ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 12/07/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


عن حصار غزة.. وعن هموم الجليل أيضاً

المستقبل - الاحد 11 تموز 2010

العدد 3707 - نوافذ - صفحة 13

راسم المدهون

[ 1

ثمة هرولة أوروبية عالية الصوت في هذه الأيام، تهدف إشاعة أجواء عن "تجاوب" إسرائيلي مع الدعوات العالمية لفك الحصار عن قطاع غزة. زعماء أوروبيون ومعهم ممثل الرباعية الدولية رئيس الوزراء البريطاني السابق تلقفوا الإعلان الإسرائيلي عن السماح بإدخال بعض السلع التي كانت ممنوعة، وذهبوا أبعد من مساحة ذلك الإعلان لتصوير ما اتخذته إسرائيل على أنه خطوة كبرى. ومن يتابع تطورات ما يجري سيلحظ الهمروجة التي يقوم بها بصخب إعلامي وزراء خارجية عدد من الدول الأوروبية بإعلانهم نيتهم زيارة غزة للتأكد من تنفيذ القرارات الحكومية الإسرائيلية.

أتوقف هنا لملاحظة مسألتين على غاية من الخطورة :

أولاً: القرار الحكومي الإسرائيلي (إذا تمّ تنفيذه فعلا) يسمح بإدخال بعض "الممنوعات" وليس كلّها، وهو يستمرّ في حظر إدخال مواد البناء إلا تلك التي تعود لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، والمنوطة بإعادة إعمار جزئية تشمل بحسب الأولويات مؤسسات الوكالة والمدارس التابعة لها، ثم بعد ذلك بيوت اللاجئين الفلسطينيين التي دمّرها العدوان.

معلوم هنا أن نسبة لا بأس بها ممن دمّرت بيوتهم هم من سكان مدن وقرى القطاع الأصليين، أي من غير اللاجئين، وهؤلاء لا تشملهم بالطبع خدمات وكالة الغوث.

ثانياً: قرارات حكومة إسرائيل تتحدث عن إدخال مواد ضرورية للقطاع، وكذلك تفعل أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، لكن لا أحد يتحدث عن إخراج مواد ما من القطاع. بكلام أكثر وضوحاً القرار الإسرائيلي، ومعه الدعوات الأوروبية يتجاهل التصدير من القطاع للعالم الخارجي.

إحدى أبرز المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها القطاع وأهله هي حصار البضائع التي ينتجها سواء الزراعية أو الصناعية. هنا بالذات من المفيد والضروري أن نتذكر أن القطاع الصغير ينتج على سبيل المثال نصف ما تنتجه إسرائيل من الورود، ناهيك عن منتجاته الزراعية الأخرى، الخضروات والفواكه وبالذات الحمضيات، وكلُها لها مكانها في الأسواق العربية والعالمية.

ثمة تغييب لقضية التصدير من قاموس المفردات الدولية المتداولة في جدالات الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، وهو تغييب متعمد ومقصود، نتمنى أن لا يغيب أيضا عن تحركات واتصالات المسئولين الفلسطينيين، والعرب، وخصوصا مؤسسات الجامعة العربية، فاستمرار الكلام عن "إدخال" دون "إخراج" هو بكل تأكيد حصر للأمر في خانة الإغاثة" وحسب، وهي مسألة تأخذ الأمر كلّه نحو متاهة يصعب معها تحقيق فكرة فك الحصار وإعادة الحياة الطبيعية له ولأهله الذين عاشوا أكثر من أربع سنوات مريرة في ظلّ الحرمان والعوز والعالم يقف لا مباليا منهم ومن محنتهم.تلك مسألة تقتضي مواجهة فلسطينية وعربية بفهم واضح ومحدّد: ضرورة فك الحصار.

أصعب ما يمكن أن يواجهنا في هذا المجال هو الغرق في التفاصيل والجزئيات، من خلال التجاوب مع مفردات القرارات الإسرائيلية وما يمكن أن يتسبب به ذلك من جدالات عقيمة لن تنتهي كالعادة، وستذهب حتما نحو صرف الأنظار عن قضية الحصار إلى مناقشات أخرى لا صلة لها بذلك.من المهم في مقام كهذا وضع العالم أجمع أمام مسئوليته في فك الحصار، وتلك مسألة لا تتحقق دون وضوح الوسائل كما الأهداف، ودون تحرُك فلسطيني وعربي جدّي يأخذ على عاتقه التمسُك بشرط فك الحصار، وعدم التنازل عنه، وتأكيد رفض سياسة القطّارة التي تسعى إسرائيل لتسييدها في كلّ النقاشات الدولية حول قطاع غزة ومعاناة أهله.

هي واحدة من المهام الكبرى، والتي تستدعي بدورها استعادة الحد الأدنى من التوافق الفلسطيني، للخروج برؤية واحدة، وبقرارات واحدة، خصوصا وأن الأمر يتعلق بمليون ونصف المليون من المواطنين الفلسطينيين، الذين هم أصحاب القضية وضحاياها في الوقت نفسه.

[ 2

قبل عقد ونصف من السنوات التقيت في مناسبة ثقافية شاعرا فلسطينيا صديقا كان قد هاجر إلى السويد مطلع سنوات السبعينات، وغاب عنا كما غابت أخباره إلا القليل من قصائد كان ينشرها في أوقات متباعدة في المجلات والصحف العربية. أتذكر أن أول وأهم ما لفت نظري في تصرفات وسلوك الشاعر الصديق أنها كانت كلُها تكشف غيابه شبه الكامل عن كلّ ما عاشته الساحة الثقافية الفلسطينية من تطوّرات عكست نفسها بالضرورة على المثقفين أنفسهم.

كان صديقي يستهجن ظواهر كثيرة أصبحت مألوفة لمن يواكب الحياة الثقافية والسياسية الفلسطينية إلى الحد الذي جعلنا، ونحن من أصدقائه، ننعته بأنه من "أهل الكهف" في مزحة لا تخلو من دلالة على غيابه عن وعي الحاضر وما فيه من وقائع وحقائق جديدة لم تكن موجودة في تلك الأيام التي كان خلالها معنا مطلع سبعينات القرن الفائت.

لذلك الصديق كانت الثقافة حالة رومانسية تأخذه لمعاني الصفاء، والطهارة، فكان يترحم كثيرا على "أيام غسان" قاصدا بالطبع الكاتب الراحل غسان كنفاني، الذي استهدفته متفجرة وضعتها المخابرات الإسرائيلية في سيارته فانفجرت به ومزقته ومعه إبنة أخته في حي الحازمية في بيروت صباح الثامن من تموز / يوليو عام 1972 .

اليوم وإذ أعيش ذكرى الثامن من تموز، أقلّب صفحات التجربة الثقافية الفلسطينية وبالذات تلك التي شهدت محطات كان خلالها الكاتب الشهيد غسان كنفاني مثقفا فاعلا يجمع الثقافة والإبداع بأشكال متعدّدة من الممارسات السياسية والجماهيرية، وهي حالة باتت منذ زمن طويل بالغة الندرة، بسبب من عوامل لا تحصى أسهمت بدرجات متفاوتة في تخريب الحالة الثقافية وإحباط المثقفين والمبدعين.

الأمر لا يتعلق هنا بخراب يصيب الحالة الثقافية فتقف آثاره عندها، ولكنه يمتدُ منها ليحيط بالحياة الفلسطينية في كلّ وجوهها، خصوصا وأن خراب الحالة الثقافية يعني بالضرورة غياب قادة الرأي وغياب الوعي الحقيقي القادر والجدير بملاحظة الموقف الصحيح في حمّى التطورات الهائلة والسريعة التي تعيشها القضية.

[ 3

في احتدام الجدل الفلسطيني حول الوحدة الوطنية، والسعي لتحقيقها، يظلّ الكلام محصورا في عنوان وحيد هو حالة الانقسام السياسي والجغرافي بين الضفة والقطاع، بسبب من التباعد بين حركتي فتح وحماس .

لا أحد ينتبه للحالة السياسية في مناطق الاحتلال الأول حيث يعيش مليون ونصف المليون فلسطيني وراء "الخط الأخضر"، ويواجهون يوميا أشكالا متعدّدة من التمييز العنصري، الذي لا يخفي أهدافه المعلنة في التخلُص منهم .

هؤلاء يعيشون بدورهم حالة انقسام، قد لا تتطابق ملامحها مع تلك التي بين فتح وحماس، ولكنها وبسبب من خصوصية الحياة هناك، تأخذ ملامح مختلفة.ليس المطلوب في حالة فلسطينيي الجليل والمثلث والنقب أن تتوحد الأحزاب السياسية وأن تلغي تعدديتها النابعة من أسباب موضوعية ومواقع اجتماعية وفكرية وسياسية مختلفة، بل تحقيق حالة من التوحّد حول الأهداف الرئيسة الكبرى.

غلاة المتطرفين الإسرائيليين لا يكلُون من الصراخ ليل نهار عن مخاطر "القنبلة الديمغرافية الفلسطينية" التي ستحوّل الإسرائيليين إلى أقلية. وبغض النظر عن المغزى العنصري لذلك الصراخ الإسرائيلي لا تغيب من البال فكرة غياب الفاعلية عن الجسم الفلسطيني هناك، وهو غياب يحدث ويستمر بسبب غياب الوحدة، بل وتنامي حالات التنابذ بين أطراف الحركة السياسية والحزبية التي تنتظم المواطنين الفلسطينيين، والتي نفترض منطقيا أنها أداتهم ووسيلتهم لتحقيق أهدافهم وتطلعاتهم.

أعتقد أن الحالة السياسية الفلسطينية وراء الخط الأخضر تحتاج هي الأخرى لسعي جدّي نحو إنهاء التنابذ والتنافس السلبي، ذلك أن الواقع على الأرض يؤكد أن غالبية مواطني الجليل والمثلث والنقب لا زالت لأولئك اللامنتين لأحزاب سياسية، وهي حقيقة يمكن رؤيتها بوضوح في هبوط الرقم الذي يحصل عليه الفلسطينيون في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، والذي لا يتناسب مع أعدادهم التي تجاوزت المليون ونصف، أي الأعداد التي تمنحهم ما يقارب ثمانية عشر مقعدا في حال توحدهم، ونجاحهم في بناء علاقة وطيدة بجمهورهم.

=============

الانترنت .. حرب خفية بين واشنطن وبكين

الرأي الاردنية

11-7-2010

 أزال الاتفاق بين شركة جوجل وبكين على انهاء نزاع بينهما بسبب الرقابة أحد مصادر التوتر في العلاقات الامريكية الصينية.. ولكن لا تزال هناك خلافات عميقة بين البلدين حول مستقبل الانترنت.

 

وكانت شركة جوجل أعلنت أمس الاول أن الصين جددت ترخيصا لتشغيل موقعها الالكتروني باللغة الصينية بعد أن وافقت على وقف توجيه عملائه في الصين تلقائيا الى صفحة البحث الخاصة بهونج كونج غير الخاضعة للرقابة.

 

وقال شيلدون هميلفارب خبير التكنولوجيا في معهد السلام الامريكي "كلا الجانبين تنازل عن شيء ما ومن ثم كان ذلك حلا دبلوماسيا ممتازا. ولكن هناك أمرا جانبيا مستمرا يتعين علينا أن نواصل النظر اليه.. انه النمط المربك لاساءة استغلال أخلاقيات الانترنت من قبل الصينيين".

 

ونزع الاتفاق الذي أبرمته جوجل فتيل خلاف بين واشنطن وبكين انفجر في كانون الثاني الماضي بعد أن قالت شركة جوجل انها قد تضطر الى ترك السوق الصينية بسبب هجمات المتسللين والمخاوف من الرقابة. وقادت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون المسؤولين الامريكيين في تأييد جوجل ومطالبة الصين بتفسير حوادث التسلل المزعومة لتضيف توترا الى العلاقات المتوترة بسبب ممارسات العملة الصينية ومبيعات السلاح لتايوان وقضايا أخرى. وقوبلت تلك المطالب باستنكار من بكين التي رفضت الاتهامات وجندت وسائل الاعلام الصينية لاتهام جوجل بالترويج لبرنامج سياسي.

 

ولكن نظرا لان العلاقات الامريكية الصينية متوترة بالفعل وأصبح مستقبل جوجل في أكبر سوق للانترنت في العالم موضع شك اختارت جميع الاطراف التراجع قليلا أملا في امكانية التوصل الى حل. وكانت النتيجة الاتفاق الذي أعلن أمس الاول.

 

وعلقت ربيكا ماكينون خبيرة الشؤون الصينية في مركز سياسة تكنولوجيا المعلومات في برينستون على الاتفاق قائلة "انه حل صيني تقليدي". ومضت تقول "من الناحية الجوهرية لم يغيروا شيئا ولكنهم أذعنوا للقانون الصيني من الناحية الفنية". ويتضمن الاتفاق مزايا واضحة لجوجل التي تأمل في استغلال موقعها الصيني للدخول في مجالات أخرى مثل البحث عن المواد الموسيقية وترجمة النصوص بينما يلقى نظام اندرويد لتشغيل الهواتف المحمولة رواجا كبيرا في البلاد.

 

وقال محللون ان الصين استفادت أيضا بإرسال اشارة مطمئنة الى الشركات الاجنبية بأنها ستلعب وفق قواعدها بينما ستبقي شركة عالمية مبتكرة مثل جوجل في سوقها المحلية حيث يمكن للشركات الصينية أن تتنافس معها وأن تتعلم منها. وبالنسبة للولايات المتحدة فان توجيه الاضواء بعيدا عن جوجل يعزز التطورات الايجابية الاخرى بما في ذلك الخطوات التي يتخذها الجانبان لحل الخلاف حول تقييم الصين لعملتها وضغطها الفاتر والمستمر في الوقت نفسه على ايران بسبب برنامجها النووي.

 

ولكن المحللين يرون ان خلاف الانترنت الرئيسي بين واشنطن وبكين حول حرية المعلومات وحرية التعبير لا يزال قائما وكذلك المخاوف الامريكية المتزايدة بسبب حوادث هجمات الانترنت والتسلل. ولكن قد تكون هناك علامات على حدوث تقدم.

