ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 23/06/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الحادي عشر من ايلول التركي.. تركيا طرف مباشر في الصراع العربي الصهيوني

أ . د. علي الهيل

6/22/2010

القدس العربي

يحذرCon Coughlin الكاتب في صحيفة Telegraph بتاريخ الرابع من حزيران /يونيو؛ من أن الدور التركي في 'أسطول الحرية' وبالأخص في سفينة 'مرمرة'، مع أنه لم يكن دورا حكوميا، وإنما كان مصدره المجتمع المدني التركي، والذي كانت غايته كسر الحصار الصهيوني على غزة، وإحراج الدولة الصهيونية 'إسرائيل' أمام العالم 'ينبغي له ان يقلقنا جميعا في أوروبا'. ويربط الكاتب بين مواقف تركيا المتنامية تضامنا، والتي وصلت في بعض الأحايين إلى إعتبار تركيا نفسها طرفا مباشرا في الصراع، من قضايا الشرق الأوسط وتحديدا فلسطين/غزة وإيران، والمتصاعدة من ناحية أخرى- عداء أو تباينا- على أقل تقدير- ضد تصرفات 'إسرائيل' وضد سلبية الغرب المدافع عنها، وبين فقدان تركيا صبرها من مماطلات الأوروبيين لقبولها عضوا في الإتحاد الأوروبي.

ويؤكد الكاتب البريطاني أن إستعمال وزير خارجية تركيا لعبارة أن الإعتداء على 'مرمرة' واستشهاد الأتراك التسعة، هو 9/11 بالنسبة لتركيا. وهي عبارة لها دلالاتها السياسية الواضحة. فكما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية (بوش الصغير) ما فعلته في أعقاب 9/11 ، فإن تركيا تنذر العالم أو من يعنيهم الأمر على الأقل-بترقب (بيان هام). ولولا مقتُ تركيا لتقليد الفاشلين، لَقالت: 'بعد ما حدث لمرمرة واستشهاد الأتراك التسعة، من ليس معنا فهو ضدنا'، أو كادت تركيا أن تقولها على لسان إردوغان أو اغلو. 'و لكنْ مانعَ الخجلُ'.

وإن كنا لا نتفق مع Con Coughlin أن تركيا 'العدالة والتنمية' وتركيا (إردوغان)، تحديدا، يمكن أن تشتريها عضوية 'الإتحاد الأوروبي'. ولو كان ذلك ممكنا، لاَشْتَرَتْها عضوية 'الناتو'، عندما رفضت تركيا (عبد الله غُلْ) أن يُضرب العراق من أرضها، عام 2003. ولن يتم شيء من هذا الآن، وخاصة الآن، وبعد 'مرمرة' على حساب معاناة غزة بشكل أكثر تحديدا. فبالنسبة لتركيا: 'لقد سبق السيفُ العَذْل'و 'لقد بلغ السيلُ الزُّبَى'.

فالحرب الصهيونية الأخيرة على غزة نهاية 2008 وبداية 2009، ومشاهد القتل الوحشية للمدنيين وبشكل متعمد، كما كان واضحا في الإعلام الفضائي، باستخدام أعتى أنواع الأسلحة الأمريكية والأوروبية، ومنها المحرمة دوليا، كالفسفور الأبيض على قطاع غزة الذي يعتبر ديمغرافيا الأكثر إكتظاظا بالسكان، وخاصة قتل الأطفال، وبالإستهداف المباشر، حرك الشارع التركي عن بكرة أبيه، من منطلق إنساني، وعلى خلفية جيوبيولوجية وجيوثيولوجية / إسلامية وعلاقات جيوتاريخية، وهو الذي شجع إردوغان أن يقف الموقف المشهود في قمة 'دافوس' عام 2009، وما تلته من مواقف، ندر أن وقفها حاكم عربي. على افتراض أن الحاكم العربي هو المَعْنِي أو المُعْنىَ المباشر بالقضية. من حينها وتركيا (إردوغان) قلبت المعادلة الجيوإستراتيجية، و(لخبطت) المعادلة الجيوسياسية، وقلبت قضية الشرق الأوسط برمتها، رأسا على عقب، وأعلنت أنها طرف مباشر في الصراع العربي الصهيوني، 'شاء من شاء، وأبى من أبى'و أن ' تركيا لن تدير ظهرها لغزة وأهلها'، كما أعلنها إردوغان عالية مدوية. وهو مالم يعلنْه أيُّ حاكم عربي، حتى ولو على سبيل الإستهلاك المحلي أو الدعائي.

ونتساءل: إن مقتل وإصابة الآلاف في حرب 'إسرائيل' على غزة لم يستدعِ فتح معبر رفح من قِبَلِ الحكومة المصرية ولم يستدعِ دخول عمرو موسى إلى غزة، في حين أن قرصنة 'إسرائيل' وهمجيتها التي عرتْها وأسقطت ورقة التوت التي تغطي سوْءتها، وإستشهاد تسعة من أشقائنا الأتراك، جعل الحكومة المصرية تفتح المعبر وفجأة إستيقظ الأمين العام للجامعة العتيدة (يحفظها الله)، وزار غزة. إننا لا نؤمن بنظرية المؤامرة، ولكنْ ثمة تسريبات وإفتراضات؛ أن إسرائيل أصدرت أمرها للحكومة المصرية بفتح المعبر وأعطت -كما تفيد التسريبات - الضوء الأخضر لعمرو موسى لزيارة غزة. والهدف كما تقول التخرصات هو إمتصاص النقمة العالمية على 'إسرائيل' ، ونتمنى على الله أن يكون ذلك من نسج خيال من نَسَجَ.

وبعيدا عن نظرية المؤامرة، نساير Coughlin ونسأل: ولِمَ لا؟ فإن الحديد لا يفله إلا الحديد، ولذلك فإن الأوروبيين قرروا (أن يلعبوا سياسة) مع تركيا، وفاجأتهم تركيا بلعب أفضل في السياسة، و(طلَّعَتْهُمْ out). إنتصرت تركيا إنتصارا إستراتيجيا في معركة 'مرمرة' على العدو الصهيوني و(مَرْمَرَتْهُ) ومسحت به أرض السياسة الدولية، وهو في الوقت نفسه، إنتصار ضمني أو غير مباشر ربما- على داعميه الأمريكيين والأوروبيين في إبقاء الحصار مفروضا على غزة. وأمام تركيا كما تدل المؤشرات، حرب قادمة ومعركة 'مرمرة' تلك لم تكن سوى مقدمة لها. وكما كسبت المعركة ستكسب الحرب إن شاء الله. وهي ليست بالضرورة حرب عسكرية، وإنما ستكون حربا إقتصادية وحربا قانونية وحربا ديبلوماسية وحربَ علاقات عامة. ويبدو أن 'إسرائيل' قد فتحت على نفسها أبواب الجحيم، 'وعلى براقِشُ جنت نفسها'. ويكفي أن يلاحظ المرءُ أن 'إسرائيل' تمر بأسوأ أزمة أو حتى إشكالية علاقات عامة في تاريخها منذ نشأتها غير الفانونية عام 1948. ولولا تركيا، ولولا 'مرمرة'، ولولا الدماء الزكية التي تدفقت من الشهداء الأتراك التسعة، لَما كان هذا الإنتصار التركي والإنساني على عدو الإنسانية: 'إسرائيل'.

بتسعة أتراك أُستُشْهدوا في معركة 'مرمرة' جعلت تركيا 'إسرائيل' في (حيص بيص) أمام العالم. لم ينتقدها العالم فحسب بل وشن عليها هجوماتٍ حادةً، نتيجة لقرصنتها وفي المياه الدولية، وهجومها بالأسلحة والرصاص الحي على ناشطي سلام عُزلٍ إلا من إنسانيتهم وآدميتهم، من أنحاء العالم كافة. إختلط العربي بالغربي والمسلم باليهودي والمسيحي، أجمعوا كلهم - كما كل العالم- ما عدا 'إسرائيل' ومن يقف وراءها، أن حصار غزة غير مسوغ وغير قانوني، وغير مشروع، ويجب أن ينتهي مهما كلف الأمر. اليوم الكل في 'إسرائيل' وإنْ بدرجات متفاوتة بطبيعة الحال- يحس أنَّ العالم كله ضد 'إسرائيل'، كما شاهدنا في الخامس عشر من شهر حزيران/يونيو، الإستطلاع الذي تلفزتْهُ قناة 'الجزيرة' من 'إسرائيل' عن طريق شبكة مراسليها. وأما مجرم الحرب (شمعون بيريس) الرئيس الصهيوني، الملطخة يداه بدماء شهداء مذبحة 'قانا' الأولى عام 1994، في جنوبي لبنان، يحاول مستميتا أن يعدِّل صورة إسرائيل المنهارة منذ 'مرمرة' و'أسطول الحرية'، ولكن يبدو ان هذه المرة 'لن يُصلح العطار ما أفسده باراك'. وللإجهاز على بقية أجزاء الصورة 'الإسرائيلية' المنهارة، طردت 'جمهورية أيرلندا' ديبلوماسيا إسرائيليا على خلفية تزوير جوازات سفر أيرلندية في قضية إغتيال (المبحوح)، القيادي الفلسطيني. 'والحبل على الجِرار'، 'و كما تُدينُ تُدان، والجزاءُ من جنسِ العمل، والديَّانُ حيٌّ لا يموت'. وحتى داعموها أصحاب 'الفيتو' لم يصوتوا ضد قرار مجلس الأمن الدولي، بإدانة القرصنة الصهيونية والمجزرة التي إرتكبتها في حق أتراك 'مرمرة' واكتفت داعمة 'إسرائيل' الكبرى بالإمتناع عن التصويت، وهي سابقة في تاريخ العلاقات الأمريكية 'الإسرائيلية'. حدث ذلك على وقْع كلمة (أحمد داوود أُغْلو) وزير خارجية تركيا، الذي شنفَ آذانَ المتعاطفين مع شهداء 'مرمرة'، بأقسى هجوم تتعرض له 'إسرائيل' في مجلس الأمن الدولي ال Baby Sier الدائم لها- من مسؤول غير عربي، بل هو أقسى هجوم على الإطلاق. إذن، كما خلقت 'إسرائيل' لنفسها عدوا في لبنان أكثر شراسة من الفلسطينيين، وندمت على ذلك كثيرا وما تزال تعض أصابع الندم، وهو 'حزبُ الله'، هذه المرة خلقت لها عدوا خارج جغرافية (أعدائها التقليديين العرب)، وهو تركيا. و'إسرائيل' نادمة وستندم أكثر، عندما تَرُدُّ عليها تركيا بما ردت به تلك المرأة العربية: 'الصيفُ ضَيَّعْتِ اللبن'.

=================

رفيقا المناضل العربي!

ميشيل كيلو

6/22/2010

القدس العربي

ليست بعيدة عن أذهاننا صورة للمناضل غلبت خلال حقبة طويلة على نظرة بعض الأحزاب العقائدية والثورية العربية، رأت فيه شخصا يدفعه الجوع والحرمان إلى طلب التغيير السياسي والاجتماعي في معظم الأحيان، بما أنه ينتمي إلى أسفل السلم الاجتماعي، وينضوي في جمهرة فقراء يملي عوزهم عليهم الرغبة في تغيير الأمر القائم، والانتماء إلى أحزاب أيديولوجية تعطي أولوية للفقراء، وتعتبر إنصافهم هدف العدالة، وتاليا السياسة، الرئيسي.

وبالفعل، كانت قيادات هذه الأحزاب تثق بالفقير وحده، فإن كان جاهلا زادت ثقتها به، واعتبرته نموذجا واعدا لمناضل يؤهله وضعه الاجتماعي والشخصي لتنفيذ أية مهمة يكلف بها. هذا الموقف، تجلبب برداء أيديولوجي جعل المنبت الطبقي شرطا رئيسيا لعضوية الحزب، وصفة يمكن بمعونتها تحديد الثوري من غيره، حتى قيل بوضوح وصراحة إن من كان منبته الطبقي يقع عند أسفل السلم الاجتماعي، يكون مؤهلا للثورة أكثر من الذي لا ينتمي إليه، والذي حالت ظروفه بينه وبين امتلاك قدر وافر من الفهم يجب أن يكون مرشحا لدور أكبر في العمل النضالي من الذي يتوفر له علم وعقل، وبلغ التنظير حدا جعل ابن الجوع يفهم بغريزته مشكلات الشعب أكثر من الذي يدرسها، فكأن الفقر هو، في هذه النظرة الأيديولوجية، حال الطبيعة، الذي تنطلق منه حال السياسة، بينما الكفاية المادية، ناهيك عن اليسر والثروة، ليست من حال الطبيعة أو السياسة الصرف، لكونها تشوش أصحابها طبقيا، ويمكن أن تبلبل عقول أصحاب المنبت الطبقي الصحيح من الفقراء والمعوزين، فلا مفر، إذن، من إبعاد الميسورين عن الحزب النضالي، أو من إبقائهم تحت العين، وتذكرهم من حين لآخر بوصفهم مصدر خطر على النضال، وتذكيرهم بضرورة الالتزام بما يتمتع الفقر به من صلابة في الموقف ومبدئية في الرأي، والتصرف كما يتصرف رفاقهم الفقراء.

كان القسام، شيخ مجاهدي فلسطين وشهيدها الأكبر، يقول: 'الحرمان رفيق الجهاد '، فالمجاهد قد يأتي من أوساط اجتماعية مختلفة، بعضها غني وبعضها فقير، لكنه يجب أن يقبل الحرمان ويعيش فيه، وإلا عجز عن القيام بواجباته الجهادية. هذا الكلام صحيح تماما. وهو يختلف كل الاختلاف عن الادعاء الذي يزعم إن منبت المرء الطبقي هو الأساس، وأنه كلما كان منبته أكثر بؤسا، كان هو أكثر استعدادا للنضال. لا علاقة لهذه النظرة بالحرمان، الذي يجب أن يقبل المناضل العيش فيه، ليكون مناضلا بالقول والفعل. نحن هنا أمام الفقر، الذي لم تثبت أية تجربة سياسية ضرورته للنجاح، وأكد مجرى التاريخ والخبرة العكس: أن همّ الفقير الرئيسي لم يكن النضال، بل السعي إلى التخلص من فقره، فالفقر هو، إذن، نقطة ضعف وليس مصدر قوة، كما اعتقد أنصار الأيديولوجية الفقراوية، والدليل، تلك الأعداد الهائلة من الفقراء، الذين انتسبوا إلى أحزاب ثورية، ثم ما أن شبعوا حتى تركوها وناصبوها العداء، ورأوا فيها ماضيا مخجلا، وجهة تريد انتزاع ما في أفواههم، وردهم إلى الجوع الذي أفلتوا أخيرا من براثنه.

هل يمكن تقليص المسألة الاجتماعية إلى مسألة فقر وفقراء؟ وهل العدالة مفهوم ينطبق على الفقراء وحدهم، أم أنه أساس يجب أن تنهض عليه الحياة البشرية في سائر مجالاتها وتجلياتها، سواء كان المرء فقيرا أم غنيا، وكان حرمانه ماديا أم روحيا؟

ليس حصر المسألة الاجتماعية في عدالة توزيع الثروة غير جانب واحد من جوانبها الكثيرة. إنه بلا شك جانب شديد الأهمية، لكنه جانب يستحيل بلوغه، إذا لم تسبقه تنمية تتيح وفرة كبيرة، وتلازمه إدارة رشيدة وعاقلة، وتمهد له وترافقه أفكار ورؤى ترى تساوي بين الأفراد في الحقوق والواجبات، وتعتبرهم غاية أية فاعلية منظمة، فردية كانت أم جماعية، وهدف أي جهد سياسي أو ثقافي أو اقتصادي أو اجتماعي، سواء بذلته الدولة أم الشركات أم قام به المجتمع المدني. بغير هذا، تصير المسألة الاجتماعية مسألة فقراء أفراد، يريدون التخلص من فقرهم بما هو متوفر من وسائل تتيحها لهم ظروفهم، دون أن تنضوي بالضرورة في إطار العدالة الاجتماعية، وتستهدف إيجاد حلول مجتمعية عامة لها. إلى هذا، ليس هناك علاقة سببية بين الفقر والصلابة السياسية، لأسباب بينها أن الفقر غالبا ما يوجد مصحوبا بالجهل، وأن الصلابة تتصل بصحة المواقف والخيارات، المرتبطة بدورها بدرجة رفيعة من الوعي كثيرا ما لا نجدها عند الفقراء، الذين لا يكفي إيمانهم بخط حزب ما لتزويدهم بأسس تمكنهم من امتلاكه وتطبيقه على ظروف وأحوال مختلفة يواجهونها في حياتهم اليومية.

