ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 24/06/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


من سيضع شروط رفع الحصار عن غزة الامم المتحدة ام اسرائيل ؟

جمال محمد تقي

6/23/2010

القدس العربي

الجواب المنطقي الذي يأخذ كل الظروف المحيطة والتعقيدات الجارية بنظر الاعتبار سيكون حتما هو بشروط الامم المتحدة ، لاعتبارات عديدة اهمها ، انها المسؤولة الاولى عن الامن والسلم العالميين ، ولكون ميثاقها قد حرم كل اعمال العقوبات الجماعية وكل اشكال العزل الجماعي ، ومنها كل اشكال المحاصرة للسكان اثناء الحرب والسلم ، وايضا لانها الجهة الوحيدة المخولة لاتخاذ القرارات الملزمة بحق الاعضاء المتجاوزين ، وبالتالي تنفيذ ومتابعة ما يصدر عنها .

وهذا ماينطبق على حالة غزة كونها جزء من الاراضي الفلسطينية التي احتلتها اسرائيل في عدوان عام 67 ، اي يشملها قرار انسحاب القوات الاسرائيلية من الاراضي الفلسطينية دون قيد او شرط ، ويشملها ايضا قرار وقف كل اشكال الضم اوالاستيطان عليها او تغيير معالمها او خنقها من خارجها باحتلال مياهها الاقليمية وسمائها وحدودها البرية ، من قبل المحتلين الاسرائيليين .

اما اذا كان السير عكس المنطق فاننا حتما سنواجه بالاجابة المخالفة ، اي ان يرفع الحصار وبالشروط الاسرائيلية ، التي تريد استبقاء غزة كسجن كبير لحوالي مليوني انسان فلسطيني ، مع بعض التحسينات والتخفيفات ، كالسماح بدخول كميات اكبر من الهواء لديمومة حياة المتبقين من النزلاء ، بعد ان قتل اقرانهم خنقا بالغازات السامة والقصف العشوائي بقذائف الفسفور الابيض ، وبعد ان مات من مات وهو الجريح او العليل لنقص في الدواء والغذاء !

الحرية هي الاولوية الاولى التي يتطلع لها الغزاويون ، وحرية غزة تعني كسر الحصار الاسرائيلي المفروض عليها وعلى كل الاراضي الفلسطينية المحتلة داخل وخارج الخط الاخضر ، داخل وخارج جدار الفصل العنصري ومن دون شروط اسرائيلية ، المشكلة ليست مشكلة اغاثة وتحسين ظروفها كما يصورها الاسرائيليون والامريكان وبعض التبع من حكام الغرب والعرب ، والمشكلة ليست في مواقف حماس كما تلمح الى ذلك سلطة عباس ،عندما تشترط على غزة رجوعها لبيت الطاعة السلطوي كثمن لرفع الحصار عنها .

ان فشل السلطة الفلسطينية في تحرير نفسها من احتلال الشروط الاسرائيلية وبالتالي من الاحتلال الواقع حتى على "المقاطعة" في رام الله ، والتي اصبحت واللاسف كالمنطقة الخضراء في بغداد ، وخاصة بعد ان اغتيل فيها اخر الرافضين للشروط الاسرائيلية للحل الافتراضي الذي لا حل فيه " ياسر عرفات " لا يؤهلها البتة لان تقايض حماس وغيرها من الغزاويين بكسر الحصار مقابل الرجوع الى احضان السلطة المشروطة .

الحل كل الحل يكمن في الرجوع لاحضان الامم المتحدة وشرعيتها التي يجب ان تفعل ، خاصة وان فلسطين هي الحاضرة الغائبة في معظم قراراتها وتوصياتها المعنية بالشرق الاوسط ، صاحب اخطر سجلات الازمات والتناقضات في المصالح الدولية ، فلم يعد اتفاق اوسلو صالحا لانه ينحرف عن قرارات الشرعية الدولية ذاتها ، ولا الرباعية قادرة على تنفيذ روح قرارات تلك الشرعية ، ونفس الشيء ينطبق على مؤتمر مدريد ومبدأ الارض مقابل السلام ، وما بعده من تفرعات كخطة خارطة الطريق المسدود ، وانابوليس ، والمباحثات غير المباشرة ، وكل مايترتب عن مسلك حرف القضية عن مرجعيتها الاصلية.

فلا سلام من دون عدل ولا عدل من دون معايير ولا معايير قائمة غير معايير الشرعية الدولية ، فأما حل الدولتين القائم على التنفيذ الالزامي لقرار التقسيم ، وذلك بقيام دولة فلسطينية على كل اراضي فلسطين التي احتلت عام 67 ، ومن ثم معالجة مشكلات المستوطنات ، بالتزامن مع تنفيذ قرار عودة الراغبين من الاجئين الفلسطينيين الى ديارهم اينما كانت داخل دولة اسرائيل او فلسطين ، بمعنى الغاء فكرة يهودية الدولة الاسرائيلية ، وتكريس فكرة ديمقراطية وعلمانية اسرائيل ، ونفس الشيء ينطبق على الدولة الفلسطينية المستحدثة ،، او حل تاريخي تستوحيه الشرعية الدولية ذاتها بذاتها ومن مفردات شرعيتها المجسدة في اهداف قراراتها السابقة للحفاظ على امن وسلام وتعايش الشعبين في دولتين منفصلتين ، او دولة واحدة "حل تاريخي لكتلة تاريخية " الدولة العبرية العربية ، الوحدة الواحدة ، باساس شرعي يقوم على عقدين احدهما دولي والاخر محلي ، اما الدولي فهو عقد جماعي بالضمانة والاشراف ، واما المحلي فهو دستور علماني ديمقراطي لدولة المواطنة الواحدة بين الفلسطينيين والاسرائيليين مثله مثل دستور دولة جنوب افريقيا بعد زوال نظام الفصل العنصري فيها .

حتى تنضج مستلزمات احد هذين الحلين ، لابد من انضاج النضال الفلسطيني المقاوم ، ولا بد من تجذيره وجعله متعدد الاوجه سياسيا وفكريا وتنظيميا ، لابد من عدم استثناء اي شكل من اشكال الكفاح بما فيه المسلح لان الاستثناء هنا سيكون تنازلا مجانيا يشجع الخصم على التشدد في مواقفه غير العادلة .

ان رفض الفصائل الفلسطينية المقاومة للحلول غير الشرعية من طرف اسرائيل ،هو حق يكفله ميثاق الامم المتحدة ذاته على اعتبار ان ارضي فلسطين  الضفة الغربية والقدس وغزة  مازالت تعاني من الاحتلال والتطويق والاستيطان والمحاصرة والعدوان ، فاسرائيل ورغم انسحابها الاضطراري من احشاء غزة الا انها مازالت تحتل سمائها وبحرها ومازالت تطوقها وتتحكم بمقومات حياتها ، اما بالنسبة للضفة والقدس فان الامر اسوء بكثير اذا ما نظرنا للامر من زاوية القضم والاستيطان والتقطيع بواسطة بناء الجدار الفاصل بين المستوطنات ومدن الضفة ، على الرغم من تفاهمات اوسلو وعلى الرغم من وجود اجهزة السلطة الفلسطينية في رام الله والتي لا تتنفس الا بعلم اسرائيل وبالتنسيق معها ، وعلى الرغم من وجود تماهي بين اجهزة السلطة الامنية لمنع اي عمل مقاوم يؤذي الاجندة الاسرائيلية ، حتى اصبحت هي ذاتها كشرطي لاسرائيل في مناطق الضفة .

ان المقاومة وبكل اشكالها متواصلة وهي من طردت المحتلين الى خارج غزة ، وهي اليوم تواصل عزمها وجهادها لكسر حصار اسرائيل عليها ، ومع تضامن كل احرار العالم وقواه الخيرة سيتمكن المقاومون حتما من كسر الحصار ، خاصة وان هناك صحوة شرق اوسطية تقودها حكومات مسؤولة كحكومة اردغان في تركيا قد نفذ صبرها من سياسة العربدة والتطاول والبلطجة الاسرائيلية .

نعم اذا كانت السلطة الفلسطينية مازالت تعتبر نفسها سلطة بيد الشعب وليست عليه ، عليها واجب عين يتحدد في طلب الحماية لشعبها من الشرعية الدولية ومجلس امنها .

نعم لتكن الامم المتحدة هي المسؤولة المباشرة عن معابر غزة وعن ممراتها المائية وعن غطائها الجوي ، واذا كانت سلطة ابو مازن صادقة في مساعيها لفك الحصارعن غزة فعليها ان تدفع بهذا الاتجاه وليس غيره !

===================

المعارضة والسلطة

د. محمد تركي بني سلامة

6/23/2010

القدس العربي

بداية لا بد من الإشارة إلى أن المعارضة هي البديل السياسي للسلطة القائمة وتقدم نفسها للجمهور باعتبارها البديل التاريخي الممثل لقوى المجتمع والمعبر عن مصالحه والمدافع عن حقوقه سواء كانت معارضة يسارية أو وطنية أو ديمقراطية أو إسلامية.

وهكذا تصبح المعارضة ضرورة وطنية من أجل المصلحة العامة للوطن والدولة والأمة تتمتع بحقها الدستوري والسياسي والديمقراطي للعمل والنضال السياسي كمعارضة وكفالة ذلك الحق بالضمانات القانونية والتشريعية ضمن إطار احترام حقوق الإنسان المدنية والسياسية.

هذه النظرة الإيجابية للمعارضة هي التي لا تزال سائدة في الديمقراطيات الحديثة وعلى رأسها ديمقراطيات أوروبا الغربية لذلك نجد الطلب يتزايد على المعارضة في هذه الديمقراطيات لخلقها وإيجادها في حالة غيابها باعتبارها صمام أمان لصون الحياة السياسية من الاضطراب ومدها باسباب الاستقرار فهي قوة توازن ضرورية في المجتمع لا يمكن الاستغناء عنها لأن غيابها أو تغييبها يعني فتح المجال للسلطة للاستبداد ولا سيما أن السلطة مفسدة والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة.

والمعارضة باعتبارها البديل للسلطة فهي تسعى أما إلى الوصول إلى السلطة وحيازتها بشكل كامل عندما تكون موازيين القوى لصالحها أو يتم اقتسام السلطة بين المعارضة والنخب الحاكمة أو تشارك بالسلطة بحصة متواضعة لا ترقى إلى مستوى الاقتسام وبذلك تنخرط المعارضة بالحياة السياسية. أما صور الوصول إلى السلطة فهي متنوعة بدأ من الاستيلاء على السلطة بالعنف وهو النمط الشائع في البلاد العربية أو من خلال الطرق السلمية الديمقراطية (الاقتراع الانتخابي) وهذه الصورة هي الأقل شيوعا في عالمنا العربي وما تزال محفوفة بالعوائق والعقبات رغم التحولات الديمقراطية التي شهدتها بعض دول الوطن العربي وفي مقدمتها الأردن، وباختصار نقول إن النظرة للمعارضة السياسية في الوطن العربي لا تزال سلبية او نابذة يسودها الشك والريبة، وبذلك تحتكر السلطة القائمة المجال السياسي وتعتبره ملكية خاصة للسلطة او النخبة الحاكمة وليس ملكية عمومية لسائر أفراد المجتمع ولذلك يتم حرمان واقصاء وفي حالات تصفية المعارضة ومنعها من حقها المشروع في الوجود والعمل والتعبير ولذلك يجب ان لا تستغرب ظاهرة العنف السياسي الوحشي السائد في معظم البلاد العربية.

وهذه هي الظروف التي عاش وناضل واستشهد فيها هزاع المجالي ولذلك نجده في تقديمه لمذكراته يحاول تبرير نشر مذكراته وهو على رأس عمله في السلطة بقوله:

"القارئ العربي يعيش الآن في دوامة من تزوير التاريخ وتشويه الحقائق وعلى الأخص فيما يتعلق بالفترة التي اكتب عنها وتشملها مذكراتي.

بدأ هزاع عمله السياسي مبكرا جداً وهو يذكر في مذكراته أن أول درس في الوطنية تعلمه وهو في الصف الخامس الإبتدائي، وعندما انتقل إلى مدرسة السلط حيث شكل مع مجموعة من رفاقه جمعية سرية عرفت باسم ""جمعية الحرية الحمراء "" كان من اعضائها وصفي التل ونعيم التل ونايف الخطيب وغيرهم ثم استمر في العمل السياسي والمشاركة بالمظاهرات اثناء دراسته في دمشق وبعد عودته إلى الأردن عمل محامياُ لفتره بسيطة ثم انتقل إلى العمل في بلاط الملك عبد الله بن الحسين والحقيقة أن الطريقة التي أستدعي بها هزاع للعمل في بلاط الأمير فيها الكثير من الغرابة والإثارة حيث احظر إلى عمان مغفوراً! إلا أن هزاع عندما انتقل من المعارضة إلى السلطة لم يقدم آيات التوبة والندامة على ماضيه المعارض ولم يطاطأ الرأس وإنما أثر احترام ذلك الماضي ودونه في مذكراته فهو لم يتغير على نحو من الانحناء إلى تزوير وظيفتة السياسية الاجتماعية والسقوط في آلية الاستبدال الوظيفي فهو ليس بالابن الضال الذي عاد إلى حظن السلطة ثم عمل رئيسا لبلدية عمان وعمره لم يتجاوز ال30 عاماً. وعندما تسلم رئاسة بلدية عمان كان هزاع صاحب نظرة ثاقبة في الحكم وإدارة الدولة أو مؤسساتها بطريقة عصرية ففتح الشوارع وزرع الأشجار على جوانبها وحسن شبكة المياه وأنشأ الحمامات العامة وحدد أسعار المنام في الفنادق وفق درجاتها واثبت انه رجل المهام الصعبة وصاحب المبادرات الخلاقة.

