فيه حزب العمل الشريك الأساسي والرئيس لحزب «الليكود».

في هذا السياق فان حال ما يسمى باليسار الإسرائيلي يرثى لها، فالتباين بين أطرافه ذات المنابت الفكرية والحزبية المختلفة قائم بقوة. فمثلاً هناك تيار مؤثر داخل أحزاب اليسار يتماهى مع المتطرفين في اليمين، وعبر عن قناعاته بوضوح حين شارك رئيس الوزراء السابق أيهود اولمرت في العدوان على قطاع غزة في أواخر 2008 وأوائل 2009 وكشف ذلك العدوان سياسة النفاق التي دأبت على سلوكها أحزاب اليسار، خصوصاً منها حزب العمل. كما كشف ذلك العدوان زيف ادعاءات السلام التي يتحدث عنها قادة حزب العمل، وهي ادعاءات طالما خدعت بعض صانعي القرار في المنظومة السياسية الدولية، بينما حقيقة الوقائع على الأرض تشي بشيء آخر.

ويزيد هذا التيار من التنظير لسياسة القوة الإسرائيلية من خلال القول بأن «نتانياهو لا يستطيع وحده أن يمسك بيده زمام السلطة، فهو بحاجة إلى تأييد من مركز الحلبة السياسية»، حيث تقف العديد من أحزاب اليسار المتناثرة إضافة الى حزب العمل في موقع الجاهزية لمساعدة نتانياهو في مواقفه الأخيرة من قضية الاستيطان، فضلاً عن تبني الشعار الذي كان يستخدمه رئيس الوزراء الأسبق والقيادي التاريخي في حزب العمل إسحاق رابين، الذي كان يدعو إلى إدارة المفاوضات ومواصلة الاستيطان كأنه لا يوجد «إرهاب»، ومحاربة «الإرهاب» كأنه لا توجد مفاوضات.

إضافة الى ذلك فان رموز تيار «اليسار» تبنت في شكل كامل في فترات ماضية مقولة ارييل شارون قبل رحيل الرئيس ياسر عرفات، والتي تحدثت عن فقدان الشريك الفلسطيني، بل وشارك العديد من أحزاب اليسار في حينه بتظاهرات في تل أبيب كانت ترفع شعارات التخلص من عرفات.

لا يعني ذلك أن التجمع الاستيطاني اليهودي في إسرائيل هو عبارة عن كتلة جامدة، لا تخضع للتغيير ولو البطيء مع الزمن. فهذا التجمع يخضع بالضرورة لمنطق جدلية الواقع في صيرورته، وللحراك اليومي في ظل تعقيدات الصراع في الشرق الأوسط، واكتظاظ روافع الدفع والإحجام في التفاصيل اليومية، وتالياً يمكن تفسير انطلاق الأصوات والدعوات القليلة من قبل أحزاب اليسار، وتبنيها لحركات «السلام» في إسرائيل، على رغم أنها ما زالت الى الآن فاقدة للرؤيا البعيدة، وتبقى فاقدة لمصداقيتها ما لم تتبنَ موقفاً واضحاً يلتزم بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ويلتزم مبدأ إنهاء الاحتلال. فالخلاف والتنازع بين القوى والحركات السياسية المنضوية تحت أعمدة الفكرة الصهيونية ومنها أحزاب اليسار لا يتعلق بالأهداف العليا، وإنما يدور حول وسائل بلوغ الأهداف وترتيب الأولويات ضمن مراحل تاريخية وأساليب مخاطبة الآخرين وبناء التحالفات معهم. فقوى اليسار في العالم معروفة عموماً بنزعتها الديموقراطية وسلوكها الحقوقي الذي يجنح إلى السلم ويميل إلى قيم العدالة والتسامح ويعترف بحقوق الشعوب في تقرير مصائرها. فأين الموصوفون باليساريين في إسرائيل من هذه المثل؟

وفي الجانب المتعلق بمفهوم «اليسار الإسرائيلي» فإن العبارة إياها أصبحت مطاطة، تضمر وتتسع تبعاً للتحولات التي جرت وتجري داخل المجتمع الإسرائيلي. فاليسار الإسرائيلي يتشكل من طيف عريض من القوى التي تضم ما يسمى أحزاب «اليسار» من حمائم حزب العمل، مروراً بكتلة أحزاب «ميرتس»، فضلاً عن الحزب الشيوعي الإسرائيلي (راكاح) وهو حزب مختلط (عربي ويهودي).

وعلى هذا، فإن التحولات التي جرت وتجري في المنطقة منذ بدء عملية التسوية عام 1991 والتي تركت آثارها داخل المجتمع الإسرائيلي، أدت إلى تغيير متواصل في ترتيب نسق الاصطفافات والائتلافات الحزبية الإسرائيلية أكثر من مرة على امتداد العقدين الماضيين.

وبالإجمال، لا يمكن التعويل على دور نافذ أو مؤثر لما يسمى «قوى اليسار الإسرائيلي» تجاه قيامها بأي دور إيجابي على صعيد إعادة النظر بصيغة عملية التسوية على المسار الفلسطيني الإسرائيلي. فالتباينات كبيرة بين صفوفها تجاه قضايا التسوية ومستقبل الحل، فبعض هذا اليسار يرفض عودة القدس الشرقية الى السيادة الفلسطينية، ويرفض بالمطلق حق اللاجئين بالعودة.

وخلاصة القول إن ما يسمى اليسار الإسرائيلي ينظر إلى قرارات الشرعية الدولية، وخاصة القرار 242 باعتباره أساساً للتفاوض وليس قراراً للتنفيذ. وأن الكيان الفلسطيني العتيد ينبغي أن يولد وفق مواصفات إسرائيلية. ومن هنا فالدور المستقبلي لما يسمى «اليسار الإسرائيلي» المكون من أحزاب اليسار الصهيوني والأحزاب المختلطة والعربية بالنسبة الى قضايا التسوية مع الطرف الفلسطيني يتوقف على عوامل عدة.

لقد توحد اليمين في إسرائيل بشقيه التوراتي العقائدي والعلماني مع كتل اليسار في ظل التحولات الكبيرة التي أعقبت انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية، فارتفعت عقيرة هذه التشكيلات الحزبية مشددة على مقاربة المقاومة والانتفاضة الفلسطينية نحو مسميات الإرهاب الدولي. وأكثر من ذلك باتت كتل اليسار تدعو الى تقبيح كل تاريخ المقاومة الفلسطينية باعتباره عملاً إرهابياً بامتياز.

كما توحد اليمين العقائدي التوراتي واليمين القومي العلماني مع قوى اليسار الصهيوني بكل تشكيلاته منذ حكومة شارون على أسس قوية أعمدتها العمل المشترك لإجهاض الانتفاضة الفلسطينية، وفرض منطق تسوية (قديم - جديد) يُقدم للفلسطينيين والعرب تحت عباءة حل مرحلي طويل الأمد، يتم في سياقه فرض وقائع على الأرض، تجعل من المستحيل شق طريق تسوية متوازنة على أساس المرجعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة.

إن أحزاب اليسار في إسرائيل، ومنها حزب العمل، تبدو مثل حمامة تحمل على رأسها قرنين، فهذا اليسار وهذا الحزب يقدمان دعماً كاملاً للنهج الذي يحدده نتانياهو بالنسبة الى استمرار النشاط الاستيطاني في القدس والضفة الغربية، وفي التفاوض مع الطرف الفلسطيني.

وحتى أكثر «الحمائم» في حزب العمل يلتزم الصمت تجاه ما يجري في الأراضي الفلسطينية، وتجاه الحصار الظالم لقطاع غزة. والائتلاف الحكومي بكل أعضائه يتبنى تقديرات نتانياهو وباراك والتي تتحدث عن إمكانية القيام بعملية عسكرية جديدة ضد القطاع.

والخلاصة إن حزب العمل الإسرائيلي يبتلع اليوم أزماته المتلاحقة، المتوالدة أساساً من الحراكات الداخلية الإسرائيلية التي تصطدم كل يوم بمستجدات عملية التسوية في المنطقة، على خلفية مواقف الحكومة الإسرائيلية الرافضة لمطالب الشرعية الدولية. فكل ما يوحد اليمين واليسار في إسرائيل يتخذ من الطعن العملي بقرارات الشرعية الدولية مساحة للقاء والالتقاء.

* كاتب فلسطيني

====================

عنوانها النفط والغاز قرصنة إسرائيلية في المتوسط

أضواء

الخميس 17-6-2010م

د . إبراهيم زعير

الثورة

أكدت دراسات أميركية حديثة اكتشاف كنز غازي ونفطي هائل في حوض البحر الأبيض المتوسط تقدر احتياطاته ب122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي و 107 مليارات برميل نفط . وفور نشر هذه الدراسات في وسائل الإعلام المتخصصة سارعت إسرائيل الى الإعلان بأن هذه الاكتشافات الجديدة تعود اليها، وتحدثت صحفها عن امكانية تحول اسرائيل قريبا الى دولة نفطية.

ووصف كل من وزير المالية الإسرائيلي يوفال شتاينتس ووزير البنى التحتية عوزي لانداو العضو في حزب «إسرائيل بيتنا»، هذه الاكتشافات بأنها تاريخية، وستمكن اسرائيل من أن تصبح قوة عظمى في مجال الغاز، ولاعباً مركزياً في سوق الغاز الطبيعي العالمي.‏

وتجاهل هؤلاء القوانين الدولية التي تحكم البحار، حيث لا يستطيع أي من البنوك والمصارف العالمية وشركات النفط قانونياً أن تبدأ باستخراج هذه الثروات من أعماق المياه الدولية دون موافقة جميع الدول القريبة والمتشاطئة مع مكان هذه الاكتشافات، والتي تشتمل على فلسطين ( غزة) ولبنان وسورية وقبرص.‏

وبحسب يجئال لفيف في موقع أخبار الطاقة الإسرائيلية،«فإن المؤسسات المالية العالمية ترفض تمويل عمليات التنقيب في البحر بموجب الامتيازات الإسرائيلية، لأن هذه المؤسسات تعرف أن احتياطات النفط والغاز التي تعطي إسرائيل امتيازات لا تعود لها، لأن كل اكتشافات الغاز تقع خارج المياه الإقليمية الإسرائيلية».‏

فالقانون الدولي الذي تعترف به كل دول العالم يحدد لكل دولة منطقة بحرية تصل حتى 12 ميلاً بحرياً أو 22 كم عن الشاطئ . وفي بعض الحالات يمكن أن تصل المسافة إلى 200 ميل بحري ولكن شريطة أن توافق الدول الأخرى المطلة على هذه المنطقة البحرية.‏

لذلك فإن كل المناطق الواقعة خلف هذه المسافة ليست ملكاً لدولة بعينها. وأي انتهاك للمعاهدة الدولية المقرة في الأمم المتحدة، يسمح لكل دولة متضررة بالتقاضي أمام المحاكم الدولية كالمحكمة الدولية في لاهاي التي لها الصلاحية في بحث هذه المسألة .‏

وتعترف الصحافة الإسرائيلية نفسها وعلى لسان المستشارين في مسائل الطاقة « أن معظم مناطق الاكتشافات الغازية لا تقع ضمن حدود إسرائيل ، ومن حق كل من السلطة في قطاع غزة ولبنان وسورية وقبرص تقديم ادعاءات مماثلة بشأن الاحتياطات التي اكتشفت والتي ستكتشف وكل ادعاء ملكية كهذا كفيل بوقف العمل في هذه الحقول لسنوات طويلة».‏

وحذر مراسل قناة إسرائيلية تلفزيونية من أن قضية الغاز قد تتحول إلى شبعا جديدة في البحر مشككا بقدرة إسرائيل على فرض هيمنتها على الغاز والنفط المكتشف.‏

وتؤكد المعلومات أن المكتشفات المعنية تبعد عن فلسطين المحتلة أكثر من 135 كم، وهو ما دعا السيد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الى القول ان «ضمان حقوق لبنان النفطية والغازية ، تستدعي حركة مقاومة اقتصادية إلى جانب المقاومة السياسية والعسكرية».‏