لعب العقل الذي ساوى بين التخلص من الفقر وبين العدالة الاجتماعية دورا خطيرا في تخلف وفوات وعي أعضاء الأحزاب، التي اهتمت بالمسألة الاجتماعية وعملت لإيجاد حلول لها. كما لعب دورا خطيرا في اختيار أعضائها، الذين تدفقوا عليها أول الأمر من فئات المجتمع المختلفة، ثم ما لبث أن وجد المتعلمون وغير الفقراء منهم أنفسهم خارجها، إما بسبب شكوك قيادتها في 'منبتهم الطبقي'، أو في نزعتهم العقلية ونزوعهم إلى النقاش والجدال والمشاركة. ومن يعرف تاريخ هذه الأحزاب، يجد أنها كانت تضيق بالمتعلمين والمثقفين، وبالذين انتسبوا إليها لا ليهربوا من الفقر، بل لإيجاد حلول عادلة لمشكلات مجتمعهم العامة، بغض النظر عن طابعها، اعتقادا منهم بأنها رزمة مترابطة المكونات، وأن حل معالجة أي مكون بمفرده مستحيل، أو وقتي ومحكوم بالفشل.

لكن خروج المتعلمين والميسورين أو غير الفقراء، الذين يملكون الوقت الكافي للتفكير في الشأن العام، ولجمع معطيات ومعلومات عنه وطرح بدائل له، أدى إلى إفقار الأحزاب فكريا ومجتمعيا وسياسيا، رغم أن قادتها رأوا في هذه النقيصة فضيلة، وفرحوا لأن أعضاءها سيصيرون أشد انصياعا لرغباتهم وأفكارهم وسياساتهم، ولم يدركوا حقيقة المأساة التي وقعت، وأمعنوا في تضييق هوامش المشكلات والمسائل التي تصدت لها، الخاصة بالمجتمع عموما وبها كأحزاب على وجه الخصوص، وقلصوا معنى ومجال السياسة كفاعلية مجتمعية أساسا، وضخموا التكتيكي على حساب الاستراتيجي، فانحرف نشاطهم عن طبيعته وتشوه، ونما، في نهاية الأمر، جانبه الشخصي المتصل بهم دون بقية أعضاء الحزب، وتغير معنى الولاء، فلم يعد لسياسات وأفكار وإنما صار لأشخاص ومواقع. بمرور الزمن، وجد معظم الفقراء أنفسهم بدورهم خارج هذا النمط من الأحزاب، الذي طالبهم بتضحيات لم يقدم قادته ما يماثلها، دون أن يترتب عليها أي تحسين فعلي لأوضاعهم.

تخلص عديد من أعضاء الأحزاب الثورية من فقرهم، بعد استيلائها على السلطة، دون أن تحل مشكلة الفقر بوصفها جزاء من المسألة الاجتماعية، التي تعقدت كثيرا وتعمقت وأضيفت إليها أبعاد لم تكن لها من قبل. إلى هذا، فقد الفقر ما كان له من مزايا، في نظر هذه الأحزاب، وصار مشكلة خطيرة وقائمة بذاتها، يمكن أن تنقل الصراع إلى داخلها، بعد أن شرختها مغانم السلطة إلى كتلتين: فقيرة تضم أغلبية أعضائها، وغنية تمسك قلة متناقصة العدد بأعنتها وتسيرها بالطريقة التي تخدم مصالحها. صار الفقر مصدر خطر، ولأن أحدا لا يعرف كيف يتم التخلص منه، فإن كل واحد يهرب منه على طريقته الخاصة، في إطار سياسات معتمدة ومحمية تقوم على الفساد والإفساد، تجعل البحث عن حلول جذرية للمسألة الاجتماعية أكثر صعوبة من يوم لآخر.

لم يعد الفقر والحرمان رفيقا المسؤول، الذي جاء من أحزاب لطالما عرفت نفسها كأحزاب للفقراء. اليوم، صار الكلاشنكوف والمرسيدس رفيقا المناضل، فلا عجب أن 'النضال الحديث' قادنا من مأساة إلى أخرى، وكتم أنفاس الفقراء ومن يدافعون عنهم، حيثما يجدهم!.

' كاتب وسياسي من سورية

=================

الالتفاف على فك الحصار

راكان المجالي

الدستور

6/22/2010

انتقلت اسرائيل من طور الدفاع ضد نسائم الحرية التي هبت من المتوسط ، الى طور الهجوم في سياق استمرار الدولة العبرية تطلب الحقائق حيث تعتبر الاحتلال تحريرا والمجازر والمحارق بردا وسلاما ورحمة للفلسطينيين..

 

وفي مواجهة صحوة الضمير العالمي لاختراق السجن الصهيوني الذي هو اعتى من افران الغاز بادعاء حرق هتلر لليهود في الحرب العالمية الثانية في ظل كل تداعيات الذبح والاغتيال المتعمد هذا والتجويع والترويع لم يحتمل العالم كل هذه العذابات والالام التي تفجرها الاحقاد والعنصرية السوداء فكانت بادرة التحرك لايصال المواد الاساسية لاهالي قطاع غزة لانقاذهم من الموت جوعا ومرضا ومحاولة التخفيف من حرمانهم من ابسط متطلبات الحياة.

 

الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز التقط المعنى الانساني الذي يكمن وراء قوافل الحرية واعتبره خطرا ماحقا يهدد اسرائيل وهو لم يقل ان الخير المسلح بقلوب وعواطف وانسانية الناس سيهزم الشر المسلح بالنووي والترسانة الحربية ، وفي سياق تخوفات الصهاينة فقد تحركت اسرائيل في الايام الماضية لمنع وصول قوافل جديدة الى المياة الدولية قبالة فلسطين لان مجرد ذلك يفتح الباب امام ضغط عالمي باساليب سلمية لفك الحصار ، وبالتالي تطور ذلك لازالة الاحتلال الاستيطاني الانتقامي الذي لم يعرف تاريخ الاحتلالات ما يشابه بشاعته وعدوانيته وعنصريته،،

 

وتقول صحيفة يديعوت احرنوت في عدد يوم الاحد نقلا عن تقرير داخلي لوزارة الخارجية الاسرائيلية ان اسرائيل تواجه 8 قوافل تتألف من 20 باخرة لكن الحصار الصهيوني والغربي والتحالف الدولي المربتط بالمشروع الامريكي بدأ في حصار اي تحرك لاية سفينة ولاية قافلة وكان يفترض ان تبحر سفينة "مريم" من ميناء بيروت حيث باتت جاهزة للتحرك لكن هنالك ضغوطا لمنعها من ذلك ، وهنالك بالاضافة للاستنفار الامريكي رسالة من اسرائيل حملها رئيس الوزراء المصري احمد نظيف لنظيره رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري تضمنت تحميل لبنان مسؤولية ارواح من ستحملهم السفينة سواء كانوا نساء او اطفالا وغير ذلك ، واكثر من ذلك فاسرائيل اتهمت الفاتيكان بدعم الارهاب لانه لم يمنع راهبات اسماهن الاسرائيليون ارهابيات سيبحرون على متن السفينة مريم.

 

وهنالك الان استماتة اسرائيلية لوضع حد لتنامي الظاهرة الانسانية الاخلاقية عبر سفن الحرية والتي هي نقيض اللاإنسانية واللااخلاقية والعدوانية العنصرية الصهيونية ، فوزير الدفاع ايهود باراك يستنفر واشنطن في زيارة مفاجئة لتنخرط في حرب سياسية وعسكرية اذا لزم الامر لمنع سفن الحرية.

 

وبالاضافة لذلك فان امريكا اعتمدت سياسات خبيثة غير مباشرة لقطع الطريق على قوافل الحرية وابرزها اقناع اسرائيل بادخال عشرات الشاحنات الى قطاع غزة تحت امرة وسلطة اسرائيل ، وكان فتح معبر رفح احدى السبل للترويج لاستعداد اسرائيل لفك الحصار.

 

في رأينا المتواضع ان المقاومة السلمية هي "الكود السحري" الذي فرض اجراءات خادعة ومؤقتة للتخفيف من الحصار وهو السبيل لانهاء الحصار عن غزة نهائيا وذلك جزئية من الحصار الاكبر المتمثل في كابوس الاحتلال وسفن الحرية التي تحتشد فيها الانسانية كاملة والضمير العالمي الحي هي وحدها السبيل لحصار اسرائيل لتفكك حصارها ولتهدم اسوار سجن الشعب الفلسطيني ولتنهي احتلال الوطن وتحرير التراب الوطني الفلسطيني كما تحرر كل اوطان الارض من كل اشكال الاحتلال والاستعمار واخرها جنوب افريقيا.

=================

لماذا إيران تحديدا دون غيرها؟!

فؤاد دبور

 الدستور

6/22/2010

جاء قيام الثورة الإيرانية التي أسقطت نظام الشاه الذي كان اقرب حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني في أوائل الثمانينات من القرن الماضي لتثير توترات عدائية معها ووصل هذا التوتر إلى حد المواجهة العسكرية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة ، وقد ازدادت حدة التوتر والعداء عندما أقدم قادة الثورة على قطع كل أشكال العلاقات مع الكيان الصهيوني وبدأوا انتهاج سياسة داعمة للحق الفلسطيني. حيث كانت أول سفارة لفلسطين في العالم في طهران وقد نتج عن هذا التحول في السياسة الإيرانية عداء متواصل مع الشريكين الأمريكي والصهيوني ازدادت حدته عندما أخذت إيران تستعيد قوتها العسكرية اثر الحرب مع العراق والتي استمرت لبضع سنوات وقد اعتمدت الجمهورية الإيرانية في بناء قوتها العسكرية والاقتصادية على ذاتها وخاصة فيما يتعلق باتجاهها نحو امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية وهذا الاتجاه جعل الإدارات الأمريكية وخاصة إدارة الرئيس بوش وبعدها الإدارة الحالية وكذلك قادة الكيان الصهيوني ومعهما العديد من الدول الأوروبية تقف موقف العداء من البرنامج الإيراني الخاص بالطاقة النووية بذريعة أن إيران قد تصبح دولة تمتلك السلاح النووي ما يعرض امن الكيان الصهيوني والمنطقة وحتى العالم لخطر مزعوم على اعتبار أن إيران ، على حد زعمهم ، دولة شريرة تدعم الإرهاب ، وفقا لمفهومهم ، وقد ارتفعت وتيرة العداء لإيران بعد وصول محمود احمدي نجاد إلى رئاسة الجمهورية حيث أعلن موقفه الحازم الداعم للشعب العربي الفلسطيني وحقوقه المشروعة معتبرا أن الكيان الصهيوني لا حق له في فلسطين العربية ولا شرعية لوجوده في المنطقة وبالتالي يجب زوال هذا الكيان الغاصب المصنوع استعماريا. مثلما أعلن الرئيس نجاد بوضوح وقوف بلاده في مواجهة السياسة الأمريكية التي تهدف إلى السيطرة على المنطقة وثرواتها عبر إقامة قواعد عسكرية برية وبحرية في بعض دولها وكذلك قيامها بغزو أفغانستان والعراق ومحاولاتها المتكررة مع الشريك الصهيوني لإقامة شرق أوسط جديد يعيد ترتيب المنطقة وفقا لمصالحهما ، إضافة إلى أن إيران اتجهت نحو دول منطقة أسيا الوسطى شديدة الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية لهذه الأسباب ولأسباب تتعلق بأمن الكيان الصهيوني وأسباب أخرى من أهمها اعتبار الولايات المتحدة الأمريكية أن قوة إيران العسكرية وامتلاكها سلاحا نوويا محتملا يؤثر بشكل مباشر في موازين القوى في المنطقة المسماة بالشرق الأوسط وكذلك منطقة أسيا الوسطى وامن قواتها المتواجدة في المنطقتين حشدت الإدارة الأمريكية السابقة والحالية العديد من الدول لمواجهة إيران ومنعها من امتلاك الطاقة النووية رغم إعلان إيران أنها تعمل على امتلاك الطاقة للأغراض السلمية ورغم إعلان قادة إيران المتكرر عن قبولهم للحلول السياسية لموضوع تخصيب اليورانيوم شريطة ألا تتضمن هذه الحلول الوقف الكامل داخل المفاعلات الإيرانية لكن الولايات المتحدة الأمريكية ومعها دول حليفة عملت جميعا على فرض عقوبات وبشكل متكرر على إيران عبر استصدار قرارات بهذه العقوبات من مجلس الأمن الدولي في الأعوام م2006 ، م2007 ، 2008م.

 

وقامت هذه الدول بتهديد إيران بعقوبات اشد خلال هذا العام مما جعل إيران تتجه نحو الموافقة تبادل اليورانيوم المخصب في تركيا عبر اتفاق وقعت عليه مع تركيا والبرازيل ، غير أن هذه المبادرة الايجابية لم تحل دون إدارة الرئيس اوباما وحكومة الإرهابي نتنياهو مع الحشد ضد إيران حيث تحركت هذه الإدارة وبشكل مكثف وبذلت مساعي حثيثة من اجل حشد اكبر عدد ممكن من الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار بفرض عقوبات اشد ضد إيران فكان القرار 1929 ، ولم تكتف بالعقوبات التي نص عليها القرار المذكور بل قامت ومعها الحلفاء في الدول الأوروبية بتشديد العقوبات ، التي ترافقت أيضا مع التهديدات العسكرية الصهيونية وإبقاء الباب مفتوحا بالنسبة للإدارة الأمريكية أمام الخيار العسكري ضد إيران ، في حال لم تستجب إيران لوقف برنامجها النووي متحدية العقوبات المفروضة.

 

طبعا ، تأتي هذه العقوبات والمواجهة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الوقت الذي تمتلك فيه العديد من دول المنطقة السلاح النووي ، الهند ، باكستان ، وقبلهما الكيان الصهيوني ، وهذا ما يثير الهواجس الأمنية لدى إيران والعديد من دول المنطقة وبخاصة العربية منها ، كما تدفع هذه السياسة العدائية إيران لأن تنتهج سياسة تحقيق تنمية تكنولوجية متطورة تحقق من خلالها تقدما في الاقتصاد وبناء القوة العسكرية المتطورة غير آبهة بالعقوبات وخاصة الاقتصادية منها ، مما يعني أن أية عقوبات وتهديدات أمريكية وصهيونية لإيران يجعلها أكثر إصرارا على بناء قوتها الذاتية والاستمرار في برنامجها النووي ، خاصة ، كما أسلفنا ، وهي ترى الدعم الأمريكي والأوروبي للكيان الصهيوني الذي يمتلك قدرة نووية تدميرية تهدد السلم والاستقرار في منطقة تعتبر هامة وحساسة للعالم اجمع نظرا لاحتوائها على المادة الإستراتيجية النفط ونظرا لمكانتها الجغرافية العالمية.

 

وعندما نسأل عن موجة العداء العارمة لإيران من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والصهاينة ومعهم العديد من الدول الأوروبية بالذات لأنها تسعى لامتلاك طاقة نووية للأغراض السلمية فإن هذا الأمر يعود إلى أن إيران الإسلامية قد خرجت والى غير رجعة من دائرة التبعية للسياسات الأمريكية والصهيونية والاستعمارية في المنطقة ولأنها تقف إلى جانب حق الشعب الفلسطيني في استرداد أرضه ووطنه وتقف إلى جانب المقاومة في لبنان التي تواجه العدوان الصهيوني وكذلك المقاومة في فلسطين وتقف مع سورية وهي تواجه الحصار الأمريكي والتهديدات الصهيونية وترفض وبشكل قاطع المشاريع الأمريكية والصهيونية التي تستهدف المنطقة ونهب ثرواتها.

