ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 01/07/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


السياسة الخارجية لأميركا: نزع سلاح العالم الإسلامي وتسليح إسرائيل

يامين زكاريا - «ميديا مونيتورز»

الدستور

30-6-2010

بنزع سلاح الدول الإسلامية الواحدة تلو الأخرى ، تخدم سياسة المحافظين الجدد الأميركيين الهدف الإسرائيلي المتمثل في "حماية" حدودها الممتدة ، والمكرس في الوقت الحاضر لبناء المستوطنات (سرقة أراضْ) في الأراضي المحتلة. عندما يتم نسيان هذا الجزء ، سوف تحاول إسرائيل احتلال جزء آخر من الأرض مستخدمة الأمن كذريعة ، ومما لا شك فيه سوف يقال للعالم بأن إسرائيل أجبرت على التحرك دفاعا عن النفس ، وبهذا ، سوف تظل تزحف وصولا إلى تحقيق حلمها الأساسي بإنشاء إسرائيل عظمى تمتد من النيل إلى الفرات. وتعكس المحاولات الأخيرة لترهيب إيران خالية من الأسلحة النووية بإسرائيل النووية ، الطموح الإسرائيلي على المدى الطويل.

 

إليكم الحقائق:

لم تهاجم إيران أيا من جيرانها في السنوات الستين الأخيرة ، بخلاف إسرائيل المولعة بالحرب.

إيران إحدى الدول الموقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ، وليس لديها سلاح نووي.

بمساعدة مباشرة من الولايات المتحدة ، أصبحت إسرائيل مسلحة بأسلحة نووية ، وقوة جيشها التقليدي تستمر في التزايد قياسا بالدول المحيطة.

تواصل إسرائيل بناء مزيد من المستعمرات في الأراضي المحتلة ، في انتهاك صريح لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بذلك.

في انتهاك مباشر للقانون الدولي ، تنكر إسرائيل حق الفلسطينون في العودة إلى منازلهم ، وفي الوقت نفسه تسمح لأي يهودي بالاستيطان في فلسطين المحتلة.

بالإضافة إلى إرهاب الدولة ، فإن الحصار اللاإنساني واللاشرعي لغزة قد حولها إلى معسكر اعتقال مفتوح وأكد سياسة إسرائيل الوحشية في التطهير العرقي.

رفضت إسرائيل بأن تكون إحدى الدول الموقعة على معاهدة حظر الإنتشار النووي ، وترفض إجراء التفتيش الدولي على أسلحتها النووية.

مؤخرا ، صادقت الأمم المتحدة على قرار يهدف إلى إيجاد شرق أوسط خال من الأسلحة النووية ، وهو القرار التي تجاهلته إسرائيل في حينه.

يتفق جميع الموقعين على اتفاقية حظر الانتشار النووي ، عددهم 189 دولة ، على تأسيس شرق أوسط خال من الأسلحة النووية. لهذا الغرض ، فقد دعيت جميع دول الشرق الأوسط لحضور مؤتمر سيعقد في عام ,2012 وقد أكدت إسرائيل أنها لن تشارك في هذه العملية السلمية الجماعية.

أكدت الاتفاقية أيضا على "أهمية قبول إسرائيل لهذه الاتفاقية ووضع جميع منشآتها النووية تحت حماية وكالة الطاقة الذرية الدولية الكاملة". لكن إسرائيل لن توقع هذه الاتفاقية.

تعارض كل من الولايات المتحدة وإسرائيل هذا التحرك الموحد من المجتمع الدولي ، بسبب العذر القديم ذاته حول أمن إسرائيل ، وتتحدث بصخب عن "التهديد" من إيران الخالية من الأسلحة النووية. على مدى سنوات ، أثبتت المغامرات العسكرية العديدة التي قامت بها إسرائيل أن قواتها التقليدية تقدم أمنا كافيا ، هذا دون الإشارة إلى أن القوة الأميركية هي دائما جاهزة للمساعدة في حال احتاجت إسرائيل لها.

تبعا لذلك ، ما الذي تفعله إسرائيل؟ ترسل إثنتين من غواصاتها المجهزة بأسلحة نووية إلى الساحل الإيراني. حيازة إسرائيل للأسلحة النووية مع سجلها الضخم في قتل المدنيين العرب ليس مشكلة بالنسبة للولايات المتحدة. ولماذا يكون كذلك؟ فقد تفوقت الولايات المتحدة في هذا المجال. أما بالنسبة لإسرائيل ، فهي تواصل ارتكاب إرهاب الدولة ، والاغتيالات ، والآن تقوم بأعمال القرصنة في المياه الدولية ، من بان كي مون إلى أوباما وجميع القادة الغرب كلهم ينظرون إلى ذلك بندم تلو الندم ، فيما تواصل إسرائيل التي تتمتع بالامتياز تجاهل ذلك وتبرره بالحجة المعتادة وهي: نحن ضحايا ونتصرف دفاعا عن النفس.

بعد نزع سلاح العراق ، الخطوة الأولى نحو نزع سلاح إيران هي التأكد من أنها ستظل خالية من الأسلحة النووية ، في الوقت الذي تقدم فيه المساعدة لإسرائيل لزيادة قوتها. والقوة في الميدان الدولي نسبية دائما. وهذا سيعني التخلي عن تركيا الدولة المسلمة الوحيدة في المنطقة. ربما اكتشفت تركيا ذلك ، وأنه رغم كونها حليفا في حلف الشمالي الأطلسي فسوف تكون أيضا خاضعة للسياسة الأميركية الإسرائيلية أيضا ، وأن الضجة التي أثيرت حول الأرمن تنذر بالسوء. هذا قد يفسر جزئيا لماذا بدأت تركيا الوطنية مؤخرا باتخاذ موقف مختلف جذريا في علاقتها بإسرائيل والدول العربية.

======================

تركية ستكون مستهدفة بعد الآن

محمد شريف الجيوسي

الدستور

30-6-2010

بالتزامن مع صعود نجم تركية على غير صعيد وبخاصة بعد توقيع الاتفاق التركي البرازيلي الإيراني حول الملف النووي وبعد الاعتداء الصهيوني على أسطول الحرية والموقف التركي الرائع من العدوان ومن مجمل القضية الفلسطينية ، صعّد حزب العمال التركي الكردستاني من عملياته العسكرية ، وفي آن تحاول إسرائيل استغلال الخلاف القبرصي (وهو خلاف على أي حال لم يكن حزب العدالة التركي الحاكم خلفه وإنما حكومات تركية سابقة مدنية وعسكرية كانت على علاقات حسنة مع إسرائيل ، ولم يسبق للأخيرة أن نوهت أو احتجت على الموقف التركي الرسمي منه) فيما تريد إسرائيل الآن تحميل هذا الإرث التاريخي للحكومة الراهنة في الوقت الذي تبدو فيه بوضوح أنها راغبة في إيجاد حل له.

 

وكما هي عادة الغرب والصهاينة عندما تتناقض مصالحهم مع نظام سياسي ، فإنهم يعودون إلى (الدفاتر القديمة) من نبش للتناقضات الداخلية في بلد النظام المختلف معه ، وتحريك الفتن وإثارة التناقضات ، وإضعاف الاقتصاد وفرض الحصارات وخلق النزاعات مع المجاورين أو توريطه بها ، وفتح السجلات التي تتصل بمخالفات مالية أو مسلكية أو نصب الكمائن للوقوع بها أو افتعالها وفتح دفاتر جديدة.

 

ولذا فمن المحتمل محاولة فتح (أبواب جهنم) على تركيا على غير صعيد ، في الداخل والخارج وتوريط أطراف داخلية وربما إقليمية ضدها وعرقلة نموها الاقتصادي الملحوظ ، وتعكير استقرارها السياسي والاجتماعي ، لكن من المرجح أن تبوء هذه المحاولات بالفشل بسبب الالتفاف الشعبي التركي الواسع حول النظام ، ولأن عامل التغيير التركي لم تعد تحتمل وقوع انقلابات عسكرية جديدة بعد عقود من تتابعها وحل الأحزاب وحكوماتها القادمة عبر صناديق الانتخاب.

 

وتساعد عوامل إقليمية وقارية على تراجع دور الجيش والعلمانية المتسلحة بالانقلابيين العسكريين ، حيث لم تكن هذه العلمانية الغربية العسكرتارية محل قبول أوروبا بحال ، بذريعة انقلاباتها ، رغم أن الجيش يعتبر حامي العلمانية التركية ، وعندما جاء نظام حكم ديمقراطي مستقر ، أصبحت الذريعة اقتراب الحزب الحاكم من الإسلام رغم أن هذا الحزب حمل تفويضا شعبياً مطلقا وفق التقاليد الغربية للديمقراطية ، لكن تركية في الحقيقة مرفوضة أوروبيا بغض النظر عن التفاصيل.

 

أقول أن الرفض الأوروبي العياني لتركية لم يعد محل شكوك ، إلى جانب أن الاستهداف الأمريكي والصهيوني والأوروبي للعالم الإسلامي والجوار العربي: ومنه العراق ، حرك مشاعر القومية التركية ، فاليوم ورطت تركية في أفغانستان وبعدها أحتل العراق ، وغدا من يدري قد تكون تركية الهدف التالي.

 

يحدث ذلك في وقت تبدو فيه مصالح تركية ممتدة باتجاه الشرق والجنوب ، بخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وصعود الجمهوريات الآسيوية الإسلامية الطورانية ، ما يعني ذلك من مشاعر قومية عالية ومصالح اقتصادية ، باعتبار أن تركية الوطن القومي الطوراني الأم أو المركزي.

 

بهذه المعاني فإنه لم يعد هناك مكان منسجم للعلمانية التركية العسكرتارية المولعة بغرب ليس مولعاً بها وينظر إليها شزراً ، فيما الحكومة الراهنة مفتوحة إمامها الأبواب في الداخل والخارج إقليمياً ودوليا.

 

ويزيد من هذا الاعتبار أن واشنطن ليست راغبة في ذهاب المنطقة باتجاه واحد ، وبذلك فهي ذات مصلحة في صعود تركيا ليست محبة بها ولكن كراهية لآخرين ، بأمل اختلاف أطراف إقليمية بينها تركية ما يخدم مصالح واشنطن وتل أبيب وعواصم أوروبية تابعة.

 

مما سبق يرجح فشل تل أبيب في خلق مشكلات لأنقرة بخاصة أن علاقات الأخيرة بدول الجوار متميزة ، وأنها تلعب سياسة بذكاء على قواعد الغرب السياسية ، ما لا يسمح باصطيادها ، ومستفيدة من أخطاء الآخرين ومن إرث تاريخي عظيم وممتد ، ومن فشل الغرب بكليته في تحقيق اختراقات في المنطقة ، وخذلانه للمحسوبين عليه. كل ذلك مما يغذي رصيده الداخلي ويضعف خصومه من حلفاء الغرب التقليديين المدنيين والعسكريين.

======================

ومضات من تاريخ بلدي سورية

محمد فاروق الإمام

6/30/2010

القدس العربي

في هذا الزمن الرديء وقد قصرت قامات الرجال وخبا بريق الرجولة فيها نقلب صفحات التاريخ وسير الأعلام لنتلمس بعض ما نعتز به وقد أدمت مواقف رجال اليوم قلوبنا وكسرت شوكة عزنا وعفرت بالتراب جباهنا.. فنجد ما يعيد لنا التفاؤل في أن تلد أرحام نسائنا رجال كهؤلاء الرجال الذين كانت قاماتهم لا تنحني إلا للواحد القهار ولا تسجد جباههم إلا للعزيز الجبار.

فمن تاريخ بلدي سورية وسير أعلامه ننقل هذه الصورة المضيئة، فمن جملة ما تروي من قصص عديدة مؤثرة عن مواقف وطنية مشهودة في زمن الانتداب الفرنسي لسورية، ومنها موقف وزير الخارجية السوري جميل مردم بك تجاه المندوب السامي، ولمّا تكن جيوش فرنسا قد خرجت من سورية بعد.

وجميل مردم بك المولود في دمشق عام 1893م أسهم في عام 1911م بتأسيس الجمعية العربية (الفتاة) في باريس، وعاد إلى أرض الوطن عام 1919م، وأصبح مستشاراً للأمير فيصل،‏‏ وانضم إلى حزب الشعب الذي أسسه الزعيم الوطني عبد الرحمن الشهبندر في عام 1925م، وقد أعلن هذا الحزب الثورة ضد الاحتلال الفرنسي، وأصدرت سلطات الانتداب الفرنسي الحكم عليه بالإعدام غيابياً، وكان وزيراً في عدة وزارات، منها وزارة الخارجية والدفاع الوطني في عام 1945م، وهي أول وزارة شكلت بعد إعلان الاستقلال.‏‏

ويروي شمس الدين العجلاني أنه في صباح يوم السادس والعشرين من شهر أيار عام 1945م شهدت شوارع دمشق موكباً عسكرياً حافلاً، يخترق شوارع دمشق محيطاً بسيارة فاخرة تحمل العلم الفرنسي، ويصل الموكب إلى وزارة الخارجية السورية، ونزل من السيارة الجنرال (بينيه) المفوض السامي للحكومة الفرنسية منذ آذار عام 1944م.‏‏

وقصد الجنرال مكتب وزير الخارجية آنذاك جميل مردم بك دون موعد أو استئذان، ولم يفاجأ الوزير بدخول الجنرال الفرنسي لأن الضوضاء التي أحدثها هو وموكبه الحافل، لفتت انتباه الوزير فاتجه إلى النافذة ليرى ثكنة عسكرية بحالها قد انتقلت إلى أمام وزارته.‏‏

وألقى الجنرال تحية الصباح على الوزير مردم بك، الذي رد عليه بكل برودة أعصاب وفتور وهو يشغل نفسه ببعض الأوراق التي كانت على مكتبه، فتقدم الجنرال للوزير بمذكرة تتضمن مطالب فرنسية من الحكومة السورية، فتناولها مردم بك وأخذ يقرؤها بكل هدوء.