كما أن رئيس الجمهورية اللبنانية ميشيل سليمان - حسب صحيفة السفير اللبنانية –طلب من معاونيه إعداد دراسة شاملة حول موضوع التنقيب، ودعا وزير الطاقة جبران باسيل الحكومة اللبنانية «إلى اعتبار موضوع التنقيب عن الغاز والنفط في البحر قبالة المياه الإقليمية اللبنانية جزءاَ من خيار المقاومة والتحصين الاقتصادي، وصولاً إلى استعادة لبنان كل ثرواته وبالتالي عدم البقاء دائما في خانة رد الفعل على ما يقوم به أعداء لبنان».‏

وكانت إسرائيل أعلنت بداية عام 2009 اكتشاف حقل كبير للغاز إلى الغرب من سواحل مدينة حيفا وعلى بعد 90 كم داخل البحر المتوسط سمته «تمار» وحسب تقديراتها يمكن استخراج أكثر من ثلاثة تريليونات متر مكعب من الغاز من هذا الحقل وعن حقل جديد سمته « لفيتان» ( الحوت) ويمكن أن يستخرج منه 16 تريليون قدم مكعب غاز وصرح الملياردير الإسرائيلي اسحق تشوبا المستثمر في مجال النفط والغاز والذي يمتلك شركة ( ديلك) الشريكة في امتياز التنقيب في تمار ولفيتان ويساهم بما لا يقل عن 100 مليون دولار في شركة نوبل للطاقة الأمريكية ، قائلاً : « ان هذه الاكتشافات ستحول إسرائيل إلى لاعب كبير ودولي، وإنها توفر لها قوة جيوسياسية في مواجهة الكثير من الدول».‏

ومع عملية السطو هذه، تضيف إسرائيل إلى سجلها صفحة جديدة من القرصنة على حقوق الآخرين في المنطقة تشمل هذه المرة الطاقة بعد أن سطت على المياه والأرض العربية في الجولان وفلسطين والأردن والجنوب اللبناني.‏

====================

ماذا في مفكرة الكهرباء الصيفية ؟!

تقارير

الخميس 17-6-2010م

أمل السبط

الثورة

في مطلع كل صيف تتكرر الحكاية.. تبدأ عمليات التقنين في دمشق وريفها وتصل في بعض المناطق إلى أربع ساعات انقطاع في اليوم.

الصيف الذي بدأ لا يختلف عما سبقه إلا بتراكم أجندة وزارة الكهرباء بالملفات الصعبة، من ملف العجز والنقص في الاستطاعة إلى الطلب المتزايد الذي يزداد تعقيداً مع كل صيف إلى ملف برميل النفط الذي يتجه إلى مزيد من الارتفاع وباستثناء جرعات التفاؤل الإضافية يمكن القول: إن المنظومة الكهربائية بمأزق في مواجهة العجز ونقص الاستطاعة، فماذا في مفكرة الكهرباء الصيفية؟‏

تستند وزارة الكهرباء هذا الصيف في تلبية الطلب اليومي على الطاقة الكهربائية الذي تدل المؤشرات على أنه مستمر بالتزايد ويرتبط بدرجة الحرارة وإمكانية انتاج الكهرباء على رفد المنظومة الكهربائية باستطاعات توليدية جديدة تغطي الطلب وتقادم مجموعات التوليد العاملة في المنظومة وتوفير احتياطي كاف لا يقل عن 20٪ من ذروة الاستطاعة، فضلاً عن أعمال الصيانة الدورية والوقائية التي تؤمن استمرار التغذية الكهربائية خلال أشهر الصيف، إضافة إلى زيادة كميات الغاز المتاحة لإنتاج الكهرباء.‏

لكن موضوع الكهرباء هذا الصيف يتوزع على أكثر من سبب وأكثر من مشكلة والمشكلة الأهم تتعلق بعجز مؤسسات توليد وانتاج الطاقة عن تأمين أثمان المحروقات لتغطية استهلاك المحطات من مادتي المازوت والفيول وخاصة مع توقعات ارتفاع سعر برميل النفط، إذ يرجح المحللون أن يكون الانعكاس الأكبر لعودة ارتفاع سعر البرميل على عجز الكهرباء.‏

بيد أن مصادر وزارة الكهرباء تؤكد تراجع العجز هذا الصيف مع إضافة 500 ميغاواط إلى المنظومة الكهربائية في محطة دير علي بداية العام.‏

وفي الإحصاءات ارتفع الطلب الداخلي على الطاقة الكهربائية منذ مطلع أيار الماضي بنسبة 10٪ عن الطلب خلال الفترة ذاتها العام الماضي، مع العلم أن الطلب على الكهرباء ارتفع منذ عام 2005 إلى عام 2008 من 25 مليار كيلو وات ساعي إلى 40،8 مليار كيلو وات ساعي، أي بنسبة 160٪ تقريباً، أما الطلب على الاستطاعة الكهربائية، فقد ازداد من 4128 ميغاوات ليصل إلى 6839 ميغاوات في العام ذاته، بنسبة زيادة 165٪ بينما لم يطرأ تغير ملحوظ على الاستطاعة المركبة في محطات التوليد منذ عام 2000 سوى تنسيق مجموعات توليد محطة قطينة والتي تبلغ استطاعتها 154 ميغاوات وانعكس ذلك على مجمل الاستطاعة المركبة من المنظومة بحيث تتم تغطية الطلب على الطاقة.‏

ومشكلة ارتفاع الطلب التي تزداد تعقيداً مع كل صيف تضاف إلى مشكلات أخرى، أبرزها ارتفاع درجات الحرارة ، ما يؤدي إلى انخفاض إمكانية تحميل المجموعات الحرارية وبالأخص المجموعات العاملة على التبريد الجاف والمجموعات الغازية وانخفاض الواردات المائية، ما ينعكس سلباً على انتاج وتحميل المجموعات المائية.‏

ويتخوّف الكثيرون اليوم من تكرار سيناريوهات الصيف الماضية مع جرعة تفاؤل إضافية من أن تتمكن مجموعات التوليد الجديدة من تلافي النقص الحاصل في الاستطاعة المتاحة.‏

ويتفق البعض أن الانقطاعات في التيار الكهربائي ليست سوى قمة لجبل جليدي، ولاسيما إذا تحركت المشاريع الصناعية والسياحية التي يتم الحديث عنها هذا العام، الأمر الذي من شأنه أن يسرّع تنفيذ القرار المتعلق بتحرير الطاقة الكهربائية.‏

وعلى الرغم من أن وزارة الكهرباء باشرت بالإجراءات المتعلقة بمشاركة القطاع الخاص، غير أن المراقبين يرون أن القطاع الخاص لن يقدم حلولاً سحرية، في إشارة إلى ضرورة فصل قطاع توليد الطاقة عن قطاع نقل الطاقة أولاً وإعداد التشريعات اللازمة وإصدار مجموعة من القوانين الجديدة، كقانون الكهرباء وفق ما سيؤول إليه قطاع الكهرباء وإعداد ما يسمى قانون الشبكة الكهربائية ملاءمته مع التطورات المتوقعة وإصدار الأنظمة التي تنظم عملية إنتاج الطاقة من قبل المستثمرين وشراؤها من قبل الدولة.‏

وإلى حين تعديل واستقرار وضع المنظومة الكهربائية فإن قضية الكهرباء باتت تحتاج إلى جدية أكبر في المعالجة ولاسيما أن أمام السيناريوهات المطروحة أحد الخيارين، فإما اعتماد تقنين مبرمج لتتمكن مؤسسة التوليد من برمجة إنتاجها وفقاً للمخزون النفطي، وإما أن يقدم على تعديل حتمي في سعر التعرفة ليتلاءم مع أسعار النفط العالمية المتجهة إلى الارتفاع ولكن عبر سياسة شاملة ومتكاملة لا تتعلق بأسعار الطاقة الكهربائية فقط بل بأسعار الطاقة على مختلف أشكالها وحواملها بحيث تستطيع تلبية شروط التنمية المستدامة.‏

====================

في قفار أفغانستان

الافتتاحية

الخميس 17-6-2010م

بقلم رئيس التحرير أسعد عبود

a-abboud@scs-net.org

الثورة

وجوه عديدة بدت مشدوهة وهي تطالع ما نُقل عن علماء جيولوجيين أميركيين، من أن هذه الدولة الفقيرة المعذبة منذ ابتليت بمحاولات الاحتلال وما تبعها وذيولها وتشعباتها، تختزن في صخورها ما قيمته تريليون دولار من المعادن الاستراتيجية كما وصفها الخبر.

للذي لا يعلم نقول:‏

التريليون يساوي ألف مليار.. وهذا المخزون من المعادن الموجود لدى أفغانستان، والذي صرح به الجيولوجيون الأمريكيون، يجعلها بمستوى دولة نفطية متوسطة الامكانيات.‏

ويرشح ذلك أفغانستان لتكون دولة صناعات تعدينية ومعدنية متميزة بالتأكيد بما يرفع كثيراً من قيمة معادنها المختزنة.‏

تصوروا لو أنفقت تلك الأموال التي وظفوها لاحتلال أفغانستان وإذلال شعبها على صناعة استخراجية تعدينية!!‏

لا يمكن للرأسمالية أن تنظر إلا بعين الاحتكار والسيطرة والاستغلال.. سمّت ذلك منافسة أم سمّته محاربة إرهاب.‏

غالباً يُطالب أي كاتب أو تاريخي أو محلل أو عارض لشأن ما أن يبتعد عن «نظرية المؤامرة».. وإذا كان من الصحيح فعلاً أن كثيرين أسرفوا في استخدام هذه النظرية إلى درجة مضحكة أحياناً.. فقد استغل أصحاب المؤامرات الرأسمالية سذاجة المسرفين بادعاء المؤامرة، ليبعدوا أي عقل عن التفكير وجمع المعلومات ومقاطعتها للوصول إلى حقائق جديدة هي غير ما يتلى علينا من بيانات، وبالتالي:‏

نرى أن المؤامرات حقيقة قائمة دائماً وعبر التاريخ واليوم أكثر، وضعنا نظرية للمؤامرة أم لم نضع.‏

أفغانستان دولة بسيطة فقيرة شبه منسية في القفار الآسيوية.. فجأة يتعاقب عليها الغزاة.. وتصبح هدفاً لمحاربين وقوى عالمية عظمى تصل إلى حد تدخل أكبر حلف عسكري إستراتيجي في التاريخ بحجة إخضاع عدة آلاف من المقاتلين فيها..!!‏

والمذهل فعلاً وحقاً، وبغض النظر عن أي موقف سياسي، أنهم لم يتمكنوا من إخضاعهم.. بل إن هزائم الناتو أمام طالبان الأفغان في تزايد.. إلى درجة جعلت شخصية بارزة في الحلف تصرح علناً أن غزو الناتو لأفغانستان كان خطأ قاتلاً.‏

سواء كان ما قاله علماء الجيولوجيا الأميركيون اكتشاف اليوم أم هو أصل الدافع لغزو أفغانستان منذ بدء هذا الغزو.. فإن الأمر سيزيد من الكوارث اللامقبولة واللاإنسانية التي تصيب هذا الشعب المقاتل الفقير.‏

إن تسليم العالم للولايات المتحدة والناتو أنهم في أفغانستان إنما هم يحاربون الإرهاب.. يعني ترك جرح فاغر ينزف دماء وقيحاً.. ستنتقل عدواه إلى مواقع أخرى وقد انتقلت..‏

وإلا ما هذا الذي يجري في باكستان؟..‏

هناك أيضاً في باكستان نيات سيئة خلفها الاحتكارات والرأسمالية وشهوة الطغيان والتسلط.. لا تترك لهذا البلد الكبير المهم أن يستريح.‏

بل حتى الهند نفسها ستتأثر كثيراً بالجحيم الذي أقيم للشعب الأفغاني منذ عشرات السنين وما زال هناك من يدفع بالوقود لأتونه الملتهب.‏

ألا يستحق الأمر أن يصرخ أحد في العالم:‏

ثم ماذا..؟! وإلى متى..؟!‏

صرخة مسلمين مثلاً.. أو أحرار.. أو إنسانيين.. هل صحيح أن كل هذا الذي مُورسَ في أفغانستان وباكستان وغيرهما.. هو مقتضيات مكافحة الإرهاب..؟!‏

أم هناك جواب آخر؟!‏

كل ما أستطيع قوله: إن العراق دُمّر ولم يكن من أسلحة دمار شامل..!!‏

========================

أوزبكستان تمنع روسيا من إعادة سيطرتها على آسيا الوسطى

هدى الحسيني

الشرق الاوسط

17-6-2010

سقط الكثير من الأبرياء قتلى، وجرح المئات، ونزح أكثر من 80 ألفا باتجاه أوزبكستان التي اضطرت إلى إغلاق حدودها لأنها لم تعد تستوعب، ولاحظ ممثلو الصليب الأحمر الدولي أن المهاجمين ركزوا على قتل أطفال النازحين من «أوش» المدينة القيرغيزية حيث اشتعل العنف يوم الخميس الماضي. العمليات الأخيرة كانت لنسف مصداقية الحكومة الانتقالية في قيرغيزستان قبل الاستفتاء، وقد نجح المحرضون في ذلك، لكن الثمن سيكون أكبر من تصورهم.

