ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 22/06/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الفرنسيون إذ يعلنون الحرب على «الأقصى» من جديد

زياد أبو غنيمة

الدستور

21-6-2010

شكرا لغباء الفرنسيين ، كلما كدنا ننسى جرائمهم بحق أمتنا بانشغالنا بجرائم الصهاينة والأمريكان يتفتق غباؤهم عن جريمة جديدة تعيد تذكيرنا بمسلسل طويل من الجرائم الفرنسية بحق أمتنا على مدى العصور ، القرار الجريمة الذي اتخذه قبل أيام مجلس الفضاء الفرنسي بإيقاف بث قناة الأقصى الفضائية يعيد تذكيرنا بأن أول نداء لغزو وطننا العربي كان قد انطلق من فرنسا حين ركب الراهب بطرس الناسك حماره متجولا ليجمع حوله 25 ألفا يرفعون فوق رؤوسهم الصليب ، وصاحب الصليب منهم ومن حملاتهم براء ، لينطلق بهم نحو وطننا العربي ينشرون في طريقهم حيثما مرُّوا الخراب والقتل والنهب حتى ضدَّ أبناء دينهم ( المجر ، الصرب ، اليونان ، القسطنطينية ، آسيا الصغري) ، إلى أن سحقهم السلاجقة الأتراك في 21 تشرين الأول من عام 1096 م ، ويعيد تذكيرنا بأن أول حملة رسمية من حملات الفرنجة انطلقت من اللورين بفرنسا في شهر آب من عام 1096 م بقيادة جودفري دي بوبون الرابع وتمكنت من احتلال القدس في 15 تموز من عام 1099 م ، وارتكبوا فيها مذبحة قضت على سكانها المسلمين جميعًا رجالا ونساءً وأطفالا وكهولا ، واستباحوا مدينة القدس أسبوعًا حتى قتلوا في ساحة الأقصى فقط سبعين ألفًا من المسلمين ، ثمَّ أقاموا دولتهم الكبرى المعروفة باسم مملكة القدس اللاتينية ، ويُذكرنا أن ملك فرنسا لويس السابع كان من أبرز قادة حملة الفرنجة الثانية التي انطلقت نحو وطننا العربي في عام 1147 م ، وعندما وجه البابا غريغوريوس الثامن في عام 1187 م نداءا إلى ملوك أوروبا للإنطلاق في حملة ثالثة لإعادة احتلال القدس الشريف بعد أن حرَّرها البطل صلاح الدين الأيوبي في 2 تشرين الأول من عام 1187 م كان ملك فرنسا فيليب أوغست من أوائل ملوك أوروبا استجابة لنداء البابا ، وعندما حرَّر المسلمون بيت المقدس من الفرنجة في عام 1244 م بعد أن كان حاكم دمشق الملك الكامل قد سلمها لإمبراطور ألمانيا فريدريك الثاني هوهنشتاوفن بدون قتال نكاية بشقيقه حاكم مصر الملك الصالح كان ملك فرنسا لويس التاسع على رأس حملة الفرنجة السابعة التي انطلقت نحو وطننا العربي في عام 1248 م لإعادة احتلال بيت المقدس ولكن المسلمين بقيادة الملك المعظم توران شاه نجحوا في تدمير الحملة وفي حصر بقاياها في المنصورة حتى استسلموا ، ووقع الملك لويس التاسع في الأسر إلى عام 1250 م حيث عاد إلى عكا بعد دفع فدية وبقي فيها 4 سنوات قبل أن يعود إلى فرنسا لينطلق منها من جديد على رأس حملة ثامنة في عام 1270 م ولكنه بدل أن يتوجه إلى بيت المقدس توجَّه إلى تونس ، تلك هي جردة سريعة لدور الفرنسيين في إحدى أبشع الجرائم التي عرفتها البشرية ، جريمة حملات الفرنجة التي ارتكبت فيها ضدَّ العرب والمسلمين أبشع المجازر الدموية .

 

على صعيد الدعم الفرنسي للصهاينة فحدًّث ولا حرج ، يكفي أن نعرف أن الوعد الفرنسي لليهود بإقامة دولة لهم على أرض فلسطين سبق وعد بَلفور الإنجليزي 118 عاما ، ففي الرابع من أبريل من عام 1799 م وجه الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت أثناء حصاره الفاشل لعكا نداء إلى اليهود لمساعدته في احتلال الوطن العربي مقابل تعهده لهم بمساعدتهم على إقامة دولة لهم في فلسطين ، وجاء في نداء نابيليون :"يا شعب إسرائيل ، يا ورثة فلسطين الشرعيين ، إن فرنسا تناديكم الآن للعمل على إعادة إحتلال وطنكم لتستردوا ما سُلب منكم بالغزو ، أسرعوا فقد حانت اللحظة للمطالبة باسترداد حقوقكم وكيانكم السياسي على أرض إسرائيل كأمة إلى الأبد " ، ولم يعد سرَّا أن أبالسة الصهيونية العالمية كانوا وراء هذه الوعد الفرنسي ، وأن اليهودي الفرنسي فنتور أستاذ اللغات الشرقية بجامعة باريس والمتبحر باللغة العبرية شارك في صياغة نداء نابليون ، وقد نشر نداء نابليون ( وعد نابليون ) في الجريدة الرسمية الفرنسية يوم 20 نيسان من عام 1799 م .

في المقال القادم سأنبش بإذن الله عزَّ وجلَّ مزيدا من جرائم الفرنسيين ضدَّ أمتنا ووطننا .

===============

تركيا والمشهد الاقليمي في الشرق الاوسط.. صفيح ساخن وازمات تهدد بانفجارات متلاحقة

د. عبد الله تركماني

6/21/2010

القدس العربي

كثر الحديث عن تركيا وتحركاتها الديناميكية مما يثير بعض الأسئلة: في أي اتجاه تتحرك تركيا؟ وما الذي تريده؟ وما هي التوقعات للمستقبل القريب في ضوء ذلك؟

إنّ تركيا تطمح لأن تأخذ مكانتها كقوة إقليمية رئيسية، ومن أجل ذلك تتحرك كدولة براغماتية ديمقراطية تطوي صفحة الماضي وتسعى للمصالحة والانفتاح على الجميع، الأمر الذي يفسر تحركاتها تجاه دول متضاربة السياسات والأيديولوجيات بطيف يبدأ من الدول العربية كسورية والعراق ودول الإقليم الأخرى كإيران وحتى إسرائيل، وإلى دول آسيا الوسطى ومنطقة القوقاز كما تجلى في المصالحة مع أرمينيا والمضي في الطريق نفسه مع اليونان.

لقد طرأت على البيئة الجيو - سياسية لتركيا تبدلات ملحوظة نتيجة الانقلاب المذهل في النظام الشامل للعلاقات الدولية، انطلاقاً من نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي وحرب الخليج الثانية، وصولاً إلى الاحتلال الأمريكي للعراق. وتوحي الاستجابة لهذه التغيّرات العالمية والإقليمية، التي تزامنت داخل تركيا مع تحول في المناخ السياسي وإصلاحات هيكلية، بأنّ تركيا أخذت تختبر مرحلة انتقالية في علاقاتها الإقليمية والدولية. وقد تبدو المقاربة عسيرة أحياناً، بسبب الجمود الظاهر في نظرية السياسة الخارجية، عقب عقود من ممارسة التوازن السلبي الذي طبع الدور الإقليمي لتركيا، جاعلاً منها أداة الدفاع عن دولة موروثة من إمبراطورية منهارة.

إنّ السياسات التركية، منذ تسلم حزب 'العدالة والتنمية' لمقاليد الحكم في العام 2002، لا يمكن اعتبارها خطوات أو توجهات عفوية مرتبطة بأمزجة شخصية للقيادة، بقدر ما هي خطوات عملية تنطلق من استراتيجية جديدة، عناوينها الرئيسية تتمثل في: ممارسة سياسة مستقلة، بعيداً عن الالتحاق الكامل بالغرب والولايات المتحدة الأمريكية تحديداً، تجاه المستجدات السياسية الدولية، وانتهاج سياسة متوازنة في المنطقة هدفها تحقيق التقارب مع العالم العربي ومع دول الجوار بشكل خاص، والابتعاد ما أمكن عن التحالف مع إسرائيل في محاولة لإعادة الوجه التاريخي لتركيا، باعتبارها إحدى الدول الأساسية في المنطقة.

وهكذا، لا يستقيم الآن تحليل المشهد الإقليمي في الشرق الأوسط بدون تركيا وحضورها فيه، لذلك يبدو التأمل في المشهد التركي الجديد ضرورياً لفهم مدركات تركيا لدورها والرؤى الجديدة التي ترسم سياستها الشرق أوسطية، وذلك كله سيشكل مدخلاً أساسياً للتعامل مع الواقع الجديد الذي تفرضه الآن في المنطقة.

منذ أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها لم تكن منطقة الشرق الأوسط متأججة فيها حمَّى الجغرافيا السياسية مثلما هي عليه الآن، فالمشهد السياسي لم يعد مقتصراً على قضية الصراع العربي - الإسرائيلي فقط، بل طفت على السطح مسائل أخرى ذات أهمية مثل 'المسألة اللبنانية'و'المسألة العراقية'و'المسألة الإيرانية' و 'المسألة السودانية' و 'المسألة اليمنية'. ولم يعد الأمر يقتصر على ذلك، فالكلام مشْرَعٌ على 'مسألة سنّية' و 'مسألة شيعية'. بحيث تبدو المنطقة الممتدة ما بين الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط وحتى الهند وباكستان وكأنها موضوعة على 'صفيح ساخن'، صفيح أزمات متواترة تهدد بانفجارات متلاحقة.

وعليه فإنّ الكثير من دول المنطقة شرعت في الانخراط بسلسلة من الاتفاقيات الثنائية المفتوحة أمام كل دول الجوار، من أجل صياغة نمط جديد من العلاقات السياسية، بعيداً عن المشاريع الهلامية التي تسعى الدول الكبرى إلى فرضها من أجل إحكام سيطرتها على هذه المنطقة الحيوية من العالم. وتبدو تركيا، في حركتها الواسعة على امتداد حدودها الجيو - سياسية والجيو - استراتيجية والاقتصادية والأمنية، في موقع من يؤسس لمستقبل تركي وازن في القرن الحادي والعشرين.

وفي الواقع تتوقف مكانة القوى الإقليمية في المنطقة على وعي مراكز الثقل الإقليمية بالتحولات الاستراتيجية التي بدأت بالتشكل منذ سقوط جدار برلين في العام 1989، وعلى سعيها لتعزيز مصالحها بالشراكات الإقليمية، والأهم من هذا وذاك التوظيف العقلاني المجدي لمواردها الاقتصادية والبشرية ولموقعها الجغرا - سياسي. وفي محاولتنا مقاربة تعاظم الدور الإقليمي لتركيا يجدر بنا أن نلاحظ: أولاً، أنّ السياسة الدولية لا تعرف حدوداً لحركة الدول، المهم فيها هو الإرادة والتصميم والهدف الواضح، والرؤية الثاقبة والتوظيف الأمثل لعوامل القوة المتاحة. وثانياً، أنه على درجة المسؤولية التي تظهرها النخب الحاكمة، وعلى القدرة التي تبديها في جعل مصالح شعوبها في اتساق وتطابق مع مصالح المجموعة الدولية عموماً والشعوب المحيطة بها بشكل خاص، تتوقف فرصتها في الحصول على موقع في هذه الشراكة. وبقدر ما يكون للدولة من مشاركة إيجابية في بناء إطار فعّال وناجع للتعاون الإقليمي، وبالتالي بقدر ما تساهم في تحسين فرص التنمية عند المجتمعات المحيطة بها وليس فقط داخل حدودها، تحظى بقدر أكبر من المصداقية ، وتزداد فرص حصولها على الشرعية العالمية.

وعند التأمل بما تقوم به السياسات الإيرانية والإسرائيلية والتركية فإننا نكون أمام مشهد محبط حقاً، بالمقارنة مع العجز العربي الجماعي والمطبق. حيث تسهر هذه الدول الثلاث على رسم استراتيجيات إقليمية تعزز من حضورها وقدراتها القيادية ونفوذها، فيما تنام الدول العربية على وسائد الكسل والعجز والانتظار الذي لا يستطيع أحد فك لغزه.

ومن بين اللاعبين الإقليميين الثلاثة الرئيسيين في منطقة الشرق الأوسط تبرز تركيا بأنها الدولة الأكثر حيادية بين جميع الأطراف، والأكثر قرباً وسلماً مع العالم العربي. ففي الوقت الذي تمثل فيه إسرائيل طرفاً غير مرغوب فيه إقليمياً، وإيران طرف غير موثوق فيه، وفي ظل غياب طرف عربي يمكن أن يكون لاعباً إقليمياً فاعلاً في المنطقة، فإنّ تركيا تحاول أن تبرز نفسها كلاعب يمكن أن يكون مرغوباً وموثوقاً فيه أكثر من غيره في المنطقة.

وفي الواقع تعتبر تركيا من الدول التي تتمتع بوفرة الخيارات الاستراتيجية بسبب امتداد عمقها الاستراتيجي في العديد من الأقاليم المجاورة، الأمر الذي يفرض عليها أن تكون عضواً فاعلاً في العديد من النظم الإقليمية. وهي لم تدخر جهداً أو فرصة لوضع قدميها في المنطقة من خلال الأخذ بالمبادرات والعمل المنظم، الذي يبدو من الواضح أنه يتبع منهجية فكرية وبعداً استراتيجياً يهدف لإعادة وضع تركيا على خريطة المنطقة، لا كقوة إقليمية فقط وإنما كلاعب رئيسي يملك مفاتيح وخيوط اللعبة.

ويساعد تركيا في هذا الجانب موقعها الجغرافي، فهي على تماس مع الحدود الشمالية لكل من سورية والعراق، والشمالية الغربية لإيران، وهي على تماس أيضاً مع القوقاز الجنوبي، ومع روسيا عند حدود البحر الأسود.

ومن جهة أخرى تقدم أنموذجاً جيداً للعمل السياسي الحكيم الذي يتخذ من الإسلام وعاءً ثقافياً عظيماً، ويحاول أن يتعايش مع العصر، عبر الآليات الديمقراطية، وبناء هياكل سياسية تعمل على إيجاد حلول وسط للمشكلات التي تعاني منها تركيا. كما تعمل على تعديل جوهري في المشهدين الإقليمي والدولي، وفي تصفير خلافاتها مع دول جوارها الإقليمي مع تنمية علاقاتها البينية بشكل شمولي واستراتيجي.

وترتكز السياسة الخارجية التركية على الرؤية المؤسِّسة لدور تركيا في محيطها الإقليمي وهي فكرة ' العمق الإستراتيجي' التي صاغها، في كتاب يحمل الاسم نفسه، مفكر تركيا الاستراتيجي أحمد داود أوغلو الذي أصبح وزيراً لخارجيتها. ويقول مقتضى الفكرة المؤسِّسة بأنّ الابتعاد النسبي عن المحاور، والمقترن باقتراب محسوب من قضايا الجوار وتنويع التحالفات الإقليمية والدولية، سيمكّن تركيا من استخدام أمثل لعمقها الاستراتيجي في التأثير على الفاعلين الإقليميين والدوليين. ويجادل مهندسو السياسة الخارجية لحزب ' العدالة والتنمية ' في أنه في حالة ازدهار الدول المجاورة لتركيا، فإنها ستصبح أكثر سلمية، ما سينعكس إيجاباً على الأمن القومي التركي ويوفر بيئة إقليمية أكثر ملاءمة للسلام. ففي عالم ما بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001 ذهبت تركيا إلى أفغانستان، وأعطت بذلك دليلاً على عدم تنكرها لالتزاماتها كدولة عضو في حلف شمالي الأطلسي، وفي الوقت نفسه أظهرت، إبان الاستعدادات الأمريكية لغزو العراق، أنها قادرة على الامتناع عن لعب أدوار لا تتوافق مع قراءتها لحساباتها الإقليمية ومصالحها.

ويمكن تفسير هذه المقاربات التركية بتغيّرات عالم ما بعد الحرب الباردة، أو بالتناقضات التي وجدت أغلب الدول الإقليمية نفسها فيها مع الإدارة الأمريكية، بعد أن أتت بقواتها إلى قلب منطقة الشرق الأوسط، وأصبح لها نظرة أخرى للمنطقة ولأدوار دولها الإقليمية.

لقد أدركت تركيا إمكانياتها الإقليمية والظروف الموضوعية المحيطة بها وقدراتها المختزنة، والشرط الإقليمي والدولي الموائم لها كي تلعب دورها الإقليمي باقتدار، وتشكل قوة مهمة ذات تأثير يصعب تجاهله في وسط آسيا والعالمين العربي والإسلامي ومنطقة القوقاز المجاورة لها وبالتالي في السياسة الدولية. ولا شك أنه إذا استفادت السياسة التركية من هذه الظروف، إضافة إلى إمكانياتها وقدراتها، سيدرك الأوروبيون عند ذلك أهمية التودد إليها واحترام آرائها ومصالحها، وستجدهم يسعون لإدخالها في اتحادهم.

والآن تعمل تركيا جاهدة لاستعادة دورها ووزنها كقوة إقليمية في الشرق الأوسط، ويبدو أنّ محاولاتها لاستعادة هذا الدور تأتي في ظل ظروف إقليمية ودولية مؤاتية جداً، لا سيما أنّ الولايات المتحدة الأمريكية مرتاحة لهذا الدور وتنظر إليه بشكل إيجابي، حيث أنّ مشاركة تركيا في البحث عن مخارج للأزمات الإقليمية الراهنة يساهم في إيجاد توازن جديد للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة. ولا شك أنّ القيادة التركية استوعبت معنى الكلام الأمريكي عن أنّ المهمات تحدد التحالفات لا العكس، وأنّ ذلك، في شروط ما بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001، يزيد من حساسية الدور التركي.

أما بالنسبة للدور الإقليمي، فقد أدركت أنّ الدور الإقليمي يقوم - أساساً - على إدراك المصالح والسعي لتحقيقها، والتعاون والاعتماد المتبادل لإنجاز ما يمكن إنجازه بتكاليف وأوقات وجهود أقل، لا يمكن إنجازه بغير العمل الإقليمي المشترك. كما يقوم على حراك طبيعي واجتماعي ترعاه الحكومات بالتشريعات والتسهيلات الممكنة، ضمن شروط جغرافية وجغرا - سياسية وتاريخية واستراتيجية، وهو أمر لا يتحقق بالأماني السياسية والضغوط الآنية وردود الأفعال والهبّات العاطفية والإملاءات الخارجية، ولا بالقوة والقهر بطبيعة الحال.

لقد واجهت تركيا جملة من الصعوبات على صعيد تطوير سياسة إقليمية شاملة قادرة على تلبية مصالحها في المنطقة، وكان عليها لتحقيق أهدافها في الشرق الأوسط أن تعدل من خططها وسياساتها، وأن تشهد قدراً غير قليل من التكييف بما يجعلها متناغمة مع سياقها. خاصة أنّ إشكالياتها مع محيطها الإقليمي كانت متعددة: أولها، التورط العميق في شمال العراق، غير المرحب به من قبل سورية وإيران. وثانيها، العلاقة مع إسرائيل وما شكلته من تعقيد في علاقات تركيا مع الدول العربية. وثالثها، التوتر القائم مع سورية والعراق حول مياه نهري دجلة والفرات. ورابعها، الصعوبات التي واجهتها تركيا على صعيد تحقيق التوازن مع إيران. وخامسها، التوتر التركي - اليوناني، بسبب المسألة القبرصية.