‏‏وبعد مرور قرابة ربع الساعة قال الوزير: إن سورية لا تستطيع قبول ما جاء في المذكرة، فرد عليه الجنرال وهل تستطيع سورية عدم القبول وابتسم بسخرية قائلاً: هل تعتقد سورية أنها دولة مستقلة لكي ترفض طلبات فرنسا؟‏‏ فابتسم مردم بك هو الآخر بسخرية قائلاً: وهل تعتقد فرنسا نفسها أنها دولة عظمى لكي توجه هذه المذكرة إلى سورية؟‏‏

وأشار الوزير إلى باب مكتبه قائلاً: اخرج من مكتبي، وعقدت الدهشة لسان الجنرال، ولم ينطق بكلمة واحدة، إنما لملم نفسه وخرج من وزارة الخارجية السورية مهزوماً منكسراً.

‏‏وأدرك الوزير مردم بك أن هذه الحادثة سيكون لها ذيولها، ولا بد من وضع رئيس الجمهورية بصورة هذه الواقعة، فتناول سماعة الهاتف يطلب الرئيس شكري القوتلي، وقصَّ الوزير على الرئيس ما حدث.‏‏

فقال القوتلي للوزير غاضباً: أنت غلطان.. فعقدت الدهشة لسان الوزير وأحسّ بفداحة الأمر وأن هنالك مصيبة قد وقعت.‏‏ فقال للرئيس القوتلي: ولكن المندوب الفرنسي أهان بلدي.‏‏ فأعاد القوتلي قوله: أنت غلطان..‏‏ وأردف الرئيس الغاضب قائلاً: غلطان لأنك لم تقطع رقبته، أو على الأقل أن تأمر بإلقائه من أعلى درج الوزارة..‏‏

كاتب سوري

======================

تزامن ساعات..(الساعة السياسية والساعة التكنولوجية وما بينهما)

يوئيل ججنسكي *

مقال يصدر عن مركز بحوث الامن القومي الاسرائيلي

الرأي الاردنية

30-6-2010

زعم رئيس الموساد مئير دغان في حضوره الأخير عند لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أن الايرانيين ما زالوا يسعون الى احراز قدرات ذرية كغاية استراتيجية لكنهم «يلقون صعابا أكبر مما توقعوا، ولا ينجحون في التقدم التكنولوجي كما شاؤوا».

 ليس واضحا من كلامه هل القصد الى صعاب تقنية في الداخل أم أن الحديث عن صعاب «من الخارج»، أي تدخل خارجي يرمي الى التأثير في البرنامج الزمني لاحراز السلح الذري.

 وكذلك زعم مستشار اوباما لرقابة السلاح، جيري سيمور في المدة الاخيرة أنه يوجد «تأخير كبير في مسار تخصيب اليورانيوم وهو ما يؤثر في قدرة ايران على انتاج سلاح ذري».

في كل ما يتصل ببرنامج ايران الذري يوجد عدد من «الساعات» التي ينبغي النظر فيها، وعلى رأسها «الساعة السياسية» و «الساعة التكنولوجية».

 من الواضح ان الساعة الاولى متخلفة وراء الساعة الثانية التي كادت تكمل دورتها. لكن الصراع السري – الذي يرمي الى التشويش والى تأخير التقدم التكنولوجي والذي يجري منذ زمن على نحو مواز ل «التثبيط السياسي» – أكثر تأثيرا مما كان في الماضي، وربما أكثر من كل وسيلة أخرى، في الجدول الزمني لاحراز قدرة ذرية في ايران. إن هذه المقالة تقف على معاني طريقة العمل هذه بالنسبة لمواجهة ايران.

 وذلك صدورا عن فهم أن لقدرة التأثير في الجداول الزمنية لاحراز قدرة ذرية في ايران معنى حاسما في كل ما يتعلق بتطوير الردود – السياسية والعسكرية – التي ترمي الى منعها ذلك.

 بين فرض عقوبات، لم تثبت جدواها حتى الان، اذا لم نشأ المبالغة، وبين عملية عسكرية تقدر أثمانها بأنها مرتفعة (أكثر مما يقتضي الأمر أحيانا)، يوجد «صندوق أدوات» آخر، حتى وإن يكن محدودا وعينيا بطبيعته، يمكن استعماله.

 وقد ظهرت في السنين الاخيرة حقا تقارير كثيرة في وسائل الاعلام عن انتقال مسؤولين ايرانيين كبار، وفيهم علماء، وكذلك تخريب منهجي للبنية التحتية الذرية على أرض ايران (الاضرار بشبكة الكهرباء والحواسيب قصدا الى الاضرار بمسار تخصيب اليورانيوم) و «علاج» معدات أخرى يستعملها البرنامج.

يوجد زيادة على الاسهام في تأخير البرنامج (وهو مؤقت ومحدود في ضوء قدرة الايرانيين المثبتة على التغلب على تشويشات سابقة)، وإحداث أعطال مقصودة على يدي «يد خفية» تأثير نفساني لا يستهان به: فهو يوحي لايران بأن برنامجها مخترق للغرب. وقد يغرس الشك ويجعل ايران تصدق أن كل عطل في المعدات ينبع من تدخل خارجي.

 وكذلك تسريبات الانباء في هذا الموضوع تسهم اسهاما لا يستهان به في شعور ايران بالمطاردة مثل عمليات التشويش بالفعل. هذه العمليات قد تنشىء ايضا اختلافا بين المسؤولين عن التطوير وبين النظام الايراني.

ومن الدليل على ذلك، أنه زعم أنه يقف من وراء اقالة رئيس منظمة الطاقة الذرية في ايران قبل سنة، اتهامه بالاعطال المتكررة في نتانز.

إن طريقة العمل السرية قد تضر بالتصميم الايراني، وتجبي من ايران ثمنا باهظا وتلمح اليها أنه يحسن أن تزيد في مرونة مواقفها.

 إن عملية سرية حازمة، تتمتع كما يبدو بالعوالم جميعا: فهي تزيد الضغط على ايران زيادة كبيرة قياسا بالعقوبات مع أنها لا تفضي الى تلك «الاثمان» التي قد تفضي اليها عملية عسكرية لمهاجمة المنشآت الذرية.

 قد تكون الجهود السرية لمواجهة خطة ايران الذرية من وجهة نظر الامريكيين الذين يقودون المعركة بحسب التقارير الصحفية، «تشتري» زمنا ثمينا، وتمكن العقوبات من أن تفعل فعلها، وتمكن أكثر جنودها من الخروج من العراق، وقد تكون أداة أخرى لاقناع متخذي القرارات في اسرائيل بعدم المسارعة الى استعمال خيارات أخرى.

إن مسا سريا بعناصر مختلفة للبرنامج الذري الايراني قد يكون جذابا عند اولئك الذين يريدون الامتناع من عمل عسكري.

 قد يكون هذا المس من وجهة نظرهم قادرا على زيادة الضغط على ايران للموافقة على مقترحات مصالحة وللتمكين، كما قلنا آنفا من اعداد حلول سياسية واقتصادية تمكن من مواجهة أفضل لها.

 مع ذلك، لا ينبغي أن نلغي امكان أن تدخلا خارجيا كهذا، اذا كان على قدر واسع، سيزيد التصميم الايراني على التقدم في البرنامج الذري.

 وعلى العموم ليس واضحا هل لوكالات الاستخبارات في الغرب قدرات كافية بما يكفي لقيادة معركة على هذا القدر، فعملية، «هادئة» اذا تشوشت قد تحدث ضررا سياسيا لا يستهان به واضرارا بالجهد كله.

هل عملية كهذه تعوق حقا تقدم ايران؟ من المحتمل أن نعم وإن لم يكن واضحا كم من الوقت. قد تكون تلك الاخفاقات التي تؤخر البرنامج الذري الايراني الان قد أخذت في الحساب في فرض عمل أجهزة الاستخبارات الغربية أو أنها مهملة فيما يتعلق بحجم المشروع الايراني: فايران تبني بنية ذرية تحتية على نحو أفقي، تحت مبادىء الزيادة، والتوزيع والتحصين بمختلف المواقع – المكشوفة والسرية والمدنية والعسكرية.

 في السنة الاخيرة بدأت تتحرك، في اتجاهات متعاكسة ايضا عقارب «ساعة تغيير نظام الحكم» (وهذه حركة بطيئة مترددة) و «ساعة حصانة البرنامج الذري» (وهذه حركة سريعة مصممة).

 في الحقيقة ان نظام الحكم عالج الاحتجاج الذي نشأ بعد الانتخابات الرئاسية في حزيران الماضي بنجوع ووقف زخمه. لكن استمرار القمع الوحشي قد يجعل ايرانيين كثيرين يعارضون نظام الحكم الحالي ويركعون تحت العبء الاقتصادي، وبينهم من يتصلون بالبرنامج الذري، «يتحولون عن جانبهم» ويساعدون الغرب على وقف البرنامج. في مقابلة ذلك «حصانة» البرنامج أمام الاضرار به بعملية عسكرية تزداد كلما مر الوقت. وذلك في الأساس بفضل تحسين الحماية الفعالة والسلبية للمواقع المختلفة – وفي هذا الوضع يصبح التغلغل الاستخباري ذا أهمية كبيرة كأداة لتأثير البرنامج.

قد تكون «الساعة التكنولوجية» قريبة جدا من النهاية، بحيث لا يكاد يوجد احتمال لمنع ايران من احراز غايتها. مع ذلك ثمة قيمة لانشاء شروط قاهرة للتقدم الايراني حتى لو تجاوز المنتهى أيضا. فالى القدرة على تأخير أي تقدم والتشويش عليه، تنجح طريقة العمل هذه في «جباية ثمن» لا يستهان به من النظام الايراني – من غير أن تمس بالشعب الايراني – وقد «تقنع» ايران كما يرى اولئك الذين ما زالوا يؤمنون بفكرة التحادث، بالعودة الى مائدة التفاوض بل أن تزيد مواقفها مرونة.

يبدو ان الغرب ما زال لم يقرر أي الاثمان هو مستعد لاحتمالها لمنع ايران من تجاوز المنتهى الذري. إن عمليات سرية فعالة قد تطيل بعد ايران عن المنتهى وتمنح متخذي القرارات زمنا آخر لتقدير طرائق عمل أخرى. مع ذلك يجب الاحتراز من تفضيل طريقة العمل هذه وحدها لانه ليس الحديث عن حل سحري – فقد ثبت انه لا يوجد حل كهذا. إن مزية طريقة العمل هذه هي في ادماجها على أنها جزء من جملة وسائل سياسية واقتصادية. يمكن تقدير أنها قد أصبحت تجبي من النظام الايراني ثمنا لكنه قد يتمسك بسياسته اذا قدر أن الطريق الى استكمال البرنامج الذري غير طويل وأن الثمن الذي قد يدفعه ليس باهظا بقدر كاف.

على العموم، من الصعب، بل قد يكون من غير الممكن منع ايران – على الزمن – احراز الغاية، وهذا محقق اذا استعملت الوسائل السياسية والاقتصادية استعمالا محدودا.

 ومن الجهة الاخرى يمكن التأثير في نظام تقديرات ايران، متى وهل «تتقدم» نحو القدرة الذرية العسكرية. إن التخريب الصناعي طريقة أخرى لتأخير «الساعة التكنولوجية» بغير «بصمات» وبغير مواجهة آثار عملية عسكرية «ذات ضجيج»، وذلك بشرط أن يكون ناجحا.

======================

أبعد من حصار غزة.. والاكتشاف النفطي الكبير: البحر الأبيض المتوسط «بحيرة إسرائيلية»..!

طلال سلمان

السفير

30-6-2010

منذ اللحظة الأولى لفرض الحصار على قطاع غزة، كان واضحاً أن إسرائيل تحاول إعلان البحر الأبيض المتوسط «بحيرة إسرائيلية» هي وحدها صاحبة القرار في من يعبرها قادماً أو مغادراً، كما في ما يختزنه من ثروات من بينها النفط والغاز.

ولأسباب شتى، فيها السياسي وفيها النفسي، تجاهل أهل النظام العربي دلالات هذا القرار الاستثنائي في خطورته على «الأمن القومي» جميعاً، ومفاعيله التي تتجاوز الضغط على «الحكومة المقالة» في غزه، الى تكريس أمر واقع جديد يتمثل بتكريس «السيادة الإسرائيلية» على البحر... علماً بأن السيادة في الجو، مطلقة لطيرانها الحربي وصواريخها، أما البر فمضبوطة حركة «القوى المعادية» لها فيه بالقرارات الدولية وقوات الطوارئ بقبعاتها الزرقاء، كما بمعاهدات الصلح المنفرد، فضلاً عن التفوق الإسرائيلي الكاسح.

ولقد تم تمويه السكوت المفجع عن محاصرة المليون ونصف مليون فلسطيني في ذلك الشريط الضيق من الأرض الفلسطينية، والمسقط عمداً من الذاكرة العربية الرسمية بالاعتراض على «انشقاق» الحكومة عن «السلطة»، و«استقلالها» بالقطاع الفقير، متحدية «الإرادة الدولية»، بدءاً بإسرائيل مروراً بغالبية أهل النظام العربي المعززة بالتأييد الغربي بل الدولي المفتوح تحت قيادة الإدارة الأميركية.