وكانت التجربة الثانية التي ساهمت في اثراء خبرته في العمل السياسي هي اشتراكه في حكومة سمير الرفاعي وزيراً للزراعة وهو لم يتجاوز الثانية والثلاثين بعد وقد كانت تلك السنة سنة عجفاء بخلت فيها الطبيعة بالمطر إلا أن هزاع عمل كل ما بوسعه ليتجنب شح المجاعة ثم استقالت حكومة الرفاعي وشكل أبو الهدى حكومته والتي اجرت انتخابات نيابية ترشح فيها هزاع وكان قد شكل قائمة مع أحمد الطراونة وجريس هلسة وقد كانت اقرب إلى المعارضة إلا أن المعارضة في تلك الفترة كانت في أبهى حالاتها فقد كانت أكثر تمثيلا للشارع وأكثر أصالة وأكثر قدرة على التعيئه وكان لها قوة يحسب لها ألف حساب. وقد فازت قائمة هزاع على قائمة مرشحي الحكومة. وقد بدأ عمله في المجلس معارضا للحكومة ومناصباً لها العداء مبتعداً كل البعد عن مجاملتها وقد كان من بواكير انجازاته كرئيس للجنة القانونية في مجلس النواب التوصية بتعديل الدستور الأردني والتأكيد على مبدأ السياده للأمة وهذا من وجهة نظر هزاع لا يتنافى مع مبدأ احترام الملكية أو الولاء للنظام السياسي. ومن المواد التي اختلف هزاع مع الحكومة بشأنها مسؤولية الحكومة أمام مجلس النواب. والحقيقة أن العودة إلى مذكرات مجلس النواب الثالث ومحاضر الجلسات تؤكد بما لا يقبل الشك أن هزاع لم يكن صاحب شعار سياسي وأنما صحاب مشروع سياسي بالمعنى الحقيقي للكلمة ولديه رؤية متماسكة لهذا المشروع الوطني الديمقراطي الذي كان بمثابة المرجع الذي ينهل منه هزاع والبوصلة التي يهتدي بها وقد قام هذا المشروع على وجوب حماية وصون ثوابت الأمة وأحاطتها بالقدسية.

وبالمجمل كان هزاع اكف من أركان المعارضة السياسية متمسك بالثوابت الوطنية رغم تغيير الظروف ومتغيرات الواقع، بعيداً كل البعد عن مسالك المساومةعلى الثوابت العليا، فقدم الاسئلة والاستجوابات للحكومة وناقش الميزانية مشككاً بالأرقام التي قدمتها الحكومة وتبنى المطالب الشعبية ودافع عن الفقراء والمستضعفين

استمرت معارضة هزاع للحكومات المتعاقبة وكان من أسباب نجاح هزاع في قيادة المعارضة إيمانه بالأهداف التي رسمها وانتدب نفسه للدفاع عنها وسعى إلى إنجازها، وقد كانت تلك الأهداف مقبولة على نطاق شعبي واسع ولا سيما أنه كان في بعضها أفكار خلاص وانقاذ و مثل عليا لجماهير الشعب، فلم يطرح هزاع شعارات او يتبنى أفكار كان تحقيقها مستحيلاً او يتجاوز إمكانات الدولة والمجتمع، وكانت معارضتة معارضة وطنية لم تتعاون مع نظام أجنبي معاد فالتعاون مع الأجنبي خيانة للوطن والشعب والأمة، ولم يكن هزاع من المنغلقين على أنفسهم واصحاب التحجر او الانغلاق الفكري وإنما منفتحا على الآخر وقادر على التكيف والإبداع ولذلك بقيت الاواصر قائمة بينه وبين الحكومة بالرغم من معارضته لها ولذلك نجده يدخل في حكومة فوزي الملقي وهو الأمر الذي كان له أثاره الايجابية على الحكومة وذلك لما كان يتمتع به هزاع من شعبية كبيرة لحملة مشعل الدفاع عن أماني الشعب أضافة إلى الثقل العشائري الذي تحظى به عشيرة المجالي صاحبة الأرث السياسي المعروف ولا سيما أنها كانت تضم عدد من الزعماء اللذين كان لهم دور في الحياة السياسية الأردنية والعربية مثل توفيق المجالي وقدري المجالي وحابس المجالي وغيرهم.

وهكذا يمكن القول أنه بالرغم من انتقال هزاع من المعارضة إلى السلطة إلا أنه بقيت صورته وهيبته ومكانته في نفوس الجميع قوية حاضرة زاهية وبقي صاحب ميرات رمزي عظيم.

في السلطة أمن هزاع أن السياسة تقوم على مقتضى العقل لا مقتضى الهوى والمزاج فانتهج سبيل التخطيط والحساب الدقيق وإدارة الأمور بحنكة وعلى أسس برامجية تخاطب عقول الناس لا عواطفها ومشاعرها والسعي لتحقيق التوازن الضروري بين الممكن الواقعي وبين الواجب الفكري والاخلاقي

شكل هزاع حكومته الأولى في أواخر عام 1955م ولم تستمر إلا لمدة 5 أيام وعندما اندلعت المظاهرات أسديت اليه النصائح باستعمال الشدة وفرض نظام منع التجول ويروي هزاع في مذكراته أن اللواء راضي عناب مساعد رئيس الإركان طلب منه أن يُسمح للقناصة من الجيش والشرطة بأن يقتنصوا بالرصاص قادة المظاهرات إلا أنه رفض ذلك بشدة قائلاً: "إنه يفضل الاستقالة على أن تطلق النار على أحد ويؤذي أحد كائناً من كان. كان يؤمن بضرورة سلوك الطرق الديمقراطية البرلمانية لتحقيق غاياته فيما اجتهد فيه.

كلف الملك حسين هزاع المجالي بتشكيل حكومته الثانية في 15 آيار عام 1959م وأود أن إشير إلى موقف هزاع من قضية الحريات العامة حيث رأى فيها مبادئ مقدسة لا يجوز الاعتداء عليها، لكنه حدد قدسيتها بتحديد أهدافها واتجاهاتها بحيث لا تكون حريات هدامة وفوضويه وذلك للحفاظ على هيبة الحكم وحاول هزاع أن يجعل من الأردن دولة القانون والمؤسسات وإصلاح الجهاز الإداري ومحاربة الفساد والرشوة والاعتداء على المال العام وسعى إلى التقارب العربي وبقي رجل الملك المخلص إلى أن استشهد في الساعة الحادية عشر والنصف من ظهر يوم الاثنين الموافق 29-8-1960م.

هذه عناوين عامة وسريعة لموضوع المعارضة والسلطة في فكر هزاع المجالي، والحقيقة أن مواقف ورؤى وأفكار هزاع تحتاج إلى كثير من الجهد والوقت كما أن سيرة حياته فيها الكثير من المواقف الوطنية والإنسانية، ونحن لا نريد أن نزيد أو نزايد ولكن نقول إن اعادة قراءة فكر هزاع ومواقفه وتجربته في الحكم والمعارضة أموراً في غاية الأهمية ولا سيما في ظل ما تعانيه هذه الأيام من تغول السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائيه وضعف المجالس النيابية ومؤسسات المجتمع المدني وانتشار الفساد والمحسوبية واحتكار السلطة وتوريثها من قبل فئات معينة وأخيراً عدم احترام حقوق الإنسان وفي مقدمتها الحق في حرية التعبير وانتقاد المسؤولين.

وأخيراً أقول أن الأمم الحية والعريقة تقدس رموزها وأبطالها وتحيى ذكراهم، ونحن لدنيا من الرموز الوطنية الكثير، لقد رأينا جانب من شخصية عوده أبو تاية في الفيلم الأجنبي لورنس العرب وفي العام الماضي اختير مسلسل اسمهان للعرض في رمضان بدلاً من عودة أبو تايه، فيما لم يتم حتى الآن التفكير بانتاج أي عمل تلفزيوني عن هزاع او وصفي او قبلهم كايد عبيدات صقر فلسطين او حسين الطراونة زعيم المؤتمر الوطني في الأردن أو ..أو.. أو من الشخصيات الوطنيه وتنفق الملايين في مهرجان الأردن على أليسا ونانسي عجرم وهيفاء وهبي.

أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك

======================

استقرار العراق ما زال بعيدا جدا

باتريك كوكبيرن - "الاندبندنت"

 الدستور

 6/23/2010

بعد سبع سنين على اجتياح الولايات المتحدة وبريطانيا للعراق ، ما زالت البلاد غير مستقرة ومنقسمة بشكل كبير. الأحزاب والجماعات منقسمة إلى حد عدم تشكيل حكومة منذ الانتخابات العامة التي جرت قبل ثلاثة أشهر ، والتي كان القصد منها أن تكون مرحلة حاسمة في عودة العراق الى الوضع الطبيعي. بل إن القادة السياسيين لم يبدأوا بمفاوضات جادة حول تقاسم السلطة.

 

أحد الوزراء السابقين قال: "لم يسبق لي أن كنت محبطا لهذه الدرجة تجاه مستقبل العراق. الطبقة الحاكمة من اللاجئين السياسيين ، التي تولت السلطة بعد 2003 ، سيئة جدا. ليس لديها سياسة غير أن تبحث عن أي مدى يمكنها سرقة الدولة".

 

لا شيء من هذا واضح جدا للعالم الخارجي ، لأن السياسة الأميركية منذ 2008 كانت إعلان نصر شهير وسحب قواتها.

 

هذا الأسبوع ، انخفض عدد القوات الأميركية الى 92 ألفا ، ولأول مرة هو أقل من عدد الجنود الأميركيين في أفغانستان. الجيش الأميركي يريد الحفاظ على أسطورة أنه قد حول الحرب في العراق ، بطريقة ما ، الى نصر من خلال "الزيادة العددية" ثم خرج بنجاح من الصراع.

 

كان هذا الزعم مبالغا فيه دوما. التمرد على الاحتلال الأميركي ترسّخ بين جماعات السنة العرب ، وحينما هزمته الحكومة وقوات الميليشيا الشيعية في 2006 - 2007 ، لم يكن هناك خيارات كثيرة بالنسبة للسنّة سوى البحث عن تسوية مع الأميركيين. التغير الأهم في العراق كان يتعلق بنتيجة الصراع السنّي الشيعي أكثر من الابتكارات التكتيكية للجيش الأميركي. لهذا السبب ، يكتشف الجنرالات الأميركيون أن "الزيادة العددية" في أفغانستان هذا العام ، والمفترض أن تنافس النجاح في العراق ، تظهر هذه النتائج المخيّبة للآمال.

 

هيمنة الجيش على السياسة الخارجية على الذراع المدني للحكومة الأميركية تعززت بالحرب في العراق. في هذا الأسبوع فقط ، صوّت مجلس الشيوخ الأميركي على تقديم 33 مليار دولار إضافية من أجل "الزيادة" العسكرية في أفغانستان ، فيما تحصل وزارة الخارجية على أربعة مليارات دولار إضافية فقط. هذا بالإضافة الى ال 130 مليار دولار المخصصة للعراق وأفغانستان هذا العام ، والتي صوّت عليها الكونغرس بالفعل.

 

في العراق ، انخفض العنف بشكل أكبر بكثير عما كان عليه قبل ثلاث سنوات ، وفي هذا الجانب البلاد "أفضل" مما كانت عليه عندما كانت تُدفن جثث ثلاثة آلاف قتيل في المذبحة الطائفية كل شهر. ولكن الهجمات المتكررة للقاعدة ما زالت كافية لخلق شعور بالقلق. ولمنع هذه الهجمات ، تمتلئ شوارع بغداد بنقاط التفتيش والحواجز الإسمنتية بحيث يصعب التنقل في أرجاء المدينة.

 

ليس مستوى العنف المتواصل ، رغم انخفاضه بشكل كبير ، هو ما يقلق العراقيين كثيرا. الفشل في استبدال الحكومة الضعيفة لرئيس الوزراء نوري المالكي يؤكد على عمق الانقسامات الطائفية والعرقية بين الشيعة والسنة والأكراد. كان من السهل تماما التكهن بنتيجة الانتخابات بافتراض أن معظم الناخبين سيصوتون حسب انتماءاتهم الطائفية.

 

هذه الانقسامات ، التي تزايدت بسبب المجازر الأخيرة ، لن تتلاشى. ولكن ما يجعلها مدمرة جدا هو ضعف قيادة الأحزاب السياسية ، مع الاستثناء الجزئي للأكراد.

 

الوزير السابق ، الذي اقتبست كلامه آنفا ، قال أنه يخشى من أن العراق قد اكتسب نخبة حاكمة مهووسة بالسرقة تدير الحكومة كوسيلة لتحقيق أرباح طائلة.

 

بعض العراقيين يلجأون بتشاؤم الى الاعتقاد بأن الدولة تعاني اختلالا كبيرا في أحسن الأحوال لدرجة أن الفشل في تشكيل حكومة جديدة لا يشكل فرقا كبيرا. هناك بعض المنطق في هذا الجدال ، ولكن يوجد مؤشرات في بغداد على أن الفشل في الاتفاق على حكومة جديدة قد بدأ يشل حركة النظام الإداري الضعيف في العراق.

 

على سبيل المثال ، لا يمكن ملء الشواغر في 111 ألف وظيفة حكومية جديدة دون قرار من البرلمان ، وحتى القرارات الثانوية لا تُتخذ. وقد تذمر أحد القادة السياسيين أنه لم يتمكن حتى من العثور على شخص لتجديد تراخيص أسلحة حراسه الشخصيين.

 

الانقسامات الطائفية والعجز السياسي تقود بعض العراقيين الى التخوف من أن العراق آخذ في التحول الى لبنان آخر. ستكون السلطة مشظاة بحيث لن يتم اتخاذ أي قرار ، أو تخصيص أي وظائف أو تنفيذ أي سياسة خارجية طويلة الأمد.

 

غسان عطية ، المعلق العراقي المتخصص بالعلوم السياسية ، يعتقد أن "تجزئة حقيقية ستحدث". وكما في لبنان ، الانقسامات الداخلية تفتح المجال للتدخل الأجنبي.

 

وزير الخارجية العراقي ، هوشيار زيباري ، يشير الى الدور المتنامي لجيران العراق ، وفي مقدمتهم إيران وتركيا ، اللتان شجعهما السياسيون العراقيون. يقول السيد زيباري: "نتيجة لذلك ، لم تكن مجرد انتخابات عراقية ، بل كانت انتخابات اقليمية". وكما في لبنان ، تدخّل القوى الخارجية ، المهتمة بمصالحها الشخصية ، يمكن أن يؤدي إلى استقرار مؤقت لكنه أيضا سيعقد مشاكل العراق ويرسخها.

 

يمكن أن تكون المقارنة مع لبنان أمرا مبالغا فيه. بعكس لبنان أو أفغانستان ، العراق يمتلك النفط والعائدات لإقامة دولة وجيش قويين. يقول السيد عطية: "العراقيون متقلبون وعنيفون جدا بحيث أن النفط فقط هو ما سيبقيهم موحدين". حقول النفط العملاقة جدا وغير المُستغلة بالشكل الكافي ، والتي تطورها الآن شركات النفط الدولية تدل على أن عوائد النفط ستبدأ بالزيادة بشكل سريع خلال عامين تقريبا.