والآن تتحرّك تركيا في الإقليم الشرق الأوسطي كما لو أنها قائد فعلي لدوله ولنظامه المتداعي، أو كمبادِرة لحل أزماته المتفاقمة على شتى الأصعدة، لا سيما ما خص مشكلات كبيرة ومزمنة كالتوسط والإشراف على المفاوضات السورية - الإسرائيلية والملف النووي الإيراني، فضلاً عن تدخلها المتواصل في العراق الذي تعتبره بمثابة مجالها الحيوي المباشر ومن ضمن جغرافيتها السياسية إنْ لم تكن الطبيعية. والمؤشر الذي لا يخطئ هو صعود الدور التركي على مسرح الشرق الأوسط واستحالته عاملاً معادلاً، وربما رادعاً إيجابياً، للدور الإيراني.

ولا شك أنّ تخفيف تركيا لعبء علاقاتها مع إسرائيل يتيح لها لعب دور الدولة الإقليمية الوازنة في محيطها، وقد ذهبت بالتخفف من هذا العبء إلى رفض المحاولات الإسرائيلية محاصرة إيران بالأعداء بسبب برنامجها النووي، بل تسعى مع الآخرين إلى إبقائه سلمياً، من دون العمل على تغيير النظام، أو اللجوء إلى ضرب إيران الذي ستكون له مضاعفات كارثية في المنطقة. وفي المقابل لاشك أنّ تركيا قلقة من تعاظم دور إيران في المنطقة ونجاحها في توسيع نفوذها والإمساك بأوراق أساسية في العراق ولبنان وفلسطين، إلى جانب أنّ مشروعها النووي يداعب خيال قطاعات واسعة من شعوب المنطقة المثقلة بالغضب على السياسة الأمريكية.

وهكذا، تدور في كثير من الأوساط والمنتديات الفكرية والسياسية العربية نقاشات واسعة حول الدورين التركي والإيراني وتأثيرهما الاستراتيجي على مستقبل الشرق الأوسط. وفي مقابل هذا الصعود للقوتين التركية والإيرانية ثمة تراجع عربي واضح، فالانقسام بين الدول العربية لم يعد خافياً على أحد، ولم يعد أحد يحرص على إخفائه. حيث تتجه منطقة الشرق الأوسط نحو تكتل يضم تركيا وسورية وإيران والعراق، ليكون ركيزة النظام الإقليمي الذي سينشأ على أنقاض الانسحاب الأمريكي العسكري من العراق.

وبقدر ما أنّ هناك فراغ قوة وفراغ قيادة جماعية في النظام الإقليمي العربي، بعد انكسار التفاهم الثلاثي المصري  السعودي  السوري الذي كان يشكل بوصلة لأجندة النظام الإقليمي العربي وأولوياته. بقدر ذلك كله يتعاظم الطلب على دور تركيا ويزداد نفوذها، بسبب موقعها في وسط شبكة التفاعلات الدولية والإقليمية الكثيفة وديبلوماسيتها النشطة.

' كاتب وباحث سوري مقيم في تونس

===============

اساطيل الحرية تجدد صراع الهويات!

محمد صادق الحسيني

6/21/2010

القدس العربي

ثمة جدل مثير وساخن لدرجة 'صك الحديد بالحديد' في الشارع الاسلامي العريض بين نخب مسلمة من اشباه المثقفين واشباه علماء الدين ممن ينتمون الى مدرسة القراءة 'الرحمانية' للدين كما يسمونها والتي تدعو الى نبذ 'التشدد' والتزام منهج الدعة والقعود عن نصرة المظلوم وعدم التصادم مع الغرب الاستعماري وادواته الاقليمية بحجة ان موازين القوى الاقليمية والعالمية لا تسمح بذلك وان المطلوب هو المحافظة على الحد الادنى من الدين والالتزام الديني والوطني متمثلا بعلاقة الفرد بربه والاكتفاء تاليا بشعار 'مصلحة الدولة القطرية اولا '، وبين جيل جديد من المثقفين المتنورين وعلماء دين ثوريين جدد من اهل البصائر والعزائم ممن يرون بان الفرصة باتت مؤاتية اكثر من اي وقت مضى امام الامة وجمهورها العريض للاستعداد ليوم الزحف الاكبر على قوى الهيمنة والاستعمار وادواتهما الاقليمية والمحلية.

ان حالة ايران المتمردة على قوى الطغيان العالمي وان تبلورت في الظاهر بشكل نزاع حول طموحاتها النووية المشروعة وعزمها الراسخ على انتزاع حقوقها من حلقوم ما بات يسمى بالمجتمع الدولي، لكن الكامن في اعماقها هو ذلك التصميم الاكيد لقيادتها العليا كما لجمهورها الواسع على ضرورة تجديد البيعة مع دينها كما مع قادتها الثوار الاوائل، ومع منظومة قيمها الثورية التي كانت الاساس لقيام دولتها الحديثة!

ففي السنة التي مضت كان من السهل على المتتبع لاحوال الحراك النخبوي في ايران ان يقرأ في عيون الاجيال الثورية الجديدة وكأن علي شريعتي يعود اليها مرة اخرى وبقوة طالبا منها الثورة على الموروث من التقاليد ولكن هذه المرة على 'شورى التجار' المتجددة في اصحاب المراجعات من الذين ترهلت عقولهم وافئدتهم، ومطالبا اياها ايضا اعلان انتمائها من جديد الى مدرسة ابي ذر الغفاري الثورية التي رفضت الانحناء امام سلطة القبيلة والحزب والعشيرة ونذرت نفسها قربانا في مذبح الفداء والايثار!

تماما وكأن الامام الخميني هو الآخر ينهض من جديد ليقول للسواد الاعظم من جمهور الجيلين الثالث والرابع للثورة، بانه ها قد حان من جديد موعد القيام على الموروث من العادات والتقاليد من 'فقه الانتظار السلبي' الذي هزمته الثورة فيما هو يحاول الظهور من جديد بلباس بعض رجال الدين واشباه المثقفين، تماما كما قد حان موعد البيعة مجددا مع الاسلام الثوري المحمدي الاصيل، اسلام الحفاة والفقراء والمستضعفين، الاسلام العابر للاعراق والحدود اسلام الدفاع عن فلسطين والاستشهاد في سبيلها، في مقابل اسلام قراءة الفاتحة في المقابر والمناسبات، وباختصار شديد 'الاسلام الامريكي' المستورد من ما وراء البحار!

ليس هذا هو وصف حال مخاصمات وسجالات النخب المتشبهة بالغرب مع السواد الاعظم من جيل الشباب في ايران فحسب بل هي حالهم كما اظن وازعم في كل قطر من اقطار العالم الاسلامي، وليس ما يحصل في تركيا من حراك ثوري رائع من اجل الدفاع عن ذلك الاسلام الحر والمحمدي الاصيل العابر للقوميات والحدود والمتصل بام القضايا في فلسطين عبر اسطول الحرية وتداعياته المتسارعة الا احد اشكال تمظهر تلك الحالة المتأججة لدى شباب العالم الاسلامي من جبال الاطلس غربا الى سور الصين العظيم شرقا!

لقد اقتربت الساعة وانشقت النخب الحاكمة وتشظت سلطاتها المنتشرة على طول الوطن العربي والاسلامي الكبير، فيما تستعد موجات جديدة من جمهور العامة من الناس متحالفة مع نخبها الجماهيرية الصاعدة معها وبها الى اساطيل الحرية للابحار نحو فلسطين، حيث المحك الحقيقي بين الثرثرة، وبين العمل الجاد والاقدام المباشر من اجل نصرة قضية الامة الاولى التي تبقى وحدها هي من في قدرتها ان تخفض ملوكا ورؤساء دول وترفع آخرين!

كل ذلك لان مستوى الصراع بيننا وبين العدو الاستعماري حول الهويات والخيارات الحضارية وحجمه وكثافته وتراكمه غدا عالميا بامتياز، ولم يعد محصورا بين اسوار قطر بعينه، فضلا عن حصره بين جدران طائفة او مذهب او قبيلة او عشيرة او حزب ايا كانت حدود هذه الفئة او تلك متسعة، فما بالك لو ضاقت الى درجة 'انا اولا'!

انه ذلك الكم الهائل من الشعور والمشاعر المتقدة والمتدافعة، والتي قد لا تلمسها في ادبيات مدعي تمثيل هذه الجماهير العريضة وما اكثرهم، لكنك تلمسها قطعا وهي تتفجر في لحظات قيامة الامم والشعوب في كل الشوارع والازقة والحارات دفاعا عن الهوية والكرامة.

وهاهي تلك المشاعر الجياشة اليوم تمخر عباب البحار لتصل الى القارات الخمس وتسري في قلوب الناس وافئدتهم كالنار في الهشيم، والتي لا ولن تستطيع اي قوة في العالم بعد اليوم مهما كانت مدججة باسلحة الدمار الشامل ان تحد من سرعة انتشارها!

انها المشاعر التي تحولت الى حزب عالمي مهمته الدفاع عن مظلومية الشعب الفلسطيني التاريخية لتصبح تلك المظلومية بدورها اوراقا ثبوتية تبلور مواطنية جديدة ل'دولة' تتشكل في الوجدان والضمير العالمي عابرة للحدود والقوميات يفخر بالانتماء اليها كل احرار العالم دون تمييز!

وقبلة اولئك جميعا باتت فلسطين بامتياز وبيت المقدس في القلب والفؤاد وغزة في مرمى البصر والبصيرة، بعد ان ضج العالم كله من هول جرائم حكام الكيان الاسرائيلي الصهيوني من النازيين الجدد ما دفع الطليعة منهم ان يعملوا بكل ما اوتوا من حيلة وقوة لوضع حد لهذه الغدة السرطانية مرة واحدة والى الابد!

واذ كنا نأمل بان اساطيل الحرية ستحرر كل من لا يزال في عقله شك في عدالة ام القضايا العالمية، فاننا في الوقت نفسه متيقنون بان البحر سيغرق القتلة والمجرمين مهما حاولوا وقف امواجه، ومداد هذا البحر سيكتب باذن الله نهاية تلك 'الفزاعة' التي صنعها الغرب يوما لحاجة في نفس يعقوب وهاهي اليوم تؤرقه، بعد ان تحولت الى عبء ثقيل عليه.

===============

أميركا والصين... وإدارة التنافس في الخليج !

* ستيف يتيف

الرأي الاردنية

21-6-2010

من واشنطن إلى بكين فباريس، يواصل القادة طرح الساسة وقادة الرأي السؤال الأكثر أهمية في عصرنا الحالي: هل يرجح تعاون واشنطن وبكين، أم يتوقع تحولهما إلى خصمين لدودين؟ وفي الإجابة عن هذا السؤال لا يزال الجزء الأعظم على المحك.. بما فيه بالطبع: القدرة على التصدي للأزمات المالية العالمية، وديون أميركا الضخمة، وأمن الطاقة العالمية، والتصدي لظاهرة التغير المناخي، والانتشار النووي، والمشكلات التي تطرحها الدول المارقة مثل كوريا الشمالية على الأمن والسلم الدوليين.

وتتوقف طبيعة العلاقة المتوقعة بين الدولتين إلى حد كبير على الكيفية التي تقرأ كل من واشنطن وبكين بها وتديران الصعود الصيني باعتباره واقعاً، مع الأخذ في الاعتبار بمصالحهما النفطية.

ولا حاجة للتذكير بأن الصين تمكنت من التحول إلى قوة اقتصادية دولية يحسب لها ألف حساب.

ويتنبأ دليل العالم الذي تصدره وكالة «سي آي إيه» بأن يتجاوز الاقتصاد الصيني نظيره الأميركي بحلول منتصف القرن الحالي، على رغم بقاء مستوى دخل الفرد الصيني في مرتبة أدنى من دخل الفرد الأميركي.

ومن الطبيعي أن نتوقع أن يصحب استمرار نمو الصين دخولها حلبة التنافس مع الولايات المتحدة في عدة مجالات ومستويات، بما في ذلك السيطرة الاستراتيجية على موارد النفط في منطقة الشرق الأوسط.

وكان «دينج زياوبنج» -القائد الصيني الشهير- قد أطلق سياسة الأبواب الصينية المفتوحة في عام 1978 الهادفة إلى فتح البلاد على بقية دول العالم ومحاولة اللحاق بالاقتصادات الغربية.

غير أن النجاح الاقتصادي الذي حققته الصين خلال العقود الأخيرة زاد من طلبها على النفط بشكل كبير. وفيما لو استمر معدل النمو الحالي، فستعتمد الصين على النفط الخليجي لسد ثلث حاجتها أو ما يزيد عن ذلك من الطاقة بحلول عام 2025. وإدراكاً منها لهذه الحقيقة، رأت الصين ضرورة إجراء تغيير في نهج تعاملها مع المنطقة.

فخلال الخمس والعشرين سنة الماضية عمدت الصين إلى توسيع علاقاتها السياسية ونشاطها الاقتصادي التجاري مع الشرق أوسط، إضافة إلى زيادة مبيعاتها من الأسلحة للعديد من دول المنطقة، لاسيما السعودية وإيران.

ولكن ما يثير ضيق واشنطن هو أن مصالح بكين ذات الصلة بالنفط والغاز الطبيعي المشتركة مع إيران هي التي تجعلها أكثر تردداً من اتخاذ موقف ضد طهران بشأن مساعي لجم برنامجها النووية.

كما لم تكن للصين في الماضي أية قدرات عسكرية قريبة من منطقة الخليج العربي ناهيك عن أي وجود عسكري لها فيه. ولكنها تسعى اليوم إلى توسيع وجودها العسكري البحري بعيداً جداً عن حدودها. ولن يقتصر هذا الوجود على خطوط الملاحة في المحيط الهادي فحسب، بل يتوقع له أن يصل حتى مياه العديد من الدول الشرق أوسطية. وتسمي الصين هذا النهج الجديد باستراتيجية «دفاع البحار البعيدة».

وقد واصلت الصين بناء قدراتها البحرية هذه خدمة لاستراتيجيتها الجديدة، أي بناء سفن حربية ترمز إلى قوة الصين الوطنية وجبروتها.

وخلال السنوات القريبة الماضية بنت الصين ميناء «جادوار» في باكستان، وهو ميناء تجاري إلى حد كبير، غير أنه لا يستبعد أن يصبح موطئ قدم لها قريباً من منطقة الخليج العربي.

وفي أواخر شهر مارس الماضي رست سفينتان حربيتان صينيتان في مياه الخليج العربي، وهي الزيارة الأولى من نوعها لسفينة حربية صينية إلى مياه الشرق الأوسط.

وليس في مقدور الصين منافسة الولايات المتحدة من ناحية الوجود العسكري الكثيف في المنطقة في أي وقت خلال المستقبل القريب المنظور.

ولكن ذلك لا يمنع القول إنها أصبحت لاعباً دوليّاً جديداً في الشرق الأوسط. وبما أن واشنطن قد أدمنت انفرادها بهذا الدور والوجود في الشرق الأوسط، فإن من شأن أي إشارة استفزاز أو عدوان من جانب الصين أن يشعل شرارة مواجهة بينهما في المنطقة، حسبما ما يرى بعض المسؤولين والمحللين الأميركيين والصينيين على حد سواء.

بيد أن المهدد الحقيقي ليست له صلة بمواجهة عسكرية محتملة، بقدر ما يكمن في صعود الصين في حد ذاته وتزايد تحركاتها في المنطقة.

ومن شأن ذلك أن يتسبب في توترات تكون لها تأثيرها السلبي على العلاقات الدولية بين واشنطن وبكين. وكلما ازداد اعتماد الصين على النفط الشرق أوسطي، كلما ازداد حرصها على ألا تنفرد واشنطن وحدها بالسيطرة على تلك الثروة النفطية الهائلة.

وفيما لو أرادت الدولتان معاً الحفاظ على علاقات تعاون ودي سلمي فيما بينهما، فإن عليهما أن تحسنا إدارة الصعود الذي تحققه الصين على المسرح الدولي. ولعل البداية المناسبة لذلك هي مجال الطاقة والنفط بالذات.

فبينما يزداد قلق واشنطن إزاء دوافع بكين، يلاحظ أن الأخيرة لا تثق في حماية أميركا لمصالح الصين النفطية.

وبالنسبة لبكين فإن أسوأ سيناريو نزاع محتمل مع واشنطن، يرجح أن تكون له صلة بمساعي تايوان للانفصال.

وبسبب المسؤولية التي تستشعرها واشنطن إزاء توفير الحماية الدفاعية اللازمة لجزيرة تايوان الصغيرة، فإن من الطبيعي أن تضع بكين اعتباراً لاحتمال استخدام واشنطن لسلاح النفط ضدها في هذا النزاع.

فكيف يمكن إذن إدارة العلاقات بين القوتين الكبريين الدوليتين المتنافستين؟ الإجابة: أن واشنطن وبكين في حاجة لتحسين إجراءات بناء الثقة فيما بينهما. ويمكنهما أن تبدآ بالسعي إلى بناء مشاريع مشتركة في مجال الطاقة، مثلما تفعلان الآن في المشروع المشترك لصنع السيارات الكهربائية. ولابد لهما من السعي إلى هذه المشاريع على أعلى مستوى ممكن من التمثيل الحكومي من جانبهما.

ويتعين على واشنطن كذلك، إشراك بكين بمستوى معقول في إطار توفير الأمن في السياق الخليجي، ولكن بشرط الحذر من تمثيلها في هذا الإطار بمستوى ربما يفتح شهيتها أكثر مما يجب، أو يثير مطامعها.

والمقصود بمشاركة الصين في هذا الإطار الأمني الخليجي، تعزيز ثقتها في واشنطن واطمئنانها على حرص الأخيرة على أمن الطاقة الصيني.

وعليه فليس بالضرورة لهاتين القوتين أن تكونا خصمين لدودين يتنافسان فيما بينهما على ثروة الذهب الأسود. غير أن عدواناً كهذا يظل محتملاً فيما لو لم تحرصا على بناء ما يكفي من الثقة في بعضهما بعضاً.

(أستاذ العلوم السياسية بجامعة «أولد دومينيون»)

«كريستيان ساينس مونيتور» والاتحاد الاماراتية

===============

هل هي حقا مفاوضات غير مباشرة؟

د . عبد الحميد مسلم المجالي

Almajali.abdalhameed@yahoo.com

الرأي الاردنية

21-6-2010

تدير الادارة الاميريكية منذ اوائل الشهر الماضي، مفاوضات قيل انها غير مباشرة او تقريبية، بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي ، بعد شهور اشترطت فيها السلطة الفلسطينية وقف الاستيطان لاستئناف المفاوضات مع حكومة نتنياهو ، تماهيا مع موقف امريكي تفتت بالتدريج ، بعد اصطدامه بواقع العلاقة غير الاعتيادية بين اسرائيل والولايات المتحدة ، التي فرضت على ادارة اوباما تغيير الكثير من توجهاتها ازاء الصراع في المنطقة .

 

وقالت السلطة الفلسطينية في حينه ، ان المفاوضات «غير المباشرة « ، ستجري على اعلى مستوى ، وستتركز في هذه المرحلة والممتدة أربعة شهور ، على قضية الحدود والامن ، وهي احدى قضايا الوضع النهائي التي فشلت سنوات من المفاوضات المباشرة ، في الوصول الى تسوية بشانها الى جانب القضايا الاخرى .