 

وكتبت السناتور ديان فينشتاين عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا مع اثنين اخرين من أعضاء مجلس الشيوخ مقالا في صحيفة سان فرانسيسكو كرونيكل أمس الاول قالوا فيه أنهم حصلوا على تطمينات من بعض الزعماء الكبار في الصين بشأن استعدادهم للتواصل في قضايا أمن الانترنت. وحث أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة المسؤولين الامريكيين على ادراج الموضوع في الحوار الدبلوماسي الاوسع بين البلدين.

=============

سياسة باكستان المزدوجة

راجان مينون - «لوس أنجيليس تايمز»

الدستور

11-7-2010

السلطات الباكستانية ردت بشكل غاضب على دراسة نشرتها كلية لندن للاقتصاد الشهر الماضي ، وتوصلت إلى أن الاستخبارات الباكستانية تمول الطالبان بشكل منتظم وتحتفظ معها بعلاقات رفيعة المستوى وعلى نطاق أوسع مما يُعتقد عموما. بالرغم من الاهتمام الذي حاز عليه ، فإن التقرير يؤكد ما هو معلوم بشكل عام بين الأكاديميين المختصين بشؤون أفغانستان والصحافيين ذوي الخبرة الكبيرة في تلك الدولة.

 

بلغت الاستخبارات الباكستانية ، بالإضافة الى القوات المسلحة ، مكانة دولة داخل دولة في باكستان منذ زمن طويل. مما لا شك فيه أنه لا يمكن وضع أي سياسة تتعلق بالأمن القومي دون أن تشارك فيها وأن تكون مسؤولة عن تنفيذها. وكون هذا ينطبق على طالبان أمر لا شك فيه. نهضة طالبان وانتصارهم اللاحق ، في 1996 ، على القوى الإسلامية المتعددة التي حاربت من أجل السيطرة على أفغانستان الذي كانت تعمها الفوضى ، وحروب الثأر بعد السوفييت: كان نتيجة دعم الاستخبارات الباكستانية وتوجيهاتها وتمويلها.

 

لا تدين طالبان في انتصارها الى الاستخبارات الباكستانية والجيش الباكستاني فقط ، فقد احتفظت الحكومات الباكستانية المتعاقبة بعلاقات دبلوماسية مع الحكومات الأفغانية التي سيطرت عليها طالبان (باكستان كانت مجرد دولة من ثلاث دول فعلت ذلك ، وهي السعودية والإمارات العربية المتحدة). تغيرت هذه السياسة فقط عندما وجهت الولايات المتحدة ، عقب هجمات الحادي عشر من أيلول ، إنذارا أخيرا الى باكستان. في مذكراته ، يزعم الرئيس الباكستاني وقائد الجيش السابق: برويز مشرف ، أن وزير الخارجية الأميركي ، كولين باول ، قد قال له: "إما أن تكون معنا أو ضدنا". في مواجهة غضب شديد من حليفهم التقليدي ، الذي كان ، علاوة على ذلك ، يصوغ اتفاقية استراتيجية للتعاون المشترك مع الهند ، المنافس الرئيسي لباكستان ، تخلى الباكستانيون عن طالبان.

 

باستثناء أنهم لم يقوموا بذلك كليا. لقد كانت باكستان تشكل دولة الجبهة الأمامية في محاربة أميركا للتمرد المضاد لطالبان في أفغانستان. لقد حاربت طالبان الأفغانية ، وحتى جناحها في باكستان ، الذي يحمل اسم تحريك طالبان ، بصورة مواظبة ، هذا الجناح الذي كان يشكل خطرا مباشرا على الدولة الباكستانية وعلى سيطرة المجمع العسكري الاستخباراتي داخلها ، بعكس نظيره الأفغاني.

 

الرئيسان الباكستانيان ، أولا مشرّف والآن عاصف علي زرداري ، صرحا أن الجنود الباكستانيين قد ضحوا بأرواحهم في محاربة الطالبان ، وأن عمل الاستخبارات الباكستانية كان حاسما في القبض على ناشطين رئيسيين في طالبان ، وكان آخره القبض في شهر شباط على الملا عبد الغني بردار ، النائب الأول لزعيم الطالبان الملا محمد عمر. في مقابل هذا الدور ، حصلت باكستان على مساعدات اقتصادية وعسكرية أميركية تقدر بالمليارات ، وخففت من حدة السياسة الأميركية التي كانت ، في رأي إسلام أباد ، تتحرك باتجاه أقرب إلى الهند واستثناء باكستان.

 

ولكن ذلك كان دوما جزءا واحدا من استراتيجية باكستان. بالرغم من اعتبار "تحريك طالبان" عدوا ، يُنظر الى طالبان الأفغانية بشكل مختلف بعض الشيء. بالتأكيد ، هناك مكاسب تُجنى من الولايات المتحدة من خلال شن هجمات ضد طالبان الأفغانية وتسليم بعض أعضائها الفاعلين من وقت لآخر. ولكن باكستان تريد أيضا أن تحتاط مخافة أن تفشل حملة الولايات المتحدة وحلفائها وأن تصبح الحكومة الأفغانية للرئيس حامد كرزاي مجبرة على صنع سلام ، بل والقبول باتفاق تقاسم السلطة ، مع الطالبان. اذا ما حدث ذلك ، فإن باكستان مصممة على لعب دور هام في تشكيل أفغانستان ما بعد الأميركيين ، تماما كما فعلت في أفغانستان ما بعد السوفييت من خلال دعمها لطالبان. لقد أبقت على علاقاتها المستمرة مع الطالبان الأفغانية - ومع حركتين إسلاميتين أفغانيتين أخريتين لديها معهما تاريخ طويل ، تلك التي يتزعمها سراج الدين حقاني وغلب الدين حكمتيار - من أجل السيناريو الثاني.

 

وكلما ازدادت الدلائل على كراهية حكومة كرزاي الفاسدة وغير الفاعلة: وعلى النتائج المخيبة للآمال ل "العملية المشتركة" ، التي شُنت في شباط وسط زوبعة كبيرة وكان من المفترض أن تؤدي إلى استعادة السيطرة على مارجا من الطالبان: وعلى تناقص الدعم بين الأميركيين للحملة الأفغانية: وعلى إشارات بوجود حلفاء مهمين للناتو يتوقون الى الخروج من أفغانستان ، فيما يتسائل آخرون حول احتمالات النجاح: وعلى ما يّذكر من تقديم كرزاي اقتراحات للطالبان واستيائه من واشنطن ، كلما ازداد استعداد الباكستانيين لأفغانستان ما بعد الأميركيين.

 

باكستان ممصممة على أن يكون هناك حكومة صديقة ، ومستقلة بالفعل ، في أفغانستان حالما تنسحب الولايات المتحدة وحلفاؤها - الرئيس أوباما تعهد ببدء انسحاب القوات الأميركية في تموز 2011 - وهم واعون بشكل جيد للحكومات الصديقة للهند التي سادت لعقود في أفغانستان حتى انهيار الحكومة التي دعمها السوفييت في كابول في ,1992 باكستان عازمة على ألا تتعرض للخداع مجددا. ورغم أن طالبان قد لا تكون خيارها الأول لحكم أفغانستان ، فإن إسلام أباد تعلم أن بإمكانها عقد صفقات مع الحركة. لماذا؟ لأنها فعلت ذلك من قبل ، ولأن الولايات المتحدة ، رغم كل الحديث عن الشراكة ، تفتقر الى الثقة بشكل كبير داخل باكستان عموما ومجمعها العسكري الصناعي بشكل خاص.

قد لا يعجب الولايات المتحدة ما تقوم به باكستان ، ولكن نظرا لظروف إسلام أباد ، فإن عليها ألا تفاجأ بذلك. باكستان لا تملك سياسة واحدة بل سياستين تجاه أفغانستان ، الأولى معدة لما تعتبره احتمالا متضائلا للنجاح الأميركي ، والثانية لأفغانستان ما بعد الأميركيين.

أستاذ جامعي للعلاقات الدولية في جامعة لي ، وأستاذ للعلوم الساسية في جامعة سيتي في نيويورك.

=============

الانسحاب.. الحل الوحيد لأوباما

ويليام فاف (كاتب ومحلل سياسي أميركي)

 «ميديا تريبيون سيرفيسز»

الرأي الاردنية

11-7-2010

يفرض الوضع المتردي في أفغانستان وصعوبة احتواء المشاكل المتفاقمة هناك، إخضاعه لتحليل على مستويين؛ الأول متعلق بالحرب نفسها وبالمحاولات الأميركية المتعثرة للقضاء التام على «طالبان» وإخماد تمردها لفرض حكومة أفغانية موالية لأميركا، والثاني مرتبط بالتداعيات السياسية المحلية المترتبة على استبدال «حرب بوش» في العراق ب»حرب أوباما» في أفغانستان، ففيما قامت الحرب الأولى في مبرراتها على وهم امتلاك صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل وتهديده للولايات المتحدة وإسرائيل، ركز التدخل في أفغانستان على فكرة أخرى لا تقل شططاً في خيالها مفادها أن أميركا والعالم مهددون بباكستان النووية التي قد تسيطر عليها «طالبان».

 لكن في التداعيات الداخلية لحرب أفغانستان كان الاهتمام الأميركي باستبدال «ماركيستال» ببتراويس، علماً أن هذا الأخير هو من وضع خطة مكافحة التمرد التي يعتمد عليها حالياً الجيش الأميركي. وتستند هذه الخطة على مبدأ تطهير المواقع التي يتواجد بها التمرد بدفع المزيد من القوات إليها والبقاء هناك بعد وصول تعزيزات أميركية جديدة إلى أرض المعركة، على أن يصاحب هذا الجهد العسكري عمل آخر على الجانب المدني والسياسي يقوم بإعادة الإعمار ثم إقامة بنية سياسية ذات مصداقية تعكسها الحكومة الأفغانية.

والحقيقة أن هذه ليست أكثر من تقنيات كلاسيكية خبرتها الجيوش في محاربة التمرد ومواجهة حرب العصابات، وقد لجأت إليها القوات الأميركية في مناسبات سابقة مثل حرب الفلبين بين 1899 و1902 وحرب فيتنام أواخر ستينيات القرن الماضي، فضلا عن تجريبها في العراق حيث أثمرت انبثاق الصحوات السنية وانقلابها على «القاعدة». لكن ما يميز تلك التجارب ويفسر النجاح الذي لقيته أحياناً هو وجود سياق سياسي مشجع، وهو ما ينعدم اليوم بشكل كبير في أفغانستان. فحالياً يتركز اهتمام القوات الأميركية هناك على «مرجة»، وهي البلدة التي سبق للجنرال «ماكريستال» التعهد بتطهيرها والحفاظ على أمنها ثم إدخال الحكومة المدنية لخدمة سكانها.

 وبعد «مرجة» ظهرت قندهار التي تعتبر ثاني أكبر مدينة في أفغانستان ومعقلا لمتمردي «طالبان». لكن بعد فترة من التواجد في «مرجة»، أدرك الأميركيون مدى الفراغ السياسي وانتفاء سلطة حقيقية تتحمل أعباء الإدارة والحكم بعيداً عن الجيش الأميركي الذي هيأ المكان وأبعد عنه «طالبان»، فكانت النتيجة عودة بعض عناصر «التمرد» لاختراق المدينة وتهديد أمنها مجدداً.

وعلى الصعيد الداخلي الأميركي، نشأت العديد من التصورات الغريبة مثل ما أكده المعلق «راي ماجوفرن»، الضابط السابق في وكالة الاستخبارات الأميركية وأحد المنتقدين لحروب أميركا الحالية، من أن تصريحات ماكريستال غير الحذرة إلى صحفي معروف بتوجهه اليساري في مجلة «رولينج ستون»، لم يكن عشوائياً، بل جاء في سياق خطة لتخلي الجنرال عن الحرب في أفغانستان بعدما أيقن بفشلها وغرق السفينة الأميركية. كما أن تخلص أوباما من ماكريستال واستبداله ببتراويس جاء لصالح أوباما الذي درأ عنه هجوم الجمهوريين.

 لكنه أيضاً، ومن وجهة نظر انتخابية، مكنه من توجيه ضربة مزدوجة إلى كل من ماكريستال وبتراويس اللذين سبق أن لمحا معاً إلى طموحاتهما الرئاسية.

 فإذا كان ماكريستال قد سقط اليوم بسبب تعليقاته المشينة، فإن بتراويس -إذا صدقت نبوءات سلفه المتشائمة حول الوضع في أفغانستان- سيفقد بلا شك رصيده في حرب خاسرة.

وبالطبع لن يكون هناك جنرال ينافس أوباما ما لم يقرر ماكريستال الذي قال إنه صوت لصالح أوباما في الانتخابات السابقة الترشح باسم الجمهوريين. ومهما يكن الوضع بالنسبة للتداعيات الداخلية على الساحة الأميركية، فالحرب في أفغانستان خرجت عن السيطرة السياسية لأميركا، حتى لو أرسلت عشرات الآلاف من جنودها وشيدت المزيد من القواعد العسكرية. وبحلول التاريخ الذي قرره أوباما -وهو ديسمبر المقبل- كموعد لإجراء تقييم عام للوضع الأفغاني، ربما تكون أمور أخرى قد حدثت في ظل مساعي الرئيس كرزاي لإيجاد تسوية سياسية مع «طالبان»، وتعزيز علاقاته مع التحالف الشمالي، ثم التنسيق (وإن بشكل غير مباشر) مع الاستخبارات العسكرية الباكستانية.

ولعل ما يريده الباكستانيون والأفغان الذين لا يرغبون في رؤية بلادهم تمزقها آلة الحرب الأميركية، هو ما سبق أن سماه قائد الجيش الباكستاني، اشفاق كياني، «المصالحة الوطنية الكبرى». لكن المسؤولين العسكريين والمدنيين في الولايات المتحدة مازالوا متمسكين بأفغانستان بما تمثله من موقع استراتيجي وما تزخر به من موارد، فضلا عن تخوفهم من سقوط باكستان في أيدي «طالبان» وما يمثله ذلك من خطر على السلاح النووي، ناهيك عن الجيش الباكستاني الذي لا يكن الكثير من الود للولايات المتحدة. وهو ما قد يدفع أميركا إلى الدخول في حرب أخرى في حال قررت استهداف المتطرفين والدفع بجيشها داخل الأراضي الباكستانية... ليبقى المخرج الوحيد لأوباما من هذا المأزق هو الوفاء بتعهداته ومغادرة أفغانستان بحلول 2011 على أبعد تقدير.

