ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 29/06/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


أبعد من تركيا.. وأعمق من مياه الأطلسي

د . مصعب أبو عرقوب

6/28/2010

القدس العربي

انتقلت القضية الفلسطينية عبر عقود من الزمن من قضية أمة إسلامية احتلت مقدساتها ، وفقدت أولى قبلتيها وثالث حرميها ومسرى نبيها، إلى قضية عربية قومية قُزّمت إلى وطنية فلسطينية قُسّمت إلى فصائلية مصلحية.

وقد مهد لهذا الانتقال بين تلك الأبعاد هجمة على مفهوم الأمة وعلى كيانها السياسي الذي وحدها في دولة على مدى أربعة عشر قرنا، وتوازى القفز من بارجة الأمة إلى قوارب ضيقة هشة مع الهجمة على كل ما يوحد الأمة، فقُسمت بلادنا ورُسخت حدود سايكس-بيكو، واحتُلت الأرض مرة أخرى في العراق وأفغانستان ونزلت بها القواعد العسكرية والمطارات، وتقاتل الإخوة من أجل كرة قدم أو من أجل عيون المستعمرين.

وعلى وقع تلك الهجمة على الأمة وكيانها الفكري الموحد، ورغم ذلك الوهن والضعف الذي أصاب الأمة إلا أن القضية الفلسطينية لم تهدأ ولم تستطع الأنظمة الحاكمة أن تدفنها في الأرض المحتلة وتجعلها عهدة حصرية للفصائل الوطنية والإسلامية الإقليمية.

ورغم تناقض أسس الدول الإقليمية الضيقة مع الارتباط بقضية لها هذا البعد على مستوى الأمة إلا أن الأنظمة ومن يقف وراءها من الغرب لم تستطيع تجاوز هذه الحقيقة السياسية والفكرية.

فمن القاهرة خاطب أوباما شعوب العالم الإسلامي بوصفها أمة واحدة، وجاءت تصريحات باتريوس في نفس السياق لتدلل على ارتباط الشعوب برابط قوي تحت مفهوم الأمة الواحدة، فالصراع بحسب باتريوس في فلسطين يهدد جنود الولايات المتحدة في كل مكان، ولولا وجود ارتباط عقدي ومعنوي يوحد العالم الإسلامي في نظرته لفلسطين والمقدسات لما خاف باتريوس على جنوده من تهديد عابر للحدود.

وقد يُفسر في هذا الإطار أيضا، المبادرات التي صيغت لتأخذ بعداً إقليميا في محاولة لزج الأمة بمجموعها في حل القضية الفلسطينية حسب الرؤية الأمريكية المتمثلة في حل الدولتين، وطفت على السطح المبادرة العربية كشكل من أشكال الحل الجماعي، في غياب لأي تجسيد لهذا التجمع أو الاتفاق في مجالات أخرى، مما يثير التساؤلات حول طبيعة الأنظمة الحاكمة ومدى خضوعها للإرادة السياسية الأمريكية، وتوحدها في تأمين مصالحها السلطوية عبر الخضوع للنظام العالمي الذي تفرضه الولايات المتحدة لتحقيق مصالحها في عالمنا العربي والإسلامي، وهي تستخدم في تحقيق ذلك قوة كامنة وأسسَ وحدةٍ لا يمكن تجاهلها في أمةٍ مشتتة سياسياً عبر كيانات مصطنعة تتوحد أنظمتها وقياداتها لخدمة قرارات وحلول بعيدة كل البعد عن آمال الأمة وتطلعاتها.

ويدخل البعد الإسلامي في معادلة الأمة وقوتها، وقد كان من بعض تجليات ذلك البعد إعلاميا "أسطول الحرية" الذي قصد غزة المحاصرة يمخر عباب البحر بسفن تحمل التركي مع العربي في صورة تعيد للذاكرة وحدة الأمة الإسلامية ثقافيا وعقدياً.

لم يصل الأسطول إلى شواطئ غزة ... وقضى بعض الأتراك نحبهم في مياه الأطلسي، وانطلقت المظاهرات في اسطنبول وارتسمت وحدة المسلمين مرة أخرى في مراسم الجنازة والدفن وآيات القران واحترام الشهداء الذين خاضوا البحر من أجل عيون فلسطين، وتردد في شوارع تركيا التكبير باللغة العربية والمصطلحات الشرعية بلغة القرآن في مشهد يخترق الحدود ويختزل التاريخ ومئات الكتب والأبحاث ويسلط الضوء على فشل المؤامرات السياسية التي حاولت كسر هذه الروابط وتقسيم الأمة الإسلامية وإنهاءها من الوجود عبر تقطيعها إلى دول وممالك.

إلا أن هذا التوحد في مفهوم الأمة وفي المنظومة السلوكية والثقافية لها وفي تطلعاتها لتحرير المقدسات والأوطان لم ينعكس على الواقع السياسي الذي تعيشه الأمة، ولا زالت الأنظمة في الحالة العربية تحاول استغلال أسس الوحدة و تجذر مفهوم الأمة عند الشعوب لتمرير الحلول الأمريكية التي تضمن بقاء الاستعمار، وعلى تلك الخطى تسير الأنظمة في العالم الإسلامي كذلك مستغلة تطلعات أبناء الأمة الإسلامية للتغيير والخروج من واقع التبعية والتخلف ومحاولة لعب دور في قضايا الأمة المصيرية والتأثير في الموقف الدولي.

إلا ان هذا التطلع وهذه التحركات الشعبية لا تنسجم مع واقع الأنظمة والحكومات القائمة في العالم الإسلامي التي ترتبط أصلا بالنظام العالمي المسيطر عليه أمريكيا، ولا تأتي تحركات الأنظمة في العالم الإسلامي إلا ضمن القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة التي تخدم الدول الكبرى وأطماعها في عالمنا الإسلامي والعربي وثرواته وخوفه من عودة الأمة الإسلامية موحدة في دولة واحدة، فلا قيمة لأي تحركٍ مقيد بتلك القرارات وبذلك المجتمع الدولي ولا يلتفت فيه إلى مصالح الأمة الإسلامية التي تتجسد في الانعتاق من الاستعمار والعيش في ظل دولة واحدة، والشعوب لم تعد تتعلق بظواهر صوتية وجعجعات إعلامية وهي ترى ثروات الأمة وطاقاتها تهدر تحت أقدام الاستعمار الجديد، وتحاصر غزة ومحيطها العربي والإسلامي قادر على تحرير الأرض وإنهاء الاحتلال وفك الحصار لكنه لا يحرك ساكنا على مستوى الأنظمة والحكومات.

فرفع الحصار عن غزة وتحرير المقدسات لن يأتي عبر حلف الناتو الذي كان الملجأ للحكومة التركية، ولا عبر الإدارة الأمريكية التي تتطلع إليها عيون الأنظمة للضغط على "إسرائيل" لتخفيف الحصار أو وقف الاستيطان، فقضايا الأمة المصيرية لا تحل إلا بسواعد شبابها، والارتماء في أحضان النظام العالمي لن يزيد المشاكل إلا تفاقماً ، وأمة من المغرب إلى اندونيسيا موحدة بأفكارها وتطلعات شعوبها وعقيدتها ودينها تستطيع وبلا أدنى شك ان تحتل مكانة عالية بين الأمم ان هي تخلصت من تبعات الارتباط بالغرب وأدواته.

إلا ان القضية وعبر "أسطول الحرية" ظهرت للعالم بعمق آخر، فركب الأسطول أناس من أمم أخرى وثقافات متباينة، جمعهم واستفز عقولهم رؤية مدى الظلم الواقع على أهل غزة، والذي أصبح تجسيدا واقعياً للظلم الواقع على البشرية من النظام الرأسمالي الظالم الذي تطبقه الدول الكبرى التي لا ترى سوى مصلحتها المادية ولا ترى أي قيمة للإنسان أو المكان إلا ضمن قيمته بالدولارات، فتسحق شعوباً بكاملها من أجل توفير النفط للرأسماليين وشركاتهم، وتسقط الدول في حروب أهلية لتأمين منابع النفط والمعادن الثمينة لمصانع الرأسماليين وسياراتهم ، وتحاصر غزة أو يفكر بتخفيف الحصار عنها خدمة لمصالحها ومشاريعها السياسية في منطقتنا الإسلامية المترابطة.

وحتى تعود للأمة مقدساتها وثرواتها وتحرر ما احتل من أرضها وتمتلك إرادتها السياسية لا بد لها من الانعتاق من النظام العالمي وأدواته ، والخروج على قواعد اللعبة الدولية التي تضمن تفوق الاستعمار، ولن يكون ذلك إلا بالتخلص من وكلاء الاستعمار الرأسمالي في العالم العربي والإسلامي وإزالة الحدود المصطنعة بين أبناء الأمة الواحدة لتعيش الأمة في ظل دولة واحدة تخلق فضاءً واسعاً لأبناء الأمة، تتفجر فيه طاقاتهم وتتحقق فيه آمالهم وتطلعاتهم في عيشة كريمة عزيزة تعيدهم لدورهم الحضاري، يحملون رسالة نور للبشرية يخرجونها من ظلم الرأسمالية وتوحش النظام العالمي المادي إلى عدل النظام الإسلامي ، وروحانية التشريعات الربانية التي تكرم الإنسان،وتعالج مشاكله على أساس إنسانيته من خلال منظومة القيم الأخلاقية والروحية والإنسانية التي يضمنها تطبيق الإسلام كنظام عالمي.

فالأمة الإسلامية بذلك هي المرشحة الوحيدة لإنقاذ العالم من المادية التي يكابدها ومن الظلام الذي يغرق فيه ومن الحصار الذي يفرضه أصحاب الشركات الرأسمالية على عقول البشر وثروات الشعوب ومقدرات الأفراد.

ومع تعطش الأمة الإسلامية المتزايد للعيش في ظل دولة واحدة ومع تغول النظام الرأسمالي وجشعه ، فإن التغيير حتمي وملامحه ترتسم في الآفاق، والبشرية على موعد مع تغيير أبعد من تركيا وأعمق من مياه الأطلسي.

كاتب واكاديمي من فلسطين

====================

ما سر موقف روسيا والصين مع امريكا ضد إيران؟

د. كمال خلف الطويل

6/28/2010

القدس العربي

ما كان السؤال وليد لحظة التصويت، بل سبقه بأسابيع عدة عندما لاحت نذر انزياح روسي أولاً، وصيني لاحقاً، من ضفة الممانعة بل والتعويق، إلى الملاءمة ثم التواؤم.والحال أن ميزان المخاطرة والعائد لكل من القطبين العالميين كان المحدد النهائي لموقفهما من المسألة:

يريد الكرملين التفلت من كل شراك واشنطن المنصوبة له على اتساع رقعة أوراسيا: حرب المخدرات الشرسة والمسكوت عنها، والمستهدفة أساساً الشباب الروسي، بعائد ربح يصل حد 65 مليار دولار سنوياً...العنف القوقازي المقنع ببرقع 'إسلامي' زائف...الاختراق الديني البروتستانتي الكاثوليكي أداة استلاب ثقافي واحتلال ذهني...الصواريخ المضادة للصواريخ في شرق أوروبا سعياً لسيادة نووية...الجيب الجورجي في القوقاز وعلى شطآن البحر الأسود....التمدد في البحر الأسود ذاته... محاولة سلب روسيا أسواقها الأوروبية للطاقة... الاستحواذ على الورقة الهندية...إبعاد روسيا عن غرب آسيا / شرق المتوسط... تشليح روسيا 'جوارها القريب' في آسيا الوسطى بالقطعة...نصب مرصد متمفصل بين وسط وغرب وجنوب آسيا في أفغانستان يوفر منصة تدخل واندخال في وحولَ كل من روسيا والصين.

تريد بكين تعويق وإجهاض ما جهدت واشنطن وتجهد في تدبيرها لها : رفع سعر العملة الصينية لكبح انسياب السلع الرخيصة للسوق الأمريكية...الاختراق الديني كما في الحالة الروسية...تشجيع نشوء لوبي غربي النزوع داخل الحزب الحاكم وخارجه...تحريك مسألة الأقليات الدينية والعرقية (مسلمو سنكيانغ وبوذيو التيبت)...التلويح بإغلاق مضيق ملقا (عبره تعبر غالبية التجارة الآسيوية) إن دعا الداعي... تكبير الحجر الهندي ليكون مصدر تهديد للصين موازن... التدافع بالصّد في أفريقيا لوقف ثم حسر التمدد الصيني هناك ساعياً وراء الموارد الطبيعية دون مظنّة استعمار.

كيف تردّ موسكو؟... بالتضييق على مسعى الاختراق الثقافي والمجتمعي، وباقتلاع طابور الأطلسي الخامس من مواقع السلطة والثروة، والتلويح بنصب صواريخ مضادة للصواريخ في كالينينغراد، وتجريد جورجيا من أكثر من نصف شاطئها على البحر الأسود، وبثّ الانقسام داخل المعسكر الأوروبي لجهة واردات الطاقة، عبر مُغري العروض، واستعادة أوكرانيا من براثن الأطلسي، والدفاع الشرس - بل والتعرضي - عن 'الخارج القريب' في آسيا الوسطى، وتدشين أفضل الصلات مع تركيا طاقويا واستراتيجيا.