 

وقضية الحدود والامن ، تتعلق بحدود الدولة الفلسطينية مع اسرائيل ، وتبادل الاراضي الذي تفرضه مطالبة اسرائيل ضم الكتل الاستيطانية حول القدس ، ومسائل تتعلق بمحطات الانذار المبكر الاسرائيلية في الضفة الغربية ، والتواجد العسكري الاسرائيلي غربي نهر الاردن ، ومستوى تسلح قوة الشرطة الفلسطينية في الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح ، وغيرها من التفاصيل الامنية التي تشكل الهاجس الاسرائيلي الدائم لجميع الحكومات الاسرائيلية .

 

وتطرح المفاوضات غير المباشرة اسئلة عديدة حول كيفية اجراء هذه المفاوضات بين طرفين متداخلين ، جرت بينهما مفاوضات مباشرة طيلة سنوات ، وفي مختلف الظروف ، ومعظمها كانت خلف الاضواء . فهل حقا ينتظر الجانبان مجيء جورج ميتشل او احد اعوانه، لنقل افكار الطرفين الى بعضهما البعض ، خاصة وانهما يعملان تحت ضغط الوقت المحدد باربعة اشهر ، علما بان هذه المفاوضات لم تبدأ من النقطة التي انتهت اليها المفاوضات السابقة ، حيث يكون لحكومة نتنياهو دائما آراء مختلفة عن آراء الحكومات الاسرائيلية السابقة في كل القضايا ؟ .

 

ان المتتبع لتاريخ المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية ، يرى ان المفاوضات العلنية بين الطرفين لم تكن سوى جزء يسير من حجم المفاوضات الكلية ، حيث شكلت المفاوضات السرية ، مفاصل مهمة في العلاقة الثنائية ، وحققت نتائج افضل من تلك التي كانت تجري تحت الاضواء .

 

فقد شكلت قناة اوسلو السرية ، اغراء للطرفين للاستمرار فيما يسمى بالقنوات الخلفية ، وكانت هذه القنوات دائمة الحضور حتى في احلك الظروف ، ومارسها المسؤولون الفلسطينيون الحاليون ببراعة مع الحكومات الاسرائيلية ومن بينها حكومة نتنياهو في منتصف التسعينيات ، وبعلم الادارات الامريكية المتعاقبة ، بعيدا عن الاعلام والراي العام ، لقناعتهما بضرورة استمرار الاتصالات بين الطرفين ، وبعدم جدوى المفاوضات العلنية .

 

ولذلك فان اقتصار السلطة الفلسطينية على مفاوضات غير مباشرة مع الحكومة الاسرائيلية الحالية ، سيكون امرا مستغربا وخارجا عن المألوف ، خاصة مع قناعة الاطراف المتفاوضة ،ومن بينها الطرف الامريكي، بعدم جدوى هكذا مفاوضات . فالموضوعات المطروحة للتفاوض ، تستلزم جلوس الاطراف معا لمناقشة خرائط وتفاصيل معقدة وتبادل الافكار وطرح المواقف .

 

المفاوضات غير المباشرة تجري الان خلف الاضواء ، والطرفان المتفاوضان يعرفان بعضهما البعض جيدا ، سواء على مستوى الاشخاص ، او في تكتيكات التفاوض ، وقرأت لمسؤول فلسطيني فاوض نتنياهو سرا في منتصف التسعينيات، يقول ان نتنياهو في التفاوض غير العلني ، شخص يختلف تماما عن نتنياهو المعلن ، الذي يحرص على مخاطبة الراي العام الاسرائيلي للحفاظ على شعبيته وائتلافه الحاكم.

 

خلاصة القول هي ان السلطة الفلسطينية ، يفترض انها بدأت قناة خلفية سرية مباشرة مع حكومة نتنياهو بعد وقت قليل من تشكيله لحكومته ، كما اعتادت ان تفعل مع جميع الحكومات الاسرائيلية ، ليس للتفاوض فقط ، بل لمعالجة الاحداث اليومية المتداخلة بين الطرفين ، وهو ما يفرضه ايضا منطق وتعقيدات الصراع ، ولذلك فان المفاوضات التي تسمى الان انها غير مباشرة ، هي في الحقيقة ليست كذلك ، او انها مفاوضات للتغطية على قناة خلفية بدأت منذ زمن .كما هو معتاد دائما في العلاقة بين الطرفين .!

===============

قراءة في نهضتين عربيتين (2-2)

ميشال كيلو

السفير

21-6-2010

مع عجز فكر النهضة الأولى عن تحقيق منظومته في واقع السياسة، واستبعاده من مشروع النهضة الثانية، الفكري والسياسي، وقع أمران مهمان:

 لم تحقق القومية نفسها عندنا عبر تحقيق الحريات والديموقراطية وحقوق الإنسان والمواطن، كما فعلت قومية أوروبا، التي بلورت مفاهيم الحرية وحقوق الإنسان والمواطن وطبقتها وجعلتها ركيزتها وعلامتها الفارقة ... بل قامت ببناء نسق سياسي معاد لها، لذلك حملت منذ ولادتها الأولى تشوها هيكليا فصلها عن منجزها وحاضنتها الطبيعية: الحرية الفردية والشخصية والمواطنة وتاليا النظام الديموقراطي، كما فصلها عن المجتمع المدني ومسائله، التي لولاها لما كان هناك شيء اسمه قومية أو أوروبا حديثة. ولدت الحركة القومية السياسية عندنا في حاضنة غير ديموقراطية، ثم معادية للديموقراطية، فوقعت في مشكلات ومعضلات هيكلية تكوينية حالت دون انبساطها وتفتحها، وقوضت فاعليتها وقيدت قدرتها على تحقيق أي تقدم في المجال العربي، وأجبرتها على إعادة إنتاج نفسها في حاضنة الدولة القطرية، التي بنت أمجادها على التعهد بالقضاء عليها في أول فرصة، ومباشرة بعد استيلائها على الحكم.

 مع تبني الاشتراكية، واندماج الفكر القومي بالفكرة الاشتراكية، برزت نظرية تجعل النهضة على مرحلتين، تحدث السلطة في أولاهما، فتحدث هي المجتمع في ثانيتهما. في هذا المنظور، قيل إن وعي التغيير سينقل إلى المجتمع من النخب المثقفة والسياسية، وإن النخبة الحاكمة ستطبق أفكار النهضة القومية/ الاشتراكية، التي ستفقدها طابعها كأقلية، وستحولها إلى طليعة يتوقف على تحديثها نجاح الرهان التحديثي، التقدمي، القومي/ الاشتراكي بأسره. هنا، كان فساد السلطة أو فشلها أو بقاؤها متأخرة وتسلطية يعني نهاية النهضة، وبداية أزمة تاريخية لا علاج لها غير تغيير يطاول النخب المثقفة والمالكة والحاكمة، وعلاقاتها بعضها مع بعض، يتم في إطار مشروع إنساني يختلف في طبيعته ومراميه عن مشروع التحديث القومي/ الاشتراكي. لا داعي للقول إن تحديث المجتمع والدولة انطلاقا من السلطة المحدثة قد انتهى إلى فشل أخذ تدريجا شكل انهيار شامل، بدأ بالنخبة الحاكمة، التي عجزت عن الخروج من حلقة مفرغة دائرتها الأولى «سلطة حديثة»، لكنها لم تحدّث شيئا غير طابعها الأمني وأجهزتها القمعية، ودائرتها الثانية «مجتمع حديث»، لكنه تفكك وتذرر وشحن بتناقضات حولته إلى عصب ما قبل مجتمعية، تتعايش بقوة سلطة لم يعد لديها ما تفعله غير إدامة ذاتها عبر انقسامات مجتمعها، وتردي أوضاعه العامة، وأجهزتها القهرية.

لم تتحول السلطة إلى قاطرة تجر وراءها مجتمعا تتولى تحديثه، بل صارت العائق الرئيس في وجه تقدمه ووحدته الداخلية والعربية، وفقدت ما يذكر بوعود ورهان النهضة، السياسية والفكرية، وانقلبت إلى ما كان ياسين الحافظ يسميه «تقليدية جديدة» و«تأخراكية»: نظام تقليدي ينتج التأخر باسم القومية والاشتراكية، تنافس مع «تأخرالية»: نظام تقليدي ينتج التأخر باسم الرأسمالية. ولم يعد لدى السلطة أي وعد تقدمه إلى المجتمع، بعد أن فقدت وظائفها التنموية والتحررية، واكتفت من السياسة بالحيلولة بين المواطن وبين وعي النسق السياسي السائد، وبينه وبين تغيير الواقع الذي يرزح تحت أعبائه. هنا أيضا، انقلب مشروع التحديث على احتجاز عملي للمجتمع، وأنتجت النخبة الحاكمة نفسها في إطار السلطة وبوسائلها، وتحول التقدم إلى محافظة ورجعية تقاوم التغيير، من أي نوع كان وعلى يد أي جهة جاء.

لئن كانت السلطة هي الحقل الذي شهد، بعد فشل النهضة السياسية الأولى، تبدلا هيكليا عميقا في بنيتها وأهدافها، اعتبر ضروريا لمنعها من إطلاق أو استئناف مشروع تحديثي يستنهض المجتمع ويخرجه من ركوده وزمنه التكراري، فإن فشل مشروع النهضة الثانية، الذي نعيش فيه، وقع على صعيدي الفكر والممارسة السياسية في آن معا، فكان فشله أكثر شمولا وحدة من فشل المشروع الأول، خاصة أنه تزامن مع تحولات هيكلية أصابت الرأسمالية والنظام الدولي، عبرت عنها ثورة جديدة هي الثورة العلمية التقنية وثورة المعلوماتية، التي عمقت كثيرا الهوة التي تفصلنا عن العالم، وضاعفت تأخرنا، فلم يعد سياسيا وفكريا وحسب، ولم يعد مقتصرا على العجز عن إنجاز ثورة صناعية، وإنما صار تكنولوجيا ومعلوماتيا أيضا، بحيث يصح القول: إننا خرجنا صفر اليدين تقريبا من العصر السابق، ونخرج اليوم من عصرنا، دون أن نتمكن من العودة إلى الزمن الذي كنا فيه قبله، مع انه يأخذنا إلى حال من الانحطاط والتدهور لا تتوقف آليات عمل النظام الدولي عن تفعيلها وتجديدها، فهي قيد يغل أيدينا ويمنعنا من إقامة أي شرط من شروط تقدمنا، بينما تنتج تشابكاته أنماطا جديدة ومتنوعة من التأخر لا قبل لنا بالتحرر منها أو بتخفيف غلوائها، إن بقينا على حالنا الراهن.

في الفشل الأول، كان اندماج السلطة في المشروع الاستعماري شرط تحولها إلى أداة محدثة للنهب والإخضاع «الوطني»، وشرط إعادة إنتاجها في إطار هذا المشروع. أما اليوم، فإن الفشل يقود إلى تهتك واهتراء جسد الأمة ذاته، كي لا يحمل من اليوم فصاعدا أو في أي يوم مشروع تحرر أو نهضة جديد، وحتى تغرق نخبها في العجز عن بلورة رؤية أو مصالح مشتركة، متقاربة أو متشابهة، وتلمس سبل يستطيع المجتمع وقف تدهوره وتفتته بمعونتها، وتحويل السلطة من أداة حكم بيد قلة تمسك بخناق الدولة وتمنعها من ممارسة وظائفها، إلى سلطة دولة هي تعبير في مستوى النسق السياسي عن مجتمع المواطنين الأحرار والمنتجين، حيث الديموقراطية حقيقة هذا النسق، والخضوع للقانون كسيد وحيد في الدولة حقيقة الديموقراطية. إذا ما تابعنا فعل هذا الفشل في واقعنا، لوجدناه وراء أخطار ثلاثة هي :

 خطر التفكك القائم والمتنامي بسرعة بين الدول والبلدان العربية، التي تتحول أكثر فأكثر إلى بلدان متعادية/ متصارعة/ متحاربة، تفتح نخبها الحاكمة والسياسية المجال واسعا أمام القوى الإقليمية والدولية، القريبة منها والبعيدة، وتلتحق بتشكيلات دولية وإقليمية لا سلطة لها عليها ولا قرار لها فيها، مع أن العرب هم الذين سيدفعون الأثمان الفادحة لانتمائها إليها.

 خطر التفكك والعداء الداخلي القائم بين جميع نظم العرب وبين مجتمعاتها، وهو خطر يزداد تفاقما من يوم لآخر، حتى ليمكن تعريف زمننا الحالي بأنه زمن انعدام شرعية النظم العربية بسبب تناقض سياساتها وخياراتها ومصالحها مع خيارات ومصالح مجتمعاتها وشعوبها.

 أخيرا، وهذا هو الخطر الأدهى والأكثر إثارة للخوف: خطر تفكك المجتمعات ذاتها وذهابها إلى حالة ما قبل مجتمعية تصير فيها ائتلافا يضم أقليات وزمر وفرق متناحرة، تستند السلطة الحديثة على بعضها، فهي سلطة تكوينات ما قبل دولوية / ما قبل مجتمعية، تلغي الدولة والمجتمع والشأن العام في آن معا.

بعد فشل النهضة الفكرية الثانية والسياسية الثانية، ظهر أنها لم تحقق أو تتضمن مكونات النهضة الأولى، بل أبطلتها بكل بساطة، وأن هذا سبب رئيس في فشلها. آية ذلك أن القومية لا تنجح دون المواطنة وحقوق الإنسان، وأنها ليست نقيضهما بل نتيجة من نتائج تحققهما في حاضنة الأمة، وأن الاشتراكية تنجح بالديموقراطية والمواطن الحر والمنتج والمجتمع المدني، وأن الدولة تنحط إلى مجرد سلطة، إذا لم تعبر عن هذا المجتمع، وأن السلطة، التي تضع نفسها فوق أو خارج القانون، لا تكون سلطة دولة، بل تسلط عصبوي. لقد أدى القفز عن المرحلة الديموقراطية من التطور إلى كسر عنق ما سمي «الثورة القومية / الاشتراكية»، وغدا جليا أن النهضة المدنية لا تتوقعن عبر تضمينها في غيرها، وأن إنضاجها وتحقيقها هما مرحلة تاريخية كاملة يتوقف على إنجازها تأسيس الطور التاريخي التالي، قوميا كان أم اشتراكيا أم إنسانيا، فإن تم اختصارها وتقليصها أو قطعها، كان الفشل من نصيب من يقفز من فوقها.

لو كان المواطن العربي حرا ومجتمعه مدنيا ونظامه السياسي تمثيليا وديموقراطيا، لما فشلت النهضة السياسية الأولى ثم الثانية، ولتكفل نجاح الأولى بجعل الثانية أيسر منالا وأكثر سهولة. أما القول: إن القومية والاشتراكية هما طور تاريخي أرقى من المرحلة البرجوازية/ المدنية، فلا بد من تجاوزها بالسرعة الممكنة من أجل الشروع في تحقيقهما، فهو خطأ من ألفه إلى يائه، وقد تسبب في كارثة الإخفاق المتراكم، التي يواجهها العرب وحاولت تلمس بعض علاماتها ونتائجها .

والآن، إلى السؤال التقليدي : ما العمل؟. بادئ ذي بدء، لا مفر من استعادة مسائل وأسئلة النهضة الفكرية الأولى، دون التخلي عن مسائل وأسئلة النهضة الثانية، مع مراعاة أن عصرنا الحالي يجعل تحقيقها رهنا بقدرتنا على تدقيقها، ومواكبة ما فيه من جديد وثوري، وإلا استحال توفر الشروط اللازمة لتلازم وتراكب مهام النهضتين الفكريتين وترجمتهما السياسية، وكان من المحال انزلاقنا التدريجي إلى وضع يوقعن متطلبات النهضة الأولى، دون أن يتخلى عن الثانية، القومية / الاشتراكية، مع أنها لم تعد مطروحة علينا اليوم.

يقف العرب أمام مهمة مزدوجة: تحقيق نهضة فكرية في واقعهم هي ثورته الأولى، من أجل إنجاز تغيير سياسي شامل هو ثورته الثانية. هل نخبنا الثقافية مستعدة لتلمس الحقيقة وقولها بصدق وتجرد ودون رياء أو نفاق أو أدلجة، لأنها الحقيقة وليس لأنها تخدم مصالح هذه الجهة أو تلك ؟. وهي هي مستعدة لربط فكرها بالمجتمع، من أجل تعميق معرفتها بالواقع ورفع وعيه إلى مستوى عصره وحاجاته؟. هذا هو الرهان، إنه أصعب الرهانات التي واجهتها نخبنا الثقافية في أي وقت. إنه، ربما لأول مرة في تاريخنا الحديث، رهان تجاوز الانقلاب السياسي إلى التحرر الإنساني، والإقلاع عن رؤية الإنسان بدلالة السياسة والسلطة، ورؤية كل شيء بدلالته!

===============

نفاق ومعايير مزدوجة

آخر تحديث:الاثنين ,21/06/2010

عبد الاله بلقزيز

الخليج

لكي يأخذ المرء فكرة أولية وعامّة عن النفاق في السياسة الدولية، وازدواجية المعايير، وفقدان الحدّ الأدنى من المروءة والأخلاق، يكفيه أن يقرأ بعض مفردات تلك السياسة على لسان من يمثلون السياسة الدولية، في مناسبة سياسية كانت امتحاناً لهم وللأخلاق السياسية لدولهم وحكوماتهم، هي (مناسبة) الجريمة الصهيونية ضد أسطول الحرية في عرض المياه الدولية للبحر الأبيض المتوسط .

 

صرَّح البيت الأبيض أن رئيسه أوباما أصيب ب “صدمة” من جرّاء نتائج تدخّل البحرية “الإسرائيلية” لمنع السفن من الوصول إلى غزة . لم يتخذ موقفاً سياسياً: لم يُدِنْ أو يستنكر أو يشجب أو يحمّل “إسرائيل” المسؤولية عن انتهاك القانون الدولي وقانون البحار، وإنما عبّر عن شعورٍ محايد أقلّ دلالة من مشاعر الغضب والاستهجان والاحتجاج هو شعور الصدمة . على أن أوباما ما أصيب بالصدمة، على ما يفيدنا تصريح البيت الأبيض، لأن “إسرائيل” هاجمت المتضامنين في المياه الدولية واعتدت عليهم وعلى القانون الدولي، وإنما صُدِم لأن العملية انتهت بقتلى: كما لو أنها مشروعة لو لم تتلوث بدماء المدنيين المتضامنين .

 

حدَّد رئيس أمريكا سقف الردّ الدولي المسموح به على الجريمة الصهيونية، فكرَّت السبحة: الحكومة البريطانية مصابة بالصدمة، وبان كي مون، أمين الأمم المتحدة العام مصدوم، وطوني بلير مبعوث “اللجنة الرباعية” مصدوم . أما فرنسا، فتكتفي من الأمر بالقول إن ما فعلته “إسرائيل” غير مقبول! لا أحد منهم يملك موقفاً سياسياً من النازلة، لأن أحداً من هؤلاء لا يملك قراره . ولو أن أوباما امتلك قليلاً من الشجاعة السياسية والأخلاقية فوصف ما جرى بأنه انتهاك للقانون الدولي (لأنه حصل في المياه الدولية)، لتسابق هؤلاء إلى إعلان مواقف سياسية أكثر وضوحاً من همهمات الصدمة، أي مفردات تنتمي إلى علم السياسة والعلاقات الدولية لا إلى علم النفس .