 

ونؤكد أن الحل الصحيح والموضوعي لمسألة السلاح النووي يكمن في إلزام الكيان الصهيوني بالتوقيع على معاهدة انتشار الأسلحة النووية وتجريد المنطقة من كل هذه الأسلحة لتصبح المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل التي تهدد أمن المنطقة واستقرارها لان التهديد الحقيقي للأمن والسلم في المنطقة والعالم يتمثل في امتلاك العدو الصهيوني لمثل هذا السلاح المدمر وبخاصة في ظل احتلالها لأرض فلسطين العربية وأراض عربية أخرى في سورية ولبنان. أن الولايات المتحدة والدول الغربية ترى انه ليس من حقوق الأمم في المشرق مجرد امتلاك التكنولوجيا النووية حتى ولو كانت للأغراض السلمية حتى تظل هذه الأمم تعتمد في ذلك على الغرب وحتى لا يتطور الأمر إلى استخدام هذه التكنولوجيا للأغراض العسكرية حتى يظل الكيان الصهيوني هو مصدر الرعب الوحيد في المنطقة.

=================

الصراع في قرغيزيا

بقلم :توفيق المديني

البيان

6/22/2010

حصدت أعمال العنف الدموية العرقية المندلعة في جنوب قرغيزيا، وتحديدا في مدينتي أوش وجلال أباد القريبتين من الحدود الأوزبكية، بين إثنيتي الأوزبك والقرغيز، مئات القتلى وأضعافهم من الجرحى، فضلاً عن لجوء مئات الآلاف إلى أوزبكستان المجاورة.

قرغيزيا، هذه الجمهورية الصغيرة السوفيتية سابقا، التي تقع في قلب آسيا الوسطى، تبلغ مساحتها 200 ألف كيلومتر مربع، وعدد سكانها 3 .5 ملايين نسمة، وكانت تعتبر في السابق «واحة للديمقراطية» في قلب القوقاز، أصبحت اليوم على شفير الحرب الأهلية، جراء انفجار الصراع العرقي بين مكوناتها الإثنية.

إثنية القرغيز في آسيا الوسطى تنتمي إلى الشعوب التركية، وغالبيتها من المسلمين السنة، ويبلغ تعداد سكانها حوالي 5 .4 ملايين نسمة، يتوزعون بين قرغيزستان (8 .3 مليون نسمة)، والباقي موزعون على البلدان المجاورة.

أما إثنية الأوزبك، فهي تنتمي أيضا إلى الشعوب التركية، وغالبيتها من المسلمين السنة، ويبلغ تعداد سكانها حوالي 7 .34 مليون نسمة، تعيش غالبيتهم في جمهورية أوزبكستان (9 .23 مليون نسمة)، ويتوزع الباقون بين أفغانستان (9 .3 ملايين)، وطاجيكستان (9 .1 مليون نسمة)، وقرغيزستان (740 ألفا).

ويمثل الأوزبكيون 5 .14% من سكان قرغيزستان، لكنهم يشكلون ما يقارب نصف سكان جنوب البلاد. وهذه المجموعة الإثنية تتميز بأعمالها في قطاعي التجارة والخدمات، وتثير ثروتها الكبيرة أطماع وحسد بقية السكان. وتتواجد في الجنوب أيضا عصابات قوية للمافيا.

وفيما كان الأوزبكيون في الجنوب من أنصار الحكومة المؤقتة التي تترأسها وزيرة الخارجية السابقة روزا أوتونباييفا (59 عاما)، كان القرغيزيون في تلك المنطقة من أشد المدافعين عن نظام الرئيس القيرغيزي السابق كرمان بك باكييف، الذي أطاحت به الانتفاضة الدموية التي قادتها المعارضة في قرغيزستان يوم 7 إبريل الماضي.

ويسود غموض كبير حول الأسباب الحقيقية لانفجار هذا الصراع الإثني القرغيزي الأوزبكي، علماً أنه من الناحية التاريخية، تعتبر العلاقات بين الأقلية الأوزبكية والقرغيز متشنجة. لكن هذا الغموض ينجلي عندما نعرف الفسيفساء التي تتكون منها قرغيزستان على الأصعدة الإقليمية، والديمغرافية، والإثنية.

فهناك الانقسام الإقليمي بين الشمال والجنوب، بسبب وجود سلسلة تيان شان الجبلية الوعرة، التي يصل ارتفاعها إلى نحو ثلاثة آلاف متر، وهي التي تفصل العاصمة بشكيك في الشمال، عن مدينة أوش في الجنوب.

 

ويمثل الشمال المركز الاقتصادي المنتج في البلاد، حيث يؤمن حوالي 45% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما يعاني الجنوب من الفقر، بسبب غياب الدولة وبالتالي غياب المشاريع التنموية التي تحقق التوازن على صعيد التطور بين الشمال والجنوب، إضافة إلى تأثيرات الأزمة الاقتصادية في البلاد، وإخفاق سياسات الخصخصة الليبرالية، وانتشار الفساد والرشوة على أوسع نطاق.

 

وهناك أيضا الانقسامات جنوب جنوب، بسبب الصراعات العرقية التاريخية، في قلب منطقة مضطربة ومقسمة عرقيا في آسيا الوسطى، نظرا لوجود مجموعات عرقية عديدة.

 

الصراع القرغيزي الأوزبكي جلب انتباه القوى العظمى، ولا سيما روسيا والولايات المتحدة الأميركية والصين، التي لها مصالح عسكرية واقتصادية في البلاد. وهو ليس بعيداً عن الصراع الدولي المحتدم بين روسيا والولايات المتحدة على هذه الجمهورية السوفيتية السابقة، التي أصبحت في قلب عمليات رسم الاستراتيجيات الجيوسياسية في آسيا الوسطى.

 

فللولايات المتحدة قاعدة «ماناس»، التي تبعد 25 كيلومترا عن العاصمة بشكيك، وهي تشكل مركز ترانزيت مهما تمر من خلاله أغلبية القوات الأطلسية إلى أفغانستان.

 

ولروسيا قاعدة عسكرية في «كانط» تبعد 20 كيلومترا عن العاصمة، وتتمركز فيها قوات التدخل السريع لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تضم كلا من روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان وطاجيكستان وأوزبكستان وأرمينيا وقرغيزيا، والتي ترفض إرسال قوات لحفظ السلام إلى قرغيزيا.

 

أما الصين، فقد فرضت نفسها اقتصاديا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وأصبحت الشريك التجاري الأول لقرغيزيا متقدمة على روسيا، وبات سوق بشكيك العاصمة من أهم الأسواق الصينية في آسيا الوسطى.

ويشكل الصراع العرقي القرغيزي الأوزبكي قلقاً سياسيا لهذه الدول العظمى، خوفاً من اتساعه ليشمل معظم جمهوريات آسيا الوسطى.

كاتب تونسي

=================

هل من صحوة أوروبية؟

بقلم :محمد خالد الأزعر

البيان

6/22/2010

في مثل هذه الأيام من عام 1980 أصدر الأوروبيون، كجماعة اقتصادية تتلمس على تردد واستحياء طريق السياسة الخارجية المشتركة، بيان البندقية الذي اعترف ضمناً بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

 

وندد بالنشاط الاستيطاني الإسرائيلي، ورفض تغيير وضع القدس من جانب واحد، وطالب بحل عادل لقضية اللاجئين ودعا إلى تسوية سلمية شاملة للصراع الصهيوني العربي تستند لقرارات الأمم المتحدة.

 

وقتذاك، استبشر الفلسطينيون والعرب بموقف أوروبي موحد واعد منصف لحقوقهم. وعلى الرغم من مطالبتهم الجيران الأوروبيين بمزيد من الخطوات على طريق دور فاعل في عملية التسوية الفلسطينية، إلا إنهم كانوا يدركون الحدود والقيود المحيطة بالدور الأوروبي في ذلك الحين..

 

اذ كانت الحركة الأوروبية محفوفة بظلال الحرب الباردة الثقيلة، والحاجة للإصطفاف خلف واشنطن قائدة المعسكر الغربي والراعي الأساسي لجهود التسوية في «الشرق الأوسط».

 

ولم يكن الفلسطينيون ومعهم بعض العرب قد تخلوا عن الكفاح المسلح ولا انضووا تحت جناح هذه الجهود ولا قبلوا بحيثياتها، بما عزز الحجة الأوروبية في حجب الاعتراف بأحانين الفلسطينيين بشكل أكثر انفتاحا.

 

ثم إن التطور الوحدوي الأوروبي كان غضاً ولم يبلغ بعد طور إشتقاق سياسات خارجية مشفوعة باحتمال التطبيق تجاه القضايا الدولية الساخنة وفي البؤرة منها قضية فلسطين.

 

خلال العقود الثلاثة المنصرمة منذ إعلان البندقية، جرت تحولات إنقلابية في الخرائط المحددة للحركة الأوروبية على مختلف الصعد: زالت معالم الحرب الباردة وأفل معها المعسكر الاشتراكي وخطره المزعوم الفارض للحماية الأميركية.

 

وقبل الفلسطينيون بنهج التفاوض على أقل بكثير من حقوقهم التاريخية وتبني العرب على المستويين الوطني والقومي مبادرة للسلام الاستراتيجي مع إسرائيل، وصار للأوروبيين إتحاداً قوياً بعملة واحدة وله مفوضية عليا للسياسة الخارجية الموحدة. ومع ذلك إكتفي هؤلاء بأدوار ومواقف سياسية أقرب إلى زمن البندقية!.

 

وربما زاد طين هذه المقاربة الواجمة المتلعثمة بلة، أن أصحابها استناموا في المقعد الخلفي لعملية التسوية الفلسطينية، مشدودين إلى صفة الممول الاقتصادي لبعض حصادها. وهو سلوك ظل مثيراً للإستهجان لتعارضه مع فطرة الحركة الدولية وأولياتها، التي تقول بملازمة النفوذ السياسي لأحوال القدرة الاقتصادية.

 

للإنصاف، شهدت هذه الفترة الممتدة أصواتاً على ضفتي المتوسط العربية والأوروبية، تستنكر هذا التناقض وتأبي أن تبقي أوروبا بكل وزنها التاريخي وخبرتها السياسية وألقها الاقتصادي مجرد طرف ذي جيوب عامرة، يستدعي حين الحاجة للإنفاق على مخرجات لم يشارك في صياغتها أو صناعتها.

 

من أحدث نماذج فريق الممتعضين إزاء هذه المراوحة البائسة، ما صرح به كريس باتن، وهو مسئول أوروبي سابق بارز، عبر صحيفة الجارديان البريطانية (11/ 6/ 2010)، حول «ضرورة أن يخلع الأوروبيون رداء السلبية، وألا يعتمدوا على تقديم الإغاثة الإنسانية كذريعة للإنحراف الدبلوماسي والفشل في مواجهة التعنت الإسرائيلي والاحتكار الأميركي للسياسة الدولية».

 

ويذهب باتن إلى أن «الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لإسرائيل وأكبر ممول للمساعدات الإنمائية للفلسطينيين.. بما يستدعي الابتعاد عن الشجاعة الكلامية والاقتراب من المبادرة الايجابية بتقوية المصالحة الفلسطينية وعدم مطالبة حماس بقبول شروط الرباعية الدولية التي ثبت أن إسرائيل أيضا لا تنصاع لها كشأنها مع الاستيطان..».

 

واضح أن جريمة إسرائيل ضد «قافلة الحرية أعادت إطلاق ألسنة الغيورين على إتحاد أوروبي فاعل في تظهير الملف الحقوقي الفلسطيني سياسياً كما اقتصادياً، ومعالجة العوار الأوروبي المتمثل بالفصل بين الأداءين السياسي والاقتصادي.

 

ولا ندري إن كان القرار الأوروبي الأخير بفتح أسواق القارة العجوز أمام الصادرات الفلسطينية ودعم انضمام فلسطين كعضو مراقب بمنظمة التجارة العالمية، وتعزيز الاقتصاد الفلسطيني عموماً، سيتواكب مع اتخاذ خطوات سياسية كالتي يلمح إليها باتن. إذا حدث ذلك، فسوف نكون بصدد سياسة أوروبية فارقة، ساهمت دماء شهداء سفينة مرمرة وأخواتها في تحريرها.

كاتب وأكاديمي فلسطيني

=================

الثابت والمتحول في موقف الصين تجاه الصراع في الشرق الأوسط

مسعود ضاهر

السفير

6/22/2010

أثار موقف الصين في المنتدى الصيني العربي الذي عقد في 13 و14 أيار 2010 في مدينة تيانجين حفيظة وزراء الخارجية العرب بسبب تحفظها على ذكر القدس عاصمة للدولة الفلسطينية. ثم فاجأت الصين الدول العربية والإسلامية بالتصويت في مجلس الأمن الدولي بتاريخ 9 حزيران 2010 على القرار 1929 الذي نص على فرض عقوبات جديدة على إيران. وقد صدر القرار بأغلبية 12 صوتا ضمت الدول الخمس الكبرى وألمانيا، في حين صوتت البرازيل وتركيا ضد فرض العقوبات، وهما عضوان غير دائمين في مجلس الأمن إلى جانب لبنان الذي امتنع عن التصويت. برزت تساؤلات كثيرة حول حقيقة الموقف الصيني من المسألة النووية في الشرق الأوسط. ونشرت بعض المقالات العربية التي تشكك بصدقية الموقف الصيني في دعم القضايا العربية. مما استدعى إرسال مبعوث صيني إلى منطقة الشرق الأوسط لشرح حقيقة موقف الصين، منعا لأية تفسيرات متسرعة.

نفى المبعوث الصيني الخاص الى الشرق الاوسط «وو سيكه»، أن تكون الصين قد بدلت موقفها من المسألة النووية في الشرق الأوسط. فهي تكرر دوما أن الحل الأمثل لها لا بد أن يعتمد الطرق الدبلوماسية. أما العقوبات فلا تقدم حلا بل قد تعرقل الحلول العقلانية المتاحة للحد من انتشار الأسلحة النووية وتحويل منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من السلاح النووي ومن أسلحة الدمار الشامل. وما زالت الصين تؤمن بأن الطريق الصحيح لمعالجة القضية النووية الايرانية يأتي من خلال الحوار والمفاوضات والطرق الدبلوماسية.

يشير التفسير الصيني للقرار الدولي الاخير إلى جهود كبيرة مشتركة بذلتها الدول الكبرى، ومنها الصين، لوقف اندفاعة إيران النووية. وشدد الموقف الصيني على أن مبدأ القبول بعقوبات جديدة على النظام الإيراني رهن بخلو القرار الدولي من أي بند يؤذي الشعب الايراني. وقدم الدليل على أن مقارنة بسيطة بين مسودة مشروع القرار كما صيغت في البداية وبين نص القرار بعد صدوره تظهر دور المندوب الصيني وغيره في إدخال تعديلات عميقة عليه. وأن التواصل مع مندوب إيران في الأمم المتحدة لم ينقطع للحظة واحدة. لذلك تركت الحوارات التي أجراها المبعوث الصيني إلى الشرق الأوسط مع وسائل الإعلام اللبنانية انطباعا عاما بأن باب المفاوضات لم يقفل. وأن الصين تشدد على الحل الدبلوماسي للمسألة النووية الإيرانية في إطار موقفها الثابت من المشكلات الدولية المتفجرة والذي يتلخص بالنقاط التالية: الحفاظ على أمن العالم، ودعم مجلس الأمن لكي يلعب دور حامي السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، والعمل على حماية الاقتصاد العالمي، ودعم الجهود الدبلوماسية لحل القضية النووية الإيرانية. وكان موقف الصين ثابتا وجادا أثناء المشاورات التي تمت لتعديل مشروع القرار الدولي بما يضمن أمن وسلامة الشعب الإيراني.