 

ليس على العراق أن يحل جميع ، أو حتى غالبية ، مشاكله ليجعل الحياة أفضل بالنسبة لشعبه الذي تحمل 30 عاما من الحروب الأهلية والخارجية ومن الاحتلال والعقوبات. كردستان العراق ، المتمتع بالحكم الذاتي الى حد الاستقلال تقريبا ، يشترك مع باقي مناطق العراق في الكثير من نقاط الضعف ، مثل الفساد والرواتب الحكومية الضخمة التي تبقي أموالا قليلة للاستثمار. لكن القيادة السياسية الكردية قوية وآمنة بما يكفي لبدء الازدهار في المنطقة. الرافعات تهيمن على أجواء العاصمة الكردية أربيل ، فيما لا يزال القليل جدا منها مرئيا في بغداد.

 

سلطة النخبة الحاكمة الحالية في العراق يمكن أن تكون مؤقتة. إذ يبدو أن العديد من اللاجئين العائدين يرغبون في نهب ما يقدرون عليه في أسرع وقت قبل أن يرحلوا الى أوروبا والولايات المتحدة ، أو إلى إي عاصمة عربية تتعاطف معهم. يمكن أن يخلفهم أشخاص أكثر كفاءة. ولكن الفشل في تشكيل حكومة جديدة والاعتقاد المتزايد بأن الحكومة الحالية غير شرعية ، تجعل العراق مضطربا لدرجة لا تمكنه من بناء نفسه من جديد.

======================

كيف تساعد الولايات المتحدة القاعدة؟

ماثيو هاروود - "الغارديان"

 الدستور

6/23/2010

منذ 11  9 ، كان لدى المجتمع الأميركي ميل مدمر لرؤية الإرهابيين الجهاديين كوحوش مصممة على إبادة تجربتنا الاجتماعية في الحرية الانسانية وحكم الشعب. بدلا من الإصغاء الى دوافع الأفراد الإرهابيين الذين هاجموا الولايات المتحدة هنا وفي الخارج ، أصغى الأميركيون فقط لرواية مريحة من بقايا عهد بوش: "إنهم يكرهون حرياتنا". رغم ذلك ، فهذا الاعتقاد ليس أكثر من وهم جماعي استمر في دعم سياسة خارجية مدمرة لأمننا القومي. لا شيء يثبت هذا أكثر من تفحص دوافع ثلاثة رجال قاموا بزعزعة إحساس الأميركيين بالأمن خلال العام الماضي.

 

في شهر أيلول ، اعتقلت السلطات الفدرالية نجيب الله زازي ، 25 عاما ، والذي كان يخطط للقيام بتفجير انتحاري في قطار الأنفاق في نيويورك. المهاجر الأفغاني اعترف مؤخرا بأنه مذنب بتهمة التآمر لقتل ركاب القطار الأبرياء. وفقا للنيويورك تايمز ، زازي برر دافعه لقتل الأبرياء بهذه الطريقة: "سأضحي بنفسي لجذب الانتباه لما كان جيش الولايات المتحدة يفعله بالمدنيين في أفغانستان بالتضحية بروحي من أجل الحفاظ على أرواح الآخرين".

 

بعد مضي ما يزيد قليلا على شهرين ، صُدم الأميركيون عندما قام الرائد ، نضال مالك حسن ، وهو طبيب نفسي مسلم يعمل في الجيش ، بقتل 13 شخصا - 12 جنديا ومدني واحد - في القاعدة العسكرية فورت هود ، تكساس. بشكل مشابه كثيرا لزازي ، يبدو بأن السبب الذي دفع حسن لقتل رفاقه في الجيش نشأ من اشمئزازه من السياسة الخارجية للولايات المتحدة ، وهي سياسة كُلف بتنفيذها. قبل عامين من جريمته ، أخبر حسن زملائه غاضبا أن الحروب الاميركية في العراق وأفغانستان كانت اعتداء على الإسلام. حسن ، وأثناء عرض لشرائح البوربوينت ، توقع ما كان سيحدث: "يصبح صعبا أكثر فأكثر على الجنود المسلمين إيجاد تبرير أخلاقي لوجودهم في جيش يبدو دوما في حالة حرب مع أخوانهم المسلمين". ورغم أن حسن لم يفجر نفسه في فورت هود ، هناك احتمال ضئيل بأنه كان ينوي النجاة بسلام من هجومه. ولم ينج ، فقد تسببت رصاصة أحد الضباط في إصابته بالشلل.

 

أخيرا في يوم عيد الميلاد ، عمر فاروق عبد المطلب ، 23 عاما ، شاب غني من نيجيريا ، خبأ متفجرات مسحوقة في ملابسه الداخلية وحاول تفجير طائرة نورث وست 253 وهي في طريقها الى ديترويت. لحسن الحظ ، فشل في ذلك. عقب فشل هجومه ، بحثت شبكة الاذاعة الوطنية في السبب الذي دفع ابن موظف بنكي بارز الى اختيار نهج مفجر انتحاري. يبدو أن أحد الأسباب هو معاملة المعتقلين المسلمين في غوانتانامو. مراسلة شبكة الاذاعة الوطنية في غرب أفريقيا ، أوفيبيا كويست - آركتون ، قالت أن الغضب الذي حفز عبد المطلب كان فريدا في عنفه ولكن ليس في طبيعته. وأضافت "علي القول بأن العديد من الأشخاص الذين تحدثت اليهم في شمال نيجيريا ، ولو لم يرتبط حديثهم بغوانتانامو بالتحديد ، فقد تحدثوا عن حقيقة السياسة الخارجية للولايات المتحدة ، الحروب في العراق وأفغانستان والشرق الأوسط ، الأزمة الفلسطينية الاسرائيلية ، وكيف أنهم يشعرون بشكل شخصي جدا بأن الولايات المتحدة لا تهاجم المسلمين فحسب ، كما شعروا ، بل تهاجم حتى المسلمين النيجيريين".

 

حان الوقت ليدرك الشعب الأميركي أن الإرهاب الانتحاري الجهادي ليس في الأساس نتاجا للتعصب الديني ، ولكنه رد فعل منطقي على الإمبريالية الأميركية. روبرت بايبس ، الخبير الأميركي المرموق في شؤون الارهابيين الانتحاريين أخبر مجلة أميركان كونسيرفاتيف في :2005 "الحقيقة الهامة هي أن الهجمات الارهابية الانتحارية الساحقة لا يحركها الدين بقدر ما يحركها هدف استراتيجي واضح: إجبار الديمقراطيات الحديثة على سحب القوات العسكرية من المنطقة التي يرى الارهابيون أنها وطنهم". وفقا لمؤلف كتاب الموت لتحقيق النصر: منطق الارهاب الإنتحاري ، فإن الدين يكون عاملا في الإرهاب الانتحاري فقط عندما تكون القوة المحتلة من عقيدة أخرى. وهذا هو الحال في الاجتياحات والاحتلالات لأفغانستان والعراق.

 

المأساة في ذلك كله هي أن أسامة بن لادن راهن على أن الولايات المتحدة ستلتقط طعمه وستهاجم من منطلق الانتقام والعجرفة. باجتياحها واحتلالها الدول الاسلامية ، وإضعافها سيادة القانون عبر الاعتقال الاحترازي والتعذيب ، وتسببها بالموت عبر الطائرات بدون طيار ، أثبتت الولايات المتحدة رواية بن لادن عن الصليبيين المسيحيين والحرب المقدسة. أنجز هذا الأمر هدفيين ضروريين للقاعدة: لقد أنتج المزيد من الجهاديين وأضعف ، اقتصاديا وعسكريا ، أعظم قوة مهيمنة في التاريخ.

 

هذه الحلقة من الامبريالية والجهادية ذات رد الفعل الايجابي تترك الأميركيين أفقر وأقل أمنا وأكثر خوفا. ولكن عوضا عن البحث عن جذور المشكلة ، يواصل الأميركيون التعامل مع فروعها. مؤامرة زازي تدفع الكونغرس الى المطالبة بمزيد من الإنفاق على أمن المواصلات العامة. مذبحة حسن تقود البنتاغون الى وضع سياسات لتحديد ومعالجة التطرف العنيف. قنبلة عبد المطلب المخبأة في ملابسه الداخلية تؤدي الى انتشار سريع لأدوات فحص الجسم بالكامل والتي يسميها المنتقدون "التجريد الفعلي من الملابس".

 

بعد حوالي تسع سنوات من 11 أيلول ، أنفقت الولايات المتحدة حوالي تريليون دولار لخوض هذه "الحرب العالمية على الارهاب" بالاضافة الى مئات المليارات من الدولارات من النفقات المتزايدة على الأمن القومي. في المقابل ، يستمر دافعو الضرائب الأميركيون في المخاطرة بمستقبلهم الاقتصادي من أجل إمبراطورية يستفيد منها قلة وتجلب الحرب الى الشواطئ الأميركية وتلغي في الوقت ذاته قدرا كبيرا من الحريات الهامة.

 

بالرغم من ذلك ، تملك الولايات المتحدة وسيلة سهلة وأخلاقية لاجتثاث جذور المشكلة ولتجعل نفسها أكثر أمنا وأسلم من الناحية المالية في الوقت ذاته. يجب عليها أن تشرع فورا في تقليص إمبراطوريتها بالانسحاب من أفغانستان والعراق ، وأن تغلق قواعدها العسكرية المتناثرة في كافة أنحاء العالم ، وأن تعيد جنودها الى الوطن. هذا سيساعد في إضعاف جاذبية رواية الجهاديين التي جعلت أمثال عبد المطلب وحسن وزازي مهتمين بها. هؤلاء الرجال لم يولدوا جهاديين ، لقد تم تحويلهم الى جهاديين. المضحك المبكي هو أن الولايات المتحدة ساعدت القاعدة على القيام بذلك.

وبسبب ذلك ، فنحن ننفق على الأمن أكثر من أي وقت مضى ، ولكننا ما زلنا نشعر بالأمن أقل فأقل.

======================

منطقة «اليورو»...هل تنهار؟

فاسلاف كلاوس (رئيس جمهورية التشيك، ورئيس وزرائها الأسبق خلال

الفترة 1992-1997)

الاتحاد الاماراتية

الرأي الاردنية

6/23/2010

بصفتي ناقداً قديما لمفهوم العملة الأوروبية الموحدة، لم يغامرني البتة شعور بالفرح والسرور للمشكلات الحالية التي ضربت منطقة اليورو، والتي تهدد اليورو وبقاءه. وقبل أن أتطرق للأحداث التي صاحبت أزمة الدين اليونانية بالمزيد من النقاش، عليّ أن أقدّم هنا تعريفا عمليا لمعنى كلمة «انهيار». ففي سياق اليورو، هنالك تفسيران على الأقل يتبادران إلى الأذهان.الأول يرى بأن مشروع منطقة اليورو قد انهار مسبقاً، وذلك بسبب إخفاقه في تحقيق النتائج الإيجابية التي كانت متوقعة منه.

عملية إنشاء منطقة «اليورو» قد تم تقديمها على أنها منفعة اقتصادية لا لبس فيها لجميع البلدان الراغبة في التخلي عن عملاتها النقدية التي كانت موجودة لعقود، أو قرون. لقد نُشرت دراسات مكثفة، ولكنها منحازة، شبه علمية، قبيل الشروع بإطلاق العملة الموحدة. وقد وعدت هذه الدراسات بأن اليورو سيساعد على النمو الاقتصادي، ويقلل التضخم، وأكدت بشكل خاص على التوقعات بأن الدول الأعضاء في منطقة اليورو ستكون في مأمن من جميع أنواع الأزمات الاقتصادية غير المرغوبة والصدمات الخارجية.

وبعد تأسيس منطقة اليورو، تباطأ نمو دول الأعضاء الاقتصادي مقارنة مع ما كان عليه الحال في العقود السابقة، مما زاد في حجم الفجوة بين سرعة النمو الاقتصادي في بلدان منطقة اليورو ونظيره في الاقتصاديات الكبرى كاقتصاد الولايات المتحدة والصين، والاقتصاديات الأصغر في جنوب شرق آسيا وبعض الدول النامية، فضلا عن دول أوربا الشرقية والوسطى، التي لم تنضم ِ إلى منطقة «اليورو». منذ ستينيات القرن العشرين، تباطأت معدلات النمو الاقتصادي في بلدان المنطقة، ولم يؤد وجود اليورو إلى الحد من هذا التباطؤ. وحتى الاندماج المتوقع في معدلات التضخم لبلدان منطقة «اليورو» لم يحدث. وتشكّلت مجموعتان مختلفتان من الدول ضمن منطقة اليورو – إحداهما بمعدل تضخم منخفض، والأخرى (والتي تشمل اليونان، وإسبانيا، والبرتغال، وإيرلندا، وبعض الدول الأخرى) بمعدل تضخم مرتفع. ورأينا أيضا زيادة ً في حالات عدم التوازن التجاري طويلة الأمد.

فمن ناحية، هنالك بلدان ذات ميزان تجاري يفوق فيه حجم الصادرات حجمَ الواردات، ومن ناحية أخرى، هنالك بلدان تستورد أكثر مما تصدّر. لذا فليس من قبيل المصادفة أن تعاني البلدان الأخيرة أيضاً من معدلات تضخم أعلى. لذا فإن تأسيس منطقة اليورو لم يؤد إلى أي تجانس أو انسجام فيما بين اقتصاديات الدول الأعضاء، ولم تقم الأزمة المالية العالمية إلا بمفاقمة وكشف جميع المشكلات الاقتصادية في منطقة اليورو.

أوتمار إيسينج، أحد الاقتصاديين الكبار في البنك المركزي الأوروبي، قال مراراً تأسيس منطقة «اليورو» كان قراراً سياسياً في المقام الأول. لكن ذلك القرار لم يأخذ بالحسبان مدى ملائمة هذه المجموعة الكاملة من الدول لمشروع عملة واحدة. ولا شك أن تكاليف تأسيس منطقة العملة الموحدة وإدامتها ستفوق الفوائد المتوخاة منها.

لم أشكك أبدا بحقيقة أن أسعار الصرف في البلدان التي انضمّت لمنطقة اليورو كانت تعكس بشكل أو بآخر حقيقة الوضع الاقتصادي في أوروبا في زمن ميلاد اليورو. ولكن، خلال العقد الأخير، اختلف الأداء الاقتصادي لبعض أعضاء منطقة اليورو، وأصبحت التأثيرات السلبية «الإجبارية» لفرض عملة واحدة على الدول الأعضاء أكثر وضوحا. فعندما ساد ’الجو الجيد‘ (بمعناه الاقتصادي)، لم تظهر أية مشكلات. ولكن ما إن وصلت الأزمة، أو ’الجو السيء‘، أخذ الافتقار إلى الانسجام بين أعضاء منطقة اليورو يتجلى بوضوح. ومن هذا المعنى، أستطيع القول إن منطقة اليورو قد أخفقت – كمشروع واعد بالنفع والفائدة الاقتصادية الكبيرة لأعضائه.