وبمَ تجابِه بكين ؟... بالتحايل على رفع سعر العملة.. بالسعي لإيجاد بدائل أرضية لمضيق ملقا عبر توصيلٍ سلسٍ ومأمون لواردات الطاقة عبر باكستان وبورما... ببناء بحرية قادرة على الدفاع النشط والمكافئ... بالمثابرة على النفاذ إلى أفريقيا وأمريكا اللاتينية، طلباً للموارد مقابل العون... بإفشال محاولات التلاعب بالداخل العرقي والديني، بالقسوة والتنمية في آن.

أين إذن هي نقاط ضعف كل من الصين وروسيا تجاه أمريكا؟

هي بالتحديد في غرب آسيا، أي من قزوين إلى المتوسط... هنا لا زال بعض من رهاب يتملّك حواسّ صنّاع القرار في موسكو وبكين لقدرما يعلمون عن حيوية هذه المنطقة لواشنطن واستماتتها في الحفاظ على هيمنتها عليها ودرء المخاطر الإقليمية المهددة لتلك الهيمنة.

هل يْودي الرهاب إلى رضىً وقناعةٍ بالمقسوم؟، أم هو تحيّن ينتظر توفّر المناخ المؤمّن للانفضاض وصولاً للانقضاض؟

عندي أن الثاني هو الحال، والحال ليس من المحال وإن لم يغدُ بعد جاهز المنال.

هما تدركان أن عصر الانفراد الأمريكي بالعالم قد ولّى أدباره بدءاً من 12 أيلول/سبتمبر 2001 ووصولا إلى راهن الأوقات.... بل وتعرفان أن غرب آسيا بالتحديد، أي إيران وتركيا والشام والعراق، خرجت وتخرج بالجملة من إسار القبضة الأمريكية، لكنهما بالمقابل تقّدران أن واشنطن ستقاتل، بالسلاح وبغيره، عن جائزتها الكبرى - جزيرة العرب ومقترباتها من خليج ومحيط وأحمر ومضائق وقنال -... وأنها ترى في طهران رأس حربة تهديد إقليمي لا يمكن التهاون أو التعايش معه، سيّما وهو يهدد سطوة ما سعت إلى تمكينه وكيلا اقليميا لها بامتياز دون كبير نجاح : اسرائيل.

ولعل أحكام الأفول الأمريكي أضافت لكلتيهما حذراً فوق حذر طلباً لتفادي احراجه قبل الأوان، وهو يتصرف كأسد جريح يقسِم لطوب الأرض أنه ما فتىء فتى الكون الأغر والقادر على لطم العماليق فما بالك بالمتطاولين!

تعرف العاصمتان أن ليس بوسع واشنطن شن حرب مسلحة على إيران، لا لشيء إلا لغياب القدرة على الفوز المبين، ثم هما تبغيان ابتزاز واشنطن حتى آخر قطرة لتكف عما تدبره لهما من أفاعيل مقابل مسايرتها حيث أعز ما تملك... ومن ثمّ مطاوعتها في نظام عقوبات خففوا سميّته قدر ما استطاعتا.... هذا دون إغفال أن موسكو بالذات ترتاح أكثر إن كان جارها إلى الجنوب بلا أسنان نووية، حتى وإن كانت - عند الضرورة - قادرة على التعايش معه بأسنان.

موسكو وبكين تناوران بدهاء يستحق الدرس في كليات السياسة والأمن الاستراتيجي... هما فوق الطاولة يجمعهما إطار صورة باسمة مع من يكره صعودهما لسويّة قطب كوني حتى أعماق الأعماق، وتحت الطاولة تقدّمان لممانعيه الترياق المكافئ لسمٍّ سبق وذوّبوا شدّته حدّ التمييع.

والحال أن تصليب القطبين لعموديهما الفقريين يتوقف، في جلّه، على صلابة محور فارس الأناضول الشام... ومعهم العراق.

التناسب طردي بالمطلق بين الأمرين، وعكسي بالتمام بينهما وبين الأفول الأمريكي.

' كاتب فلسطيني

====================

لا تسمحوا لحماس بالانتصار

مناحيم بن

معاريف الاسرائيلية

الرأي الاردنية

6/28/2010

اليوم الذي يتحرر فيه جلعاد شليت مقابل الف سجين فلسطيني سيكون يوم فرح في قسم منه فقط. في اساسه سيكون يوم باعث جدا على الاكتئاب، اليوم الذي تحتفل فيه حماس والمجتمع المتطرف بأسره بجموع قتلته نصرهم، والناطقون بلسانهم سيعلنون على الفور بانهم سيختطفون المزيد من الجنود كي يحرروا باقي القتلة الفلسطينيين.

يوم يجتمع فيه بألمهم وذلهم الكبير العائلات الثكلى (وكلنا في واقع الحال هذه العائلات الثكلى) ممن قتل أحبتهم على ايدي القتلة الذين لا مثيل لهم وسيشهدون صور الفرح من غزة ومن العالم العربي والاسلامي بأسره. يوم سيجسد كيف تداس وتتبدد عدالة موقفنا لاننا ساهمنا في المقارنة الفظيعة بين جندي مخطوف تجند للدفاع عن وطنه وبين مبيدي شعب، انطلقوا لزرع عبواتهم الناسفة بين النساء والاطفال والمواطنين الاسرائيليين كي يقتلوا منهم أكثر عدد ممكن. وكأنه لا فارق بين القتلة والمقتولين.

ولكن المشكلة هي بالطبع ليست حسية فقط وليست اخلاقية فقط. فالحقائق معروفة تماما: مئات الاسرائيليين قتلوا على ايدي محرري صفقات التحرير السابقة. قسم كبير من العمليات في الانتفاضة الاولى والثانية قام بها محررو صفقة جبريل التي اقرها اسحق رابين وشمعون بيرس. عشرات الاسرائيليين قتلوا على ايدي محرر صفقة تننباوم التي أقرها ارئيل شارون.

وعليه فينبغي لنا القول القاطع في وضوحه: الذنب على كل قتيل ومصاب اسرائيلي كنتيجة لصفقة شليت، اذا ما تحققت لا سمح الله، سيلقى على رأس بنيامين نتنياهو. نحن لا ننسى بالطبع بان نتنياهو هاجم بكلمات شديدة صفقة جبريل في كتابه «مكان تحت الشمس»، انطلاقا من الوعي للاضرار الهائلة التي الحقتها. هل يحتمل أن يكون نسي منذئذ؟ هي يحتمل أن يكون غاب الامر عن وعيه؟ هل حكومة اسرائيل برئاسته مجنونة بما يكفي كي تقر الصفقة؟

وانا ملزم بالقول: مع كل الحب لعائلة شليت، نوعام وافيفا، فان قولهما، اذا ما قالاه حقا، وانا متأكد أن قالاه، ان لا مفر ويجب قبول الصفقة نصا وروحا مثلما أملتها حماس هو قول غير مقبول على نحو ظاهر. هل يمكن لنوعام وافيفا ان يرفعا عيونهما الى عائلات المقتولين الذين سيقتلهم محررو صفقة شليت في الانتفاضة التالية، او حتى قبلها؟ هل أحد ما منا يحق له القول: حرروا ابني او حرروني أنا نفسي، بكل ثمن، وليمت العالم؟ نحن نبعث بجنودنا كي يُقتلوا ويُصابوا بل واحيانا ليسقطوا في الاسر وبقدر ما يبكي القلب على شليت ينبغي لنا أن نفهم ماذا يوجد على كفة الميزان.

ولنفترض حتى أن توافق حماس على «حل وسط» وتقر «ابعاد» القتلة الفلسطينيين الثقيلين الى خارج البلاد بدلا من مناطق الضفة – فماذا إذن؟ عندها القتلة المهنيون اولئك من شأنهم بالتأكيد ان ينفذوا عمليات قتل وخطف ضد يهود واسرائيليين في خارج البلاد (وهذا ما يحصل احيانا عندما تخلى قمامة سامة «بعيدا عن البيت») ناهيك عن التسلل المحتمل لكل هؤلاء «المبعدين» الى اسرائيل من جديد عبر سيناء ومصر.

ولمن ليس واضحا ان تحرير شليت سيصعد الى حجوم مجنونة الدافعية الاسلامية، الحماسية، القاعدين، الجهادية، لاختطاف جنود ومواطنين اسرائيليين ويهود اضافيين في البلاد وفي الخارج ؟ هذا بالتأكيد من شأنه ان يصبح الرياضة الوطنية الارهابية التالية. في كل العالم.

وتماما مثلما صعدت صفقتا جبريل وتيننباوم جدا قوة احمد ياسين ونصرالله، وولدت بقدر كبير الانتفاضة وحرب لبنان الثانية، هكذا بالتأكيد قد تشعل صفقة شليت نارا دموية رهيبة، ربما برئاسة القاتل الاكبر بين القتلة الفلسطينيين الذين سيتحررون (من سيكون هذا؟ منفذو المذبحة في الدولفيناريوم؟ منفذو المذبحة في فندق «بارك» في نتانيا في ليل الفصح؟ مدهور الباص الى القدس؟).

رئيس الوزراء قال انه تدرس «امكانيات اخرى» لتحرير شليت. بمعنى، توجد امكانيات اخرى. نحن معها، مسبقا.

====================

اسرائيل تنهب البحر أيضا!

د. عبد الحميد مسلم المجالي

Almajali.abdalhameed@yahoo.com

الرأي الاردنية

6/28/2010

وسعت اسرائيل من ساحة الصراع ، لتشمل اعماق البحر المتوسط ، بعد الاعلان عن اكتشافات هائلة من كميات الغاز والنفط ، يقدر حجمها الاولي ب122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي ، واكثر من مليار ونصف المليار برميل من النفط ، تقول انها تكفيها لمئة عام ، وتجعل منها قوة عظمى في مجال الغاز والنفط ، وتوفر لها قوة جيوسياسية ، في مواجهة الكثير من الدول، ولذا فهي تستعد للاعلان عن عيد قومي بهذه المناسبه .

 

غير ان الخرائط العالمية تؤكد ، ان معظم ما تم اكتشافه هو خارج المياه الاقليمية الاسرائيلية ، وان الاستيلاء عليه يشكل مخالفة واضحة للقانون الدولي ، الذي يحدد المياه الاقليمية لكل دولة ب 12 ميلا بحريا أي 22 كيلو مترا عن الشاطئ . ولاي دولة بموجب المعاهدة الدولية لقوانين البحار لعام 1982 ، ان تعلن عن مسافة اضافية تصل الى مئتي ميل بحري كمنطقة اقتصادية خاصة ، شرط ان تعلن ذلك جهارا ، وتبلغ الدول المجاورة لها بحريا ، والتي يجوز لها الاعتراض ، على ان يحسم الامر امام مؤسسات الامم المتحدة ومن بينها المحكمة الدوليه في لاهاي .

 

الاكتشافات الجديدة واصرار تل ابيب على انها «ملك لشعب اسرائيل « وتهديدها باستخدام القوة لاحتكارها دون غيرها ، فتح افاقا جديدة لشكل اخر من اشكال الصراع مع كل من سوريا ولبنان والسلطة الفلسطينية ، فالاكتشافات المعلنة تقع في حوض ساحلي يمتد من لواء الاسكندرونة حتى جنوب غزه ، وان كانت اسرائيل تزعم ان حقل « ليفتان» أي الحوت يقع على بعد مئة وثلاثين كيلو مترا الى الغرب من حيفا .

 

الكثير من المصارف العالمية امتنعت عن تمويل معظم هذه الاكتشافات ، لانها تعرف انها خارج المياه الاقليمية الاسرائيليه ، وتولت شركات امريكية في الاساس هذا الجهد ، بعد ان اكدت دراسات زلزالية امريكية ، ان الحوض المشرقي للبحر المتوسط ، يحوي كميات وصفت بانها هائلة من الغاز الطبيعي ، اكبر مما هو مقدر في الولايات المتحدة نفسها .

 

صفحة الصراع الجديدة حول ثروات البحر المتوسط ، تتضح ابعادها يوما بعد يوم ، حيث يشهد لبنان ردود فعل على اعلى المستويات ، لاصدار قانون تنقيب عن الغاز والنفط في المياه الاقليمية اللبنانية ، والبدء بسلسلة اتصالات مع كل من سوريا وتركيا والامم المتحدة، لمواجهة الموقف الاسرائيلي . وتصف بعض الاوساط الاسرائيلية هذه القضية بانها شبعا جديدة بين لبنان واسرائيل ، ولكنها ستكون اكثر حدة ، لانها تتعلق بموارد هائلة من الطاقة لطرفين يفتقران اليها ، باعتبارها مادة استراتيجية تحدث تغييرا حياتيا رئيسيا وخاصة على الصعيد الاقتصادي وتداعياته السياسية المفترضة . ومن المؤكد ان دولا اخرى معنية ستدخل الى حلبة الصراع قريبا قد تكون بينها مصر وتركيا .

 

اذن نحن امام اضافة جديدة لمقتضيات استمرار الصراع مع اسرائيل، تتطلب ما يمكن وصفه بمقاومة اقتصادية وقانونية ، لمواجهة سلوك اسرائيلي اضافي ، ينتهك القانون الدولي ، ويصعد من الصراع في المنطقة الذي يقوم في الاساس على اسباب تتعلق باستراتيجية اسرائيلية مستمرة لنهب الارض والموارد والحقوق ،ولعل معركة غاز ونفط البحر المتوسط هي احدى معارك هذا الصراع التي تتطلب تركيزا عاليا في ادارتها من الاطراف العربية المعنية ، لان خسارتها تعني اكتساب اسرائيل مصادر قوة جديدة لعشرات السنين ، مما يضاعف من طغيانها وغطرستها وانتهاكها لقواعد القانون الدولي والانساني ، التي تعتقد انها يجب ان تبقى خارج نطاق تطبيقاته ، ووفقا لهذا الاعتقاد تواصل نهب وسرقة البر والبحر .