على جانب آخر، شدد المندوب الصيني على ضرورة إيجاد حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية في إطار حل شامل لأزمة الشرق الأوسط. وهو يتلخص بالنقاط التالية: دعم الجهود الدولية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة كاملة على كامل الأراضي الفلسطينية وفق الحدود المعلنة قبل حرب العام 1967، وإيجاد تسوية شاملة لمنطقة الشرق الأوسط تشمل لبنان وسوريا، وتذليل العقبات التي تعترض عملية السلام، ومساعدة الفلسطينيين على توحيد صفوفهم وإجراء مصالحة سريعة بين حركتي «فتح» والمقاومة الإسلامية «حماس»، ورفع الحصار عن غزة.

دلالة ذلك أن الجهود الصينية لإعادة إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط لم تتوقف. وتتمسك الصين بقيام تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة. وطالبت مراراً دولة إسرائيل بإنهاء احتلالها لجميع الأراضي العربية المحتلة طبقا للقرارات الدولية، ومنها الانسحاب من القدس الشرقية. وترى الصين أنه عند قيام الدولة الفلسطينية التي تتمتع بسيادة كاملة على أراضيها، تختار بنفسها عاصمة لها في أي من مدنها.

وتؤكد وجهة النظر الصينية على أن الصين تأخرت في إقامة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل إلى حين البدء بمفاوضات السلام في مؤتمر مدريد الدولي. ثم باتت العلاقات الصينية الإسرائيلية طبيعية، وتسهل دور الصين في تدعيم عملية السلام، ودعم المفاوضات بين الجانبين العربي والإسرائيلي. لكنها لا تؤثر سلبا على دعم الصين للقضية الفلسطينية وللقضايا العربية الأخرى.

نخلص إلى القول إن الصين تشدد على المبادئ الخمسة للتعايش السلمي على المستوى الكوني. وتدعو إلى إقامة أفضل العلاقات بين الدول والشعوب، بمعزل عن اختلاف أنظمتها السياسية، والاقتصادية. وفي هذا السياق دعمت الصين جميع الجهود المبذولة لإيجاد حل عادل لمشكلة الشرق الأوسط بالطرق السلمية وعبر المفاوضات، وذلك على أساس مبادئ الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. وترى الصين أن المبادرة العربية للسلام كانت متوازنة، وتراعي مصالح جميع أطراف الصراع، ويمكن أن تشكل مرتكزا لحل دائم وعادل لأزمة الشرق الأوسط.

وتدعم الصين جهود الأمم المتحدة الرامية إلى إيجاد تسوية شاملة وعادلة، سواء عبر الاتصالات الثنائية أو المتعددة الأطراف، على أن تكون برعاية مباشرة من الأمم المتحدة. وذلك يتطلب أن تكون هذه المنظمة الدولية أكثر فاعلية وقدرة على فرض حلول عقلانية على أطراف الصراع. إذ تواجه المفاوضات في المرحلة الراهنة صعوبات كبيرة، وتتطلب بذل المزيد من الجهود لإنقاذ عملية السلام برمتها، وتحريك المفاوضات بصورة فاعلة قبل فوات الأوان. ومع أن منطقة الشرق الأوسط تعيش حالة غليان شعبي يهدد بالانفجار العسكري في أية لحظة، إلا أن موقف الصين يشير إلى قناعة شبه تامة بصعوبة إعلان الحرب من جانب طرف واحد. فجميع الأطراف المعنية بالصراع في منطقة الشرق الأوسط قد اختارت طريق المفاوضات للخروج بحلول سلمية عادلة، مما يستوجب بذل المزيد من الضغوط على أطراف الصراع لتقديم تنازلات متبادلة بهدف إنقاذ عملية السلام، ومنع انفجار حرب قد تدمر المنطقة بأكملها. علما أنه في حالة انفجار حرب جديدة في الشرق الأوسط، لم تعد هناك دولة قادرة على وقف تداعياتها السلبية على شعوب هذه المنطقة وعلى السلام العالمي.

ما زالت الصين ترى أن الصراع في فلسطين يشكل القضية المحورية للصراع في الشرق الأوسط. وما لم تحل قضية فلسطين ستبقى منطقة الشرق الأوسط في حالة من الغليان وعدم الاستقرار الذي يهدد السلام العالمي. وهي تتبنى سياسة ثابتة في الجوهر، ومرنة من حيث الممارسة العملية. وتدعو إلى إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، ومنع الانتشار النووي في الشرق الأوسط، وإيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية.

=================

رئيس اللجنة السورية لحقوق الانسان ل"سكايز":

17 الى 25 الف مفقود في السجون السورية هم في عداد من تمت تصفيتهم

23/6/2010

دمشق- خاص "سكايز"

شهدت مدن سورية عديدة في الفترة الممتدة بين اواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات معارضة شرسة لنظام الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد، بسبب ما قيل عن استئثاره بالسلطة بالاعتماد على ممارسات طائفية، ثبتت سلطة العلويين على كرسي الحكم، الأمر الذي اعتبره السنة السوريون تهديداً مباشراً لحضورهم السياسي السوري.

افرزت هذه المرحلة اضرابات أمنية، وصلت في حدها الأقصى الى تنفيذ أحكام قاسية، بالإعدام والسجن على آلاف المعارضين للحكم، إضافة الى 17 ألف شخص على الأقل صنفتهم المنظمات الحقوقية كمخفيين قسراً، اعتقلوا لأسباب واهية أحياناً، او لارتباطهم بتنظيمات سياسية معارضة للحكم في سورية ابرزها تنظيم "الجهاد الإسلامي"، الذي حظر منذ العام 1980 وحوكم أتباعه بالإعدام تطبيقاً للقانون 49.

اعتبر وليد سفور رئيس اللجنة السورية لحقوق الانسان المقربة من "جماعة الاخوان المسلمين" أن إحصاءات اللجنة، ومقرها لندن، تشير الى ان "عدد المفقودين في السجون السورية يتراوح بين 17 و25 ألف شخص اعتقلوا خلال عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي". وأشار سفور في حديث خاص ب"سكايز" ان "كثر من أهل مدينة حماه يؤكدون ان ما يقارب ال 5000 شاب من أهل المدينة جمعوا من منازلهم ومن الشوارع في الأيام الأخيرة لمجزرة شباط 1982 ثم فقدت أثارهم ولم يُعلم شيء عن مصيرهم".

عام 1980 شهدت بعض المحافظات السورية، وخصوصاً حلب وإدلب وحماه، مواجهات دامية وارتكبت مجازر عديدة في المدن الثلاث وفي سجن تدمر الصحراوي. وشهدت البلاد اضرابات واسعة اعتقل على اثرها نقابيون وناشطون، وزج بأعداد كبيرة من اليساريين - وخصوصاً اعضاء الحزب الشيوعي ("المكتب السياسي" و"رابطة العمل الشيوعي") - في المعتقلات. وتوجت الأحداث بمجزرة حماة في شباط عام 1982، التي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى والمفقودين.

يقول سفّور ان اللجنة وثقت مئات الشهادات لمعتقلين تمكنوا من الخروج من سجن تدمر الصحراوي أكدوا فيها ان "أحكام الإعدام كانت تنفذ أسبوعيا على دفعتين وأحياناً أكثر، يتجاوز عدد كل دفعة خمسين رجلاً، عدا عن الأعداد الكبيرة التي قضت تحت التعذيب وبسبب انتشار الأوبئة داخل السجن". وأضاف: "استمر تنفيذ أحكام الإعدام حتى عام 1996 وازداد بشكل محموم في عامي 1983 و1984 عندما احتدم الصراع على السلطة إبان مرض الرئيس الراحل حافظ الأسد".

وأشار سفّور الى تصريح أدلى به وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس -الذي كان نائباً للحاكم العرفي في ذلك الحين - لمجلة "دير شبيغل" الأسبوعية الألمانية في العدد رقم 8 لعام 2005، عندما قال للمراسلة سوزانا كوليبل بأنه "في عقد الثمانينات ولسنوات طويلة كان يوقع كل أسبوع على إعدام ما بين 100-150 معتقل إسلامي".

ولدى سؤاله عن الخلفية السياسية للمخفيين قسراً داخل السجون السورية قال: "استثمر النظام الحاكم استخدام العنف من قبل "الطليعة المقاتلة" عام 1979 ليعلن الحرب على "جماعة الإخوان المسلمين" وعلى قطاعات كبيرة من المتدينين والمتعاطفين معها، وبعد مجزرة مدرسة المدفعية بشهر واحد بلغ عدد المعتقلين ثمانية آلاف حسب التقديرات. ثم سن القانون 49 في منتصف العام 1980 ليكون مبرراً لإخفاء الآلاف إلى الأبد. ولم يوفر النظام "الحزب الشيوعي- المكتب السياسي" الذي لم يوافق على طريقة استئصال السلطة للمعارضة، ولم يوفر قيادات النقابات التي حُلّت وزجّ بأصحابها في السجون واستبدلوا بقيادات تابعة مباشرة للسلطة وما تزال".

يذكر تقرير "سنوات الخوف- الحقيقة والعدالة في قضية المختفين قسرياً في سوريا" - اعداد رضوان زيادة، ان وتيرة الأعمال الارهابية ذات الخلفية الطائفية "تصاعدت في 16 حزيران /يونيو 1979 في حلب بعد مذبحة مدرسة المدفعية، التي قادها النقيب ابراهيم اليوسف وانتهت بتصفية عشرات من التلاميذ من ذوي الانتماء العلوي. وكان رد فعل السلطات السورية قاسياً وعنيفاً، سيما بعد اكتشاف محاولة اغتيال الرئيس الراحل حافظ الأسد في حزيران/ يونيو 1980، حيث قامت وحدات من سرايا الدفاع التي يقودها رفعت الأسد بالذهاب الى سجن تدمر في 27 حزيران/ يونيو وإطلاق النار على معتقلي "الإخوان المسلمين" في زنازينهم مما ادى الى قتل ما يفوق الف معتقل في السجن في يوم واحد".

على الأثر قامت السلطات باعتقال الآلاف من أعضاء وأنصار "الجماعة"، وكل من يبدي تعاطفاً معها أو معارضة للنظام. وكان الوضع يزداد تأزماً والسلطة تزداد بطشاً مستندة الى غطاء قانون الطوارئ الصادر في 8 آذار 1963، الذي تلاه لاحقاً القانون 49 عام 1980، وقضى بإعدام المنتسبين الى جماعة الأخوان المسلمين بأثر رجعي، والمرسوم التشريعي رقم 32 في 1-7-1980 الذي جعل المحاكم العسكرية تشمل الاضطراب الداخلي.

 

مفقودون أم مغيبون؟

ورد في ديباجة إعلان حماية الأشخاص من الاختفاء القسري ما يشير إلى الحالة التي يعتبر فيها المفقود في عداد من تعرضوا للأختفاء القسري: "يأخذ صورة القبض على الأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم رغماً عنهم على أي نحو آخر، على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها أو على أيدي مجموعات منظمة أو أفراد عاديين يعملون باسم الحكومة أو بدعم منها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، برضاها أو بقبولها، ثم رفض الكشف عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم، مما يجرد هؤلاء الأشخاص من حماية القانون".

ويرى سفّور ان "هذه الحالة من الاختفاء القسري بكل شروطها هي واقع آلاف المفقودين في سورية، فمنذ اعتقالهم لم تعترف السلطات بوجودهم لديها، وتعاملت مع كل من يسأل عنهم بمنتهى القسوة" وأشار الى حالات وثقتها اللجنة السورية تعرض فيها أشخاص للاعتقال "لمجرد التجرؤ والسؤال عن مصير آبائهم الذين اعتقلوا في الثمانينات ومرت ثلاثة عقود على اختفائهم أو تغييبهم القسري".

ولدى سؤاله عن العدد الفعلي للقتلى داخل السجون السورية في تلك الفترة وهل تسلم ذووهم جثثهم؟ أجاب سفور: "كان سجن تدمر لغزاً لا يرشح منه إلا ما تناقله الخارجون من جحيمه من اخبار شحيحة، لكن الصورة اتضحت اكثر بعد إغلاق القسم السياسي فيه عام 2001 وتحويل كافة المعتقلين غير العسكريين فيه إلى سجن صيدنايا، واعتبر كل المفقودين المغيبين قسراً في عداد من تمت تصفيتهم، باستثناء حوالي 500 معتقل أفرج عن آخر دفعة منهم بتاريخ 2/11/2005، وبذلك يكون عدد الذين تمت تصفيتهم في حده الأدنى 17000 ضحية".

ولكن ماذا عن وجود سجون ومعتقلات سرية في سورية؟ يقول سفّور "الواقع يكذب ذلك لأنه لم يتسرب معلومات عن بناء سجون تحوي أعداداً كبيرة من المعتقلين، ولم يعد المبرر موجوداً لاعتقال مثل هذه الشريحة في سجون سرية". أما عن مكان وجود جثث المفقودين المغيبين فيؤكد سفور ان هذا الموضوع هو من "الملفات السرية لجهاز الاستخبارات السورية التي تتحفظ عليها بشدة، لأن السلطات التي تنكر وجودهم أصلاً وترفض تسوية أوضاعهم في سجل الأحوال المدنية لم تسلم جثث أحد منهم إلا في حالات نادرة في أواخر التسعينات، مثل ما حصل للمعتقل محمد حلمي خوجة الذي اعتقل عام 1980 وظهر على شاشة التلفاز في مقابلة تلفزيونية ثم سلم جثة هامدة ولم يسمح لذويه بفتح تابوته في أواخر التسعينات".

ويضيف سفور: "عومل الغالبية العظمى من أسر المفقودين معاملة المجرمين، وفرضت عليهم عزلة إجبارية ومعاملة أمنية خاصة من الاستدعاء والتحقيق المستمر، وكان كثر من أبناء المعتقلين وبناتهم يعاملون معاملة سيئة في المدارس من قبل المدرسين البعثيين واتحاد شبيبة الثورة وفرق التوجيه الحزبي". ونقلاً عن رواية احد المعتقلين السابقين الذين أفرج عنهم بعد 21 سنة من السجن قال "أنه عندما وصل إلى منزله وجد أن سقف المنزل الذي تهدم بعامل الزمن استبدل بألواح بلاستيكية، بينما كانت أسرته تعيش حياة بدائية لأن المخابرات فرضت عليهم طوقاً من العزلة ومنعتهم من تلقي أي مساعدة من أقربائهم أو جيرانهم".

يعتبر تقرير "سنوات الخوف" انه على الرغم عدم اعتراف الحكومة السورية بهؤلاء الضحايا وتفضيلها تجاهل الوضع تماماً لأنها تدرك حساسية الملف ومسؤوليتها الجنائية والأخلاقية فيه، الا انها حاولت تسوية الملف وبطرق شتى لكن بشكل سري وفردي لم يضمن حل المسألة ومعالجتها، فموضوع المفقودين طرح بين الحكومة السورية والاخوان المسلمين على مدى عقود، في اعوام 1984 و1987 و1995، وزاد عدم تسويته في الاحتقان السياسي والطائفي في سورية بشكل غير مسبوق، وبات لا بد من معالجته بطريقة حقوقية تنزع عنه عوامل التحريض والتخويف.

=================

الرحلة الى ما قبل قبل غزة

غسان حجار

(من واشنطن)

النهار

6/22/2010

تبدي اوساط سياسية وديبلوماسية في واشنطن ارتياحها الى مسار حركة الاتصالات الجارية حاليا والمتواصلة على اكثر من صعيد لمنع سفينة "مريم" (وربما الاخرى "جوليا") من الانطلاق الى شواطئ غزة المحاصرة املا في التخفيف حتى لا نقول في فك الحصار كليا. وابلغت جهات تمثل احزابا معارضة كما الموالية، اضافة الى القنوات الديبلوماسية، "نصيحة" الادارة الاميركية بمنع السفينة من مغادرة لبنان او اقله التوجه الى مرفأ مجاور في قبرص او في مصر لافراغ حمولتها من المؤن بالطبع، وعودة ركابها بسلام. اما خلاف ذلك، فان النتيجة ستكون كارثية بالطبع، وليس في قدرة لبنان تحملها على ما ابلغت جهات عدة.