عاش الأوزبك والقيرغيز معا في وادي «فيرغانا» الممتد في ثلاث دول، قيرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان، لعدة قرون، كل عائلة لديها أقرباء من الطرفين، الشعبان يتكلمان اللغة التركية ويدينان بالإسلام.

تاريخيا جمعهما عامل اقتصادي، فالقيرغيز، يربون الماشية، والأوزبك يفلحون الأراضي ويسيطرون على التجارة المحلية.

خلال الزمن السوفياتي تعطل هذا النوع من الحياة، وقسّم جوزيف ستالين بشطحة قلم على الخريطة وادي «فيرغانا» بين ثلاث دول جديدة أوجدها آنذاك وهي: قيرغيزستان، وأوزبكستان، وطاجيكستان، مع مجموعات من الأقليات في كل دولة. أكثر من 800 ألف أوزبكي يعيشون في جنوب قيرغيزستان والعدد نفسه من القيرغيز يعيش في الجزء الأوزبكي.

الوادي فيه كثافة سكانية ضاغطة على الأرض، والموارد والوظائف. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي صارت مدينة «أوش» مركزا لتهريب المخدرات من أفغانستان، ولتدفق البضائع المهربة من غرب الصين، وهذا أوجد أرضا خصبة للجريمة المنظمة وشجع على الفساد. وكان الأوزبك يديرون عمليات تهريب المخدرات بإشراف مسؤولين سياسيين كبار من القيرغيز.

ثورة شهر نيسان (أبريل) الماضي التي أطاحت بالرئيس كرمان بك باقييف أخلت بالوضع، وأوجدت فراغا في السلطة في جنوب قيرغيزستان ويحاول سياسيون وتجار مخدرات استغلال التوتر العرقي لأهداف خاصة، وقد لا يكون هذا هو السبب الوحيد لانفجار العنف، إنما سبب أساسي لتغذية الكراهية.

و«أوش» مقر الرئيس المعزول باقييف، والمظاهرات التي كانت أوصلته إلى السلطة قبل خمس سنوات انطلقت من «أوش» و«جلال آباد». والناس في «أوش»، يتحدثون عن مكالمة هاتفية مسجلة أخيرا، انتشرت عبر الإنترنت بين شقيق باقييف وابنه يتحدثان عن احتمال التحريض في الجنوب، لا سيما التحريض العرقي، خصوصا أن أوزبكستان دعمت الحكومة الانتقالية التي أطاحت بباقييف، وهذا أدى أيضا إلى أعمال عدائية متفرقة ضد الأوزبك من قبل القيرغيز. وكرد على هذا نشرت حكومة أوزبكستان قوات على طول حدودها مع قيرغيزستان منذ شهر نيسان (أبريل) وخصوصا قرب المناطق حيث يعيش الأوزبك.

التخوف أن تنتج هذه المشكلات أصولية إسلامية، وهناك عدة دوافع لذلك. بعض الناس خصوصا لدى الأوزبك في قيرغيزستان مهتمون بالإسلاميين لخيبتهم مما يحدث في العاصمة بشكيك. يعتقدون أن ما كان يجب أن يكون تجربة ديمقراطية في قيرغيزستان تحول إلى تركيز كل القوى في العاصمة، وأهمل المزارعين الفقراء في «أوش».

قيرغيزستان على الحدود مع أوزبكستان وهذه على الحدود مع أفغانستان، ولدى روسيا وأميركا مصالح هناك، يوجد للدولتين قاعدتان عسكريتان، وهناك قلق من أن اللااستقرار في أفغانستان يمكن أن يدفع أكثر إلى انتشار الأصولية.

الأوزبك أكثر التزاما دينيا من القيرغيز، لهذا فإن التوتر عرقي وديني. البعض في قيرغيزستان يشيرون إلى أن سبب التوتر يعود إلى نشاط «حزب التحرير». في وادي «فيرغانا» ينشط «حزب التحرير» الذي يستغل الحرب في أفغانستان. أعضاؤه يوزعون المنشورات والأقراص المدمجة (سي دي)، إنما لم يصلوا بعد إلى توزيع السلاح أو المتفجرات. ونقل عن إمام مسجد «أوش»، أن المشكلة تتزايد وتنمو، وإذا كانت الأصولية والتطرف ينموان في باكستان وأفغانستان فإنهما في قيرغيزستان ليسا بتلك الخطورة بعد.

«حزب التحرير» ممنوع رسميا، ويواجه المنتمون إليه عقوبة السجن إذا جاهروا بانتمائهم، لكنهم ينشطون في أوش. يرى الحزب أنه إذا لجأت الحكومة إلى مطاردتهم باستعمال القوة فإنها ستخسر لأن ليس عندها أيديولوجية لمواجهتهم. ويرى أن كل المسلمين جزء من الأمة الإسلامية، وبالتالي فإن أفغانستان ليست مشكلة خارجية إنما مشكلة إخوة، لكنه يرى أنه قادر على مساعدة الأفغان على الصعيد السياسي فقط، ولا يفكر أتباعه بالسفر إلى أفغانستان للقتال، لأنها حرب الأفغان في الدفاع عن أنفسهم، ويقول: «عندما سنحصل على دولتنا الإسلامية، فإن سياستنا الخارجية ستقوم على قتال أميركا، وبريطانيا، وروسيا، والصين وإسرائيل، يبقى أن هدفنا السياسي الوصول إلى إقامة دولة إسلامية».

من جهتهم يهتم الأميركيون بالوضع في وادي «فيرغانا». وفي اتصال مع السفيرة الأميركية في قيرغيزستان تاتيانا غافيلا أكدت على هذا الاهتمام وقالت: «إذا فقدت الحكومة الانتقالية السيطرة على الجنوب، فإن مجموعات مثل حزب التحرير وأحزاب أخرى قد تستغل الفرصة للتسلل إلى الجنوب. وتضيف: «في أوزبكستان حكومة قوية تواجه بقوة المتطرفين الإسلاميين، ما يقلق في الأمر هنا، ولأن الطبيعة تولد فراغا، فإذا عم اللااستقرار قيرغيزستان فإن الكثير من المتطرفين يتطلعون إلى مكان سهل للاختباء فيه، وبالتالي سيجدون جنوب قيرغيزستان مناسبا لهم».

لكن، من جهة أخرى، يلوم البعض الأوزبك على ما حصل من عنف مؤخرا، إذ وأثناء محاولة الحكومة الانتقالية السيطرة على الفوضى، قام الأوزبك في «أوش» بمظاهرات ضمت نحو 7 آلاف، مطالبين بحقوق متساوية بالقيرغيز، وأن يتضمن الدستور الجديد اللغة الأزبكية كلغة رسمية ثانية، وقد أثار هذا المحليين لأنهم رأوا في ذلك محاولة استغلال ضيقة في حين أن البلاد في حالة صعبة.

تلفزيون «أوش» بث لعدة مرات لقطات من هذه المظاهرة، واضطرت الحكومة الانتقالية لتخفيف الاحتقان إلى مصادرة الأفلام وإغلاق المحطة التلفزيونية في «أوش». لكن الشرارة انطلقت ولجأت الحكومة إلى الطلب من روسيا إرسال قواتها للمساعدة في إخماد العنف.

يحق لروسيا إرسال قوات إلى قيرغيزستان في ظل منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تسيطر عليها، لكن الحكومة القيرغيزية لم تطلب قوات حفظ السلام من الدول المشاركة في هذه المنظمة إنما حددت: قوات روسية فقط.

احتمال إرسال قوات روسية لم يلق ترحيبا من أوزبكستان التي لمحت إلى أنها ستعتبر نشر قوات روسية من خارج المنظمة المذكورة مقدمة لمحاولة عسكرية ابعد باتجاه أوزبكستان.

وحسب ما قال لي مسؤول غربي، فإنه منذ الإطاحة بحكم باقييف وأوزبكستان متخوفة من أن تكون هي الهدف الروسي الثاني. لذلك، فإنها ستعتبر نشر قوات روسية جنوب قيرغيزستان الخطوة الأولى باتجاه الهدف الروسي. وهي، بدأت بسحب عدد من قواتها التي نشرتها على الحدود مع قيرغيزستان.

روسيا من جهتها، مترددة في التورط في المستنقع القيرغيزي، ثم إنها لا تريد التسبب في أزمة إقليمية أكبر بينها وبين أوزبكستان.

حسب المصدر الغربي، فان ما جرى مناقشته في موسكو ليل الاثنين الماضي هو إرسال قوات حفظ سلام من كازاخستان تحت مظلة «منظمة معاهدة الأمن الجماعي». لكن أغلبية هذه القوات من أصول روسية، إنما مواطنيتهم ككازاخستانيين وسيلة من موسكو للالتفاف على قلق أوزبكستان من القوات الروسية. وتقليديا تتجنب أوزبكستان أي مشاحنات مع كازاخستان رغم معرفتها بولاء الأخيرة لروسيا. التخوف الآن، من أن تتحول أزمة «أوش» من أزمة قيرغيزية داخلية، إلى مواجهة بين أوزبكستان وروسيا.

في السنة الفائتة أثبتت روسيا أنها في طريقها إلى تثبيت سيطرتها على آسيا الوسطى، وقد تكون أوزبكستان العقدة الأصعب لإكمال هذه السيطرة. أيضا، قد يشد الوضع المتوتر في جنوب قيرغيزستان تركيا إلى التدخل، لأن الشعبين الأوزبكي والقيرغيزي يستعملون لغة تركية للتفاهم فيما بينهم!

=========================

تركيا  إسرائيل: إلى جانب من انحازت واشنطن؟

سمير صالحة

الشرق الاوسط

17-6-2010

قد تكون حالة الغليان الشعبي في تركيا هدأت بعض الشيء، لكن غضب قيادات حزب العدالة والتنمية يتزايد يوما بعد آخر أمام تجاهل تل أبيب للمطالب التركية العاجلة.. لجنة تحقيق دولية تكشف عن منفذي العملية العدوانية التي استهدفت أسطول الحرية في عرض المتوسط ومعاقبتهم، اعتذار إسرائيلي رسمي على أعلى المستويات، تعويضات عاجلة لضحايا الهجوم والمتضررين فيه وسياسة إسرائيلية جديدة تقود إلى رفع الحصار عن غزة بكافة أشكاله وأنواعه.

فإسرائيل التي حددت استراتيجية المواجهة بمطالبة تركيا تحمل مسؤولية جنودها الجرحى الذين أهينوا وتعرضوا للضرب بالعصي والسكاكين خلال اقتحامهم السفينة، تؤكد أن حكومة نتنياهو ليست مستعدة للتراجع عن مواقفها التي تكررها يوما بعد آخر بأنها هي الجهة المعتدى عليها وأنها تنتظر تفسيرات مقنعة من حكومة أنقرة بهذا الشأن!