=============

زيارة نتنياهو لواشنطن.. بعيون اسرائيلية!

محمد خرّوب

Kharroub@jpf.com.jo

الرأي الاردنية

11-7-2010

ليس من «طرفة» بطعم المرارة, توازي الانجازات التي حققها بنيامين نتنياهو خلال زيارته «الخامسة» لواشنطن منذ تسلم رئاسة الحكومة الاسرائيلية قبل عام وربع العام, سوى تلك التصريحات التي صدرت بعد المكالمة الهاتفية التي قيل أن الرئيس الاميركي باراك اوباما اجراها مع محمود عباس لاطلاعه (...) على نتائج المباحثات التي اجراها مع نتنياهو, مؤكداً (وهنا يجب الانتباه الى الكلام المعسول والعمومي الذي يواصل الاميركان اطلاقه في مناسبة وغير مناسبة) التزامه اقامة دولة فلسطينية مستقلة..

 

طبعاً, مثل هذه العبارات الجاهزة التي يرددها كل مسؤول اميركي وأوروبي ولا مانع من اضافة عربي أيضاً, لا قيمة لها على أرض الواقع والحقائق الميدانية التي تواصل اسرائيل تكريسها, فيما الكلام لا يتوقف عن السلام العادل والحقوق والمساعدات الانسانية وغيرها, أما مفاهيم العدالة وحق تقرير المصير وانهاء الاحتلال وعدم جواز احتلال اراضي الغير بالقوة, وايضاً التطبيق الكامل لاتفاقية جنيف الرابعة واحترام القانون الانساني الدولي, تحت طائلة العقوبات والعواقب الوخيمة (هل تذكرون هذه العبارة في بعديها العراقي والصربي؟).. فالغياب كامل والطمس عليها مستمر والتواطؤ حيالها لا ينتهي..

 

ثمة ما يمكن التوقف عنده اذاً, في الدلالات والمآلات التي انتهت اليها زيارة نتنياهو والتي يمكن رصدها في المقالات التحليلية الطويلة والعميقة التي تناولها المحللون الاسرائيليون, من مواقع ومنطلقات سياسية وفكرية مختلفة, توزعت على الصحف اليومية الاربع هاآرتس، يديعوت احرونوت، معاريف واسرائيل اليوم وخصوصا في اعداد السبت التي صدرت يوم الجمعة (اول من امس).

 

«.. الرئيس اوباما الذي بدا لنا صلبا، استخدم كل حيلة ممكنة كي يرضي بيبي، بداية استخدم الحيلة المعروفة، التي يعلن بموجبها بان حديث اوباما وبيبي سيستغرق ساعة، ولكنهما يطيلانه – في هذه الحالة بأربعين دقيقة – للاثبات بان الحديث كان هاما، وفي هذه الفرصة يسمح للضيف بالتباهي بمدته، بل ان اوباما رافق ضيفه الى السيارة – وهي بادرة محفوظة لعظماء العالم».

 

قال يوئيل ماركوس في هاآرتس, مضيفاً «.. اوباما لا بد انه غير فرح لانه يقرأ في احد التحليلات في الواشنطن بوست، بان فوق بليرهاوس، يرفرف علم اسرائيل، بينما جانب العلم الاميركي في البيت الابيض، يرفرف علم ابيض (أي الاستسلام امام نتنياهو)»، بعد ان يستطرد «ولأنه لم تكن هناك ذبابة على الحائط في مكتب الرئيس، عندما تحدث الزعيمان، فلم يتبق لي غير التخمين, بأن بيبي حاول اقناع اوباما بانه جدي ومتمسك بوعده في موضوع الدولتين للشعبين، ولعل هذا هو السبب في ان عناق اوباما كان اكثر مما خطط له، ومع ذلك اوضح نتنياهو لمحادثه، بانه سيكون اسهل عليه مواصلة تجميد البناء اذا ما بدأت المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين قبل 26 ايلول.. ليس صدفة (والكلام لماركوس) انه بالتوازي التقى ايهود باراك وسلام فياض في القدس (ليس للمرة الاولى) وبحثا ضمن امور اخرى، في امكانية توسيع الصلاحيات والمناطق التي بيد السلطة».

 

الصورة اكثر من واضحة، رئيس اميركي مأزوم «نسبياً» يسعى لاسترضاء اللوبيات اليهودية, على ابواب انتخابات التجديد النصفي للكونجرس, تلك اللوبيات وعلى رأسها «ايباك» التي ما تزال قوية «... أجل احتضن اوباما نتنياهو, وقد تركه الان ينضج في (مرق) نفسه, خمسين يوماً حتى السادس والعشرين من ايلول, وهو أجل انقضاء تجميد البناء في المناطق. الان كلاهما راض, تخدم الزيارة في الأمد المباشر الحاجات السياسية لكل واحد منهماً جيداً. والى ذلك ترى اسرائيل ان الاحتضان الاميركي الحار, إشارة الى العالم العربي والى الاتراك والى الايرانيين ان لا تتبلبلوا, فاسرائيل ما تزال حليفاً قريباً جداً لنا, ونحن سنظل على منحها ضمانات ذرية, وسنستمر على تأييدها سياسياً وسنستمر على تفوقها العسكري على جاراتها» هذا ما قاله اليس فيشمان في يديعوت احرونوت.

 

تبقى الاشارة الى ما كتبه الوف بن في هآرتس حول الموضوع ذاته..

 

«... اوباما ومساعدوه يفهمون بأن ليس لديهم في هذه اللحظة بديل, وهم ملزمون بالعمل مع نتنياهو, وهم يعرفون بأن كل اتفاق سياسي يوقع عليه نتنياهو سيحظى بتأييد جارف عبر 70 – 80 بالمائة من الجمهور الاسرائيلي.. هذا الاعتراف الاميركي أثّر على تغيير النبرة في واشنطن وعلى الانتقال من الضغوط الى المداعبات».. انتهى الاقتباس..

 

فهل ثمة من يراهن على كلام اوباما, أو هل يُقلع الذين يواصلون ضخ الأوهام في صفوفنا عن اسطوانتهم المشروخة, بأن ثمة من لا يزال «يدق» على صدره متعهداً قيام دولة فلسطينية مستقلة..

=============

 بلوماسية الانتقال إلى المفاوضات المباشرة

بقلم :ناصيف حتي

البيان

11-7-2010

«ممتازة»، بهذه الكلمة وصف الرئيس أوباما المحادثات التي أجراها مع رئيس وزراء إسرائيل. وبهذه الكلمة أراد أن يؤكد على طي صفحة التوتر والخلاف والبرودة التي اتسمت بها العلاقات بينه وبين نتانياهو، والتي وصلت إلى القعر في قمة مارس الماضي. القمة التي غابت عنها الصور، وغاب عنها المؤتمر الصحافي.

 

وللتذكير فإن هذه القمة المؤجلة منذ أول يونيو بعد العدوان الإسرائيلي على أسطول الحرية تمثل اللقاء الخامس بينهما. رفع سقف المطالب من إسرائيل التي بدأ بها الرئيس أوباما ولايته لتسوية النزاع العربي الإسرائيلي، والذي سرعان ما انخفض، والمواجهة مع نتانياهو حول مسألة الاستيطان، خلقا حالة غير طبيعية أو استثنائية في العلاقات على مستوى القمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل دون أن يعني ذلك أن الصدام الشخصي قد انعكس على مجمل العلاقات بين الدولتين الحليفتين وعلى خصوصية العلاقات التي تجمع بينهما، في ما يتعلق بالمضمون وبالسياق العام، ولو أن بعض البرودة طالت في حالات معينة التعبير عن هذه العلاقات.

 

نتانياهو هذه المرة جاء محصنا بالعديد من «الأوراق»: أولاً لا مفاجأة من نوع البناء أو الإعلان عن البناء الاستيطاني يواكب المحادثات. ثانياً، أبقى في يده حتى إشعار آخر قرار تمديد التجميد للبناء الاستيطاني قبل إعادة هذا القرار إلى الكنيست.

 

ثالثاً، قدم لأوباما «هدية» قوامها تخفيف الحصار عن غزة و«هدية أخرى» قوامها تخفيف بعض الإجراءات الأمنية في الضفة الغربية، وهي هدايا بسيطة وواعدة وكافية، خاصة اذا ما أراد الطرفان المعنيان، كما حصل، اعتبارها بمثابة مخرج لأحداث تحول في العلاقات وإعادة الحرارة إليها وإخراج هذه العلاقات من «حفرة» البرودة والتوتر، رابعاً.

 

يأتي اللقاء عشية انتخابات منتصف الولاية بالنسبة للرئيس الأميركي في الخريف المقبل وما تتطلبه تلك الانتخابات من قبل الحزب الديمقراطي في الحفاظ على أصوات اللوبي المؤيد لإسرائيل. خامساً، سمحت الأزمة الأميركية الإيرانية المتصاعدة بتعزيز اللحمة بين الموقفين الأميركي والإسرائيلي، والتأكيد على «الخطر الإيراني».

 

ذلك كله دفع الرئيس الأميركي للدعوة إلى استئناف المفاوضات المباشرة خلال الأشهر الثلاثة؛ أي قبل انتهاء فترة تجميد الاستيطان باعتبار انه سيكون من الصعب، هذا اذا ما رغب في ذلك، على نتانياهو تجديد التجميد المؤقت اذا ما لم يتم الحصول على «مقابل».

 

وهو المفاوضات المباشرة يستطيع ان يبيعه إلى الشركاء في حكومته، مع التذكير ان الجميع يتفق ولو من مواقع ولأسباب متناقضة عن عدم تحقيق أي تقدم في المفاوضات غير المباشرة رغم الدبلوماسية المكوكية بجولاتها العشرين للمبعوث الرئاسي الأميركي جوج ميتشل.

 

كما ان سبتمبر سيكون موعد القرار العربي بانتهاء فترة السماح أو التجربة للمحادثات غير المباشرة والذهاب بعدها في حال الفشل إلى مجلس الأمن لطرح القضية برمتها على المسوؤل الأول عن الأمن والسلم الدوليين.

 

لم يكن الموقف الأميركي مفاجئاً، لورود إشارات كثيرة حول ذلك في الفترة الأخيرة، أهمها دون شك اللقاء بين رئيس الوزراء الفلسطيني ووزير الدفاع الإسرائيلي «بتشجيع» من ميتشل، لكنه أحدث إرباكاً عربياً وفلسطينياً باعتبار ان السلطة الفلسطينية علقت المشاركة في المحادثات المباشرة قبل عام ونصف العام تقريباً، وقالت انها لن تعود إليها قبل الوقف الكلي للاستيطان.

 

الإرباك العربي والفلسطيني يندرج تحت عنوان: ما العمل الآن طالما ارتضينا ان نركب سيارة تقودها وتحدد سرعتها واشنطن وحدها؟ ولو أننا كعرب وكفلسطينيين ننتقد بين الحين والآخر وجهة السير والسرعة دون ان نحاول التأثير الفعلي فيهما.

 

باختصار، سيكون عنوان المرحلة المقبلة من التفاعلات الدبلوماسية الدولية الاقليمية العربية كيفية إخراج الانتقال نحو المفاوضات المباشرة دون أحداث إصابة كبرى بالعرب والفلسطينيين، أو دون إحراجهم بشكل كبير، أو بواسطة تخفيف الإحراج قدر الإمكان، خاصة ان الإحراج يعني مزيدا من الاحتقان في الداخل وفقدان المصداقية في الداخل والخارج، ويؤدي دائما إلى مزيد من الضعف والتهميش الداخلي وتعزيز الفراغ العربي والفلسطيني.

 

السلطة الفلسطينية طلبت من جديد عقد اجتماع للجنة المتابعة العربية وتحميل العرب أو إشراكهم في مسؤولية الخطوة المقبلة، وصار هذا النوع من الاجتماعات سمة في الإخراج العربي الفلسطيني المشترك على كل مفترق طريق هدفه إغراق السمكة الفلسطينية في المياه العربية، والحصول على دعم عربي ولو كان فضفاضاً وغامضاً، فهو يبقى بمثابة غطاء لا بد منه.

 

وبدأنا نسمع عن أفكار أوروبية وغربية للمفاوضات المباشرة المقبلة، وعن مؤتمر دولي يبلور هذه الأفكار التي تأتي تحت عنوان التحضير لإعلان دولة فلسطينية خلال عامين، أو إعلان إقامة الدولة كأمر واقع.

 

وهو عنوان أيضاً «المقاربة الفياضية»، نسبة لرئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، التي تبقى محط اختلاف كبير في البيت الفلسطيني، اذ فيما لو تم الإعلان عن الدولة فإن ذلك يحول طبيعة الصراع وسياقه ويحرر إسرائيل من الكثير من مسؤوليات الاحتلال.

 

البعض أيضاً كما تقوم روسيا بتأييد من عدد من القوى الدولية يدعو إلى اجتماع للجنة المتابعة العربية مع الرباعية الدولية على هامش انطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل لبلورة أفكار مشتركة والعمل على إحياء خيار انابوليس 2، أو المؤتمر الدولي في موسكو الذي طال انتظاره منذ انعقاد مؤتمر انابوليس.

 

وذلك لمواكبة إعادة إطلاق المفاوضات المباشرة والشاملة، في حين ان الكل يدرك أن «التهديد» العربي باللجوء إلى مجلس الأمن أمامه شرطان ضروريان لتوفير المصداقية والنجاح له، وهما غير متوافرين حالياً، كما لا توجد مؤشرات على توافرهما في زمن منظور:

 

أولهما وجود توافق عربي ليس بشأن المبدأ والزمن المفتوح للذهاب إلى مجلس الأمن، فالكثير من الدول العربية الفاعلة تريد بأي ثمن تلافي الدخول في مواجهة دبلوماسية محتملة مع الولايات المتحدة التي قد تهدد باللجوء إلى استعمال حق النقض لمنع التدويل الأممي.