لماذا لا يقوى لبنان على تحملها؟ يجيب احد الديبلوماسيين بالآتي:

لأن تعرض السفينة للقصف سيفتح الباب امام عمليات انتقام، إن لم تحصل ففي الامر فشل ذريع وانتكاسة للعمل المقاوم لن يرضاه "حزب الله" بالتأكيد، وان حصلت فيعني ذلك الذهاب الى عمليات عسكرية والدخول في منطق المواجهة والحرب، وهو ما لا يطلبه لبنان بالطبع، خصوصا ان النظام في دمشق نأى بنفسه عن الموضوع، وكذلك فعلت ايران، مما يعني ان الحزب الموالي لهاتين الجهتين لن يمضي في تلك الخطة وحيدا، وهذا ما حدا به الى اعلان عدم مشاركته في الحملة.

ولأن لبنان الرسمي ايضا غير قادر على تحمّل تبعات المواجهة، وقد ابلغ الوزير غازي العريضي الجهات المنظمة، وبلهجة حادة وصارمة، قرار المنع، علما ان العريضي يعكس في جوابه رأي الحكومة ورئيسها من جهة، ورأي الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يمثله، وقد يكون رأيه الجازم انعكاسا ايضا لرأي "حزب الله" ودمشق، خصوصا بعدما ركز رئيس حزبه وليد جنبلاط على المضي بالخيار التركي. وهنا يقول الديبلوماسي إن الاتصالات مع تركيا اكدت ان الاخيرة غير معنية بالسفينة او بالسفن المنطلقة من الموانئ اللبنانية، وهي لا تتحمل اي مسؤولية في هذا المجال، وان "انتفاضتها" الاخيرة قد هدأت بعد سلسلة من المشاورات معها.

اما لبنان الاقتصاد، والذي نجا من الازمة الاقتصادية العالمية من دون مشكلات وخسائر تذكر، فمقبل على صيف عامر بالسياح والمهرجانات، واي مواجهة عسكرية او عمل ارهابي كالذي كان يحضّر في زحلة فستكون نتائجه عكسية، ولن يكون المجتمع الدولي قادرا على المساهمة في اي ترميم او اعادة اعمار لاحقين، وربما لا يرغب المجتمع الدولي في ذلك بعد عملية الانقلاب السياسي الحاصلة في الداخل اللبناني وفي العلاقة مع المحيط، وفي ظل اعادة توزع النفوذ السياسي في المنطقة المحيطة، وتراجع النفوذ السياسي والقدرة المالية لدى الدول والانظمة الصديقة تقليديا للبنان.

هل يعني ذلك ان لبنان خضع لارادة المجتمع الدولي او لنقل لقرار الادارة الاميركية؟ ينفي ذلك معتبرا ان الارادة الدولية في هذا المجال ليست اميركية بالطبع، بل هي المصلحة المشتركة لدى كل الاطراف والتي تسعى الادارة الاميركية الى اقناع اطراف الصراع في منطقة الشرق الاوسط بها، وقد تشاورت في الامر مع اسرائيل وسوريا ومصر وتركيا والسعودية وقبرص والفاتيكان، وخصوصا لبنان عبر اتصالات مباشرة بمسؤوليه، او عبر السفيرة الاميركية في بيروت، وهي تترقب نتائج ايجابية.

كيف؟ كتب النص، واعدت سيناريوات عدة، واما الاخراج فمتروك لاصحاب الشأن، لكن المتوقع ان الرحلة ستكون الى ما قبل... ما قبل غزة.

=================

تركيا وأمريكا: تنافس لا تواطؤ

آخر تحديث:الثلاثاء ,22/06/2010

سعد محيو

الخليج

إدارة أوباما أوضحت منذ اللحظة الأولى لدخولها البيت الأبيض أن تركيا تُعتبر أولوية بالنسبة إليها . وهي رفعت شعار “الشراكة النموذجية” بين البلدين التي يجب أن تساعد على تحقيق الأهداف الأمريكية في مثلث الشرق الأوسط آسيا الوسطى القوقاز .

 

نظرياً، بدت المصالح متطابقة بين واشنطن وأنقرة: فكلاهما يريد تسوية الصراع العربي “الإسرائيلي”، ويرغب في استقرار العراق وبقائه مُوحّداً، وفي عدم امتلاك إيران للقنبلة، وفي تحقيق الاستقرار في أفغانستان، وتغيير مسار سوريا نحو الغرب .

 

لكن حين نأتي إلى التنفيذ تتغيّر الصورة . فتركيا لم تعد كما كانت منذ 90 سنة، ذلك الشريك الصغير في التحالف الغربي الكبير، التي تُؤمر فتطيع، وتتقبل باستكانة الرفض والإهانة من الاتحاد الأوروبي . إنها تحوّلت خلال العقود الثلاثة الأخيرة إلى قوة إقليمية دولية مكتملة النمو تقريباً، تحتل المرتبة السادسة عشرة في الاقتصاد العالمي، وتريد موقعاً في النظام الدولي يتناسب مع قوتها هذه .

 

بكلمات أوضح: تركيا تريد الاعتراف بها (مجدداً) كقوة كبرى، كما تريد من الغرب احترام مصالحها المُتوّسعة مع الشرق . وهذا ليس موقف رجب طيب أردوغان وحده، بل هو حصيلة اجماع تحقق أخيراً في أوساط النخبة السياسية التركية برمتها: عسكراً ومدنيين، يساراً ويميناً، علمانيين وإسلاميين .

 

حين خطب الرئيس أوباما قبل نحو السنة أمام البرلمان التركي داعياً إلى الشراكة النموذجية والتعاون الاستراتيجي بين تركيا والولايات المتحدة، ظن الكثيرون أنه على وشك القبول بهذه المطالب التركية، في إطار استراتيجيته الجديدة القاضية بصياغة نظام عالمي جديد يستند إلى مجموعة العشرين . لكن يتبيّن الآن أن الخطب الرنانة شيء، والممارسة العملية شيء آخر .

 

فواشنطن، وعلى رغم كل التطابق بين أهدافها وأهداف تركيا في الشرق الأوسط، لاتزال ترفض الأسلوب التركي لتحقيق هذه الأهداف، والذي يستند إلى الحوار والتعاون الاقتصادي والأمني والسياسي وإلى شعار “الخلافات صفر مع الجيران” . إنها (واشنطن) تسعى على العكس إلى بذر الشقاق في الشرق الأوسط، كي تضمن استمرار هيمنتها على المنطقة . وهذا يشمل حفر الخنادق بين إيران وجيرانها العرب، وعرقلة أي مسعى لتطوير ترتيبات إقليمية جديدة، وإبقاء حالة التوتر الشديد خاصة في منطقة الخليج العربي .

 

لابل يمكن القول أيضاً أن طموح واشنطن الأكبر هو استئناف ما انقطع من حروب بين تركيا العثمانية وإيران الصفوية، بعد أن أزال الغزو الأمريكي للعراق خيار الحروب العربية الفارسية التي نجحت واشنطن في إشعالها ب”كفاءة عالية” .

 

علاوة على ذلك، لاتزال السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط أسيرة المصالح “الإسرائيلية” واليهودية الأمريكية المتطرفة، التي تواصل رفض أي نظام إقليمي جديد يعترف بمصالح تركيا وإيران ويُنهي الهيمنة “الإسرائيلية” عليه .

 

كل هذه المعطيات تشي بأن تقسيم العمل المُفترض بين أنقرة وواشنطن مُمكن نظرياً لكنه يبدو مستعصياً على أرض الواقع، إلا بالطبع إذا ما قبلت الأولى الاعتراف بالدور الإقليمي للثانية، كما اعترفت من قبل بدور البرازيل في أمريكا الجنوبية، وروسيا في اتحادها السوفييتي السابق، وماليزيا وتايلاند في جنوب شرق آسيا .

لكن، وإلى أن يحدث ذلك، سيكون التنافس لا التواطؤ، والندّية لا التبعية، هو السمة الجديدة للعلاقات التركية الأمريكية .

=================

تركيا تدفع الثمن نيابة عنا

آخر تحديث:الثلاثاء ,22/06/2010

فهمي هويدي

الخليج

تركيا تدفع الآن ثمن تصالحها مع ذاتها وتضامنها مع الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يمهد الطريق للانقلاب الاستراتيجي، الذي لاحت بوادره في الشرق الأوسط، الذي يمثل غياب مصر نقطة الضعف الأساسية فيه .

 

(1)

 

في الأسبوع الماضي استضاف برنامج “اسكلاسنجق” (المرفأ والراية)، الذي تبثه القناة السابعة التركية مجموعة من الضيوف لمناقشة انطباعاتهم عن “أسطول الحرية”، الذي انطلق لكسر حصار غزة، وهاجمته “إسرائيل” في المياه الدولية . اثنان من الضيوف كانا من بين ركاب السفينة “مرمرة”، التي تعرضت للعدوان “الإسرائيلي” . أحدهما فنان اسمه سنان البيرق .

 

قال إنه حين انضم إلى الناشطين المسافرين كان خاطباً لفتاة تركية . وحين عاد وجد أن خطيبته طلبت منه أن يكون أول ما يفعلانه بعد الزواج أن ينضما إلى المجموعة المسافرة على ظهر الدفعة الثانية من سفن أسطول الحرية التي تجهز الآن لمواصلة محاولة كسر الحصار .

 

الضيفة الثانية كانت عارضة أزياء سابقة (غير محجبة)، وقد قالت في حديثها إنها ذهبت استجابة لنداء كسر حصار غزة لأسباب إنسانية بحتة، وخرجت من بيتها متطوعة، لكنها بعد الذي جرى للسفينة، وجدت أنها عادت من الرحلة مناضلة وصاحبة قضية نذرت نفسها للدفاع عنها . الضيف الثالث كان والد الفتى فرقان دوجان البالغ من العمر 14 عاما الذي قتلته القوات “الإسرائيلية”، وقد قال بصوت هادئ إنه احتسب ابنه شهيداً عند الله، وإن شقيق فرقان وشقيقته قررا أن ينضما إلى أول قافلة تالية تسعى لكسر حصار غزة .

 

هذه الانطباعات ليست مشاعر استثنائية، إنما هي انعكاس لموقف الأغلبية، التي فتح العدوان على غزة في عام 2008 أعينها على بشاعة الوجه الحقيقي ل”إسرائيل”، وكانت تلك هي اللحظة الكاشفة، التي أيقظت الضمير التركي، وجددت انتماءه إلى الأمة التي تباعد عنها حينا من الدهر . ومن ثم جعلت الجماهير تندفع لاحتضان فكرة “أسطول الحرية” . ورغم الدم التركي الذي سال أثناء المحاولة الأخيرة لكسر حصار غزة، فإن الحماس الجماهيري المتأجج دفع هيئة الإغاثة التركية إلى تجهيز ست سفن أخرى للقيام بمحاولة ثانية لكسر الحصار . وتم إبلاغ الاتحاد الأوروبي بأن تلك السفن سوف تنطلق إلى هدفها في النصف الثاني من شهر يوليو/ تموز المقبل .

 

(2)

 

غضب الحكومة في أنقرة لا يقل عن غضب الشارع في أسطنبول، ذلك أن ثمة إجماعاً بين عناصر النخبة السياسية، الذين التقيتهم على الأقل، على أن استهداف السفينة “مرمرة” كان متعمداً، كما أن قتل الأتراك دون غيرهم لم يكن خطأ أو مجرد مصادفة . وأن “إسرائيل” في الحالتين أرادت أن توجه رسالة إلى حكومة أردوغان، رداً على موقفه من بيريز في مؤتمر دافوس وتحديه لها في موضوع إهانة السفير التركي في تل أبيب . ورداً على تصريحاته الناقدة للسياسات “الإسرائيلية” الوحشية تجاه الفلسطينيين في الوقت الذي يتزايد فيه اقترابه من العالم العربي، ولأن الرسالة وصلت إلى أنقرة فإن أردوغان صعّد نقده لإرهاب الدولة في “إسرائيل” . ورئيس الجمهورية عبدالله جول أكد في أكثر من تصريح أن العلاقات مع “إسرائيل” بعد الهجوم على “مرمرة” لن تعود إلى ما كانت عليه في السابق . وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية التركية إنه تم تشكيل لجنة وزارية لتقييم الموقف، الذي نشأ بعد الهجوم على أسطول الحرية، ووضع ما سمي ب”خريطة طريق” للتعامل مع تداعيات هذا الموقف من مختلف الزوايا . ذلك أن ما جرى كانت له أصداؤه القوية في ثلاث دوائر على الأقل . الأولى تتصل بالساحة السياسية الداخلية، والثانية تخص العلاقات “الإسرائيلية” - التركية، والثالثة تنصّب على العلاقات الأمريكية - التركية .

 

فيما يتعلق بالوضع الداخلي في تركيا فالثابت أن ما حدث رفع من شعبية الحزب الحاكم وزعيمه رجب أردوغان حتى وصلت إلى 40% حسب استطلاعات الرأي العام . وكان الحديث يدور في الأسابيع الماضية عن 33 و34%، لكن ذلك أثار انتقادات في أوساط الخصوم السياسيين، الذين يتمثلون أساساً في حزب الحركة القومية والشعب الجمهوري . كما أنه أشاع استياء في محيط الفئات التي ارتبطت مصالحها ب”إسرائيل” والولايات المتحدة . ومنطق الآخرين مفهوم، أما الأولون فقد عبرت عنهم كتابات نشرتها بعض الصحف حذرت من مغبة الابتعاد عن الفلك الأمريكي و”الإسرائيلي”، ومن تورط تركيا في الصراع العربي - “الإسرائيلي” . وتحدث بعض الكتاب عن أن أردوغان حرص على تصعيد الموقف مع “إسرائيل” لأسباب انتخابية، ولكي يعزز موقف حزبه ويوسع من التأييد الشعبي له في الانتخابات التشريعية التي ستجرى في العام المقبل .

 

سألت عن موقف الجيش الذي عادة ما كانت له كلمة -فاصلة أحياناً- في مثل هذه الأمور، فتلقيت ردين . الأول أن موقف الحكومة تم بالاتفاق مع رئاسة أركان الجيش، والثاني أن نفوذ الجيش تقلص خلال السنوات الأخيرة، بحيث إنه لم يعد بالقوة التي كان عليها في السابق .

 

ليس فقط بسبب تراجع دوره في مجلس الأمن القومي، ولكن أيضا لأن تورط بعض قياداته وعناصره في قضية التنظيم السري الانقلابي “ارجنكون” أساء إليه وسحب الكثير من رصيده خصوصاً بعدما نسب إلى ذلك التنظيم من اتهامات شملت عمليات قتل سياسية وتحضيراً لإثارة الفوضى في الداخل .

 

(3)

 

ملف العلاقة مع “إسرائيل” أكثر تعقيدا وسخونة . ذلك أن هجومها على “أسطول الحرية”، وتعمد قتلها تسعة من الأتراك، شكل انعطافة مهمة، وأحدث انتكاسة كبرى في العلاقات التاريخية والراسخة بين الطرفين . وهي التي توثقت في عام ،1996 الذي وقعت أثناءه عدة اتفاقات عسكرية واستخباراتية بينهما كانت بمثابة نقلة نوعية في وضع الأساس لعلاقات استراتيجية بين البلدين، حتى أثارت في حينها توقعات بالمضي نحو تشكيل محور تركي - “إسرائيلي” - أمريكي في المنطقة، لكن ذلك كله تبدد الآن، وبدا كأنه من ذكريات زمن سحيق انقلبت فيه الأمور رأساً على عقب .