 

لم يقف النفاق عند هذا الحدّ، وإنما بلغ مستوى فضائحياً في حالين من حالات التعبير عنه: في مجلس الأمن، وفي مطلب التحقيق الدولي في الجريمة .

 

لم تسمح الولايات المتحدة الأمريكية وحليفاتها بمناقشة الجريمة في المجلس على قاعدة مشروع قرار، وإنما رمت بالثقل والابتزاز قصد حصر الموقف في نطاق بيانٍ رئاسي لتخفيف وطأته القانونية على الكيان الصهيوني، ووجدت لموقفها سنداً من حلفائها . وما كانت المشكلة فقط في خفض مستوى مقاربة الجريمة (من قرارٍ إلى بيان)، وإنما أيضاً في إصرار إدارة أوباما ومندوبها على عدم إدانة “إسرائيل” أو استنكار جريمتها في بيان المجلس . فكان ذلك حيلة ناجحة لتطويق حال الحنق العالمي على الجريمة الذي دان بربرية الدولة العبرية وفضح استهتارها بأرواح البشر وقيم العالم الحديث وقوانينه المعاصرة . ومثل العبارة الغبيّة والماكرة (الصدمة) التي أريد بها رسم سقف للاعتراض، أريدَ بمضمون بيان المجلس أن يكون منتهى الكلام المشروع عن واقعة الجريمة .

 

ولقد كان رئيس أمريكا أوّل مَن وعد رئيس وزراء تركيا، رجب طيب أردوغان، بتحقيق دوليّ نزيه في ما حصل . وتلقف منه الوعد كلٌّ من أمين عام الأمم المتحدة العام ورؤساء الدول والحكومات الغربية . ثم نوقش أمر التحقيق، ونُصَّ عليه، في بيان مجلس الأمن، لكن جميع من تحدّث عن التحقيق الدولي بلع لسانه حين أعلنت الحكومة الصهيونية عن رفض فكرته، ولم يردّ أحد بالقول إن رفضها تحدٍّ للمجتمع الدولي ولإجماع أعضائه، بل شهدنا ما يُخجل أكثر: فقد تبرَّع عليها أوباما بالتسليم لها بالحق في تحدّي المجتمع الدولي، وتحدّيه هو شخصياً، من طريق التسليم لها بالحق في إجرائها تحقيقاً منفرداً ومن جانب واحد! أما منتهى ما طلبه منها، فهو أن يلتزم تحقيقها بالمعايير الدولية . وعلى المرء أن يكون حقيراً وغبياً حتى يصدّق أن في وسع المجرم أن ينجز تحقيقاً عادلاً يدين جريمته بمعزل عن الضحية والشهود والقاضي .

 

لا نِفاق أكبر من هذا النفاق في السياسة الأمريكية والسياسات الغربية . تقوم دولة خارجة عن القانون (هي “إسرائيل”) بالقرصنة في المياه الدولية من دون أن يسائلها أحد، وتهاجم مدنيين عزّل من جنسيات مختلفة، فتغتال منهم من شاءت، وتجرح مَن جرحت، فلا يجد نائب أوباما ما يصف به الجريمة إلا أنها “دفاع عن النفس” . حتى التحقيق الدولي يُرفع عنها إحراجُه ويُطوى أمرُه .

 

هل كلّ ذلك لأن الدم التركي رخيص؟ لا بأس من طرح السؤال بطريقة أوضح: ماذا لو كان على ظهر السفن مواطنون أمريكيون متضامنون بالعشرات؟ ماذا لو كان الشهداء التسعة قتلى أمريكيين؟ هل كان بايدن سيعتبر الجريمة “حقاً” من حقوق “الدفاع عن النفس”؟ هل كان أوباما سيكتفي بمطالبة “إسرائيل” بإخضاع “تحقيقها” الخاص للمعايير الدولية؟ بل هل كانت إدارته ستقبل بمجرد بيان رئاسي في مجلس الأمن؟ وهل كان الغرب كلّه سيتصرف تجاه الكيان الصهيوني بالليونة والميوعة التي بهما تصرّف؟ أسئلة برسم التفكير في النفاق وازدواجية المعايير .

===============

الفساد آفة العصر

آخر تحديث:الاثنين ,21/06/2010

سليم الحص

الخليج

اللافت لا بل الفاجع أن ظاهرة استشراء الفساد في لبنان أضحت من المسلمات التي لا تخضع لخلاف أو جدل، ومن آيات ذلك أن الثري محترم في المجتمع بصرف النظر عن كيفية اكتسابه ثروته، وكثيراً ما يختلط الأمر في الأحاديث اليومية في صفوف الناس بين الإثراء غير المشروع والشطارة .

 

وقد يزج بأحدهم في السجن بموجب أحكام قضائية، وتبقى مكانة الجاني محفوظة في المجتمع . لا بل كانت هناك حالة أصدر مجلس النواب تشريعاً يتيح الإفراج عن جان محكوم بقضايا قتل، وبقي الجاني محافظاً على مكانته في المجتمع ولم يكن لما ارتكب في حياته من جرائم وآثام أي تأثير على مسار حياته أو تصرفه .

 

وأكثر اللبنانيين يدركون أن ثمة معاملات في الدولة لا يمكن إنجازها إلا برشى صريحة تدفع لأصحاب القرار في الإدارة وأحياناً في مواقع سياسية رفيعة . واستشراء الفساد في المجتمع اللبناني آل إلى تسليم عام بوجوده، فلا مساءلة ولا محاسبة بالمعنى الجدي للكلمة . في الواقع أن آليات المساءلة والمحاسبة إما هزيلة أو غائبة أو مغيبة، فالقضاء هو المرجع الأساسي للمساءلة والمحاسبة على هذا الصعيد، إلا أن الواقع أن القضاء لم يكن فاعلاً على الوجه المطلوب في أداء هذه المهمة . وهناك آليات متخصصة في هيكلية الإدارة من المفترض أن تكون مكملة للقضاء في هذا المضمار، من مثل هيئة التفتيش المركزي والمجلس التأديبي وحتى مجلس الخدمة المدنية على صعيد مراقبة أداء الإدارة الحكومية بوجه عام .

 

بالطبع قلما وجد بلد في العالم كان بريئاً من آفة الفساد كلياً . فحتى أرقى المجتمعات في العالم لم يخلُ من وجود فاسدين ومفسدين . وسلامة المجتمع، أي مجتمع، هي بالضرورة ذات مفهوم نسبي، فيكون المجتمع أقل أو أكثر فساداً من سواه وفق معايير معينة، والدراسات والتقارير التي وضعت حتى الآن من جانب مؤسسات داخلية أو خارجية صنفت لبنان من المجتمعات التي يشتد فيها الفساد قياساً إلى حال مجتمعات أخرى في الشرق الأوسط وفي العالم .

 

لعل استفحال ظاهرة الفساد جعل مكافحتها عملية بالغة التشابك والتعقيد، فالفساد إذ يبدو غامراً بتغلغله في مفاصل المجتمع لا تعود مكافحته أمراً هيناً أو ميسوراً، وهذا ينطبق على لبنان كما ينطبق على عدد لا يستهان به من الأقطار العربية الشقيقة . ولقد أنشئت في بيروت منذ بضع سنوات المنظمة العربية لمكافحة الفساد وسُميت رئيساً لها، فلم تستطع أن تسجل حتى الآن تقدماً مرموقاً على صعيد مكافحة هذه الآفة جرّاء الصعوبات الجمّة التي تواجهها عمليات التحقيق في حالات الفساد بفعل الاصطدام باعتبارات شائكة: من ذلك القوانين التي تحمي خصوصيات الناس، أو التي تضع في أيدي المخالفين سلاح التهويل بالمطالبة بالعطل والضرر والمقاضاة على تشويه السمعة أو الإساءة أو الافتراء، ومن ذلك أن المتهمين قد يكونون من المسؤولين في الدولة، وربما من كبارهم وأشدهم شأواً .

 

ثم إن أي محاولة لمكافحة الفساد لن تجدي في أجواء لا تدين الفاسد أو المفسد كما هي الحال في لبنان وسائر المجتمعات العربية إلى حد ما . فأي توجه جدي لمكافحة الفساد لا بد أن يرمي أول ما يرمي إلى تصحيح واقع مجتمعاتنا التي لا تدين الفاسد أو المرتكب وتختلط لديها مفاهيم التجاور والعمل غير المشروع والشطارة .

 

إننا ندعو الحكومة اللبنانية، حاضراً ومستقبلاً، إلى إيلاء موضوع الفساد اهتماماً منهجياً بهدف كسر الحلقة المفرغة التي جعلت أي جهد في هذا السبيل مهدراً وبلا طائل . والعمل المطلوب لا بد أن يوجه إلى تعزيز القيم الأخلاقية في المجتمع بحيث يكون للمجتمع موقف صارم من قضايا الفساد، فيدين الفاسد والمفسد وينبذه . وكثيراً ما كانت الأديان تؤدي هذا الدور فتجعل من ضمائر الناس سداً منيعاً يحول دون تفاقم مشكلة الفساد في المجتمع . فكان لانحسار الأديان والتدين في المجتمعات تحت ضغط التطورات العصرية أثر سلبي على قدرة المجتمعات على درء مدّ الفساد عن المجتمعات العصرية . وللمدرسة والتربية الوطنية عموماً دور مشهود في توطيد أسباب المناعة في المجتمعات في وجه تعاظم موجات الفساد والإفساد النابعة من نسيج المجتمع أو الوافدة إليه من الخارج .

 

ومكافحة الفساد تفترض أيضاً وجود آليات فعّالة لمحاربته داخل النظام السياسي والإداري والقانوني المطبق . وأول الشروط التي ينبغي توافرها من أجل تفعيل هذه الآليات الفصل بين السلطات . فحيث تختلط السلطات، السلطة الإجرائية أو التنفيذية مع السلطة التشريعية والسلطة القضائية فإن فعالية مكافحة الفساد تغدو عرضة للتضاؤل والتآكل . وفي بلادنا كثيراً ما تتداخل السلطات على نحو يؤول إلى اضمحلال فعالية المكافحة . فكثيراً ما تغيب الفوارق العملية بين السلطة الإجرائية والسلطة القضائية، فتكون الأجهزة القضائية خاضعة إلى حد ملموس إلى السلطة الإجرائية أو التنفيذية . وكثيراً ما تتلاشى الفوارق بين السلطة التشريعية والسلطة الإجرائية فتنتفي معها فعالية المساءلة والمحاسبة على الصعد الإدارية والسياسية وخلافها . ونظامنا في لبنان حافل بالشواهد على مثل هذه الحالات .

 

مكافحة الفساد قضية في منتهى الحيوية، فهي تتعلق بتماسك المجتمع وكرامته وثقته بنفسه . فلا يجوز في حال من الأحوال إغفالها أو التقليل من خطورتها أياً تكن الاعتبارات . علينا جميعاً أن نتجند لمكافحة الفساد بكل الوسائل المتاحة . فإن لم نفعل فإننا نكون قد اخترنا طريق الانتحار وطنياً .

* رئيس وزراء لبنان الأسبق، رئيس المنظمة العربية لمكافحة الفساد

===============

ما بعد «مرمرة»

بقلم :عبد الجليل النعيمي

البيان

21-6-2010

خلال الأسبوع الماضي حاولتُ من دمشق قراءة أهم ما ترتب من آثار المجزرة الإسرائيلية ضد سفينة مرمرة التركية، والعدوان ضد باقي سفن أسطول الحرية نهاية مايو الماضي، على تطورات القضية الفلسطينية وموازين القوى الإقليمية.

 

ففي دمشق، أكثر من غيرها، تتجمع كل خيوط قضايا المنطقة، وفيها يمكن أن تلتقي ممثلي مختلف الاتجاهات السياسية الفلسطينية والعربية والأجنبية. ومن مختلف المناقشات والقراءات، تخرج بالاستنتاج الرئيسي التالي: إن أكبر المستفيدين مما جرى هو تركيا. المستفيد الثاني «المحتمل» هو حركة المقاومة الإسلامية «حماس». الخاسر الأول هو إسرائيل، والخاسر الثاني «المحتمل أيضا» هو إيران.

 

ولنأْتِها من الآخِر.. بدأ الإيرانيون يشعرون بمرارة وقع تفاعلات الحدث عليهم. بعض ممثلي المصالح الإيرانية بدأ يهمس بعتب في آذان الحلفاء، بأن الإيرانيين الذين قدموا للثورة الفلسطينية والحركات الإسلامية في المنطقة دعما شاملا طيلة العقود الثلاثة الماضية.

 

يرون الآن أنهم لا يلقون ذلك الثناء والتقدير الذي تلقاه تركيا، التي لم تدخل على قضية الشرق الأوسط من باب الدعم المباشر لفصائل فلسطينية أو من باب المحاور الدولية الإقليمية، إلا في السنوات القليلة الماضية.

 

فقد كانت قبل ذلك تلعب مجرد دور الوسيط الذي قد تقبله أطراف وترفضه أخرى. أصبحت إيران تشعر بمرارة بأن تركيا، منافسها الأساسي على النفوذ والتأثير في منطقة الشرق الأوسط، ضربت ضربتها الكبرى بعملية أسطول الحرية التي ستخفف من الزائد الكثير في علاقاتها مع الإسرائيليين.

 

وتعوض الناقص في علاقاتها مع الفلسطينيين ودول المنطقة، وبالتالي ستمتلك ذلك التوازن الاستراتيجي في علاقاتها الإقليمية، الذي سيدخلها كوسيط وشريك مقرر في القضية الفلسطينية وقضايا الشرق الأوسط عموما.

 

بكثير من الانفعال، سربت إيران أخباراً عن نيتها تسيير «أسطول حرية» إيراني إلى غزة. وقالت تسريبات أخرى بأن السفن الإيرانية قد تُسَيَّر تحت حماية الحرس الثوري الإيراني مباشرة.

 

وواضح أن هذا قد لا يأتي على إيران بالمردود السياسي الذي جنته تركيا، بل، بالضد، فقد ينقلب تعقيدا في الظروف الإيرانية الداخلية وما حولها، وهي معقدة أصلا.

 

وفي الوقت نفسه سرعان ما دفعت تركيا باقتصادها، السابع عشر من حيث الحجم عالميا، إلى أن يتوطد إقليميا هو الآخر بإعلان التوجه نحو إقامة منطقة للتجارة الحرة والسفر الحر، تضم سوريا ولبنان والأردن إلى جانب تركيا.

 

وبما حققته تركيا من كسب استراتيجي على مختلف الصعد، فإنها تستطيع الآن التحدث مع أي طرف فلسطيني، إسرائيلي، عربي، غربي أو أميركي مباشرة، وربما نيابة عن طرف ثالث. وهنا تكمن إرهاصات عصر تركيا الذهبي الجديد.

 

حماس قد تنشد بقوة إلى مفرزات هذا العصر. تطورات ما بعد أسطول الحرية لم تجعلها في موقع متقدم في الإعلام وفي اهتمام الرأي العام العالمي، بل وفتح أمامها قنوات اتصال تركية وأميركية وأوروبية.

 

وهذا الوضع مريح جدا لحماس التي تعتبر أن الهم الداخلي الفلسطيني الأكبر بالنسبة لها في الظرف الراهن، هو أن تقف ندا سياسيا قويا لحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية.

 

كما أن هذا الوضع يسهل لحماس مخرجا من أسار علاقاتها متعددة الجوانب مع إيران. فبينما تتضاعف فرص تحقيق المكاسب السياسية، فقد يرى قادة براغماتيون من حماس أن الدعم السياسي التركي أهم بكثير من الدعم العسكري والمالي الإيراني في الوقت الراهن، ويسمح بالخروج إلى «العالمية».

 

أكثر من ذلك، فلتسارع تقارب حماس مع تركيا وابتعادها عن إيران أساس مذهبي وأيديولوجي قوي. حماس هي جزء من حركة الإخوان المسلمين العربية والدولية.

 

وهي أقرب إلى حكومة أردوغان الإسلامية التركية، منها إلى حكومة نجاد الإسلامية الإيرانية. وبدورها ستنظر تركيا إلى «حماس» كحليف محتمل أقرب وأداة مستقبلية فعالة، في الصراع التركي  الإيراني على النفوذ في المنطقة.

 

وكما في تحالفاتها الخارجية ومسلكها السياسي في الداخل سابقا، فإنها كذلك في تحالفاتها الخارجية وسلوكها السياسي في الداخل، لن تستشير ولن تأخذ في الاعتبار مصالح أي طرف فلسطيني آخر.

 

وفي حين لحد الآن يشتكي حلفاء حماس الفلسطينيون من انفراديتها بالقرارات وتوريطهم في أحيان كثيرة بمواقف تخالف نداء طبيعتهم الفكرية والسياسية، فإن القلق من مستقبل هذه العلاقة بات أشد.

 

وفي حين تجد الفصائل الديمقراطية والتقدمية الفلسطينية جفاءً مماثلا من جانب «فتح» الماسكة بزمام السلطة المركزية، فإنها لا تزال عاجزة، للأسف، عن تجميع قواها وطرح برنامج البديل  الواقعي، الديمقراطي والوطني حقا. على الأقل قد يجبر هذا الطرح الموحد «حماس» و«فتح» على الاقتراب من بعضهما، اقترابا من البرنامج الوطني الديمقراطي لهذه القوى.

كاتب بحريني

===============

طبيب نتنياهو النفسي ينتحر

د. بثينة شعبان

الرأي العام

21-6-2010

من ضمن عشرات ردود الأفعال على الجريمة التي ارتكبتها حكومة إسرائيل ضد ناشطي السلام الدوليين حين قتلت تسعة منهم بدم بارد، كتب خوسيه ماريا أزنار رئيس الوزراء الإسباني السابق مقالاً في جريدة «الصنداي تايمز» البريطانية (17/6/2010) بعنوان «ادعموا إسرائيل: فإذا ما انتهت انتهينا جميعاً». ولدى قراءة المقال يعجب المرء أن هذا الشخص نفسه كان يقود مقاليد دولة مهمة مثل اسبانيا خلال الفترة من عام 1996-2004، وهو الذي ساهم بارتكاب جريمة قتل مليون مدني عراقي عندما وجه وفد بلاده في مجلس الأمن بتبني سياسات بوش في شن الحرب على العراق، وهو الذي قال حينئذ «لا يمكن الانتظار بعد اليوم»، وشارك جيشه في ذلك الغزو المخزي والكارثي للعراق، إلى أن أتت حكومة ثاباتيرو التي سحب القوات الإسبانية من العراق.

لدى قراءة مقال أزنار، يدرك المرء في قرارة نفسه لماذا يعاني المدنيون الأبرياء في هذا العالم المضطرب من القتل، والتهجير، والتشرّد، واللجوء، والفقر... ذلك لأن من يحكمهم هم من أمثال أزنار، وشارون، وبوش، ونتنياهو الذين يرون الأمور بمنظور لا يمتّ للواقع، أو الحقيقة، أو ضرورات العيش المشترك، والأمن والاستقرار، والسلام بصلة، بل إن كل ما يهمهم هو سفك الدماء، ونشر التعصب، والعنصرية، والأحقاد، والكراهية، والحروب.