محاولة وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس الأخيرة توجيه الأنظار نحو الاتحاد الأوروبي وتحميله المسؤولية الأكبر في انحراف مسار السياسة الخارجية التركية باتجاه الشرق؛ كونه لم يتعامل بجدية مع طلب العضوية التركية، لم تقنع الأتراك على ما يبدو بالحياد الأميركي في أزمة العلاقات التركية – الإسرائيلية، وفي قراءة مسار الأحداث بواقعية وموضوعية، فهناك إصرار تركي على إشراك واشنطن في تحمل مسؤولية التعالي الإسرائيلي ومواصلة التحديات والتصعيد. لا بل إن تركيا ترى أن إدارة أوباما بدل أن تلجأ إلى طرح موضوع العلاقات التركية - الأوروبية لتكون خشبة خلاصها، كان الأجدى بها الوقوف على مسافة واحدة من تل أبيب وأنقرة، على الأقل، أو الضغط على حكومة نتنياهو لتتعامل بجدية مع الاعتداء الذي أودى بحياة مواطنين أتراك مدنيين في عرض البحر.

أنقرة، كما فهمنا من مواقف وتصريحات قياداتها السياسية في الآونة الأخيرة، ترى أن العلاقات مع تل أبيب باتت عبئا لا بد من إنزاله عن الظهر بعد سنوات من المشقة التي لم تعرف إسرائيل قيمتها وأهميتها وتستثمرها في الانفتاح والتقارب على محيطها العربي والإسلامي، خصوصا أن حجم المغامرة التي قبلتها تركيا في تحرك من هذا النوع كان دائما محل شبهات وشكوك في كثير من العواصم الإقليمية. لكن الذي فهمناه أيضا، وهذا هو الأهم، أن تراجع العلاقات التركية - الإسرائيلية سيصحبه مراجعة للعلاقات الاستراتيجية مع كل من يقف إلى جانبها في عدوانها هذا، حتى ولو كان ذلك يستلزم إنزال حمولة أخرى عن الظهر رفعت لعقود طويلة باسم الشراكة الاستراتيجية، والمعني الأول هنا هو الولايات المتحدة الأميركية طبعا.

قيادة حزب العدالة والتنمية، وهي تترجم حجم النقمة الشعبية، تصر على تذكير إدارة البيت الأبيض أن مواقفها هذه لا تعني بالنسبة إلى الأتراك سوى الانحياز الكامل إلى جانب إسرائيل، وهي المعتدية بإجماع دولي شبه تام، مما يعني أولا تبني حكومة نتنياهو والوقوف إلى جانبها على طريقة «انصر أخاك..» وأن لا فائدة من المراهنة على مفاجأة إقليمية وعدنا بها أوباما قبل أشهر طويلة، لكننا لم نستشف حتى الآن بوادرها وخيوطها التي تحمل الأمل والفرج.

أنقرة التي تنتظر ردودا عاجلة من تل أبيب المتمسكة بأنها قالت كل ما عندها، منزعجة من اللامبالاة الأميركية وأسلوب واشنطن في حماية إسرائيل وتوفير الغطاء السياسي والأمني لها على هذا النحو الذي يشجعها على المضي في سياسة التصعيد والتحدي، متجاهلة حجم الخسائر المادية والمعنوية التي ألحقتها بشريك إقليمي رددت أميركا دائما ألا غنى عنه في قلب المعادلات الشرق أوسطية والدولية. باختصار، إذا كنا نفهم من خلال ردود الفعل الرسمية التركية الأخيرة أن حكومة أردوغان، التي تهدد بقطع الخيط الرفيع السياسي والدبلوماسي المحمي في علاقاتها مع تل أبيب، لن تتردد في تذكير واشنطن أن حبال علاقاتها معها هي أيضا مهددة، وأن الرد الأميركي الذي تنتظره وتراهن عليه أنقرة ليس بالضغط على الاتحاد الأوروبي لقبولها عضوا، بل على إسرائيل لوقفها عند حدها.

سبب تراجع العلاقات التركية - الأميركية يوما بعد آخر هو كما يقال في أنقرة خيار واشنطن إعطاء الأولوية لملف إيران النووي، عبر تحريك مجلس الأمن وتجاهل الجهود التركية التي قادت إلى اتفاقية طهران الأخيرة، وقبول أميركي واضح ومكشوف لما تقوله تل أبيب، مقابل تجاهل تام لاقتراحات تقديم موضوع حل الصراع العربي - الإسرائيلي التي تتبناها وتدافع عنها تركيا كخطوة أولى على طريق التهدئة في الشرق الأوسط.

حكومة أردوغان تصر على أن حكومة نتنياهو ارتكبت حماقة كبيرة في عرض المتوسط، لكن المؤسف هو أن تل أبيب تحاول إشراك واشنطن في ورطتها هذه، ليس لتنتشلها من مأزقها عبر التوسط بينها وبين أنقرة، بل من خلال كسب تأييدها ووقوفها إلى جانبها في ما فعلته. لا بل إن الحكومة التركية تستعد للقول بين لحظة وأخرى إن إدارة البيت الأبيض لا تختار هنا بين تل أبيب وأنقرة بل بين المعتدي والمعتدى عليه، وهذا ما يزعج الأتراك ويغضبهم أكثر من غيره.

حكومة «العدالة» بقدر ما تصعد ضد تل أبيب، تريد من واشنطن أيضا تحديد إجابتها حول سيناريوهات تردد عن أن الأخيرة تلعب بورقة العملية الإسرائيلية الأخيرة، ليس فقط لوقف تنامي الدور الإيراني الإقليمي، بل لمحاصرة رقعة الانتشار التركي، فتصيب عصفورين بحجر واحد. أم أننا أخطأنا في قراءة كل ما قيل عن دعم وتشجيع أميركي لحكومة أردوغان للمضي في سياستها الانفتاحية التي تساعد إدارة البيت الأبيض نفسها على إطلاق حلول ومبادرات تزيل حالات الاحتقان والتوتر في المنطقة؟

=======================

سورية يا حبيبتي

ياسر أبوهلالة

yaser.hilala@alghad.jo

الغد 17/6/2010

تعيش سورية اليوم أبهى أيامها سياسيا، بعد أن عاشت أصعب الأيام بعد احتلال العراق، واغتيال رفيق الحريري.

دوليا، خرجت من دائرة التهديد الأميركي، وأوباما لا يحمل نوايا سيئة لسورية. إقليميا، يعجز الإسرائيليون عن تهديدها، وهم مشغولون بحلفاء سورية؛ حزب الله وحماس. عربيا، زارها الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسعد الحريري. وإسلاميا، تسند ظهرها إلى إيران وتركيا. داخليا، لا يوجد معارضة جذرية ذات وزن.

من موقع القوة هذا يمكن لسورية أن تنفتح وتبدأ مشروع مصالحة داخلية حقيقيا، ومن موقع المحب لسورية التي احتضنت المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، وأنت تقف في خندق سورية في مواجهة المشروع الصهيوني والأميركي المتصهين، تتمزق وأنت تقرأ تقرير"سنوات الخوف: الحقيقة والعدالة في قضية المختفين قسريا في سورية"، الذي حرره الباحث رضوان زيادة وأنجزه باحثون وخبراء سوريون في حقوق الإنسان، بالتعاون مع "برنامج العدالة الانتقالية في العالم العربي"، وبدعم من منظمة "فريدم هاوس" (بيت الحرية) في واشنطن، وهو أول تقرير دولي وشامل لقضية المفقودين (المختفين قسريا) في السجون السورية.

سبق أن تمزقت، وأنا أقرأ ما كتب عن مآسي السجون السورية، مثل "خمس دقائق فقط" و"شاهد ومشهود"، وهما سيرتان ذاتيتان واقعيتان تتطابقان مع رواية "القوقعة" التي تزول فيها الحدود بين الواقع والخيال، لا تدري أيهما أبشع.

هذا التقرير ورغم الدور الأميركي، ولو من مؤسسة مدنية، إلا أنه يرصد الظاهرة بشكل علمي ويرجعها إلى الانقلاب العسكري عام 1970 الذي اعتمد على "ممارسات طائفية أدت إلى مناخ سهّل نمو الأصوليات وتصاعد الاحتجاج الإسلامي السياسي (الذي يمثله بشكل رئيس الإخوان المسلمون)، الذي انفجر بمجزرة المدفعية في تموز(يوليو) 1979، وانتهى بحرب شبه أهلية، أدت إلى عشرات الآلاف من القتلى المدنيين وعدد واسع من المجاز في عدد من المدن السورية الرئيسية، كان أفظعها مجزرة حماة الكبرى التي ذهب ضحيتها بين 15000 و 35000" على قول التقرير. ويكشف أن أجهزة الأمن اعتقلت "ما يزيد على مائة ألف سجين".

وقد صدر قانون 49 القاضي بعقوبة الإعدام وبأثر رجعي لكل منتسبي الإخوان، وصدر عدد من المراسيم التشريعية بإنشاء المحاكم العسكرية الشكلية "التي تفتقر إلى أدنى شروط العدالة، وإحالة جميع المعتقلين السياسيين إليها، حيث جرى تصفيتهم بشكل إعدامات جماعية منظمة خلال سنوات طويلة، روى فظائعها الناجون منها".

تلك الحقبة لم يكن الرئيس السوري بشار الأسد جزءا منها، على العكس فإن معارضيه اليوم، رفعت الأسد وعبدالحليم خدام، كانا من أركانها.

ومن مصلحة سورية اليوم أن تبدأ بما اقترحه التقرير وهو "العدالة الانتقالية"، فمثلا مفتي حلب الذي سلم نجله الحدث ابن الخمسة عشر عاما لأجهزة الأمن ولم يعد حتى الآن، أليس من حقه أن يقال له هذا قبر ابنك؟ آلاف لهم هذا الحق.

============================

الوجه القبيح لإدارة أوباما

الاربعاء, 16 يونيو 2010

خليل العناني *

الحياة

لا يمكن تفسير الصمت المخجل لإدارة باراك أوباما تجاه مذبحة «أسطول الحرية» إلا في سياق الازدواجية التي وسمت خطابه منذ مجيئه الى السلطة قبل عام ونصف عام وباتت ملمحاً أساسياً في سياسته الخارجية. ولم يكن أكثر الناس تشاؤماً من سياسات الإدارة الأميركية الحالية يقدر أن يرى صدقية الرئيس أوباما تنهار بهذه السرعة الفائقة. فبعد عام واحد فقط من خطاب «النيات الطيبة» الذي ألقاه في 4 حزيران (يونيو) 2009 في جامعة القاهرة، يبدو أن كل ما وعد به أوباما قد تبخر.

سقط أوباما في أول اختبار «إنساني» عندما صمتت إدارته عن إدانة ما فعلته إسرائيل إزاء نشطاء قافلة «الحرية» الذين جاؤوا من مختلف أنحاء العالم لكسر الحصار على غزة. وزاد الطين بلّة ما حدث مع عميدة الصحافة الأميركية هيلين توماس التي أُقيلت من منصبها في مجموعة «هيرست» الصحافية الأميركية قبل أسبوعين لمجرد أنها عبرت عن رأيها بصراحة في الصراع العربي - الإسرائيلي، ولأنها قالت جهراً ما قد يقوله كثير من المثقفين والساسة الأميركيين سرّاً. فقد سُئلت هيلين توماس عن رأيها في إسرائيل وفي كيفية حل القضية الفلسطينية، فأجابت بعفوية: فليخرجوا (الإسرائيليون) من فلسطين وليعودوا إلى ديارهم الأصلية... إلى بولندا وألمانيا وأميركا. فما كان من المتحدث الرسمي بالبيت الأبيض إلا أن أعلن تبرؤه واستنكاره من تصريحات هيلين، وأصدر لاحقاً قراراً بمنعها من تغطية المؤتمرات الصحافية في البيت الأبيض التي اعتادت على حضورها منذ أكثر من خمسين عاماً.