 

التطورات التي طرأت على مسار علاقات البلدين تثير سؤالين كبيرين، هما: كيف ستتعامل الحكومة التركية مع “إسرائيل” بعد الذي جرى؟ ثم، ما هي خيارات “إسرائيل” في الرد على الموقف التركي الذي خيب آمالها وتحدى سطوتها وهيلمانها؟

 

في الرد على السؤال الأول هناك مستويان، الأول يخص واقعة استهداف السفينة مرمرة وقتل الأتراك التسعة، الذين كانوا من بين ركابها . والمستوى الثاني يتعلق بعموم العلاقات القائمة بين البلدين منذ عام 1949 (كانت تركيا أول دولة مسلمة اعترفت ب”إسرائيل”) . بالنسبة لموضوع قافلة الحرية فإن حكومة أنقرة لديها أربعة مطالب هى: إجراء تحقيق دولي في ما جرى - اعتذار “إسرائيل” عن استهداف السفينة التركية وقتل بعض الأتراك الذين كانوا على ظهرها - دفع تعويضات مالية لأهالي الضحايا التسعة - إعادة السفن التركية الثلاث التي حملت المساعدات لإغاثة أهل غزة . وهذه المطالب ترفضها “إسرائيل” باستثناء الرابع منها الخاص بالسفن الثلاث المحتجزة لديها .

 

صحيفتا “ستار” و”حريات” التركيتان تحدثتا عن إجراءات ستتخذها حكومة أنقرة، أقرتها اللجنة الوزارية، التي شكلت لتقييم العلاقات مع “إسرائيل”، ذلك أن رفضها للمطالب التركية سيؤدي يقيناً إلى الهبوط بالعلاقات الدبلوماسية إلى أدنى مستوى . وهو ما توقعته إذاعة الجيش “الإسرائيلي”، التي تحدثت عنه “حضيض جديد” في علاقات البلدين . (للعلم: حين سحبت تركيا سفيرها من “إسرائيل” بسبب غزو لبنان عام 2891< فإن عملية إعادة السفير إلى تل أبيب استغرقت عشر سنوات) .

 

الذي لا يقل أهمية عما سبق، وربما الأخطر، أن تدهور العلاقات من شأنه أن يؤدي إلى إعادة النظر في 59 اتفاقية بين البلدين، بينها 16 اتفاقية عسكرية وأمنية تبلغ قيمتها سبعة مليارات ونصف المليار دولار، يفترض أن تسددها تركيا إلى “إسرائيل”، وضياع هذا المبلغ الكبير عليها يشكل لها ضربة اقتصادية موجعة . وهذه الصفقات تشكل شراء طائرات من دون طيار، وألف دبابة مدرعة من طراز “ميركافاه 3” بقيمة خمسة بلايين دولار، ومشروعاً مشتركاً لبناء صواريخ بقيمة 5 .1 مليون دولار، وتحديث طائرات فانتوم، وتحديث دبابات وتأهيل طيارين أتراك وتدريب طيارين “إسرائيليين” في الأجواء التركية . . إلخ . وقد نشرت صحيفة “زمان” المقربة من الحكومة أن توجيهات صدرت للشركات التركية، التي تتعامل مع الصناعات العسكرية “الإسرائيلية” بإلغاء الصفقات الموقعة معها .

 

حين سألت ما هي الأوراق التي تملكها “إسرائيل” في الضغط على تركيا وترهيبها، كان الرد أن حاجة “إسرائيل” إلى تركيا أكبر بكثير من حاجة تركيا إلى “إسرائيل” . فأنقرة لا تعول كثيراً على “إسرائيل”، وما تحصله منها يمكن توفيره من بدائل أخرى (روسيا سارعت بعد الأزمة الأخيرة إلى عرض مساعداتها على أنقرة لتوفير احتياجاتها العسكرية) . أما “إسرائيل” فهي تريد الكثير من تركيا اقتصادياً وعسكرياً واستراتيجياً .

 

أضاف محدثي القريب من دوائر رئيس الوزراء أردوغان أن “إسرائيل” تراهن في مواجهة الأزمة الحالية على عدة عوامل، أهمها ضغوط حلفائها في واشنطن على أنقرة . والأرجح أنها ستستخدم اختراقها لبعض التجمعات الكردية لإزعاج حكومة أنقرة (يربط بعض المحللين بين المجزرة التي حدثت في مدينة الاسكندرونة، وقتل فيها ستة من الجنود الأتراك وبين انطلاق أسطول الحرية يوم 30 مايو/أيار الماضي، ويرون أنها رسالة تحذيرية “إسرائيلية”) . وقد تلجأ “إسرائيل” أيضا إلى إثارة بعض الاضطرابات الأخرى في داخل تركيا . . وفي حين قررت لجنة العلاقات الخارجية في الكنيست عقد جلسة خاصة لمناقشة ما وصفوه ب”مذبحة الأرمن” كيداً في تركيا وتشهيرا بها، فقد انطلقت في “إسرائيل” حملة شعبية لمقاطعة السياحة في تركيا والمنتجات الصناعية والزراعية التركية، التي تباع في “إسرائيل” . إلى غير ذلك من الإجراءات التي لا تترك أثراً موجعاً للاقتصاد التركي (صحيفة صباح ذكرت أن الأفواج السياحية “الإسرائيلية” ألغت حجوزاتها، في حين أن السياحة العربية زادت بنسبة 40% على العام الماضي، وأشارت إلى أن السائح العربي ينفق ثلاثة أضعاف ما ينفقه السائح “الإسرائيلي”) .

 

(4)

 

ما كان يمكن أن تغضب “إسرائيل”، من دون أن يتردد صدى ذلك الغضب قوياً في واشنطن . وهذا ما حدث . فقد نقلت وكالات الأنباء (في 17/6) أن مؤتمراً صحافياً عقده بهذا الخصوص في العاصمة الأمريكية بعض النواب الجمهوريين والديمقراطيين، الذين حذروا تركيا من استمرارها في ما اعتبروه عداء ل”إسرائيل” . فقال النائب مايك بنس إن تركيا “ستدفع الثمن” إذا استمرت على موقفها الحالي من التقارب مع إيران وزيادة العداء ل”إسرائيل” . ووصف النائب الديمقراطي اليوت انجيل أفعال تركيا بأنها “مخزية” . في الوقت ذاته وقع 126 عضواً في مجلس النواب رسالة طلبت من الرئيس أوباما معارضة أي إدانة دولية ل”إسرائيل” بسبب عدوانها على “أسطول الحرية” .

 

وقعت على تحليل أعمق لهذا الملف نشر في 10/6 منسوباً إلى خدمة صحيفة “نيويورك تايمز”، ذكر أن تركيا أثارت غضب واشنطن، التي اعتبرتها تحدياً لسياستها لأهم قضيتين إقليميتين إلحاحاً، هما: البرنامج النووي الإيراني (حين اتفقت مع البرازيل لحل إشكال البرنامج بعيداً عن الوصاية الأمريكية) - وعملية السلام “الإسرائيلية” الفلسطينية (لاحظ أن أردوغان رفض اعتبار حماس منظمة إرهابية) . أضاف التقرير نقلا عن ستيفن كوك الخبير لدى مجلس العلاقات الخارجية أن واشنطن باتت تنظر إلى تركيا باعتبارها “تعبث بأرجاء المنطقة وتقدم على أفعال تتعارض مع ما ترغبه القوى العظمى”، من ثم فإن السؤال الذي أصبح مطروحا في واشنطن الآن -والكلام لا يزال لكوك- هو: كيف يمكن الإبقاء على تركيا في حدود حارة الطريق المخصص لها؟

هذه المشاهد تشكل الخلفية التي تمهد الآن لما يبدو أنه “انقلاب استراتيجي” في منطقتنا .

=================

سورية تريد الولايات المتحدة... لكن؟

زين الشامي

الرأي العام

6/22/2010

خلال زيارته الأخيرة الى لبنان، رفض وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط مقولة وجود خلافات بين الولايات المتحدة وسورية في المرحلة الحالية، وقال: «لا أعتقد أن العلاقات السورية - الأميركية غير جيدة. ربما العكس صحيح»، واعتبر وقتها أن إثارة قضية صواريخ «سكود» من جانب الأميركيين «هدفها الضغط على إيران وليس على سورية ولبنان». جاءت تصريحات أبو الغيط في لقاء مع عدد محدود من الصحافيين اللبنانيين في بيروت.

ومن يتمعن في اللغة والخطاب السياسي السوري الرسميين سيجد أن هناك حرصاً على هذه العلاقة، وسعيا كبيرا لتجاوز الخلافات، وإصرارا على أن تكون الولايات المتحدة كطرف أساسي على طاولة المفاوضات مع إسرائيل، كذلك غالباً ما يذكر الخطاب السوري بالخدمات الأمنية التي قدمتها سورية للولايات المتحدة منذ بدء «الحرب على الإرهاب» وكيف أن هذه الخدمات أو هذا «التعاون قد ساهم في انقاذ أرواح أميركيين».

ربما يصح القول أنّ النظام السوري منذ وصول «حزب البعث» إلى السلطة في عام 1963 لم يكن صديقاً للولايات المتحدة بحكم العلاقة التي كانت قائمة مع الاتحاد السوفياتي ودول المعسكر الاشتراكي، وربما يصح القول أيضاً انه ليس صديقاً اليوم على غرار الصداقات التي تربط الولايات المتحدة مع دول عربية، مثل الأردن ومصر والسعودية والكويت أو المغرب وبقية دول الخليج العربي، لكن رغم ذلك فإن النظام اليوم ليس خصماً أو عدواً للولايات المتحدة.

ربما على العكس، وهناك من يعتقد أنه أحد أفضل الأنظمة العربية في خدمة المصالح الأميركية، منذ 1974، حيث تشهد «جبهة» الجولان هدوءا لم تشهده ولا تشهده أي بقعة صراع عربية إسرائيلية أو شرق أوسطية. ومن ناحية ثانية هناك التعاون الأمني الوثيق في إطار ما يسمى «الحرب على الإرهاب» بين الأجهزة الاستخبارية السورية ونظيرتها الأميركية، وقبل ذلك لا ننسى أن التعاون السياسي والعسكري بلغ ذروته عام 1991 حين شارك الجيش السوري مع الجيش الأميركي وجيوش أخرى في حرب تحرير الكويت. ولا ننسى إطلاق يد سورية في لبنان لنحو ثلاثة عقود من الزمن.

وعن حقيقة الخلافات التي تبدو كما لو أنها دائمة بين البلدين لابد من الاقرار أن القراءة الموضوعية والدقيقة لتاريخ العلاقات الثنائية، تظهر ديمومة ارتباطها بعوامل غير مباشرة ، وبشكل أدق أنها مرتبطة بشكل أساسي بطبيعة العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة التي تقف حجر عثرة في مجمل علاقات واشنطن بدول المنطقة وليس سورية فقط.

من ناحيتها، الولايات المتحدة لها مصالح كبيرة في الانفتاح على سورية لكن ذلك يبقى مشروطاً بمساهمة دمشق في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، وبهذا المضمون عبرت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون يوم (24/02/2010) أمام لجنة الموازنة في الكونغرس بقولها: «أكدنا للسوريين الحاجة إلى المزيد من التعاون حول العراق، ووقف التدخلات في لبنان، ونقل أو تسليم سلاح إلى «حزب الله»، واستئناف المحادثات الإسرائيلية - السورية». لكن الهدف الأهم الذي تسعى إليه إدارة الرئيس باراك اوباما من وراء انفتاحها على دمشق هو إبعاد سورية عن المحور الإيراني، إذ أفصحت كلينتون في أكثر من مناسبة عن رغبة واشنطن في أن «تبدأ دمشق بالابتعاد في علاقتها عن إيران التي تتسبب في اضطرابات للمنطقة وللولايات المتحدة».

لكن سورية لا تملك إلى اليوم رؤية واضحة لما يمكن أن تحصل عليه من مكاسب جراء الانفتاح الأميركي عليها، هل هي عودة الجولان ومعاهدة سلام مع إسرائيل؟ دمشق تبدو أنها لا تعرف شيئاً عن المستقبل وهي غير متأكدة من ذلك، لهذا السبب نراها ترفض التخلي عن علاقتها المميزة مع إيران، أو حلفائها الاقليميين مثل «حزب الله» وحركة «حماس».

أما على مستويات أخرى، فلا تزال العقوبات الأميركية حاضرة التأثير نفسياً ومادياً على العلاقات الثنائية، وذلك دون أي مؤشرات على قرب وقف العمل بها، وهو ما يترك دمشق تنظر إلى العلاقة مع واشنطن بعين مريبة، والحجة أن الاختلافات العميقة التي تكونت عبر أعوام لا يمكن تخطيها بسرعة. لكن رغم ذلك فالقلب وما يهوى والعين ما زالت تتطلع على أميركا.

=================

ثنائية الأنا والآخر في وسائل الإعلام العربية

المستقبل - الثلاثاء 22 حزيران 2010

العدد 3689 - رأي و فكر - صفحة 22

جيروم شاهين

في "التقرير العربي الثاني للتنمية الثقافية"، والذي أصدرته "مؤسسة الفكر العربي" نتوقف عند أحد المضامين التي أجرى التقرير العربي حولها أبحاثاً ميدانية بتحليل المضمون. ونتوقف بالتحديد عند "قضية العلاقة بالآخر"، أي ما تتضمنه المجلات العربية وبعض محطات التلفزيون العربية من خلاصات بشأن "ثنائية الأنا والآخر".

كيف تصف وسائل الإعلام العربية للعلاقة بالآخر؟ مَن هو الآخر؟ ما هي أهم سماته؟ ومن هو الأنا؟ وكيف تنظر الأنا إلى ذاتها وإلى الآخر؟ وهل يأخذ الآخر مدلولاً سياسياً أو مدلولاً ثقافياً أو مدلولاً دينياً؟

بداية، نستعرض الخلاصات التي توصل إليها استقصاء مؤسسة الفكر العربي حول قضية العلاقة بالآخر، وذلك في المجلات الثقافية العربية المختارة، وهي الهلال المصرية، والآداب اللبنانية، والعربي الكويتية، والصحيفة الثقافية المغربية.

اختلفت صورة الآخر داخل الخطاب الثقافي بالمجلات الثقافية، ففي أحيان كان الآخر يأخذ مدلولاً سياسياً، وفي أحيان كان يأخذ مدلولاً دينياً. فعلى صعيد العلاقة بالآخر السياسي يوضح تحليل الأطروحات المتعلقة بقضية "العلاقة بالآخر" ان هذا الآخر كان يشير، في احيان، إلى "الأميركي" المسيطر أو المحتل للأرض العربية، وفي أحيان كان الآخر هو "الإسرائيلي" المحتل القاتل، وفي أحيان كان الآخر هو "الأوروبي". ويخلص تحليل الخطاب الذي يستحضر الذات في مواجهة الآخر الغربي داخل المجلات الثقافية إلى مجموعة النتائج التالية:

1 يتم استحضار الآخر بصورة مستمرة في مواجهة الذات سواء اتخذ الخطاب منحى احتفائياً بالآخر مقابل تسفيه الذات، أم اتخذ من تصدير الأوضاع والأفكار السائدة لدى الآخر إلى الذات ذريعة للهجوم عليه.

2 يعتمد هذا الخطاب على آلية إسقاطية واضحة خصوصاً عندما يندفع إلى تفسير بعض الأوضاع السائدة في الواقع العربي (باستحضار فكرة المسكوت عنه في النص) في ضوء ما هو سائد لدى الآخر الغربي، وخصوصاً الأميركي.

وظهر في بعض مواضع الخطاب الآخر "الآسيوي" ولكن بصورة محدودة للغاية، على الرغم من انه الأقرب جغرافياً وحضارياً إلى البيئة العربية.

3 اما على صعيد العلاقة بالآخر الديني، فقد كشف تحليل الخطاب أن ظهور الآخر في منحى أو صورة دينية كان يرتبط باستمرار بالتأكيد على قيمة التسامح، وضرورة التعاطي والتفاعل معه، مع ربط هذا الأمر بجذور فكرية أساسية تمتد بجسورها إلى التراث العربي والإسلامي. ولم يفت الخطاب الثقافي ان يؤكد على فكرة ان الإسلام عقيدة ترتكز على فكرة قبول الآخر.