فجر الاثنين 31/5/2010، وعبر الغارة العسكرية الإسرائيلية، بقوات المظليين والمدمرات والزوارق الحربية على «قافلة الحرية» المقبلة من تركيا وعلى ظهر سفنها المدنية بضع مئات من المتطوعين المتعددي الجنسية، غالبيتهم من الأتراك، وبينهم عشرات من الأوروبيين، فيهم واحد من حملة جائزة نوبل، وأعداد من المواطنين من لبنان وسوريا والأردن ومصر، أكدت إسرائيل، بقوة نيرانها وبتعمدها قتل عشرة من هؤلاء الآتين لنجدة غزه ببعض المؤن والحليب ولعب الأطفال، أنها صاحبة السيادة المطلقة على هذا البحر الذي كان بعض الحالمين العرب قد رأوه «بحيرة عربية» ذات يوم مضى...

وإذا كانت تركيا، شعباً وحكومة، قد رأت في هذه الحملة العسكرية على متطوعين عزل وبواخر شحن وركاب لا يحمل أي منهم سلاحاً، «جريمة خطيرة» ارتكبتها إسرائيل عمداً في «المياه الدولية»، فإن غالبية أهل النظام العربي انصرفوا الى محاصرة التداعيات المحتملة لهذه الجريمة الإسرائيلية الجديدة على مجتمعاتهم المغيبة والمخدرة بالترهيب والترغيب، مكتفين بقراءة الفاتحة على أرواح الشهداء الذين غامرت حكومة أردوغان المتطرف الشرس، بإرسالهم لاقتناص الزعامة في دنيا العرب والمسلمين بذريعة فك الحصار عن الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة.

كان أردوغان قد تحول من صديق لزملائه أصدقاء الغرب من أهل النظام العربي، الى مشاغب مزعج اثر مواجهته الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز في منتدى دافوس، في سويسرا، قبل شهور... أما بعد مواقفه المستفزة الأخيرة التي أثارت انزعاج واشنطن، وقلق أهل النظام العربي، وريبة إسرائيل، فكان لا بد من ردعه قبل أن يستفحل خطره باستغلال عواطف الجماهير العربية التي لا تجد زعيماً مؤهلاً لقيادتها، وقد تتخذ منه «القائد» وتطالب قياداتها بأن تتخذ منه «القدوة»!

من وجهة نظر أهل النظام العربي فإن إسرائيل قامت بالنيابة عنهم بهجوم استباقي على تركيا بشخص أردوغان وحكومته، يمكن اعتباره أقوى دفاع عنهم وعن أنظمتهم العاجزة عن مواجهة إسرائيل، (هذا في حال حسن النية وابتداع الأعذار للتحلل من الواجب القومي، بل الإنساني)... أو المتواطئة معها تحت الرعاية الأميركية التي تريد هدوءاً كاملاً في المشرق العربي، للتفرغ لمسؤولياتها الخطيرة في «تحرير» أفغانستان من أهلها، بعد إنجازها الباهر في العراق!

لا يهم أن إسرائيل قد فرضت أمرا واقعاً جديداً بفرضها الحصار، العسكري بعد السياسي، على الوطن العربي الكبير، من المحيط الى الخليج، وبعده أو معه العالم الإسلامي من تركيا الى اندونيسيا ومن إيران الى بنغلادش!

لقد تبدت إسرائيل في حجم العالم كله، بشرقه وغربه، بشماله وجنوبه، تقرر فيلتزم الجميع بقرارها: الدول الكبرى، والأمم المتحدة ومن ضمنها مجلس الأمن الذي اكتفى ببيان رثاء لشهداء «قافلة الحرية» مشيراً الى تحقيق دولي سرعان ما عطلته الدول الكبرى بالقيادة الأميركية، بعدما تنازلت حكومة نتنياهو فقررت إجراء فحص «ذي مصداقية»... وكفى الله المطالبين بالعدالة شر القتال!

من باب تسجيل الوقائع لا بد من الإشارة الى أن دول الاتحاد الأوروبي التي كانت تتفجر غضباً، وبين الضحايا بعض من رعاياها، سرعان ما هدأت منعطفة من السياسة الى الإنسانيات، ثم ارتدت الى لوم تركيا التي «بالغت في تعاطفها ربما تحت تأثير النزعة الإسلامية على حكومتها».

وكانت تلك حجة إضافية لتبرير التحايل الأوروبي الدائم على رفض تركيا (الإسلامية) في الاتحاد الأوروبي (الذي كان في الأصل مسيحياً ويخشى على انسجامه الديني الفكري الثقافي من اجتياح التطرف الديني)، على ما يقول بعض كبار المسؤولين الغربيين، والأخطر: بعض مفكري اليمين المتطرف في الغرب الأوروبي!

ومن دون معلومات موثقة، وبالاستناد الى وقائع ثابتة في الماضي، يمكن تلمس آثار اليد الإسرائيلية، والغربية عموماً، في هذه الاندفاعة العسكرية الجديدة والأوسع مدى التي لجأ اليها حزب العمال الكردي على الحدود التركية العراقية.

وليس من المجازفة القول إن لحزب مسعود البرازاني في كردستان العراق دوره في هذه الحرب الجديدة التي تريد إلزام تركيا بموقع الدفاع، فإذا كان الإسلام يجمع بين الترك والكرد فإن السلطة تفرق بينهما الى حد الحرب... ولعل الزيارة الاضطرارية التي قام بها «رئيس إقليم كردستان العراقي» الى تركيا، تحمل مضمون التنصل من المسؤولية عن تشجيع المهاجمين، وبالذات عن توقيت هجماتهم عليها، بينما دماء المتطوعين الأتراك الذاهبين لنجدة غزه لا تزال تصبغ بالأحمر البحر الأبيض الذي كان «إسلاميا» ذات يوم.

واضح أن المحاولات الإسرائيلية، التي تحظى بشيء من التأييد الأوروبي والصمت الأميركي «الايجابي» تستهدف التشهير بحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا من خلال إظهاره بإحدى صورتين:

1 المتعصب لإسلامه بما يمنع إسباغ الهوية الأوروبية (المسيحية) عليه. وبما يفيد في تهييج الجيش التركي حارس العلمانية ضده.

2 وفي الوقت عينه: الشوفيني، بدليل عنصريته تجاه الأكراد، وهم مسلمون.

وبالتالي، يمكن إعادة تظهير الحملة التركية على إسرائيل من ضمن منطق العداء للغرب عموماً، والتعصب الديني، الذي يجعل حزب أردوغان عدواً للمسيحية واليهودية (وحتى الإسلام المدجن) في آن معاً.

كان القرار الإسرائيلي، المعزز بالتأييد الأميركي، واضحاً ومحدداً:

«لا يجوز أن يتم التهاون مع المبادرات التركية المتعددة، سواء بالانفتاح على سوريا الى حد إلغاء التأشيرات وفتح الحدود في الاتجاهين، أو «بتفهم» الموقف الإيراني والاستعداد للقيام مع فنزويلا بدور الوسيط في مسألة المفاعل النووي، الى حد الاعتراض القوي في مجلس الأمن الدولي على القرار الأميركي المسوق جيداً مع حلفائها الأوروبيين ومع الصديق الروسي المستجد والمتردد في انتظار عرض اللحظة الأخيرة، ومع «الشريك» الصيني الذي يوازن بين مصالحه وتاريخه العقائدي فتغلب المصالح.

«إن تم التهاون مع المبادرة التركية لكسر الحصار على غزة، فلسوف يعاني أهل النظام العربي جميعاً من ارتداداته، بما يتجاوز الحرج الشديد الى حد تهديد بعضهم بالسقوط.

«ثم ان السلطة المتهالكة أصلا، في رام الله، سوف تسقط، ولا بد من نجدة سريعة لها، تخرجها من صورة المتواطئ على أهلها..»

وكان التدخل مع تركيا لكي تستقبل محمود عباس وأركانه «استقبال رئيس دولة»، حرصاً على كرامة فلسطين وشعبها في مختلف بقاع انتشاره، وليس في غزة فقط.. واختير للزيارة موعد له دلالاته: خلال الرحلة الى واشنطن للقاء الرئيس الأميركية الأسمر ذي الجذر الإسلامي، باراك أوباما..

كذلك كان التدخل مع مصر لفتح معبر رفح، تخفيفاً للضغط الشعبي عليها، كما على «السلطة» في رام الله.

وطفت على سطح العمل السياسي في المنطقة قاعدة مستجدة مفادها: إذا كانت فلسطين المهددة بالتذويب المنهجي على أيدي الاحتلال الإسرائيلي المعزز بالتأييد الغربي المفتوح، تنذر بتوحد المسلمين، فلا بد من حواجز تمنعهم من «التورط» والاندفاع في هذا الطريق!

وبالتالي: ممنوع اقتراب مصر من تركيا على قاعدة فلسطين.

وممنوع تطور التقارب التركي الإيراني على قاعدة فلسطين.

... ولا بد من مبادرة عربية ما، تمتص النقمة من دون أن تترك أثرا ينذر بتحول سياسي جداً. وهكذا، واستنقاذاً للنظام العربي وأهله، لا بأس بزيارة «غير رسمية» يقوم بها الأمين العام لجامعة الدول العربية الى قطاع غزة.

.. ولا بأس من فتحة صغيرة في سور الحصار تبادر إليها إسرائيل، لامتصاص الحملة الغربية عليها، وكذلك لتخفيف الضغط على النظام العربي، ما دام الطرفان في الموقع نفسه.

[[[

ليس الحصار الإسرائيلي لغزة إلا العنوان لفرض أمر واقع جديد يمكن تلخيصه بعبارة محددة: إن البحر الأبيض المتوسط هو بعد اليوم بحيرة إسرائيلية، وهي وحدها صاحبة السلطة فيه وعليه، لا يعبره إلا من لا تشك في مقصده أو في هدفه من وراء عبوره.

وواضح أنها من أجل فرض هذا الأمر الواقع قد استغلت الخصومة بين تركيا والحكم في قبرص الذي ذهب في مجاملة إسرائيل الى حد العمل في خدمتها، برفض استقبال سفن النجدة الذاهبة الى غزة، حتى لو ثبت أنها لا تحمل غير الأدوية والمؤن ولعب الأطفال.

وآخر ما حررته الإرادة الإسرائيلية لتوكيد سيطرتها الكاملة على المتوسط، كبحيرة من أملاكها أو مشاعاتها لا فرق، إعلانها عن اكتشاف حقول غنية بالنفط والغاز فيه وعلى مبعدة حوالى مئة كيلومتر عن البر الفلسطيني المحتل، وتعاقدها مع شركات دولية لاستغلال هذه الثروة الهائلة التي تكفيها لمدة ثلاثين سنة.

وباعتبار لبنان معنياً بهذا الكشف الذي يحاذي، في جانب منه، مياهه الإقليمية، فقد باشر المسؤولون فيه العراك من حول جلد الدب قبل اصطياده... وشجر الخلاف بين أهل الطبقة السياسية فيه حول توزيع امتيازات شركات الدراسة وبعدها الاستثمار، بينما إسرائيل أعلنت وضع يدها على البحر جميعاً، تاركة للعرب مرة أخرى التحسر على حكم «دول» لم يستطيعوا حمايتها، ومع ذلك فهم متشبثون بالبقاء فوق سدة السلطة فيها حتى... الى أجل الأجلين!

[ ينشر بالتزامن مع جريدة «الشروق» المصرية

======================

مجموعة الثماني تبارك حصار غزة

فؤاد حسين

hussein.fuad@gmail.com

الرأي الاردنية

30-6-2010

حتى في ظل إنهماك الغرب في مصائبه الاقتصادية لم ينس ربيبته إسرائيل، فالى جانب البيان الاقتصادي الذي تبنته مجموعة الثماني في ختام قمتها في كندا، أي الدول الصناعية الكبرى في العالم، فإن تلك الدول حرصت أن تثني على إسرائيل وقراراتها بتخفيف الحصار على غزة، دون أن تطالب برفعه، مما يعني ضمنا مباركة الحصار الإسرائيلي على غزة. كثير من وسائل الإعلام العربية لم تتوقف عند نص البيان الختامي لمجموعة الثماني، وخاصة الشق السياسي منه، رغم خطورته، فكان واضحا إنحيازه لإسرائيل، وتبنيه وجهة نظرها بالمطلق، فقد حث البيان إسرائيل والفلسطينيين على العمل من أجل اجراء محادثات سلام مباشرة وقال إن الاوضاع في غزة تحت الحصار الإسرائيلي «ينبغي الا تبقى ويجب تغييرها.» ولم يقل رفع الحصار. بل حث إسرائيل على التنفيذ الكامل لقرار «بدء تخفيف الحصار المفروض منذ ثلاث سنوات على القطاع».

 

وحتى ما يتعلق بمهاجمة أسطول الحرية الذي حاول كسر الصمت على حصار غزة، ومقتل ثمانية أتراك على يد القوات الإسرائيلية، كان بيان الدول الصناعية الكبرى محابيا لإسرائيل في إنتقاء ألفاظه، إذ عبرت مجموعة الثماني عن «قلقها الشديد» لضياع أرواح عندما هاجمت قوات خاصة إسرائيلية قافلة سفن المساعدات قبالة سواحل غزة في ايار متسببة في مقتل تسعة نشطاء ومثيرة انتقادات دولية. واشاد البيان بقرار إسرائيل تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في الحادث، أي أنه يبارك رفض إسرائيل الإنصياع لمجلس الأمن الذي دعا لتشكيل لجنة تحقيق دولية.

 

البيان الختامي لدول الثماني يكشف مدى النفاق العالمي وإزدواجية المعايير التي يتبعها خاصة تجاه منطقتنا، لأننا مسلوبو الإرادة ونقبل كل ما يفرضه الأخرون علينا، مع أننا نملك كل أوراق الضغط التي تجبر أعتى الدول على الرضوخ لمطالبنا، بشرط أن نمتلك الإرادة السياسية لتنفيذ ذلك، قد يقول البعض ان تلك المواقف ليست مستغربة من الدول الغربية، لكن لو تمعنا في ما صدر عن مسؤولي تلك الدول بعد العدوان على أسطول الحرية مباشرة، لوجدناها في غالبيتها، بإستثناء واشنطن، طالبت صراحة وجهارا برفع الحصار عن غزة، لكن حيث اجتمعوا سوية تحت العباءة الأميركية توحد موقفهم وأصبح إسرائيليا.