السؤال اللافت هنا هو: هل أخطأت هيلين توماس أم أنها عبّرت بالفعل عما يدور فى الوعي الجمعي للنخبة الأميركية؟ فقد أعادت هيلين، بكلماتها البسيطة، عجلة التاريخ إلى الخلف ستين عاماً، وذكرّت الجميع، بمن فيهم بعض رموز النخبة العربية، بما حاول الإسرائيليون طمسه وتعميته عبر آلتهم الإعلامية طيلة النصف الثاني من القرن الماضي. وهي قالت في كلمات ما عجزت عن تسجيله محاضر اجتماعات الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

ما حدث مع توماس يكشف بوضوح مدى سطوة اللوبي الصهيوني وقدرته على إرهاب وتقريع كل من يتعرض للدولة العبرية بالنقد أو اللوم. وهي حقيقة ربما ليست فى حاجة إلى تأكيد، بيد أنها مجرد محاولة لإنعاش الذاكرة حول حدود سقف الحرية التي يتمتع بها المثقفون والصحافيون في الولايات المتحدة. فالحرية مُصانة ما دامت لا تتعرض لإسرائيل.

ولعل المدهش في واقعة هيلين توماس أن النخبة الأميركية، بخاصة اليسار الذي يدّعي التحرر من قيود اللوبي اليهودي، قد أُصيبت بالخَرَس، ولم يتعاطف مع هيلين إلا أصوات محدودة ولدواع إنسانية فحسب، بسبب خبرتها الطويلة في الصحافة الأميركية، وليس باعتبارها قضية تمس الحريات الشخصية في الولايات المتحدة وأهمها حرية إبداء الرأي. وقد كان الزميل دواد الشريان لمّاحاً في لفتته في «الحياة» إلى ازدواجية المعايير الأميركية في ما يخص حرية التعبير داخل الولايات المتحدة وخارجها، وتخوّفه من أن تنتقل هذه العدوى الى الدول العربية مستقبلاً. ولنتذكر فقط ما حدث قبل سنوات قليلة مع الأستاذين ستيفن والت وجون ميرشايمر من جامعة هارفارد حين نشرا دراستهما القيّمة حول نفوذ اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة. كما يكفي أن نتابع ما حدث قبل أسابيع من مشادة فكرية وشخصية بين روبرت ساتلوف المدير التنفيذي ل «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، وستيفن والت الذي اتهم كل من يعمل بالمعهد بالولاء المزدوج لإسرائيل والولايات المتحدة.

واقعة أخرى تكشف مدى قُبح السياسة الخارجية لإدارة أوباما، فقد أصدرت منظمة العفو الدولية (أمنيستي) قبل أيام قليلة تقريراً يكشف عن قيام الولايات المتحدة بقصف قرى يمنية بصواريخ «كروز» محمّلة بقنابل عنقودية مما أدى إلى مقتل أكثر من خمسين شخصاً مدنياً بحسب التقرير، وإلى الآن لم تقدم الولايات المتحدة اعتذاراً أو تعويضاً عما حدث. وهو ما يتناغم أيضاً مع التصريحات التي كان قد أصدرها قبل أسابيع الجنرال ديفيد بترايوس قائد القيادة الأميركية الوسطى وأشار فيها إلى زيادة مستوى العمليات السرية التي تقوم بها الاستخبارات الأميركية في المنطقة العربية بحجة ضرب التنظيمات والجماعات المتشددة وفي مقدمها تنظيم «القاعدة».

نحن إذاَ إزاء خطابين متناقضين لإدارة أوباما، أولهما خطاب «ناعم» يحاول تجميل الصورة الأميركية في المنطقة، ويسعى للتخلص من الإرث الثقيل لإدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش. وثانيهما، خطاب واقعي فجّ يعكس تعقيدات صنع السياسة الأميركية ومؤسساتها المتشابكة.

وإذا كان أوباما يمتلك زمام خطابه الناعم، فإنه حتماً لا يمتلك ناصية الخطاب الآخر الذي تحدده وتشرف على صوغه أجهزة ومؤسسات سيادية أميركية لا يستطيع أوباما الوقوف فى وجهها. في هذا السياق تأتي استقالة مدير الاستخبارات الأميركية دينيس بلير التي لم تتكشف أسبابها الحقيقية وما إذا كانت قد جاءت بسبب الإخفاقات التي مُنيت بها وكالات الاستخبارات المركزية الأميركية والأجهزة التابعة لها خلال الشهور الست الماضية، أم بسبب الصراع الخفي بين أجنحة المجمع الاستخباراتي الأميركي الذي يدير مسرح العمليات السرية حول العالم؟

وبين كلا الخطابين تقبع مؤسسات إعلامية ومراكز ابحاث ضخمة تحاول استغلال الفجوة بين خطاب أوباما «الرومانسي» وخطاب المؤسسات «الواقعي» من أجل تغذية السياسة الأميركية بأجندتها وأهدافها الخفية. ولا يمكن هنا أن نتجاهل العامل الإسرائيلي وتأثيره الهائل على هذه المؤسسات.

ويمكن الذهاب باستكشاف خبايا العامل الإسرائيلي في تحديد طبيعة العلاقات الأميركية – الإسلامية، من خلال تحليل بنية الخطاب الأميركي تجاه العالم الإسلامي طيلة السنوات العشر الماضية، وهنا يمكن أن نذكر ثلاث ملاحظات رئيسية، أولاها أن خطاب الكراهية وشيطنة كل ما هو إسلامي كان يصب دائماً في مصلحة تقوية العلاقات الأميركية – الإسرائيلية. ثانيتها، أن كثيراً من مفردات هذا الخطاب قد نُحتت بأيدي المحافظين الجدد ومثقفيهم الذين يعلنون صراحة ارتباطهم، عقلاً وروحاً، بإسرائيل. وثالثها، الدور المؤثر لمراكز البحث الأميركية في تزكية الخيار العسكري والأمني في التعاطي مع الحركات الإسلامية المعتدلة والمتشددة من دون إعطاء أية فرصة للحوار، على رغم التورط الأميركي العسكري في العالم الإسلامي.

* أكاديمي مصري - جامعة دورهام - بريطانيا

=====================

نيولوك للحصار

حمدي قنديل

المصدر: الشروق المصرية

الحق أننى أصبت بالدهشة من عناوين جريدة الأهرام يوم الثلاثاء الماضى.. كان العنوان الرئيسى فى صدر الصفحة الأولى يقول «مبارك يطالب برفع الحصار (الإسرائيلى) عن غزة»..

مبعث الدهشة أنه لو كنا نريد رفع الحصار عن غزة فعلا، فلماذا نطالب برفع الحصار (الإسرائيلى) دون أن نرفع الحصار المصرى أولا؟.. لماذا لا يفتح معبر رفح فتحا دائما للأفراد والبضائع مع تطبيق كل الضوابط السارية فى منافذ مصر الحدودية الأخرى مثل منفذ السلوم وغيره؟..

لكن الدهشة لا تتوقف عند هذا الحد.. كما هو معتاد فى الصحف، فإن الخبر المهم يوضع باختصار فى الصفحة الأولى، ثم تحيلك الصحيفة إلى صفحة داخلية إذا أردت الاطلاع على تفاصيل أوفى.. هذا ما فعلته جريدة الأهرام.. أحالتنا إلى صفحتها الخامسة من العدد ذاته، فإذا بالعنوان يقول «مبارك يؤكد ضرورة تخفيف الحصار (الإسرائيلى) لغزة».. هنا تكتشف أن سياسة مصر لا تستهدف رفع الحصار وإنما تخفيفه فقط.. هذا مربط الفرس، الخطر الماثل الآن، الخدعة الجديدة.

مصر الآن تشارك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى فى خطة تستهدف الإيحاء برفع الحصار عن غزة دون أن يتم رفعه بالفعل، وإنما الإبقاء عليه فى صورة جديدة «نيولوك» يخفف فيها الحصار بعض الشىء، وترفع بعض المعاناة عن الفلسطينيين بعد أن تفجر الرأى العام العالمى غضبا إثر مجزرة اسطول الحرية، وضغطت الشعوب العربية وشعوب الغرب على حكوماتها حتى تتخذ موقفا أكثر صرامة تجاه (إسرائيل.)

على غير عادتها، تجاوبت الحكومات الغربية تجاوبا سريعا مع الضغوط لترفع عن نفسها الحرج من ناحية، ولتنقذ (إسرائيل) من أزمتها بعد مجزرة الأسطول من ناحية أخرى.. سارع الغرب إلى اقتراح آلية جديدة أكثر مرونة لحصار غزة توحى بأن الحصار تم رفعه.. الآلية ذات شقين.. شقها الأول هو المطالبة بإجراء تحقيق دولى حول الهجوم (الإسرائيلى) على اسطول الحرية لإرضاء المناصرين للقضية الفلسطينية، وشقها الثانى أن تتولى دول الغرب مراقبة سواحل غزة وتفتيش سفن الإغاثة المتجهة إليها والإشراف على معبر رفح إرضاء (لإسرائيل)..

هذه هى الآلية الجديدة التى بادرت بريطانيا وفرنسا باقتراحها منذ أيام، والتى أبلغتها الولايات المتحدة لإسرائيل تطلب رأيها فيها أو اقتراح آلية أخرى «خلاقة» بديلة لها أو إضافة إليها.. بالفعل، أضافت إسرائيل عرضا لتسليم المساعدات لأهالى غزة فى ميناء "أشدود" (الإسرائيلى) بدلا من ميناء غزة ذاته، ومن ميناء "أشدود" يتم التنسيق لتوصيل المساعدات إلى الفلسطينيين..

إذا ما تم اتفاق دولى بهذا الشأن، وإذا ما حظى الاتفاق بدعم عربى من دول الاعتدال كما هو متوقع، فسوف يبدو الأمر أمام العالم وأمام العرب بالذات كما لو كان حصار غزة قد رفع.. هذا ينطوى على كثير من الخداع، إذ إن حصار غزة بحرا سيستمر وإن بقيود أقل تشددا، كما أن حصارها برا سيستمر هو الآخر وإن بعودة الرقابة الدولية على المعابر.. لنأخذ الحصار البحرى أولا..

توجيه سفن المساعدات إلى ميناء "أشدود" لايرفع الحصار، ذلك أن الهدف من هذه السفن التى تغامر للوصول إلى غزة  كما قال الأستاذ مكرم محمد أحمد فى الأهرام  «ليس مجرد إرسال بضعة آلاف من أطنان المعونة الغذائية والدوائية إلى القطاع مع أهمية ذلك وضرورته، ولكن تحقيق التماس والتواصل مع الشعب الفلسطينى المحاصر فى هذا السجن الكبير، وإشعارهم بأنهم ليسوا وحدهم فى مواجهة هذا الحصار الظالم».. وحتى لو سلمت المساعدات فى ميناء "أشدود"، فإن تجربتنا مع مماطلات (إسرائيل) وحيلها وألاعيبها لا يمكن أن تطمئنا على وصولها إلى القطاع فى حالة جيدة وفى وقت مناسب، هذا إن وصلت أصلا..

أما فيما يتعلق بالحصار البرى، فالرقابة الدولية المقترحة تعنى إعادة العمل باتفاق المعابر، وهو اتفاق وقع فى عام 2005 بين (إسرائيل) والسلطة الفلسطينية لتشغيل المعابر الحدودية بإشراف طرف ثالث هو الطرف الأوروبى لمدة عام واحد، ومع ذلك ففى ظل هذا الاتفاق منع دخول متطلبات الحياة الأساسية لسكان غزة، وطبقت سياسة العقاب الجماعى ضد الفلسطينيين.. يذكر هنا أن مصر ليست طرفا فى الاتفاق، وبالتالى فهو غير ملزم لها..

لكن مصر تبدو كما لو أنها تدعم الآن الاقتراح الأمريكى  الأوروبى الجديد الذى يهدف إلى إعطاء «نيولوك» للحصار القديم، ولا يقدم أية ضمانات جديدة بخلاف «الضمانات» القديمة المهترئة.. كل ما سيقدمه هو بعض التخفيف من قيود الحصار بما يتناسب مع فورة الاحتجاج على مجزرة أسطول الحرية، أى أن ما نحن بصدده بعبارة أخرى هو «إدارة الحصار بدلا من إنهائه» على نحو ما قرأت لأحد الكتاب فى الإنترنت..