أما خلاصات بحث العلاقة بالآخر في بعض البرامج الثقافية في القنوات التلفزيونية العربية، فقد نذكر ما يلي:

1 في اطار ثنائية الأنا والآخر العربي في الخطاب التلفزيوني العربي كان الخطاب شديد الاستغراق في مفهوم الأنا الوطنية. وقد ظهر هذا التوجه في خطاب قناة النيل الثقافية، لكن بدرجة أقل من الحدة. وظهر أيضاً بصورة واضحة في خطاب القنوات الثقافية السعودية التي بلغ الأمر بها حد الالتصاق ب"الأنا القبلية" في بعض الأحيان، وال"الأنا الوطنية" في الكثير منها. وتنطبق هذه النتيجة أيضاً على خطاب برنامج الصالون الثقافي، الذي حضرت فيه بصورة أكبر فكرة الأنا المغربية، ويعني ذلك ان الخطاب الثقافي العربي من هذه الزاوية يعلي من شأن الأنا القطرية، على حساب فكرة التماسك العربي، أو التأكيد على فكرة الأنا القومية العربية.

2 يتكامل مع ما سبق اختلاف توجهات الخطاب عند تناول ثنائية الأنا القومية والآخر الغربي، إذ انشغل في هذا السياق بالآخر أكثر من انشغاله بالذات، وفي الوقت الذي اعتنى الخطاب بكشف عورات أو سلبيات الذات، فقد كان شديد الاهتمام بكشف إيجابيات الآخر الغربي. ويعني ذلك ان نظرية "جلد الذات" كانت تتحكم في الخطاب عند الحديث عن "الأنا القومية"، في حين سيطرت عليه نظرية "تمجيد الذات" عند الحديث عن الآخر الغربي. وقد كان هذا الأمر جلياً في خطاب برنامج الصالون الثقافي المغربي الذي كان يبالغ في بعض الأحيان في التأكيد على فكرة أن المجتمعات العربية طاردة للابداع والمبدعين، وقد كان خطاب قناة النيل الثقافية أكثر الخطابات توازناً في هذا السياق.

3 عكس الخطاب الثقافي في بعض المواضيع حالة التوتر في علاقة الذات بالآخر، واكد على رفض هيمنة الآخر على الذات، وقد اتفق الخطاب الثقافي التلفزيوني على ان الاستراتيجية الأفضل التي يجب أن تحكم علاقة الذات بالآخر هي استراتيجية الفائدة المشتركة من خلال وصف علاقة الذات بالآخر بالندية أو الاحترام المتبادل، وقد ظهر هذا الأمر بدرجة أكبر في خطاب قناة النيل الثقافية وبرنامج الصالون الثقافي المغربي.

4 يميل الخطاب الثقافي التلفزيوني إلى طرح القيم السلبية لدى الذات في سياق ما يطرحه من قيم إيجابية لدى الآخر، وقد ظهر هذا التوجه في خطاب قناة النيل الثقافية بصورة واضحة، وبرز أيضاً في خطاب برنامج الصالون الثقافي، وقد كان الخطاب شديد التركيز في هذا الاتجاه على تناول قيم التبعية، والضعف، والتسيب، ومصادرة حرية الابداع، وغيرها من القيم التي تمثل مجمل اتهامات النخبة المثقفة للواقع العربي، وفي مقابل ذلك كان هناك توسع نسبي في الاشارة إلى القيم الايجابية التي تحدد هوية الآخر، وجاء تركيزه في هذا الاطار على قيم التفوق العلمي، والتقدم الحضاري، وحرية التفكير، والتي تمثل المقابل الموضوعي للقيم السلبية لدى الذات.

=================

مصر وسورية... قراءة في ملف العلمانية

الثلاثاء, 22 يونيو 2010

مصطفى الفقي *

الحياة

عند الافتتاح الرسمي لندوة حول «العروبة والمستقبل» في العاصمة السورية، استهل عريف المؤتمر تقديمه لفقرات الجلسة الافتتاحية قائلاً: «إن خير ما نفتتح به هذا الحفل هو...» عندئذ قفز إلى ذهني أن الاستهلال سوف يكون بآيات بينات من الذكر الحكيم، كما يحدث دائماً في مصر، ولكن المفاجأة كانت أن عريف المؤتمر السوري قال: إنه النشيد الوطني. وبدت لي لحظتها الفوارق الواضحة بين مفهوم «العلمانية» في جانب «والأسلمة» في جانب آخر، وأدركت أن الدين متجذر في حياتنا مسيطر على مجتمعنا المصري، بينما الأمر في سورية يكاد يقترب من «العلمانية» بمفهومها الصحيح. فالمجتمع السوري متدين والمآذن ترتفع في أنحاء العاصمة والمدن والقرى، بل إن نسبة لا بأس بها من النساء السوريات محجبات، وأتذكر أنني أديت صلاة الجمعة في العام الماضي في المسجد الأموي، وكان الخطيب هو العالم الجليل الشيخ محمد سعيد البوطي، ولاحظت الازدحام الشديد في هذا المسجد العريق، وأدركت يومها أن الدين يشغل مساحة كبيرة في العقل والقلب السوريين، ولكن تقاليد ذلك البلد العربي استطاعت أن تميز بوضوح بين تدين المجتمع وعلمانية الدولة، وذلك في ظني نمط رائع للعلاقة بين الدين والدولة في المجتمعات العربية. فأنا ممن يظنون أن الاشتباك بينهما قد بلغ مرحلة متقدمة في بعض المجتمعات الإسلامية والعربية، وكان عائد ذلك سلبياً على الدين والدولة معاً، كما أنني ممن يعتقدون أن خلط الدين بالسياسة هو أمر خطير على حاضر الأمم ومستقبل الشعوب، لأنه يبدو كمن يخلط الماء بالزيت، فالدين كالماء سائل شديد النقاء يرتبط بالحياة ويؤثر فيها ويتأثر بها، أما السياسة فهي كالزيت الذي لا يخلو من تلوث ولزوجة، وهي تعرف المؤامرات والألاعيب والأكاذيب والخداع، لذلك فإن إدخال الدين في كل طقوس الحياة هو أمر مقلق لأنه يعني نزول هذا القبس الوضاء من سماء التقديس إلى أرض الواقع بما فيها وما لها وما عليها. ولقد أثبتت التجارب أن التدين الصحيح يدفع المجتمعات إلى الأفضل، أما إقحام الدين في السياسة فهو أمر له مردوده السلبي على الاثنين معاً كما أنه يوفر بيئة حاضنة للغلو والتطرف بل وللتشدد والتعصب أيضاً، كما أن تديين الحياة السياسية يؤدي إلى إقصاء الأقليات الدينية ويثير الفتن الطائفية ويخلق جواً من الاحتقان مثل ذلك الذي يعاني منه المجتمع المصري حالياً. لذلك فإنني أطرح تصوري تجاه ما حصل وما يحصل على الساحتين الإسلامية والعربية منطلقاً من ذلك المشهد الذي أثار فضولي وفتح شهيتي لكتابة هذه السطور، وهو المشهد الذي افتتح به الأشقاء السوريون ندوتهم القومية الرائعة بالنشيد الوطني. وقد صادف بعدها بأيام قليلة أن تحدث الرئيس بشار الأسد في لقاء إعلامي حول حرصه على العلمانية السياسية للدولة السورية المسلمة، وقد أعجبني ذلك ورأيت في حديثه نمطاً قابلاً للتكرار في عالمنا الإسلامي، والآن دعنا نفصل ما أجملناه من خلال النقاط الآتية:

أولاً: إننا يجب أن ننظر قليلاً إلى الوراء إذا أردنا أن نقارن بين القطرين الشقيقين اللذين عرفا الاندماج السياسي مرتين، الأولى في القرن التاسع عشر (1831 – 1840) والثانية في القرن العشرين (1958 – 1961) ولذلك فإن هناك خصوصية من نوع ما تجمع بين الشعبين المصري والسوري، إلا أن دور الدين في كلٍ منهما مختلف فقد كانت للقومية العربية أولوية في القطر السوري وهو يناضل ضد الحكم العثماني المشترك معه في الدين، فكان من الطبيعي أن يلوذ السوريون بقوميتهم التي بشروا بها وكانوا رواداً لها إلا أن الأمر يختلف بالنسبة الى مصر فقد ارتبطت الحركة الوطنية المصرية بالتأثير الديني في مواجهة الاحتلال البريطاني المختلف عن معظم المصريين دينياً، فكان اللجوء إلى المظلة الإسلامية أمراً طبيعياً وهكذا فعل أحمد عرابي ومصطفى كامل ولم تصبح الحركة الوطنية مصرية خالصة إلا مع ثورة 1919 وقيادة سعد زغلول، عندما كان حزب الوفد المصري هو التعبير الحقيقي عن المثلث الذهبي للسياسة المصرية، وأعني به الليبرالية والعلمانية والوحدة الوطنية. وهكذا يبدو من السياق التاريخي للدولتين السورية والمصرية أن الظروف التاريخية قد أسهمت في تشكيل الشخصية السياسية ومكانة القومية فيها وموقف الدين منها.

ثانياً: لا يختلف اثنان على أن منطقة الشام هي الحارس التاريخي للحركة القومية منها بدأت، وفيها ازدهرت ومنها انطلقت، بل إن جاذبية سورية للحكم الثوري الناصري، إنما تولدت عن اكتشافه أن القومية العربية «بضاعة شامية» ربما شاركها فيها بعض الأقطار العربية الأخرى ولكن إثراء الفكرة ورعاية ذلك التوجه الوحدوي هي مسألة سورية بالدرجة الأولى، لذلك اعتز «الشوام» بتاريخهم القومي مع احترامهم دياناتهم في الوقت ذاته، بل إنني لاحظت شيئاً ملفتاً وهو ذلك القدر من الليبرالية الدينية إذا جاز التعبير، «فالشوام» عموماً لا يعطون الاختلافات الدينية بين الطوائف أهمية كبيرة على المستوى الإنساني والاجتماعي، ولكنها قد تطفو على السطح لكي تكون تعبيراً عن السياسة الطائفية والمحافظة بين المكونات الدينية، كما هو الأمر في النموذج اللبناني، بينما نرى في مصر الأمر مختلفاً فالليبرالية الدينية ضعيفة اجتماعياً ولكنها مستترة سياسياً، وهذا ما يفسر تواتر المشكلات الطائفية والأزمات الدينية في السنوات الأخيرة.

ثالثاً: إن تعبير العلمانية قد اكتسب مفهوماً سلبياً إلى حد كبير في العقل العربي وربما في الذهن الإسلامي كله، فلقد تصور البعض أن الأفكار العلمانية معادية بالضرورة للممارسات الدينية وهذا غير صحيح على الإطلاق، ولعلني أتساءل هنا: ألا يوجد في تركيا العلمانية متدينون؟ إن الوقفة الأخيرة للحكومة التركية تجاه الجريمة الإسرائيلية ضد نشطاء السلام العُزّل في عرض البحر ومياهه الدولية هي تأكيد لمفهوم واضح هو أن العلمانية لا تحجب التعاطف الديني ولا تمنع المسلمين من الانتصار لدينهم عند اللزوم ما دامت القضية عادلة والظلم واضحاً. ولقد كتبت مقالاً منذ سنوات عدة تساءلت فيه: هل نحن بحاجة إلى «أتاتورك» عربي؟ ودعني الآن أعيد الصياغة في شكل مختلف وأقول: أما آن الأوان لفض الاشتباك بين الدين والسياسة الذي تولد عنه التطرف والتعصب وأيضاً فض الاشتباك بين السلطة والثروة وهو الذي تولد عنه الفساد؟ إنني أتطلع يا أمتي العظيمة إلى يوم تبلغين فيه سن الرشد رغم عمرك الطويل وحضارتك الزاهرة حتى تعودين كما أرادك الله «خير أمة أخرجت للناس».

رابعاً: كان الانتقال بين الطوائف الدينية في دول الشام أمراً محتملاً، ولعل نموذج الأمير بشير الشهابي خير دليل على ذلك، إذ إن درجة التسامح الديني تبدو أكثر استعداداً لقبول هذا الأمر، أما في مصر فالأمر مختلف تماماً، وما أكثر الفتن الطائفية التي اندلعت في منطقتي الصعيد والدلتا نتيجة تغيير الدين لسبب عقائدي أو اجتماعي، وعلى رغم أنني ممّن لا يتحمسون لتغيير الديانة إلا أنني في الوقت ذاته لا أرى الاختلاف في الدين تعريفاً عصرياً يميز بين أبناء الوطن الواحد، فأنا مؤمن تماماً بأن الدين لله وأن الوطن للجميع، ومن هذا المنطلق فإنني أرى إرهاصات العلمانية السورية أمراً لا يتعارض مع الدين الحنيف ولكنه يمضي في الوقت ذاته مع المعطيات القومية والمفردات العصرية.

خامساً: إنني أرى ذلك الصراع المكتوم وهو يغلي تحت السطح بين التيارات الدينية والتيارات العلمانية في معظم الأقطار الإسلامية، وأطالب بإيقاف حملات التشدد الديني وإقحام العقيدة الروحية في كل نواحي الحياة حتى أصبحت كلمتا الحلال والحرام بديلتين لكلمتي قانوني وغير قانوني. وأنا هنا أعترف بأن الإسلام دين ودنيا وأن طقوسه تدخل في حياة تابعيه بدءاً من الميلاد حتى الموت مروراً بالزواج والطلاق والميراث وغيره، إلا أن هذا الاشتباك مع المجتمع أمر لا نعترض عليه أما إقحام الدين في القرار السياسي الداخلي أو الخارجي فذلك ما لا نرى له مبرراً.

تلك انطباعات خرجت بها من زيارة خاطفة لدمشق الفيحاء مشاركاً في ندوة ثقافية قومية وأدركت معها الفارق بين الشخصيتين المصرية والسورية ودور الدين في كلٍ منهما بما لا يقلل دور الإسلام في سورية ولا دور العروبة في مصر، وفي نهاية المطاف سوف تزول الخلافات وتبقى الأمة برصيدها الضخم حاملة رايات العصر الذي نحياه ونعيش فيه ونتفاعل معه.

* كاتب مصري

=================

ماذا تخبّئ إيران الأخرى؟

الثلاثاء, 22 يونيو 2010

حازم صاغيّة

الحياة

ينمّ إعدام عبد الملك ريغي، زعيم «جند الله»، بعد أشهر قليلة على إعدام أخيه، عن ضعف البناء الدولتيّ والشرعيّ في إيران. أي، في هذه الحال، عن تصدّع العلاقة مع السنّة والبلوش، بعد أسابيع على الغمز من قناة قائد المعارضة مير حسين موسويّ بسبب أذريّته ونطقه لغتها.

يلازم ضعفَ البناء الدولتيّ، ممّا يعانيه العرب والأكراد فضلاً عن الأذريّين والبلوش وغيرهم، قوّةُ البناء السلطويّ. فهذا الأخير يناط به تطويق مفاعيل الضعف ومحاصرتها.

في هذا المعنى رأينا القياديّ المعارض الآخر مهدي كرّوبي يتحدّث عن الصلاحيّات الفائضة التي باتت تتمتّع بها ولاية الفقيه، نظريّة الشرعيّة التي تنهض عليها السلطة. فقد شكّك كرّوبي ساخراً في أن يكون الله قد منح أنبياءه ذاك التفويض المطلق الممنوح للوليّ الفقيه.