 

فرنسا مثلا التي ملأ وزير خارجيتها وسائل الإعلام زعيقا بلعن الحصار، نجد رئيسه اليهودي ساركوزي لا يتخلى عن لازمة المطالبة بإطلاق سراح شاليط الجندي الإسرائيلي المأسور في غزة، بمناسبة وبغير مناسبة، بحجة أنه فرنسي، وهي حجة أدعى للتشدد في إطلاق سراحه، فما بال فرنسي ومنطقتنا ليأتي الى بلادنا ويقاتلنا ويحتل أرضنا، إذا هو مرتزق، ومعاملة المرتزقة في الحروب أشد وأقسى من معاملة الجنود المحاربين الآخرين، ليكون عبرة لغيره من شذاد أفاق الغرب المنضوين في جيش القتلة الإسرائيليين، وإن لم نتشدد بالمسألة من يضمن أن لا يصبح ساركوزي نفسه جنرالا بالجيش الإسرائيلي بعد أن ينهي مهمته في رئاسة فرنسا، ما دام كل يهودي يستطيع أن يكون خلال ثوان «مواطنا» إسرائيليا ويتقلد المنصب الذي يتناسب مع خبراته.

 

كلما حاول الغرب، ومريدو الغرب في بلادنا إقناعنا أن الصراع في المنطقة والعالم ليس صراع حضارات، بل شيء مختلف، تعيد مواقف الدول الغربية، بما فيها المتغربة مثل روسيا والصين النقاش الى المربع الأول لتؤكد أن المسألة صراع حضارات حين يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين.

======================

مفاجآت على هامش إقالة ماكريستال

بقلم :د.منار الشوربجي

البيان

30-6-2010

 في قصة إقالة الجنرال ستانلي ماكريستال قائد القوات الأميركية في أفغانستان، الكثير من المفاجآت التي تعيد إلى الأذهان من جديد، المفارقات المدهشة التي ينطوي عليها ملف أفغانستان في أميركا.

 

فقد أطاح أوباما بالجنرال ماكريستال، بعد أن نشرت مجلة «رولنغ ستون» الأميركية موضوعا جاءت فيه على لسان ماكريستال ومساعديه انتقادات حادة، بل وبذيئة أحيانا، لأغلب المسؤولين عن ملف أفغانستان في الإدارة، طالت حتى الرئيس شخصيا. فعلى سبيل المثال، وصف مساعدو ماكريستال، مستشار الأمن القومى جيم جونز بأنه «مهرج».

 

بينما تم الحط من شأن جو بايدن نائب الرئيس، واعتبار ريتشارد هولبروك مبعوث الرئيس الخاص لأفغانستان «حيوانا جريحا» لا يسعى إلا للحفاظ على منصبه. أما أوباما شخصيا فقد وصف بأنه في اجتماعه بالعسكر، بدت عليه علامات عدم الارتياح والرهبة من كل أولئك العسكر الذين أحاطوا به!

 

أول ما يدهش المرء في القصة برمتها، هو المجلة التي نشر فيها الموضوع. فمن يقرأ ماجاء فيها يكتشف أن أغلب التعليقات التي سخر فيها ماكريستال ورجاله من رموز الإدارة، جاءت إما على مائدة عشاء أو في بار أو في أثناء رحلة لفرنسا رافقهم فيها الصحفي، الأمر الذي يعني أن الصحفي اقترب كثيرا من ماكريستال ورجاله. المدهش هنا هو أن العسكر الأميركيين منذ الستينات على الأقل، ينتمون في أغلبهم لليمين.

 

صحيح أنه يقال إن ماكريستال أعطى صوته لأوباما، إلا أنه خدم أيضا مع بوش، وهو على أيه حال لا يمكن أن يحسب على اليسار، ولا حتى التيار الليبرالي في أميركا. لذلك، أفهم أن يسمح الجنرال ماكريستال لصحفي من النيويورك تايمز أو مجلة نيويوركر أن يقترب لهذه الدرجة منه.

 

لكن ما الذي يجعله يفتح أبوابه بكل هذه الأريحية، لصحفي في مجلة ذات جذور يسارية، بل كانت تعبر في الستينات عن التيار الراديكالي الذي عرف بالثقافة البديلة، ومعروفة من وقتها بقربها من التيار الذي بالغ في انتقاد العسكر في فيتنام وبعدها؟!

 

وبينما يمكن لهذا السؤال أن تكون إجابته ببساطة، أن هناك ودا شخصيا أو اقترابا إنسانيا جمع ذلك الصحفي تحديدا ودائرة ماكريستال الصغيرة، فإن السؤال الذي يدهشك بدرجة أكبر، هو ذلك المرتبط بعلاقة أوباما نفسه بماكريستال!

 

فأوباما الذي جاء للحكم منتقدا انحرافات بوش، ومتعهدا بإغلاق ملف التعذيب واعتماد الشفافية في التعامل مع الرأي العام، لم يجد غضاضة في أن يختار ماكريستال صاحب التاريخ الأسود في كليهما، ليوليه واحدة من أهم المهام التي تحدد مستقبله كرئيس، أي أفغانستان!

 

فماكريستال كان مسؤولا لفترة طويلة عما يعرف بالعمليات الخاصة، وهي الوحدات المسؤولة عن العمليات القذرة التي تتم في جنح الظلام ويروح ضحيتها أبرياء، دون أن يعلم عنها أحد شيئا. وهو بالمناسبة صاحب تاريخ معروف في هذا الصدد في أميركا اللاتينية، مرتبط بما يعرف بفرق الموت التي راح ضحيتها مئات الآلاف من المدنيين.

 

لكن، لماذا نذهب بعيدا في التاريخ الأميركي، ففي عهد بوش كان ماكريستال ضالعا في أكثر من فضيحة؛ فهو كان المسؤول عن معسكر ناما في العراق الذي تفجرت بشأنه فضيحة تتعلق بتعذيب المعتقلين، وهو أيضا كان ضالعا في الكذب على الرأي العام في قصة مقتل بات تيلمان الشهير في أفغانستان التي شغلت الرأي العام الأميركي، فقد كان هو الذي وقع القرار الذي يزعم زورا أن الرجل قتل بيد الأفغان، بينما الثابت أنه قتل بأيدي القوات الأميركية.

 

السؤال المدهش هو؛ ما الذي يدعو أوباما لاختياره؟! بل الأكثر من ذلك، ما الذي يدعوه للصبر عليه طوال تلك المدة بعد أن حاول لي ذراعه وبعد أن فشل في المهمة التي أوكلت له؟ فبمجرد أن تسلم ماكريستال عمله في أفغانستان العام الماضي، قام بإعداد تقرير لرفعه للرئيس يطالب بقوة بانتهاج استراتيجية «ملاحقة التمرد»، التي تتطلب زيادة هائلة في القوات.

 

لكن، لأن ماكريستال كان يعلم أن في الإدارة رموزا ترفض تلك الاستراتيجية وتحذر من فشلها كما فشلت في فيتنام، فقد تم تسريب التقرير للصحافة، وفيه يقول ماكريستال إنه ما لم تتم الاستجابة لطلبه فإن أميركا معرضة للفشل في أفغانستان، وهو ما يمثل ضغطا صريحا على أوباما، يحرجه أمام الرأي العام ويدفعه دفعا للرضوخ للعسكر.

 

لكن ماكريستال الذي لم يترك أحدا في فريق أوباما المسؤول عن أفغانستان إلا وسخر منه، فشل في مهمته رغم رضوخ الرئيس لمطالبه، حيث أعطاه تقريبا جل ما أراد. فمشروع السيطرة على مدينة مارجا الذي بدأ في فبراير الماضي، قد تحول إلى كارثة باعتراف ماكريستال نفسه، الذي كان قد وصف العملية منذ أسابيع بأنها صارت «قرحة تنزف». أما مشروع السيطرة على مدينة قندهار، فقد تم تأجيل البدء فيه أكثر من مرة، لأن الواقع على الأرض ليس مواتيا.

 

لكن المفاجأة الأكثر إثارة للدهشة على الإطلاق، هي تلك المتعلقة برد فعل أوباما إزاء كل ذلك. فهو حين أقال ماكريستال، إذا به يأتي ببترايوس ليحل محله. وبترايوس هو أستاذ ماكريستال ورائد المدرسة نفسها المولعة باستراتيجية ملاحقة التمرد.

 

السؤال مدهش فعلا. ما الذي يجعل رئيسا يعرف تماما أن أفغانستان ستكون على رأس القضايا التي سيثيرها خصومه ضده في انتخابات 2012، يقيل الجنرال ماكريستال كرد فعل لبذاءاته لا لفشله؟ وما الذي يجعله، بعد أن أعلن تاريخا للانسحاب سيحل موعده قبل عام فقط من معركة إعادة انتخابه، يصر على الاستمرار في سياسة فاشلة، بل يعارضها الكثيرون في فريقه بمن في ذلك نائبه شخصيا؟!

كاتبة مصرية

======================

الخطوة القادمة تجاه إيران

بقلم :خالد السرجاني

البيان

30-6-2010

 بعد أن فرض مجلس الأمن الحزمة الرابعة من العقوبات الاقتصادية على إيران، أصبحت هناك أسئلة مشروعة حول الخطوة القادمة للغرب، خاصة وأن ما يفعله الغرب حاليا مشابه للخطوات التي اتخذت ضد العراق، وانتهت بغزوه واحتلاله المستمر منذ عام 2003. فهل تقدم الولايات المتحدة الأميركية على حشد تحالف دولي ضد إيران ينتهي بتوجيه ضربة عسكرية لها؟

 

يبدو من مسار الخطوات الأميركية أن هناك نية للتشدد تجاه إيران، ولكن في نفس الوقت هناك معطيات متعددة تؤكد أن تكرار سيناريو العراق أمر من الصعوبة بمكان، وبالتالي فإن فرص التسوية مع إيران هي الأكثر، والعقوبات المتدرجة لا تتعدى أن تكون بمثابة ضغوط عليها من أجل الدخول في تسوية مناسبة للغرب، ليس فقط حول مشروعها النووي، وإنما حول نقاط أخرى في مقدمتها الموقف في العراق.

 

وتؤكد استبعاد الضربة العسكرية لإيران، عدة معطيات في مقدمتها أن الإدارة الأميركية الحالية تختلف عن تلك التي قامت بالعمل العسكري ضد العراق، والتي كان يسيطر عليها تيار المحافظين الجدد ذو الاتجاهات التدخلية الهجومية، وقد ثبت أن سياسة هذا التيار سببت مشكلات عدة للسياسة الأميركية حول العالم، وهو ما دفع الرئيس باراك أوباما إلى اتباع سياسة تعيد ثقة شعوب العالم وحكوماته بالولايات المتحدة الأميركية.

 

ومن يتابع ما حدث في العراق سيجد أن الوضع في ما يتعلق بإيران مختلف تماما من حيث تماسك الموقف الغربي ومن حيث شرعية القضية نفسها، حيث كان احتلال العراق للكويت يمثل ثغرة في الموقف العراقي، وحيث كان الموقف الدولي يخضع لهيمنه أميركية لا تتوفر الآن في ظل نظام دولي يتحول نحو تعدد الأقطاب. والطريقة التي خرجت بها الحزمة الرابعة من العقوبات تؤكد أنها ستمثل سقف العقوبات على إيران، وهو ما جعل إيران تبدي تشددا بعد إقرار هذه الحزمة من العقوبات، لإدراكها أن الولايات المتحدة لن تستطيع فرض المزيد منها، فما بالك بتوجيه ضربة عسكرية لها.

 

والإدارة الأميركية الحالية يبدو أنها لا يمكن أن تقدم على عمل دون الرجوع إلى مجلس الأمن، وهو ما يعزز الموقف الإيراني في تحديها للإدارة الأميركية. وبالطبع هناك ضغوط على الإدارة الأميركية، تمارسها قوى داخلية أميركية مرتبطة باللوبي الصهيوني، من أجل المزيد من التشدد مع إيران، ولكن الفشل الأميركي في كل من العراق وأفغانستان لا يمكن أن يدفع الإدارة لأن تقدم على مغامرة عسكرية جدية، وإنما يمكن أن توظف الضغوط على إيران من أجل أن تنهي إحدى المغامرتين السابقتين، وكلتاهما لها صلة ما بإيران التي يمكن أن تساعد الولايات المتحدة في تجاوز إحدى المغامرتين.

 

ويبدو أن أحد أبرز أسباب الضغوط الأخيرة على إيران يتعلق بالموقف في العراق، فالولايات المتحدة التي قامت بعمل عسكري كبير في العراق كان أحد أسبابه محاصرة إيران في الإقليم المحيط بها، اكتشفت مؤخرا أنها أضافت المزيد من القوة لإيران، بعدما سيطرت على العراق التنظيمات الشيعية ذات الصلة السياسية الوثيقة بإيران، فضلا عن العلاقة المذهبية، مثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة، فأصبحت إيران لها دور في كل ما يجري في العراق من تطورات.

 

وقد ضغطت إيران على حلفائها من أجل تشكيل تكتل سياسي يعوض رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي، عن عدم احتلاله المركز الأول بين الفائزين في الانتخابات التشريعية التي جرت مؤخرا في العراق. وهذا الأمر يشعر الولايات المتحدة بمرارة، لأن كل التكاليف المالية والبشرية التي تحملتها أدت إلى نتائج معاكسة تماما لأحد الأهداف الهامة التي ذهبت من أجلها إلى العراق.