====================

أين ضمير العالم من الجرائم؟

محمد الشواهين

malshawahin@yahoo.com

الرأي الاردنية

6/28/2010

الجريمة موجودة منذ نشأة الانسان، وقصة قابيل وهابيل التي وردت في الكتب السماوية تشير الى حدوث الجريمة بوضوح، وللجريمة اشكال وانماط متعددة، تختلف في درجاتها من مجتمع الى آخر ومن ثقافة الى أخرى، لكنها تظل في واقع الحال جريمة صغرت أم عظمت، ودعوات رجال الدين والاجتماع والقانون مستمرة لوقف الجريمة ومحاربتها بل اجتثاثها من جذورها في مجتمع مثالي او ما يعرف بمجتمع المدينة الفاضلة.

 

جرائم الفساد المالي والاداري التي تزكم انوفنا بين فينة وأخرى، نجدها في اعتى المجتمعات الموغلة في الحضارة والديموقراطية، انها آفة سيئة عجزت كل ادارات الدنيا من القضاء عليها لاراحة افراد المجتمع من هذا الوباء المستشري، بيد ان الفساد الاداري والمالي تلقاه يتجذر وينتشر في بلدان أكثر من غيرها، وربما كان التسيب والاهمال سببا من اسباب استشرائه، علاوة على الاوضاع الاقتصادية والمعيشية المتدنية في تلك المجتمعات، وفي بلدنا شددت التوجيهات الملكية للحكومة على ضرورة محاربة الفساد والقضاء عليه رغم قلته نسبيا.

 

من جانب آخر اهتم المراقبون بموضوع الجرائم التي تقع على الأفراد، من ايذاء او استيلاء على الأموال والممتلكات بالسرقة تارة وبالنصب والاحتيال تارة أخرى، منوهين الى تلك المجتمعات التي تضم مجموعات ارهابية متخصصة في النهب والسلب والاغتصاب بالقوة، لدرجة ان بعض تلك العصابات اضحى لها نفوذ وقوة ما يدفعها للتمرد على سلطة الدولة وسيادة القانون، وفي بلدان معروفة في امريكا الجنوبية وأفريقيا تنامت القوة القتالية لهذه التنظيمات الارهابية واضحت شوكة في حلق الحكومات الشرعية التي عجزت عن وضع حد لهذه الفئات المجرمة.

 

الأمور لم تتوقف عند هذا الحد بل وصلت الى دول بعينها تصدر الجريمة والإرهاب وتمارسها علنا وعلى رؤوس الأشهاد ضد شعوب أخرى مستضعفة مسلوبة الحقوق والارادة، الحالة الفلسطينية والعراقية، اذن اصبح مشهد الجريمة المنظمة تقع وتمارس دون رادع، السؤال الذي يطرح نفسه اين هيئة الأمم والمؤسسات المنبثقة عنها من هذه الجرائم ؟ الجواب لن يكون صعبا، فموازين القوى في هذا العالم تلعب دورها على كل المستويات، فما هو مباح للقوي غير مسموح به للضعيف، وان لم تجد من ينطق بهذا الكلام صراحة، لكنه معروف ضمنا، والمعنى دائما في بطن الشاعر.

 

بالنسبة الى السياسة الدولية بشكل عام، فلا ضمير ولا شفقة، ثمة المصالح التي لا يهمها الا ذاتها ولا تجد من يكبح جماحها لو داست على غيرها وسحقته اذا كانت مصلحتها العليا تقتضى ذلك، فاذا ماتت ضمائر الساسة والحكام، فأملنا ما زال كبيرا بضمائر الشعوب التي لا بد لها وان تقف امام تغول المجرمين مهما كانت مستوياتهم الوظيفية والسلطوية.

====================

الأزمة المالية.. فحش وتوحّش

بقلم :علي حرب

 البيان

6/28/2010

ما زالت الأزمة الاقتصادية بفصولها البنكية والمالية، من انهيار بنك ليمان براذرز في خريف العام 2008، إلى الإفلاس المالي في اليونان مؤخراً، تحدِث مفاعيلها، وتترك تداعياتها في العالم، سواء سلباً بما خلّفته من الضرر على المصالح والمصائر، أو إيجاباً لكونها شكّلت فرصة لإعادة النظر، ليس فقط في السياسات المالية والبرامج الاقتصادية، بل أيضاً في نظام العالم وسيره جملة.

 

والأزمة هي مركّبة وملتبسة، بقدر ما تتداخل فيها العوامل والأبعاد على غير مستوى وصعيد.

 

بالطبع، هي أزمة مالية بنكية في محتواها وظاهرها، كما يتمثل ذلك في تراكم الدين أو العجز عن تسديد القروض، أو في نقص الأموال وفقدان السيولة؛ وكل ذلك يرتدّ ضرراً على الوضع الاقتصادي والسياسي جملة، هبوطاً في النمو أو عجزاً في الميزان التجاري، أو سوى ذلك. وقديماً قال ابن خلدون إن نفاد الأموال يؤدّي إلى انهيار الدول والحضارة.

 

ومن المفارقات، في هذا الخصوص، أن تكون هناك أزمة سيولة مالية، في عصر سمتهُ السيولة في المعطيات، من العلامات والرموز والأرقام، التي تنتقل بسرعة البرق والفكر من مكان إلى آخر في أرجاء الكوكب.

 

ولكن الأمر يتعدّى الاقتصاد إلى ما عداه. فالأزمة ترتبط بالواقع الكوني الناشئ عن ثورة المعلومات والاتصالات، والذي أدى إلى طغيان رأس المال المالي، وفتح المجال واسعاً للتجارة الإلكترونية التي هي شكل التبادل الجديد في هذا الزمن الفائق والمتسارع. ولكن التجارة نشاط اقتصادي ملحق بالصناعة والزراعة، فإذا ما طغى وتجاوز حدّه، أدّى إلى فقدان المال.

 

هذا شأن التجارة العادية، القائمة على نقل السلع المادية، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بالتجارة الافتراضية التي تقوم بنقل السلع الرمزية عبر الأثير؟ عندها يصبح إمكان التلاعب والغش أكبر بكثير، لجني ثروات من غير جهدٍ، وبصورة غير معقولة ولا مشروعة. والحصيلة هي انهيار الفراديس البنكية كما سمّوها، بما يشبه بيع رجال الدين صكوك الغفران للمؤمنين قبل اليوم الموعود في جنة الفردوس.

 

هناك، من جهة ثانية، العامل السياسي، كما تُرجم ذلك في تخلّي الدول والحكومات عن دورها في التدخل تنظيماً وترشيداً أو حماية ورعاية، بترك الأمور للسوق الحرّة تمارس نشاطها بالتفلت من كل ضابط أو معيار، ما جعل الدول في خدمة الشركات والقطاع الخاص.

 

من هنا فإن الأزمة المالية الراهنة حملت الدول على استعادة دورها في الإدارة والتدبير؛ دون أن يعني ذلك العودة إلى مذهب الاقتصاد الموجّه، كما كان الأمر في العالم الاشتراكي الذي أخفق نموذجه الاقتصادي. فلا تنمية من غير مبادرة حرّة، تماماً كما أنه لا ليبرالية من غير حدود.

 

هناك من جهة ثالثة، عامل أخلاقي منتج للأزمة، يتمثل في الجشع الذي يحمل رجل الأعمال على التصرّف بعقل فردي، لجهة تكديس الأموال بأي ثمن؛ أي على حساب المنطق الجمعي التضامني، وما تقتضيه الشراكة في وطن أو مجتمع، بل في المصائر.

 

هناك من جهة رابعة، العامل الفكري، كما يتجسّد في النظريات المستهلكة في المقاربة والمعالجة، أو في نقل نماذج ناجحة في بيئة معينة إلى بيئة أخرى، دون تعديل أو تحويل.

 

هذا ما اعترف به علماء اقتصاد كالأميركي بول غروكمان، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2008، إذ فسّر الأزمة المالية الراهنة، بفقدان النظريات والنماذج الاقتصادية الساندة لمصداقيتها، في الفهم والتشخيص أو في الإدارة والتدبير.

 

وهكذا فالعامل الفكري أساسي، في الحياة والموت، وفي الإغناء والإفقار. وذلك يتوقف على الطريقة التي تُصرف بها الطاقة العقلية والحيوية الوجودية. فالمعرفة والثراء والنماء والازدهار، أمور تحتاج إلى أن يمارس الواحد تفكيره بصورة حيّة، منفتحة، متحركة، مبتكرة..

 

وهذا يعني شيئين؛ الأول أنه لا نظريات نهائية أو حتمية في واقع متحرك وعالم متسارع، فالأفكار الخصبة قد تستهلك، ولذا فهي محتاجة إلى التعديل والتطوير أو إعادة البناء والتركيب. الثاني أن النماذج الناجحة في مكان، تحتاج إلى التحويل الخلاّق لكي تنجح في مكان آخر.

 

وبالطبع، هناك العامل الثقافي في فهم الأزمة وتدبرها، كما يتمثل في أنماط الاستهلاك وأساليب العيش وقيم العمل.. وملخص المسألة هنا: هل ما يجمعه المرء من ثروات، يصل إليه بالجهد والجدارة والاستحقاق؟

 

هذا سؤال يطرحه الناس والخبراء في معرض تشخيص الأزمة، ومن الشواهد على ذلك المناقشات التي دارت حول مديونية الدولة في اليونان. لقد طلب من الألمان، الذين هم الأغنى والأقوى، في الاتحاد الأوروبي، أن يدعموا شركاءهم.

 

ولكنهم احتجوا ورفضوا أن يكونوا «البقرة الحلوب» التي عليها أن تسد العجز، بدعم بلدان أخرى يعمل أهلها بمعدل أقل من المعمول به في ألمانيا. ولكن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، التي رفضت في البداية تقديم المساعدة، عادت ووافقت، لأن ألمانيا لن تبقى غنية أو قوية في أوروبا ضعيفة أو فقيرة أو منهارة.

 

ومع ذلك، فإن هذا الشاهد يعني أنه ما عاد ممكناً أن يعيش المرء عيشة الكسل أو الرفاه أو الترف البالغ، أي بما يفوق قدرته، وهو لا يبذل ما يقتضيه ذلك من الجهد والعناء، وربما المعاناة. ولهذا فكر الفرنسيون في إطالة مدة العمل، وذلك برفع سن التقاعد من 60 إلى 62 عاماً كما كانت.

 

وإذا كانت الأزمة قد طالت بشظاياها العالم كله، فإنه من حسن الحظ أن الدول الناشئة، كالصين والهند والبرازيل وتركيا، وسواها من البلدان التي باتت قوى اقتصادية عالمية، والتي تستخدم نماذج في التنمية تجمع بين حب العمل والتقنيات الفائقة، قد شكلت سدّاً منيعاً أمام الانهيار الشامل.

 

وهذه واحدة من فضائل تعددية الأقطاب والنماذج في مواجهة الأزمات. فالأحادية السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية، مآلها الجمود والانحطاط أو الكارثة والانهيار.

 

أخلص من ذلك إلى أنه لا مجال لمعالجة الأزمة، إذا استمر البشر يعيشون على الوتيرة نفسها من الإنتاج الفاحش والاستهلاك الوحشي، في مختلف مجالات حياتهم وأنشطتهم.. وهناك الكثير من الأمثلة المتنوعة، التي تشهد على أننا ننخرط في نمط من الاستهلاك، مآله الغش أو الهدر أو العجز أو الكارثة.

من هنا يحتاج تدبّر الأزمات إلى ثقافة مختلفة؛ خلقية، اقتصادية، سياسية.

كاتب ومفكر لبناني

====================

أطماع صهيونية متجددة

بقلم :نواف الزرو

البيان

6/28/2010

مرة أخرى، تطل علينا إسرائيل بقرصنة جديدة، بعد قرصنتها ضد «أسطول الحرية» التي هزت العالم، قانونيا وأخلاقيا وإنسانيا. هذه المرة يمارسون قرصنتهم في أعماق البحر المتوسط وفي المجال البحري اللبناني والقبرصي معا، وتمتد إلى مخزون الغاز في تلك الاعماق. ليس ذلك فحسب، بل يأتي وزيرهم للبنى التحتية عوزي لنداو (يسرائيل بيتنو) ليعلن بمنتهى العجرفة «إن إسرائيل على استعداد لاستعمال القوة للدفاع عن مخزون الغاز الطبيعي في البحر»، مضيفا: «ليست للبنان أية حصة في حقول الغاز التي اكتشفت مؤخراً..

 

ولن نتردد في استعمال قوتنا، ليس للحفاظ على قوانيننا فقط، بل للحفاظ على القانون البحري الدولي»، ويلحق به وزير ماليتهم يوفال شتاينتس ليعلن بدوره: «إنها أي البحار والغاز ملك لشعب إسرائيل»! فهل هناك وقاحة وبلطجة وقرصنة وأطماع أشد من ذلك؟!

 

وقصة غاز المتوسط هنا، ليست عملية السطو الاولى على مخزون الغاز في المنطقة، إذ سبق للاسرائيليين أن استولوا على غاز سيناء واستثمروه على مدى سنوات احتلالهم لها، وكذلك الحال في مياه وغاز غزة..