من المسائل المثيرة بالنسبة إلى السياسيين وغير المختصّين (وليس بالنسبة إلى الاقتصاديين) هي التساؤل عن إمكانية انهيار منطقة اليورو كمؤسسة. وجوابي على هذه المسألة هو «لا» سوف لن تنهار. لقد استُثمِر الكثير من رأس المال السياسي في وجود اليورو ودوره بوصفه»الإسمنت» الذي يربط الاتحاد الأوروبي في طريقه نحو (ما فوق الأممية) بحيث لن يُتخلى في المستقبل المنظور عن منطقة اليورو بكل تأكيد. هذه المؤسسة ستستمر، ولكن بثمن باهظ للغاية سيدفعه مواطنو بلدان منطقة اليورو (كما سيدفعه بشكل غير مباشر الأوروبيون الذين ابقوا على عملاتهم النقدية الخاصة).

أما ثمن إدامة اليورو فسيكون النمو الاقتصادي المتدني في منطقة اليورو. فالنمو الهزيل في تلك المنطقة سيتسبب في خسائر اقتصادية في بلدان أوروبية أخرى، مثل جمهورية التشيك، وفي سائر أنحاء العالم. وسيكون سعر «اليورو» المرتفع ملحوظا جداً في حجم التداولات المالية التي يتوجب إرسالها إلى بلدان المنطقة التي تعاني من أكبر المشكلات المالية والاقتصادية. أما الفكرة القائلة بأن هذه التحويلات لن تكون سهلة دون وجود اتحاد سياسي فكانت معروفة لدى المستشار الألماني هولمت كول منذ عام 1991 عندما قال إن «التاريخ الحديث، ليس في ألمانيا فحسب، يعلّمنا أن فكرة إيجاد اتحاد اقتصادي ونقدي على المدى البعيد، دون وجود اتحاد سياسي، ما هي إلا مغالطة كبيرة.» ولكن يبدو أن كول قد نسيها، لسوء الحظ، مع تقادم الزمن.

الاتحاد النقدي الأوروبي لن يكون مهددا بالإلغاء، وسيستمر ثمن الإبقاء عليه بالارتفاع، غير أن جمهورية التشيك لم ترتكب خطأ عندما تجنبت اللحاق بركب منطقة «اليورو» حتى الآن.

======================

الأكراد.. بين المطرقة والسندان

حازم مبيضين

الرأي الاردنية

6/23/2010

في حين تتواصل التحضيرات والاستعدادات التركية العسكرية المكثفة, للقيام بتوغل كبير داخل أراضي إقليم كوردستان, لضرب مواقع ومقرات تابعة لحزب العمال الكوردستاني التركي المعارض، فإن المسؤولين الأكراد يؤكدون أن التحركات التركية محدودة, وأنه ليس هناك اتفاق أو تنسيق بين أربيل وأنقره بهذا الخصوص, في الوقت الذي تؤكد فيه قيادة الجيش التركي عزمها على سحق قوات حزب العمال الكوردستاني واقتلاعه من الحدود، وبما يشير إلى تعقيدات متزايدة في الموقف, بينما كان منتظراً أن تسفر زيارة رئيس الإقليم مسعود بارزاني إلى تركيا مؤخرا عن مزيد من التهدئة على الحدود، وأن تتفهم تركيا مشكلاتها الحدودية بشكل أوضح.

 

وبالرغم من محاولات التهدئة التي تبذلها القيادات الكردية, فان هناك من يتوقع أن تسير الأمور نحو مزيد من العنف، ويؤشر إلى تنسيق من نوع ما بين تركيا وإيران لتصعيد عملياتهما العسكرية، ويستغرب من صمت بغداد إزاء تجاوزات تركيا على الحدود, في حين تعلن واشنطن أن عدم قيامها بأي دور في هذا المضمار ناجم عن عدم طلب الحكومة العراقية التدخل في هذا الشأن, رغم أنها وبحكم كونها الدولة التي تحتل العراق مسؤولة عن حماية وتامين حدود الدولة التي تحتلها, وأن تمنع بوسيلة ما - قد تكون الدبلوماسية – عملية الجيش التركي التي أسفرت مبدئياً عن نزوح أكثر من 100 عائلة في القرى الحدودية عن مناطقها, وتخشى العودة إلى مزاولة أعمالها الزراعية.

 

لم يكن أمام حكومة إقليم كوردستان أو في يدها غير التنديد بالتجاوزات, واعتبار اختراق القوات التركية لأراضي الإقليم انتهاكا صريحاً وواضحاً للسيادة العراقية، ويتعارض مع مبادئ حسن الجوار والاتفاقات ومواثيق الأمم المتحدة، والدعوة إلى حوار مباشر بين الأطراف المعنية بالقضية بحثاً عن الحلول التي لن تنجز باللجوء إلى استخدام القوة, وبشكل متواز مع الدعوة للخيارات الدبلوماسية الاشارة إلى أن حكومة وشعب كوردستان قادران على الدفاع عن أراضي الإقليم، رغم القناعة المؤكدة بأن كردستان جزء من الدولة العراقية الاتحادية، وأن احترام سيادة الدولة ودستورها يلقي على عاتق بغداد مسؤولية الدفاع عن أراضي البلاد.

 

المسؤولون الاكراد كانوا أدانوا ورفضوا ونددوا بالقصف الايراني لأراضي الاقليم, وتبدو المبالغة والقصدية العدائية واضحة في بعض التصريحات التي تتحدث عن تزامن التصعيد التركي مع زيارة بارزاني إلى أنقرة مؤخرا، والهدف واضح ويتمثل في التشكيك بالثوابت الوطنية, مثلما يتمثل بالتشكيك بأن لدى أربيل سياسات مزدوجة، رغم أن الموقف الرسمي الثابت يشدد أن أكراد العراق غير معنيين بما يحدث من صراعات ومشكلات داخل حدود البلدان المجاورة, حتى وإن كان أكراد تلك الدول طرفاً فيها, إلا في حدود الدعوة إلى حل مشكلات الجيران عن طريق التفاوض والتحاور السياسي، وتأييد أي توجهات من دول الجوار في هذا الصدد، مع التأكيد المستمر على عدم السماح باستخدام أراضي الاقليم منطلقاً لأي نشاطات تضر بدول الجوار, ولتأكيد هذا الموقف تمت إدانة هجمات حزب العمال الكوردستاني الاخيرة التي لاتخدم القضية الكردية، بقدر ما تؤدي الى إجهاض المسيرة السلمية لحل هذه القضية.

 

بين سندان القصف الايراني ومطرقة التوغل التركي, وبين سندان انشغالات بغداد بتصاعد وتيرة الاعمال الارهابية بعد الانتخابات النيابية, ومطرقة صمت الدول العربية على انتهاك سيادة الدولة العراقية من قبل جارتيها, يجد القادة الأكراد أنفسهم في وضع لايحسدون عليه, ولم يكن ينقصهم غير سندان ومطرقة بعض الاصوات المحلية, التي لأسباب لاعلاقة لها بالواقع يتهمونهم بالتنسيق مع الاتراك للتوغل في وطنهم, غير أن الثقة كبيرة بقدرتهم على تجاوز هذه المحنة وإن تعددت وتكاثرت أعداد المنخرطين فيها.

======================

ماذا جرى لأوباما؟

بقلم :د.منار الشوربجي

البيان

6/23/2010

من المفارقات الجديرة بالتأمل حقا، أن أوباما الذي ألهم العالم كله في حملته الانتخابية، هو نفسه الذي يدير مهام منصبه بشكل بالغ التقليدية يخلو من الإبداع والخيال! وبينما يعم الإحباط العالم، الذي كان قد تفاءل خيرا بمقدم الرجل، فإنه ليس هناك أسوأ من الإحباط العالمي سوى الإحباط الذي يعاني منه الأميركيون. ما الذي جرى بالضبط؟ وهل يمكن تفسير تلك المفارقة؟

 

للأمانة، ينبغي أولا القول إن الكثير من الآمال التي انعقدت على أوباما داخل أميركا وخارجها، لم تكن مبنية على أسس موضوعية ولم يكن الرجل مسؤولا عنها. فأوباما في حملته الانتخابية، كانت مواقفه بشأن القضايا المختلفة أقرب لوسط الحزب الديمقراطي، بل ويمين الحزب أحيانا، بما يعني أن التحولات الراديكالية ليست واردة. صحيح أنه تعهد بالانسحاب من العراق، إلا أنه قال صراحة إنه ينوي زيادة عدد القوات الأميركية في أفغانستان.

 

حتى في القضايا الداخلية، فقد كان مشروعه للرعاية الصحية مثلا، أقل طموحا من مشروع هيلاري كلينتون. لكن الكثيرين داخل أميركا وخارجها، كانوا طوال الحملة يسمعون ما لم يقله الرجل، بل ما يتمنون أن يسمعوه منه. وهي ظاهرة أسهم في صنعها الإعلام الأميركي من ناحية، وكاريزما أوباما من ناحية أخرى، فضلا عن رغبة الملايين في الخلاص، بعد ثماني سنوات عجاف تحت حكم المحافظين الجدد.

 

غير أن وقائع تلك الحملة، حملت في طياتها بعضا من تفسير ما يحدث الآن. فسجل أوباما السياسي قبل الحملة ثم خلالها، كان معناه أن الأمل الحقيقي منعقد على حركة أوباما، لا على أوباما نفسه. فالرجل لم يكن يوما جزءا من تلك الحركة التي دعمته وحملته حملا للبيت الأبيض. والأمل كان أن تظل تلك الحركة منظمة بعد وصوله للرئاسة، حتى تمارس ضغوطها عليه. ففي أميركا المحافظة، كان من شأن تلك الضغوط أن تحدث توازنا يساعد الرئيس الجديد على اتخاذ مواقف أكثر عدلا وإنسانية، في الداخل والخارج.

 

لكن الحركة انفرط عقدها بعد تولي أوباما، وبدلا من أن تنظم نفسها للضغط المستمر عليه، إذا به هو الذي يستخدمها لتنفيذ أجندته. وبين الاثنين فارق كبير، خصوصا في ظل الاستراتيجية التي اتبعها أوباما. فالرجل سعى منذ اللحظة الأولى لأن يحكم من الوسط السياسي، لا من الموقع الذي تحتله الحركة التي حملته أصلا للحكم، بدعوى السعي للوصول لحلول «عبر حزبية»، توفق بين مطالب الحزب الجمهوري ومطالب حزب الرئيس، بعد سنوات طويلة من الصراع الحزبي الشرس.

 

لكن تلك الاستراتيجية التي اتبعها أوباما، ربما هي جوهر المأزق الذي يعانيه اليوم، وهي أيضا المسؤولة عن الأداء الباهت لأوباما، رغم ما يتمتع به من ملكات كاريزمية. فالسعي للحكم من الوسط جعل إدارة أوباما بلا لون أو طعم حقيقي، بل صارت تعطي الانطباع بالتردد وعدم الحسم. فأوباما الذي وصل للحكم بزخم شعبي هائل وأغلبية مريحة، اختار أن يحكم مثل كلينتون الذي وصل للحكم ب43 فقط من الأصوات الشعبية!

 

فالرئيس الأميركي الذي يصل للحكم عبر نسبة محدودة من الأصوات، يكون عليه بالفعل أن يحكم من الوسط، لأنه يعلم أنه لا يملك تفويضا شعبيا لإحداث تحولات جوهرية. وهو ما يعني أيضا ضرورة السعي في كل قضية، للوصول لحلول وسط توفيقية يمكنها أن تخلق في كل مرة أغلبية شعبية بعينها تتحمس لذلك الحل.

 

وقد كان ذلك هو المتوقع من كلينتون في 1992 الذي فاز بناء على 43% من الأصوات، بل وكان متوقعا من بوش الابن بدرجة أكبر حين وصل للرئاسة في 2000 بحكم من المحكمة العليا، بعد أن كان الخلاف على عدد من الأصوات لا يتعدى الخمسمئة والخمسين. لكن حتى هذين الرئيسين قاوما ذلك المنحى. فقد حاول كلينتون في بداية عهده أن يحكم من اليسار، ثم اضطر للتراجع. أما بوش فقد بدأ منذ اللحظة الأولى وظل طوال حكمه، يحكم من اليمين وكأنه حصل على أغلبية ساحقة وتفويض شعبي.

 

أما أوباما فإذا به اختار أن يحكم من الوسط في لحظة تاريخية مغايرة تماما، فضيع فرصة هائلة كانت في يده. فهو تولى في لحظة أزمة كبرى تعانيها بلاده في الداخل والخارج، وجاء للرئاسة محمولا بزخم شعبي هائل وأغلبية مريحة لحزبه في الكونغرس بمجلسيه، فضلا عن أغلبية شعبية واضحة تتوق للتغيير. بعبارة أخرى، كانت اللحظة التاريخية التي تولى فيها أوباما وتوافر كل تلك العوامل دفعة واحدة، تسمح له  إذا أراد  أن يحدث تحولات كبرى تغير وجه أميركا بالكامل، مثلما فعل روزفلت في الثلاثينات أو حتى ريغان في الثمانينينات.

 

لكن أوباما، حتى يحدث مثل تلك التحولات الكبرى، كان عليه أن يتبنى توجها سياسيا واضحا، كأن ينحو يسارا بوضوح كما فعل روزفلت، أو يمينا بجسارة كما فعل ريغان، فإذا به يختار أن يحكم من الوسط، وهو ما كان يحتم أن يتعاون معه الجمهوريون في الحد الأدنى حتى يحقق أي إنجاز. لكن أوباما لم ينتبه إلى أن استراتيجية الجمهوريين كانت منذ البداية تقوم على رفض التعاون معه بالمطلق لإفشاله، فكانت النتيجة أن ظل أوباما يقدم لليمين التنازل بعد الآخر دون جدوى في الكثير من الأحيان.

 

باختصار، أصر أوباما على أن يحكم من الوسط، فخسر اليسار ولم يكسب اليمين، فصار أداؤه باهتا. لكن الأهم هو أنه ضيع فرصة تاريخية، وفتح الباب على مصراعيه لتسليم أميركا من جديد لقوى اليمين، التي صارت أكثر تطرفا مما كانت عليه حين كان بوش في الحكم.

======================

مَعنى التَشكل الثَقافي

بقلم :سيار الجميل

البيان

6/23/2010

إن التشكل الثقافي لا يعني فقط إبداع نص، أو نظم قصيدة، أو نشر خواطر، كما يتّصور البعض، بل إنه يعني ببساطة ووضوح: تلاقح مجموعات هائلة ومركبة من منتجات الحياة الاجتماعية والسياسية، ومواريث المجتمع وعاداته وتقاليده وفولكلورياته وآدابه وفنونه ومختلف إبداعاته..