 

من هنا فإن التوصل إلى تسوية مع إيران حول العراق، يمكن أن يكون إحدى نتائج الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على إيران بسبب برنامجها النووي، ولكن هذا الأمر ليس سهلا بسبب تعقيدات العلاقة بين إيران والعراق، وهو ما يعني أن التوصل إلى تفاهمات أميركية إيرانية حول العراق، يمكن أن يكون أصعب من التوصل إلى تسوية حول برنامجها النووي.

 

بالطبع ستحاول الولايات المتحدة أن تفرض المزيد من العقوبات على إيران عبر مجلس الأمن، ولكن نجاحها في ذلك مرتبط بارتكاب إيران لأخطاء كبرى. وخلال السنوات الماضية منذ أن فتحت الولايات المتحدة الملف النووي الإيراني، لم ترتكب إيران مثل تلك الأخطاء.

 

مما صعب الموقف الأميركي وأضعف الجهود الأميركية لفرض مزيد من العقوبات عبر مجلس الأمن، على عكس ما كان يحدث في السابق مع العراق. وكما كان الأداء الإيراني في الماضي فإنه هذه المرة أيضا، يؤكد أن الموقف الأميركي هو الأصعب، وأن أي تسوية ستتم مع إيران ستكون لصالحها، وعلى حساب الولايات المتحدة ذاتها.

كاتب مصري

======================

العلاقات التركية "الإسرائيلية" من التحالف إلى الاختلاف

آخر تحديث:الأربعاء ,30/06/2010

ناجي صادق شراب

الخليج

تعكس العلاقات التركية “الإسرائيلية” خصوصية الحالة التركية التي تحكمها العديد من المحددات والمتغيرات التي في مجموعها تشكل مكونات السياسة والدور التركيين، وقد يبدو نموذج العلاقات بينهما غريباً أو غير مألوف لدولة إسلامية يلعب الدين دوراً مهماً في تحديد توجهاتها السياسية، وتلعب الحتمية التاريخية أيضاً نفس الدور، فتركيا في زمن الخلافة العثمانية كانت السلطة المسؤولة مباشرة عن فلسطين والقدس . ولا يمكن فهم هذه العلاقات إلا في السياق السياسي الداخلي والإقليمي والدولي الذي يحدد إطار السلوك السياسي لتركيا، ويحدد توازنات القوى التي تسعى لتحقيقها، وأيضاً في إطار التهديدات والتحديات والأخطار التي تواجهها تركيا كدولة إقليمية مؤثرة . ومن جانبها “إسرائيل” حريصة على هذه العلاقات لما تمثله تركيا من دور، وكدولة إسلامية يمكن العبور والنفاذ من خلالها للعالمين الإسلامي والعربي، بل وأبعد من ذلك أن علاقاتها بدولة إسلامية قد تضعف دور العامل الديني في الصراع العربي “الإسرائيلي”، وتقوي موقف “إسرائيل” في مواجهة الدول العربية والإسلامية، ناهيك عن بعد المصلحة المشتركة لكليهما . وهذه العلاقات شأنها شأن أي علاقات بين أي دولتين يمكن أن تتعرض للتقارب والابتعاد، وحتى يمكن تصور حد قطع العلاقات بينهما .

 

وتثير هذه العلاقات تساؤلات كثيرة فرضها بشكل قوي حصار غزة، والاعتداء العسكري “الإسرائيلي” على “السفينة مرمرة” الذي راح ضحيته تسعة من الشهداء الأتراك، وفي مقدمة هذه التساؤلات هل يمكن أن تحل غزة والقضية الفلسطينية محل المكون “الإسرائيلي” في السياسة التركية ودورها الإقليمي؟ هذا هو السؤال الذي يحتاج إلى إجابة واضحة متحررة من الانفعالية والعاطفية الذاتية، والإجابة لا يمكن أن تتم إلا من خلال فهم وسبر أغوار ومحددات العلاقات التركية “الإسرائيلية” . وينطبق على العلاقات التركية “الإسرائيلية” أكثر من نموذج في العلاقات بين الدول، نموذج التحالف، ونموذج المصلحة المشتركة المسيطر ونموذج موازين القوى ونموذج العلاقات الخاصة .

 

إن تركيا تدرك أن دورها في محيطها الإقليمي كمدخل لدورها في النظام الدولي الذي يفسر تواجدها في كل توازنات القوى التي شهدتها المنطقة، وبالتالي المفاضلة هنا للدور الإقليمي وليس للعلاقات مع “إسرائيل”، وهذا هو الذي يفسر لنا هذا السلوك التهديدي بمراجعة العلاقات مع “إسرائيل” بعد حادثة السفينة مرمرة وإعادة صياغتها لأن ما قامت به “إسرائيل” قد مس هذا الدور، والملاحظة الأخرى أن تركيا دولة فوق المتوسطة، و”إسرائيل” دولة صغرى دون المتوسطة، لكن ما يجمعهما أنهما نموذج لدولة القوة .

 

هذا يفسر لنا أحد أهم أبعاد هذه العلاقات وهو أن تركيا لا ترهن علاقاتها الإقليمية ومصالحها مع دول المنطقة بعلاقاتها ب “إسرائيل”، بل قد يكون العكس، وهذا السلوك هو الذي جعل الدور التركي أكثر توازناً وأكثر قبولاً، وذلك من خلال التأكيد على استقلالية القرار والسياسة الدولية عن “إسرائيل”، وتحاول أن لا تظهر أو تصور هذه العلاقات في شكل علاقات التبعية وعدم الاستقلالية، وهذه السياسة عكست إلى حد كبير خصوصية الحالة التركية، فالدولة الساعية للقيام بدور إقليمي محوري لا يمكن أن تكون سياستها تابعة لإرادة دولة أخرى وإلا فقدت مصداقية وشرعية هذا الدور .

 

جاءت حادثة السفينة مرمرة والهجوم “الإسرائيلي” عليها لتشكل مرحلة جديدة من التدهور والتهديد بمراجعة العلاقات التركية “الإسرائيلية”، فهذه الحادثة مست الدور الإقليمي التركي، ومست هيبة ومصداقية هذا الدور، وهو ما يفسر لنا هذا الموقف التركي الشديد والذي ذهب إلى حد الربط بين العلاقات الثنائية ورفع الحصار عن غزة . وعلى الرغم من مظاهر التوتر والتحول في الخطاب السياسي التركي، لكنه لم يصل إلى حد التفكير في قطع العلاقات لما لذلك من تداعيات سلبية على علاقات تركيا بالولايات المتحده وأوروبا . ويبقى أيضاً عامل المصلحة المشتركة المقننة هو العامل الحاسم في هذه العلاقات في هذه المرحلة، وقد يقف وراء هذا الموقف التركي البعد الداخلي والانتخابات الداخلية وموقف الأحزاب الإسلامية والقومية المعارضة، وهناك أيضاً الهدف الاستراتيجي لتركيا وهو تأكيد دورها الإقليمي، وهذا ما قد يدفع تركيا إلى إعادة صياغة علاقاتها مع “إسرائيل” على أسس ومعايير جديدة وفي هذه الصياغة القلق من سياسة “إسرائيل” الداعمة للأقليات ولا سيما الأكراد، وفي الوقت ذاته العلاقات بينهما يحكمها التنافس على الدور الإقليمي حيث إيران تسعى لاحتلال موقع من خلال العداء ل “إسرائيل” في ظل غياب عربي .

 

وبالتالي تتوقف عملية إعادة تقييم العلاقات التركية - “الإسرائيلية” على الدور والمحدد الأمريكي في العلاقات بين كل من تركيا و”إسرائيل” . وعموما لا يمكن الحكم على خيارات وسيناريوهات العلاقات التركية “الإسرائيلية” إلا في ضوء الأخذ في الاعتبار كل المحددات والقيود التي تحكم الدور التركي الصاعد والطامح للعب دور إقليمي ودولي بارز .

 

وفي ضوء كل هذه المحددات والقيود التي تحكم العلاقات التركية “الإسرائيلية” يمكن تصور السيناريوهات التالية: سيناريو قطع العلاقات وهو خيار وسيناريو مستبعد بسبب الاعتبارات السابقة، والسيناريو الثاني سيناريو العلاقات التحالفية وهو خيار أيضاً مستبعد في ظل تركيبة النخبة السياسية الإسلامية والأيديولوجية في تركيا، وتراجع دور المؤسسة العسكرية لحساب السلطة السياسية التي يمثلها حزب العدالة والتنمية، وبسبب العلاقات المتنامية بين تركيا والدول العربية وخصوصاً الدول الخليجية وزيادة حجم الاستثمارات العربية والخليجية في تركيا وما تمثله الأسواق العربية للمنتجات التركية الصناعية والزراعية، وأيضاً بسبب الدور المحوري الذي تلعبه القضية الفلسطينية في السياسة التركية كقضية إقليمية، وأما السيناريو الثالث الأكثر إمكانية، فهو سيناريو استمرار العلاقات كأي علاقات بين دولتين تربطهما مصلحة مشتركة ومتبادلة، وإزالة الشحوم الزائدة من على هذه العلاقات لتبدو أنها علاقات تحكمها التحولات في موازين القوى في المنطقة .

 

لكن في النهاية تبقى هذه العلاقات محكومة إلى جانب عامل المصلحة المشتركة بعامل العلاقات الذي يربط كلاً منهما بالولايات المتحدة وأوروبا، فهي علاقات يحكمها نموذج مركب من العلاقات البنيوية والوظيفية والمصلحية، وهو ما يفرض استمرار العلاقات بينهما .

======================

من الحل الكلامي إلى سؤال الواقع

آخر تحديث:الأربعاء ,30/06/2010

ميشيل كيلو

الخليج

ليس عندنا مشكلات أو مسائل غير محلولة على مستوى الكلام . لو سأل المرء أي مواطن عربي، حتى إن كان غير متعلم وغير مسيس، عن سبل حل ما تواجهه الأمة في مختلف أقطارها وأمصارها من معضلات، لوجد أن بوسعه تشخيص حلول لقسم كبير منها، على صعيد الكلام .

 

وليس عند المثقف العربي أيضاً مسألة لم يجد لها حلاً على مستوى اللغة . أما السياسي، فهو يمتلك بدوره حلولاً كلامية لجميع المسائل والمشكلات التي تعصف بالواقع العربي، وهي بالمناسبة مشكلات متشابهة إن لم تكن في معظم الأحيان متماثلة . وهكذا، لا يعاني العالم العربي أيَّ نقص في الحلول المفترضة لمعضلاته، هذا إذا كان لا يعاني فائض حلول، بمعنى أنه بلور أكثر من حل لكل مشكلة، وحلولاً لمشكلات لا تخصه، فهو يعرف كيف تحل الأزمات الاقتصادية العالمية، وكيف تتم تسوية الخلافات الدولية والصراعات المذهبية والحضارية، وكيف يصعد الإنسان إلى المريخ . . . إلخ، فليس هناك مشكلة، عندنا أو عند غيرنا، إلا ونملك، والحمد لله، حلاً أو حلولاً متنوعة لها، باستثناء مشكلة شديدة البساطة، لكنها هائلة الخطورة، لم نعثر لها على حل إلى اليوم، ربما لأننا لا نرى فيها مشكلة أصلاً، يلخصها السؤال الآتي: كيف نطبق ما لدينا من حلول كلامية في الواقع، ليتفق مع ما نريده منه وننشده من أهداف ومقاصد؟

 

بغياب جواب عن هذا السؤال، لا تكون حلولنا غير لغو فارغ، وغير كلام يقفز عن الواقع أو لا يراه، فهو، في أحسن حالاته، لزوم ما لا يلزم، جعجعة بلا طحن، وهو يلحق ضرراً دائماً بنا، كونه يوهمنا أن الحل الكلامي هو الحل المطلوب والكافي، وأن التطور لا يطرح علينا أسئلة ليس عندنا أجوبة عنها، بينما نتخبط منذ نيف ونصف قرن في شبر ماء، تتحدانا مشكلات تحولت جميعها إلى معضلات خطيرة لا نعرف كيف نتخلص منها أو نحد من تأثيرها السلبي علينا، بينما يمسك بتلابيبنا واقع يحكم قبضته على أعناقنا، يجرنا إلى هاوية عميقة الأغوار يزداد صعوبة خروجنا منها بمرور الوقت، ويزيد تخبطنا من غرقنا فيها .

 

ما سؤال الكيف؟ إنه سؤال يختلف نوعياً عن غيره من الأسئلة التي تطرح نفسها علينا أو نطرحها على أنفسنا، لاتصاله بالطرق التي يمكن بواسطتها تحويل حل كلامي، أو نظري / تأملي إلى حل واقعي، يراعي إرادات وقدرات البشر وظروفهم، فلا ينفع فيه القول، كما هو حاصل منذ نصف قرن ونيف: لا حل للتجزئة العربية بغير الوحدة، ولا حل للصراع مع الصهيونية بغير تحرير فلسطين، بل تمس الحاجة إلى التفكير في كيفية تحقيق الوحدة العربية وتحرير فلسطين، وفي الطرق الكفيلة بإيجاد ردود عملية وفاعلة على وجود الدولة القطرية والمصالح المساندة لها، والفئات الممسكة بأقدارها، والسبل الكفيلة بتغيير خياراتها وممارساتها، وبمراحل الانتقال التي يجب تحقيقها تمهيداً لقيام الوحدة، وبأية قوى وخطط وأزمنة ننجزها . . . إلخ، وكذلك الطرق اللازمة لإعادة النظر في أوضاع العرب الراهنة، بحيث يكون لديهم من القوة والتماسك الداخلي والقومي، والقدرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والعلاقات الدولية والإقليمية ما يجعلهم يتفوقون ميدانياً وعملياً على العدو الصهيوني الذي لم يتوقفوا يوماً عن قهره كلامياً وهزيمته خطابياً ولفظياً، لكنه سبقهم دوما إلى معرفة الواقع وطرح سؤال الكيف على نفسه، كي يجد أجوبة نظرية وهذه غير الأجوبة الكلامية، وميدانية تناسبه وتمكنه من هزيمتهم .