الخشية إذن أن تكون مصر قد انزلقت بالفعل فى المشاركة فى هذه الخدعة منذ أعلن الرئيس فتح معبر رفح «أمام المساعدات الإنسانية، حتى إشعار آخر».. الإشعار الآخر يعنى أن المعبر لن يفتح بشكل دائم، أما بالنسبة للمساعدات الإنسانية فهنا يلتبس الأمر، خاصة وقد رأينا فى الأسبوع الماضى قافلة النواب المعارضين والمستقلين وهى متوجهة إلى غزة مصحوبة بشاحنات محملة بالحديد والأسمنت الذى يعتبر مساعدة إنسانية لإعانة الفلسطينيين على إعادة بناء بيوتهم التى دمرتها آلة الحرب الصهيونية،

فإذا بالسلطات المصرية «تطارد سيارات المساعدات وتحتجزها وكأنها تحمل مخدرات» على نحو وصف جريدة الدستور، وتسمح بالمرور للنواب وحدهم.. إلا أن السلطات المصرية كشفت عن نواياها تماما يوم الجمعة عندما رفض الأمن دخول قافلتين شارك فيهما نحو 300 متضامن يحملون مساعدات غذائية وطبية إلى القطاع، ورفض من ناحية أخرى السماح بدخول مصر لوزير الصحة الفلسطينى ووفد مصاحب له كانوا فى طريقهم لتلبية دعوة من البرلمان السويسرى.

المعبر مفتوح الآن إذن بضلفة واحدة، بنصف روح ونصف قلب.. فتح موارب ومريب يفضح خدعة الحصار فى صورته الجديدة، وضلوع النظام المصرى فيها.. إذا كانت مصر دولة كبيرة فى الإقليم حقا فلتتخذ القرار الشجاع بفتح معبر رفح فتحا مطلقا للأفراد والبضائع، ولترفع قامتها حتى تضاهى قامة تركيا.

===========================

رسالتي إلى أردوجان

الكاتب د. راغب السرجاني

موقع قصة الإسلام - الخميس, 17 يونيو 2010

أستاذي الجليل، وأستاذ جيلنا كله الأخ الحبيب أردوجان.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

أشاهد مع أمتنا الكريمة، ومع العالم أجمع كذلك، جهودكم المباركة لإعزاز الإسلام، والدفاع عن مقدساته وحرماته، فهنيئًا لكم اجتماع الصالحين من أبناء أمة الإسلام على حبكم وتأييدكم، وأسأل الله عز وجل أن يثبتكم، وأن يرزقكم نور البصيرة، وحسن العمل، وروعة الخواتيم.

 

أستاذي الجليل.. رأيت أن من واجبي وأنا أرى مسيرتكم الرائعة، أن أسهم بما أستطيع لتدعيم موقفكم، وأن أدلي بدلوي بعدة وصايا قد يجعل الله عز وجل فيها خيرًا لك وللأمة، وقد تكون سببًا في نجاتي يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وأسأل الله عز وجل أن تلقى هذه الوصايا منه القبول، وأن تجد طريقها إلى قلبك وعقلك..

 

الوصية الأولى: قد ولاك الله عز وجل أمرًا عظيمًا، وشأنًا جليلاً، فأنت إمام من أئمة المسلمين، يتولى بشكل مباشر قيادة دولة عظيمة فيها خلق كثير، فيا لسعادتك إن كان عملك خالصًا لله! فأول السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل، وأحسبك -والله حسيبك- هذا الإمام، فلا تخطوَنَّ خطوة إلا وأنت تحتسبها لله، ولا تقدمَنَّ على أمر إلا وأنت ترجو المثوبة من الله، ولتعلم أن النية تتقلب كثيرًا، فعليك دومًا بتجديدها، ولا يغرنك الآثار الجليلة لأعمالك؛ فإن الله عز وجل يحبط عمل الشهيد والعالم والجواد إن كان لغيره سبحانه وتعالى ، فهو أغنى الشركاء عن الشرك، ولا تركن إلى الدنيا فإنها زائلة، ولا يلهينَّك مال ولا كرسي عن طاعة ربك، واعلم أنك موقوف بين يدي العزيز الجبار، وأن الله سيسألك عن الذرة والقطمير، فأعد لكل سؤال جوابًا، ولتدرك أن البشر يُسألون عن أنفسهم وأزواجهم وأولادهم، أما أنت فسيسألك ربنا عن شعب كامل، بل قد يسألك عن أمة الإسلام التي تعلقت قلوبها بك، فالحذر الحذر من نسيان هذا اليوم الطويل، والعمل العمل لكي تظهر أمام الله عز وجل في أبهي صورة وأنقى سريرة.

 

ثم انتبه -أخي أردوجان- إلى أن كل ما وصلت إليه هو محض فضل من الله عز وجل ، وكل ما نجحت فيه من قرارات وأفعال هو توفيق من الحكيم الخبير سبحانه، فلا يدخلنَّك عُجْب أبدًا، ولا تقولنَّ إنما أوتيته على علم عندي، وأظهِرْ دومًا الافتقار إلى الله، وانسب إليه كل أعمالك؛ فهو الناصر، وهو المعز، وهو المعطي، وهو المتصرف في كونه كله، ولتكن حيث أمرك الله أن تكون، ولتحذر أن يراك الله حيث لا يجب أن يراك، واجتهد في تطبيق شريعة ربك ففيها النجاة في الدنيا والآخرة، ولا يدفعنك إرضاء الناس إلى إغضاب ربك، ولتعلم أن ارتفاع قدرك مرهون باتباعك لكتاب الله عز وجل وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، فإياك إياك أن تهجرهما، وليكن نصب عينيك أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.

 

الوصية الثانية: شعبك هو زادك -بعد الله عز وجل - في هذه المسيرة المباركة، فالضعف الذي نراه في غالب الحكام العرب نتج عن انفصالهم عن شعوبهم وهجرهم لمصالحه، فلا تهمل حاجة شعبك وراحتهم أبدًا، ولا تخالفن إرادة شعبك الذي اختارك لقيادته إلا إذا أمرك بحرام، فإنْ فعل فلا تطعه ولو ضاع ملكك، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا تحتجبن عن شعبك أبدًا، وليكن لك تواصل دائم مع الفقير والأرملة واليتيم، ولا تقبلن بظلم في دائرة حكمك، واتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب، ولا توليَنَّ أحدًا ولاية إلا إذا كان يستحقها، وراقبْ ولاة أمرك وتابعهم، ولا تسمحن لهم بفساد أو تجاوز؛ فإنك تحمل وزر ذلك كله. ولا تقربَنَّ المنافقين منك فإنهم لا يزيدونك إلا ضعفًا وخبالاً ولو كانوا يمدحونك أو يعظمونك، ولتحرص على تفوق بلدك في كل المجالات؛ فالإسلام دين شامل ينتظم كل أمور الحياة، فلا ينبغي لنا أن نرى صورة من صور الضعف في أي قطاع من قطاعات دولتك، فليكن جيشك قويًّا، واقتصادك عملاقًا، وجامعاتك متفوقة، ومستشفياتك متقدمة، وشوارعك نظيفة، وإعلامك واعيًا، ومدارسك أخلاقية..

 

ولا تنصرفَنَّ إلى قضية على حساب قضية أخرى، بل كن متوازنًا في كل أمورك، ولا تتركنَّ ملف الأكراد دون حلول واضحة ناجحة، ولتعلم أنهم في النهاية مسلمون أتراك، لهم حقوق كما أن عليهم واجبات، وإنك إن تقربت منهم، وأجزلت لهم العطاء بصدق وضعوك فوق رءوسهم، فهم أحفاد صلاح الدين الأيوبي. ولا تجعلَنَّ العلمانيين في بلدك عدوًّا لك، بل اعلم أنهم يحتاجون إلى نصحك، ويفتقرون إلى دعوتك، وقد منَّ الله عليك بما فقدوه، ولو علموا الحق فلعلهم يتبعونه، وبدلاً من أن يكونوا حجر عثرة في طريقك لعلهم يصبحون من حملة راية الإسلام في ربوع الدنيا، فلا تعتقدن أن كلماتك لهم ستذهب سدى، بل أخلص النية في دعوتهم، وسيفتح لك الله قلوبهم.

 

الوصية الثالثة: في ظل علو العالم الغربي وخاصة أمريكا، وتفوقهم الاقتصادي والعسكري، تلهث معظم دول العالم للالتحاق بركبهم، والاعتماد عليهم، فلا تكونَنَّ من هؤلاء! بل لا بد أن يكون لك تميزك الخاص، واستقلالك المتفرد، ولا يعني ذلك عدم إقامة علاقات معهم، ولكن لا تكن هذه العلاقات علاقة تابع بمتبوع، إنما علاقة الند بالند، والنظير بالنظير، وأنتم لستم قليلين، إنما أنتم بالله عز وجل كثير، بل أكثر منهم وأعز إن شاء الله، ولا مانع من السعي لدخول الاتحاد الأوربي لتحقيق طفرات اقتصادية وسياسية وحقوقية وغير ذلك، ولكن لا بد أن تنظر بعين الخبير إلى الثمن المدفوع، فلو كان من دينك أو حريتك أو استقلالية بلادك فلا تقبل أبدًا، وإن خفتم عالة فسوف يغنيكم الله من فضله..

 

ولا تنسَ أن أمريكا والاتحاد الأوربي وغيرهم من أهل الدنيا لا يبحثون إلا عن مصالحهم، ويوم كانت مصالحهم في إسقاط الخلافة العثمانية العظيمة سعوا إلى ذلك بكل طاقاتهم، واشتركت إنجلترا وفرنسا وأمريكا وروسيا في تفكيك الكيان الكبير، واجتهدوا لمسخه ومحوه من الوجود، ولكن أبى الله عز وجل إلا أن يخرجك أنت وإخوانك الشرفاء إلى الدنيا مرة ثانية، لتعلنوا بفخر أن الإسلام لا يموت أبدًا، وإن نسي بعض الأتراك هذا التاريخ فالغرب لم ينسه أبدًا، ويظهر ذلك في أقوالهم وأفعالهم، فضع عينيك في رأسك، والتفت إلى ما يحاك لك، ولا تضع بيضك كله في سلة أمريكا أو الاتحاد الأوربي، بل وسِّع علاقاتك، وعمِّق جذورك، وابحث عن البدائل العالمية المفيدة، وقبل ذلك وأهم اعتمد على قوتك الداخلية في تركيا، وعلى قوة إخوانك المسلمين في الأقطار الإسلامية المختلفة.

 

ودعني أهمس في أذنك وأقول لك: إن خبرتي بتاريخ الأمم تشير إلى أن نجم أمريكا في أفول، وأنها لا تسير إلى قوة بل إلى ضعف، وأن الزمن زمن تغيير، وسيشهد المستقبل القريب اختلافًا كبيرًا في موازين القوى العالمية، فلا بد أن يكون لك مكان على ظهر هذا الكوكب، وخاصة أنت، فأنت لست مسلمًا فحسب، ولكنك صاحب ميراث عظيم، فأنت حفيد قوم كانوا يحكمون نصف العالم، وسيعيد الله عز وجل بإذن الله الحكم من جديد، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

 

الوصية الرابعة: لا بد للقائد المسلم من الاهتمام بقضايا أمته الإسلامية حتى وإن لم تكن تحت سيطرته المباشرة، فهو لا يهدأ له بال لرؤية انتهاكات حقوق المسلمين في أي مكان، فلا تتركن قضية من قضايا المسلمين إلا ويكون لك دور فيها، وفي مقدمة هذه القضايا قضية فلسطين، فهي قضية فارقة، فمن جاهد في سبيلها أعزه الله، ومن أهملها أو خانها أذله الله، وفلسطين هي شرف المسلمين، ونحن قوم قد نعيش بلا طعام أو شراب، ولكننا لا نعيش بلا شرف، فلا يغمضَنَّ لك جفن وهذه الأرض المباركة محتلة، إنما عليك بالعمل الدءوب حتى تعيد الأمور إلى نصابها، ولتراجع جيدًا قصة جدك العظيم السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، الذي ضحى بملكه لكي لا يشارك في جريمة بيع فلسطين، فسِرْ على نفس الدرب مهما كانت الأثمان، ولتُعْلِ شأن الجهاد في بلدك، ولتحفز الشعب على تقبُّل تبعات مقاومة المشروع الصهيوني، مع علمي الكامل بتاريخ العلاقات التركية الصهيونية، ومع تفهمي لخطواتك المتدرجة، ومع إدراكي لوجود قوى تركية كبيرة تعارض مسارك، لكن -في النهاية- لن تعفيك الأمة من دورك في هذه القضية المصيرية، فلا تخذلن الشعوب المسلمة، ولا تقبلن برعونة صهيونية، أو تصلب يهودي، واعلم أن فلسطين أحد أكبر بواباتك إلى الجنة، كما أنها أحد أكبر بواباتك لقلوب المسلمين.