كاتب لبناني

=============

لماذا يكرهون روسيا في أميركا؟

بقلم : د. إينا ميخائيلوفنا

البيان

11-7-2010

في الولايات المتحدة الأميركية يوجد لوبي مناهض للتقارب مع روسيا، وهذا اللوبي قوي ومؤثر في دوائر صناعة القرار، وليس صحيحاً بشكل كبير ما يردده البعض، وخاصة في روسيا، من أن أنصار هذا اللوبي هم من ورثة أفكار الحرب الباردة السابقة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، بل على العكس، يمكن القول إن هؤلاء مرتبطون بالحاضر والمستقبل أكثر من ارتباطهم بالماضي، هؤلاء لا يعملون من منطلق العداء والكراهية لروسيا أو غيرها.

 

بل يعملون وفق مخطط استراتيجي كبير تحت عنوان «صناعة العدو»، وهو المخطط الذي يدخل في إطار اختلاق الحروب والنزاعات في مختلف أنحاء العالم، وذلك لمصلحة جهات معينة داخل الولايات المتحدة تستفيد بشكل كبير من هذه الحروب والنزاعات وتحقق من ورائها عائدات وأرباحاً هائلة.

 

اختيار روسيا بالتحديد لتكون عدواً دائماً للولايات المتحدة ليس نتاج الصراع بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي في القرن الماضي، بل ربما يسبق هذا الصراع بعدة عقود أخرى، وهناك دراسات كثيرة قامت بها جهات متخصصة في الولايات المتحدة في هذا الشأن، وهذه الدراسات تفيد بأن روسيا دولة تختلف كثيراً عن باقي دول العالم من حيث الإمكانيات والطموحات.

 

وأيضاً من حيث التركيبة النفسية لشخصية المواطن الروسي، هذه الشخصية التي تؤكد هذه الدراسات المشار إليها أنها شخصية سلطوية متعالية تطمح دائما للسيادة والسيطرة، ويستدلون على ذلك بأشياء وكتابات تاريخية حول روسيا والشخصية الروسية، ومنها كتابات الفلاسفة الفرنسيين في القرن التاسع عشر الذين كتبوا يقولون إن الأمة الروسية أمة ذات طموحات امبراطورية عالمية.

 

ويستدل بعضهم على ذلك بأن روسيا وشعبها يرفضون دائماً على مر العصور تصنيف أنفسهم بأنهم غربيين أو شرقيين، فهم يرفضون الانتماء لإحدى القارتين الآسيوية أو الأوروبية، وذلك حتى يعطوا أنفسهم الحق في الهيمنة على شعوب القارتين، ويبالغ بعض الكتاب الغربيين من أنصار هذا الاتجاه في تضخيم هذه الحالة الروسية إلى درجة القول إن روسيا تستخدم إمكانياتها وثرواتها الطبيعية وقدراتها البشرية والعلمية فقط من أجل السيطرة، وليس من أجل مساعدة الآخرين وتطور البشرية.

وربما من أبرز هؤلاء الفلاسفة القدامى الفرنسي «دي توكفيل» الذي هاجر إلى الولايات المتحدة في النصف الأول من القرن التاسع عشر، ووضع هناك مؤلفاته الشهيرة عن الديمقراطية في الولايات المتحدة، هذا الفيلسوف الذي كان مصابا بعقدة الكراهية للشرق والولع بالغرب، لدرجة أنه كان يعتبر بلده فرنسا بلداً شرقياً متخلفاً لا يعرف الديمقراطية وحرية الإنسان.

وتناول في مؤلفاته روسيا بنقد حاد معتبرها أمة مستبدة لا تعرف اعتباراً للإنسان كفرد، ويعتبر دي توكفيل الكاتب المفضل لمعظم صقور اليمين المتشدد الأميركي على مر السنين، ومنهم الرئيسان الراحلان ريجان ونيكسون، وقد استشهد به نيكسون في كتاباته كثيراً، وخاصة ما قاله عن الأمة الروسية.

هكذا يفكر ويؤمن أنصار اللوبي المناهض لروسيا في الولايات المتحدة، فهم ينظرون إلى روسيا على أنها العدو الأكبر، وعلى هذا الأساس يفسرون أية تصرفات في السياسة الروسية على أنها سعي للخروج للعالم من أجل الهيمنة وتأسيس الامبراطورية الروسية العظمى، ويفسرون ما يفعلونه هم في هذا المجال بأنه سعي للحد من طموحات روسيا الامبراطورية، ويسعى هذا اللوبي إلى نشر أفكاره في بعض المعاهد والمؤسسات التعليمية داخل الولايات المتحدة وخارجها، وتعد هذه الأفكار أساس مادة التدريس في المعهد الوطني الجمهوري في واشنطن، هذا المعهد التابع للحزب الجمهوري .

والذي تترأسه زوجة صقر اليمين المتشدد الأميركي، نائب الرئيس السابق «ديك تشيني» الذي يحظى من روسيا بوصف «الشخص غير المرغوب فيه» هو ونائب الرئيس الحالي جو بايدن الذي ترفض روسيا دخوله أراضيها، ومن هذا المعهد يتخرج القادة الأجانب التي تعدهم واشنطن لحكم بلادهم عن طريق الانقلابات والثورات الملونة، ومن أشهرهم الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي.

إذاً الكراهية لروسيا لدى هذا اللوبي ليست مجرد سياسة أو رواسب من موروثات الحرب الباردة، بل هي علم ونظريات راسخة تصل إلى درجة العقيدة الثابتة لدى هؤلاء، ولهذا فهم يسعون دائما لإعاقة أي تقارب أميركي مع روسيا.

خبيرة الإعلام الروسية

=============

التعاون مع الفساد

آخر تحديث:الأحد ,11/07/2010

فرون ناهزي

الخليج

في كثير من الأحيان على مدى العقد الماضي، شهدنا كيف اختارت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة التغاضي عما يحدث في المناطق التي يسكنها الألبان في البلقان، وكأن كل هذه القوى تعمدت عن سابق إصرار وتصميم، إطلاق العنان للمسؤولين السياسيين والعسكريين الفاسدين على أمل عقيم في الحصول على الدعم المحلي للجهود الدولية الرامية إلى تعزيز “الاستقرار الإقليمي” .

 

والواقع أن سياسة “لا تر شراً” هذه لم تسفر إلا عن قدر ضئيل للغاية من الاستقرار، كما سمحت بتلكؤ كوسوفو وألبانيا ومقدونيا عند الحافة المتداعية لهاوية “الدولة الفاشلة” . والواقع أن هذه البلدان ناهيك عن جيرانها في منطقة البلقان، بما في ذلك اليونان أصبحت في حاجة إلى اكتساب صبغة أوروبية .

 

فهي تحتاج إلى حكم القانون والحكم الصالح والشفافية والمساءلة، ويتعين عليها أن تمتنع عن استخدام اللغة القومية العرقية السامة التي حلت محل الوطنية . وهذا التحول الثقافي سوف يتطلب توحيد القوى الدولية في دعم الجهود الناشطة الرامية إلى استئصال الفساد، ومنع الشخصيات السياسية المحلية الضيقة الأفق، من تنفيذ السياسات التي تشكل خطراً داهماً على بلدانهم وعلى المنطقة بالكامل .

 

وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، بدأت بعثة “حكم القانون” في كوسوفو القيام بما كان من الواجب على الأمم المتحدة أن تقوم به منذ زمن بعيد: التحقيق في سلوكيات كبار المسؤولين المحليين الألبان وتورطهم في الرشوة وغسيل الأموال، فضلاً عن صلاتهم بالجريمة المنظمة . والواقع أن العديد من هؤلاء المسؤولين كانوا في ما سبق من قادة جيش تحرير كوسوفو، أو الميليشيا التي قادت التمرد ضد صربيا تحت حكم سلوبودان ميلوسيفيتش .

 

على سبيل المثال أصبح أحد هؤلاء المسؤولين، وهو فاتمير ليماي، أحد قادة جيش تحرير كوسوفو سابقاً، وزيراً للنقل والاتصالات في كوسوفو الآن، وهو منصب يشتمل على التحكم في عقود ضخمة ومبالغ طائلة من المال . والآن تحقق بعثة حكم القانون في كوسوفو في ما إذا كان ليماي وغيره من العاملين في الوزارة قد حصلوا على رشى في مقابل عقود لبناء الطرق . ولكن لا ينبغي لبعثة حكم القانون في كوسوفو أن تتوقف عند هذا الحد، بل يتعين عليها أن تعمل على تمديد شبكتها بحيث تشمل تهريب المخدرات، والمتاجرة بالبشر، ومصير الضحايا المفقودين أثناء الحرب وتوابعها .

 

ولقد نالت جهود بعثة حكم القانون في كوسوفو دعماً صريحاً من عامة الناس الذين ضاقوا ذرعاً بالفساد في كوسوفو، والذين يعولون على انتهاء التحقيقات إلى اعتقال المسؤولين الفاسدين، بل هناك صفحة على موقع “الفيس بوك” لدعم تحقيقات بعثة حكم القانون في كوسوفو، غير أن التحقيقات لم تحصل إلا على دعم جزئي من المجتمع الدولي .

 

إن الزعماء السياسيين في كل مكان من البلقان بارعون في استغلال مثل هذه الانقسامات، ويتعين على الولايات المتحدة التي تتمتع بشعبية كبيرة بين الألبان لأسباب واضحة، أن تسارع إلى الإلقاء بثقلها خلف بعثة حكم القانون في كوسوفو وتحقيقاتها، ويتعين عليها أيضاً أن تقف بوضوح خلف حملة مكافحة الفساد التي أعلن عنها رئيس الوزراء هاشم تاتشي، وأن ترصد هذه الحملة وتراقبها لضمان عدم تحولها إلى جهد يرمي إلى تدمير خصوم تاتشي السياسيين .

 

ومن المقرر أن تبدأ قريباً جولة جديدة من المفاوضات بين حكومتي صربيا وكوسوفو بشأن عدد من القضايا، وآخر ما يحتاج إليه الأمر في هذه المرحلة هو أن توزع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بطاقات الخروج من دائرة الاشتباه على المفاوضين الفاسدين من جانب كوسوفو، في مقابل الحصول منهم على تنازلات لمصلحة صربيا .

 

والواقع أن الأمور أفضل قليلاً في ألبانيا التي يواجه اقتصادها احتمالات الانهيار بسبب اعتماده على اليونان وإيطاليا، البلدين المثقلين بالديون . فمن المعروف أن 70% من بنوك ألبانيا مملوكة ليونانيين، وأكثر من مليون ألباني يعملون في اليونان وإيطاليا ويرسلون أموالهم إلى الديار .

 

ومع وخز الآلام التي تستشعرها المعارضة السياسية في ألبانيا بعد خسارتها في انتخابات ملوثة، قررت في عناد وامتناع عن التنازل، مقاطعة برلمان البلاد وتنظيم مظاهرات أسبوعية في وقت حاسم حيث تحاول ألبانيا معالجة اقتصادها الفاشل وإدارة مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي . والحق أن كلاً من الحكومة والمعارضة لابد أن تنضجا وأن تمتنعا عن وضع المصالح الشخصية الضيقة في مرتبة أعلى من مصالح البلاد وشعبها .

 

وفي مقدونيا، ظلت الحكومة المقدونية السلافية المحافظة طوال أعوام مترددة بشأن تنفيذ شروط اتفاقية أوهريد بشأن المساواة في الحقوق، والتي تم التوصل إليها في عام 2001 مع زعماء الأقلية العرقية الألبانية بشأن إنهاء التمرد العنيف من جانب جيش التحرير الوطني، وهو عبارة عن ميليشيا ألبانية عرقية . ولقد نزل المتظاهرون إلى شوارع العاصمة سكوبيا وهم يصيحون قائلين إن الحكومة اختارت سياسة التمييز المفتوح على “أسس عرقية ودينية” . وبدأ جيش التحرير الوطني في إعادة تسليح نفسه، وفي شهر مايو/أيار أطلقت قوات الشرطة النار على بعض أعضاء جيش التحرير الوطني فقتلتهم أثناء محاولتهم تهريب الأسلحة عبر الحدود مع كوسوفو .

 

تعتمد هذه البلدان الثلاثة اعتماداً تاماً على الدعم السياسي والمالي الذي توفره لها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لذا، يتعين عليهما أن يستخدما نفوذهما للضغط على حكومة مقدونيا للتعجيل بتنفيذ الإصلاحات الموعودة، ولابد من الضغط أيضاً على الزعماء السياسيين الألبان في كوسوفو ومقدونيا لدفعهم إلى بذل الجهود الفعّالة لمنع صعود الحركات المسلحة .

 

إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يدعمان بقوة، وعن حق، برامج حكم القانون والحكم الصالح في المنطقة، ولكن إلى أن يتم التنسيق بين سياسات الولايات المتحدة وسياسات الاتحاد الأوروبي وبين برامج المساعدات، فإن المساعدات سوف يُنظَر إليها مرة أخرى باعتبارها مكافأة للمسؤولين الفاسدين في مقابل التعامل بلطف مع جيرانهم ولكن على حساب مواطنيهم .

نائب رئيس البرامج لدى معهد إدارة الشرق والغرب، وتولى رئاسة مبادرات حل الصراع في البلقان لأكثر من ثمانية عشر عاماً، والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت”

=============

المسجد الأقصى وجنازة طائر الفينيق

آخر تحديث:الأحد ,11/07/2010

محمد خليفة

الخليج

لا تزال ردود الفعل متباينة ومتباعدة حول النتائج التي يمكن أن تترتب على التحركات الحالية عربياً وأمريكياً في اتجاه البحث عن صيغة تكون أساساً للحل العادل والدائم للصراع الفلسطيني “الإسرائيلي” وجوهره قضية الشعب الفلسطيني، ولعل سبب هذا التباين أن آراء طرفي المعادلة ما زالت متباعدة بشأن السياسات والإجراءات “الإسرائيلية” بالعمل غير المشروع الذي يهدف إلى بناء المستوطنات وإلى تغيير التكوين الديمغرافي الإنساني وطابع الوضع المادي للأراضي الفلسطينية بالرغم أن قادة “إسرائيل” بمن فيهم المتشددون من الأحزاب الدينية يعرفون حق المعرفة أن الأمة العربية جادة في رغبتها في السلام، وإن ما دار في واشنطن والقمم العربية وما قد يدور مستقبلاً ليس بمناورات سياسية، ولا بتكتيكات تضليلية بل إنه تعبير صادق عن عزم شعوب المنطقة على توطيد السلام وترسيخ أركانه، فالسلام هو اليوم المدخل الرئيسي للحقبة الجديدة من تاريخ الأمة العربية، ولكن المتأمل في الخطاب الصهيوني الذي يبرر الاستيطان والتطهير العرقي لسكان فلسطين يدرك أن لا أمل في إنشاء دولة فلسطينية، بل إن توسيع نطاق الاستيطان يكشف نوايا “إسرائيل” في أنها لن تتخلى عن الضفة الغربية . فقد قال مناحيم بيغن في عام 1968 إن مشروعات السلام معناها تقسيم “إسرائيل” من جديد ولا يمكننا التنازل عن شبر واحد من الأراضي المحتلة ومن الواجب أن نعطي الأولوية للاستيطان الزراعي في الضفة الغربية للأردن والجولان لضمان السيطرة الفعلية ل”إسرائيل” .