ويبدو أنّ الخطاب الأخير للمرشد علي خامنئي، حيث أشار إلى إعدام بعض من عادوا مع الخميني من باريس في 1979، تنبيه واضح إلى أنّ السلطة قد تلجأ إلى استخدام سلاح الإعدام حيال معارضيها. وهي وجهة قد تزيدها الرزمة الرابعة من العقوبات الدوليّة احتداماً واحتقاناً، فتزكّي الرغبة الاستئصاليّة على حساب المصالحة التي سبق لبعض المراقبين أن توقّعوها. وما يعزّز الافتراض هذا تزايد الكلام الرسميّ عن «المؤامرة الخارجيّة» على إيران، حيث تنشط قوى عدّة في طليعتها محطّة «بي بي سي» البريطانيّة!؟.

ومعروف أنّ كثرة الحديث عن «مؤامرة خارجيّة» إشارة لا تخطئ إلى أنّ القمع يتقدّم بخطى مسرعة: يصحّ هذا منذ روبسبيير و»عهد الارهاب» الذي تلى الثورة الفرنسيّة حتّى اليوم، لا تشذّ عنه حركة واحدة من حركات التاريخ الثوريّة. وأغلب الظنّ أنّ استشعار وجهة القمع هذه هو ما حدا بالمعارضة إلى عدم النزول إلى الشارع في الذكرى السنويّة الأولى لانتخاب أحمدي نجاد.

في هذا جميعاً يمكن القول إنّ النموذج الثوريّ الإيرانيّ أشبه بالنموذج الروسيّ منه بالنموذج الصينيّ. ففي الصين، وبعد أن بلغت الماويّة ذروة استفحالها مع «الثورة الثقافيّة البروليتاريّة العظمى»، شرعت تنحلّ وتتحوّل نحو درجة أعلى من الاستقرار والاعتدال والمعقوليّة. صحيح أنّ الوجهة هذه لم تحل دون ارتكاب مذبحة تيان آن مين، ولا فكّكت قبضة الحزب الواحد على صدر المجتمع الصينيّ. لكنّ الصحيح أيضاً أنّ النهج التدرّجيّ الذي دشّنه، أواخر السبعينات، دينغ هسياو بنغ، كسب معظم رهاناته، جاعلاً أيّة عودة إلى الماويّة أشبه بخرافة عظمى. وكانت الرأسماليّة والتجارة البابين اللذين فُتحا أمام التحوّل الصينيّ وجعلاه ممكناً وقادراً على الوفاء بتطلّعات قطاعات متعاظمة من السكّان.

أمّا في روسيا، فلم يحل خطّ الانفتاح النسبيّ الذي دشّنه نيكيتا خروتشوف، في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعيّ السوفياتيّ عام 1956، دون انبعاث الستالينيّة ممثّلة بليونيد بريجنيف ورفاقه. وكما تبيّن لاحقاً، لم يأت هذا الارتداد نحو الحقبة والعقليّة الآفلتين بمنأى عن انسداد سبل التقدّم في ظلّ النظام السوفياتيّ. وهي حقيقة ظلّ الأخير يلتفّ ويتحايل عليها إلى أن واجهها ميخائيل غورباتشوف بشجاعته المعروفة.

ويجوز القول استطراداً إنّ الارتداد الإيرانيّ إلى المرحلة الثوريّة الأولى، مرموزاً إليها بأحمدي نجاد وبتنامي نفوذ «الحرس الثوريّ»، بعد مرحلة الانفراج التي ارتبطت برئاسة محمّد خاتمي، إعلان عن انسداد سبل التقدّم في ظلّ نظام ولاية الفقيه. ومثلما استُدلّ رمزيّاً على ذاك الانسداد السوفياتيّ في الجينز وباقي السلع الاستهلاكيّة الغربيّة، يُستدلّ على الانسداد الإيرانيّ في مواقف الشبيبة ورغباتها التي لن يستطيع النظام معسها طويلاً.

فلننتظر ما تخبّئه إيران الأخرى.

=================

العلاقات العربية التركية.. مقومات الازدهار وتحديات الانحسار

عبد العزيز بن عثمان بن صقر

الشرق الاوسط

22-6-2001

الرغبة التركية في التحول شرقا ليست جديدة، ولم تبدأ منذ الحرب الإسرائيلية على غزة، أو مع حادثة أسطول الحرية، كما أنها ليست هبة عاطفية، بل تنطلق من مصالح تركية عليا تراكمت منذ منتصف سبعينات القرن الميلادي الماضي، أي بعد دخول القوات التركية إلى جزء من أراضي قبرص عام 1974، ثم استضافة تركيا لقمة منظمة المؤتمر الإسلامي في عام 1976.

والتقارب العربي - التركي يعتمد على مصالح اقتصادية للطرفين في المقام الأول، إضافة إلى أنه يتفق مع متطلبات المنطقة في الوقت الحاضر لإحداث توازن إيجابي ضد جماعات الغلو بعيدا عن الهيمنة السياسية أو الاستقطاب وسياسة المحاور والأحلاف العسكرية أو الأيديولوجية.

لكن هناك ثمة أسئلة مطروحة الآن مؤداها: لماذا زادت وتيرة التحول التركي الآن إلى الشرق، وهل يعني ذلك أنها تخلت عن الغرب؟ وهل هذا التحول سيكون له صفة الديمومة ويحظى بقبول كل الأطراف التركية، أم أنه مؤقت تحكمه مصالح حزب العدالة والتنمية الحاكم؟ وهل هذا التقارب يتعارض مع المصالح الأميركية - الإسرائيلية، أم لا؟ وهل العرب مهيئون لهذا التقارب في الوقت الراهن؟

بداية.. تركيا ليست غريبة أو بعيدة عن المنطقة العربية، وظلت تركيا العثمانية ترتبط بعلاقات قوية مع العرب طيلة أربعة قرون إلى أن سقطت الخلافة وقامت جمهورية أتاتورك عام 1923، التي سلخت تركيا عن محيطها الإسلامي والعربي وتوجهت بها غربا، حيث تخلت عن تدريس اللغة العربية وارتدت القبعة بدلا من الطربوش، وأحسن الغرب استقبالها باعتبارها - آنذاك - حائط صد في مواجهة الاتحاد السوفياتي من جهة، والعالم الإسلامي من جهة أخرى. وعليه انضمت تركيا لحلف شمال الأطلسي عام 1952، وكانت أول دولة إسلامية تعترف بقيام إسرائيل عام 1949، ثم أبرمت اتفاقية تعاون عسكري وصلت إلى حد التحالف مع الدولة العبرية في عام 1996، لكن بعد قرابة 80 عاما تيقنت تركيا أنها لن تحصل من الغرب أكثر مما حصلت عليه، فالباب أمامها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أصبح مغلقا، كما أن دورها العسكري في مواجهة ما كان يسمى بحلف وارسو تضاءل بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وجاء ذلك في الوقت الذي تنامت فيه قوة أكراد العراق مما يهدد بقيام الدولة الكردية في المثلث الكردي في (العراق، إيران، وتركيا).. كما أن هناك حاجة اقتصادية لدى أنقرة للتعاون مع العرب لأسباب كثيرة منها أن تركيا تستورد 95 % من احتياجاتها النفطية، وهو ما تفوق قيمته 20 مليار دولار سنويا، ولديها رغبة في زيادة قيمة المبادلات التجارية مع الدول العربية إلى 100 مليار دولار سنويا، بعد أن بلغت قيمتها 40 مليار دولار عام 2008، وقال وزير المالية التركي محمد شمشك مؤخرا «إن فترة انخفاض مستوى العلاقات العربية التركية التي سادت خلال المائة عام الماضية قد انتهت، وبدأنا مرحلة جديدة تشمل الانفتاح المتبادل وتنمية البيئة الاستثمارية والانخراط في مشاريع مشتركة».

والرغبة في زيادة التعاون الاقتصادي ليست رغبة تركية فقط، بل تقابلها رغبة عربية مماثلة، حيث إن الاقتصاد التركي تعافى بشكل جيد مؤخرا، ويأتي في المرتبة ال15 عالميا، والأكبر إسلاميا، وعلى الصعيد الزراعي لدى تركيا مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والمياه العذبة، مما يجعلها سلة غذاء للمنطقة العربية، خصوصا عند إنشاء مشروع جنوب شرقي الأناضول الذي يستهدف زراعة ملياري هكتار باستثمارات تصل إلى 12 مليار دولار، في إطار المشروع الذي أطلقت عليه أنقرة «مركز الإنتاج الزراعي وسلة الغذاء في الشرق الأوسط»، وتحتل تركيا المركز العاشر بين الدول الجاذبة للسياحة في العالم، وتتوقع أن يزورها 30 مليون سائح بنهاية العام الحالي، بما يحقق دخلا أكثر من 30 مليار دولار، وتقترب قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تركيا من 25 مليار دولار، بعد أن كانت قيمتها 1.1 مليار عام 2001، كما بلغ حجم تجارتها الخارجية قرابة 290 مليار دولار، وتخطط لزيادته إلى تريليون دولار عام 2023، ونظرا للمخزون المائي الضخم لدى تركيا فقد عرضت مرات عدة منذ عهد الرئيس الأسبق تورغوت أوزال تزويد دول الخليج بالماء العذب.

الدلائل تشير إلى أن هناك تلاقيا بين الدول العربية وتركيا في التعاون الاقتصادي، ورغبة في التعاون السياسي لكون تركيا ليست دولة توسعية، وليست لديها أجندة مذهبية أو عرقية، فهي دولة إسلامية علمانية غير متعصبة مذهبيا، إضافة إلى أن عضويتها في الناتو تجعلها منضبطة عسكريا، فهي لا تقبل أو تستطيع جر الناتو إلى مغامرة عسكرية مع أطراف إقليمية، وتنحصر مشكلاتها مع حزب العمال الكردستاني، بينما تشهد علاقتها مع أكراد العراق تطورا إيجابيا، ناهيك عن تحسن علاقاتها مع سورية. لكن رغم هذه المحددات الإيجابية، بل والمغرية.. هل ستنمو العلاقات العربية - التركية بقدر طموح الجانبين، أم أن هناك معوقات ستقف في طريقها؟.. المعطيات الحالية تقول إن مقومات النجاح موجودة، لكن استمرارها مرهون بعدة محددات من داخل تركيا، ومن موقف أميركا وإسرائيل ودول الاتحاد الأوروبي.. ففي الداخل التركي ثبات العلاقات مع الجوار العربي يتوقف على عدة عوامل تتمثل في علاقة المؤسسة العسكرية بالسلطة السياسية ومدى رضاها عن هذا التعاون. فهذه المؤسسة أنهت حكم حزب الرفاه بقيادة نجم الدين أربكان عندما أراد تجميد اتفاقية التعاون العسكري مع إسرائيل وأجبرته على تقديم استقالته في 18 يونيو (حزيران) عام 1998، فيما عرف آنذاك بالانقلاب الأبيض، كما أن ما حدث في مطلع ستينيات القرن الميلادي الماضي، عندما أطاحت المؤسسة العسكرية بالرئيس التركي آنذاك عدنان مندريس ثم تم إعدامه لاحقا بسبب رغبته في العودة إلى محيط تركيا الإسلامي والعربي، لا يزال عالقا في الأذهان، إضافة إلى ذلك فإن التحالف العسكري التركي - الإسرائيلي قد يثير الشك لدى الجانب العربي في حال تغير النخبة السياسية الحاكمة في تركيا، بل إن التقارب العربي التركي قد ينهار برمته في حال صعود العسكر إلى السلطة في أنقرة أو وصول أحزاب قومية أخرى لها توجهاتها السياسية المغايرة، وعليه يجب أن يكون التقارب مع الدول العربية نابعا من رغبة حقيقية من جميع أطياف النخب السياسية التركية ووفقا لاستراتيجية بعيدة المدى لجميع الأحزاب، وليس مجرد رغبة مؤقتة أو رد فعل طارئ لمتغيرات إقليمية ودولية ألقت بظلالها على تركيا في الوقت الراهن..

أما التحديات الخارجية فتتمثل في مواقف إسرائيل، وأميركا.. فإسرائيل تخشى أن يكون التقارب العربي - التركي على حسابها، لذلك فهي قد تلجأ إلى تغذية الخلافات بين المؤسسة العسكرية التركية والسلطة السياسية، أو قد تتورط في دعم انقلاب ضد حزب العدالة والتنمية، أو تدعم الأكراد الانفصاليين لزعزعة نظام الحكم في أنقرة.. أما واشنطن فقد ترى في هذا التقارب أنه سيكون على حساب نفوذها ومصالحها خاصة في تلك الفترة التي تشهد تراجعا للدور الأميركي في الشرق الأوسط بصفة خاصة، كما أنها ستخشى من ظهور قوة جديدة مناوئة لسياسة القطب الواحد بعد انسحابها من العراق، وتعثرها في أفغانستان، وتخبطها أمام البرنامج النووي الإيراني، ومن ثم سوف تستخدم سياسة العصا والجزرة تجاه أنقرة.. وتتمثل الجزرة في الضغط على أوروبا لقبول تركيا عضوا في الاتحاد الأوروبي، أما العصا فتتمثل في إشهار ورقة مذابح الأرمن التي تعود قصتها المزعومة إلى عام 1915، إضافة إلى الورقة الكردية وعلاقاتها بحقوق الإنسان، وتحريك إسرائيل ضد تركيا من بوابة الورقة الكردية أيضا.

لكن ما دام التعاون العربي - التركي يقوم على أسس اقتصادية، وليس عسكرية، فإنه لن يكون موجها ضد أحد، ولن يضير أي قوى إقليمية أو دولية، كما أن العلاقات الاقتصادية تكون أكثر ثباتا مهما تغير السياسات أو منفذوها، لأنها مصالح تخص الشعوب وليس النخب السياسية، ومن ثم سيكون هذا التعاون نموذجا جيدا إذا أحُسن التخطيط له على أسس واقعية متكافئة وليست عاطفية، أو لصالح طرف على حساب الآخر.

لكن بالقراءة المتأنية نجد من دون شك أن هناك عدة مصالح مشتركة تدعم التقارب العربي - التركي، وروابط كثيرة اقتصادية، حضارية، وتاريخية تجمع العالم العربي مع تركيا.. وعلى الجانب الآخر توجد مصالح وعوامل متعددة تباعد بين تركيا والعالم العربي. إن ما نشاهده اليوم من تقارب بين الجانبين قد لا يمثل حالة قابلة للديمومة، بل قد تكون حالة مؤقتة سرعان ما تفقد زخمها ووهجها، فالضغوط الداخلية والخارجية على الحكومة التركية لإنهاء شهر العسل مع العالم العربي لا يمكن الاستهانة بها، وتضارب المصالح والرؤى الاستراتيجية التي أحاطت بالعلاقات بين الطرفين لسنوات طويلة قد يطفو على السطح مجددا.

والمطلوب من الأطراف الرئيسية في العلاقات العربية - التركية أو التحالف العربي - التركي إن جاز التعبير، ونقصد بهذه الأطراف تحديدا المملكة العربية السعودية، ومصر، وسورية، وتركيا، أن تنظر إلى ما ستكون عليه هذه العلاقة في المدى البعيد لضمان عدم ظهور تباينات تهدد هذا التحالف أو التقارب، وحتى لا تتقاطع المصالح أو تحاول تركيا الاستئثار بالنفوذ في قضايا ومصالح من صميم الشأن العربي، في مقدمتها القضية الفلسطينية، ثم العراق، وإيران، وأفغانستان، وغير ذلك من أوجه العلاقة سواء كانت سياسية أو اقتصادية.. لذلك لا بد من التروي في وضع الأسس والآليات التي تضمن نجاح هذا التقارب بين الطرفين حتى لا يحمل بذور انهياره على المديين المتوسط والبعيد.

أخيرا.. من المهم والضروري أن يكون هناك تحول جذري في الحسابات الاستراتيجية التركية نحو اعتبار التحالف العربي التركي يخدم المصالحة القومية العليا للدولة التركية على المدى البعيد. وإذا اعتمدت أنقرة هذه الاستراتيجية فسيكون ذلك هو الضمان الوحيد لاستمرار وتطوير هذا التحالف بغض النظر عن تغير القيادات السياسية أو تغير الأحزاب الحاكمة في أنقرة.

* رئيس مركز الخليج للأبحاث

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