 

ولا تنس في خضم سخونة الأحداث في فلسطين أن هناك قضايا أخرى تحتاج إلى جهدك وفكرك، وفي مقدمتها العراق الشقيقة المجاورة لك، وكذلك أفغانستان وكشمير، وكذلك المسلمون في التركستان الشرقية، وقَدَرُك أن توجد في زمان كثرت فيه آلام المسلمين، لكن تذكر أنه على قدر الجهد يكون الأجر بإذن الله، وعلى قدر الإخلاص يكون التوفيق من الله.

 

الوصية الخامسة: لا تغفلن النظر الدائم في الشئون العربية، وليكن من أخص خاصتك من يتفرغ لهذا الشأن، فمكانتك في قلوب العرب كبيرة، وقيمتك محفوظة، وأنا أعلم أن هناك ميراثًا قديمًا من الكراهية بين العرب والأتراك زرعته ظروف مختلفة، ولكن آن الأوان للتخلص من هذا الميراث البغيض، ولتفرِّق في نظرتك بين الشعوب العربية وحكامها؛ فالشعوب العربية عاطفية، وتحب الإسلام بفطرتها، ويتحرك هواها مع من رفع الراية الإسلامية ودافع عنها، وتنتفض للشهامة والرجولة والمروءة، وتسعد بالخطباء الشجعان، وتسير وراء القواد الربانيين، فإذا وجدت هذه الصفات في قائدٍ رفعته إلى السماء ولو لم يكن عربيًّا، ولقد سرنا قبل ذلك خلف نور الدين وصلاح الدين وقطز والظاهر بيبرس، وجميعهم ليسوا من العرب، والله عز وجل لا ينظر إلى الصور والأجسام، وإنما ينظر إلى القلوب والأعمال، فكلنا معك ما دمت مع الله، وكلنا نحبك طالما تحب كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ..

 

أما الحكام العرب فغالبهم يبحث عن مصالحهم الخاصة، وقد يكرهونك كثيرًا، ويبغضونك طويلاً، فإنه كلما علا نجمك خسروا، وكلما ذاع صيتك حزنوا؛ فشعوبهم المقهورة تقارنهم بك، وأين الثرى من الثريا؟! فلا يحبطنَّك تعليق من أحدهم، ولا يزعجنك مقال في إعلام بعضهم، إنما هي فقاعات لا تلبث أن تزول {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد: 17]، فلا ترفعَنَّ عينك عن الأمة العربية، فهي عمقك الاستراتيجي، وسندك في مواقفك القادمة، ولتحرص على مواقف فاعلة في ميادين السياسة والاقتصاد والعلوم والإعلام، ولتعط اهتمامًا خاصًّا لدولة السودان؛ فشعبها الأصيل في حوجٍ لك، وقيادتها ليست بعيدة عن توجُّهك، ووحدتكما نفع للفريقين، وحماية للمسلمين، ونكاية للصهاينة، وخير كثير إن شاء الله. ولتهتم باللغة العربية، ولتعمل على نشرها في بلدك وفي الدنيا، فهي ليست مجرد لغة قوم من الأقوام، إنما هي لغة القرآن، فمن وعاها أدرك الكثير، ومن أتقنها فَهِم المعاني، وفتح الله له من أبواب المعرفة ما لا يدركه غيره.

 

الوصية السادسة: لي وصية لك أحسب أن الكثيرين قد يقولون إنه لا داعي لها، أو على الأقل قد يقترحون تأجيل الحديث عنها، ولكن -أستاذي الجليل- من أدراني أنني أعيش حتى أقولها لك، وهي وصيتي المتعلقة بالشأن الإيراني الشيعي..

 

بداية -سيدي الكريم- أنا أعلم أنك أقدر مني على أمور السياسة، وأفهم مني على توازنات القوى في المنطقة وفي العالم، لكنني أردت أن أنقل لك خبرتي بالتاريخ، ودرايتي بالعلوم الشرعية؛ ولهذا فإنني أقول لك بصدق: لا ينصر هذا الدين -أستاذي العظيم- إلا من أحاطه من جميع جوانبه، ولا يُعِزُّ هذه الأمة إلا مَن صلحت عقيدته، وصدقت نواياه، ولا يستقيم لمن بدَّل في الدين أو حرَّف، أو لمن لعن أوَّل هذه الأمة أن ينتفض بحميَّة لحراسة العقيدة، أو ميراث المسلمين.

 

أخي الحبيب، إن التاريخ يشهد في كل مرحلة أن الذي يطعن الأمة في ظهرها لا يقدر أن يمد اليد لمساعدتها، وعليك أن تراجع تاريخ أجدادك العثمانيين الأشاوس العظماء مع دولة الصفويين الشيعة الإيرانية، وتراجع كذلك رد فعل أجدادك عندما انهمرت القوات الشيعية الصفوية على العراق فدمروا بغداد، وأراقوا دماء أهل العراق السُّنَّة بالألوف، ولا يخفى عليك أن هذا يحدث الآن في العراق، والقتلى السُّنَّة بالملايين وليسوا بالألوف..

 

أنا لا أدفعك -أستاذي الجليل- إلى صدام، وأتمنى أن يحفظ الله عز وجل بلدك وكل بلاد المسلمين، ولكني أريدك أن تتعامل بمنهج عمر بن الخطاب t الذي قال فيه: "لستُ بالخِبِّ، ولا الخِبُّ يخدعُني". فنحن لا نمكر ولا نخون العهود، ولكننا لا نُخدَع كذلك، ولا يسخر من عقولنا أحد.

 

أحببت أن أوصيك كذلك بالنظر إلى المنطقة كلها لا إلى تركيا فقط، ولتعلم أن كل علاقة ستتنازل أنت عنها في المنطقة ستكون من نصيب إيران في المرحلة القادمة؛ فالعالم العربي في حالة من الضعف الشديد لن تمكنه من الصمود أمام المد الشيعي بقوة، وليس لهذا الأمر إلا أنت، فالحذرَ الحذرَ، ولتعلم -يا أيها الزعيم المسلم- أنك الآن أمل أهل السنة في العالم أجمع، وأن ظهورك في علاقة صداقة قوية مع زعماء الشيعة قد تهز صورتك عند الجموع الغفيرة من المسلمين السنة، فتكون خسارتك أكبر من مكاسبك، ونحن لا نريد لمثلكم ذلك.

 

الوصية السابعة: فلتحرص أيها القائد المحنك على توريث كل إمكانياتك وخبراتك إلى مَن بعدك، ولا أعني هنا أن تورِّث الحكم لأولادك كما اعتاد الضعفاء العرب أن يفعلوا الآن، ولكن أعني أن تهتم بتربية من يحمل الأمانة بعدك، فلا تفجع الأمة بذهابك دون بديل، فماذا لو جاء الأجل؟ وماذا لو انتهت فترة حكمك؟ وماذا لو حدث عارض -لا قدر الله- يؤذيك أو يضرك؟ أنا أعلم أن الأقدار بيد الله، وأعلم أن كثيرًا من العظماء ذهبوا ولم يذهب الإسلام والحمد لله، لكني رجل قرأت التاريخ، وعلمت أن السنن جارية لا تبديل لها ولا تغيير، وقد رأيت الأمة الإسلامية تثبت بعد وفاة العملاق عماد الدين زنكي؛ لأنه ربى عملاقًا آخر هو نور الدين محمود، ورأيت الأمة تثبت أيضًا بعد موت القائد الفذ نور الدين محمود؛ لأنه ربى الفاتح العظيم صلاح الدين الأيوبي. لكني -للأسف الشديد- رأيت الأمة تنهار وتتفكك بعد وفاة صلاح الدين الأيوبي؛ لأنه كان منشغلاً بالأمور العظيمة كتوحيد الأمة وجهاد الصليبيين، فغفل عن توريث خبرته وحكمته وإيمانياته وطرق إدارته وقيادته لغيره، ولا نريد ذلك لأمتنا بعدك يا أردوجان..

 

أنا أعلم أنك تحرص على لقاءات الشورى مع أقرانك الأمناء، وخاصة الرئيس القدير عبد الله جول، ووزير الخارجية المحنك أحمد أوغلو، لكن هذا لا يكفي، بل يجب تربية جيل كامل من الشباب على نفس منهجك ورؤيتك واستراتيجيتك، وليكن ضمن هذا الجيل بعض الكوادر الخاصة المهيئة لإدارة الدولة بكاملها، أو إدارة بعض القطاعات فيها، ولتحرص على عقيدة هؤلاء ودينهم كما تحرص على مهاراتهم وحرفيتهم، فنحن لا نريد أمانة على حساب قوة، ولا قوة على حساب أمانة، إنما يجب أن تعلم أن {خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص: 26].

 

الوصية الثامنة: أستاذي الجليل أردوجان، لا بد أن ترفع سقف طموحاتك، فنحن لا نريد منك دولة تركية قوية فقط، إنما نريد لك ما هو أكبر من ذلك وأعظم، فلماذا لا يكون لك دور في إصلاح الخلافات والنزاعات بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، حتى في الأماكن التي لا تطمح إلى نفوذ أو علاقات فيها؟ إنما تفعل ذلك لله عز وجل ، فما أعظم الأجر لمن يصلح بين رجلين! فما بالك بمن يصلح بين شعبين! إن لك ولتركيا ثقلاً لا ينكر، وهذا الثقل نعمة من الله تستحق الشكر، وشكرها يكون بصرفها في موضعها، فليكن لك اهتمام بإرساء السلام بين الشعوب الإسلامية المختلفة.. وليكن لك دور في الإصلاح بين الجزائر والمغرب، وليكن لك دور في الصحراء المغربية، وليكن لك دور في توحيد الفصائل الفلسطينية، وليكن لك دور في فض النزاع بين ليبيا وتشاد، وليكن لك دور في حل مشكلة الحوثيين في اليمن، وكذلك لتوحيد شعب السودان..

 

ثم لترتفع بسقف طموحاتك أكثر وأكثر وتسعى إلى توحيد الأمة الإسلامية، وما المانع أن تعود الخلافة من جديد في زمانك أو بعد زمانك بقليل؟ إنها ستعود حتمًا كما وعدنا الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم ، ولكن لا بد أن يكون لمثلك دور في عودتها، وليس بالضرورة أن تكون أنت على رأسها، فأنت رجل متجرد لله بإذن الله، فليكن على رأسها الأصلح في وقت قيامها، ولكن لا بد من بداية، ولا بد من خطوات، ولا بد من منهج، وأحسب أنك أقدر الأمة الآن على تدبير هذا الأمر وتنسيقه.. وأنا أعلم أن العالم لن يتركك، وأن أعداءك من غير المسلمين -بل ومن المسلمين- سيكثرون ويشتدون، لكننا نعلم أن الدعوات الصادقة يحاربها الأحمر والأسود من الناس، ولكننا نعلم كذلك أن النصر مع الصبر، وأن العاقبة للمتقين.