 

هذه اللغة الفوقية والنزعة التوسعية، هي ركن أساسي وأصيل في الخطط والايديولوجية الصهيونية، التي تضع الخطط وتسعى لمشاريع وأهداف وأطماع تمتد إلى أكثر من عشرين ضعف مساحة فلسطين برا وجوا وبحرا. فقد اعتبر أقطاب الصهيونية أن «أرض إسرائيل المعلنة»، تمتد من مصادر الليطاني وحتى سيناء، ومن الجولان حتى البحر.

 

وفي هذا النطاق أكد «يسرائيل كولت»، وهو أستاذ محاضر في الجامعة العبرية، أن «أرض إسرائيل الصهيونية حسب النظرية الجغرافية والسياسية الراسخة في الفكر أو الواقع، هي أرض إسرائيل الممتدة من مصادر الليطاني وحتى سيناء، ومن الجولان حتى البحر، وهي الوطن التاريخي لليهود الذي لا تؤثر فيه الحدود السياسية القابلة للتغير».

 

وقد توجهت أنظار زعماء الحركة الصهيونية، منذ البداية ولا تزال، نحو المحيط العربي، نحو مياه النيل، ونفط العرب والأسواق العربية. وفي هذه الأبعاد كان ثلاثة باحثين إسرائيليين (كنا أشرنا إليهم في مقالة سابقة) وضعوا بتكليف رسمي من الحكومة الإسرائيلية، خرائط ومخططات تعكس الأهداف والأطماع الصهيونية في العالم العربي، وتحدثت مخططات وتصورات هؤلاء الباحثين عن «السيطرة على مصادر المياه في المنطقة.

 

وجر مياه النيل إلى النقب، ومياه الليطاني إلى طبريا، وعن نقل النفط والغاز المصري والسعودي عبر الأنابيب إلى الموانئ الحدودية الإسرائيلية، وعن شق وإنشاء الخطوط الحديدية والطرق المعبدة لربط إسرائيل بالدول العربية المجاورة.. إن الأهداف والدوافع وراء كل ذلك: اقتصادية.. سياسية.. واستراتيجية».

 

البروفيسور الاسرائيلي المناهض لسياساتهم التوسعية «إسرائيل شاحك»، أستاذ الكيمياء في الجامعة العبرية سابقاً، كان أكد على هذا المضمون قائلاً: «من الواضح أن السيطرة على الشرق الأوسط بأسره من قبل إسرائيل، هي الهدف الدائم للسياسات الإسرائيلية، وهذه السياسات يشترك فيها داخل المؤسسة الحمائم والصقور على حد سواء.. إن الاختلاف يدور حول الوسائل: هل يتم تحقيق الأهداف بالحرب؟ وهل تقوم بها إسرائيل لوحدها أو بالتحالف مع ولحساب القوى الأكبر؟ أم بواسطة السيطرة الاقتصادية؟».

 

وقد منحت القيادات الصهيونية الإسرائيلية لنفسها حق التدخل في الشؤون الداخلية للعرب، وانتهاك حرمات أجواء وأراضي ومياه الدول العربية، وشن العدوان تلو العدوان ضد أي دولة عربية مجاورة أو بعيدة، يشعر قادة ذلك الكيان أن لديها قوة عسكرية أو عنصر قوة قد ينمو ويشكل خطراً عليهم في مرحلة ما في المستقبل.. أما الذريعة التي يطرحها أولئك القادة لتبرير هذه السياسة العدوانية المستمرة فهي «الحفاظ على الأمن الإسرائيلي» و«حماية أمن ومستقبل إسرائيل».

 

ويؤكد البروفيسور شاحك أيضاً: «باختصار.. من المهم أن نتصور أن كل الرأي العام في إسرائيل، موحد حول هذه النقطة: السيطرة».

 

والسيطرة حسب «أطلس الأحلام والأهداف الصهيونية»، تحدد مساحة إسرائيل ؟ مثلاً بعشرين ضعفاً، وتحدد مساحة المياه الإقليمية الإسرائيلية لتشمل قبرص وتكريت وصقلية وأجزاء من تونس ومعظم أسبانيا (عن الحاخام «يسرائيل هارئيل» هآرتس).

 

فلا يتوهمن أحد من العرب اذن، أن إسرائيل وقياداتها قد يتخلون عن نواياهم ومخططاتهم ومشاريعهم واطماعهم، إلا بالردع والقوة، فهي لا تزال قائمة بالقوة ولا بقاء لها إلا بالقوة.

والقرصنة الصهيونية الجديدة ضد حقول الغاز في المتوسط وضد الحقوق اللبنانية فيها، تحتاج إلى أساطيل حرية عربية جديدة، وإلى إعلان الاستنفار القانوني والإجرائي على أوسع نطاق، والمناخ الدولي يغدو أنضج ومتاحا للتجاوب أكثر على هذا الصعيد.

====================

ذُرى التهويد وهشيم النفوس المخطوفة

راكان المجالي

السفير

6/28/2010

هشيمٌ وحرائق

في برهة، هي لحظة خاطفة، تمتدّ بين البدايات والنهايات، يتكون «الهشيم».

لا تشتعل النيران ك«حريق» بلا هشيم. فإن لم تجده، تلمع برهة ك«شرارة»، ثم تخبو. لا حرائق بلا هشيم. الأشجار، وفي الخريف وحده، تقذف إلى الدنيا «هشيمها»، على هيئة أوراق يابسة. لا خريف بلا أوراق «ساقطة».

الطبيعة، عادة، لا تخطئ. وإن فعلت، فبسرعة تعيد تصحيح أخطائها، لمصلحة الحياة ودورتها المعتادة. في لحظة «الهشيم» ذاتها، يعيد التدخل البشري، نشاطاً أو فعلاً أو حركة، إمكان الحريق واحتماله. فمن عادة الخريف أن يُسْلِم الشتاء «هشيمه الساقط»، ليصير مواد عضوية في بطن الأرض. وإذا نجحت دورات الفصول في استلام وتسليم أماناتها، اكتملت طقوس التكرار والحياة. أما إذا اختطف أحدٌ من الخريف أمانته، فليس للهشيم اليابس سوى مصير واحد: الاحتراق.

في هشيم كهذا، يصبح مٍن حقّ الكاتب الإسرائيلي اليميني «إلياكيم هعتسني» أن يكتب، في وصف الحالة الفلسطينية مقالاً طويلاً، بعنوان: «تشريح حالة تحلّل».

عربيا، ثمة أوهام كبيرة تنمو، بأن فرص النجاة بكيانات صغيرة ممكنة. أوهام يجري تسويقها، على أنها توظيف إيجابي (!) للمشروع الأميركي الطامح للسيطرة على المنطقة، وإعادة تشكيل نظامها الإقليمي والسياسي والاقتصادي وهويتها الثقافية.

تُرى، حين يمر الزمن أمامنا كغفلة: مَن سيقف «متثائباً» على تلّ هذا «الخراب الجميل..»؟!

قُدسٌ وذُراها..!!

استنادا الى المتغيّرات السياسيّة والدينيّة في دولة الاحتلال، وما تمّ حتى الآن من إجراءات تهويد في القدس على الأرض، وهو ما توقّعته مؤسّسة القدس الدوليّة في «تقديرها» الاستراتيجي الصادر مطلع العام الحالي، بأنّ مشروع التهويد سيبلغ ذروته في القدس في هذا العام، باعتباره «عام حسم مصير القدس كعاصمةٍ يهوديّة السكان والدين والثقافة»‏. مٍن خلال ذلك وبناءً عليه، يمكن فهم الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة بحقّ نوّاب المجلس التشريعي الثلاثة عن محافظة القدس، وقرارات إبعادهم، وسحب هويّاتهم المقدسية، وكذلك الحملة المسعورة المتصاعدة في هدم البيوت العربية في حيّ سلوان المقدسي.

فعلى مستوى حسم الهوية الدينية للقدس، تتواصل «محاولاتٍ حقيقية لتقسيم المسجد الأقصى دائما»، ويستكمل مشروع «المدينة اليهوديّة المقدّسة» أسفل المسجد الأقصى ومحيطه، ولم تتوقف كذلك محاولات الاستيلاء على الأوقاف المسيحيّة. كما يستمرّ أيضا بناء مزيد من المعالم والرموز اليهوديّة الدينيّة في البلدة القديمة للقدس.

وعلى مستوى معركة السكان، تصاعدت، بشكل لافت، وتيرة سحب الهويات. وتكثّفت المحاولات الإسرائيلية في الترويج للقدس كمركز سكني، من أجل تعديل ميزان الهجرة اليهوديّة العكسيّة من المدينة.

وفي معركة الأرض، هناك معلومات تشير الى محاولات إسرائيلية رسمية لتعديل الحدود البلدية للقدس، كي تتطابق مع حدود الجدار العازل. يضاف الى ذلك المحاولات المحمومة لحسم أوضاع الأحياء الفلسطينيّة الحاضنة للبلدة القديمة، وهي ما يُسمّيها الاحتلال «الحوض المقدّس»، والتي تشتعل حاليا تحت اسم «ملفي حيّ البستان وحيّ الشيخ جرّاح». هذا فضلا عن تكثيف نشاط الجمعيّات الاستيطانيّة، المرتبطة بدولة الاحتلال في البلدة القديمة للقدس، للاستيلاء على أكبر عدد ممكن من عقارات البلدة.

وفي سياق معركة التهويد الثقافي، فمن المتوقّع أن تشهد المدينة نشاطًا إسرائيليا يتركز في: محاولة تنفيذ تهويد أسماء معالم وأحياء البلدة القديمة كلياً، وبدء أعمال «الترميم وإعادة التصميم» في باب العامود.

حريق شُهبٍ خاطف

فزّاعات تُنصبُ على بوابات الأرواح والنفوس. «خيالات كروم»، أو «خيالات مقاثي»، تُزرع في نفوس الساكنين هذا الشرق. مدنٌ على هيئة «كون»، تُحال، بطرفة عين، إلى بوابات على هيئة «جرح».

قتلةٌ يواجَهون بالهذيان والكلام الباهت. ظروف فشل عارم، تُذيب كلّ إرادات داخلية. يأس طافح، يفسّر الأمل بالجنون. ولا أحد يقوى على تمزيق هذا الستار..!!

فيضُ ضياعٍ يخفي «الحقيقة والهوية والحب». صُنّاع أحداثٍ يختفون في منتصف الطريق. أو تلفّهم ظلالها. طريق، هو في الأصل والواقع، مسافة بين «النشوة والغمّ». وللأسف، ليس هناك عكس في الاتجاه.

اغتيالات يومية وحياتية ومصيرية، تواجه بالرجاءات والدعاء المقهور. موتى يتحركون في أيامهم. وأيام تُمعن في تيهها. أجساد تفترش القهر. وكائنات «أعتمها» الخوف. أصدقاء يُغلقون ذاكراتهم، بإحكام، كي لا تهتزّ «صور معلّقة على أساطير» تلك الذاكرات. ريحٌ تتطفل. وغبار يتراكم على ذاكرات صارت خزائن.

هواجس لا تنقطع. وكائنات اقتُلعت أظافرها وأنيابها وأعصابها. والهدف تعميم عجز واستسلام، يُحيل الحياة إلى حالات انتظار «للقيامة». أيّة قيامة..(!)

حدائق ملح، و«فسائل» نخل، وقيامة. نثرُ حياة يومي جيّاش وصاخب. ورغبات «عيش ميت»، تغشاها ريبة حتى اليقين.

«ملحٌ ونخيل وقيامة»، ووصايا أنبياء تُتلى على «أحلام مهشمة». أميّون يتولون سرد حكم الأنبياء. ملعب جنون جميل: أنبياء يذهبون. ووثنيون جدد يستعيرون من الذاهبين ذاكراتهم ووصاياهم. رايات إيمان ترفع على معابد وثنية.

سردٌ أُميُّ، يمهد للرواية والقيامة. ولا يتوقف عند أي سؤال. أما «الشُهب»، فلا تهيئ طقوساً أو مراسم لحريقها الخاطف..!

====================

لماذا أعلن أوباما إعجابه بنتنياهو؟

موقع Horizon et debat

ترجمة

الأثنين 28-6-2010م

ترجمة: محمود اللحام

الثورة

إنه اللوبي اليهودي الذي بدأ يمارس الضغوط على الديمقراطيين من خلال دوره المؤثر على الانتخابات النصفية، فالنواب الديمقراطيون بأمس الحاجة لأموال اليهود الضخمة وذلك لتغطية تكاليف حملاتهم الانتخابية، نتنياهو الذي يعرف هذا جيداً قال متباهياً متغطرساً: «أنا لا أستسلم لقد فزت».