 

أما موشي دايان فقد تقدم بمشروع عام 1969 وقد سمي ب”البرنامج الشفوي” وجاء فيه أن على “إسرائيل” أن تضمن حرية الملاحة في إيلات والى الجنوب منها، وأن يتم هذا الضمان بواسطة القوات المسلحة وأن تظل المرتفعات السورية تحت سيطرة “إسرائيل”، واعتبار الأردن الحدود الشرقية الآمنة ل”إسرائيل” . ولنتأمل أيضاً في المغزى العميق لقيام “إسرائيل” ببناء المستوطنات في القدس الشرقية حيث لا تتوقف المزاعم الصهيونية بأحقية “شعب الله المختار” في السيادة على القدس بل إن هذه المزاعم تجد لها صدى واسعاً لدى “إسرائيل” وعلى رأسها رئيس الحكومة “الإسرائيلية” نفسه، وتشير إلى انتماء الفصائل المتطرفة والأحزاب الدينية والمستوطنين المتعصبين إلى مقدمة النخبة المشاركة في اتخاذ القرار في “إسرائيل”، ما أدى إلى حالة من التعصب لكل ما هو صهيوني بما في ذلك إضفاء المشروعية على مجموعة من الأساطير التي تكون ركناً أساسياً من أركان الاعتقاد لدى المتطرفين وتتمثل في الربط بين عملية هدم المسجد الأقصى وبناء هيكل سليمان بدلاً منه، وذلك نتيجة التطرف النظري عقائدياً وفكرياً المتماثل مع التطرف السياسي على الأرض عندما تم الإعلان عن بلدية القدس الكبرى التي تضم إلى جانب القدس الشرقية إلى القدس الغربية ومجموعة من المستوطنات المحيطة بالقدس ما يسمح بوجود أغلبية يهودية في محيط هذه القدس الكبرى، فقد بلغ عدد المستوطنات 176 مستوطنة في الضفة الغربية بواقع 9 في جنين، و48 في نابلس، و8 في طولكرم، و27 في رام الله، و28 في القدس، و18 في بيت لحم، و11 في أريحا، و27 في الخليل . والمسؤول عن ذلك بلا شك هو رئيس الحكومة “الإسرائيلية” الذي هو من أشد دعاة “إسرائيل النقية” أي الخالية من العرب وغير اليهود .

 

وتتجلى خطورة هذه المواقف في تنفيذها على الأرض بضم الأراضي المجاورة للقدس الشرقية، وبينما كان اليهود يملكون 7% من أرض فلسطين خلال الانتداب البريطاني لكنهم بموجب قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947 سيطروا على ما يقارب من 55% من الأرض واشتملت على الشريط البحري من أسدود إلى حيفا ما عدا يافا ومعظم صحراء النقب ما عدا مدينة بئر السبع وشريط على الحدود المصرية . وتسعى بلدية القدس التابعة للاحتلال “الإسرائيلي” إلى هدم منازل فلسطينية في حي سلوان جنوبي القدس لإقامة كنيس يهودي مكانها إن لم تخلها العائلات الفلسطينية بداعي أنها أقيمت بشكل غير قانوني، وهناك أحياء سكنية كثيرة مهددة بالهدم بهدف ربط الأحياء الاستيطانية اليهودية وعزل البلدة القديمة، كما أصدرت السلطات “الإسرائيلية” قراراً جديداً يخول الجيش حق اعتقال وإبعاد كل من لا يحمل هوية الضفة أو تصريحاً خاصاً من عائلات قطاع غزة المقيمة في الضفة الغربية برام الله باعتباره متسللاً .

 

إن ويلات الطغيان تزحف على الشعب الفلسطيني الصابر، فهذه الأم الفلسطينية لا تزال تعيش معزولة عن العالم بعد أن تم هدم منزلها المجاور لبناء المستوطنات، وأصبحت تعيش فراقاً قسرياً تسامر ليل الألم وحيدة بعد طرد أسرتها تنام وتستيقظ على أصوات الضباع والذئاب وثعابين الدوريات، وتعيش الأم العجوز في شيخوختها تحت ظلال الأشجار في العراء وتعاني أشد المعاناة في وطن هو عرضة للهراوات العمياء واغتصاب الأرض ودوامة الهذيان السياسي لقضية الاستيطان الذي يظهر الوجه الأكثر قبحاً والأعمق بشاعة .

 

الإنسان الفلسطيني بات يعيش في وطن يحوطه ظلام حالك، أيامه كلها مترعة بالمتاعب ونفسه مكروبه بالمآسي، وهو لا يدري ما الذي ينبغي أن يفعله في هذا الجو القاتم الذي يخيم عليه، وتضيق به الدنيا ولا يستطيع التصرف مع أوضاعه المقلقة والأعباء المتراكمة التي تسد الأفق أمامه، ولم يعد يرى سوى اشباح المصاعب وركام الأحزان . لقد ضاقت به الأرض بما رحبت، وشعر بما يشبه الموت والاختناق في جو سياسي قاتم مقبض في موسم الخريف وتساقط المبادرات مثل أوراق الشجر فوق موائد البلد الجريح وزغاريد النساء في صلاة جنازة طائر الفينيق مع كل مناورة ومبادرة عربية بدءاً من وصفة اتفاق أوسلو إلى حصار المسجد الأقصى بعدة مستوطنات تشبه تلك المستعمرات الخاصة بالهنود الحمر .

 

لقد بالغ الذئب في وحشيته وعدوانه، فهو يمتلك الدبابة والطائرة والصاروخ والقنبلة الذرية . وهل بوسع الأطفال الفلسطينين أن يحلموا بغد أفضل بمكان آمن بعيداً عن الطلقات التي تصطادهم كما يصطاد صياد ماكر عصافير الأشجار البريئة؟

=============

المسلمون في الغرب: عقلية المسافر وعابر السبيل

الأحد, 11 يوليو 2010

خالد الحروب *

الحياة

في الغرب كما في الشرق تسيطر على شرائح غالبة من الرأي العام المسلم مشاعر الضحية والمظلومية التاريخية. العربي والمسلم، تبعاً لتلك المشاعر، مُستهدف من قبل الغرب تحديداً والعالم عموماً لتحطيمه وأسره وسرقة ثرواته وتغيير دينه. هناك بطبيعة الحال أسباب تاريخية وسياقات مختلفة لنمو وترسخ تلك المشاعر ليس هذا مكان سردها ونقاشها. لكن ما يتعلق بالمعالجة التي تتأملها هذه السطور هو الإشارة إلى استدامة وتواصل تلك العقلية وتضخمها في أوساط الجاليات العربية والمسلمة في الغرب، بما يفاقم من تكريس أوضاع اجتماعية وثقافوية أقرب إلى القطيعة بين تلك الجاليات والمجتمعات المضيفة. تبعاً لهذه العقلية يتم انتقاء قوانين وسياسات وتسليط الضوء عليها، حتى لو كانت مبنية على أسس المصلحة السياسية والاقتصادية البراغماتية الصرفة ووضعها على سكة المؤامرة التي تستهدف المسلمين. تندرج أيضاً العولمة والاقتصاد والشركات العابرة للجنسيات والحروب وصراعات النفوذ وحتى تدخلات جمعيات حقوق الإنسان العالمية لمصلحة بعض الفئات المهمشة والمظلومة في العالم الإسلامي في تصور أشمل، مرضي في جوهره، يربط كل الأحداث والسياسات بأهداف غربية استعمارية تستهدف المسلمين وحدهم. وهكذا ومن منظور إجمالي فإن سيطرة عقلية الضحية واستبطانها في شكل جماعي توفر حالة شبه لا تورث سوى الشلل والسلبية تجعل الجماعة المعنية منغلقة على نفسها ضد التفاعل الإيجابي مع ما حولها ومع ما يحدث من تغيرات سياسية وثقافية وغيرها تبعاً للظروف والتحولات الحتمية.

إحدى نتائج عقلية الضحية والشعور الجمعي بالمظلومية التاريخية تبلور مفهوم مزدوج الاستخدام جوهره الظن بأن العرب والمسلمين مختلفون جوهرياً من ناحية ثقافية ودينية وبالتالي لا تنطبق عليهم كثير من التحليلات والنظريات والتطبيقات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تنطبق على غيرهم. وهذا الاختلاف الموهوم يحلو لكل من يؤمن به عن قناعة وكل من يستخدمه لأهداف انتهازية أن يطلق عليه تسميه جذابة هي «الخصوصية الثقافية» والتي تبدو في ظاهرها محمّلة باحترام الآخر وخصوصياته الثقافية، في حين أن جوهرها يتضمن أقداراً كبيرة من احتقار الآخر والنظر إليه باعتباره أقل أهلية وكفاءة من أن يطلب منه تحمل أو تطبيق ما يُطلب من الذات نفسها. فباستخدام الخصوصية الثقافية تتذرع الأنظمة العربية بعدم تطبيق الديموقراطية ومعايير حقوق الإنسان والمساواة التامة بين الأفراد على قاعدة المواطنة المطلقة. ويتم تسويغ الاختلالات الفاضحة بمبررات الدين أو التقاليد أو الثقافة. وباستخدام الخصوصية الثقافية فإن الحكومات الغربية لا تتدخل للضغط على هذه الأنظمة، لتحقيق الحدود الدنيا من الديموقراطية وحقوق الإنسان. أي أن الحرية والديموقراطية اللتين تطبقان في الغرب لا يصلح تطبيقهما في المجتمعات العربية والإسلامية. في الغرب نفسه يختبئ العرب والمسلمون خلف تمظهرات متنوعة من «الخصوصية الثقافية» رافضين الاندماج في المجتمعات الغربية المضيفة لهم، مظهرين حساسية فائقة ضد كل ما قد يُفهم منه انه محاولة لتسهيل دمجهم في هذه المجتمعات.

تقود تصورات الضحية والمظلومية التاريخية ومزاعم الخصوصية الثقافية إلى تطور عقلية من نوع آخر، لا تقل تدميراً عن التصورات التي أنتجتها وهي عقلية عابر السبيل والمسافر وليس عقلية المقيم والمواطن. وهنا يمكن الزعم أن شرائح غالبة من الجاليات العربية والمسلمة في الغرب تسيطر عليها هذه العقلية الهروبية الطابع. ومعنى ذلك انه على رغم مرور سنوات وأحياناً عقود طويلة من الاستقرار في البلدان الغربية، والعمل فيها، والحصول على جنسياتها، فإننا نجد أن العائلات المسلمة وأفرادها لا يريدون حسم مشاعرهم الداخلية إزاء طبيعة وحقيقة الإقامة الدائمة في تلك البلدان. فالحسم بصورة قاطعة ولو على مستوى الشعور والوجدان الداخلي يخلق احساساً بالتخلي عن الوطن الأم والخيانة الخفية. وحتى لو كانت الرغبة في العودة إلى الوطن في شكل اختياري منعدمة تماماً سواء على مستوى الآباء أو أبنائهم، فإن تلك الرغبة لا يتم التعبير عنها في شكل صريح مع النفس والآخرين. وهناك تفاد دائم لسؤال العودة إلى الوطن، وهروب منه إلى الأمام. وربما يقضي الشخص فترة تزيد على الثلاثين عاماً أو أكثر في هذا البلد الغربي أو ذاك، حيث يكون قد تزوج وأنجب أطفالاً هناك، وترسخت مصالحه المهنية والعائلية، من دون أن يواجه ذاته بصراحة لجهة استمرائه العيش حيث يعيش وإقامته الدائمة في الغرب. وعوضاً عن ذلك، وكمحاولة سيكولوجية لا واعية ل «التكفير عن ذنب الإقامة في الغرب»، يتم تبني إنكار لفظي متواصل لتلك الإقامة الواقعة على الأرض ونفي بأن تكون هناك «نية» في الاستمرار الدائم، يرافقها الزعم المتكرر بالرغبة في العودة القريبة إلى الوطن. وهذه «العودة القريبة» تأخذ عقوداً طويلة ثم لا تتم في نهاية المطاف، لكن الخلاصة تكون في تأبيد العيش على هوامش المجتمعات الغربية وفي غربة «غيتوية» عنها. المعنى العملي والتطبيقي لهذا التشظي المشاعري هو عدم الاستقرار الوجداني وعدم الشعور بالانتماء الفيزيائي للمكان، وغلبة الإحساس بقرب السفر، وتبلور ما يمكن وصفه بعقلية عابر السبيل. فالبلد المُضيف وحيث أقام ويقيم الفرد سنوات طويلة أكثر من تلك التي أقامها في بلده الأصلي لا يتجاوز على المستوى الوجداني والشعوري موقع محطة القطار، أو الفندق، الذي يكون المرور فيه سريعاً وعابراً وموقتاً.