 

كلما قرأ المرء نصاً لمثقف عربي أو تصريحاً لمسؤول يتصل بمشكلات العرب الحديثة، ألح عليه سؤال الكيف، ووجد نفسه يقول: دلونا، أيها السادة، كيف نحل مشكلاتنا . لا تقولوا لنا: الديمقراطية هي الحل، بل قولوا لنا كيف نحققها في عالم عربي يكاد يخلو من قوى ديمقراطية فاعلة، بينما السلطة الرافضة لها قوية وذات أنياب ومخالب، والمجتمع بقطاعاته الواسعة غائب عن المعركة من أجلها؟ نحن نعرف أن الديمقراطية هي الحل، لكننا لا نعرف كيف نحققها في واقع العرب القائم، ودوركم أن تبينوا لنا هذا الكيف وطابعه ومراحله وقواه وتطوراته واحتمالاته .

 

يستطيع المثقف تقديم حلول كلامية / تأملية لمشكلات الواقع، لكن حلوله لن تفيد أحداً ولن تغير الواقع، إذا لم ينهض بدور يتخطاه كمثقف ويجعل منه جهة تعمل في الشأن العام، ناشطاً يربط النظر بالعمل، يعرف بدقة ما يقول ويقترح من حلول، وكيف يحقق في الواقع، ويعلم أن ما يقترحه يجب أن يتجاوز فسحة الكلام النظري إلى تشخيص مساره الواقعي، الميداني، وتعيين القوى التي تستطيع ترجمته إلى أفعال، والمراحل التي سيمر فيها، والمآل الذي سينتهي إليه، وما سيترتب عليه من تغيير، ولمصلحة أية جهات أو فئات .

 

إذا كان المثقف منتج فكر، فإنه، كرجل شأن عام، منتج واقع أيضاً: منتج واقع يتفق مع فكره . بينما يمكن أن يبقى، بانفصال فكره عن الواقع، رجل تأمل مجرد، يقدم حلولاً كلامية لمشكلات الواقع، لكنها حلول تعميمية الطابع وبرانية، تصلح ظاهرياً لكل زمان ومكان، دون أن تصلح عملياً لأي شيء، ما يضعنا أمام معضلة حقيقية غدت أحد أمراضنا المستعصية، يجسدها انفصال القول الثقافي عن الواقع العملي، وغرقه في النخبوية والشكلية، وتقديمه حلولاً لا تغني أو تسمن، توهمنا أن مشكلاتنا سهلة الحل وأن حلها كلامي وفي متناول أيدينا، مع أنها تزداد تعقيداً، ولا تقلع عن تحدي قدرتنا على التخلص منها، وتتحول أكثر فأكثر إلى عوامل يتم من خلالها ابتزازنا: داخلياً وخارجياً .

 

قال تولستوي، كاتب روسيا العظيم، في قصة وصف فيها واقع روسيا وواجب المثقف حياله: “إن راحة الضمير أصبحت ضرباً من النذالة” . إن راحة ضمير مثقفنا الذي يعتقد أن دوره يقتصر على تزويدنا بحلول كلامية لمآسينا، غدت، حقاً، ضرباً من النذالة، أؤمن من أعماق نفسي بأن المثقف العربي المعاصر لم يعد يرتضيه لنفسه، وأنه يرفض أكثر فأكثر تقسيم العمل الثقافوي الذي يبعده عن واقع أمته المظلومة، ومواطنه المهان .

======================

الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط

الاربعاء, 30 يونيو 2010

سيريل تاونسند *

الحياة

يبدو أنّ الفلسطينيين الذين يواجهون في هذه الفترة المصاعب والمخاطر يحظون بصديق حكيم وموضع ثقة هو اللورد كريس باتن الذي يشغل حالياً رئاسة جامعة أوكسفورد.

لقد عملنا معاً في قسم الأبحاث في حزب المحافظين في السبعينات وطالما أعجبتُ كثيراً بقدراته. لكن، بعد أن خسر مقعده البرلماني عن دائرة باث في جنوب بريطانيا خلال الانتخابات العامة التي أجريت عام 1992، بات المرشح المحتمل لتولي زعامة حزب المحافظين حين كان توني بلير زعيماً لحزب العمّال. وفيما بعد، تمّ تعيين كريس باتن في منصب آخر حاكم بريطاني لهونغ كونغ ومن ثمّ مفوّض أوروبي لشؤون العلاقات الخارجية.

كتب كريس باتن مقالاً مهمّاً في صحيفة «الغارديان» البريطانية في 11 حزيران (يونيو) بعنوان «يجب أن يبدي الاتحاد الأوروبي جرأة حقيقية في ملف الشرق الأوسط، فتقاعس أوروبا عن العمل يجعلها شريكة في الأعمال غير الشرعية في الشرق الأوسط. لم يعد بمقدورها تأدية دور ثانوي». ويعتبر هذا الموضوع الذي اختار باتن معالجته في غاية الأهمية. فقد أشار إلى أنّ «الأزمة المؤسفة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط تحتاج إلى إطلاق مبادرات جديدة. لقد أدى فشل السياسات الإسرائيلية على المدى القصير إلى تركيز الانتباه العالمي على الحصار على قطاع غزة عوضاً عن متابعة ملف أسلحة إيران النووية. كما ساهم فشل هذه السياسات على المدى الطويل في زيادة صعوبة حلّ الدولتين، لا سيما أنّ فلسطين مقسّمة إلى بانتوستانات محاطة بجدران فصل».

كما أتى باتن على ذكر إعلان البندقية الذي لقي دعم وزير الخارجية البريطاني حينها اللورد بيتر كارينغتون. ولفت إلى أنه «يترتب على الاتحاد الأوروبي تأدية دور لخرق جدار الأزمة. فهو شريك إسرائيل التجاري الأكبر وأهمّ مقدّم للمساعدة على صعيد التنمية إلى فلسطين إلا أنه يكتفي بتأدية دور ثانوي مقارنة بالدور الذي تقوم به الولايات المتحدة. لكن سجلت بعض الاستثناءات على هذا الصعيد. ففي عام 1980، وافق رؤساء الحكومات ووزراء الخارجية في الاتحاد الأوروبي على إعلان البندقية الذي أشار إلى أنّ «الروابط التقليدية والمصالح المشتركة» تدفعهم إلى «لعب دور مميّز... وإلى العمل بطريقة ملموسة نحو تحقيق السلام».

ويعيد إليّ إعلان البندقية بعض الذكريات بما أنه طُلب مني أن أؤيده في مجلس العموم وشكّل ذلك أول تجربة لي في سياسة الشرق الأوسط. كما رفض الإعلان القبول بأي خطة تهدف إلى تغيير وضع القدس الشرقية وندّد بالنشاط الاستيطاني الذي وصفه بأنه غير شرعي.

يعتبر كريس باتن اليوم أنّ الاتحاد الأوروبي ينسحب بسهولة من الملف الذي يبدو أن واشنطن وحدها فقط قادرة على إحداث فرق فيه. وأضاف باتن: «صحيح أن الولايات المتحدة تؤدي الدور الخارجي الأساسي في المنطقة وأي اتفاق سلام يحتاج إلى موافقة إسرائيل عليه. إلا أنّ ذلك لا يبرر تقاعس الاتحاد الأوروبي. إذ إن تصرفه هذا يعفي الولايات المتحدة من الثمن السياسي الذي يجدر بها تكبده مقابل قيامها بالقليل أو مقابل عدم قيامها بأي شيء. كما أنه يعطي إسرائيل حرية التصرف ويضر بعلاقة أوروبا بشركائها في الاتحاد من أجل المتوسط ويجعلها شريكة في الأعمال الوحشية وغير الشرعية».

ماذا يجب أن تفعل أوروبا في هذه المرحلة برأي كريس باتن الذي يتبوأ حالياً منصب رئيس الجمعية الخيرية البارزة (المساعدات الطبية للفلسطينيين MAP

يرى باتن أنه «لا يترتب على الاتحاد الأوروبي اليوم وضع حدّ فوري للحصار على قطاع غزة فحسب بل يجب أن يبذل المزيد من الجهود للترويج للمصالحة بين الفريقين الفلسطينيين المتخاصمين. ويجب أن تتولى الأمم المتحدة مهمّة منع تدفق الأسلحة، فيما ينبغي أن يأخذ الاتحاد الأوروبي مبادرة إلى جانب تركيا وجامعة الدول العربية لإعادة إنشاء حكومة وحدة وطنية تضمّ حركتي «فتح» و «حماس» وتستطيع بسط سلطتها على الأراضي الفلسطينية كافة. وفي الوقت الحالي، يجب أن يضمن الاتحاد الأوروبي إجراء انتخابات حرة هناك. فلا يمكن تأييد الديموقراطية في كلّ مكان باستثناء فلسطين».

وتابع بالقول: «لن يتمّ التوصل إلى اتفاق سلام إذا تمّ استبعاد حركة «حماس». والمطلوب من «حماس» بسيط إذ يجب أن توقف إطلاق النار وأن تتقبّل نتيجة عملية السلام في حال وافق عليها الفلسطينيون من خلال الاستفتاء وأن تضمن الإفراج عن الجندي غلعاد شاليط. وتعتبر مطالبتها بقبول الاتفاقات السابقة أمراً مستغرباً لا سيما أن إسرائيل نفسها لم تتقدّم بطلب مماثل. هذا ويجب النظر في عملية بناء المستوطنات».

يقترح كريس باتن أن يعمل الاتحاد الأوروبي مع كلّ من تركيا وجامعة الدول العربية على وضع اقتراحات لاتفاق يُعرض على مجلس الأمن الدولي. وهو يقرّ بأن هذا الأمر لن يحظى بتأييد كبير في واشنطن إلا أنه كفيل بإعطاء العملية بأكملها الزخم الذي ينقصها والذي هي بأمس الحاجة إليه.

آمل أن يعمل الاتحاد الأوروبي وفق إطار العمل المناسب والواضح من أجل السلام الذي ورد في القرارين 242 و338 الصادرين عن مجلس الأمن عوض اتباع السياسة التي وضعتها إسرائيل لمصلحتها الخاصة ووافقت عليها الولايات المتحدة.

تعتبر منطقة الشرق الأوسط أقرب إلى أوروبا من الولايات المتحدة، بل انها حديقتها الخلفية. كما أن مصالحنا أكبر من مصالح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط. ليس الدور الثانوي الذي اختارت أوروبا أن تلعبه مقارنة بدور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط مقبولاً على الإطلاق.

* سياسي بريطاني ونائب سابق عن حزب المحافظين

======================

الاستشراق العربي تجاه إيران

الاربعاء, 30 يونيو 2010

خليل العناني *

الحياة

نمط جديد من الاستشراق يمارسه بعض العرب تجاه إيران. فالتغطية التي يقوم بها بعض الفضائيات والصحف العربية للأزمة الإيرانية مع الغرب لا تختلف كثيراً عن تلك التي تقوم بها الصحف والدوائر البحثية الغربية، إن لم تكن أسوأ. ومن المحزن أن يسير بعض المثقفين العرب وراء الموجة الغربية التي تحاول تهيئة المناخ من أجل توجيه ضربة عسكرية لإيران، تماماً مثلما كانت الحال قبل غزو العراق عام 2003.

الاستشراق كما عرّفه الراحل إدوارد سعيد، هو نوع من التفكير المحمّل بأعباء التاريخ والصور النمطية تجاه «الآخر»، وهو يحجب جزءاً كبيراً من الحقيقة عن هذا «الآخر»، إما نتيجة انطباعات خاطئة وقلة معرفة، وإما بهدف التغطية على مصالح سياسية. وهذا ما حدث تماماً للفكر الغربي تجاه العرب والإسلام والمسلمين طيلة القرون الثلاثة الماضية.

وبنفس المنطق واللغة، يتم الآن استحضار الخطاب الاستشراقي الغربي تجاه إيران، وهو ما يمكن قراءته بسهولة من خلال تفكيك المقولات الصريحة والمضمَرة لهذا الخطاب، وأولها مقولة أن إيران تمثل خطراً داهماً على النموذج الغربي «الحداثي» وتجلياته فى المنطقة، وذلك كونها الدولة الوحيدة التي ترفض تطبيع علاقاتها مع الغرب منذ حوالى ثلاثة عقود أي منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979 وحتى الآن. وهنا يتكتل الغرب، شعوباً وحكومات، ضد ما يتم اعتباره المنافس الوحيد للمشروع الغربي القائم على الحداثة والمدنية (والاعتدال)، وهو ما جرت بلورته بوضوح في مقولة «الممانعين» والمقاومين التي صاغها المحافظون الجدد.

المقولة الثانية هي أن إيران تمتلك مشروعاً توسعياً (وربما إمبريالياً) في المنطقة مدعوماً بالقوة النووية، ويسعى لإحياء الأمجاد الغابرة للدولة الصفوية. وهو ما لا يختلف كثيراً عن تلك المقولة الاستشراقية الراسخة حول الإسلام والمسلمين الذين (يسعون الى استعادة أمجاد الخلافة الإسلامية تمهيداً لإعلان الحرب على الغرب وهزيمته).