صحيفة يديعوت أحرونوت الاسرائيلية قالت في معرض تعليقها على الخبر: إن التغيير الذي أصاب اللهجة الأمريكية تجاه «إسرائيل» انما هو عائد للضغط المالي اليهودي على الديمقراطيين الذين يستعدون لخوض معركة الانتخابات النصفية في تشرين الثاني القادم، وتابعت الصحيفة قولها: إن أوباما وادارته يحتاجون لأصوات اليهود بمثل حاجتهم لأموالهم، لذلك من البديهي القول: إن الأمريكيين سوف يسعون لاسترضاء «إسرائيل» بشتى السبل خوفاً من فقدان الدعم اليهودي في الانتخابات القادمة.‏

وإلا ما تفسير أن يعلن أوباما فجأة دون مقدمات عن اعجابه بشخصية نتنياهو وتقديره لمواقفه في هذا الوقت بالذات؟!‏

نعم إنه اللوبي اليهودي الذي يمسك بمفاتيح الانتخابات الأمريكية النصفية، حيث سيتم تجديد الثقة لمجلس النواب ولثلث أعضاء مجلس الشيوخ ولعدد من محافظي الولايات. ومعلوم أن الصوت اليهودي مؤثر جداً في الانتخابات الأمريكية كون اليهود هم من يقود الكثير من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية السياسية والاقتصادية والعلمية والاعلامية وغيرها، ولذلك فهو يشكل هماً كبيراً لأوباما وادارته ولكل من يريد الوصول أو البقاء في مجلسي النواب والشيوخ.‏

إن التناغم في العزف بحميمية لإسرائيل والذي يقوم به أوباما وأركان ادارته ليس وليداً لصدفة انما هو حلقة في سلسلة طويلة هدفها محاباة «إسرائيل»، بل وصل الأمر بهؤلاء أن يلبسوا الباطل ثوب الحق والحق ثوب الباطل فيهنؤوا «إسرائيل» على حكمتها وحسن تصرفها تجاه الفلسطينيين الذين يتصرفون بشكل عدواني، ويخطئون بحق «إسرائيل» عبر اطلاقهم للصواريخ على المستوطنات حسب زعمهم.‏

هذه هي السياسة الأمريكية التي لا تقوم على أسس ومبادئ تحترم الحق والقانون الدولي بل على الكذب والخداع والتضليل وسلب الحق من أصحابه والتستر على الجرائم طالما أن الطرف فيها هو «إسرائيل» دائماً، وما جرى قبل أيام إنما هو دليل آخر يضاف إلى اجرام «إسرائيل» حينما قتلت أناساً أبرياء ذنبهم الوحيد أن إنسانيتهم أعلى من غيرهم.. عندما هاجمت وضربت اسطول الحرية.‏

لقد أدرك أوباما وبعد انتقاده للحكومة الاسرائيلية عقب اعلانها عن بناء (160) ألف وحدة سكنية في مستوطنة (رامات شلومو) أنه أخطأ وتسرع وأن هذا الوقت ليس مناسباً لانتقاد «إسرائيل». فعاد ولكن هذه المرة ليمدح نتنياهو ويعدد خصاله ويبرر الهجوم الاسرائيلي على قافلة اسطول الحرية ويدافع عن حق «إسرائيل» في حماية مياهها وحدودها بل وأكثر من ذلك لأن يحرض مجلس الأمن ضد ايران الصاعدة بقوتها النووية ليفرض عليها سلسلة عقوبات جديدة، وكل ذلك كرمى لعيون «إسرائيل».‏

ورغم الارتماء الكامل في أحضان إسرائيل فإن المسؤولين في الحزب الديمقراطي لا يخفون خشيتهم من انتقام اليهود من أوباما وادارته الديمقراطية عن طريق تصويتهم لمصلحة خصومهم الجمهوريين لذلك بدأت ادارة أوباما ومنذ الآن تتحاشى المواجهة مع نتنياهو مع اقتراب أيلول حيث سينتهي العمل بقرار الحكومة الاسرائيلية بتجميد الاستيطان، ولذلك لن يضغط الرئيس الأمريكي على «إسرائيل» كما فعل سابقاً بل سيقدم اقتراحاً بذلك فقط.‏

إذاً لقد فاز نتنياهو على أوباما.. وها هو الرئيس الأمريكي يعلن التزام الولايات المتحدة بأمن «إسرائيل» سائراً على نهج أسلافه، وما غزو العراق إلا لتحقيق أمن «إسرائيل»، وما قرارات مجلس الأمن المتعاقبة إلا لأمن «إسرائيل».‏

إنه السيناريو المتكرر عبر تاريخ العلاقة بين الجانبين، فكل رئيس أمريكي لا يقبل بالمفاهيم والمعايير الاسرائيلية ولا يقبل أن يكون اسرائيلياً قبل أن يكون أمريكياً يضع نفسه في قلب الإعصار ولم لا؟ فكل القوى التي تقود المجتمع الأمريكي سياسياً واقتصادياً واعلامياً صهيونية بامتياز.. وعلى هذا فلا مفرّ أمام أوباما من أن ينحني أمام اسرائيل وهكذا فعل في خضم حملته الانتخابية وهكذا يفعل الآن في عملية تسديد لفاتورة الدين اليهودي عليه وعلى الديمقراطيين الذين فازوا بالرئاسة.‏

وهكذا كلما أنفقت أموال يهودية أكثر وترافقت بحملات اعلامية وانتخابية ضخمة في سبيل الوصول إلى سدة الرئاسة ومجلس النواب والشيوخ زاد الثمن سداد الفاتورة وتنوعت طرق التسديد.‏

فأين المفر أمام أوباما وهو الذي يعد له سيناريو مشابه لما حصل لبل كلينتون الرئيس الأمريكي الأسبق؟ حيث تنبش دفاتره القديمة عبر إثارة قصة مساعدته (فيرا بيكر) والوقت الدافئ الذي أمضياه معاً.‏

هذا هو اللوبي اليهودي الصهيوني ذو الأذرع الأخطبوطية، إنه نظام إرهاب متكامل يقوم على مؤسسات سياسية واقتصادية واعلامية متغلغلة في المجتمع الأمريكي.‏

====================

التعاون العربي الصعب

آخر تحديث:الاثنين ,28/06/2010

عبدالله السويجي

الخليج

الحديث عن التعاون العربي بمفهومه التكاملي والاندماجي يقود إلى بديهيات وتناقضات وإشكاليات لا بد من ذكرها، بعيداً عن العاطفة ومنطق التاريخ الذي تزخر به أدبيات المقالات والخطب السياسية، ويجب ألا يفهم من حديثنا جر الآخرين إلى موجة جديدة من الإحباط أو الحزن، وإنما لتوصيف الواقع، والنظر إلى الداخل نظرة مراجعة . وعلى الرغم من هذه التناقضات إلا أن الأقطار العربية مجبرة على التعاون في ما بينها بشأن قضايا كبيرة كالقضية الفلسطينية، وكل قضية داخلية تعرّض أي شعب للتفكك والانقسام .

 

إن كل دستور من دساتير الأقطار العربية يشير إلى انتساب الدولة للوطن العربي، استناداً إلى اللغة والتاريخ والمصير المشترك، ومعظم الدول تذكر دساتيرها مرجعية ما، وبمستويات عديدة، أن قوانينها مستمدة من التعاليم الإسلامية، وكل دولة عربية هي عضو في جامعة الدول العربية، وفي المعاهدات الدفاعية والاقتصادية والثقافية الصادرة عن الجامعة . واستناداً إلى ذلك، فإن كل الدول العربية، من المحيط إلى الخليج معنية بالقضية الفلسطينية، ووحدة أراضي كل دولة، وطرح فكرة “الشأن الداخلي” بالنسبة للقضايا المصيرية أمر مرفوض طبقاً لما ذكرنا، فالقضية الفلسطينية ليست شأناً داخلياً فلسطينياً، وصراعها مع العدو الصهيوني ليس مسألة داخلية تخص الفلسطينيين وحدهم، ويمكن قياس أكثر من مسألة على هذا النحو، مثل الأوضاع في لبنان والعراق والسودان والصومال وقضية الجزر الإماراتية وغيرها، وهي القضايا التي فشلت جامعة الدول العربية حتى الآن في خدمتها ضمن أي مستوى من المستويات .

 

وعلى الرغم من الأمور التي ذكرنا، والتي تبدو منطقية، ويجب أن تقود إلى تعاون تكاملي اندماجي، أو تنسيقي على مستويات عالية، إلا أن صعوبات كبيرة تواجه هذا التعاون، والعيب ليس في القوانين والمصير والتاريخ، إنما في العقلية العربية وطبيعة الأنظمة التي تشترك بسمات كثيرة، وتلعب هذه السمات دوراً في (التباعد) العربي، وتحول دون تحقيق عمل مشترك على مستوى التنسيق، فكيف على مستوى التكامل والاندماج .

 

إن طبيعة الأنظمة العربية متشابهة من حيث إنها أنظمة لم تعرف الديمقراطية الحقيقية بعد، وإذا عرفت تبادل السلطة فإنها تغرق في “حكومات الوحدة الوطنية”، التي تحرص على التمثيل الطائفي والمذهبي والأقليات، ومجرد هذا الحرص يلغي العملية الديمقراطية الحقيقية، واختيار ممثل الشعب على أساس الكفاءة والبرنامج الانتخابي وخدمة الوطن، وغياب الديمقراطية . وانتقال السلطة السلس عن طريق الانتخابات، أو تحديد الولاية الرئاسية، حوّل الأنظمة إلى ملكيات، فهناك رؤساء مرّ على وجودهم نحو نصف قرن في سدة الحكم، ويحاولون نقل السلطة إلى أبنائهم أو أقربائهم، وهذا في حد ذاته يقف جداراً فاصلاً بين التعاون والتكامل والاندماج بين الأقطار العربية لسبب بسيط هو: صراع المصالح، إذ غالباً ما يكون الرئيس مسيطراً على الاقتصاد والأموال والأراضي ويتحكم في حركة التجارة الداخلية، ولا فرق بين أمواله والمال العام، خلاف ما يحدث في الديمقراطيات الغربية الحقيقية، وإن استندت الأخيرة إلى أحزاب .

 

الأمر الثاني يتمثل في طبيعة المجتمع العربي، الذي يقدس القبلية والعشيرة والعائلة، ويرفض الفرد الذوبان في مجتمع يحكمه القانون ومنطق “الشخص المناسب في المكان المناسب”، ولهذا، يتحرك الفرد العربي وهو يحمل قبيلته في أحشائه، ويتصرف كأنه قبيلة، وتتجاوب القبيلة مع أي أزمة يتعرض لها الفرد على أنها مسألة تخص أبناء القبيلة جميعهم . ومن هنا، تصبح هناك ازدواجية في تطبيق القانون، قانون الدولة، وقانون العشيرة، التي ترفض الذوبان في الدولة، وتتمسك بمنطقها وتتحرك وفق حجمها وسيادتها ونفوذها داخل الدولة . وباختصار، فإن الإنسان العربي، مهما تحضّر، يبقى عشائرياً، وهذا يمنع أي ممارسة ديمقراطية، وأي تطبيق للقانون، وبالتالي، يمنع أي ذوبان في الدولة المدنية المبنية على سيادة القانون، ولا أحد أعلى من القانون .

 

إن التحديات التي تواجهها هذه الدول، تكمن في وجود كيان ديمقراطي داخلها، يتمثل في الكيان الصهيوني، وهو نظام، وإن نادى بيهودية الدولة، إلا أنه نظام ديمقراطي وليس عشائرياً، و”الإسرائيلي” ينتمي إلى صهيونيته وليس إلى يهوديته . ويقول هذا الكيان إنه محاط بدول متخلفة غير متحضرة، بدول استبدادية قمعية، ويقوم بحملات كثيرة لإثبات تصوره، وهذا ما يؤثر في الرأي العام العالمي، ولاسيّما الغربي، على الصعيدين الرسمي والشعبي، وبالتالي، يهبّون لتوفير الحماية له، ناهيك عن تحقيقه لمصالحهم الكثيرة، التي من بينها، دور الكيان الصهيوني الرئيس في جعل العالم العربي ممزقاً ومتباعداً وغير متصل، إضافة إلى استنزاف موارده من جراء المواجهة، ومحاولته شق الصف العربي (غير المرصوص في الأصل) وإيجاد مشاكل داخلية، وإقامة علاقات دبلوماسية وتطبيعية مع بعض الدول .

 

بناء على التناقض بين النظامين، النظام العربي والنظام “الإسرائيلي”، نجد أن العرب، وهم في وضعهم الحالي، غير مستعدين للمواجهة، وكل عمل أو جهد قومي سيكتب له الفشل الذريع، وسيبقى العرب يتعرضون للهزائم تلو الهزائم، طالما بقيت أنظمة الحكم كما هي الآن، لا تعترف بالشورى، ولا الديمقراطية، ولا التعاون الإيجابي المصيري، ولن يحقق الفلسطينيون شيئاً، وهم في وضعهم الحالي، وهم لا يختلفون عن المجتمع العربي من حيث القبلية واللاديمقراطية والمحسوبية والفساد .

 

إن أي جهد لا يكون جماعياً ولا يستند إلى مجتمعات مدنية تمارس مسؤولياتها، سيكون جهداً في الفراغ، وحتى نحصل على ثمار أي جهد، لا بد من تغيير الكيانات، فلا يفل الحديد إلا الحديد، ولا تفل الديمقراطية إلا ديمقراطية مثلها .

====================

هل نقول وداعاً للحلم الأوروبي؟

آخر تحديث:الاثنين ,28/06/2010

سعد محيو

الخليج

فيما كانت قمة مجموعة العشرين توحي بأنها لا تزال تعمل كجسم واحد لإنقاذ الاقتصاد العالمي، كانت ثاني أكبر كتلة فيها، أوروبا، مُهددة هي نفسها بالتفكك .

 

وهذا لا يجب أن يفاجئ أحداً . فأوروبا كانت طيلة 30 سنة تمد رجليها خارج بساطها، وتعتمد على القروض والاستدانة لتمويل “مشروعها الحضاري” الكبير: الرأسمالية الإنسانية التي تتضمن الضمانات الاجتماعية، والمدن الجميلة الناعسة، وأطايب الطعام والشراب، وأغنى الثقافات التاريخية، والسلام مع النفس والعالم . إنها القلعة الأوروبية التي يجب أن تكون الجنّة على الأرض .