 

فضلا عن دور ذلك «التشكل» في إغناء مؤسسات الدولة بالمشروعات الجمالية والإنسانية، ناهيكم عن دور ذلك «التشكل» في تطوير المجتمع وعلومه ومعارفه وأساليب حياته، ووسائل راحته وملاعب أطفاله.. ليكون مجتمعا مدنيا، إضافة إلى دور ذلك «التشكل الثقافي» في تحديث الحياة الاقتصادية ومجالاتها النفعية والبنى التحتية وعمليات التبادل واحترام ساعات العمل.. الخ.

 

إن حصيلة ما يقدمه «التشكل الثقافي» في أية أمة تسعى نحو التطور والتحديث، هو جزء أساسي من عملية المنجز الحضاري.. ومن دون شك، فان المفكرين المتخصصين الذين لهم القدرة على صنع الاحكام بعد تقويم التجارب ودراستها، يعّدون من المثقفين الحقيقيين في أية أمة تحترم نفسها وتاريخها، إنهم يقفون على رأس ذلك «التشكل»، فمنهم جملة من المستشارين والمساعدين ومنهم التكنوقراط ومنهم نخب المبدعين..

 

وكلهم يجب أن يشاركوا صانع القرار في الخطط والمشروعات التي تعمل أساسا من اجل المستقبل على أسس علمية، من أجل التحديث، لا من اجل التراجع وعدم الاستجابة للتحديات..

 

ويبقى الاحيائيون مهما كانت فصائلهم وتوجهاتهم، عليهم أن يقيموا جسور حوار مع المثقفين المدينيين، من أجل أن تكون لهم مشاركاتهم ومنافعهم الحيوية في عملية الإرشاد والتهذيب وزرع مكارم الأخلاق، وأن يؤمنوا بالثقافة الحديثة ويشاركوا في مجالاتها الخصبة، أدبا وشعرا وفنا وغناء ورسما ونحتا وموسيقى.. فكرا وفولكلورا وإعلاما ومتغيرات اجتماعية وسياسية، وتعلم أساليب ونظم الحياة.. الخ.

 

وكل ذلك لا يتعارض أبدا مع الإسلام في جوهره الناصع ومبادئه السمحاء وتجلياته العظمى. وبعكسه فإن الحياة الحديثة والمعاصرة تطالب من يقف ضد أي نوع من تشكيلها الثقافي، بأن لا يستخدم وسائلها المتطورة ومنتجاتها التكنولوجية الجديدة.

 

لكن، كيف نفهم فلسفة التشكل الثقافي عند العرب والمسلمين؟ من أجل توسيع الرؤية في فهم هذا «المصطلح» (أو التعبير) والتعمق في فلسفته، لا بد أن ندرك أن مصطلح «الثقافة» نفسه إنما هو نحت لغوي ومعرفي عربي مستحدث، لا يرقى استخدامه لأكثر من سبعين سنة، فهو وليد القرن العشرين.

 

وعليه، فإن معانيه الجديدة لا تنطبق بالضرورة على عناصر ومنتجات ومنظومات تجد مرجعياتها في مواطن لا علاقة لها به أصلا، فضلا عما لحق به من دلالات واستخدامه في عدة توصيفات معاصرة كالوعي الثقافي، والتبادل الثقافي، والعلاقات الثقافية، والعناصر الثقافية، والمؤسسات الثقافية، والنخب المثقفة، والغزو الثقافي.. الخ.

 

وعليه، فإن الثقافة والمثقف ربما يستفيدان من عناصر التراث، أي تراث، مهما كانت طبيعته، من أجل توظيفه والاستفادة منه في المنتجات الحديثة والمعاصرة. ولكن التراث نفسه، والتراثيين أنفسهم مهما كانت طبيعتهما، لا يمكن أن يكونا ضمن الهيئة أو النخبة أو العناصر أو البنى الثقافية الحديثة والمعاصرة.

 

ولنا أن نتصور قوة التحولات في التشكلات الثقافية التي حدثت في العالمين العربي والإسلامي، إبان القرن التاسع عشر، ومؤثراتها النفسية والاجتماعية، ومنها مثلا: تغيير واضح في أساليب الحياة، وتغيير جملة كبرى من سكان المدن لأزيائهم باستحداث الأزياء الأوربية، ثم العمل والانتظام في تطبيق الأنظمة والقوانين والخطط الجديدة التي أقرتها دول العالم الإسلامي، مع استحداث المدارس المدنية والانتظام فيها، ثم مواجهة صدمات متتالية كانت تثير التساؤلات على أقل تقدير، إن لم تكن تثير الاندهاش، كالسفن البخارية والرسائل البرقية والتلغرام وانتقال الأخبار بواسطة الصحف التي لم يكن لها وجود قبل القرن التاسع عشر..

 

وصولا إلى صدمات متتالية آثارها وصول الغرامافون والراديو والسينما، ثم التلفزيون والأقمار الصناعية.. وغيرها من المعالم والتقنيات والتشيؤات الثقافية التي أثارت الوعي عند العرب والمسلمين! وهلم جرا في القرن العشرين، وصولا إلى ثورة المعلومات والاتصالات في بدايات قرن جديد.

 

المشكلة التي يمكن لأي إنسان أن يدركها في قراءة التشكلة الثقافية العربية، هي تمييزه بين جنسين من المخلوقات العربية: جنس تصنع منه الصدمات والتفكير بالتشيؤات الحديثة وعيا يدفعه للإبداع، وجنس آخر لا تصعقه المستحدثات، إذ قفل على نفسه ولم يفكر أبدا بقيمة ما يتمتع به من تلك التشيؤات الدنيوية! فالجنس الأول يمكنه أن يبدع فيغدو من المتمدنين، والجنس الثاني لا يمكنه البتة أن يكون جزءا من التشكلة الحضارية..

إننا أمام معضلة ستعاني منها الأجيال القادمة، ما دامت هناك نزوعات ضارة لأي مشروع وطني، أو مواقف ساذجة من التمدن وأساليب العصر.

باحث ورئيس تحرير «مدارات غربية»

======================

الطريق لكسر الحصار بعيداً من أصحاب الأيديولوجيات

الاربعاء, 23 يونيو 2010

عزمي عاشور *

الحياة

ترك حادث «أسطول الحرية» الذي اعترضته قوات البحرية الإسرائيلية تداعيات كبيرة كونه أعطى بطريقة غير مباشرة صورة مقارنة في شكل حيادي للوجه الحقيقي لتصرفات إسرائيل أمام الرأي العالمي عندما أصبح الحادث شأناً معولماً ومعروفاً للجميع. وساعدت على ذلك طبيعة المهمة الإنسانية وتعدد جنسيات الناشطين الذين اعتدت عليهم القوات الإسرائيلية. إلا أن هذا الحدث في المقابل، فجّر بطريقة غير مباشرة قضايا أخرى كان الاقتراب منها يتم على استحياء وفقاً للآتي:

أولاً: هل كانت مصادفة أن سفينة «مرمرة» ترفع العلم التركي وأن أكثر من نصف عدد الناشطين (700 ناشط) من الأتراك؟ وهل كان لهذا علاقة بأهداف سياسية تريد الدولة التي ترعى «قافلة الحرية» تحقيقها، حتى وإن تمت في العلن تعبئة الرأي العام والناشطين من اجل هدف إنساني نبيل هو مساعدة الفلسطينيين الواقعين تحت الحصار؟

ثانياً: هل كانت مصادفة أيضاً أن يكون هناك تمثيل للأحزاب والقوى الإسلامية في السفينة سواء من المغرب أو مصر أو الأردن، أم إن هذا التواجد له علاقة بحزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا؟ وبالتالي يخدم نهج أردوغان في توظيفه القضية لصالح خلق ولاءات إقليمية ممثلة في أحزاب وقوى الإسلام السياسي مؤيدة لنهجه في المنطقة في مقابل نهج إيران و «حزب الله» في لبنان. وهو ما تحقق في شكل رمزي بأن رفع المتظاهرون العلم التركي، في سابقة فريدة، في دول كثيرة عربية وإسلامية، وهتفوا باسم تركيا وأردوغان. وهذا التوجه لتركيا باستغلالها أزمات المنطقة لفرض نفوذها يثير علامات استفهام كثيرة حول نيات الحزب الحاكم في تركيا ذي التوجه الإسلامي الذي يسعى إلى استعادة ماضي امبراطوريته العثمانية في محيطها الإقليمي بخلق ولاءات له في دول المنطقة.

ثالثاً: في ضوء ما سبق، هل تدرك تركيا أن كسبها بعداً استراتيجياً في أراضي إمبراطوريتها القديمة لا يحتاج إلى الاسطوانة المشروخة نفسها والمتاجرة بقضايا الصراع العربي الإسرائيلي شأنها في ذلك شأن إيران، فمثل هذا التوظيف السيئ للقضية يضر الفلسطينيين أكثر مما ينفعهم، والتاريخ خير شاهد على ذلك، فقد أساء، على مدار الستين سنة الماضية، الكثير من القادة السياسيين الى القضية الفلسطينية بتوظيفهم المزدوج لها. وبالتالي فهناك طرق كثيرة عملية لدعم القضية الفلسطينية، وتركيا البراغماتية تستطيع أن تقوم بها بعيداً من نهجها في التعامل الذي يحاكي نهج كل من الرئيس العراقي صدام حسين في السابق والرئيس الإيراني أحمدي نجاد الآن.

رابعاُ: على رغم أن حادث السفينة كشف ألاعيب السياسة عند تركيا وإسرائيل، إلا أنه أكد أن هناك طرقاً أخرى يمكن عبرها إنقاذ الفلسطينيين من عمليات الاستئصال من الحياة التي تتم في شكل تدريجي، ومحاولة الاهتمام بهم بعيداً من أي توظيف سياسي. فقافلة الإغاثة وغيرها من القوافل يمكن تجهيزها وأن يكون الهدف منها هو مساعدة الفلسطينيين من طريق استغلال حال التعاطف من ناشطي العالم ومحبي السلام من جيل العولمة لعمل انتفاضة من الخارج لتحرير فلسطينيي الداخل من هذا السجن الكبير الذي يعيشون فيه.

وتحقيق مثل هذا الأمر ليس من المحال، فإذا كان المهاتما غاندي في النصف الأول من القرن العشرين استطاع بإمكانات بسيطة أن يوحّد الشعب الهندي المتعدد الإثنيات والديانات تجاه المستعمر البريطاني تحت قيم إنسانية ممثلة في المحبة والسلام، أليس من الممكن في العصر الحديث بكل إمكانات العولمة أن ننهج نهجاً مشابهاً بعيداً من التوظيف المزدوج للقضية بأن نستغل هذا التعاطف مع الفلسطينيين من الرأي العام العالمي؟ وبدلاً من أن تكون هناك «مرمرة» واحدة تكون هناك ألف «مرمرة» أخرى تتجه إلى غزة ليس بدعوى كسر الحصار فقط وإنما تحرير الفلسطينيين.

خامساً: يجب على أصحاب الأيديولوجيات الشمولية أن يرحمونا من أفكار طواحين الهواء. فمساعدة الفلسطينيين أمر ليس ميزة لهؤلاء من دون الباقين، حيث إن هناك الكثيرين من محبي السلام، وأهل الديانات الأخرى يرغبون وعندهم الاستعداد الكبير لمساعدتهم من دون عمل مسرحية إعلامية، ومن دون الوقوف فوق آلام الفلسطينيين لتحقيق مآربهم، فقضية فلسطين لم تعد تخص المسلمين ولا الإسلاميين، بل باتت قضية تتعلق بالإنسانية. بالتالي فهي ليست في حاجة إلى خصخصتها مرة لصالح «الإخوان المسلمين» ومرة لصالح «حماس» ومرة لصالح إيران أو تركيا.

سادساً: إن فتح معبر رفح مع مصر في مثل هذه الظروف يكون مهماً، إلا أن التسليم بأنه هو الطريق لكسر الحصار هو الكارثة كونه يحقق هدف إسرائيل بالدرجة الأولى بإبعاد الفلسطينيين عن أراضيهم وفصل الضفة عن القطاع. فالمعابر الفلسطينية يجب أن تفتح في اتجاه الضفة الغربية لالتئام الجسد الذي تم فصل رأسه عنه. وقضية الحدود مع مصر تمثل قضية توظيف بالأساس وليست حلاً.

* كاتب مصري

======================

ساركوزي والدور السوري

الاربعاء, 23 يونيو 2010

رندة تقي الدين

الحياة

قال سمير جعجع في نهاية زيارته لفرنسا أنه اطمأن الى أنها ما زالت مهتمة ب «لبنان أولاً» أي أنه حصل على تطمينات من المسؤولين الفرنسيين بأن انفتاحهم على سورية ليس على حساب لبنان. في الإطار نفسه قال البطريرك صفير أن فرنسا أكدت له وقوفها الدائم الى جانب لبنان وأن علاقاتها مع أي بلد آخر ليست على حسابه. والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي كرر باستمرار أنه ينبغي محاكمة المسؤولين عن اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

واقع الحال أن لفرنسا مصالح كبرى في لبنان وروابط ليست فقط تاريخية بل اقتصادية وثقافية وسياسية. ولبنان بلد مهم لفرنسا والدليل أن مركز السفير الفرنسي في لبنان يُعتبر من بين المراكز الكبرى في التصنيف في وزارة الخارجية. ويدرك الجميع أهمية لبنان في قلوب الفرنسيين، والدليل الزيارات الفرنسية المتتالية الى لبنان من وزراء الى نواب الى مستشارين. لكن هذا لا يعني أن لبنان هو أولوية استراتيجية لساركوزي. فهو مهتم بشكل كبير بالحصول على دور دولي يعطيه زخماً على صعيد عملية السلام في المنطقة. وأدرك منذ البداية أن لبنان بلد صغير والقيادة فيه ضعيفة لا تستطيع أن تبادر الى القيام بمفاوضات سلام مع إسرائيل. وقد طرح ذلك مرتين على الرئيس اللبناني ميشال سليمان الذي قال له أن ذلك غير ممكن وليس من صلاحياته.

ورد ساركوزي على سليمان أن على رأس الدولة أن يأخذ مبادرات شجاعة ويقوم بتحرّك رائد ويدخل في مفاوضات سلام.