حالة المسافر لا تملي على صاحبها الشعور بأية مسؤوليات أو انتماء تجاه محطة القطار تلك التي يمر بها، أو الفندق الذي يقيم فيه لفترة وجيزة، فهو مجرد عابر سبيل. علاقة المسافر بالمكان في هذه الحالة علاقة هشة وسطحية وخارجية، ليس فيها تداخل أو استبطان. وفي تلك العلاقة أيضاً شعور بالتعالي والازدراء، فالمسافر يمتلك حرية المغادرة وممارستها والانتقال إلى مكان آخر، بل هو دائماً على أهبة الرحيل، وجدانياً وتخيلياً. هو من يملك الخيارات فيما المكان، محطة القطار، تظل متجمدة في موقعها لا تتحرك ولا تملك أية خيارات أخرى. ذلك مجموعاً إلى ذاته يكرس مسافة لا شعورية بين العربي أو المسلم المقيم في الغرب والمكان، وهي مساحة باردة غير حميمية وعازلة. وهذا العامل يفاقم بطبيعة الحال من العزوف عن الانخراط في الحياة العامة أو التعرف الى المحيط ويكرس من التقوقع الفردي والجماعي على الذات.

وهناك جانب آخر لهذا الجدل متعلق بالعلمانية، التي تواجه في المجتمعات العربية والإسلامية فهما قاصراً وسمعة سيئة تماهي بينها وبين الكفر والإلحاد. هناك أسباب كثيرة لهذا القصور وتلك السمعة، أهمها تشويه الإسلاميين لها، لكن ليس هنا مجال نقاش تلك الأسباب. والنقطة ذات العلاقة هنا هي أن ذات الفهم القاصر والسمعة المشوهة موجودان بقوة وترسخ في أوساط الجاليات المسلمة في البلدان الغربية العلمانية. والإطار العلماني لهذه البلدان هو عملياً وسياسياً وفكرياً ودستورياً ما يتيح للجاليات المسلمة هناك أن تعيش بأمان وتمارس شعائرها الدينية بحرية، وتبني مساجدها، وتحتفل بأعيادها. فلو كانت البلدان الغربية مسيحية دستورياً وسياسياً وفعلياً لما أمكن للمسلمين هناك أن يمارسوا حياة طبيعية كالتي يمارسونها الآن. ولو كانت سيطرة الدين في البلدان الغربية تشابه ولو من بعيد سيطرة الدين في البلدان العربية والمسلمة لما أمكن للمسلمين هناك العيش بمستوى الحرية التي يمارسونها على رغم كل ما يُقال عكس ذلك، ولكان حالهم كحال الأقليات الدينية في البلدان الإسلامية (المسيحية واليهودية والهندوسية والبهائية والأحمدية وغيرها) وهو حال مخجل بكل المعايير.

المعنى العملي للإطار العلماني الناظم للاجتماع السياسي في الغرب يتجسد بكونه النظام الحامي الحقيقي للوجود الإسلامي هناك. لكن ذلك الوجود الواقع تحت أسر عقليات «الغيتو» والضحية والخصوصية الثقافية وعابر السبيل، والانغلاق الداخلي، وازدياد التشبث بالهوية الدينية والمباهاة بها، واستمرار دفع الحدود إلى مساحات جديدة لتحقيق مكاسب دينية (وليس سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية) يقود إلى أكثر من رد فعل. الأول يأتي من المؤسسة الحاكمة والقوى المختلفة المؤثرة فيها، والتي ليست عندها مقاربة محكمة ومقنعة تعالج المطالبات بزيادة مساحات الدين وسيطرته خاصة عندما تتغلف تلك المطالبات بحرية الاعتقاد والممارسة وسوى ذلك، مثل المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية في الغرب. فالرد يكون هنا متوتراً إما على شكل تشديد القوانين بغية المحافظة على النظام العلماني والتعددي، وهذا يخلق أصولية علمانية تنتج أعداء جدداً محتملين وغير محتملين. وإما أن يكون الرد بتقديم المزيد من التنازلات للمطالبات الدينية، وهذا يخلق إرباكاً في دوائر واسعة وينتج أيضاً أعداء آخرين محتملين وغير محتملين للجاليات المسلمة وخاصة في دوائر الإعلام. وهذا ما نشهده في السنوات الأخيرة حيث أن زيادة سقف المطالب الدينية للجاليات المسلمة ألب ضدها دوائر أعداء لا تني تتسع. ويمكن القول أن السنوات المقبلة ستشهد انحساراً تدريجياً وربما متسارعاً في دوائر أنصار الجاليات المسلمة ومن يؤيد مطالبها الدينية، خاصة في أوساط الليبراليين واليساريين وهم الأكثر تفهماً وتأييداً حتى الآن لمطالب هذه الجاليات، على عكس تيارات اليمين المحافظ.

* أكاديمي وباحث فلسطيني - جامعة كامبردج

=============

الأوهام والحقائق في جنوب لبنان

الأحد, 11 يوليو 2010

الياس حرفوش

الحياة

تُوقع الأوهام عادة في قراءات خاطئة وتؤدي الى استنتاجات لا صلة لها بالواقع. من تلك الأوهام قراءة بعض اللبنانيين (ومنهم مسؤولون مع الأسف)، لوظيفة القوات الدولية العاملة في الجنوب (يونيفيل) كما نصّ عليها القرار 1701 والتي تبيّن بعد المناوشات الاخيرة بين هذه القوات و»الاهالي» في الجنوب انها كانت قراءة مغلوطة لعمل هذه القوات. اذ كانت تعتبر ان «اليونيفيل» مضطرة للتنسيق مع الجيش اللبناني في عملها وفي التحركات التي تقوم بها على أرض عملياتها. لكن ما تبيّن بعد التعديات على القوات الدولية ان الحكومة اللبنانية اضطرت، تحت ضغط المواقف الدولية المستنكِرة، الى اصدار بيان يؤكد الحرص على سلامة القوات الدولية ويشدد على الدور الذي تضطلع به بحسب نص القرار 1701. واستعجلت الحكومة اللبنانية ارسال نص موقفها هذا الى السفير نواف سلام، مندوبها في مجلس الامن، الذي كان يناقش الوضع في الجنوب، وأصدر بياناً باجماع اعضائه، (ولبنان بينهم)، يدعو جميع الاطراف الى «السهر على احترام حرية تحرك اليونيفيل بموجب التفويض المعطى لها وقواعد الاشتباك في الجنوب». ولمن شاء ان لا يقرأ نص القرار 1701 او ان يفهمه على طريقته، اوضح السفير الفرنسي في الامم المتحدة جيرار أرو ان هامش تحرك القوة الدولية في الجنوب ينبغي ان يكون كاملاً، كما ان التنسيق مع الجيش اللبناني أمر مستحب لكنه ليس الزامياً.

من الأوهام التي سادت في لبنان ايضاً بعد العدوان الاسرائيلي في صيف 2006 أن لبنان خرج «منتصراً» نتيجة تلك الحرب. وهمٌ لا تفسير له على ارض الواقع، لا على مستوى الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بالبلد، ولا على مستوى ترتيبات الوضع الامني جنوب نهر الليطاني، وهو ما نحن بصدده هنا. لقد سعت الحكومة اللبنانية آنذاك، بكل ما تملك من امكانات ديبلوماسية، الى وقف العدوان الاسرائيلي، عن طريق تعزيز عدد القوات الدولية الى 13 الف جندي، اضافة الى زيادة وحدات الجيش اللبناني وادخالها الى تلك المنطقة بعد عقود من غيابها عنها. ووافقت الحكومة ايضاً على ضرورة اخلاء منطقة عمل الجيش اللبناني والقوات الدولية من أي وجود مسلح آخر، سواء كان افراداً او ذخائر. وقد حظي ذلك في حينه بموافقة كل القوى بما فيها «حزب الله»، وهو ما سمح لمجلس الامن بالتصويت على زيادة عدد القوات الدولية وارسالها الى المنطقة الحدودية. بكلام آخر، كان التطبيق العملي على الارض لوهم «الانتصار» الذي ساد في لبنان خلال السنوات الاربع الماضية، هو ابعاد القوى التي كانت تقاتل اسرائيل عن حدودها، فيما بقيت القوات الاسرائيلية في مواقعها على الحدود، واقامة منطقة عازلة شمال الحدود الاسرائيلية تمتد الى عمق 40 كيلومتراً، هي المنطقة التي اعتبر الاسرائيليون انها تشكل خطراً على امن مستوطناتهم. هذه المنطقة هي التي بات الجيش اللبناني والقوات الدولية مكلّفين بضمان خلوها من السلاح، بموجب نص القرار 1701. هذا ما حصل في الواقع، لكن ما تبع بيعه ل «الاهالي» ان القوات الدولية جاءت الى الجنوب لمنع العدوان الاسرائيلي، وهو صحيح لكنه نصف المهمة فقط، اذ ان النصف الآخر هو منع استخدام منطقة عمل هذه القوات ساحة لإشعال حرب جديدة.

لولا القراءات الخاطئة والأوهام السائدة، ولولا التسابق الاعلامي على عرض العضلات الوطنية لما اضطر لبنان الرسمي والامني (اي الحكومة وقيادة الجيش) الى التراجع 360 درجة خلال سبعة ايام. لا يعزز هذا من صدقية بلد عضو حالياً في مجلس الامن ولا يرفع من كرامته بين الدول. مسؤول كبير في الدولة خرج يقول مباشرة بعد حوادث الجنوب انه حتى لو قام الجيش نفسه بما قامت به القوات الدولية لواجهه «الاهالي» بالاحتجاجات! هذا مسؤول يتحدث عن جيش بلده! أما قائد الجيش العماد جان قهوجي فقد نقلت عنه الزميلة صحيفة «النهار» اتهام القوات الدولية بأنها كانت تحمل لوائح اسرائيلية باسماء اصحاب منازل في الجنوب للبحث فيها عن اسلحة مخبأة، متجاهلاً أن تصريحات كهذه لا تساعد على تعزيز الثقة المطلوبة بالقوات الدولية، ومتجاهلاً ايضاً ان مهمة هذه القوات تقضي عدم السماح بوجود أي سلاح غير السلاح الشرعي في تلك المنطقة، وانها يمكن ان تحصل على شكاوى مماثلة من الجانب اللبناني حول خرق اسرائيل للقرار 1701 ومن واجبها اجراء التحقيقات بشأنها. لكن قائد الجيش نفسه عاد بعد انتقال القضية الى مجلس الامن ليقول ان «اشعال الحوادث في الجنوب كان خطأ» وليعترف بالنتائج السلبية لذلك على لبنان.

=============

تهويد القدس... وضرب الديموقراطية الفلسطينية

علي محمد الفيروز

الرأي العام

11-7-2010

يستمر الاحتلال الصهيوني في عنجهيته وصلفه ومحاولاته المتكررة بضرب الديموقراطية الفلسطينية من خلال اختطاف رموزها وملاحقتهم وتغييبهم خلف القضبان، والتهديد بإبعادهم بعد ان فشلت سياسة العدو الصهيوني بمحاكمة النواب على مدار اعوام في كسرر ارادتهم، لجأ إلى سياسة جديدة بحقهم في التجديد الإداري المتكرر، هذا وقد سبق للمحكمة الصهيونية ان قررت إبعاد نواب مقدسيين إلى خارج مدينة القدس في خطوة تدخل في سياسة التغيير الديموغرافي الذي تنتهجه سلطات الاحتلال، حيث بلغ عدد الأسرى في سجون ومعتقلات الاحتلال ما يقارب 6800 أسير، بينهم 300 طفل و34 أسيرة و213 معتقلاً إدارياً و7 أسرى من غزة وفقاً لقانون «مقاتل غير شرعي»، إضافة إلى 11 نائباً من المجلس التشريعي، وقرابة 1500 أسير يعانون من امراض مختلفة، بينهم العشرات الذين يعانون من أمراض خطيرة ومزمنة وخبيثة، وفي حاجة إلى علاج عاجل وعمليات فورية، وهؤلاء جميعاً موزعون على قرابة عشرين سجناً ومعتقلاً ومركز توقيف، أبرزها «نفحة، وريمون، وشطة، وجلبوع، وعسقلان، وهداريم، والدامون، وهشارون، وبئر السبع، وعوفر، ومجدو والنقب»، ويمارس بحقهم أبشع الأساليب التعسفية، وترتكب بحقهم انتهاكات جسيمة وجرائم خطيرة وأوضاعهم في تدهور مستمر، ان الغالبية العظمي من الأسرى هم سكان محافظة الضفة الغربية، ويشكلون ما نسبته 83 في المئة، وان 10.6 في المئة هم من قطاع غزة المحاصرة، في ما الباقي من مدينة القدس وال 48 بالاضافة إلى بضع عشرات منهم من جنسيات عربية مختلفة، هذا وقد بين الباحث المختص في شؤون الأسرى والأسير السابق السيد «عبدالناصر فروانة» ان من بين الأسرى 800 أسير صدرت بحقهم احكام بالسجن المؤبد لمرة واحدة أو لمرات عديدة، وان 590 أسيراً صدر بحقهم حكم بالسجن اكثر من عشرين عاماً وأقل من مؤبد! وان 472 قد صدر بحقهم حكم بالسجن اكثر من 15 عاماً وأقل من عشرين عاماً، وأن 710 أسرى صدر بحقهم حكم بالسجن اكثر من عشرة أعوام وأقل من 15 عاماً، في ما بلغ عدد المعتقلين الإداريين 213 معتقلاً وما نسبته 2.1 في المئة دون تهمة ودون محاكمة! و7 معتقلين من قطاع غزة وفقاً لقانون «مقاتل غير شرعي». وكشف «فروانة» ان من بين الأسرى يوجد 309 أسرى معتقلين منذ ما قبل «أوسلو» وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية في الرابع من مايو عام 1994 ويطلق عليهم مصطلح «الأسرى القدامى»، ومن بين هؤلاء 117 أسيراً مضى على اعتقالهم اكثر من عشرين عاماً ويطلق عليهم مصطلح «عمداء الأسرى»، في ما تضم قائمة جنرالات الصبر 19 أسيراً مضى على اعتقالهم ربع قرن وما يزيد.