وهي مقولة متهافتة لسببين أولهما أنها تجتزئ التاريخ كي تبني عليه نماذج معرفية تمكنها من حصار «الآخر» ومعاقبته سياسياً تحت غطاء ثقافي وحضاري. ثانيهما، أنها تنقض نفسها بنفسها من خلال القيام بدور الجلاّد والحَكَم فى آن واحد. فمعاقبة الغرب، ومعه بعض العرب، لإيران لا تستند الى مخالفة هذه الأخيرة أو انتهاكها الصريح لقواعد القانون الدولي، على الأقل مقارنة بما تفعله إسرائيل وكوريا الشمالية، أو ما قامت به أميركا في حربيها على أفغانستان والعراق، وإنما على فرضية خروجها عن المجتمع الدولي الذي هو هنا مرادف للأحادية السياسية الجديدة التي يتم رفعها في وجه المخالفين للنموذج الحداثي الغربي شكلاً ومضموناً.

وتبدو المفارقة بوضوح عندما تتم مقارنة السلوك العربي تجاه إيران بنظيره تجاه تركيا. فعودة هذه الأخيرة الى المنطقة بهذا الزخم والقوة لم تدفع أحداً كي يجترّ تلك المقولة الكلاسيكية حول (إحياء أمجاد الخلافة العثمانية) أو أن يتهِّم أردوغان ورفاقه بمحاولة بسط هيمنتهم على المنطقة. بل على العكس فإن هناك ترحيباً رسمياً وشعبياً بهذه العودة، وثمة دعوات لزيادتها وتكريسها من خلال روابط وعلاقات تجارية واقتصادية. صحيح أن تركيا ليست لديها «نوايا» نووية مثل طهران، ولكنها حتماً لديها نيات ومصالح استراتيجية وسياسية تجاه المنطقة. ونحن هنا لا نقارن بين أحقية أي من طهران أو أنقرة فى استباحة المجال الحيوي العربي، بقدر ما نحاول فهم وتفكيك ما هو مُضمَر فى الخطاب العربي، المتماهي مع نظيره الغربي، في التعاطي مع كلا البلدين.

أما المقولة الثالثة فهي أن إيران تسعى لاختراق المحيط السني في العالم العربي، ليس فقط من أجل نشر مذهب «التشيّع» في المجتمعات العربية، وإنما أيضاً من أجل تشكيل «طلائع سياسية» تسعى لتفكيك البلدان العربية من الداخل، ويتم هنا استحضار أمثلة «حزب الله» في لبنان و»حماس» و»الجهاد الإسلامي» في فلسطين، والحوثيين فى اليمن .. إلخ. ومن دون إغفال طبيعة العلاقة الاستراتيجية لإيران بهذه القوى والحركات، وهي هنا لا تختلف عن علاقات بعض التيارات العربية بقوى ودوائر سياسية غربية، فالذي يُلام هنا ليس إيران وإنما تلك البلدان التي أتاحت الفرصة لهذه الحركات وأعطتها المبرر، سياسياً وإيديولوجياً، للالتحاق بما يُسمّى بالمشروع الإيراني في المنطقة.

هذا النمط الاستشراقي Orientalist Narrative تجاه إيران، تم استخدامه وتوظيفه من قبل تجاه دول عربية وإسلامية أخرى كما حدث في مصر إبان حقبة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي اتُهم بمعاداة الرابطة الإسلامية لحساب نظيرتها القومية، ومثلما حدث مع الرئيس الباكستاني الأسبق ضياء الحق الذي اتهم بمحاباة الإسلاميين رغم علاقته الوثيقة بالغرب، ومثلما حدث مع الزعيم التركي نجم الدين أربكان الذي أدار ظهره للغرب وسعى لتجديد فكرة الجامعة الإسلامية.

ولعل القاسم المشترك بين هذه الحالات هو رفضها أو امتعاضها من السير خلف النموذج الغربي سياسة وفكراً. ونحن هنا لا ننطلق من دوغمائية مؤامراتية، بقدر ما نحاول تأطير الحوادث السياسية في إطار معرفي أوسع كي تتضح الصورة. فلا يبدو غريباً أن يتم استحضار النموذج الاستشراقي بلغته ومقولاته التقليدية في كل مرة ينشأ فيها خلاف بين الغرب وأية دولة عربية أو إسلامية.

وأزعم أن مخاطر الاستشراق العربي (والإسلامي) هي أعظم وأخطر من تلك التي يحملها نظيره الغربي، ليس فقط بسبب الغطاء السياسي والأخلاقي الذي يوفره للغرب وسياساته على طريقة (وشهد شاهد من أهله)، وإنما أيضاً بسبب تكريسه لنظرية «الصراع داخل الحضارة» Inter-civilizational conflict التي يرّوج لها المستشرقون الجدد حالياً. وهي فكرة تعرضنا لها في مقال على هذه الصفحة قبل عامين بعنوان «صراعاتنا الداخلية أسوأ من صراعنا مع الغرب» نشر في 27 آب / أغسطس 2008) ومؤداها أن الأزمة التي يواجهها العالم الإسلامي لا تكمن في المواجهة الحضارية مع الغرب، وفقاً لنظرية صراع الحضارات لصاحبها صموئيل هنتنغتون، أيا كانت مبرراتها وأشكالها، وإنما بسبب الصراعات الدامية التي تضرب المجتمعات الإسلامية شرقاً وغرباً. وهي حقيقة يستوي التغافل عنها وتفكيكها مع الرغبة فى تكريسها وإبقائها.

ولو سايرنا نفس المنطق الاستشراقي تجاه إيران لوصلنا إلى نفس النتيجة الكارثية. فأي ضربة عسكرية لطهران ستفجّر المنطقة دينياً وإثنياً وعرقياً وسياسياَ، وهي حقيقة ثابتة يحاول الغرب مداراتها وإخفاء أحجيتها. فالمنطقة تعوم فوق بحيرة من الاختلافات المذهبية (سنة وشيعة، سنة معتدلين ومتشددين، وأقباط ومسيحيين ودروز وموارنة) والإثنية (عرب، أكراد، أمازيغ، وأفارقة) والسياسية (معتدلين ومحافظين، مقاومين وممانعين)، ناهيك عن الاختلافات داخل كل طائفة وشريحة وقبيلة (العراق ولبنان نموذجاً).

بمعنى أخر إن «فيروس» الاستشراق ينشط عندما تتآكل الروابط الأفقية للولاء والهوية، وتحل محلها العصبيات الطائفية. حينئذ يتم «تلبيس» الصراع السياسي والاستراتيجي بعداً حضارياً وثقافياً كي يتم تبرير أية أفعال وجرائم سياسية محرّمة، وهنا يصل الاستشراق الى قمّته. فالمبرر الذي ساقته إسرائيل، وابتلعته الدوائر الغربية، حول جريمتها ضد «أسطول الحرية»، حمل مقولة (الدفاع عن النفس ضد نشطاء مرتبطين بتنظيم «القاعدة»)، وهي تلك التي ساقها المحافظون الجدد قبل غزوهم العراق وابتلعها العرب.

وإذا كانت ثمة مراجعة غربية آنية، على الأقل أكاديميا، لمقولات الاستشراق ومضامينها، فإن ثمة حاجة عربية ماسة للقيام بالشيء ذاته وذلك حتى لا تجدد مصائبنا ومآسينا.

* أكاديمي مصري - جامعة دورهام، بريطانيا.

======================

قراءة في مستقبل أوروبا

لوفيغارو

بقلم جوزيف ني‏

سكرتير سابق في الدفاع الأمريكي وأستاذ في جامعة هارفارد‏

ترجمة

الأربعاء 30-6-2010م

ترجمة: سهيلة حمامة

الثورة

أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الشهر الماضي أن مسألة سقوط اليورو فيما لو حصل الأمر تتعدى في خطورتها سقوط العملة النقدية لتصيب شظاياها أوروبا كاملة وتقضي دفعة واحدة على فكرة أوروبا الموحدة.

الوحدة الأوروبية كانت فيما مضى تصطدم بعراقيل حقيقية منها: تنسيق الميزانية.. الهويات الوطنية تهيمن على الهوية الأوروبية، المصالح الوطنية المحتواة أو الكامنة ما زالت كما يبدو تنتصر أكثر من أي وقت مضى.‏

ولعل توسيع الاتحاد الأوروبي ليشمل 27 دولة يشير على الأرجح أن مؤسساته ستبقى فريدة متميزة وقد تفضي نحو أوروبا الفيدرالية القوية والدولة الفذة.‏

ويمكننا والحالة هذه ملاحظة سمة الانسجام في القضاء الأوروبي وأحكامه في الدول الأعضاء التي قد تدفع بهم نحو تعديل سياساتهم، علماً أن عملية دمج السلطة التشريعية والتنفيذية ما زالت ضعيفة.‏

ففي حين تم تعيين رئيس ووزير خارجية للاتحاد الأوروبي ظلت السياسة الخارجية والدفاعية في مستوى الحكم العادي المبتذل.‏

لعقود طويلة ظلت أوروبا تتأرجح بين سمة التفاؤل الساذج ولنقل المفرط والأزمات المتأوربة الراهنة منها الأزمة المالية التي وضحت تماماً حدود تنسيق الميزانية داخل منطقة اليورو، إضافة إلى مباشرتها طرح مسألة دور مستقبل اليورو.‏

ما مستقبل أوروبا؟ أوروبا تواجه معضلات ديمغرافية بيد أن الكتلة السكانية لا تمثل بالضرورة عامل قوة دون أن نأخذ بالحسبان أن المتنبئين غالباً ما يخطئون إذ يعلنون انهيار أوروبا.‏

ففي الثمانينات كان المحللون يتحدثون عن «اليورو المخادع» والضيق الشديد في الأوساط الأوروبية ثم ما لبثوا في السنين التي تلت أن ناقضوا أنفسهم، إذ أشاروا بارتياح إلى أوروبا الساعية إلى النمو والتطور المؤسساتي المذهلين.‏

ولعل النهج الأوروبي المتبع في توزيع السلطات وتزويدها من قبل لجان متعددة برزمة اتفاقات وقرارات وحلول للنزاعات يبدو محبطاً ومخيباً للآمال، لكنه سيكون مبرراً فيما لو طبق تدريجياً على ملفات كثيرة في عالم مترابط ومتواصل.‏

أندرو مودافسيك عالم سياسي أمريكي يرى أن القوميات الأوروبية فردية كانت أم جماعية مؤهلة وحدها خارج نطاق أمريكا لممارسة تأثير عام وإجمالي يغطي طيف القوة بمجمله سواء قوة قسرية كانت أم تقليدية أم سطوة، فإذا كان الأمر كذلك ثمة إذاً معنى آخر وهو أن العالم ثنائي القطب ويفترض به على الأرجح أن يبقى كذلك لبعض الوقت، وانطلاقاً من ذلك أضيف أن أوروبا تمثل ثاني قوة عسكرية في العالم بما تقدمه من نفقات عسكرية عالمية بنسبة 21٪ مقارنة ب 5٪ للصين و 3٪ لروسيا و 2٪ للهند و 1،5٪ للبرازيل.‏

وفي سياق متصل قامت دول الاتحاد الأوروبي بنشر عشرات الآلاف من قواتها في سيراليون والكونغو كما في ساحل العاج ولبنان وأفغانستان.‏

وفي المجال الاقتصادي تشكل دول الاتحاد أكبر سوق عالمي وتبادلات دولية تصل إلى 17٪ مقارنة بما تقدمه أمريكا بنسبة تصل إلى 12٪.‏

كما يشير الواقع إلى أن أكثر من نصف المساعدات الدولية للكرة الأرضية إنما تأتي من القارة العجوز تليها الولايات المتحدة بنسبة 20٪ فقط.‏

تلك الميزات التي تنفرد فيها أوروبا تقريباً ستمسي غير ذي جدوى طالما أن المشكلات الموروثة من فقدان الثقة في الأسواق المالية في منطقة اليورو لن تحل بعد.‏

فلكل أولئك الذين يعجبون بالخبرة الأوروبية عليهم أن يستعيدوا ثقتهم بفوزها وانتصارها الأكيد.‏

======================

قراءة في احتمالات نشوب حرب جديدة

المستقبل - الاربعاء 30 حزيران 2010

العدد 3697 - رأي و فكر - صفحة 19

مهى عون

كل الحروب العربية الإسرائيلية الماضية لم تنتهِ عند انتصار أيٍّ من طرفي النزاع. وعندما كانت الحرب تضع أوزارها كان يقال بأنها نهاية لمعركة أكثر منها نهاية للحرب. ويبدأ التحضير للجولة المقبلة غداة صمت المدافع. وما من حرب تنشأ برضى الطرفين. وإذا اتفق الطرفان يكون لإبعاد الحرب لتفادي تداعياتها، وليس لخوضها سوياً. إذاً، الحرب عادةً ما تأتي نتيجة تصاعد منسوب التوتر والتشنج بين طرفي النزاع إلى أن تصبح الأوضاع قابلة للانفجار، بانتظار الشرارة الضرورية التي عادة ما يأخذها الطرف الذي يراهن أكثر على حسابات جني المكاسب من هذه الحرب. أما الغريب اليوم والذي يكسر القاعدة المألوفة فهو أن الحرب التي يكثر الكلام عنها في الآونة الأخيرة في حال حصولها، سوف يخوضها الطرفان العدوان على قاعدة "مرغم أخوك لا بطل"، وكأن هناك جهة واحدة تدفع بالطرفين وعلى حد السواء إلى آتون القتال والمعارك، فتؤمن الذرائع للأول وتحث الثاني للدفاع عن النفس..