 

لكن يتكشّف الآن أن كل ذلك كان حلم ليلة صيف . فالعجوزات المالية في معظم الدول الأوروبية، الكبيرة منها والصغيرة، خرجت عن نطاق السيطرة، وديون القطاع العام تمر في مرحلة انفجار . وما لم تنجح إجراءات التقشف التي اتخذتها الدول الرئيسة في الاتحاد الأوروبي (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا)، فإن أسواق المال العالمية ستكشر عن أنيابها مرة أخرى وستهدد العديد من الدول والمصارف الكبرى بالإفلاس .

 

القلعة الأوروبية تثبت الآن أنها كانت قلعة افتراضية أو وهمية، وأنها لاتستطيع أن تعيش بمنأى عن العالم الخارجي المحيط بها، الذي هو ليس شيئاً آخر سوى العولمة في طورها الرأسمالي المالي الجديد المُستند إلى المنافسة المتوحشة .

 

لقد ظن الأوروبيون أنهم يستطيعون ترك الولايات المتحدة لتكون قوة عظمى عسكرية والصين وبقية نمور وتنانين آسيا قوى عظمى وكبرى اقتصادية، فيما يكتفون هم بكونهم قوة عظمى في طبيعة نمط الحياة . بيد أن قانون المنافسة الرأسمالية التي لا ترحم عاد ليفرض وجوده بقسوة عليهم .

 

وهكذا، بدأ الحلم الجميل الذي انتصب فوق مداميكه صرح الاتحاد الأوروبي الشامخ ينقلب شيئاً فشيئاً إلى كابوس بشع: فمن الضمانات الاجتماعية الشاملة إلى خصخصة الحقوق الاجتماعية، ومن العمالة شبه الكاملة إلى البطالة، ومن الاتحاد الأوروبي الذي يحمي ويقوّي ويُغْني، إلى الاتحاد الذي يُهدد ويُضعف ويُفقر .

 

وهذا، كما تعتقد “فاينانشال تايمز”، فاجأ الشعوب الأوروبية التي لم تكن مستعدة ولا تتوقع أن تسير الأمور على هذا النحو .

 

صحيح أن هذه الشعوب لا تزال تعيش تحت وطأة الصدمة الكبرى، ولذا لا تقوم برود فعل عنيفة رداً على إجراءات التقشف ومصادرة الحقوق الاجتماعية المكتسبة، لكن هذا لن يدوم طويلاً، وهنا سيكون الاتحاد الأوروبي أمام خيارين أحلاهما مرّ:

 

إما أن تتحوّل الأزمات الطاحنة الراهنة إلى صراعات بين الدول الأوروبية نفسها، في خضم جهودها لإبعاد كأس الانفجار الشعبي عنها، فيؤدي ذلك إلى بدء الانسحابات من منطقة اليورو أو حتى من الاتحاد الأوروبي نفسه، أو يبقى اليورو والاتحاد، وتنشب في داخله انتفاضات وحتى ثورات، سواء قومية فاشية أو اشتراكية بملامح ماركسية، وفق طبيعة وتاريخ كل بلد .

 

أين الصين وآسيا من كل هذا الذي يجري؟

 

إنها (ماعدا اليابان) في موقع مريح . فسُفُنها لا تزال تسير وفق ما تشتهي سفن العولمة، وسلعها الرخيصة تواصل غزو أسواق كل القرية العالمية . وعلى أي حال، الأزمة الأوروبية لم تكن لتنفجر على هذا النحو، لولا بروز هذا المنافس الآسيوي العملاق في وجهها .

وهذه النقطة الأخيرة هي أحد أهم القوانين الحديدية للتاريخ: لا صعود لقوة عالمية إلا بانحدار القوة المُواجهة أو المُهددة لها .

وهذا القانون قيد العمل، وبنشاط، هذه الأيام في أوروبا .

====================

ما الذي يجمعنا مع ستانلي ماكريستال؟

بثينة شعبان

الرأي العام

6/28/2010

رغم انشغال الصحافة العالمية بأخبار المونديال، فقد احتلت أنباء اختلافات قائد القوات الأميركية في أفغانستان ستانلي ماكريستال مع الإدارة الأميركية ومن ثمّ إقالته، مساحة لا بأس بها في الإعلام وإن تكُ معظم تلك الوسائل قد تجنبت طرح الأسئلة الحقيقية واكتفت بإثارة الفضول حول الخلاف بين بايدن وماكريستال، وحول تعليقات رئيس الأركان الأميركي مايكل مولن عن «خيبته العميقة» والتركيز على ما سمّي بانتقادات ماكريستال للرئيس أوباما مع أن التركيز الأساسي من وجهة نظر أميركية بحتة كان يجب أن يكون على ما أشار إليه رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ جون كيري: «أن أولى الأولويات هي مهمتنا في أفغانستان وقدرتنا على المضي قدُماً بمهارة». وتأتي كلّ هذه الإشكالية إثر مقابلة أجرتها مجلة «رولينغ ستون» الأميركية مع ماكريستال حمل غلافها عنوان «الجنرال الهارب The Runaway General» والعنوان الأدق لتلك المقابلة كان يجب أن يكون «The Realistic General الجنرال الواقعي»، خاصة وأن شروحات ماكريستال لواقع الأمر في أفغانستان فقد تزامن مع الرحيل المبكّر من كابول للموفد البريطاني الخاص إلى أفغانستان وباكستان شيرارد كوبركولس مما يؤكد مسألة التصدع الذي يصيب قوات «التحالف» وعدم نجاح الاستراتيجية التي يريدها أوباما في أفغانستان. كما تزامنت هذه الإشكالية مع منظر الجنرال بيترايوس يفقد وعيه للحظة وهو يدلي بشهادته أمام مجلس الشيوخ والذي أعاد إلى الأذهان سؤاله الشهير حول العراق «كيف سوف تنتهي هذه الحرب؟». ربما هذا هو السؤال الأهم الذي يجب أن يمتلك الجميع الشجاعة لطرحه حول أفغانستان والعراق والشرق الأوسط بدلاً من الغرق في تحليل الانتقادات هنا وهناك، واعتبار ما قيل عن هذا المسؤول أو ذاك كارثة بدلاً من التركيز على الأسباب الموجبة المنبثقة من الواقع لمثل هذه التصريحات. وإذا توقفنا للحظة حول سمعة الجنرال دافيد بترايوس وستانلي ماكريستال في مناطق الصراع بالمقارنة مع سمعتهما اليوم في الولايات المتحدة ربما نضع اصبعنا على موضع الجرح الأساسي في الموضوع. إذ ان سمعة هذين القائدين في مناطق الصراع قد تجاوزت إنجازاتهما العسكرية والنياشين والأوسمة التي قُلّدا بها ليكتسبا صورة الجنرال الذي يأبى لأفراد جيشه أن يُذبحوا يومياً كالقرابين في معركة يعلم علم اليقين أنها لن تقود إلا إلى مزيد من الخسارة له وللآخرين، ومن الصعب جداً أن تحقق الأهداف المبتغاة منها. ولذلك فإنه من واجب القائد الميداني المؤهل والصادق مع نفسه ومع تاريخه أن يشير إلى مكامن الأزمة مهما اعتلت مراتبها في البيت الأبيض أو البنتاغون، ولا يمكن التعامل معه بالطريقة ذاتها التي تمّ التعامل بها مع هيلين توماس، ألا وهو إسكاتها ومنعها من قول الحقيقة وإنهاء خدمتها من البيت الأبيض. إن هذا الأسلوب الذي ينحو منحى كمّ الأفواه بدلاً من التقاط المؤشرات والتركيز على تقديم الحلول قد يخدم فئة صغيرة متنفذة ولكنه لا يخدم الولايات المتحدة ولا يخدم جيشها وشعبها. وإذا كانت تلك القلّة المتنفذة لم تفقد ابناً أو أخاً في هذه الحروب فإن العديد من أبناء الشعب الأميركي والشعب البريطاني قد فقدوا ابناً أو زوجاً أو أخاً أو صديقاً، ناهيك عن الذين فقدوا أعضاء من أجسادهم، أو الذين وصلوا حالة نفسية سوف تكون مصدر ألم لهم ولمحبيهم طوال طياتهم. أما إذا كان هدف هؤلاء فقط إرضاء رؤسائهم من خلال شرح الأمور على الخرائط المعلّقة على الجدران في مكاتبهم المريحة، فإنّ الحكمة تقتضي الإنصات للقائد الميداني وليس للمتملقين أو الذين يتقنون فنّ شرح النقاط على الخرائط الخالية تماماً من البشر والأرواح والدم والقتل والخسائر اليومية التي من الصعب أن يصفها إنسان.

إن ما يميز الجنرال ماكريستال عن هؤلاء الذين يجلسون في مكاتبهم المريحة في البيت الأبيض، أو البنتاغون، أو الكونغرس في واشنطن، هو أنه قائد ميداني وأنه عايش الواقع وفهم مداخلاته وتعقيداته، ولذلك فهو أقدر على حسبان النتائج التي يمكن التوصل إليها، أما هؤلاء فلا خبرة، ولا قدرة لهم على التقاط أو ربما تحليل ما يقوله ولذلك فهم يركزون على انتقاد هذا وذاك، أو على ما قاله عن الرئيس ونائب الرئيس، علماً أن المشكلة تكمن في مكان آخر وليس في الانتقادات أو توصيف الأسلوب، بل فيما قيل عن جوهر المسألة. أوَليس غريباً أن يصبح أهمّ جنرالين في الجيش الأميركي أكثر واقعية، وفي التحليل العميق، أكثر رغبة في إنهاء الحروب في أفغانستان والعراق من السياسيين الذين من المفترض أن يكونوا، بطبيعتهم، ضد الحروب وأميَل وأقدر على وضع حدّ لهذه الحروب؟ وإذا كان هؤلاء القادة العسكريون من المشهود لهم بتاريخهم الشجاع والمشرّف والنزيه، فلماذا يتم إلحاق الأذى بمصداقيتهم الآن وعدم اعتماد رؤاهم كرؤى تهدف إلى إنقاذ الولايات المتحدة من ورطة تسبّب بها المحافظون الجدد وألحقت عظيم الأذى بسمعة الولايات المتحدة وحياة أبنائها ومصداقيتها، ناهيك عن الأزمة الاقتصادية التي كانت إحدى نتائج الإنفاق غير المبرَّر. كل هذا من وجهة نظر أميركية صرفة. أما إذا أردنا أن نتحدث عن الثمن الإنساني الذي دفعه شعب أفغانستان وباكستان والعراق من دماء وألم وتشرّد ولجوء فإن هذه الحروب قد ترقى إلى جرائم تاريخية سوف يحاسب عليها التاريخ وسوف تستمر نتائجها بإلحاق الأذى بالولايات المتحدة لأعوام وربما لعقود قادمة.

نحن في البلدان المتضررة في الشرق الأوسط وآسيا نفهم وجهات نظر الجنرال ماكريستال، كما نفهم رحيل الموفد البريطاني شيرارد كوبركولس، لأننا نعلم تعقيدات هذا الواقع وضرورة وضع معالجة مختلفة له عما يفكر به هؤلاء في واشنطن، والذين يفكرون بسمعتهم ومواقعهم ومراتبهم ورضى رؤسائهم عنهم، ولكنهم لا يفكرون بالتضحية بشيء من أجل قول الحقيقة أو قرع جرس الإنذار. هذه هي حقيقة مشكلتنا مع من يعالجون مسألة الصراع العربي الإسرائيلي والذين يبدون لنا وكأنهم يعيشون على كوكب مختلف تماماً لا يمتّ إلى كوكب الأرض بصلة. فكما قرأت أخيراً أن نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، يجري اتصالات هاتفية أسبوعية مع وزير حرب الكيان إيهود باراك ويحاول من خلال علاقته بباراك أن يتجاوز الآثار السلبية لعلاقة الرئيس الأميركي باراك أوباما برئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو، وكأن المشكلة هنا هي مسألة علاقات عامة، ومن يتحدث مع من ومن لا يطيق الحديث إلى من. أوَليس من المستغرب أن يتدنى أداء من يمتلكون القدرة على التأثير على حياة آلاف، بل وملايين البشر، إلى هذا المستوى، من هو المسؤول اليوم عن حي السلوان في القدس الذي لم تطأه قدم يهودي واحد قبل نهاية التسعينات، ومن سوف يحاسب على هدم بيوت عربية جميلة تشكل إرثاً حضارياً وتاريخياً وتُحَفاً معمارية يجب أن تكون مُلكاً للتراث العالمي الإنساني وتشريد أهلها وسكانها أو إبعادهم، وهل يتطرق نائب الرئيس الأميركي إلى مثل هذه المسائل في حديثه مع باراك، ومن هو المسؤول عن حرمان ملايين الفلسطينيين من رؤية ذويهم ومن الحصول على لُعَب أطفال وعلى حقهم في التعليم والحرية والحياة الكريمة، أوَليس هذا هو هدف وجود الحكومات والحكام، أوَليس «العدل أساس الملك» أم أن الألاعيب السياسية انزلقت وانزلقت معها أقدر الحكومات في العالم إلى مرحلة كمّ الأفواه وتغييب الحقائق وإنزال العقاب بمن تسوّل له نفسه أن يمتلك الجرأة للإشارة إلى مكامن الخطر، سواء أكان هيلين توماس أم نعوم تشومسكي أو الجنرال ستانلي ماكريستال؟ إن من يستحق الإقالة هو هؤلاء الذين يدقون طبول الحرب ويضحّون بأبناء الآخرين سواء أكان هؤلاء الأبناء من الأميركيين، أو الأفغان، أو البريطانيين، أو العراقيين، وليس الجنرال ماكريستال لأن خسائر التحالف لن تتوقف بإقالة الجنرال، بل قد تتوقف بعد الاستماع الجاد إلى وجهة نظره والأخذ بمقترحاته وإقالة هؤلاء في واشنطن الذين يطيلون أمد الصراعات ويضحون بأبناء الناس لأنهم ليسوا أبناءهم، ثم يمضون غير مكترثين بما أوصلوا العالم إليه من جحيم، تماماً كما مضت كونداليزا رايس، وجورج بوش، ودونالد رامسفيلد، غير آبهين بآلام آلاف الأُسر الأميركية والعراقية نتيجة حرب مدمِّرة أشعلوها ولا يعلم أحد اليوم كيف يوقف سعيرها، لأن كلّ من تسوّل له نفسه بقول الحقيقة تتم إقالته ويبقى هؤلاء الذين لا يأبهون بحجم مسؤوليتهم التاريخية ولا يفقدون نومهم لأن ابن أسرة في الجنوب الأميركي، أو في العراق، أو أفغانستان، قد فقد شبابه وحياته، وأفقد أسرته الهناء والفرح من بعده دون جدوى ودون سبب مقنع. إذا كان من يجرؤ على قول الحقيقة يسمى الجنرال الهارب، فإلى أين سيقود من تسببوا بإقالته عالم اليوم في مناطقنا هذه؟ هذا هو السؤال الأهم والأخطر والذي يجب التوقف عنده ملياً.