ان ابراز قضية الأسرى وتسليط الضوء على معاناتهم والتأكيد على تمسك الشعب الفلسطيني بأسراه واجب إنساني لا يمكن السكوت عنه، ورفض إسرائيل الافراج عن بعض الأسرى يجب ان يقابله «لا عودة لشاليط لعائلته» دون عودة الأسرى القدامى كافة ورموز المقاومة والانتفاضة، وذوي الاحكام العالية، وسياسة الابعاد التي يمارسها الاحتلال الصهيوني بحق ابناء الشعب الفلسطيني وقادته والتي طالت اليوم أعضاء في المجلس التشريعي ومحاولته تفريغ مدينة القدس من قادة العمل الوطني والإسلامي هي محاولة يائسة للنيل من صمودهم وكسر ارادتهم الصلبة التي لن تلين، وسياسة العزل الانفرادي والنقل المستمر للأسرى هو احد أساليب التعذيب النفسي التي تمارسها دولة الاحتلال بحق الأسرى إلى جانب الاهمال الطبي المتعمد، واستخدام الأسرى كحقول تجارب هي ممارسات ترقى لمستوى جرائم حرب تستوجب ملاحقته ومحاكمة مرتكبيها.لذا نحمل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لحقوق الإنسان المسؤولية الكاملة مما يحدث في سجون الاحتلال الإسرائيلي من انتهاك صارخ وفاضح لحقوق الإنسان، ونطالب القادة الفلسطينيين بضرورة انهاء الانقسام الذي أضر بقضية الأسرى الفلسطينيين والعمل لاستنهاض الطاقات الوطنية من اجل تفعيل ملف الأسرى، وندعو النواب المختطفين كافة في سجون الاحتلال والنواب المهددين بالابعاد للثبات على مواقفهم، وندعو كل البرلمانات في العالم للوقوف بحزم والتصدي لهذه السياسة الصهيونية العوجاء التي تخالف أبسط القيم والأخلاق والأعراف الديموقراطية، والضغط للإفراج عنهم، ووقف السياسة الصهيونية الجديدة المتعلقة بالابعاد عن مدينة القدس، كما ندعو القادة الفلسطينيين إلى وقف اشكال التفاوض كافة سواء المباشر أو غير المباشر مع حكومة العدو الصهيوني، خصوصاً وانها تجري في ظل استمرار السياسة الاستيطانية التوسعية في القدس المحتلة ومدن الضفة كافة ناهيك عن استمرار الحصار الجائر على قطاع غزة، وأننا في هذا الصدد نتساءل عن الاجراءات التي تدحض مزاعم الإدارة الأميركية حول وقف حكومة إسرائيل للاستيطان ولسياستها التوسعية، وحول استمرار المفاوضات العقيمة التي توفر غطاءً شرعياً لحكومة الإحلال... والسؤال المطروح هنا: لماذا تلهث السلطة الفلسطينية خلف وهم المفاوضات المباشرة اذا تلقت ردوداً ايجابية من حكومة إسرائيل رغم وضوح سياسة الابعاد الاجباري، ووضوح مشروع تهويد القدس؟ ولكل حادث حديث.

علي محمد الفيروز

كاتب وناشط سياسي

=============

النبيل في مواجهة القبيح

نيكولاس كريستوف

الشرق الاوسط

11-7-2010

تمضي إسرائيل قدما في طريقها لتظهر للعالم أسوأ جانب لديها من خلال عمليات هدم المنازل الفلسطينية وبسماحها للمستوطنين الجشعين بسرقة الأرض الفلسطينية. ومع ذلك، توجد إسرائيل أخرى، وهي تلك التي أعجب بها إلى حد بعيد. إنها الدولة الديمقراطية التي تسمح بعدد كبير جدا من الآراء أكثر مما تسمح به أميركا، وهي قلعة المجتمع المدني، والمكان الذي تعلو داخله بعض أشجع الأصوات وأكثرها فاعلية لصالح الفلسطينيين المضطهدين، وهي أصوات حاخامات إسرائيليين، مثل إريك أشرمان، المدير التنفيذي لمؤسسة «حاخامات من أجل حقوق الإنسان».

نشأ الحاخام أشرمان، وهو رجل طويل نحيل في عينيه مسحة حزن يبلغ من العمر 50 عاما، في إيري بولاية بنسلفانيا. وسقط في حب إسرائيل خلال زيارة قصيرة بين مدرسة عليا وجامعة، وانتقل للعيش داخل إسرائيل عام 1994. وداخل مؤسسة «حاخامات من أجل حقوق الإنسان»، يرأس أشرمان طاقما عدد أفراده 20 والمئات من المتطوعين، ويعملون في بعض الأحيان كدرع بشرية من أجل حماية الفلسطينيين، حتى لو كان ذلك يعني تعرضهم للضرب أو الاعتقال.

وقد شاهدت الجانب القبيح لإسرائيل في مقابل الجانب النبيل، عندما قمت مع أشرمان بزيارة منطقة ريفية شمال الضفة الغربية حيث كان مستوطنون يهود يستولون على أراض يقول مزارعون فلسطينيون إنها ملك لهم. وقال محمد مقبل، وهو فلسطيني يبلغ من العمر 71 عاما من قرية قريوت، مشيرا إلى حقول قال إن المستوطنين سرقوها: «إذا حاولنا الدخول إلى أرضنا، سيكون المستوطنون في انتظارنا، وسنتعرض للضرب». وأشار إلى أنه في العام الماضي نُقل إلى المستشفى بعد أن كسرت أحد أضلعه عندما هاجمه مستوطنون بينما كان يجمع الزيتون. وقد ساعدت مؤسسة «حاخامات من أجل حقوق الإنسان» الفلسطينيين على الحصول على بعض الأراضي من خلال رفع دعاوى قضائية داخل المحاكم الإسرائيلية. ويقوم الحاخام أشرمان ونشطاء يهود آخرون باصطحاب هؤلاء المزارعين لتوفير الحماية لهم. ولا يزال المستوطنون ينفذون هجمات، ولكن تزيد احتمالية تدخل الجنود عندما يتعرض حاخامات للضرب.

وبينما كان مقبل والحاخام أشرمان يشرحان هذا لي، جاءت سيارة أحد المستوطنين لمواجهتنا. وبعد ذلك جاءت سيارة أخرى. وقام المستوطنون بتصويرنا. وقمنا بتصويرهم. وسألتهم هل يوافقون على أن أجري معهم مقابلة، ولكنهم رفضوا الرد على أسئلتي. وقال الحاخام أشرمان: «إنهم يحاولون ترويعنا وحسب».

وكما هي الحال مع حركة الحقوق المدنية داخل أميركا، يصبح النشطاء هنا أهدافا. فقد قام شباب فلسطينيون بإلقاء الحجارة على سيارة أشرمان. وتعرض للاعتقال والضرب من قبل القوات الأمنية والمستوطنين على حد سواء. (وأود الإشارة إلى أن سيارته عبارة عن سيارة قديمة، ولذا يصعب عليه الانطلاق بها سريعا). ولكن، تظهر عمليات الضرب المشتركة أفكارا نمطية عن اليهود لدى الفلسطينيين. ويقول إنه في إحدى المرات جاءته مكالمة عن طفل فلسطيني يبلغ من العمر 13 عاما كان يتعرض للضرب على أيدي جنود إسرائيليين، وهرع إلى المكان. وبعد ذلك، أُطلق عليه الغاز المسيل للدموع وتعرّض للضرب، واعتقله الجنود. وقال الصبي بعد ذلك متعجبا إن غريبا يهوديا طويلا هرع إلى إنقاذه، وخلال اعتقاله، هدأ من روعه وقال له: «لا تخف».

وتتجاوز «إسرائيل الأخرى» مؤسسة «حاخامات من أجل حقوق الإنسان»، حيث تأتي أشد الانتقادات لمعاملة إسرائيل السيئة للفلسطينيين من مؤسسات حقوقية إسرائيلية. ويأتي أفضل رد على الأسطورة المؤسسة لإسرائيل من مؤرخين إسرائيليين. وتأتي أشد الانتقادات للمزاعم التاريخية الإسرائيلية من علماء آثار إسرائيليين (وتوفر مؤسسة أثرية مثل «إميك شافاه» جولات تاريخية بديلة حتى يتسنى للزوار الحصول على صورة أشمل). وتعد إسرائيل الأكثر نبلا نموذجا للعالم، حيث إنها ترفض التراجع عن قيمها حتى في لحظات الخوف والضغط. وداخل منطقة الشرق الأوسط، يكون الرجال الأكثر تدينا في بعض الأحيان الأبغض للنفس. ومن خلال تحدي التطرف الديني، تقوم مؤسسة «حاخامات من أجل حقوق الإنسان» بإعادة تقديم القيم الإسرائيلية واليهودية. وتحظى «حاخامات من أجل حقوق الإنسان» بدعم قوي من يهود أميركا الشمالية ويساهم بعض الأطفال الأميركيين حسب الأسلوب الصهيوني التقليدي - ازرع شجرة من أجل إسرائيل-، بإرسال المال حتى يتمكن الحاخامات إعادة زرع شجرة زيتون لفلسطيني أفسد مستوطنون مزرعته.

ولا يحظى الحاخام أشرمان بإعجاب الجميع، حيث تصله تهديدات بالقتل، وينظر إليه إسرائيليون متشددون على أنه خائن ساذج. ويرد على ذلك بالتأكيد بأنه يناضل من أجل المحافظة على قيمه الأخلاقية والدينية. ويقول أيضا إنه من خلال بناء الجسور بين الفلسطينيين واليهود يمكن لإسرائيل أن تصبح مكانا آمنا لأطفاله. ويقول: «على المدى الطويل، سيمكننا العيش هنا معا، أو سنموت معا». ويضيف: «عندما تصلنا التهديدات بالقتل أو يقول الناس إننا خائنون أو معادون لإسرائيل، أقول لنفسي: من الذي يبذل أكثر للحفاظ على إسرائيل؟ الذين يهدمون المنازل ويقتلعون الأشجار أم الذين يعيدون بناء المنازل ويعيدون غرس الأشجار؟».

=============

البلد الذي هزم ثلاث إمبراطوريات

بلال الحسن

الشرق الاوسط

11-7-2010

دولة متخلفة تسمى أفغانستان، يسود فيها حكم القبيلة ونظامها، هزمت حتى الآن إمبراطوريتين، الإمبراطورية البريطانية والإمبراطورية السوفياتية، وهي توشك على إيقاع الهزيمة بالإمبراطورية الثالثة، الإمبراطورية الأميركية.

تمت هزيمة الإمبراطورية البريطانية، بعد أن شاخت تلك الإمبراطورية، وبعد أن قررت تقليص نفسها بالانسحاب من الهند. ثم قررت التخلي عن شرق السويس. وكان طبيعيا بعد ذلك أن لا تعود بعد ذلك قادرة على تحمل مسؤولية النفوذ الإمبراطوري في أكثر من بلد، ومنها أفغانستان. وعلى هذا الصعيد بالذات، تولت الإمبراطورية الأميركية الصاعدة، أن تحل محل الإمبراطورية البريطانية المتراجعة، فورثت نفوذها وقواعدها في شرق السويس (الخليج العربي وإيران)، وعملت في منطقتنا لفترة طويلة تحت شعار ملء الفراغ الذي أطلقه الرئيس الأميركي الشهير دوايت أيزنهاور، المتوج بطلا لا منافس له، بعد أن قاد حرب الانتصار على النازية في الحرب العالمية الثانية.

وحين أقدمت الإمبراطورية السوفياتية على احتلال أفغانستان، معتبرة أنها تشكل جزءا من مجالها الحيوي، فعلت ذلك بهدوء، وظنت أنها قادرة على هزيمة قبائل أفغانستان. وهنا تقدمت الولايات المتحدة الأميركية لتساعد قبائل أفغانستان، فأمدتها بكل أنواع السلاح الذي تحتاجه من أجل إيقاع الهزيمة بالإمبراطورية السوفياتية، وكان كل ذلك في حينه جزءا من الحرب الباردة. وقد صمدت الإمبراطورية السوفياتية عشر سنوات أو يزيد، قضتها كلها في خوض معارك متصلة، إلى أن أدركت أنه لا يمكن النصر في هذه الحرب، فقررت الإقرار بالهزيمة والانسحاب من أفغانستان.

دعمت أميركا في هذه الحرب شعار «الجهاد» ضد «الإلحاد» السوفياتي، واستقبلت ودعمت عشرات «المجاهدين» ضد النظام الاستعماري الملحد، وكان من بينهم ومن أبرزهم، الشاب أسامة بن لادن.

ثم بدأت مرحلة ثالثة كانت لها سماتها الخاصة:

أولا: «المجاهدون» الذين احتضنتهم أميركا ليقاتلوا «الإلحاد» السوفياتي، أنشأوا لأنفسهم حاضنة أخرى من صنعهم. تقدمت الحاضنة الأخرى وحلت محل الحاضنة الأميركية، وولد من خلال ذلك تيار إسلامي مختلف، يريد مقاومة الإلحاد الأميركي هذه المرة، وبعمليات موجهة ضد أميركا بالذات، كانت أبرزها أحداث سبتمبر (أيلول) عام 2001.

ثانيا: رجال القبائل الذين اعتادوا أن يخترعوا صيغتهم التوافقية لحكم أفغانستان، واختلفوا في ما بينهم، ونشأت بسبب ذلك حالة عنيفة من الفوضى. وفجأة تقدمت الصفوف حركة «طلاب» المدارس الإسلامية الأفغانية القادمة من باكستان، وبدأت تواجه القبائل، وتفرض نفوذها منطقة بعد أخرى، وبنجاح غريب لافت للنظر، واتخذت هذه الحركة اسم «طالبان»، وأصبحت أقوى قوة في أفغانستان. ولا يزال التاريخ مدينا لعلم الاجتماع السياسي من أجل تقديم توضيح موضوعي عن كيفية تحقيق هذا النجاح الباهر لحركة طالبان، وعن كيفية صعود «طالب» شاب يدعى الملا عمر إلى موقع القيادة الأولى في بلد اعتاد أن يهزم الإمبراطوريات.

ثالثا: حدث بشكل مواز لصعود «التطرف» الأفغاني إلى سدة القيادة، صعود «التطرف» الأميركي إلى سدة القيادة، ممثلا بما أطلق عليه «المحافظون الأميركيون الجدد». وما إن اهتزت أبراج نيويورك، حتى أعلن هؤلاء المحافظون الجدد الحرب على الإسلام، ثم عدلوا الشعار ليقول: «الحرب على الإسلام المتطرف». ثم عدلوا الشعار ثانية ليقولوا: «الحرب على الإرهاب». ومهما اختلفت الشعارات، فقد بقي المضمون واحدا، وتمت ترجمته إلى شن الحرب واحتلال أفغانستان، وقد تم إنجاز هذه المهمة بما لا يزيد على ثلاثة أيام.