 

ولترفع سقف طموحاتك أكثر وأكثر وأكثر، ولتبدأ بنشر دعوة الإسلام في ربوع الدنيا، ولا ندعوك إلى سيف أو نزال، إنما بالتي هي أحسن، فلتفعل كما فعل سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم عندما أرسل رسائل إلى ملوك العالم وأباطرة وقياصرة وأكاسرة يدعوهم فيها إلى الإسلام، وكانت المدينة المنورة حينئذ أضعف من تركيا الحالية من ناحية السلاح والعتاد عشرات المرات، لكن قوة الإيمان حرَّكت هذه الدول الصغيرة لهداية العالمين.. وأنت الآن في مكانة مرموقة، ولك كلمة مسموعة، وقد رفع الله ذكرك في الشرق والغرب، فلا بد أنك مسئول يوم القيامة عن ذلك، فلا تكسل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا تجزع من كثرة الأعداء، ولا تحبط من ردود أفعال سلبية، أو استنكارٍ من بعض المساكين الذين لا يعرفون الله، وقد وصل أجدادك بالإسلام إلى أسوار فيينا، ووصلوا إلى البوسنة وكوسوفو، فلتصل أنت كذلك إلى غير ذلك من ربوع الدنيا..

 

وأنصحك أن تبدأ بأمريكا الجنوبية؛ فهي أرض بكر، وتاريخها مع الدول الاستعمارية الأوربية يؤهلها إلى الوقوف معك لا ضدك، وهم يحبون المسلمين بشكل عام، وليس لهم تاريخ من العداء معهم وبعضهم له مواقف أصيلة في نصرة قضايا المستضعفين في العالم، ومنها بعض المواقف ضد الكيان الصهيوني، وعندهم شورى حقيقية في معظم أقطارهم، وحتى الآن لم تصل إليها الدعوة الإسلامية كما ينبغي لبعد المسافات، وقلة الإمكانيات، وصعوبة اللغة، وهذا كله في يدك بإذن الله، فلترسل الدعاة تلو الدعاة، ولتُنشِئ المراكز تلو المراكز، ولتبعث بنفسك رسائل دعوة إلى الإسلام لعظمائهم وكبرائهم، ولتبدأ بشافيز رئيس فنزويلا؛ ففيه خير كثير إن شاء الله، وأحسب أنه لو علم الإسلام لاعتنقه، فهو يقوم بكثير من فروضه وأوامره غير أنه لا يوجِّه ذلك إلى الله عز وجل ، فلتكن عونًا له على الإيمان، ومن أدراك لعله إذا أسلم أن يسلم شعب فنزويلا بإسلامه، بل ولعل الإسلام يدخل إلى كل أمريكا الجنوبية، ويصبح هذا كله في ميزان حسناتك، وليس هذا على الله بعزيز! وقد تحولت شمال إفريقيا وغرب آسيا إلى الإسلام في سنوات معدودات ثم انتشر بعد ذلك في كل مكان، وكذلك تحول شرق أوربا زمان أجدادك العثمانيين الأبطال إلى الإسلام، ثم انتشر إلى ربوع أوربا..

 

إن نشر الإسلام هو أجلُّ مهام الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن بعده الصحابة الكرام y، ومن بعدهم المجاهدون الأبرار من أبناء هذه الأمة، وأحسبك منهم إن شاء الله، والله حسيبك.

 

الوصية التاسعة: اعلم -أيها القائد المسلم- أن كل ما سبق لا تقدر عليه بغير مدد من الله عز وجل ؛ فالكون كونه، والملك ملكه، ولا رادَّ لقضائه، ولا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه، فلا تمل من طرق بابه، ولا تكل من طلب رحمته وتوفيقه، وليكن لك خلوة مع الله في الثلث الأخير من الليل، فهي خير زادٍ لك في حياتك ومماتك، ولا تقولَنَّ لا وقت عندي لقيام الليل وأنا منشغل بهموم دولة؛ فقيام الليل دأب الصالحين، وزاد المجاهدين، وسعادة المحبين، ونجاة يوم الدين، وهي فرصة لتراجع كتاب ربك بعيدًا عن ضجيج الحياة، وبعيدًا أيضًا عن زيف السلطان، فلعل الله عز وجل أن يفتح لك فتوح العارفين، فتفهم ما لا يفهمه غيرك، وتدرك ما يعجز عن إدراكه القادة والمحللون، وكيف لا وأنت ستكون من أهل الله، فأهل القرآن هم أهل الله وخاصته، ولو أدركتَ متعة قيام الليل -سيدي أردوجان- ما قدرت على تركها، ولعلمت أنها خير من متاع الدنيا وزينتها، وليلهج لسانك دومًا بذكر الله، فهذا سيحفظك من كل سوء إن شاء الله، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك دومًا، وكذلك الصالحون معه ومن بعده، مع شدة انشغالهم وكثرة أعبائهم، وكان هذا هو سرَّ توفيقهم، وسبب نجاحهم.

 

الوصية العاشرة: المرء -أستاذي الجليل- قليل بنفسه، كثير بإخوانه، فلتحط نفسك ببطانة الخير، وليكن العلماء من أخص خواصك، وخاصة العلماء الربانيين الذين لا يطلبون مالاً، ولا يرغبون في سلطة، إنما يهدفون إلى نفع الأمة الإسلامية، والذين يحرصون على آخرتك أكثر من حرصهم على دنياك، ولئن تصحب أناسًا يخوِّفونك حتى تبلغ مأمنًا، خير لك من أن تصحب أناسًا يؤمِّنونك حتى تبلغ مخافة، والعلماء الصالحون كُثُر والحمد لله، ولا تكتفي بعلماء تركيا، ولكن انظر إلى علماء المسلمين جميعًا، فتواصل معهم، واطلب نصحهم، واسمع لهم، وتقبل منهم، واحرص على دعائهم؛ فإن لهم في الليل سهامًا لا تخطئ، والواحد منهم قد يشفع في أمة يوم القيامة، وهم على كل حال ورثة الأنبياء، وقادة الأمة، وهداية العالمين، فلا تفوتَنَّك صحبتهم، فهي أغلى من أموال الدنيا جميعًا.

كانت هذه هي وصيتي العاشرة لك -أستاذي الجليل- فتلك عشرة كاملة..

ولعل آخر ما أختم به رسالتي لك هو أن أعرب لك عن كامل فخري بك، وعظيم سعادتي بجهدك، وكم تمنيت أن ألقاك لأقبِّل رأسك، وأشدَّ على يدك، ولأقول لك: جزاك الله عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء!! فقد بيضت وجوهنا، ورفعت رأسنا، وشرحت صدورنا، وأسأل الله عز وجل أن يجعل نيتك صادقة وعملك صالحًا، وخاتمتك سعيدة، وآخرتك في صحبة سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وأسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين.

تلميذكم

راغب السرجاني

======================

المرأة في المزاد العلني

د. عائض القرني

الشرق الأوسط 29/5/2010

ظلمت المرأة عند الجهلة في مالها ثلاث مرات، مرة قبل زواجها يوم كان أبوها الجافي، وأخوها القاطع يحاسبانها في آخر كل شهر على راتبها، ويقتران عليها بالنفقة، وظلمت مرةً ثانية من زوج بخيل شحيح تسلط على مالها وحرمها حرية التصرف في ما تملكه، فصارت تنفق عليه، وهو يقابلها بالفظاظة والغلظة وصنوف الإيذاء، وظلمت مرة ثالثة لما طلقت فمنعت من أبسط حقوقها المالية، فخسرت المال والزوج والأطفال والبيت والحياة الأسرية، وبسبب مال المرأة مُنعت الكثيرات من الزواج؛ لأن الأب الشرس الكنود الجحود أراد أن يبقيها في بيته ليستفيد من دخلها الشهري، حتى ذهب شبابها وصارت عانسا، والمرأة مظلومة عند الكثير من القساة الجفاة الجهلة بالشريعة، فإن تأخر زواجها لسبب من الأسباب الخارجة عن إرادتها قالوا: عانس حائرة بائرة ولو أن فيها خيرا لتزوجت، وإن طُلقت قالوا: لو أن عندها بعد نظر، وحسن تبعُّل، وجميل خُلق، لما فارقها زوجها، وإن رُزقت كثيراً من الأبناء والبنات قالوا: ملأت البيت بالعيال، وأشغلت الزوج بالأطفال، وإن لم ترزق ذرية بأقدار إلهية، قالوا: هذه امرأة عقيم لا يمسكها إلا لئيم، والبقاء معها رأي سقيم، وإن تركت مواصلة التعليم وجلست في بيتها تشرف على أولادها قالوا: ناقصة المعرفة، ضحلة الثقافة، رفيقة جهل، وإن واصلت التعليم وازدادت من المعرفة قالوا: أهملت البيت، وضيعت الأسرة، وتجاهلت حقوق زوجها، وإن لم يكن عندها مال قالوا: حسيرة كسيرة فقيرة أشغلت زوجها بالطلبات وكثرة النفقات، وإن كان عندها مال وأرادت التجارة والبيع والشراء قالوا: تاجرة سافرة مرتحلة مسافرة، لا يقر لها قرار ولا تمكث في الدار، عقت الأنوثة وتنكرت للأمومة، وإن طالبت بحقوقها عند زوجها وأهلها قالوا: لو أن عندها ذوقا وحسن تصرف لنجحت في حياتها الزوجية ولكنها حمقاء خرقاء، وإن سكتت فصبرت على الظلم ورضيت بالضيم قالوا: جبانة رعديدة، لا همة لديها، ولا حيلة في يديها، وإذا ذهبت إلى القاضي ورفعت أمرها للحاكم قالوا: هل يعقل أن امرأة شريفة عفيفة تنشر أسرارها عند القضاة وتشكو زوجها وذويها عند المحاكم؟ أين العقل الحصيف؟ وأين العرض الشريف؟ وإنما يحصل هذا الظلم والإقصاء والتهميش للمرأة في المجتمعات الجاهلة الغبية، فهي عندهم من سقط المتاع، ومن أثاث البيت تُورث كما تورث الدابة ويُنظر إليها على أنها ناقصة الأهلية قليلة الحيلة ضعيفة التكوين تحتاج إلى تدبير وتقويم وتوجيه وتهذيب وتعزير، بل بعض المتخلفين الحمقى لا يذكرها باسمها في المجالس بل يعرض ويلمح ويقول مثلا: (المكلف)، (والحرمة)، و(المرأة أكرمكم الله)، و(راعية البيت) لئلا يفتضح بذكر اسمها. وهذه غاية النذالة، ونهاية الرذالة، وهي مخلوق كريم، وجنس عظيم، فالنساء شقائق الرجال، وأمهات الأبطال، ومدارس المجد، وصانعات التاريخ، وشجرات العز، وحدائق النبل والكرم، ومعادن الفضل والشيم، وهن أمهات الأنبياء، ومرضعات العظماء، وحاضنات الأولياء، ومربيات الحكماء، فكل عظيم وراءه امرأة، وكل مقدام خلفه أم حازمة، وكل نازح معه زوجة مثابرة، فهنّ مهبط الطهر، وميلاد الحنان والرحمة، ومشرق البر والصلة، ومنبع الإلهام والعبقرية، وقصة الصبر والكفاح، فلا جمال للحياة إلا بالمرأة، ولا راحة في الدنيا إلا بالأنثى الحنون، فآدم لم يسكن في الجنة حتى خلق الله له حواء، ورسولنا صلى الله عليه وسلم هو أبو البنات العفيفات الشريفات ذرف من أجلهن الدموع، ووقف لأجل عيونهن في الجموع، وسجل أعظم قصة من البر والإكرام والاحترام والتقدير للمرأة أما وأختا وزوجة وبنتا، فيا أيها المتنكرون لحقوق المرأة لقد ظلمتم القيم وعققتم الفضيلة، وجهلتم الشريعة، ونقضتم عقد الوفاء، ونكثتم ميثاق الشرف، فأنتم خاسرون لأنكم ناقصون، ناديتم على أنفسكم بالجهل والغباء، وحكمتم على عقولكم بالتخلف والحمق، فتبا لمن ظلم المرأة وسحقا لمن سلبها حقوقها.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