يتحدث أزنار عن عالم يسميه «مثالياً» حيث يكون المطلوب من المتطوعين لنقل الغذاء والدواء للمدنيين المحاصرين من قبل حلفائه الإسرائيليين في غزة «الترحيب بالجنود الإسرائيليين سلمياً على متن السفينة». ولكنه يتناسى أنه في عالم مثالي لا حاجة للسفينة أصلاً، لأن مثل هذا الحصار المشين الذي يفرضه الجيش الإسرائيلي بمنتهى الوحشية على المدنيين العزل في غزة يجب ألا يكون موجوداً لو أن السياسيين الغربيين أمثال أزنار يلتزمون بأدنى القيم الأخلاقية، أو مبادئ القانون الدولي الإنساني. ما هو مدهش في مقال أزنار، هو أنه تجاهل وجود الشعب الفلسطيني كلياً، وتجاهل حقوقه في الحرية وحرمانه بقوة السلاح من هذه الحقوق، وتجاهل معاناته اليومية على الحواجز، وتجاهل عذاباته من المجازر والتشريد من أكثر من ستين عاماً، واعتبر أن إسرائيل هي التي واجهت «موجة تلو الأخرى من الإرهاب والانتحاريين»، معتبراً الشرق الأوسط «برمته مكاناً للإرهابيين»، وإسرائيل «منارة الغرب التي تدافع عن قيمه» في هذه المنطقة. هل يقول لنا أزنار أن الحصار، وقتل الأطفال، والجدار العنصري، وهدم المنازل والمجازر ضد المدنيين العزل هي هذه «القيم الغربية» التي تدافع عنها إسرائيل، ذلك لأننا في الشرق الأوسط لم نر من إسرائيل غير ذلك، وفي كل مرة كانت هناك حرب في الشرق الأوسط كانت إسرائيل هي المعتدية حتماً، فأي منارة هذه التي تطل على بحر الدماء، والقمع، والاضطهاد؟

الأمر الوحيد المقلق للسيد أزنار، هو أن المنطقة مهمة لأمن الطاقة للغرب، وذلك بسبب اعتماد الغرب على النفط الشرق الأوسطي. أما شعوب هذه المنطقة، مسلمين ومسيحيين، فهم غير موجودين على الإطلاق في عقل أزنار. فمع أن إسرائيل، كما يقول، تقع في هذه المنطقة، إلا أنها «تشكل جزءاً أساسياً من الغرب، والغرب هو ما هو عليه اليوم بسبب جذوره المسيحية واليهودية». لقد نسي السيد أزنار أن جذور المسيحية واليهودية هي في الشرق الأوسط، وأن المسيحية انطلقت من دمشق على يد بولس الرسول، حيث كان المسيحيون مضطهدين في أوروبا الوثنية، وكانت الامبراطورة جوليا دومنا السورية تحمي العاملات المسيحيات من الاضطهاد في روما!

ما يقلق في مقال أزنار، هو بركان العنصرية الذي يقذف بالكراهية التي تغطي كل سطور المقال. وهو حين يضع المسيحيين واليهود وكأنهم في عداء تاريخي مع المسلمين يمارس مغالطة مفضوحة، فكيف يفسر إذاً رغبة حكومة إسرائيل المتطرفة بصبغ دولتها بالصبغة اليهودية فقط، وتهجير مسيحيي فلسطين الذين كانوا يمثلون قبل قيام إسرائيل نسبة مهمة في فلسطين، وأصبحوا اليوم بضعة آلاف نتيجة سياسة التهجير المتعمد لهم، من السكان؟ وها هي ذي هذه العنصرية تعبّر عن نفسها داخل إسرائيل، حيث يرفض اليهود الغربيون الجلوس مع اليهود الشرقيين لأنه حين تنشر إسرائيل وأصدقاؤها العنصرية الشنيعة ضد العرب والمسلمين، لا يمكن لها أن تضبط انتشارها إلى المجتمع اليهودي نفسه. لقد انتفض العديد من يهود العالم اليوم ضد إجرام ويمينية وتطرّف هذه الحكومة الإسرائيلية، ورفضها المتواصل للسلام، ونزوعها للحروب، وهدم المنازل، ومصادرة الأرض، وقتل الأبرياء، فأين أزنار من كل هذا، وإذا كان يعتقد أنه يدعم إسرائيل، فإن طروحاته العنصرية تشكّل هي نفسها خطراً على إسرائيل. على أزنار أن يقرأ ما قاله أيهود باراك الذي وقّع أمر مهاجمة سفينة الحرية، وحصد نتائج لم يكن يتوقعها: «لا توجد طريقة لإعادة اللحمة مع الإدارة الأميركية دون تقديم برنامج سياسي واضح يعالج القضايا الأساسية للتسوية النهائية مع الفلسطينيين. من الضروري اتخاذ قرارات وخطوات سياسية حقيقية» («هآرتس» 16 يونيو 2010 ). إذا كان باراك يدرك خطورة نتائج جرائمه على إسرائيل والولايات المتحدة، ويدرك ضرورة التحرك السياسي بعد الرفض الدولي الشامل للحصار المشين على غزة، فكيف يتنطح أزنار لدعم «إسرائيل» على ما هي عليه والتغريد خارج السرب، حيث ان أصدقاء الكيان بدأوا بالخوف عليه من سياسات حكومته المتطرفة التي تقود إسرائيل إلى هذا المسار المدمر لها ولسمعة ومصداقية الولايات المتحدة أيضاً في المنطقة والعالم. ها هو باراك يعبّر عن قلقه في هذا المضمار «إذا تضررت مكانة الولايات المتحدة في العالم أكثر من ذلك، فإن إسرائيل هي التي ستعاني» («هآرتس» 16 يونيو 2010).

أولم يقرأ أزنار بعضاً من مذكرات موشي ياتوم، العالم النفسي الإسرائيلي، الذي عالج أعقد حالات الأمراض العقلية في مسيرته المهنية المميزة ثم انتحر منذ أيام تاركاً خلفه ملاحظة يقول فيها إن نتنياهو، والذي كان مريضاً يعالجه طوال العشرة أعوام الأخيرة «قد امتصّ الحياة مني»، ويضيف الطبيب ياتوم «لا أستطيع تحمّل هذا أكثر، السرقة (لدى نتنياهو) هي إنقاذ، والتمييز العنصري هو حرية، ونشطاء السلام هم إرهابيون، والقتل هو دفاع عن النفس، والقرصنة أمر قانوني، والفلسطينيون هم أردنيون، وضم الأرض تحرير لها، ولا نهاية لهذه التناقضات (في عقل نتنياهو)». ويضيف الطبيب ياتوم: «لقد وعد فرويد أن العقلانية سوف تنتصر في العواطف العفوية، ولكنه لم يقابل بيبي نتنياهو. هذا الرجل (نتنياهو) يمكن أن يقول إن غاندي هو الذي اخترع النحاس».

وكان من الواضح أن الطبيب ياتوم قد دهش لما أسماه هو «شلال الكذب الصادر عن مريضه المشهور نتنياهو». ويقول كاتب المقال مايكل كي سميث: لقد كان موشي (ياتوم) أنموذجاً للشخصية المتكاملة، وقد أشفى مئات المرضى المصابين بانفصام الشخصية قبل أن يبدأ بالعمل على معالجة نتنياهو، ولكن ياتوم بدأ يشعر بالإحباط واليأس لعجزه عن تحقيق أي تقدم في جعل رئيس الوزراء نتنياهو يعترف بالحقيقة، وقد أصيب بجلطات عدة وهو يحاول أن يفهم عقل نتنياهو، والذي أطلق عليه في أحد عناوين مذكراته «ثقب أسود من التناقضات». وفي عنوان آخر في مذكراته كتب «نتنياهو لديه العذر نفسه دائماً: اليهود على وشك الانقراض على يد عنصريين والطريقة الوحيدة لإنقاذهم هي بارتكاب مجزرة نهائية». وفي مقتطف من مذكرات ياتوم ليوم الاثنين 8 مارس نقرأ التالي: «أتى بيبي ( نتنياهو ) الساعة الثالثة من أجل جلسة بعد الظهر، الساعة الرابعة رفض أن يرحل وادعى أن بيتي هو بالواقع بيته. ثم سجنني في القبو طوال الليل بينما استمتع بحفلة ماجنة مع أصدقائه في الدور الأعلى. حين حاولت أن أهرب اتهمني بأنني إرهابي، ووضع الأصفاد في يدي. توسلت إليه أن يرحمني ولكنه قال: لا أستطيع أن أمنح الرحمة لشخص غير موجود».

مع أشخاص كثر مثل أزنار، ونتنياهو، وبوش وغيرهم من الطغاة المهووسين بسفك الدماء: هل من غرابة في ما تعانيه الشعوب من حروب، وقتل، وتهجير، وحصار، وتشريد؟

===============

تركيا تتقدم وإيران تتحفظ وإسرائيل تخسر!

الإثنين, 21 يونيو 2010

عرفان نظام الدين *

الحياة

على رغم كل ما قيل ويقال عن «القرصنة الإسرائيلية» في البحر الأبيض المتوسط ضد «قافلة الحرية» التي تحمل مساعدات وأغذية لقطاع غزة المحاصر، ومهما تشعبت التحليلات حول الأبعاد والأهداف وردود الفعل والنتائج، فإن المعنى الأعمق والأكثر وضوحاً هو أن الشرق الأوسط يشهد الآن فصلاً جديداً من فصول «حروب الأدوار» الإقليمية والدولية من أجل تكريس النفوذ والقدرة على الهيمنة والإمساك بزمام أمور الحل والربط في المنطقة بكل تلويناتها واتجاهاتها وصراعاتها الطائفية والمذهبية والعرقية.

إنها لعبة مصالح تشبه «الشطرنج» في التقدم والتراجع واحتلال المربعات الجديدة القادرة على قتل الخصم أو عزله أو محاصرته أو إخراجه من رقعة اللعبة وصولاً الى تسجيل النقاط النهائية والفوز بالضربة القاضية.

وبكل أسف فإن «الحصان العربي» صاحب الأرض والحق والشرعية غائب أو مغيّب عن هذه اللعبة. وكم حذرنا من قبل من أن الدور العربي قد تراجع ويكاد ينحسر في منطقتنا التاريخية فيما القوى الإقليمية الأخرى تتقدم وتسجل نقاطاً ضد بعضها البعض وبالتالي ضد مصالح العرب وكرامتهم وأدوارهم المطلوبة.

وليس هناك أفضل وأهم من قضية فلسطين لتكون ساحة تسجيل النقاط وتكريس الدور المطلوب. فقد سجلت إيران مكاسب مهمة من قبل من خلال حمل راية فلسطين والدفاع عن القدس ودعم قوى المقاومة التي تنشط ضد إسرائيل، وجاء وقت كانت تبدو وكأنها اللاعب الأساسي والوحيد الذي يتحدث بلغة الخمسينات وينادي بإزالة إسرائيل وتحرير فلسطين والتصدي للصهاينة وما يسمى «بقوى الاستكبار العالمي» وعلى رأسها الولايات المتحدة.

ومع مضي الوقت حصلت أحداث مهمة كبحت جماح الدور الإيراني لأسباب كثيرة بينها البعد المذهبي والأوضاع السياسية في العراق ولبنان والخليج بالتزامن مع بروز دور فاعل ومؤثر لتركيا بدأ بالتقرب من العرب وحمل راية الإسلام المعتدل ثم استكمل بخطوات عملية ودعائية ذكية ضربت على الوتر الحساس لعواطف العرب والمسلمين مثل معارضة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والتضامن مع أهلها ثم في تصدي رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز في منتدى «دافوس» وانسحابه من الندوة المشتركة بعد توجيه انتقادات لاذعة لإسرائيل لم نعهدها من قبل من زعيم تركي أو عالمي. وجاءت «قافلة الحرية» لتكرس هذا التوجه التركي وتسجل نقاطاً متقدمة لدور تركيا الراهن والمستقبلي في إطار حرب الأدوار.

وأسهم الغباء الإسرائيلي وسياسة التعنت الحمقاء لحكومة الليكود والمتطرفين الصهاينة برئاسة بنيامين نتانياهو، من حيث لا تدري، في تكريس هذا الدور التركي وفتح الباب على مصراعيه أمام تركيا لتكون الرائدة في مجال تقرير مصير المنطقة سلماً وحرباً نظراً لما تتمتع به من إمكانات وما تملكه من أوراق بعد أن كسبت شعبية كبرى والتف حولها الرأي العام العربي والإسلامي.

فإسرائيل اليوم تبدو وكأنها وحش هائج بلا زمام ولا عقل يتصرف بجنون وكأنه يقود نفسه الى المسلخ، وهي تسير على النهج ذاته منذ تشكيل الحكومة الخارجة عن المنطق والقوانين الدولية متخطية كل الخطوط الحمر على رغم معرفة القاصي والداني أنها ستدفع ثمن هذا الطيش الأهوج وتنسف أسس المظلات التي أقيمت لحمايتها منذ أكثر من 62 عاماً نتيجة لممارساتها الرعناء. وقد سبق أن أشرت في مقال سابق الى أن عدوى الانتحار قد انتقلت من العرب الى الإسرائيليين، فبعد أن توقفوا عن ممارسة عمليات تسيء لسمعتهم وتدمر قضيتهم العادلة أخذت اسرائيل الريادة في الإرهاب والقتل والتدمير وانتهاك القوانين الدولية وكل معوقات الشرعية من الاعتداءات على لبنان وغزة الى انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين، الى فضائح الاغتيالات وآخرها أحد قياديي حماس (الشهيد محمود المبحوح) في دبي، التي تم الكشف عن خيوطها وفضح المشاركين فيها وتوجيه الاتهام المباشر الى إسرائيل ما أوقعها في أزمة دبلوماسية مع دول عدة حليفة لها بسبب تزوير جوازات سفر استخدمها القتلة.

وجاءت القرصنة الإسرائيلية ضد «قافلة الحرية» التي تنقل مساعدات إنسانية لأبناء غزة المحاصرة واعتداءاتها السافرة ضد الناشطين العزل من السلاح لتكرس «الوجه القبيح» لإسرائيل وتتسبب بحشد الرأي العام العربي والإسلامي والعالمي ضدها وتنزع عنها ورقة التوت الأخيرة لتعريها وتكشف حقيقتها كدولة استعمارية خارجة عن القانون ومعرقلة لجهود السلام.

وقد تساءل الكثيرون عن أبعاد هذه الممارسات الإسرائيلية على رغم معرفتهم بتوجهات حكومة الليكود وعتاة التعصب والعنصرية والحقد، ولكن الأكيد أن إسرائيل أرادت توجيه رسائل عدة الى العالم والعرب والمسلمين وهي أنها ستمضي في غيّها حتى النهاية حتى ولو كلفها ذلك سمعتها وشرعيتها، وأنها ستضرب مجدداً وتقتل وتدمر وتنتهك القوانين الدولية مستندة في ذلك الى تجارب سابقة انتهت من دون أضرار بعد أيام من التظاهرات وبيانات الشجب والاستنكار والتنديد، وأكبر دليل على ذلك جرائمها في غزة التي وثقت في تقرير غولدستون وسط ضجة عالمية ودعوات للمحاكمة والمحاسبة انتهت بإخفائه في أدراج الأمم المتحدة ليطويه النسيان وكأن شيئاً لم يكن.

وأخشى ما نخشاه هو أن تنتهي الضجة حول القرصنة الأخيرة كغيرها ما يتطلب اليقظة والمتابعة ورفض الاستسلام للأمر الواقع لأن إسرائيل خسرت الكثير وفقدت أهم حليف وصديق وهو تركيا الدولة الإسلامية الوحيدة التي اعترفت بها وأقامت معها علاقات تحالف وتعاون وثيقة في كل المجالات.

أما الرسالة الأهم التي أرادت إسرائيل توجيهها الى العالم، وإلى الرئيس أوباما بالذات، فهي أنها لن ترضخ لإرادة السلام ولن تمضي في أية مفاوضات حتى ولو كانت صورية، بعد أن سددت طعنة نجلاء للولايات المتحدة التي بذلت الكثير من الجهد للحصول على الضوء الأخضر العربي لإجراء مفاوضات غير مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين لمدة 4 أشهر.

أما تركيا فقد حققت المكاسب المتعددة بعد أن فاض بها الكيل من إسرائيل والغرب واتخذت قراراً إستراتيجياً بالتقرب من محيطها وتعزيز علاقاتها العربية والإسلامية والدفاع عن قضية فلسطين في المحافل الدولية وتربعت على عرش العواطف العربية بعد «القرصنة الإسرائيلية» التي وجهت مباشرة الى السفن التركية التي تحمل راية «قافلة الحرية» لرفع الحصار عن غزة.

والأكيد أن الموقف التركي ليس إبن ساعته ولم يتخذ عن تسرع أو لأسباب عاطفية اشتهر بها العرب، ولم يأت كرد فعل على حدث آني بل جاء بعد سلسلة إحباطات وجدت القيادة التركية نفسها تقف على مفترق طرق لا مجال للخروج منه إلا بقلب المائدة على الجميع.

هذه الإحباطات تمثلت في الأحداث الآتية على سبيل المثال لا الحصر:

• إغلاق الباب أمام انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي ووضع شروط تعجيزية أمامها على رغم ضم دول عدة بلا شروط ولا ضوابط.

• تخلي الغرب عن تركيا تدريجياً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة على رغم عضويتها في حلف الأطلسي ودورها كدرع إسلامي متقدم في المنطقة والتعامل معها وكأنها إبن غير شرعي يخجل من الاعتراف به ومنحه حقوقه كاملة غير منقوصة.

• إقرار الكونغرس الأميركي بيان إدانة ضد ما درج على تسميته «المجزرة الأرمينية» على رغم المناشدات المتكررة لتركيا ثم اكتشاف أن اللوبي الصهيوني أسهم في تمرير البيان ولم يعمل، كما في السابق، على منع أي قرار ضد تركيا.

• تداعيات الاحتلال الأميركي للعراق وبروز الكيان شبه المستقل للأكراد والخوف من امتداد العدوى الى تركيا وسورية وإيران، ما استدعى المسارعة الى عقد تحالفات تحد من الأخطار وتوقف أية محاولة للاستقلال أو للانفصال عن العراق.

• إفشال إسرائيل لجهود السلام التركية خلال المفاوضات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل ولا سيما عند الاعتداء الصارخ على غزة في لحظة التوصل الى شبه اتفاق أو على الأقل مرحلة حسم القرار في خطوة نحو النجاح التركي.

• هناك دلائل ووثائق تشير بأصابع الاتهام الى الإسرائيليين في تشجيع بعض الضباط والعسكريين ضد حكومة أردوغان.

لكل هذه الأسباب ضربت تركيا ضربتها وتحولت بين ليلة وضحاها الى المدافع الأول عن فلسطين ورفعت الأعلام التركية وصور اردوغان في المدن العربية كتعبير عن الامتنان والشكر على إعداد «قافلة الحرية» والتصدي لإسرائيل ودعم الشعب الفلسطيني.

والملاحظ أن تنامي الدور التركي تزامن مع تراجع الدور الإيراني بسبب تحفظ إيران خلال الأزمة الأخيرة وبرودة ردود أفعالها، على غير المعتاد، إن على الصعيد الرسمي أو في ميدان الشارع الذي كان الإيرانيون يبرعون فيه عند وقوع أحداث مماثلة. وهذ ما يؤكد نظرية «حروب الأدوار» في المنطقة.