بثينة شعبان

المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية العربية السورية

====================

«واقعية» ايران وبواخر غزة

الإثنين, 28 يونيو 2010

الياس حرفوش

الحياة

مثل كل المبادرات غير المدروسة التي تنهار عند اصطدامها بالواقع وما يمكن أن يترتب عليه، يبدو الآن ان الحملات التي انطلقت في لبنان ثم في ايران لتنظيم رحلات لبعض السفن باتجاه شواطىء قطاع غزة المحاصر قد اصطدمت ايضاً بحقيقة ما سيكلفها القيام بخطوة من هذا النوع.

بدأت المبادرات ب «اسطول الحرية» الذي رعته الحكومة التركية وانتهى الى المجزرة التي ارتكبتها القوات الاسرائيلية في عرض البحر. ومع ان ذلك أدى الى حملة دولية ضد اسرائيل أعادت توجيه الانظار الى معاناة أبناء القطاع، وأرغمت الحكومة الاسرائيلية على اتخاذ اجراءات محدودة لتخفيف الحصار، فان تلك الحملة لم تصل الى حد توفير الدعم الدولي للمبادرات الهادفة الى ما اصبح موضوعاً تحت شعار «كسر الحصار» عن غزة. خصوصاً أن هذا «الكسر» بحسب تعريفه لا يمكن تنفيذه الا بالقوة، أي أن هذا التنفيذ سيتطلب الاصطدام مرة أخرى بالقوات الاسرائيلية، التي اكدت على قرارها السابق بمنع أي سفينة من دخول المياه الاقليمية لشواطىء غزة.

ولأن اصطداماً من هذا النوع له أكلافه الباهظة على من يقفون وراءه، خصوصاً ان القضية هنا لا تتعلق بتركيا، الدولة التي لا تزال تحظى بمسايرة غربية، ورغبة في مهادنتها من جانب قوى سياسية في اسرائيل من خارج تكتل «الليكود»، بل ان هذه الخطوة تتعلق بايران وبالتالي ب «حزب الله» في لبنان، والجانبان لا يتمتعان بأي حظوة في الاوساط الغربية، فقد كان الموقف الدولي واضحاً في حالة حملة البواخر الاخيرة، المقرر انطلاقها من لبنان وايران، وهو ان هذه المبادرات يمكن ان تنتهي هذه المرة بمواجهة عسكرية واسعة بين المنظّمين والقوى التي تقف وراءهم وبين الجيش الاسرائيلي.

هل كان المنظّمون يدركون هذه الحقيقة وهل كانوا مستعدين للمواجهة؟ يظهر أنهم لم يكونوا كذلك، والدليل هو البيان الذي صدر عن الأمين العام للمؤتمر الدولي لدعم الانتفاضة الفلسطينية حسين شيخ الاسلام والذي قال فيه انه صُرف النظر عن ارسال سفينة المساعدات الايرانية التي كان مقرراً أن تبحر اليوم الى غزة «لعدم اعطاء العدو الصهيوني أي حجة» بعد أن وجهت اسرائيل رسالة الى الامم المتحدة اعتبرت فيها أن وجود البواخر الايرانية واللبنانية في شواطىء غزة سيعتبر اعلان حرب على اسرائيل.

والسؤال: هل كان النظام الايراني بحاجة الى ذريعة لاعلان الحرب على اسرائيل؟ كان متوقعاً على العكس ان يكون هذا النظام الايراني هو الذي يبحث عن أي حجة للاصطدام بالاسرائيليين واقتلاع دولتهم من المنطقة، كما يهدد رئيس هذا النظام من وقت الى آخر. أما ان يصبح الهرب من المواجهة مع اسرائيل هو شعار هذه المرحلة، فانه قد يكون دليلاً على مدى «الواقعية» الذي بلغه العقل السياسي الايراني في تعامله مع الازمات التي يمكن ان تواجهه، وهي «واقعية» تذكّر بموقف المرشد الايراني علي خامنئي خلال الحرب الاسرائيلية الاخيرة على غزة، عندما أفتى بمنع الشبان الايرانيين من التوجه الى القطاع للمشاركة في الدفاع عنه، قائلاً لهم: «عليكم أن تنتبهوا إلى أننا لا نستطيع أن نفعل شيئاً في هذا المجال».

أما في الجانب اللبناني فقد كان اعلان «حزب الله» البقاء بعيداً عن تحرك الباخرتين من الشواطىء اللبنانية اشارة اولى الى هذه «الواقعية» المحمودة التي نتحدث عنها. من جهة لأن الحزب يدرك الاخطار التي يرتبها قرار كهذا على الوضع في الجنوب وعلى هدنة الامر الواقع القائمة بينه وبين الاسرائيليين، ومن جهة ثانية لأن هاتين الباخرتين لا تستطيعان التوجه مباشرة من لبنان الى غزة، بل عليهما الانطلاق من مرافىء أخرى كمرافىء قبرص مثلاً، حيث يُستبعد السماح لباخرة يرعاها «حزب الله» علناً بالتوجه الى غزة.

====================

حروب أميركا تزداد تعقيداً

الإثنين, 28 يونيو 2010

جميل مطر *

الحياة

كانت إقالة الجنرال ستانلي ماكريستال وما أحاط بها وسبقها وأعقبها من تطورات فرصة لا تعوض اطلعنا من خلالها عن قرب على ثلاث مسائل جوهرية. تتعلق الأولى بحال الحرب الأطلسية في أفغانستان والثانية بالعلاقة بين المؤسسة العسكرية الأميركية ومؤسسة الحكم والثالثة بحال إدارة الرئيس باراك أوباما وحاله هو شخصياً.

كشفت الإقالة أن القوات الأميركية المحاربة في أفغانستان، ومعها قوات من حلف الأطلسي، وصلت بعد تسع سنوات من الحرب إلى حالة هي اقرب إلى اليأس منها إلى أي شيء آخر. في أفغانستان الآن 160 ألف جندي قدموا من أميركا ومن دول أخرى أعضاء في الحلف الأطلسي، أي ما يساوي تقريباً حجم القوات السوفياتية التي وجدت في أفغانستان، أو على الأرجح غاصت في وحل قبل أن تخرج منه، وكذلك الاتحاد السوفياتي ذاته، منهكين ومهزومين. قوات الأطلسي بالفعل منهكة وخسائرها تتصاعد والعدو يزداد قوة وعدداً. كان الظن أو كانت الخطة تقضي بأن تشن القوات الأطلسية هجومين يجب أن يكونا حاسمين. أحدهما نفذ بالفعل وبكل الحزم الممكن بهدف طرد قوات «طالبان» من مدينة مرجة وضواحيها وتأمينها لتقوم سلطات مدنية تابعة لحكومة الإقليم بواجباتها تجاه المواطنين، فيشعر هؤلاء أن حياتهم آمنة ورغدة في غياب سيطرة «طالبان» وبفضل قوات التحالف. وبالفعل أدت القوات المتحالفة مهمتها وانسحبت من المدينة لتعود «طالبان» إلى المدينة والإقليم بأسره وكأن معركة لم تدر ونصراً لم يتحقق.

أعتقد أن هذه المعركة بنتائجها السلبية وبالتحضير الإعلامي الهائل الذي سبق تنفيذها خلفت أثراً جوهرياً في معنويات القادة العسكريين، وكذلك في توجهات الدول الأطلسية المشاركة بقوات في أفغانستان، ولعل هذه المعركة كانت السبب الرئيسي في زيادة التوتر بين كارزاي وجماعته من ناحية والمستشارين الأميركيين من ناحية أخرى، بل أنها مسؤولة في شكل أو آخر عن اتساع الفجوة بين القادة العسكريين على الأرض والقيادات المدنية في البيت الأبيض. كان واضحاً على امتداد الشهور الأخيرة أن خلافات غير بسيطة تكاد تشل عملية اتخاذ القرارات العسكرية والسياسية المتعلقة بأفغانستان. نعرف الآن من خلال إقالة ماكريستال أن خلافاً كان ناشباً بين أيكنبيري السفير الأميركي في كابول وريتشارد هولبروك المبعوث الخاص للوزيرة هيلاري كلينتون في أفغانستان وباكستان، وأن خلافاً آخر ناشب بين جيم جونز مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي وريتشارد هولبروك، وخلاف بين هولبروك والجنرال ماكريستال وخلاف بين هذا الأخير وجيم جونز الذي وصفه ماكريستال في المقال الشهير بمجلة «رولينغ ستون» بأنه مهرج. وضعت الأسماء الخمسة في رسم توضيحي لهيكل صنع السياسة الأميركية في أفغانستان وربطت بينها باعتبارها البؤرة الأهم في هذا الهيكل وكانت النتيجة لوحة عبثية من علاقات تشاحن لا تليق بمجموعة مكلفة بواجب على قدر عظيم من الخطورة بالنسبة الى الولايات المتحدة بل وإلى السلام العالمي.

لذلك لم يكن مفاجئاً لي على الأقل، أنه حين اشتعلت الأزمة بسبب مقال «رولينغ ستون» الذي تعرض فيه الجنرال ماكريستال بالإهانة لعدد من المسؤولين المدنيين في واشنطن، لم ينتظر الرئيس كارزاي رد فعل واشنطن وبخاصة قرارها في شأن ماكريستال الذي تجاوز حدود واجباته العسكرية. خرج كارزاي يجدد ثقته بالجنرال ماكريستال واصفاً إياه بأنه أفضل قائد عسكري بعثت به أميركا إلى أفغانستان. أقول لم يكن مفاجئاً، فكلنا نعرف كارزاي وأسلوبه في التعامل مع القادة الأميركيين، ولكن كان غريباً، إذ لم أتصور أن كارزاي ومهما بلغت معرفتنا بأساليبه يصل إلى حد انتهاز فرصة كهذه ليتدخل علناً وجهاراً في السياسة الداخلية الأميركية. كنا وربما كارزاي أيضاً، نتوقع أن يعلن ماكريستال استقالته أو يعلن أوباما إقالته في أعقاب اللقاء الذي استدعى ماكريستال لأجله من أفغانستان، ومع ذلك اختار كارزاي متعمداً إصدار تصريح ينبه فيه واشنطن إلى أنه كطرف وشريك في الحرب كان يجب أن يؤخذ رأيه في الاعتبار.

كان متوقعاً من جانب الغالبية العظمى من المعلقين في أميركا وخارجها أن يتخذ اوباما في اللقاء قراراً حاسماً في أمر ماكريستال، ليس فقط لأن كارزاي سبقه وأبدى رأيه منتزعاً لنفسه حق التدخل في الشأن الداخلي الأميركي، أو لأن الرأي العام الأميركي والخارجي صار معبأ في انتظار موقف حاسم من أوباما، ولكن أيضاً لأن ماكريستال أساء إلى مكانة منصب الرئاسة الأميركية، وهذا موقف خطير لا يغتفر. يذكّرنا معلقون أميركيون بأن الرئيس ترومان والجنرال ماكارثر اختلفا حول أسلوب التعامل مع الجيوش الصينية في كوريا، ولكن حين خرج أمر الخلاف بينهما إلى العلن أصدر ترومان قراره بعزل الجنرال الشهير، وأن العلاقة بين جورج مارشال والرئيس فرانكلين روزفيلت لم تكن على ما يرام. ومع ذلك لم يخطئ مارشال يوماً في حق الرئيس أمام الآخرين. في الوقت نفسه لم يسمح الرئيس روزفلت لمارشال بأن يستخدم مكانته كقائد عسكري لخدمة أغراضه في السياسة الداخلية. أما ماكريستال فأمره مختلف، إذ أنه أساء إلى المبادئ الدستورية حين وصف في مقال «رولينغ ستون» الرئيس وهو القائد الأعلى بأنه غير مستعد. وأساء إلى مكانة المؤسسة العسكرية حين سمح لأشخاص وجهات غير عسكرية داخلية وخارجية باستخدامها سياسياً. كان لا بد أن يعلم أن خصوم أوباما عديدون وبخاصة المحافظون الجدد الذين اختطفوا بالفعل قضية ماكريستال وجعلوها قضية تتعلق بأسلوب أوباما في الحكم وإدارة الحرب.