إلا أن ساركوزي أدرك أن المفتاح هو سورية وليس لبنان. فقد أصبحت سورية في نظره اكثر أهمية لما يطمح اليه على صعيد المسار السلمي. وركز كل جهوده على الانفتاح عليها ونفذ هذه الاستراتيجية معتمداً على أقرب شخص اليه هو أمين عام الرئاسة كلود غيان الذي نسج علاقات وطيدة مع المسؤولين السوريين ومبعوثيهم من لبنانيين أو سوريين يزورونه باستمرار. كما أقام ساركوزي علاقات مستجدة مع الرئيس السوري بشار الاسد. وكانت فرنسا أساسية في إخراج سورية من عزلتها الدولية بموافقة الإدارة الأميركية، مثلما كانت أساسية في عهد جاك شيراك في إدخال سورية في عزلة تامة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

واليوم يطمح ساركوزي أن يحصل على دور على صعيد المفاوضات السورية الإسرائيلية. إلا أنه يصطدم برفض سورية لوسيط آخر غير الوسيط التركي. كما يصطدم ساركوزي بغياب الرؤية لدى صديقه وحليفه بنيامين نتانياهو. وقد عبر عن استيائه منه خلال لقائه مع الرئيس شيمون بيريز الذي أسرع في توصية نتانياهو بالتوجه الى فرنسا للقاء رئيسها ومعالجة علاقة على وشك التدهور. وحاول ساركوزي إقناع نتانياهو مرات عدة بضرورة القيام بتنازلات تجاه الشعب الفلسطيني وحتى بالتفاوض مع سورية ولكن عبثاً.

ورهان ساركوزي على علاقة وطيدة مع سورية يرتبط ايضاً بالملف الإيراني. فقد اعتقد الرئيس الفرنسي أن باستطاعته إبعاد سورية عن إيران ولكنه أدرك أنها كانت قناعة ساذجة لأن سورية لن تتخلى عن أوراقها الإقليمية، لا في علاقتها مع إيران ولا مع «حزب الله» ولا «حماس» في سبيل تحسين علاقتها مع الغرب. وقد يكون الرئيس الفرنسي يعتبر أن العلاقة مع سورية تضمن عدم قيام إيران بعمليات ضد فرنسا. وراهن ساركوزي أيضاً على دخول الشركات الفرنسية والاستثمارات الى السوق السورية الواسعة مقارنة مع السوق اللبنانية، ولكنه اصطدم أيضاً ببيروقراطية وبطء على هذا الصعيد في القرارات السورية. وعلى رغم كل العراقيل تبقى سورية الأهم في ذهن الرئيس الفرنسي لأنها نافذة، فقد رأى ذلك عندما تم انتخاب الرئيس اللبناني وتوقفت الاغتيالات وتمكن الحريري من تشكيل حكومته. وهو أظهر استعداداً لاستقبال العماد ميشال عون في فرنسا لأن صديقه الرئيس بشار الأسد نصحه بذلك. والآن وقد استقبل البطريرك صفير فقد فتحت الأبواب لزيارات أخرى.

صحيح أن لسورية أصدقاء مقربين من ساركوزي مثل رئيس الحكومة القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني الى الآغا خان الى الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، ولكنه كوّن الفكرة بنفسه أنه حريص على البقاء على علاقة مع العنصر الأقوى في المنطقة للحصول على دور معيّن. فساركوزي يعتبر أن العلاقة الجيدة مع سورية كما هي مع إسرائيل أهم في استراتيجيته من العلاقة العاطفية والتاريخية مع لبنان. فهو لا يبحث عن عواطف ولكن عن دور نافذ وفاعل على الصعيد العالمي.

======================

العرب والصعود التركي المختلف عليه

آخر تحديث:الأربعاء ,23/06/2010

عاطف الغمري

الحياة

قد يبدو ظاهرياً أن صعود تركيا كقوة إقليمية، كان مفاجئاً، ولما كان التحول التاريخي في أوضاع وتوجهات أية قوة إقليمية أو دولية، ليس وليد يومين، لكنه نتيجة جهود واعية ومثابرة، فإن النظرة إلى هذا الصعود من مختلف أبعاده، قد يكشف عن بداياته الحقيقية، وطبيعته وعن احتمالاته المستقبلية .

 

وتركيا مثلها مثل غيرها من الدول التي حققت الصعود، حين استوعبت ماهية مفاتيح القوة والنفوذ في النظام الدولي القادم، وشكل الخريطة العالمية التي كان يعاد صياغتها .

 

فحين انتهت الحرب الباردة أدركت القوى الواعية، أن عنصر الإيديولوجيا الذي كان محركاً للسياسة الخارجية قد حل محله عنصر المنفعة، وهو التعبير الذي كان أول من استخدمه شيفرنادزه وزير الخارجية السوفييتي وقتها، ثم التطور الذي لحق بهذا المصطلح ليصاغ في كلمة المصلحة، وهو المفهوم الذي تبلور أكثر حين استنفر أصحاب الفكر السياسي والاستراتيجي، على أن الاقتصاد أو بمعنى أدق القدرة الاقتصادية التنافسية، هي التي ستكون الأساس الذي تنبني عليه قوة الدولة ومكانتها ونفوذها الإقليمي، وفي ارتباط ذلك بالديمقراطية، والوعي بأن مكانة الدولة إقليمياً ودولياً، تأتي من قدرتها على استخدام إمكاناتها، للتأثير في مجريات الأحداث في المحيط الإقليمي خارج حدودها .

 

وتوالى ظهور نتائج هذا التفكير في دول آسيا التي نهضت، وفرضت على القوى الكبرى الاعتراف بوجودها، وظهر كذلك في أمريكا اللاتينية، مجسداً بدرجة أوضح في البرازيل منذ تولي رئاستها لولا دي سيلفا عام 2002 في أول انتخابات ديمقراطية حرة، بعد سنوات من الانقلابات . والذي وصل ببلاده في سنوات قليلة، لتحتل المركز العاشر في الاقتصاد العالمي، بعد إصلاحات لإعادة توزيع ثمار التنمية بالعدل، وإنعاش الطبقة الوسطى .

 

ولما كنا نتحدث عن تجربة تركيا نموذجاً، للصعود الإقليمي، فإن البداية كانت منذ عشرين عاماً، حين استوعب هذا التطور، أصحاب الفكر السياسي، قبل أن تستوعبه مستويات الحكم في الدولة، ولعل أهم أقطاب هذا الفكر هو أحمد داوود أوغلو، وزير خارجية تركيا حالياً .

 

ومنذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم عام ،2002 غلبت على تفكيره واقعية العصر المتغير، وأن القدرة الاقتصادية هي الأساس قبل أي شيء آخر، فأحرز القبول الكاسح في انتخابات تمت بديمقراطية نزيهة، وإجراءات قانونية تجعل دولة القانون اسماً على مسمى تسير معها يداً بيد سياسات اقتصادية طموحة .

 

وكان أحمد داوود أوغلو مهندس السياسة الخارجية الجديدة لحكومة رجب طيب أردوغان محدداً في قوله إن الاقتصاد هو قلب المسألة . وخلال سنوات قليلة، قفز الاقتصاد التركي ليصبح أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، بحجم 600 مليار دولار، ويقوم على أساس من الصناعات المتقدمة والقدرات الإنتاجية المتطورة .

 

وكانت استمرارية نمو الاقتصاد تحتاج إلى الأسواق، فسعت تركيا لإقامة علاقات أفضل مع دول الجوار، ما أدى إلى مضاعفة حجم تجارتها مع جيرانها بحوالي عشرين مرة خلال فترة تقل عن سبع سنوات، وتابعت سياستها بالتحرك إلى إفريقيا، فافتتحت لها 15 قنصلية، وزادت من أسواقها هناك .

 

كان الشرق الأوسط، مركز جذب سياسي قوي لها، فهي ترتبط به بحكم الجغرافيا والتاريخ فتوجهت نحو المنطقة تحركها هذه العوامل:

 

1 إن تركيا مثلها مثل أي دولة تضع لنفسها استراتيجية تتماشى مع تغيرات العصر . ففي فترة الحرب الباردة، كان الشرق الأوسط منطقة صراع على النفوذ بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي . وعندما تفكك الاتحاد السوفيتي عام ،1991 وجدت القوى الإقليمية الرئيسة “إسرائيل” وإيران وتركيا، ولكل منها طموحها الإقليمي، أن الفرصة سانحة أمامها لاقتحام منطقة مهمة فيها فراغ استراتيجي عربي . وهذا من طبيعة عمل وحركة استراتيجيات مصالح الأمن القومي لأي دولة كانت .

 

2 ما تأكد لتركيا من أن القضية الأولى في الشرق الأوسط، وهي القضية الفلسطينية التي تمس وتراً عاطفياً لدى الشعب التركي، وهو ما أظهره ارتفاع شعبية أردوغان بنسبة 10% في أسبوع واحد، عندما اشتبك مع شيمون بيريز في قمة دافوس قبل عامين . وبدايات ظهور قوي لقيادات في الداخل، تندد بسياسات “إسرائيل” تجاه الفلسطينيين . أي أنها صارت قضية رأي عام في بلاده، وإن اقتحام أردوغان هذه الساحة، يدعمه داخلياً من ناحية، كما أنه من ناحية أخرى، يعزز من وضعه في أوروبا، التي ينتمي إليها بعضويته في عدد كبير من منظماتها السياسية والاقتصادية والأمنية، ومع حليفته الأولى الولايات المتحدة .

 

3 مافهمته تركيا عن طبيعة التغيير في الاستراتيجية الأمريكية في عهد أوباما، الذي اتخذ من مفهوم الشريك partner مبدأ أساسياً لسياسته الخارجية . بمعنى الشريك القادر على أن يلعب دوراً إقليمياً يتجاوز حدود بلده، وذلك بعد أن استقر لدى أعلى أجهزة ومؤسسات الدولة في الولايات المتحدة، أنها لم تعد تستطيع وحدها، مواجهة التحديات العالمية، إلا بمساعدة الشريك والذي تختلف في مواصفاته عن الشراكة التي ربطتها مع أوروبا ودول آسيوية، أثناء الحرب الباردة . وكان الصعود التركي هو حصيلة كل هذا، بحيث إن ما بدأ يظهر لنا، إنما هو الطرح لنبتة غرست بذورها في تربة السياسة التركية قبل 20 عاماً .

======================

لماذا لا نفيد من أخطاء العدو؟

آخر تحديث:الأربعاء ,23/06/2010

ميشيل كيلو

الحياة

يربح المرء، في السياسة كما في غيرها، عندما تكون خياراته وتصرفاته صحيحة، ويعرف كيف يفيد من أخطاء خصومه وأعدائه . لا يكفي، كي يربح المرء، أن يكون على صواب، أو أن يكون سلوكه صحيحاً، وعليه أن يعرف كيف يستخدم ما يقوم به الخصم لصالحه، مثلما يفعلون في بعض ألعاب المصارعة الصينية التي تتشدد في ضرورة الإفادة من قوة الخصم، وتتبنى فنوناً متنوعة بقصد إضافتها إلى رصيد المرء، عندما ينخرط في صراع .

 

لا يدعو ما سبق إلى تجاهل مصادر قوة المرء، والاكتفاء بالاعتماد على أخطاء عدوه، لأن من يتجاهل مصادر قوته ويعتمد في انتصاره على خصومه وأعدائه يكون إما أبلهَ أو أهبلَ، هزيمته مضمونة عند أي صراع . وللأسف، فإن معظم عرب زماننا ينشدون النصر من حال جمدوا فيها مصادر قوتهم بصورة تكاد تكون تامة، واتكلوا على عوامل لا سيطرة لهم عليها، يقررها العدو، فمن المنطقي ألا تخدمهم، وأن تكون موجهة ضدهم .

 

ليس هناك عدو أو خصم يخلو سلوكه وتفكيره من أخطاء، وتحفل سياسات “إسرائيل” وممارساتها بأخطاء تتراكم منذ أن قامت، تغطي علاقاتها مع العرب وتتخطاها إلى علاقاتها مع مختلف دول وبلدان العالم . لكن مشكلتنا تكمن في أننا لا نعرف كيف نفيد منها، ولا نرى فيها كواشف تظهر ما لدى عدونا من نقاط ضعف، غير أننا قررنا، على ما يبدو، تجاهلها، كأنها غير موجودة أو عديمة الأهمية بالنسبة لنا .

 

لو أردنا ذكر أخطاء فادحة اقترفها العدو خلال الأشهر القليلة الماضية، أثارت عليه العالم بأسره، لكان بين ما نذكّر به تقرير جولدستون حول الحرب على غزة، واغتيال الشهيد الفلسطيني محمود المبحوح في دبي، ومهاجمة بواخر “أسطول الحرية” المدنية في المياه الدولية، وإطلاق النار على ركاب عزل كانوا عليها، ينتمون إلى دول وشعوب مختلفة . بيد أن الطريقة العربية في استثمار جريمة تصفية المبحوح، الفظيعة بكل المعايير، والتي لم يجد حتى الأمريكيون الجرأة في أنفسهم على تبريرها والدفاع عنها، نجحت في طمسها وإطفائها خلال أشهر قليلة، كأن العرب أرادوا التخلص منها والإحجام عن استغلالها وليس الإفادة منها لعزل وفضح العدو، ولتأسيس جبهات عالمية واسعة تغطي أربع بقاع الأرض تعمل بطرق مدروسة لمحاصرته وجعل قطاعات كبيرة من شعوب العالم تقاطعه، وترفض شراء منتجاته، وإقامة علاقات ثقافية أو إنسانية معه، وتمتنع عن تقديم تبرعات أو معونات له، وعن قبول التعاون مع مؤسساته، الرسمية والحزبية والنقابية، وتلاحق ممثليه الرسميين كمجرمي حرب ومجرمين ضد الإنسانية تقيم عليهم دعاوى قضائية في كل بلد، وتقاطع خطوطه الجوية وسفنه وجامعاته ومعاهده . . إلا أن شيئاً من هذا لم يحدث، على رغم تزايد دعم شعوب البلدان المتقدمة للحق الفلسطيني، ووجود علامات تشير إلى استعدادها لمقاطعة كل ما هو “إسرائيلي” وصهيوني، اقتصادياً وسياسياً وثقافياً وإنسانياً . لقد تم طي القضية عربياً، مع أن ذيولها الدولية تلاحق “إسرائيل”، بينما تتراكم أنباء الملاحقات التي تستهدف قتلة الشهيد، وتتابع دول مهمة كألمانيا، لها علاقات تاريخية مع “إسرائيل” مشحونة بعقدة الذنب تجاه اليهود، المطالبة بتسليمها المجرمين والقتلة، وتطارد أستراليا وإيرلندا مزوري جوازات سفرها، وتبدي بريطانيا، ذات الدور الحاسم في إقامة الكيان الصهيوني، تذمراً متعاظماً من قادة تل أبيب، وتلاحق بعضهم قضائياً، مع أنهم يحتلون مراكز رفيعة جداً في مؤسساتها العسكرية والسياسية . يتابع العالم قضية المبحوح، في حين نسيناها نحن العرب، رغم وقوعها بالأمس القريب جداً .