والملفت هو تزامن هذا الكلام التصعيدي، مع سياق التحضير لانطلاق سفينتين لبنانيتين تحملان المساعدات الإنسانية إلى قبرص، مع عزمها الوصول إلى قطاع غزة بطريقة أو بأخرى. وما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن الذي لم يتوقعه العقل اللبناني الفذ الذي اخترع حيلة قبرص، إعلان سلطات الجزيرة عزمها على رفض منح الإذن لهذه السفن بمغادرة شواطئها باتجاه غزة!... ولكن هذا موضوع آخر. ما يهمنا التركيز عليه هو أن الخطورة تكمن في تمكن وصول هذه السفن بالرغم من أنف إسرائيل إلى شواطئ غزة. حيث إنه من المتوقع أن تستعمل إسرائيل ذلك كذريعة لتبرير عدوان جديد يستهدف عبره ليس حزب الله فقط، بل وأيضاً لبنان بأكمله وبناه التحتية كما سبق وجاء على لسان وزير الحرب الإسرائيلي يهودا باراك. وبالرغم من التطمينات التي حصل عليها لبنان نتيجة المساعي الكثيفة التي يقوم بها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، لإبعاد هذا الكأس المر، فهذه التطمينات لم تطمئن أحداً في لبنان، خاصة وأن كلام الرئيس الفرنسي جاء ليصب الزيت على النار. أما وقد نقل تقرير صحافي كلاما صدر عن الرئيس الفرنسي زاد من نسبة القلق والتوتر المسيطران، حيث أنه دعى إسرائيل لإبلاغه مسبقاً بتوقيت بدء العمليات الحربية، حتى يتم تحييد القوات الفرنسية المرابطة في جنوب لبنان ضمن قوات اليونيفيل.

وبالتالي ثمة أسئلة باتت تطرح نفسها، منها حول إذا كانت إسرائيل تسعى فعلاً للحرب وتستعد لها كما كشف عنه هذا التقرير، ومنها حول إذا كانت إسرائيل هي الطرف المستفيد أولاً وآخرا من حصول الحرب، أم هناك جهات أخرى تراهن على الغلبة الإسرائيلية في نهايتها؟ وأسئلة أخرى حول احتمال أن يكون عنوان كسر الحصار عن غزة بواسطة القوافل البحرية ذريعة تقدم لإسرائيل على صحن من فضة حتى تشن هجومها المنتظر؟ وسؤال آخر حول احتمال استشعار حزب الله وإيران بأن هذه الحرب لا تخدم إستراتيجيتهما الشرق أوسطية، فحاولا التنصل من قضية سفن السلام هذه بطريقة أو بأخرى؟ وبالتالي هل ثمة جهة تدير سير الأحداث في حوض المتوسط وعلى ضفافه ب"الرموت كنترول" ومن بعيد، فدرجت موضة القوافل البحرية، ولماذا الآن؟ ومن هي الجهة التي يهمها توريط إسرائيل كما هذين الحزبين في حرب ضروس لا تحمد عقباها؟.

على ما يبدو، المطلوب أميركياً ودوليا اليوم من إسرائيل حرب على حزب الله، وليس ضربة عسكرية على إيران. وإسرائيل من منطلق عدوانيتها المعهودة وخدمة لاستعادة الهالة والصورة التي كانت تتغنى بها، من ناحية الجيش المتفوق، قد لا تتمنع عن تنفيذ هذه المهمة. مع العلم أن الحرب قد تشكل أفضل علاج للأزمة الداخلية التي تتخبط بها الحكومة الإسرائيلية، وتعيد التماسك لشبكة اللوبي الصهيوني في العالم من حول إسرائيل.

قد تذهب إسرائيل إلى الحرب على خلفية القناعة بأن لا سوريا ولا إيران سوف تشاركا فيها بجانب حزب الله أو حماس، مهما بلغت ضراوة هذه الحرب وقساوتها. والجيش الإسرائيلي ليس أيضاً بوارد بل ليس من مصلحته إدخالهما فيها. ناهيك عن أن إيران هي بصدد لملمة أوراقها المبعثرة بعد تشديد العقوبات عليها. تقول إنها مستمرة في برنامجها النووي ولكنه ربما يصبح ثانوياً بسبب أزمتها المعيشية الحادة المتوقعة بعد انزال العقوبات الجديدة عليها والتي تتعلق بقطاع البترول والمواد النفطية الحيوية الأخرى. وهي بالتالي لا تريد حربا في هذا الوقت بالذات. سوريا لا تريد حربا هي الأخرى تهدد وجودها ونظامه. حزب الله لحساباته اللبنانية والشعبية لا يريد هو الآخر خوض هذه الحرب بالذات نظراً لاستحالة تأمين طرق إمداداته عبر الأراضي السورية خاصة وأن كل ما يخرج ويدخل من إيران من بضائع براً أو بحراً سوف يخضع لمراقبة المجتمع الدولي، بعد تنفيذ العقوبات على إيران.ولكن هذا ما يراهن عليه القرار الدولي بالذات وربما صدور قرار تشديد العقوبات في ما خص خروج ودخول السلع من وإلى الداخل الإيراني في هذا الوقت بالذات إنما يخدم الاستراتيجية الحربية لحرب مقبلة مع حزب الله حيث إن خطوط تموينه الخلفية سوف تكون مقطوعة ومعطلة. ولكن ما من خيار أمام حزب الله الذي سوف يرى نفسه مدفوعا أيضاً إلى ساحة القتال، ومضطرا لخوض الحرب شاء أم أبى، إذ لا يمكنه أن يظل متفرجا على الاعتداء الاسرائيلي يحصل على السفن اللبنانية وراكبيها، (إذا ذهبت السفن وحصل الاعتداء) من دون حراك أو يخون المبادئ التي تبرر وجوده.

======================

كيف يمكن لاتفاق سلام أن يجعل أفغانستان تبدو مثل لبنان؟

دانيال سروَر

الشرق الاوسط

30-6-2010

في الوقت الذي يرفع فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما من عدد القوات داخل أفغانستان، ويدفع بالأموال إلى باكستان، يجري الإعداد لمخططات تستهدف الوصول إلى تسوية عبر مفاوضات قبل بدء الانسحاب الأميركي في يوليو (تموز) 2011. ويُعزز تعيين الجنرال ديفيد بترايوس الأسبوع الجاري قائدا للقوات الأميركية داخل أفغانستان من أهمية تحديد بنود هذه التسوية.

وبالنسبة إلى مَن ينتبهون بحرص إلى الصمت عن أشياء محددة، فإن الجزء الأكثر أهمية في خطاب الرئيس الأميركي خلال حفل التخرّج في «ويست بوينت» الشهر الماضي يتمثل في عجزه عن إعلان أي وضع نهائي للحرب داخل أفغانستان وباكستان. وكان ذلك واضحا عندما قال إنه يريد «دولة عراقية لا توفر ملاذا آمنا للإرهابيين، ودولة عراقية ديمقراطية تتمتع بسيادة واستقرار وتعتمد على نفسها» ثم لم يذكر شيئا مماثلا عن أفغانستان.

ويرجع هذا الصمت الملحوظ إلى اقتناع متنام بأنه حتى إذا تمكنت الولايات المتحدة وحلفاؤها في التحالف من النجاح خلال الصيف الحالي في تطهير مدينة مثل قندهار من مقاتلي حركة طالبان، فإنه لا يوجد أحد يمكنه السيطرة على الأرض وبناء المؤسسات الضرورية أو تحمل المسؤولية بمجرد أن يُنهي الجيش عمله. وقد كانت تجربة فصل الربيع في تطهير المارجا دليلا على الصعوبة المحتملة للمهمة داخل قندهار، حيث بدأ مقاتلو حركة طالبان في التسلل عائدين إلى المارجا.

وقد رفعت وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية من أعداد المدنيين داخل أفغانستان خلال العام الماضي بمقدار أربعة أضعاف، ومع ذلك ما زالت الوزارة والوكالة غير واثقتين من كفاءة المقتدرات المدنية. ومن الواضح أن الحكومة الأفغانية لا يمكنها تحمل العبء.

وعليه، تبحث الإدارة الأميركية في الوقت الحالي عن خروج لائق يتم التوصل إليه من خلال المفاوضات. ويمكن أن تلعب الاستخبارات الباكستانية بالإنابة (وكضامن) لحركة طالبان، مثلما فعل سلوبودان ميلوسيفيتش لصرب البوسنة قبل 15 عاما. وسيسلم الأميركيون كابل، وربما تسمح الاتفاقية لحركة طالبان بالسيطرة على أجزاء كبيرة من أفغانستان، ولكن مع إبقاء تنظيم القاعدة داخل باكستان، حيث قد توافق إسلام آباد على التعامل بقسوة مع مقاتلي التنظيم.

لقد تحدثت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أكثر من مرة عن «خطوطها الحمراء» ذات الصلة بهذا الاتفاق: نبذ حركة طالبان لأعمال العنف واستعدادها للالتزام بالدستور الأفغاني (الذي يضمن للنساء حقوقا متساوية)، بالإضافة إلى رفض السماح لتنظيم القاعدة أو غيره من التنظيمات بالعمل ضد الولايات المتحدة.

وإذا وصلت حركة طالبان بالفعل إلى السلطة في جزء من أفغانستان - بالسيطرة على الجنوب والمشاركة في السلطة داخل كابل، على سبيل المثال - يمكن أن تبدأ أفغانستان في التحول إلى مثيل لدولة لبنان، فهناك يسيطر حزب الله على أجزاء كبيرة من الدولة، ولديه قوات مسلحة تابعة له ويقدم الخدمات لجزء كبير من المواطنين اللبنانيين. ولكن لدى الولايات المتحدة ودول أخرى سفارات داخل بيروت، وتتعامل بصورة دورية مع الحكومة والبرلمان، وتحاول إقناع السلطات اللبنانية بالحد من نفوذ وسيطرة حزب الله.

وتشير الموازنات إلى مقارنات أقل قبولا، فالمنطقة التي يسيطر عليها حزب الله لا يمكن القول بأنها حرة. ومن الصعب تخيل أن تكون المنطقة التي تسيطر عليها حركة طالبان مثل ذلك بدرجة كبيرة. وعلى الأقل يُحد من حزب الله أمن حدودي إسرائيلي صارم. ولا يوجد شيء مماثل لذلك على الحدود الباكستانية الأفغانية التي يسهل التسلل عبرها. كما أن حركة طالبان لديها اهتمام بالحكم أقل من حزب الله، علاوة على أنها أقل شعبية كثيرا.

ويُعد حزب الله مصدرا مهما لعدم الاستقرار داخل المنطقة، ويقوم بتدريب وتسليح مَن يمثلون تهديدا لإسرائيل والدول العربية الأكثر اعتدالا. وحتى إذا لم تحاول حركة طالبان تنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة، فيكمن أن تبقى ضارة للمصالح الأميركية، كما هو الحال داخل باكستان.

وعلى الرغم من أن الرئيس الأفغاني حميد كرزاي سيكون سعيدا بإنهاء حرب جعلته يقاتل ضد رفقاء من البتشون، فإنه من غير المحتمل أن يُعجب أعداء حركة طالبان داخل أفغانستان - الطاجيك والأوزبك المسيطرين على الشمال - بإعطاء جزء كبير من الدولة إلى مَن يعتبرون مجلس «كويتا شورى»، التي تدير الشريحة الأكثر أهمية داخل حركة طالبان، صاحبة السلطة المطلقة.

لقد قام كرزاي أخيرا بإقالة مسؤولين أمنيين مهمين، ظاهريا، عقب هجمات على مؤتمر السلام الوطني (جيرغا) الذي أعطى له تصريحا بالتعامل مع حركة طالبان. ولكن، كان الرجلان معارضين أفغانيين لمجلس «كويتا شورى».

وستلتقط باكستان وحركة طالبان إشارات عبر وزير الداخلية ورئيس الاستخبارات الجديدين. فإذا جاء كرزاي بشخصين وفق هوى إسلام آباد، ووافق الأميركيون عليهما، فإن ذلك سيظهر أن الباب مفتوح أمام إجراء مفاوضات.

ولكن، من غير الواضح ما إذا كانت حركة طالبان تريد ذلك، حيث يبدو أن المقاتلين لا يشعرون بوقوع ضرر كبير على الرغم من الجهود الأميركية والأفغانية الجسورة في أرض الميدان. وربما لا تكون باكستان راغبة في إجبار حركة طالبان على التفاوض، أو غير قادرة على ذلك.

وعلى افتراض بدء المفاوضات بحلول فصل الخريف، فستوجد شكوك في الحفاظ على الخطوط الحمراء لكلينتون داخل أي جزء من أفغانستان تسيطر عليه حركة طالبان. ويبدو أن الشيء الوحيد الذي يُهم أوباما هو منع تنظيم القاعدة من العودة إلى أفغانستان. ولا يزال النساء داخل جنوب أفغانستان يرتدون البرقع بالفعل. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف سيكون مصيرهم إذا وافقت الولايات المتحدة على سيطرة حركة طالبان؟

ومع ذلك، لا تزال هناك نتائج أخرى يحتمل حدوثها. ويجب على الرئيس البدء بتحديد الوضع النهائي الذي يرغب فيه. وربما يكون من الجيد البدء ب«دولة أفغانية لا توفر ملاذا آمنا للإرهابيين، وتكفل حقوقا متساوية لكافة مواطنيها، وتحافظ على سيادتها بمساعدة دولية ولكن من دون وجود قوات أجنبية على أراضيها». ولكن حينئذ، من المحتمل أن يتعين عليه إبقاء القوات الأميركية داخل أفغانستان بعد الانتخابات المقبلة بوقت كاف، ويبدو بصورة متزايدة أنه يُعترف بذلك الأمر. وسيفعل بترايوس خيرًا إذا أصر على تحديد وضع نهائي بصورة واضحة في الوقت الذي يتولى فيه مسؤولياته الجديدة.

* نائب الرئيس لمراكز ابتكار بناء السلام بالمعهد الأميركي للسلام. وهذه الآراء تعبر عن وجهة نظره.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