والأرجح أن دور تركيا سيتنامى من دون أن يصل الى ما يحلم به البعض من إحياء «دولة الخلافة»، فهي مؤهلة للقيادة بوصفها دولة سنية معتدلة بعد تحفظات البعض على قيادة إيران الشيعية. والأيام المقبلة حبلى بمفاجآت قد تكون تصعيدية، وقد تكون متجهة نحو التبريد وصولاً الى إطلاق مبادرة سلام شاملة يكون لتركيا الدور الأكبر في تسويقها كجائزة ترضية تعيدها الى خط الاعتدال والسعي نحو السلام والاستقرار، ان لم تتجدد محاولات ضربها من الداخل لإنهاء حكم حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي بزعامة أردوغان.

* كاتب عربي

===============

اسرائيل في قبضة التطرف الديني

المستقبل - الاثنين 21 حزيران 2010

العدد 3688 - رأي و فكر - صفحة 19

محمد السمَّاك

ثلاثة أسماء يهودية تستحق التوقف أمام أصحابها:

نوعام تشومسكي، الكاتب والأكاديمي الذي رفضت اسرائيل السماح له بدخول الضفة الغربية لإلقاء محاضرة في جامعة بيرزيت، بحجة انه وصفها بالعنصرية وبأنها "جنوب افريقيا ثانية".

ريتشارد غولدستون، القاضي والمحقق الدولي الذي اشرف على وضع نصّ التحقيق الذي أدان اسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة.

موردخاي فعنونو، العالِم النووي الذي كان يعمل في مفاعل ديمونا في النقب والذي فضح مشروع اسرائيل العسكري النووي، وقد حكم عليه بالسجن مدى الحياة، قضى منها 18 عاماً. ثم أعيد الى السجن أخيراً بحجة انه خالف هذه الشروط، ومنها عدم الاتصال بغير الاسرائيليين.

بالنسبة للبروفسور تشومسكي فانه يرى، كما قال هو نفسه، "ان اسرائيل بسلوكها تعيد الى الأذهان سلوك جنوب افريقيا في ستينات القرن الماضي عندما أدركت ان العالم ينبذها ويعتبرها جرباء، لكنها اعتقدت انه يمكنها حل المشكلة بحملات دعائية. وأنا أعتقد يقول تشومسكي أستاذ علم اللغويات في معهد "أم اي تي" الشهير في الولايات المتحدة "ان اسرائيل تسير على ثلج رقيق جداً وتلعب لعبة خطرة بسياستها والامور قابلة للتغيير بسرعة".

ان مقارنة اسرائيل في عنصريتها الصهيونية ضد الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين، بجنوب افريقيا وبعنصريتها الاثنية ضد الأفارقة السود، ومن ثم التحذير من ان التغيير يحدث بسرعة، هذه المقارنة تشير ان ان تشومسكي يتوقع مصيراً لاسرائيل مشابهاً للمصير الذي انتهى اليه الحكم العنصري في جنوب افريقيا. وقد لاحظ تشومسكي كيف ان المجتمع الاسرائيلي يزداد تطرفاً دينياً، الامر الذي يدفعها الى المزيد من التطرف العنصري الديني. وقد عزا ذلك الى ان "المتدينين يزدادون بسرعة أكبر من غيرهم. فهو يقول ان اسرائيل باتت المكان الذي يرسل الاميركيون الارثوذكس أطفالهم المضطربين. هناك العديد من الأطفال الضائعين الذين ليس لديهم حياة ويشعرون بالعزلة. واذا اندمجوا مع هذا المجتمع (المتطرف في اسرائيل)، سيحصلون على الحياة. ولهذا يتم ارسالهم الى اسرائيل. ان نصف المجانين في الضفة الغربية يتحدرون من بروكلين، وبهذا المعنى تتحول اسرائيل الى دولة دينية. ولكن هناك مشكلة خطيرة تنبثق داخل المجتمع الاسرائيلي، الذي كان علمانياً، والآن بات المتدينون أكثر قوة، والعديد من المتدينين يلتزمون بما يقوله الحاخامات لا بما تفرضه الدولة، وخاصة داخل الجيش".

وبالنسبة للقاضي غولدستون فقد تعرض لحملة تشهير اسرائيلية واسعة النطاق عقاباً له على التقرير الذي أدان فيه الجيش الاسرائيلي على الجرائم الجماعية التي ارتكبها في غزة عام 2008 واستخدامه الاسلحة المحرمة دولياً ضد الأحياء المدنية بما فيها المدارس والمستشفيات، ومما تتضمنه تلك الحملة اتهامه بالعنصرية عندما كان قاضياً أثناء الحكم العنصري في جنوب افريقيا. فقد اصدر أحكاماً قضت بإعدام 28 افريقياً شنقاً.

وحاولت اسرائيل من خلال هذه الحملة الإيحاء بأن التعاطف الذي أبداه غولدستون تجاه الفلسطينيين كان محاولة لإراحة ضميره ولتغطية تلك الأحكام الجائرة.

غير ان ما تعمدت الحملة الاسرائيلية تجاهله، هو ان الرئيس الافريقي نلسون مانديلا بعد المصالحة الوطنية واستعادة الأفارقة السود حقوقهم الوطنية، أعاد تعيين غولدستون في منصبه القضائي الرفيع، الى ان اعتمدته الأمم المتحدة لرئاسة لجنة التحقيق حول الحرب الاسرائيلية على غزة.

لقد تجاهلت اسرائيل حقيقة دورها مع جنوب افريقيا وهي تحاول التشهير بالقاضي غولدستون. فبعد حرب رمضان 1973 رفعت اسرائيل مستوى تعاونها مع النظام العنصري، فكانت صفقات الاسلحة الاسرائيلية التي استخدمتها قوات ذلك النظام المتشدد والمقاطع دولياً لقمع حركة التحرر الافريقية. وكانت صفقة اليورانيوم التي حصلت عليها اسرائيل بالمقابل لتشغيل مفاعلاتها النووية في النقب مقابل تبادل المعلومات والخبرات النووية مع الحكومة العنصرية. وتقدر كمية اليورانيوم التي حصلت عليها اسرائيل لانتاج القنابل النووية (200 قنبلة على الأقل ) بنحو 450 طناً. ولقد كشفت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية أخيراً ان اسرائيل عرضت على جنوب افريقيا بيعها كذلك رؤوساً نووية في عام 1976. وكان صاحب العرض شمعون بيريز وزير الدفاع في ذلك الوقت.

ومن خلال ذلك تبرز قضية الشخصية الثالثة مورخاي فعنونو، الذي كان قد كشف متطوعاً اسرار الصناعة العسكرية النووية الاسرائيلية الى صحيفة صنداي تايمز البريطانية. ورغم انه كان يتمتع بحماية شرطة سكوتلنديارد في لندن، فقد اختطفه الموساد الاسرائيلي ونقله سراً عبر روما الى تل أبيب. وشكل اختطافه في ذلك الوقت فضيحة في بريطانيا سرعان ما طويت صفحتها بضغط من اللوبي الصهيوني. يومها جرت محاكمة سرية لفعنونو في اسرائيل.. وحكم عليه بالسجن المؤبد، ولكن بعد أن قضى 18 عاماً في السجن أطلق سراحه ليعتَقل من جديد في الاسبوع الماضي. وقد أعلن فعنونو اثر ذلك في تصريح نشرته احدى الصحف الاسرائيلية المحلية "عار عليك يا اسرائيل.. انت التي تعيدينني الى السجن بعد 24 سنة لسبب واحد وهو انني قلت الحقيقة. ان ما لم تحصلوا عليه بسجني 18 سنة لن تحصلوا عليه بسجني ثلاثة اشهر". وما تريد اسرائيل ان تحصل عليه هو أن يقفل فعنونو فمه وأن يسكت على الترسانة النووية المتضخمة التي انتجتها اسرائيل في ديمونا.

ان الجامع المشترك بين هذه الشخصيات اليهودية الثلاث، هو انها تدق ناقوس الخطر من اسرائيل وليس على اسرائيل. بمعنى أن اسرائيل التي جرى تصويرها في السابق وكأنها الملجأ والمأوى ومخدة الأمان ليهود العالم، اصبحت اليوم عبئاً اخلاقياً على ضمير يهود العالم. كذلك فان العالم الذي كان يحدد مواقفه من الصراع الاسرائيلي العربي على أساس الخوف على اسرائيل، بدأ إعادة النظر في هذه المواقف على أساس الخوف من اسرائيل.. كان التعاطف مع اسرائيل يعكس عقدة الذنب التي تولدت من جراء اضطهاد اليهود في أوروبا على مدى أجيال وخاصة في العهد النازي. غير ان هذا التعاطف بدأ يتراجع تحت ضغط عقدة الذنب التي بدأت تتولد من جراء الاضطهاد الاسرائيلي للفلسطينيين. حتى ان الولايات المتحدة ذاتها بدأت تشهد ولادة حركات يهودية ترفع الصوت عالياً ضد السياسة العنصرية التي تمارسها اسرائيل. لقد انتهى الزمن الذي كانت اسرائيل تُصوَّر فيه وكأنها حَمَل وديع محاط بالجزارين العرب الذين يحاولون تقطيعه إرباً وإلقائه في البحر. اما صورتها اليوم فهي على شكل ذئب نووي شرس، يرتكب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، وينتهك القانون الدولي والمواثيق الدولية الاخرى. وقد بلغت اسرائيل مستوى من الغطرسة والاستخفاف بالمجتمع الدولي أنها بادرت الى تزوير جوازات سفر الدول التي سبق أن اغدقت عليها الدعم والمساعدات، على النحو الذي فعلته مع استراليا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا

أخيراً من أجل ارتكاب جريمة اغتيال المناضل الفلسطيني محمود المبحوح في دبي.. على سبيل المثال لا الحصر.

ومن الواضح في ضوء قراءة تشومسكي وغولدستون وفعنونو انه كلما ازدادت اسرائيل تطرفاً دينياً كلما ازداد خطرها على ذاتها وعلى العالم.. وفي الأمثلة اللبنانية: عندما يصاب عدوك بالجنون.. افرح له"!!.

===============

ضرورة التزام أوباما بالانسحاب من أفغانستان في موعده

يوجين روبنسون

الشرق الاوسط

21-6-2010

عندما أمر الرئيس أوباما بتصعيد الحرب في أفغانستان، تعهد بإعادة القوات إلى الأراضي الأميركية في صيف 2011. ويجب أن تزيده التقارير المثبطة القادمة من منطقة الحرب تصميما في الحفاظ على وعده، والأميركيون أكثر إصرارا على دعمه في التمسك به.

وفي شهادته في ال«كابيتول هيل» الأسبوع الماضي، سعى الجنرال ديفيد بترايوس (الأب الروحي لاستراتيجية أوباما برفع أعداد القوات 30 ألف جندي إضافي) بقوة إلى محاولة تمديد هذا الجدول الزمني. وقال بترايوس أمام لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ: «يجب أن نكون حذرين بشأن التوقيت الزمني، فتحديد يوليو (تموز) كموعد نهائي لبدء سحب القوات من أفغانستان يجب أن يعتمد على افتراض بأن الأوضاع مشجعة».

ووفقا لما قاله الجنرال بترايوس، ستكون الصورة الأخرى لوصف الموعد النهائي لسحب القوات من أفغانستان، التي لا تعتمد في الأساس على روزنامة، بل على مجموعة من الأوضاع غير المستقرة التي يصعب تحقيقها، التزاما مطلقا، وهو ما قال أوباما إنه لن يمنحه للحكومة الواهنة الفاسدة غير الجديرة بالثقة إلى حد بعيد.

كان هناك سببان أساسيان دفعا الرئيس لوضع جدول زمني؛ الأول يتمثل في استرضاء الرأي العام الأميركي المتشكك، الذي بدأ في ربط الحرب في أفغانستان بأفكار شبيهة بمستنقع فيتنام. أما السبب الآخر فإلقاء المزيد من الضغوط على الرئيس الأفغاني حميد كرزاي لصياغة وتحديث البرنامج الحكومي، وهو ما لم يقم به. فكرزاي، الذي يبدو أنه لم يفهم الرسالة بشأن ما ينبغي على الدمية الأميركية القيام به، يميل تارة إلى التعاون، وتارة أخرى إلى التحدي الفظ. والأمر الأكثر إثارة للانزعاج أن كرزاي يخرب بفاعلية جهود معركة الفوز بالقلوب والعقول في قندهار، معقل تمرد طالبان، عبر ترك السلطة المحلية في يد أخيه السفاح غير الشقيق أحمد والي كرزاي.

في واشنطن، تفسير الصقور من اليمين للأحداث هو أن الخط الزمني في حد ذاته هو المشكلة الآن، وهو بحسب ما قاله السيناتور جون ماكين من أن «اللاعبين الرئيسيين داخل وخارج أفغانستان، يرون أن الولايات المتحدة تريد الخروج من أفغانستان أكثر من رغبتها في النجاح في المهمة».

قد تبدو هذه حجة معقولة حتى تمعن النظر فيها، فكرزاي وطالبان وأمراء الحرب والشعب الأفغاني يعلمون بالفعل أن الولايات المتحدة والناتو سيغادران يوما ما، وأن السبيل الوحيد لدفعهما إلى التفكير في غير ذلك هو الإعلان عن عزمنا على البقاء إلى الأبد، ومن المؤكد أن تلك ليست هي المشكلة. فمن وجهة النظر الأفغانية ليس ثمة فارق كبير، سواء غادر المتطفلون خلال عام أو خمسة أعوام.

لكن ذلك قد يشكل فارقا، بطبيعة الحال، إذا كانت هناك حكومة أفغانية ذات كفاءة ونزاهة، وقادرة على استغلال مزيد من الوقت لبناء قدراتها والفوز بثقة الأفراد. بيد أن الجميع يعلم أن مثل هذه الحكومة غير قائمة.

يشكو ماكين من أن الفصائل المتنازعة في أفغانستان تقوم بالترتيبات الضرورية لأفغانستان ما بعد الحرب، لكن تلك النتيجة ليست هي النتيجة الحتمية، بل إنها ما نزعم أننا نطالب به.

وعاجلا أم آجلا ستكون هناك أفغانستان ما بعد الولايات المتحدة. وسيمارس أنصار طالبان القوة والنفوذ في البلاد، ولن ينتهي الفساد، ولن تتوقف زراعة الأفيون والماريجوانا، ولا نظام الولاءات القبلية التي لم يفلح الغزاة في القضاء عليه.

إن ذلك لا يعني أن أفغانستان أشبه بحالة ميؤوس منها. لكن الاعتقاد بأن تجربة بناء الدولة التي قادتها الولايات المتحدة - وما نحاول فعله، حتى إن أطلقنا عليه مكافحة التمرد - يمكن أن يفرض معيارا مؤسسيا جديدا في هذه الدولة خلال عام أو عامين، أو حتى 10 أعوام، هو مجرد خيال محض.

وسواء التزم الرئيس أوباما بالموعد النهائي المعلن أم لم يلتزم، فإن ذلك لا يعني الكثير بالنسبة للأفغان، كما هو الحال بالنسبة لنا. الخسائر الأميركية تزداد كما توقعنا، وقد ضاعف الرئيس أوباما عدد القوات ثلاثة أضعاف منذ توليه منصبه، ومعركة السيطرة على قندهار ستكون دامية. وحلفاؤنا الأوربيون يتلوون، ويشكون، ويبحثون عن مخرج، وبمرور الوقت ستصبح حربا أميركية خالصة.

السؤال هو: كم ستكلفنا الحرب تحديدا من أرواح أولئك الشباب والموارد النادرة؟ لقد فاز أوباما بتأييد الأمة لأنه قطع وعدا بأن يبدأ انسحاب القوات الأميركية العام القادم، ولذا يتوقع الأميركيون أن يلتزم بوعده، ويصر على التزامه

===============

الثورة الإيرانية: العام الثاني

رويل ماركت غريتشيت

الشرق الاوسط

21-6-2010

في عام 1985 - عندما لم يتخيل أي مسؤول حكومي وقوع مظاهرات واسعة النطاق تطالب بالديمقراطية كتلك التي وقعت قبل عام في مثل هذا الأسبوع - ألحقت بشعبة إيران في إدارة العمليات التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. كان أحد زملائي رجلا مسنا التحق من الرعيل الأول الذي دخل الوكالة في أيامها الأُول، عندما كان الوطنيون الأحرار والاشتراكيون الصقور يقومون بإدارة غالبية البرامج السرية الأميركية.

كان الرجل حاد الذكاء طيب القلب (بالنسبة لعميل) ومؤيد لليسار في العمل السياسي. لم يكن زميلي يكترث للحدود الوطنية إذا ما تعلق الأمر بمناصرة حقوق الإنسان. بإمكان الرجل التحدث لساعات حول السبب وراء كون الفيلسوف النمساوي كارل بوبير، مؤلف كتاب «المجتمع المفتوح وأعداؤه» الإجابة للحكم الاستبدادي في إيران. كان الرجل الأكثر حماسة ورغبة داخل إدارة القسم ويخطط للقيام بأمر ما لمساعدة الإيرانيين ضد حكم آية الله روح الله الخميني الديني.

وكما تبين فيما بعد، أحب الكثير من المفكرين الذين قادوا الثورة الخضراء المتنامية المؤيدة للديمقراطية بوبير ودفاعه عن الديمقراطية الليبرالية. ولم يتوقف الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي، المغرم بالفلسفة الغربية والديناميكيات الاقتصادية للديمقراطية الليبرالية، عن الكتابة حول بوبير. كما أبدى الكاتب الأكثر نفوذا عبد الكريم سوروش، الفيلسوف الديني الإيراني الذي ربما يكون المفكر الإسلامي الأهم في العالم الإسلامي بعد الغزالي، الذي عاش في القرن الحادي عشر، تقديرا كبيرا للفيلسوف النمساوي وجهوده لتكوين عقيدة تزدهر في مجتمع أكثر ديمقراطية وأكثر انفتاحا.

وعندما أفكر في التغييرات التي شهدتها إيران على مدى العام الماضي، يرد إلى ذهني زميلي الذي يفضل العمل السري، وكارل بوبير والحشود المطالبة بالديمقراطية والمفكرون الدينيون الإيرانيون الذين يسهمون في تحول ثقافة بلادهم وأخلاقياتها، فهم أدلاؤنا إلى ما يجب أن تكون عليه الولايات المتحدة فيما يتصل بإيران. وهم أيضا وخز لضمير الرئيس أوباما على تساهله حتى هذه اللحظة مع السياسة الإيرانية.

في الوقت الذي لم تتمكن فيه إدارة ريغان من تقديم الكثير للشعب الإيراني (جهود ريغان الحثيثة لإشراك النظام الديني في إيران في المفاوضات حول الرهائن في لبنان لم يعزز من موقف المعتدلين في طهران) يمكن لأوباما أن يقوم بالكثير. فتأييده للحركة المطالبة بالحرية يمكن أن يزيد من الضغوط على القيادة الإيرانية بأننا لن نضطر للعيش مع القنبلة النووية التي يسيطر عليها رجال دين يضمرون العداء للولايات المتحدة والسامية. ويحتاج الديمقراطيون، الذين كانوا من قبل قادة الحركة المنادية بالديمقراطية، إلى إدراك أن النفع الذي يمكنهم القيام به لصالح الشعب الإيراني يتجاوز مقدار الضرر الناتج عن الصمت.