 

وليس حالنا مع “أسطول الحرية” مختلفاً عن حالنا مع الشهيد الذي أرسل العدو جيشاً كاملاً من المجرمين لقتله . وعلى رغم الفارق الهائل بين حجم الجريمتين “الإسرائيليتين”، فإن ثمة ملاحظتين تفرضان نفسهما علينا هما: أننا كنا بعيدين عن أسطول الحرية قبل انطلاقه من تركيا، وأننا تركنا أنقرة تتولى أمر ما حدث بعد المجزرة، كأننا نريد أن نبقى بعيدين عن نتائجها وذيولها السياسية، كما بقينا بعيدين عن التحضيرات لإرسال الأسطول . ومثلما أحجمنا عن الإفادة من جريمة قتل المبحوح، نحجم اليوم عن جعل قضية “أسطول الحرية” أولية بالنسبة إلينا، كأنما هي قضية تركية صرف، ليس لنا علاقة بها، من غير الجائز أن نفيد منها في عزل العدو وتحجيم قدرته على التحرك إقليمياً ودولياً، في لحظة تشي دلائل عديدة بأنه ربما كان يعد فيها لجريمة ستكون الأعظم في تاريخه، يقول قادته إن ضحاياها سيكونون شعوباً عربية بأكملها: في لبنان وفلسطين وسوريا، وربما في إيران، يخطط هؤلاء لإعادتها إلى العصر الحجري، أي لإبادتها والقضاء على كل ما بنته وحققته من تقدم وعمران .

 

لا يكفي، كي نربح، أن يرتكب العدو جرائم مدانة دولياً، يجب أن تكون لدينا القدرة على الربح، وأن نكون مصممين عليه، وعارفين بطرق تحقيقه، وإلا ظن العالم أننا نقبل ما نتعرض له من قتل وعدوان وجرائم، ونسي مثلما ننسى نحن ما يحل بنا، خاصة في البلدان التي زاد فيها التعاطف معنا وشرعت تدافع عن حقوقنا، ويمكن لدعمها لنا أن يحرم العدو من موارد ضرورية هو بأمس الحاجة إليها، لطالما أعانته على النصر في حروبه علينا .

 

هل صرنا إلى حال لا نعرف فيها كيف نفيد من أخطاء العدو، رغم فظاعتها، وكيف ننظم قدراتنا كي نربح، حتى إذا لم يقترف أخطاء أو يرتكب جرائم؟ أخشى أننا في هذه الحال منذ زمن طويل . لو كنا في غيره، لما قام الكيان الغاصب في فلسطين أصلاً، ولما هزم أربعمائة وخمسون ألف يهودي، قدم معظمهم قبل أعوام قليلة إلى فلسطين، قلب العرب الجغرافي والاستراتيجي، خمسين مليون عربي عاشوا فيها وحولها منذ أقدم الأزمنة . ولما كانت أعظم قوة لدينا هي حزب الله، ولكان أي جيش عربي مؤهلاً لمواجهة “إسرائيل” باقتدار، ولاستطاعت الدول العربية بناء جيوش متفوقة من جميع النواحي على جيش كان يفتقر إلى لغة مشتركة إلى ما قبل سنوات قليلة، لا ينحدر أفراده من أصول مشتركة، وإنما جمعوا من مختلف بقاع الدنيا فهم لا يعرفون بعضهم بعضاً، ولدى القسم الغربي منهم نظرة استعلائية تجاه قسمهم الشرقي، بينما حكمت عليهم الجغرافيا بالعيش في مكان ضيق وصغير المساحة، يمكن قصفه بالمدافع من جميع جهاته، فلا يبقى مليمتر مربع واحد منه بعيداً عن النار أو خارج دائرتها . أخيراً، لو لم نكن في هذه الحال، لما عجز العدو طوال قرن ونيف عن إنزال هزيمة نهائية بشعب فلسطين، الأعزل والمشرد، بينما نجح في إنزال هزائم متلاحقة بقوى عسكرية نظاميه يفتقر الفلسطينيون إلى جزء من الموارد والأسلحة والقوى البشرية التي بحوزتها .

 

ليس لدينا خيارات وبدائل كثيرة: إما أن نتعلم فن الصراع ضد العدو الخارجي، وإما أن نطبق عليه ما نطبقه من فنونه ضد العدو الداخلي . في هاتين الحالتين، لن يكون مستحيلاً كسب معركتنا ضد “إسرائيل” التي ترتكب من الجرائم والأخطاء ما يجعل معظم العالم يجأر بالشكوى منها، بينما يدعو إلى إزالتها عدد متزايد من أصحاب الضمير وذوي النفوذ والرأي فيه، كان آخرهم كبيرة مراسلي الصحف لدى البيت الأبيض الأمريكي، هيلين توماس، التي طالبت، بعد صمت دام نيفاً ونصف قرن، بحل يعيد الأرض إلى أصحابها الفلسطينيين، واليهود إلى أوطانهم الأصلية في أمريكا وألمانيا وبلدان الغرب .

======================

من فوائد زيارة عمرو موسى لغزة

خيرالله خيرالله

الرأي العام

6/23/2010

من المفيد أن يزور الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى قطاع غزة مؤكداً أن العرب يعملون كل ما في استطاعتهم عمله لفك الحصار الظالم الذي تفرضه إسرائيل على القطاع وأهله. ارتدت زيارة الأمين العام للجامعة أهمية خاصة نظراً إلى أنها جاءت بعد أيام من تصدي إسرائيل بالقوة لسفن «أسطول الحرية» أوّلاً وإلى أنها الأولى من نوعها للمسؤول الأول في جامعة الدول العربية منذ فترة طويلة جداً ثانياً وأخيراً.

قتل الجنود الإسرائيليون تسعة مواطنين أتراك كانوا على إحدى السفن التي سعت إلى كسر الحصار المفروض على القطاع. إذا كان من إيجابية لمغامرة «أسطول الحرية»، التي يبدو أن الذين يقفون خلفها درسوها بعناية، فإن هذه الإيجابية تتمثل في أنّ المجتمع الدولي، على رأسه الإدارة الأميركية، صار مضطراً للبحث عن طريقة لفك الحصار عن غزة، أقله من أجل تخفيف معاناة أهلها الذين يرزحون منذ ثلاثة أعوام تحت سلطة «حماس» التي نفّذت منتصف يونيو من العام 2007 انقلاباً مكّن ميليشياتها المدعومة من إيران من وضع اليد على القطاع.

عملت «حماس» كل ما تستطيع، منذ ما قبل تنفيذ انقلابها، من أجل تبرير إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل وذلك بحجة أنها تريد استخدام غزة، خصوصاً منذ الانسحاب الإسرائيلي منها صيف العام 2005 من أجل تحرير فلسطين، كلّ فلسطين، متجاهلة موازين القوى المحلية من جهة وأن كل همّ إسرائيل محصور في تكريس الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني من جهة أخرى، إضافة إلى البحث، في طبيعة الحال، عن طرف يطلق صواريخ «القسّام» المضحكة- المبكية من أجل رفع شعار «المقاومة» عالياً... وكأنّ الشعارات تحرر فلسطين.

الواقع أن الاستيلاء على غزة لم يكن له سوى هدف واحد يتلخص بالرغبة في تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني بدل العمل على إزالة الاحتلال. لا هدف ل«حماس» سوى إقامة «الإمارة الاسلامية» في غزة. الدليل على ذلك واضح كل الوضوح. انسحبت إسرائيل من جانب واحد من القطاع في العام 2005. فعلت ذلك من دون أي نوع من التنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية. كان مطلوباً احراج السلطة. هذا ما كشفه دوف فايسغلاس مدير مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون الذي قال وقتذاك ان الانسحاب من كل غزة، وتفكيك المستعمرات تفكيكاً كاملاً استهدف الامساك بطريقة أفضل بالضفة الغربية والقدس الشرقية. المؤسف أن رد فعل «حماس» على الانسحاب الإسرائيلي من غزة صبّ مباشرة في خدمة السياسة الإسرائيلية الساعية إلى تعميق الهوة بين الضفة والقطاع، وتكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. ما يحصل يومياً على الأرض يؤكد ذلك. لن يتغيّر شيء حتى لو رفع الإسرائيليون الحصار عن غزة التي تعتبر من وجهة نظر الخبراء ساقطة عسكرياً نظراً إلى أنها مطوقة من كل الجهات. هذا ما يفترض في الأمين العام لجامعة الدول العربية قوله ل «حماس» وغير «حماس».

بكلام أوضح وأكثر صراحة، ما الذي سيتغير إذا فتحت إسرائيل كل منافذ العبور إلى القطاع وسمحت بإعادة تشغيل الميناء والمطار، هل ستتدفق الأسلحة على المقاتلين الفلسطينيين بما يسمح لهم بشن حرب شاملة في المستقبل القريب تعيد القدس وحيفا ويافا وتل أبيب؟

بعض المنطق يبدو ضرورياً هذه الأيام. لعبت تركيا، مشكورة، عبر رعايتها «أسطول الحرية» دوراً في جعل العالم يلتفت إلى مأساة غزة وإلى ضرورة إعادة النظر في الحصار. ولكن ما يبدو مطلوباً أكثر من أي وقت استعادة العرب للمبادرة. لا عيب إذا وجد من يقول علناً ان القضية الفلسطينية تتجاوز غزة وان المطلوب اليوم قبل غد الانتهاء من الحالة الشاذة المتمثلة في وجود كيان مستقل ولد خلافاً للطبيعة وتحول «إمارة اسلامية» تهدد مستقبل القضية ككل.

ما قد يكون مفيداً أكثر من زيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية لغزة صدور موقف عربي يسمي الأشياء باسمائها. يقوم مثل هذا الموقف على أن القضية الفلسطينية كل لا يتجزّأ، وأن الدولة الفلسطينية تعني الضفة الغربية وغزة كوحدة جغرافية وأن الانسحاب الإسرائيلي من القطاع إلى الحدود الدولية مجرد بداية وليس نهاية القضية.

يفترض في أي طرف عربي الابتعاد عن المزايدات وتفادي الوقوع في الفخ الإسرائيلي. لا شك أن «أسطول الحرية» أدى خدمة للغزاويين. لكن هذه الخدمة لا يمكن أن تكتمل من دون جهد عربي يصب في احياء المشروع السياسي الفلسطيني القائم على خيار الدولتين. نقطة الانطلاق لعملية احياء المشروع هي المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية القائمة. ولكن مع التنبه إلى أن لا وجود لشيء اسمه مصالحة من أجل المصالحة. المصالحة تعني قبل أي شيء آخر وضع حدّ لوجود كيانين فلسطينيين، ولوجود حكومة مقالة تدير غزة من دون مشروع سياسي واضح باستثناء الشعارات والمزايدات والدعوات إلى الاعتراف بها كما لو أن الادارة الأميركية جمعية خيرية.

مرة أخرى، هناك مشروع واحد يستطيع الفلسطينيون أن يحققوا من خلاله شيئاً ما. اسم هذا المشروع البرنامج السياسي ل «منظمة التحرير الفلسطينية». كل ما عدا ذلك إضاعة للوقت ودخول في لعبة تؤدي في نهاية المطاف إلى استخدام الشعب الفلسطيني وقوداً في معارك لا علاقة له بها من بعيد وقريب، بما في ذلك لعبة احراج مصر، كما لو أن احراج مصر يمكن أن يفيد القضية الفلسطينية في شيء، أو أنه كفيل بتحويل غزة «هانوي العرب».

من الضروري أن يبذل العرب كل ما في استطاعتهم لفك الحصار عن غزة. ولكن من الضروري أيضاً أن يكون هناك من يؤكد ل«حماس» أن عملية الهروب إلى أمام لا يمكن أن تستمر إلى ما لانهاية، وأن «أسطول الحرية» أدى الغرض المطلوب. لابدّ الآن من الافساح في المجال للسياسة. لن تكون دولة فلسطينية يوماً إلاّ عن طريق المفاوضات. ولا يمكن أن تكون مفاوضات من دون برنامج سياسي واضح مقبول من المجتمع الدولي يواجه به الفلسطيني حكومة بنيامين نتانياهو وتطرفها... والباقي تفاصيل وإضاعة للوقت في مرحلة حرجة تمر فيها المنطقة!

======================

الانتشار السوري

الافتتاحية

الأربعاء 23-6-2010م

بقلم رئيس التحرير أسعد عبود

الثورة

عندما سعت سورية في قمة سرت العربية، لتعطيها اسم «قمة دعم صمود القدس المحتلة» لم يكن ما تواجهه القدس عصياً على النظر.. العرب والعالم يرى ويسمع .. إنما أرادت أن تستنهض في هذه الأمة نظراً يتلوه أمل، ثم يكون التضامن..