في واقع الأمر، انفجرت القضية بينما كانت الانتقادات للحرب في أفغانستان وإدارتها تتزايد. أشير هنا بإيجاز إلى ثلاث منها أعتقد أنها بين الأهم، وقد عاد فأكدها توماس فريدمان في مقال متميز بصحيفة «نيويورك تايمز»، حين وضعها في شكل ثلاثة أسئلة قال إنه تجب الإجابة عليها قبل المضي قدماً في تنفيذ خطط أخرى للحرب في أفغانستان. أما الأسئلة فهي: لماذا الاحتفاظ بكارزاي في منصبه وقد تأكد أنه مزور انتخابات ومشجع على الفساد ودائم الانتقاد للسياسة الأميركية؟ وما هي طبيعة وشكل النصر الذي ينتظرهما أوباما ليقول للعالم ها نحن انتصرنا؟ أيكون خروج «القاعدة» من أفغانستان وإعادة تمركزها في باكستان أو انتشارها في العالم بما فيه أميركا نفسها، نصراً كافياً يسمح لأوباما بأن يبرر به سحب جيوشه من أفغانستان؟ أما السؤال الثالث فيتعلق بالمهمة الملقاة الآن على عاتق حلف الأطلسي والجيش الأميركي وهي تجنيد أفراد أفغان على فنون القتال. يتساءل فريدمان، وأتساءل معه عن الحكمة المختفية وراء حكاية تدريب شبان في مواقع أزمات عديدة على القتال. أوافقه على قوله إنه إذا كانت البرازيل تحتاج إلى تجنيد أطفالها للتدريب على لعب كرة القدم، تكون أفغانستان في هذه الحالة في حاجة لتجنيد أطفالها للتدريب على القتال وهي الأمة التي تحارب حروباً تكاد تكون مستمرة منذ مئتي سنة وتحارب بالتأكيد ومن دون توقف منذ تسع سنوات، ولا يوجد مؤشر واحد يشير إلى أنها تنوي التوقف عن ممارسة هذه المهنة.

لم تكن تنقص أوباما قضية ماكريستال. أعطت القضية للشائعات حول عدم تماسك إدارة أوباما زخماً جديداً. من ناحية أخرى كشفت عن مدى استعداد خصوم اوباما لتلقف أي بادرة ضعف لتضخيمها، ولا شك في أن وسائل الإعلام المعادية له انتهزت الفرصة لتحميله المسؤولية عن تخلف مسيرة الحرب في أفغانستان والفوضى البادية في بعض مواقع القيادة العسكرية والاستخباراتية. ومن المنطقي أن يكون بين الشامتين بأوباما معلقون ونواب وشيوخ عديدون متأثرون بغضب إسرائيل وجماعة اللوبي اليهودي «ايباك» عليه. من ناحية ثالثة أضافت سبباً جديداً لزيادة التوتر الناشب بين الولايات المتحدة وبريطانيا وكانتا حتى وقت قريب أوثق حليفتين.

يبقى أن نراقب جيداً الجهود التي يتعين على روبرت غيتس وزير الدفاع القيام بها لإعادة الكلمة والهيبة الى المؤسسة العسكرية الأميركية وإصلاح العطب الذي أصاب هيكل العلاقات بين العسكريين والقيادات المدنية وأحد أسبابه سوء إدارة الحرب في أفغانستان وتجاوزها حدود العمر الافتراضي.

* كاتب مصري

====================

في تشكّل دولة إسرائيل

المستقبل - الاثنين 28 حزيران 2010

العدد 3695 - رأي و فكر - صفحة 19

سمير الزبن

تشكل إسرائيل تجربة خاصة بالنسبة إلى بناء الدولة، فهي التجربة الوحيدة التي ليس فيها دولة استعمارية أو دولة تصدر المستوطنين إلى مستعمراتها. فقد جاء سكانها من عشرات الدول، في الوقت الذي كانت بريطانيا تحتل فلسطين، موقع المشروع الصهيوني. بالطبع هناك خلاف واسع بين الباحثين، حول توصيف "دولة إسرائيل"، هل هي قومية متشكلة؟ أم هي قومية في طور التشكُل؟ أم تفتقد إلى مقومات القومية أصلاً، وهي مجرد موقع استعماري متقدم؟... الخ من الأسئلة التوصيفية لطبيعة الوجود الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية، لكن هذا ليس موضوعنا. الموضوع هو البحث عن العوامل الرئيسة التي أدت إلى قيام إسرائيل في العام 1948، بصرف النظر عن توصيفها، قومية مكتملة أم ناقصة، أم ثكنة عسكرية متقدمة.. الخ

يُعيد البعض تأسيس دولة إسرائيل إلى انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية العام 1897. وهو المؤتمر الذي أعلن تأسيس المنظمة من أجل إقامة "الدولة اليهودية" تماشياً مع المد القومي الذي ساد أوروبا القرن التاسع عشر. ويعيد البعض الآخر هذا التأسيس إلى "وعد بلفور" وهو الوعد الذي أعطاه بلفور وزير خارجية بريطانيا للورد روتشيلد في العام 1917، ووعد به بإقامة "دولة يهودية" في فلسطين.

هل يمكن اعتبار أي من الحدثين، أو كليهما، الحدث المؤسس لدولة إسرائيل؟ لا شك بأنهما حدثان مهمان في سياق المشروع الصهيوني وفرضه على الأرض الفلسطينية، لكنهما لا يرقيان إلى مستوى الحدث المؤسس لدولة إسرائيل. وإذا كانت نبوءة تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية وصاحب كتاب "الدولة اليهودية" بعد المؤتمر الأول بالقول "أنه يرى إقامة الدولة اليهودية بعد خمسين عاماً" وقد تطابقت النبوءة مع قيام دولة إسرائيل في الواقع التاريخي. ولكن الحقائق التاريخية تقول، أنه عندما عُقد المؤتمر الصهيوني الأول، لم تكن هناك معطيات متوفرة يمكن أن تؤدي إلى قيام دولة إسرائيل رغم نبوءة هرتزل. بل على العكس، كانت المعطيات تعمل ضد فكرة "الدولة اليهودية" وضد الصهيونية أصلاً. فلم تكن التجمعات اليهودية في أوروبا في أغلبيتها الساحقة مؤيدة للفكرة الصهيونية، بل كانت معارضة لها بشدة. فقد كانت عوامل دمج اليهود قائمة على قدم وساق في المجتمعات الغربية، وكان هناك تيار يهودي رئيسي يؤيد الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها.

رغم خطورة "وعد بلفور" في تاريخ تأسيس دولة إسرائيل، لا يمكن اعتباره حدثاً مؤسساً للدولة. فقد أعطت بريطانيا هذا الوعد لحاجتها إلى جهود اليهود في الحرب العالمية الأولى. وكان يمكن أن يتحول إلى حدث أرشيفي في التاريخ البريطاني، لولا المعطيات التكوينية التي أدت إلى قيام إسرائيل بعد ذلك التاريخ.

تشكلت المعطيات التكوينية لدولة إسرائيل ما بين الحربين العالميتين وخلال الحرب العالمية الثانية. ففي هذه المرحلة ولدت كل المعطيات التي جعلت من المشروع الصهيوني ممكناً، وهذه المعطيات أوروبية محضة. فمع صعود النازية إلى سدة الحكم في ألمانيا في ثلاثينات القرن الماضي، تبين وبشكل حاسم أن إمكانية دمج اليهود في المجتمعات الغربية، مجرد وهم، وعادت "المسألة اليهودية" تطرح نفسها بقوة. لأن النازية هي تجلي من تجليات الفكر القومي الأوروبي الحديث بأبشع صوره، ولكنها نتاج المخاضات الحديثة. وبالتالي هناك مشكلة أوروبية تحتاج إلى حل، وهي "المشكلة اليهودية" وبات واضحاً لليهود الأوروبيين أنهم مهددون في أوروبا وغير مرغوب فيهم، وبحكم هذه العوامل الأوروبية البحتة، بدأت قطاعات واسعة من اليهود تميل إلى تأييد ال"دولة اليهودية" بوصفها "ملجأً" من الاضطهاد الأوروبي.

لم يكن نجاح المشروع الصهيوني في فلسطين حتمياً، وكان يمكن أن يفشل مثل المشروع الاستيطاني في الجزائر أو في جنوب إفريقيا. وأن نجاحه في تكريس نفسه في المنطقة جاء بفعل عوامل استجدت بعد المؤتمر الصهيوني وبعد وعد بلفور. ولكن هناك قراءات تعيد النظر في الأحداث التاريخية بناء على أحداث وقعت لاحقاً. وفي تأسيس دولة إسرائيل هناك الكثير من هذه القراءات، وهي ممكنة في هذه الحالة بحكم التعقيدات الشديدة التي شابت تاريخ القضية الفلسطينية وتأسيس دولة إسرائيل. وأعتقد أنه من دون النازية - التي يمكن اعتبارها القابلة التي ولّدت دولة إسرائيل - ومن دون المعطيات التي وفرتها الحرب العالمية الثانية، ما كان لإسرائيل أن ترى النور في المنطقة.

====================

مهارة اللاعب السوري

عبد الرحمن الراشد

الشرق الاوسط

6/28/2010

أحد المسؤولين في الخارجية الأميركية برر التراجع وإعادة الاتصالات مع دمشق، من أجل إحياء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بعد عثرتها الأخيرة، قائلا: من الصعب تجاهل السوري في أي عملية سياسية هنا. الأميركيون أرسلوا عددا من مبعوثيهم إلى دمشق، وأعضاء للكونغرس وبعض رجال الأعمال الذين أوحوا بارتباطاتهم بواشنطن، إلا أن العلاقة لا تزال باردة.

ومع أن السوريين أجبروا الأميركيين على التعامل معهم، فإن شيئا مهمّا لم يحدث بعد. لا يزال الحظر الأميركي على كثير من البضائع المهمة مثل التقنية، وقطع الغيار للطائرات. ودمشق بدورها لم تقدم شيئا لواشنطن، فلا تزال ترفض تحجيم علاقتها مع إيران، ولا تريد التخلص من المعارضة العراقية المسلحة، وتصر على إبقاء مكاتب حماس والجهاد الإسلامي، وعلى علاقة وثيقة بحزب الله. كل ما تغير منذ أن رحل جورج بوش وحل محله أوباما هو اللغة بين الحكومتين، لكن على الأرض استمر كل شيء كالسابق.

أعتقد أن السوريين أكثر العرب براغماتية. وهذا ما قاله الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلته التلفزيونية الأخيرة ردا على سؤال كيف لنظام علماني أن يتحالف مع نظام ديني مثل إيران، قال إنها مسألة توافق المصالح.

ولا يزال الجدل مستمرا حول حساب قيمة الدور السوري، هل هو مهم جدا؟ وهل سورية بالفعل مؤثرة؟ وما هي مصادر قوتها؟ إلى آخر التحليل الذي ينتهي عادة علميا بأنه دور موجود رغم كل محاولات تهميشه أو تجاهله.

عربيا، سورية اليوم هي البلد الوحيد الذي يلعب في الساحة بشكل مستمر، وفي كل الاتجاهات، ويمسك بالكثير من المفاتيح، رغم أن مصادر قوتها محدودة، فلا جيش قويا، ولا إمكانيات مادية كبيرة، وفوق هذا محاصرة أميركا. وسر قوة سورية هو في مهارتها السياسية، فهي تخترع أوضاعا جديدة، وتفرض أجندات لم تكن ممكنة في السابق، وتجعل المنطقة مشغولة في الاتجاه التي ترسمه، وليس العكس. بل، من ملاحظاتي التي أسجلها أحيانا في ربط الأحداث، وجدت أن السوريين مبدعون في اختراع قوى إقليمية وخارجية، وماهرون في استخدامها بشكل فعال. عمليا هم من اخترع الأتراك كوسيط في التفاوض مع الإسرائيليين أولا، بعد غياب دام نحو ثمانين عاما. وبسبب سورية صار رجب طيب أردوغان اليوم رقما مهمّا في اللعبة السياسية الفلسطينية والإيرانية!

قبل الأتراك منحوا دورا للإيرانيين، الذين من دون دمشق ما كان سيستقبلهم أحد في المنطقة. أيضا، اخترع السوريون الوسيط القطري، أثناء الخلاف مع الرياض، فمكنوه من حل الخلاف اللبناني الداخلي، ووسعوا نشاطه في الشأن الفلسطيني المرتبط بحماس. كما لا ننسى أن السوريين، الذين كانوا على خلاف مع الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، هم من أعطى نيكولا ساركوزي دورا في المنطقة، وجعلوه وسيطا غربيا وحيدا، الذي بدوره سعى لفتح خط لدمشق مع واشنطن. من دون السوريين لم يكن لساركوزي أي دور هنا.

ومع أن المهارة السورية في اللعبة السياسية متفوقة، فإنها تعاني من علّتين، كونها مؤقتة ودون مكاسب رئيسية. أعني أن دمشق مضطرة إلى اللعب المستمر للمحافظة على وضعها، وهذا أمر مرهق جدا. كما أن لعبة خلط الأوراق، ومحاصرة الخصم، ومنعه من التقدم على الأرض لا يمنح دمشق ما تحتاج إليه لمستقبلها، سواء في النزاع الأهم مع إسرائيل أو إنهاء الضغوط الدولية عليها بشكل نهائي. مع هذا يمكن أن تقول دمشق إنها تلعب من أجل البقاء في وجه محاولات إلغائها.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