ولكي تقدم الولايات المتحدة يد العون، فنحن بحاجة في البداية لأن نرى بوضوح ما يحدث فعليا داخل إيران منذ وفاة آية الله الخميني عام 1989 وحتى العام الماضي. في بداية الثمانينات عندما كان الشباب الإيراني مفتونين بكاريزمة الخميني كان من الصعب تخيل أن يقوم هذا المجتمع المسلم في خلال عقدين بالمشاركة في أقسى انتقادات للاستبداد شهدناها في الشرق الأوسط.

وأحد أبرز أسباب هذا التغير تكمن في العقم الفكري للنظام.

لا يزال آية الله محمد تقي مصباح يزدي، المرشد الروحي للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، يلعب دورا بارزا، لأنه يعتقد أن الإنسان والله تجسدا في اتحاد قوي في الجمهورية الإسلامية.

كانت الحركة الخضراء نتيجة للتحول الثقافي والسياسي، الذي كثيرا ما رغبت الولايات المتحدة في رؤيته يحدث في الشرق الأوسط، خاصة في أعقاب 11/9: فهناك حركة ديمقراطية ليبرالية، علمانية بدرجة كبيرة في أهدافها السياسية والفلسفية، تمد جذورها داخل الطبقة الوسطى الكبيرة في إيران، بل وحتى في أوساط قسم كبير من الشباب الإيراني الجامعي.

والحركة متشابهة في تطلعاتها ووسائلها لما حدث خلف السور الحديدي في الثمانينات. إذا تتمثل أهدافها في دمج اليائسين روحيا من المفكرين الليبراليين وأصحاب الرواتب المتدنية والشباب (أكثر من 60% من السكان الإيرانيين أقل من 30 عاما) وعلماء الدين المعارضين لخامنئي، وربما الأهم من ذلك الرعيل الأول من الثوريين في السبعينات الذين تعرضوا للضيم على يد آية الله علي خامنئي، الذي يفتقر إلى كاريزما الخميني، والذي يعاني من جنون الارتياب. وتعتبر الحركة أيضا أبرز إعلان في الوقت الحاضر (الأول كان لدى انتصار محمد خاتمي برئاسة الجمهورية عام 1997) عن الغضب المنتشر من قبل النساء على تدني مرتبتهم إلى الدرجة الثانية في الجمهورية الإسلامية.

تعتبر الحركة متفردة في التاريخ الإسلامي: فهي ثورة فكرية تهدف إلى حل سلمي وديمقراطي لمعضلة المسلمين الكبرى حول السلطة الدينية والتعاون الثقافي. وكيف يمكن لأشخاص معتزين بهوياتهم تبني الأفضل (والأسوأ) من الغرب مع الحفاظ في الوقت ذاته على الهوية التاريخية المحبوبة بدرجة كبيرة؟

الملايين الذين صوتوا عام 1997 وعام 2001 لخاتمي، رائد الدعوة إلى تكامل الثقافات، كانت تخبرنا بأن الأمر لم يعد حقا مشكلة. فقد فشل محمد رضا بهلوي، الذي حكم إيران منذ عام 1941 وحتى الثورة في تحقيق حلمه بتحويل الإيرانيين إلى ألمان. بيد أن 30 عاما من الحكم الثيوقراطي قامت بأمر مذهل تمثل في تغريب المرجعيات الثقافية والسياسية الإيرانية.

وعلى الرغم من أن أحداث الشغب التي وقعت العام الماضي لم تسقط حكم الملالي، فإن الجمهورية الإسلامية غير مستقرة على الإطلاق، فكل عطلة قومية تتحول إلى يوم احتجاج، ولا بد للنظام من أن يرسل بمئات الآلاف من قوات الأمن كما فعلت خلال الأيام التي سبقت الاحتفالات بالذكرى السنوية الأولى التي وافقت يوم السبت.

الوحشية التي مارسها آية الله خامنئي ضد الحركة الخضراء الصيف الماضي - اتهمت القوات الحكومية بالقتل والتعذيب والأكثر إثارة للصدمة، الاغتصاب - ربما تكون قد كلفت النظام ثمنا باهظا بتحول بعض أبرز أقطابه الذين يشكلون حجر الزاوية بالنسبة لقوة المرشد الأعلى.

لا يزال مير حسين موسوي، أبرز قادة الحركة الديمقراطية، حيا وطليقا، وربما السبب الرئيسي في ذلك هو خوف النظام من موجات الصدمة التي يمكن أن تنتج إذا ما تعرض لأذى، لأنها لم تتمكن من احتواء مظاهرات الشارع. ويدرك آية الله خامنئي جيدا كثرة أعداد أعدائه والأوضاع الملتهبة داخل الدولة.

بيد أن الرئيس أوباما - الذي اعترف بعد وقت طويل بالحركة الخضراء كاحتجاج على الاستبداد - الذي ربما يعرض عن الحركة الديمقراطية الإيرانية تماما إذا ما قرر خامنئي الحوار مع واشنطن حول البرنامج النووي. ويبدو أن الرئيس يميل بشدة إلى فكرة الحوار. فقد أكدت الإدارة على أن العقوبات التي دفعتها إلى مجلس الأمن قبل أسابيع صيغة متدرجة من الضغط ومرتبطة بأفعال طهران. وتأييد الحركة الخضراء أكثر إشكالية سواء من الناحية السياسية أو الأخلاقية. فالحركة لم تعد مجرد حركة تهدف إلى جعل الدولة أكثر ليبرالية بل إلى تغيير النظام.

من المتوقع إلى حد بعيد أن يلجأ آية الله علي خامنئي إلى المساومة على الأسلحة النووية إذا ما شعر بأن نظامه على وشك السقوط على يد الحركة الخضراء، ومن ثم يجب أن يعمد الرئيس أوباما - ناهيك عن الإدراك التاريخي والاستراتيجي لما يحدث في إيران - إلى تنفيذ مطلب الحركة الدائم من واشنطن، بدعم اتصالاتها.

فالمعارضة بحاجة، على نحو خاص، إلى الوصول إلى وصلات الإنترنت المرتبطة بالقمر الصناعي، على عكس الاتصالات الأرضية، فالاتصالات التي تعمل عبر الأقمار الصناعية يصعب على الحكومة إغلاقها، ومراقبتها ستكون أشبه بكابوس تقني بالنسبة للنظام. تحتاج المعارضة إلى مساحة أكبر للوصول إلى مجموعة متنوعة من الأقمار الصناعية التي يمكن الوصول إليها في إيران - من بينها عرب سات الذي أطلقته الجامعة العربية عام 1976 وقمر يوتل سات الفرنسي.

وتحتاج حركة الديمقراطية أيضا إلى إمدادات كبيرة من كروت بث الفيديو الرقمي التي تعمل بصورة كبيرة مثل كروت الهواتف المدفوعة مسبقا، وتمكن من تحميل ورفع المحتوى الرقمي من الأقمار الصناعية. وقد أجرى خبراء التكنولوجيا في الحركة الخضراء حسابات سريعة: يمكن ل50 مليون دولار في العام أن تجعل البلاد بالكامل منفتحة أمام الإنترنت. ولكن، يمكن لملايين أقل أن تسمح للتنظيمات المتنوعة المناصرة للديمقراطية بالتواصل مع بعضها البعض، وتواجه القوات الأمنية التابعة للنظام الحاكم بصورة أكثر فعالية. وبالمقارنة مع ما قامت به الولايات المتحدة سلميا من أجل مساعدة المناوئين للشيوعية خلال الحرب الباردة، ستمثل هذه المساعدات شيئا بسيطا من الناحية المالية والعملية.

وقبل أسبوع واحد فقط من الانتخابات الإيرانية الصيف الماضي، أدلى الرئيس أوباما بخطابه للعالم الإسلامي من القاهرة. وخلال كلمته، تحدث أوباما عن «الانسجام بين العرف والتقدم» في الإسلام عن طريق وضع مركز التعليم الديني الأقدم في مصر، جامعة الأزهر، إلى جوار جامعة القاهرة، التي كانت من أرفع المؤسسات العلمانية في المنطقة. ولكن هاتين الجامعتين، وما تمثلانه، أشبه بلعبة شد حبل خلال أكثر من قرن من الزمان.

وكان نقص الانسجام – والتوتر الدائم بين بحث المسلمين عن الأصالة وحب المسلمين للتغريب – السبب في تحطيم رئاسة محمد خاتمي الإصلاحية في إيران. المعركة الأساسية ليست بيننا وبينهم، ولكن داخل الإسلام نفسه. ولكن، لا يبدو أن الرئيس أوباما يفهم أن الولايات المتحدة جزء لا يمكن تجنبه من هذا الصراع العنيف المتزايد. وفي الواقع، فإننا نريد من أحد الأطراف أن يفوز: أصدقاء كارل بوبير.

* زميل بارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وكان متخصصا مسؤولا عن شؤون الشرق الأوسط بخدمة سرية تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية

=======================

مقابلة مع عصام العريان عضو في مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين

أجرت المقابلة ميشيل دن، رئيسة تحرير نشرة الإصلاح العربي، في القاهرة في 31 مايو/أيار 2010

15 يونيو/حزيران، 2010

ما هي أولويات الجماعة في ما يخص المشاركة السياسية، خاصة بعد انتخاب مجلس الإرشاد الجديد الذي توقع العديدون ان يتخذ نهجا أكثر تركيزاً على العمل التنظيمي الداخلي؟

أعتقد أن ما حدث هو عكس ما كان متوقعا على طول الخط لعدة أسباب، وهي أننا استمررنا في نشاطنا واهتمامنا بالقضايا القومية والوطنية، وفي الصدارة قضية فلسطين وما حدث من تهديد للأقصى، وما حدث من حصار ضد الشعب في غزة. كانت مشاركتنا في انتخابات التجديد النصفي في مجلس الشورى، ثم بنفس النسبة كانت مشاركتنا في مجلس الشعب الماضي، ثم كان هناك تنسيقا مع عدد من القوى السياسية وانفتحنا عليها، وزيارتنا لها بل تأييدنا لبعض مرشحيها في هذه الانتخابات في التجديد النصفي لمجلس الشورى.

 

هذا يدل على حقيقة أن ما يكتبه بعض المحللين والمراقبين إنما هو انطباعات سريعة وليست مبنية على معلومات دقيقة، ربما تكون هذه تمنيات لدى البعض؛ انسحاب الإخوان من الحياة السياسية والحياة العامة، هو يدل على جهل أيضا بطبيعة عمل الإخوان. جماعة الإخوان لا تعمل وفق رؤية مرشد جديد أو مكتب إرشاد جديد، جماعة الإخوان تعمل وفق خطط مستمرة، أحيانا تنشر هذه الخطط، وأحيانا يحصل عليها الأمن فيعرفها بالتفاصيل. وهذه خطط ليست سرية ولكنها معروفة وتطبق. ومن أهم دعائم هذه الخطط هو أن الإخوان يعتمدون مبدأ الإصلاح الشامل في كافة مناحي الحياة، وهذا يعني المشاركة الفعالة في كل المجالات: سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وفكرية وغيرها. أن هذا الإصلاح الشامل يبدأ بالإصلاح الدستوري والسياسي، وهذا يقتضي مشاركة في الانتخابات العامة والحضور الفعال في المؤسسات الدستورية وهذا ما يطبقه الإخوان. أن هذا الإصلاح الدستوري والسياسي والشامل لايمكن أن يتم بجهد الإخوان وحدهم، إذ لابد من أن تكون هناك جهود من كافة القوى السياسية والقوى الحية والأحزاب. وهذا يعني أن نمد أيدينا لهذه الأحزاب في هذه الانتخابات وقد قمنا قبلها بزيارة خمسة أوستة أحزاب وزارتنا ثلاثة أحزاب أخرى. ثم أننا نؤيد الآن ستة مرشحين في حوالي خمس محافظات من خمس قوى سياسية، ونؤيد مسيحي في أسيوط، وهي المرة الثانية التي نؤيد فيها مسيحي في أسيوط، لأن منطقة أسيوط معروفة بالاحتقان بين المسلمين والمسيحيين. ونؤيد أيضا مرشحين من حزب التجمع وهو الحزب اليساري الذي يهاجمنا بإستمرار، اثنين من حزب التجمع في دمياط وفي مدينة ستة أكتوبر. ونؤيد مرشح وفدي في محافظة كبرى وهي محافظة الدقهلية، ونؤيد مرشح آخر من حزب الغد في أسيوط ومرشح أخير من حزب العمل في دائرة في بني سويف. إذن هذه سياسة إخوانية مستقرة، ونحن نسير عليها ولن تتغير أبدا بتغييرات هيكلية.

 

كيف ستؤثر درجة المشاركة السياسية هذه السنة على فرص الجماعة في الإنتخابات المقبلة؟

للأسف الشديد، المواطن المصري لديه نوع من المشاركة دفاعا عن حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والعمالية والوظيفية بصورة كبيرة إذا وقع ظلم مباشر عليه. وبالتالي رأينا خلال السنتين الماضيتين تصاعد حركة الاحتجاجات العمالية وللموظفين أمام مجلسي الشعب والشورى. ولكن للأسف المواطن المصري لايزال لا يربط بين هذه المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والوظيفية وبين الإصلاح السياسي. فانفصلت الحركة المطالبية عن الحركة السياسية، فرأينا مئات العمال بل آلاف أحيانا يتظاهرون عندما تصفى شركاتهم ولايحصلون على حقوقهم، بينما لانرى في الاحتجاجات السياسية التي نقوم بها إلا عدد قليل. ونأمل أن ينعكس هذا على نسبة التصويت في الانتخابات القادمة. بمعنى أنه إذا شعر المواطن أن صوته يجب ان يصل إلى المسؤولين في المؤسسات الدستورية فعليه واجب أن يذهب إلى صناديق الاقتراع بالذات في انتخابات مجلس الشعب لأنها انتخابات عامة على مستوى القطر كله، بحيث تزداد فرص نجاح المعارضة التي تستطيع أن تحمل صوته إلى المؤسسات الدستورية.

 

أنا لدي تفاؤل وذلك، رغم هذا الانفصال بين حركة المطالبة الاقتصادية العمالية و حركة الاحتجاج السياسي، إن تترجم حركة المطالبة في تصويت قوي يزداد في النسبة من 27 في المائة في عام 2005 إلى 35 في المائة مثلا في الانتخابات القادمة. لوزادت النسبة سيكون ذلك مكسبا كبيرا لحركة الاحتجاج السياسي وأقصد هنا انتخابات مجلس الشعب لأنه دائما محل الاهتمام الأكبر. نضيف إلى ذلك ظهور شخصية بوزن وحجم الدكتور محمد البرادعي، وبروز تكتل جديد باسم الجمعية الوطنية للتغيير. وهذا يعيد إلى الأذهان ما كان عليه الوضع عام 2005 أيضا من ظهور شخصية عزيز صدقي والجبهة الوطنية للتغيير. فنحن نعيد بذلك إنتاج ليس الفشل كما يقول بعض المحللين، وإنما نعيد إنتاج الأمل في إيجاد مخرج من هذه المشكلات وهذا المأزق السياسي.

 

ما عدد المرشحين من الجماعة الذي تتوقعون طرحهم في إنتخابات مجلس الشعب المقبلة؟

في مجلس الشعب سيكون التنافس على 508 مقاعد إذا أضفنا مقاعد المرأة. وإذا سرنا على نفس النسبة التي يترشح بها الإخوان فيمكن أن يزيد عدد المرشحين إلى قرابة 200، وسيكون هناك نصيب أكبر للمرأة في هذه الانتخابات. في الانتخابات الماضية رشح الإخوان 165، وإذا رشحنا بين 20-25 امراة يمكن أن يزداد العدد إلى 190 أو 200 مرشح ومرشحة في الانتخابات القادمة.

 

نحن نطمح إلى ما هو أبعد من ذلك في الانتخابات القادمة، وهو أن تلتقط القوى السياسية الأخرى والشخصيات المستقلة الكرة أو تبدي نوايا حسنة تجاه اليد الممدودة من الإخوان المسلمين إليهم. بحيث يكون هناك تنسيق أوسع ويكون هناك عدد أكبر من المرشحين على مستوى الجمهورية دون تنافس داخلي بين المرشحين المعارضين. وبالتالي ستكون هنالك جبهة واسعة من

 

المرسحين المناهضين للوضع الحالي والمعارضين إذا قدم الإخوان 190 مرشح و إذا رشحت القوى المعارضة 190 أو 200. لكن هذا رهن بموقف القوى السياسية الأخرى.

 

هل ستصدر الجماعة برنامجاً سياسيا جديدا قبل انتخابات مجلس الشعب ووإذا ما كان الأمر كذلك، كيف سيختلف عن البرنامج الذي صدر سنة 2007؟

البرنامج الذي صدر في 2007 كان مشروع قراءة أولية لبرنامج حزب سياسي، ولم يكن برنامجا انتخابيا. وكان مطروحا على الرأي العام وبالذات على النخبة من المفكرين من كافة التيارات السياسية لأخذ الملاحظات عليه. ودارت حوله مناقشات قوية جدا استضافها الإخوان، وتقبلوا بصدر رحب كل الانتقادات التي وجهت إليهم. ولايزال البرنامج محل مراجعة ولم يصدر بعد في صورته أوقراءته النهائية لأنه مرتبط بإحياء الحياة الحزبية كلها وقدرة وجود أحزاب قابلة للحياة والنمو وبالذات في مناخ يسمح بتداول السلطة. لأنه من العبث أن يتقدم الناس بطلب لحزب وأن يتقدموا ببرنامج الحزب ثم تكون الحياة الحزبية على هذا الموات الذي نراه الآن.

 

لكن البرنامج الانتخابي موجود بالفعل. نحن لدينا برنامج انتخابي لانتخابات مجلس الشورى في انتخابات التجديد النصفي الأخير، وحظي بمناقشة وهجوم شديد من الحزب الوطني. وهو البرنامج الوحيد الذي انتقده الحزب الوطني. لدينا برنامجنا الذي خضنا به انتخابات 2005 ولدينا إنجازاتنا وهذه تضاف بالقطع إلى رصيد إنجازات الإخوان في مجلس الشعب.

 

وأنا أتمنى من نشرة الإصلاح ومن مركز كارنيجي، ومن المراكز الأخرى أن يفحصوا بدقة إنجازات الإخوان خلال خمس سنوات من الفصل التشريعي في الدورات الخمس، لأن الإخوان المسلمين يتعرضون بشكل مقصود لحملة تشويه لأدائهم داخل مجلس الشعب. الإخوان المسلمون هم الوحيدون الذين تصدوا للموازنة العامة للدولة وللحسابات الختامية لفضح ممارسات الحكومة في الاستيلاء على أموال التأمبينات والمعاشات أو لإخفاء أموال الصناديق الخاصة، وهي تقدر بمليارات الجنيهات، وهذه لايعلم عنها الشعب. ولم تناقشها القوى السياسية الأخرى إلا في الصحف لكن داخل مجلس الشعب لم يحتدث عنها غير الإخوان المسلمين وكانوا هم الأساس في هذا.

 

الإخوان المسلمون هم الذين تصدوا لمشاريع القوانين الخطيرة التي حاول النظام أن يفرضها أو فرضها بالفعل مثل: إعطاء القطاع الخاص حق استغلال المرافق والخدمات العامة وأيضا قانون الاحتكار الذي شوهه البرلمان، وغيره من القوانين التي شارك الإخوان في التصدي لها.