قبل سرت.. قبل الدوحة، اختارت سورية التضامن العربي شعاراً لقمة دمشق.‏

التضامن العربي علّنا نحفظ ما بقي، على قلته..‏

أخذوا فلسطين..‏

أذابوا غزة بالرصاص المسكوب..‏

خربوا العراق ودمروه..‏

حرقوا لبنان مرات..‏

وكل يوم.. كل يوم.. يفترسون الهوية العربية.. ليس في القدس وحدها.. بل في كل مكان..‏

إنهم يقتلعوننا من جذورنا..‏

لن نكتفي بالنداء تلو النداء.. بل بالقلب الكبير المتألم على واقع هذه الأمة نفهم الجميع، ونتفاهم معهم .. ونعبُر من فوق كل المواقف والخصومات إلى الجميع.. ونعبُر بهم إلى كل الدنيا..‏

ماذا نريد..؟!‏

لزمن طويل أردنا القرار العربي الواحد الحر المستقل الصادر عن دولة الوحدة العربية.ولما كان الزمن مرصوداً للتفرقة لا الوحدة.. قبلنا بالقرار الوطني السيّد.. في فلسطين.. في لبنان.. في العراق.. في السودان.. في كل مكان.. وكلنا ثقة أن القرارات الوطنية العربية السيدة والمستقلة الممثلة لتطلعات الشعب العربي في أقطاره، ستشكل بمجملها القرار العربي الواحد.‏

لذلك أردنا فلسطين متصالحة بقرار فلسطيني مستقل..‏

وأردنا لبنان موحداً توافقياً بقرار سيد مستقل..‏

وأردنا العراق الواحد الموحد..‏

«وقد أعرب السيد الرئيس بشار الأسد في لقائه السيد عمار الحكيم يوم أمس عن أمله في موقف موحد بين القوى السياسية العراقية لتشكيل حكومة وطنية ترعى مصالح الشعب العراقي، وتكون المدخل لعودة الأمن والاستقرار للعراق وللمنطقة بشكل عام».‏

لا خلافات لنا مع أي قوة سياسية تكون صاحبة القرار السيّد المستقل الذي يمثل تطلعات الشعب.‏

ليس نحن الذين نقرر تطلعات شعب في أي قطر عربي.‏

لكننا نسأل:‏

كم نسبة العرب الذين يرضيهم أن نسكت على كارثة تهويد القدس ومايجري اليوم في فلسطين على مرأى العين، أو ما يعانيه العراق.. أو ما يواجهه السودان.. أو آلام غزة والحصار.. أو التهديدات والاختراقات اليومية للبنان.‏

هي الأسس التي يمكن أن نتضامن عليها نحن العرب دون خوف..‏

وهو ما وافقنا عليه عشرات المرات في قمم ومؤتمرات وفي كل الخطابات..‏

ينقصنا أن نعبر إلى بعضنا..‏

وأن نعبر منّا إلى العالم..‏

من أجل ذلك تعمل سورية.. من أجل ذلك يعمل السيد الرئيس بشار الأسد، دون توقف.. ونطوف الدنيا أملاً على قدر الحلم.‏

من أوروبا إلى آسيا وشواطئ البحار الخمسة وعبر الأطلسي..‏

نريد أن نعبُر برايتنا العربية إلى كل العرب ومنهم إلى العالم.. حتى أقاصي الكرة الأرضية.. حيث ثمة آمال تولدها الإرادة ولها قواعدها المادية..‏

إنه الانتشار السوري من أجل الأمة العربية.‏

======================

العرب بين الدورين الإيراني والتركي

المستقبل - الاربعاء 23 حزيران 2010

العدد 3690 - رأي و فكر - صفحة 19

شمس الدين الكيلاني

لاشك أن الإرباك العام الذي تثيره الأدوار المتصاعدة في الشؤون العربية لإيران وتركيا، يعود أساساً إلى الضعف الذي بات يعتري العرب بعد افتقادهم القوة العراقية، حين بات العراق منذ التسعينات أهم نقاط الضعف العربي بدلاً من أن يكون أحد روافد قوته، تلك القوة التي تجلت بعد خروج العراق من حربه مع إيران منتصراً نسبياً، غير أنه ما لبث أن فقد كل مزاياه إثر مغامرة قيادته في غزو الكويت الأمر الذي أنزل به الويلات. ومع تهاوي قوة العراق أمام الغزو الخارجي، انطلقت إيران ومن بعدها تركيا لملء فراغ القوة الذي تركه غياب القوة العراقية.

اتخذ (اقتراب) هاتين الدولتين من العرب مسلكين مختلفين، اتخذ (الاقتراب) الإيراني من بلادنا طابع التدخل السافر في الشؤون الداخلية للبلدان العربية، فحاولت بإصرار مستمر على اختراق الجسد الوطني لكل بلد عربي على حده، وذلك بتوظيف التمايزات (المذهبية) للدخول إلى هذه الدولة أو تلك عن طريق العلاقات المذهبية دون اكتراث بالشرعية السياسية للدولة أو امتطاء بعض اتجاهات الإسلام السياسي السني الطامعين بالسلطة، بل عمدت إلى تأجيج تلك التمايزات المذهبية لإحداث انكسارات في الجسد الوطني ، ليسهل عليها فيما بعد اختراق هذا الجسد وتفكيكه ، وأحياناً أخذ تدخلها أسلوب الاحتلال المباشر (احتلال الجزر الثلاث في الأمارات)، أو صيغة التهديد بالاحتلال(مملكة البحرين) أو بالعدوان على حرية الملاحة في الخليج، التي تصر بقوة لا تخلو من التهديد على تسميته(الخليج الفارسي). وهي تحاول أن تغطي على سياستها تلك برفع شعارات متطرفة وراديكالية تجاه حل الصراع العربي الإسرائيلي، وتوريط العرب عبر المنظمات المتطرفة التابعة لها في حروب لا تنتهي مع إسرائيل، تُستنزف فيها طاقاتهم وتضعفهم، وتخلق الأجواء المواتية لتقوية موقعها وقدرتها على التدخل في شؤونهم.

قياساً إلى هذه السياسية الإيرانية الراديكالية (المجاهدة) في الشكل والمدمرة للقوة العربية في المضمون، يبدو المسلك التركي قد أخذ مسلكاً مختلفاُ في الشكل والمضمون، لقد حاولت الديبلوماسية التركية أن تنخرط وتتلاقى مع السياسية العربية من منطق المصالح المتبادلة، وعلى قاعدة الاحترام المتبادل والدخول إلى الأوطان من أبواب الشرعية الدولاتية، من دون أن تغامر بالرهان على التشققات في الجسم الوطني والركوب على خلافاته وتنوعاته. ولم تُظهر ما ينم عن أطماع في الهيمنة أو التوسع، ولم تقم باللعب على سياسة المحاور العربية التي ساهمت إيران بتغذيتها، ولم تركب سياسة شعبوية لها رواجها الواسع في الشارع العربي وتنادي بحروب جربها العرب والصهاينة قرن من الزمان وبات الطرفان بحاجة إلى تسوية تاريخية يتعايشان فيها إلى ما شاء الله، هذه التسوية القائمة على اعتراف الطرفين بعجزهما عن تحقيق مشاريعهما الاستراتيجية الأولى. فالحركة القومية العربية عجزت عن تحقيق استرايجيتها في تحرير فلسطين من الإستيطان الصهيوني، وعجزت الصهيونية عن تحقيق استراتيجيتها المستحيلة في (إسرائيل الكبرى)، وبات الطرفان يعرفان تكلفة الحرب التدميرية وإن بقيت بعض نخب إسرائيل تكابر في إعلان دفن هذا الحلم مع أنهم أقروا بمبدأ (الإنسحاب): انسحبوا من سيناء، ثم غزة وأغلب الضفة الغربية وإن بقي الصراع على الباقي.

ولقد شجع العرب جميعاً سياسة التقارب التركية بالعرب ، ووجدوها نافعة مرحلياً واستراتيجياً، فبالاضافة إلى المنافع التي يجنيها الطرفان من هذه العلاقة القائمة على تبادل المنافع، فتركيا يمكن أن تكون بوابة العرب إلى أوربا، وأن تكون عاملاً مساعداً للوصول إلى التسوية لعلاقاتها مع إسرائيل والعرب، فضلاً عن أن تركيا تزيح بتنامي دورها الإيجابي الدور الإيراني المثير للانقسام والمتاعب. أتت الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل في عرض البحر، والتي انتهت بهزيمة مدوية لإسرائيل على الصعيدين الأخلاقي والسياسي، لكنها لم تقد إلى نصر فعلي للفلسطينيين، لأن الفلسطينيين مازالوا يفتقدون إلى الوحدة. أما عن تركيا فيمكن القول أنه منذ اليوم الأول للجريمة الإسرائيلية شهد المسرح السياسي الشرق أوسطي تنامي الدور التركي بطريقة غير مسبوقة وعلى الأخص شعبياً، بالقدر نفسه الذي تراجع فيه الدور الإيراني .

غير إن هذا النجاح يظل مرهوناً بثبات سياسة تركية التي عهدناها، وبأن تحافظ على دورها المساعد على التسوية بدعم العرب والفلسطينيين تحت مظلة المبادرة العربية التي ما تزال تمنح السياسة العربية أفقاً استراتيجياً، وأن لا تركب على الطريقة الإيرانية الشعارات الشعبوية الراديكالية، التي لن يجني منها الفلسطينيون سوى الدماء والدموع. والحال، إن توظيف تركيا والفلسطينيين والعرب لهذه النكسة الإسرائيلية بطريق مناسبة ومجدية، هو في تضافر الجهود التركية والعربية وبالحصول على الدعم الأوربي الممكن والدولي، لفك الحصار عن غزة في سياق دعم مفهوم التسوية الشاملة تجعل العرب والفلسطينيين والأتراك في أفق استراتيجي مشترك.

======================

مستقبل أفغانستان يكمن في الشراكات التجارية

ديفيد إغناتيوس

الشرق الاوسط

6/23/2010

النقاش الأخير في واشنطن حول الاستراتيجية الأفغانية الباكستانية أعادها إلى الوراء: فهذه الحرب تحاول هزيمة حركة طالبان عسكريا في أفغانستان أقل من محاولتها التوصل إلى تفاهم مع باكستان من شأنه أن يغلق مخابئ طالبان هناك ويتيح التوصل إلى مصالحة بين الفصائل الأفغانية المتحاربة. إنها مشكلة باكستانية أفغانية، وليس العكس.

يبدو أن الرئيس الأفغاني حميد كرزاي يدرك هذا الواقع؛ وهذا هو السبب في أنه يعقد اجتماع مجلس شيوخ القبائل للسلام مع أعضاء من حركة طالبان وقام بعزل رئيس جهاز المخابرات، الذي تنظر إليه باكستان على أنه عدو. يبدو أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يقدر النهاية المحتملة للعبة السياسية، لكنه لا يقضي وقتا طويلا في تفسير هذا الصراع أمام الرأي العام الأميركي المتشكك.

والسبب في أن استراتيجية أفغانستان محيرة للغاية هو أن الشعب ليس لديه صورة واضحة حول ما تحاول أميركا تحقيقه عبر مزيج من التحرك العسكري والدبلوماسي. نعرف من دراسات العلوم السياسية أنه عندما تصبح أي استراتيجية غامضة، فإن التأييد السياسي يتلاشى. وكان ذلك صوابا في فيتنام والعراق، ويحدث الآن فيما يتعلق بأفغانستان.

وأفضل تحليل رأيته في الآونة الأخيرة هو تحليل بعنوان «مفتاح النجاح في أفغانستان: استراتيجية طريق الحرير الحديثة». أعد هذا التحليل مدرسة جونز هوبكينز للدراسات الدولية المتقدمة ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. كما يحتوي على مواد أساسية من القيادة المركزية الأميركية، التي تشرف على الحرب.

وتحاول دراسة «طريق الحرير» أن تتخيل صورة أفغانستان التي قد تبزغ بعد بدء القوات الأميركية في العودة إلى بلادها في يوليو (تموز) عام 2011. وبدلا من كونها حدا ينعدم فيه القانون، ستكون أفغانستان في مرحلة ما بعد الصراع ممرا بالنسبة إلى أوراسيا، وتقدم ممرات نقل تجارية شمالا وجنوبا، وشرقا وغربا.

ولإنجاح هذه الاستراتيجية التي يقودها النقل، ستحتاج أفغانستان إلى إنشاء مزيد من الطرق والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب. وتوضح خريطة افتراضية للسكك الحديدية طرقا تربط بين إيران والهند، وروسيا وباكستان، والصين وشبه الجزيرة العربية. وتربط هذه الشبكة بين القوى الصاعدة في هذه المنطقة، وتجعل أفغانستان بمثابة مركز بدلا من حاجز.

وقد سمعت للمرة الأولى مناقشة فكرة طريق الحرير من أشرف غاني، وزير المالية الأفغاني الأسبق. وقد قدم مقارنة قوية بالتنمية الخاصة بأميركا: ما قاد إلى تأمين حد «الغرب المتوحش» الذي كان ينعدم فيه القانون كان طريق سكك حديدية عابرة للقارات عام 1869. ومع النمو الاقتصادي والتجارة جاء الاستقرار.

تفهم الدول الآسيوية الفوائد التي من الممكن أن يحصلوا عليها من طرق النقل في أنحاء أفغانستان. فهناك الطريق الدائري الذي يربط بين أكبر المدن الأفغانية؛ ضخت الولايات المتحدة 1.8 مليار دولار في هذا الطريق وغيره من مشروعات الطرق منذ عام 2002، لكن الجارة إيران قدمت أيضا ما يصل إلى 220 مليون دولار. وأنشأت الصين طرقا تربط إقليمها الغربي شينجيانغ مع أفغانستان، عن طريق طاجيكستان وقرغيزستان، وينشأ الصينيون طريقا بتكلفة 50 مليون دولار في إقليم وارداك.

وكان هناك ضجيج إعلامي الأسبوع الماضي بسبب أحد التقديرات الأميركية الذي يقول إن أفغانستان قد تمتلك ثروة معدنية تصل قيمتها إلى تريليون دولار. وذلك مستحيل حتى الآن، لكن ما هو واقعي هو مشروع صيني لاستثمار 3 مليارات دولار في منجم أيناك للنحاس، جنوب كابل. ولنقل هذا النحاس، تعهدت الصين بإنشاء خط جديد للسكك الحديدية في الشمال، عبر طاجيكستان، ويريد الصينيون مد هذا الخط إلى ميناء غوادار في باكستان المطل على بحر العرب.

ثم إن هناك التجارة في مجال الطاقة: يشير مؤلفو التقرير، فريدريك ستار وأندرو كوشينز، إلى أن بنك التنمية الآسيوي يدرس تمويل إنشاء خط أنابيب بتكلفة 7.6 مليار دولار يربط بين المناطق التي تحتوي على احتياطيات الغاز الطبيعي في تركمانستان بأفغانستان وباكستان والهند، وهي الدولة الفقيرة في مجال الطاقة.

لحظة.. كيف يمكنك التفكير في إنشاء طرق وخطوط سكك حديدية وخطوط أنابيب في حين أن الحرب لا تزال دائرة؟ ألا يجب أن يأتي الأمن أولا بالنسبة إلى أفغانستان، قبل أن تكون التنمية الاقتصادية ممكنة؟

نعم، وهذا هو السبب في أن دراسة طريق الحرير قيمة للغاية. فهي تفسر المهمة التي تقوم بها القوات الأميركية على المدى الأطول في معاركهم في المناطق التي ينعدم فيها القانون في أفغانستان. أضف إلى ذلك أنها تفسر السبب في أنه سيكون من مصلحة جميع القوى الإقليمية، لاسيما باكستان، تشجيع التوصل إلى تسوية سياسية للحرب من شأنها أن تفتح أفغانستان وغيرها من الأسواق في آسيا الوسطى أمام التجار الباكستانيين.

لقد سئم الرأي العام الأميركي حربا أفغانية ينقصها إطار استراتيجي واضح. أتمنى لو أن الرئيس أوباما لم يعلن الجدول الزمني للانسحاب في يوليو (تموز) عام 2011، لأن ذلك قد يؤجل الصفقة السياسية الأفغانية التي ستتيح للقوات الأميركية مغادرة البلاد. لكن إذا فكرنا قليلا بشأن سياسة «الإجلاء والسيطرة» وفكرنا كثيرا في شأن الطرق والسكك الحديدة، ربما يفهم الشعب الأميركي - والشعوب في باكستان والهند والصين أيضا - على نحو أفضل ما سيتم جنيه من أفغانستان التي تتمتع بمزيد من الاستقرار.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