 

الإخوان المسلمون تصدوا عبر استجوابات قوية جدا وكثيرة جدا للتدهور الشديد في المرافق والخدمات في قطاعات الصحة والتعليم والإعلام والأوقاف. كان الإخوان أصحاب الجهد الرئيسي داخل مجلس الشعب، وكان هناك إنجاز كبير بالتنسيق مع الأعضاء المستقلين. كانت دائما لدينا كتلة برلمانية تقف ضد حالة الطواريء وتمديد حالة الطواريء من حوالي 103 نواب، من الإخوان 86 والباقي مستقلون، يعني انضم لهم 15 نائب، وكانت دائما لدينا كتلة تقف ضد الحزب الحاكم في انتهاك حقوق الإنسان، ولدينا كتلة قوية تقف مع القضايا الوطنية والقومية. هذا كله سيضاف إلى برنامجنا لعام 2005 الانتخابي. أما برنامج الحزب الذي نشرناه في 2007 فهذا برنامج هو حاليا محل مراجعة ولن يصدر إلا إذا تعدلت الحياة السياسية بحيث تكون هناك فرصة لنشؤء أحزاب ولحياتها وقدرتها على تداول السلطة.

 

ما أهم درس تعلمته الجماعة من تجربة المشاركة السياسية منذ 2005؟

هناك دروس كثيرة في الإنتخابات. نحن نشارك في الانتخابات من عام 1984 أي ربع قرن أي منذ وقت طويل، المشكلة الرئيسية هي الانسداد السياسي في مصر وعدم قدرة النظام المصري على التكيف مع الإصلاحات السياسية. النظام المصري، نتيجة الضغوط الدولية من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، اضطر لعمل إصلاحات خطيرة جدا في المجال الاقتصادي. وأدت إلى كوارث اجتماعية ولكنه لم يرضخ أبدا لأي ضغوط من أجل عمل إصلاح سياسي. المؤسسة الدستورية الأولى، وهي مجلس الشعب أو البرلمان، صلاحياتها محدودة جدا وقدرتها على محاسبة الحكومة محدودة جدا. وإذا كان هناك انتخابات حرة فيجب إجراء تعديل دستوري لكي تتم الموازنة بين صلاحيات البرلمان وصلاحيات الحكومة، لأنه إذا اختلف البرلمان مع الحكومة، فمن السهل جدا حل البرلمان ومن الصعب إقالة الحكومة بل من المستحيل إقالتها. فهذا درس أساسي، لابد من تغيير قواعد العمل السياسي في مصر بإنهاء حالة الطواريء وإطلاق حرية تشكيل الأحزاب دون قيد أو شرط، والسماح للبرلمان بمحاسبة الحكومة محاسبة حقيقية، واختيار الحكومة من الأغلبية البرلمانية، ومنع تزوير الانتخابات. هذه قواعد أساسية لأي نظام سياسي ونحن نعتقد أن مشاركة الإخوان المستمرة ستدفع في نهاية المطاف إلى هذا التغيير الحقيقي.

 

هل سيترشح عضو من الجماعة في إنتخابات 2011 الرئاسية إذا ماتم تعديل الدستور لفتح الطريق امام مشاركة المستقلين؟

أعلن الإخوان أنه لن يكون لنا مرشح في انتخابات 2011، وسوف ننتظر أسماء المرشحين الحقيقيين وننتظر برامج هؤلاء المرشحين لندرسها بعناية قبل أن نعلن موقنا من تأييد مرشح أو عدم تأييد الآخر.

 

ولكننا نقول بكل وضوح أن المشاركة في التصويت واجب. وأنه لايجوز للإخوان ولا لغيرهم أن يتخلفوا عن المشاركة في أي انتخابات عامة، لأن معنى ذلك هو الانسحاب من الحياة السياسية. يحاول البعض عبر دعوة للمقاطعة أن يجبر النظام على تغيير قواعد العمل السياسي ولكن هذا النظام لم يستجب لأي ضغوط داخلية ولا خارجية منذ 30 عاما. والاستجابات الوحيدة التي تأتي من النظام نتيجة المشاركة التي تجبره على محاولة التجمل والتغيير الذي يبدأ شكليا ثم لابد أن ينتهي موضوعيا. وهذا ما نحاول الرهان عليه، ونحن نعتقد أنه إذا التقت القوى السياسية جميعا، من أحزاب وحركات شعبية وسياسية والقوى المنظمة من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان، في القواسم المشتركة وتناست الخلافات الجانبية فنحن أمام نافذة أمل تستطيع أن تؤشر على أن مصر يمكن أن تقبل على ديمقراطية حقيقية، أو تضع أقدامها على بداية الطريق نحو ديمقراطية حقيقية.

======================

إسرائيل إذ تحاصر نفسها وحلفاءها

الجزيرة نت 15/6/2010

صالح النعامي

ليس من المستهجن أن يستحيل التبجح الإسرائيلي الذي أعقب المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال في عرض المياه الدولية ضد نشطاء السلام الذين كانوا على متن أسطول " الحرية " إلى حالة من الحرج الشديد عبر عنها طغيان مظاهر الشعور بالعجز والارتباك الذي أصاب دوائر صنع القرار في تل أبيب، وجعل كبار المسؤولين الإسرائيليين يشرعون في حرب تصفية حسابات داخلية مبكرة ويتبادلون الاتهامات حول المسؤولية عن الواقع البائس الذي علقت فيه إسرائيل بعد أن أغراها استلابها لخيار القوة بارتكاب هذه الحماقة. أن الوقائع المتبلورة في أعقاب العدوان الإسرائيلي على" أسطول الحرية " تشي بحدوث تغيير واضح وحاد في البيئة الإستراتيجية الإسرائيلية بشكل غير مسبوق، لدرجة أن التوصيف الذي أطلقه بعض المعلقين الإسرائيليين على الورطة الإسرائيلية التي أعقبت العدوان بأنها " أخطر أزمة مرت فيها إسرائيل منذ الإعلان عنها عام 1948 يبدو منطقياً.

 

انهيار المكانة الدولية

مثلت ردود الفعل الدولية الغاضبة على الجريمة الإسرائيلية مؤشراً آخر على تدهو مكانة إسرائيل الدولية، فالمظاهرات التي عمت عواصم العالم ومحاولة اقتحام السفارات والممثليات الإسرائيلية، تدلل على أن إسرائيل تتجه لتبوء مكانة الدولة المارقة، وهو التوصيف الذي طالما خلعته تل أبيب على الدول الأخرى. وأثر الشهادات التي أدلى بها المئات من نشطاء السلام الذين كانوا على متن السفن بعد الإفراج عنهم من السجون الإسرائيلية انهارت مرتكزات الرواية الإسرائيلية لما جرى، مما سيزيد أمور تل أبيب تعقيداً، بشكل لا يمكن تصوره. وقد حملت ردات الفعل الدولية جديداً ذا دلالة، فقرار اليونان إلغاء المناورات العسكرية مع إسرائيل، وقرار السويد إلغاء مباراة كرة القدم بين منتخبها والمنتخب الإسرائيلي، والدعوات التي تجتاح أوروبا لمقاطعة البضائع الإسرائيلي، ومطالبة نقابات أساتذة الجامعات ومجالس الطلاب في عدد من الدول الأوروبية بعدم التعامل مع الأكاديميين الإسرائيليين، كل هذه المظاهر تشكل رافعة للضغط على صناع القرار في أوروبا لاتخاذ مواقف أكثر حدة ضد إسرائيل، وإن بات القادة الإسرائيليين يشعرون بتحولات في المواقف الأوروبية حتى قبل حدوث الجريمة الإسرائيلية. فالبرود الذي قوبل به وزير الصناعة والتجارة الإسرائيلي بنيامين بن إليعازر عند زيارته الأخيرة لمقر الإتحاد الأوروبي في بروكسل دفعه للتحذير من " كارثة " على مستوى العلاقات مع أوروبا. وفي نفس الوقت فإن الدوائر الاقتصادية الإسرائيلية تتوقع بأن تلجأ المزيد من الشركات العالمية إلى سحب استثماراتها في إسرائيل، لدرجة أن النائبة الإسرائيلية شيلي يحيموفيتش لم تستبعد أن يتم فرض حظر على التعامل التجاري مع إسرائيل كما كانت عليه الحال مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

 

عبء على الأصدقاء

لقد سبب السلوك الإسرائيلي حرج بالغ لحلفاء وأصدقاء إسرائيل في كل من أوروبا والولايات المتحدة، لدرجة أن التقارير التي ترسلها سفارات وممثليات إسرائيل في الدول الأوروبية الأكثر صداقة لإسرائيل، مثل ألمانيا وهولندا وإيطاليا باتت تصيب موظفي وزارة الخارجية الإسرائيلية بالفزع، كما نسب التلفزيون الإسرائيلي ذلك إلى أحد كبار موظفي الوزارة. وهناك إحساس يتعاظم لدى دوائر صنع القرار في أوروبا بأن العلاقات مع إسرائيل باتت تمثل عبءً كبيراً على مصالحها في العالم. وعلى الرغم من التغيير الحاد في تعاطي إدارة أوباما مع حكومة نتنياهو، والذي تمثل في تبني واشنطن المطلق للمواقف الإسرائيلية من شروط التسوية مع السلطة الفلسطينية، وعلى الرغم من الموقف الأمريكي المتواطئ مع إسرائيل الذي أعلن عنه في أعقاب الهجوم على " الأسطول "، إلا إن إدارة أوباما تدرك أن ما أقدمت عليه إسرائيل مس بمصالح واشنطن الاستراتيجية. لقد مارس الرئيس أوباما ضغوطاً هائلة على النظام العربي الرسمي من أجل السماح للسلطة الفلسطينية بالموافقة على الشروع في المفاوضات مع إسرائيل رغم رفضها الالتزام بوقف الاستيطان، على اعتبار أن هذه المفاوضات تسمح بتبلور بيئة إقليمية ودولية تسمح باتخاذ إجراءات أكثر شدة ضد إيران بسبب برنامجها النووي؛ لكن بات في حكم أن هذه المفاوضات قد فقدت مصداقيتها في نظر الرأي العام الفلسطيني والعربي حتى لو خضعت سلطة رام الله مجدداً لضغوط أوباما. وإذا أضفنا إلى ذلك توصية الحكومة الكويتية بالانسحاب من مبادرة السلام العربية، مع العلم أن التطورات يمكن أن تدفع المزيد من الدول العربية للانسحاب من المبادرة؛ فإن هذه الخطوات تشكل صفعة أخرى للسياسة الأمريكية في المنطقة، وتقلص هامش المناورة بشكل كبير أمام أوباما وإدارته.

من هنا لم يكن من المستغرب أن يبلغ مئير دجان رئيس جهاز الموساد أعضاء لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست بعد يوم من العدوان أن هناك إحساس متعاظم لدى صناع القرار في واشنطن بأن إسرائيل باتت تمثل عبءً على كاهل الولايات المتحدة وأن الانطباع بأن إسرائيل تسهم في تحقيق المصالح الإستراتيجية الأمريكية لم يعد مسلم به في أوساط كثيرة في الإدارة والجيش الأمريكي.

 

 

من الخصومة للعداء

يتمثل أحد مظاهر تغيير البيئة الإستراتيجية الإسرائيلية في أعقاب العدوان على أسطول الحرية بإمكانية فقدان إسرائيل علاقاتها الإستراتيجية مع تركيا. وعلينا أن نذكر هنا أنه على الرغم من التوتر الذي أصاب العلاقات بين الجانبين إلا أن طابع العلاقات الإستراتيجية لم يمس، حيث أن الجانبين ملتزمين بالاتفاقية الأمنية، علاوة على أن هناك جوانب سرية كثيرة في العلاقات بين الجانبين لا يوجد لحكومة أردوغان قدرة كبيرة على التأثير فيها، سيما في مجال التعاون الاستخباري والأمني، حيث تؤكد الكثير من التسريبات الإسرائيلية أن الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية استفادت كثيراً من طابع العلاقات مع أنقرة في تسهيل اختراقها للعالم العربي. من هنا فليس من المستغرب أن يقول إيتان هابر الذي شغل في الماضي منصب مدير مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين أن العلاقات مع تركيا تمثل نقطة ارتكاز هامة لضمان مصالح إسرائيل الإستراتيجية. لكن الواقع الذي طرأ في أعقاب الأحداث الأخيرة دفع بالعلاقات بين الجانبين إلى مربع جديد من التدهور، لم يتوقع أحد أن يتم الوصول إليه. وعلى الرغم من إن إسرائيل تنظر بخطورة إلى قرار تركيا سحب سفيرها من تل أبيب وإلغاء مناورات عسكرية مشتركة معها، إلا أن صناع القرار في تل أبيب يدركون أن الأسوأ في ملف العلاقات مع أنقرة مازال أمامهم. صحيح أن الخطاب شديد اللهجة الذي ألقاه رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان أمام البرلمان التركي لم يتضمن الإعلان عن قرارات جديدة ضد إسرائيل، إلا أن ما يقلق الإسرائيليين بشكل أكبر هو أن الأحداث الأخيرة أوجدت بيئة تركية داخلية تمكن حكومة حزب العدالة والتنمية من إتخاذ إجراءات غير مسبوقة ضد إسرائيل بعكس إرادة العسكر وبعض القوى العلمانية. ولا يساور الإسرائيليين شك في أن ما حدث سيدفع تركيا لتوثيق علاقاتها مع كل من تركيا وسوريا، وسيقنع أردوغان بمواصلة القيام بدور " المدعي العام " ضد إسرائيل في المحافل الدولية، سيما في كل ما يتعلق بملف حقوق الإنسان وتحديداً انتقاد الحصار على قطاع غزة، ومطالبته المجتمع الدولي بمعاملة إسرائيل بنفس الدرجة التي يتم فيها معاملة إيران في كل ما يتعلق بالبرنامج النووي. وتتوقع إسرائيل خسارة اقتصادية هائلة جراء تدهور العلاقات مع تركيا تتمثل في إمكانية اتخاذ الأتراك قراراً بإلغاء عقود شراء منتجات عسكرية إسرائيلية تحرم الخزانة الإسرائيلية من ملياري ونصف المليار دولار سنوياً، وهذا ما يشكل ضربة قوية للصناعات العسكرية الإسرائيلية التي يمثل انتاجها مصدراً هاماً من مصادر الدخل القومي الإسرائيلي.

 

نبوءة نتنياهو

 ولا يساور العديد من صناع القرار في تل أبيب شك أن العملية الإسرائيلية فتحت الباب أمام إمكانية قطع العلاقات بين الجانبين بشكل تام، مع كل ما تنطوي عليه هذه الخطوة من تداعيات سلبية خطيرة على البيئة الإستراتيجية الإسرائيلية. وأكثر ما يزعج إسرائيل على وجه الخصوص هو حقيقة أن ما حدث يعزز مكانة حزب العدالة والتنمية بعدما أن تنبأت استطلاعات الرأي العام في تركيا مؤخراً بتراجعه، حيث يدرك الإسرائيليون أن تركيا مقبلة على استفتاء حاسم حول التعديلات الدستورية، قد تفضي إلى انتخابات مبكرة. ويكفي هنا الإشارة إلى اتفاق لوائي الأبحاث في كل من الاستخبارات العسكرية والموساد على أن استمرار حكم حزب العدالة بات يمثل أحد مصادر الخطر الإستراتيجي على إسرائيل. ولعله من المناسب هنا أن نشير الى ما رواه بن كاسبيت كبير المعلقين في صحيفة " معاريف " الإسرائيلية الذي قال أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال في حديث لبعض مقربيه بعيد فشله في انتخابات العام 1999 أنه في حال تحولت تركيا إلى دولة عدو فإنه لا أمل لإسرائيل في البقاء في هذه المنطقة، ويبدو إن العملية العسكرية الإسرائيلية ضد أسطول الحرية تقرب الطرفين إلى هذه النقطة.

 

فقدان شرعية استخدام القوة ضد المقاومة

إن أكثر ما يزعج صناع القرار في إسرائيل بشكل خاص هو حقيقة أن ردة الفعل الدولية الغاضبة والاحتجاجات التي عمت العالم ضد استخدام إسرائيل القوة ضد نشطاء السلام الدوليين؛ سيؤدي بالتدريج إلى نزع الشرعية عن حق إسرائيل في استخدام القوة ضد المقاومة الفلسطينية؛ وهذا ينطوي على خطورة كبيرة في نظر إسرائيل. ويدركون في تل أبيب أن العالم سيكون أكثر حساسية إزاء استخدام إسرائيل القوة في الرد على عمليات المقاومة الفلسطينية، وستكون أي عملية عسكرية إسرائيلية ضد المقاومة الفلسطينية في المستقبل مقترنة بدفع ثمن سياسي كبير جداً. في نفس الوقت فإن هذا التطور ينذر بتوليد مصادر خطر جديدة على الأمن الإسرائيلي؛ فقد لا تظل وسائل التعبير عن الغضب من السلوك العدواني الإسرائيلي محصورة في المظاهرات وتنظيم الحركات الاحتجاجية، وليس من المستبعد أن يتحرك العرب والمسلمون سواء على شكل مجموعات منظمة أو بشكل فردي لضرب المصالح الإسرائيلية رداً على الجنون الإسرائيلي.

 

بداية نهاية الحصار

لقد هدفت إسرائيل من خلال استخدام القوة المفرطة وفي قلب المياه الدولية ضد نشطاء السلام والمتضامنين مع غزة إلى وضع حد لحملات التضامن مع غزة ولردع المنظمات الإنسانية عن تنظيم المزيد من هذه الحملات، بهدف إبقاء الحصار على قطاع غزة؛ لكن العكس تماماً تحقق؛ فمزيد من المنظمات الإنسانية أعلنت أنها بصدد تنظيم المزيد من رحلات التضامن مع غزة؛ وحتى بعض النشطاء الذين ألقت إسرائيل القبض عليهم أعلنوا أنهم سيعودون ثانية للتضامن مع غزة حتى يتم رفع الحصار عن القطاع مرة وللأبد. في نفس الوقت تعاظمت الدعوات والتحركات في الكثير من الدول العربية التي لم تبد في الماضي حماساً كبيراً في التفاعل مع مأساة غزة بالشروع في تنظيم حملات تضامن جديدة، وهذا بحد ذاته شكل مظهر آخر من مظاهر عودة الحاضنة العربية للقضية الفلسطينية حتى بمعزل عن إرادة الأنظمة الحاكمة. ولقد جاء القرار المصري بإعادة فتح معبر رفح بتأثير الحرج الهائل الذي أصاب النظام المصري الذي شعر بأنه في ورطة لا تقل خطورة من الورطة التي علقت فيها إسرائيل، حيث أنه أكثر قسوة في فرض الحصار على الفلسطينيين. وعلى الرغم من أن كل الدلائل تشير إلى أن الخطوة المصرية لا تعدو كوها خطوة تكتيكية تهدف إلى امتصاص غضب الشارع المصري واحتواء التساؤلات والانتقادات التي توجه للنظام، إلا أنها تدلل على تضاؤل ما تبقى للنظام من مساحة في تسويغه لمشاركة إسرائيل في محاصرة غزة.

مما شك فيه أن الحماقة التي ارتكبتها إسرائيل قد أوجدت واقع تكون فيه إسرائيل وحلفاؤها والمتواطؤون معها في في حصار وغزة في طريقها للتحرر منه.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