ويروى أن الجنرال الروسي الذي أشرف على احتلال أفغانستان، وعلى إدارة الحرب الطويلة فيها، اتصل بنظيره الأميركي وهنأه بحرارة على الإنجاز الكبير الذي حققه بسرعة مدهشة، ثم قال له: «لقد بقيت عليك مهمة واحدة وأخيرة، فهناك في أفغانستان أربعون ألف مغارة، عليك أن تدخلها واحدة بعد أخرى، ليتحقق لك النصر الكامل». وربما يكون الجنرال الأميركي قد دخل حتى الآن المغارة رقم عشرة آلاف، وفي رواية أخرى المغارة رقم عشرين ألفا، وبقي عليه أن يدخل المغارات الباقية، وفي سباق يشبه سباق المونديال، وبكل ما حمله المونديال معه من مفاجآت.

الآن نشهد في واشنطن جنرالا يسخر من قادة بلده وأوامرهم حول حرب أفغانستان، ويحذرهم بأن هذه الحرب لن تنتهي بخير، وتتم إقالته بهدوء. ونشهد جنرالا آخر، أشد حنكة، يقول منذ اليوم الأول لتسلم مهامه بدلا من الجنرال المقال، إن الحرب ستكون طويلة وقاسية. ونشهد قرارا سياسيا أميركيا يحدد مواعيد نهائية للانسحاب من أفغانستان، وبعد أن تكون مهمة تهيئة قوات أفغانية محلية قد أنجزت، من أجل أن تتولى هذه القوات إدارة شؤون البلد. ونشهد حركة طالبان تهاجم، وتنتصر، وترفض دعوات الحوار السياسي، وهي تعلن: «إذا كنا منتصرين فلماذا نتفاوض مع حكومة كرزاي؟»، وبهذا تكون القصة قد شارفت على نهايتها للمرة الثالثة، ويكون هذا البلد القبلي المتخلف العجيب، قد أصبح على وشك إعلان هزيمة الإمبراطورية الثالثة.

وإذا كان أحدهم قد قال يوما: «إذا أردت أن تعرف ما يجري في بلدنا فعليك أولا أن تعرف ماذا يجري في إيطاليا». وإذا بذلك ضحك الناس، فإن هذه النكتة قد تحولت إلى حقيقة. فحين يسأل المسؤول الأميركي عما يجري في أفغانستان يكون جوابه: علينا أولا أن نعرف ماذا يجري في إسرائيل! وفي إسرائيل رجل يسمى نتنياهو، يقول للرجل الجالس في البيت الأبيض: أنا أعلمك كيف تنتصر في أفغانستان، نذهب معا أنا وأنت ونضرب إيران. ويرد المسؤول في البيت البيض مستنكرا وقائلا: أنا أريد منك المساعدة في حل الموضوع مع الفلسطينيين، وعندها سيرضى العالم الإسلامي، ويساعد في حل موضوع أفغانستان وطالبان والملا عمر وأسامة بن لادن دفعة واحدة. ولا يزال هذا الجدل مستمرا بين الرجلين، بينما لا يزال هذا المدعو نتنياهو يعتقد أنه يستطيع ترويض رجل البيت الأبيض وإقناعه.

وفي هذه الأثناء يقول المسؤول الفلسطيني، إنه لن يستطيع الانتقال إلى المفاوضات المباشرة إلا إذا تم وقف الاستيطان الإسرائيلي. ويرد نتنياهو إياه قائلا، ومن داخل البيت الأبيض: إذا بدأت المفاوضات المباشرة فسيكون أول أمر أبحثه مع المسؤول الفلسطيني هو وقف الاستيطان. وبهذا تتحول السياسة في فلسطين إلى نوع من الكلمات المتقاطعة، ويحتاج اختبار الكلمة الصحيحة إلى توافق كلمات الطول والعرض، تماما كالوضع في أفغانستان، حيث الانتصار في «الشرق الأقصى» مرهون بالتوافق مع «الشرق الأدنى»، وحيث المسؤول في البيت الأبيض يحتاج إلى مساعدة شخص يدعى نتنياهو.

إنها كلمات متقاطعة، يتم إنجازها فوق أرض تدعى أفغانستان، هزمت إمبراطوريتين، وتستعد لهزيمة الإمبراطورية الثالثة، ولا يعرف أحد السر في ذلك.

===================

الإسلام والمواطنة

الجزيرة نت 03/07/2010

راشد الغنوشي

من المفاهيم الأساسية في الفكر السياسي الحديث مفهوم المواطنة أساسا لتوزيع الحقوق والواجبات في الدولة، فما موقف الفكر الإسلامي منه؟

1- يرتبط مفهوم المواطنة كما تبلور في الفكر السياسي الحديث بالدولة القومية من جهة وبالديمقراطية من جهة ثانية. والتطور إليهما ارتبط بالعلمانية غالبا، إذ أنه في المجتمعات ما قبل الدولة القومية حيث سادت أوروبا إمبراطوريات جامعة لعدة أعراق وقوميات، كان الرباط الديني هو الرباط الجامع، حتى إذا تفككت تلك الإمبراطوريات وتشكلت على أنقاضها دول قومية بحثت لها عن مصادر بديلة للشرعية تبلورت بعد سلسلة من التطورات الفكرية والحروب الدينية الطاحنة في معاهدة وستفاليا بين الدول الأوروبية في النصف الثاني من القرن السابع عشر في ما هو متعارف من دول قومية علمانية ديمقراطية، يتمتع فيها كل سكانها على اختلاف الدين والعرق بحقوق متساوية باعتبارهم مواطنين، تنطلق حقوقهم لا من الاشتراك في عقيدة بل في أرض.

 

مع أن المواطنة لم تكن دائما تعني المساواة في الحقوق مع اختلاف الثروة والجنس. فلقد ظل حق الانتخاب مقصورا على مالكي الأراضي والأرستقراطيين، ولم تستكمل المرأة نظريا -على الأقل- حقوق المواطنة مثل الانتخاب إلا في زمان متأخر، وإن ظلت -عمليا- ضحية التمييز في الأجر حتى أيامنا هذه.

السؤال المهم هو: هل هذا الارتباط بين الدولة القومية والعلمانية والديمقراطية من جهة، والمواطنة من جهة أخرى هو من نوع الارتباط المفاهيمي الضروري كما يزعم البعض؟ أم هو مجرد واقعة تاريخية لا تبرر أي مصادرة على المستقبل، فما حدث في الماضي حتى وإن تكرر لا يحمل دلالة ضرورية على أن المستقبل سيكون على نفس المنوال، حتى مع افتراض أن الماضي كان دائما كذلك، وهو أمر مشكوك فيه.

2- تقديرنا أن هذا الارتباط حتى ولو صح لا يحمل أي دلالة لزومية وإنما مجرد حدث غربي، والغرب اعتاد في بحثه للظواهر الاجتماعية أن ينطلق من مسلّمة مركزيته الكونية، فما يصح في تاريخه ومجتمعاته يصح قانونا للبشرية في ماضيها وحاضرها ومستقبلها!

وقد تقدم أن الارتباط بين الديمقراطية والعلمانية هو من هذا القبيل هو في أعلاه مجرد واقعة وليست قانونا، وكذلك الأمر بالنسبة للعلاقة بين فكرة المواطنة والعلمانية أو المواطنة والدولة القومية. فلقد عرف العالم ومنه أوروبا دولا قومية علمانية لا تعترف لكل مواطنيها بحق المساواة بل قد تقترف في حقهم اضطهادا يبلغ حد الإبادة ، كما فعلت النازية والفاشية، ولم يكتسب السود في الولايات المتحدة، مع أنها دولة قومية علمانية، حقوق المواطنة ولو من الناحية النظرية إلا في ستينيات القرن الماضي، ولا يزال المسلمون يتعرضون وكذلك أعراق وديانات أخرى لضروب بشعة من التمييز والقمع في دول قومية علمانية عديدة. بما يؤكد أن هذا الربط لا يحمل أي دلالة عابرة للتاريخ وإنما هو مجرد واقعة، ومقابل ذلك قامت في الغرب والشرق حكومات ديمقراطية على أساس المواطنة دون أن تكون علمانية بل تتبنى دينا رسميا مثل المملكة المتحدة البريطانية حيث تجتمع في رئاسة الدولة السلطتان الدينية والسياسية، وكذا حكومات غربية وشرقية أخرى.

3- وفي السياق الإسلامي تمتّع أهل ديانات وأعراق مختلفة بحقوق المواطنة أو بكثير منها في ظل حكومات إسلامية عبر تاريخ الإسلام الذي برئ من حروب الإبادة والاضطهاد الديني أو العرقي، بدءا بدولة المدينة التي تأسست على دستور مكتوب اعترف بحقوق المواطنة لجميع المكونات الدينية والعرقية للسكان باعتبارهم" أمة من دون الناس" حسب تعبير دستور المدينة المعروف باسم "الصحيفة" (سيرة ابن هشام) حيث نصت على أن "اليهود أمة والمسلمين أمة" (أي أمة العقيدة) وأن "المسلمين واليهود أمة" (هي أمة السياسة أو المواطنة) بالتعبير الحديث أي شركاء في نظام سياسي واحد يخولهم حقوقا متساوية باعتبارهم أهل كتاب وأهل ذمة أي مواطنين حاملين لجنسية الدولة المسلمة من غير المسلمين. قال عنهم أحد أكبر أًئمة الإسلام الخليفة الراشد الرابع علي كرم الله وجهه "إنما أعطوا الذمة ليكون لهم مالنا وعليهم ما علينا".

4- لقد تمتع سكان المدينة من غير المسلمين بحقوق المواطنة ومنها حماية الدولة لهم، مقابل أدائهم واجباتهم في الدفاع عنها، وكان إخلال بعض يهود المدينة بذلك الواجب، إذ تحالفوا سرا مع العدو القرشي الذي غزا المدينة مستهدفا الإجهاز على نظامها الوليد، هو مبرر محاربتهم وإجلائهم، وليس بسبب دينهم، بينما تمتعوا في مختلف إمارات المسلمين على امتداد تاريخ الإسلام بحقوق غبطهم عليها حتى أهل الإسلام، فلم يكن جزاؤهم غير الكيد للمسلمين بأشد مما فعل أوائلهم، وما فعل صهاينتهم ويفعلون في فلسطين شاهد، وهم أشد الضاربين على طبول الحرب على المسلمين في العالم، مما سيؤول بهم لا محالة إلى نفس المصير.

 

5- وبينما تمتع كل الأقوام وأتباع الديانات ممن يقيم في أرض الدولة بحقوق المواطنة ومنها جنسية الدولة الإسلامية وبذل النصرة والحماية لهم من كل عدو يستهدفهم، فإن المسلمين الذين لم يلتحقوا بأرض الدولة الإسلامية، مجال سيادتها، لا يتمتعون بهذا الحق بإطلاق، بل إن حق التناصر بين المؤمن وأخيه تأتيه الدولة الإسلامية إذن في حدود ما تسمح به مصالحها العليا ومواثيقها الدولية، وهو ما نصت عليه آية الأنفال التي ميزت بوضوح بين مؤمنين التحقوا بأرض الدولة الإسلامية ومجال سيادتها، فهؤلاء لهم الولاء والحماية الكاملين وليس ذلك لغيرهم.

قال تعالى: "إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض، والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا، وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق، والله بما تعملون بصير" (الأنفال-72). وهو ما يجعل مقالة الإمام الشهيد سيد قطب الشهيرة "جنسية المؤمن عقيدته" ليست ثابتة، فجنسية الدولة الإسلامية(المواطنة)لا تثبت إلا بالإقامة في أرض الدولة، من قبل المسلم أو غير المسلم، الذمي.

6- ورغم أن مفهوم الذمة شابته شوائب استغلت في تشويهه إلا أنه يظل معلما بارزا من معالم السماحة والتحضر في حضارة الإسلام التي تأسست على مبدأ "لا إكراه في الدين" (البقرة-256) وأيضا "لكم دينكم ولي دين" (الكافرون-6). ومع ذلك فإن هذا المفهوم ليس من ألفاظ الشريعة الملزمة، فإذا غدا يلقي ظلالا من التحقير على جزء من مواطني الدولة غير المسلمين فيمكن الاستعاضة عنه بأي مفهوم آخر تجنّبا للبس، مثل مفهوم المواطنة، مادام يحقق المبدأ الإسلامي في المساواة بين المواطنين، وذلك على قاعدة "لهم ما لنا وعليهم ما علينا". ولقد ارتضى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قبيلة تغلب العربية النصرانية أن يؤدوا الضريبة تحت عنوان الزكاة لا الجزية، مما يعين على توحيد معايير الاستخلاص الضريبي، كما ارتضى فقهاء معاصرون كبار مثل يوسف القرضاوي وعبد الكريم زيدان اعتبار أن الجزية هي المقابل للخدمة العسكرية، فإذا غدت هذه جزءا من واجبات المواطن بصرف النظر عن دينه فلا يبقى لها مكان، لا سيما وقد قامت دولنا الإسلامية الحديثة على أساس المواطنة أي الاشتراك في امتلاك الوطن من كل سكانه بصرف النظر عن دياناتهم، بعد أن اشتركوا في تحريره من الاحتلال، فقامت شرعية التحرير أساسا لمجتمعاتنا الإسلامية الحديثة بديلا عن شرعية الفتح، التي قامت عليها مجتمعاتنا ما قبل الاستعمار(محمد سليم العوا)، وهو ما أرسى أساسا مشتركا للحقوق والواجبات بين كل المواطنين على اختلاف اتجاهاتهم وعقائدهم.

7- لا يجد أي دارس منصف للقرآن الكريم وللسنة المطهرة صعوبة تذكر في وضع يده على القيمة المركزية التي يحتلها الإنسان في بنية هذا الدين، وأن البشرية على اختلاف الألوان والملل والثروات والمواقع والأجناس تنحدر من أسرة واحدة، وكل منهم يحمل في ذاته تكريما إلهيا "ولقد كرمنا بني آدم" (الإسراء-70) وأنهم جميعا "عيال الله أحبهم إليه أنفعهم لعياله"وأن "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" (المائدة-32) على اعتبار أن كل إنسان يمثل في ذاته البشرية كلها، فالاعتداء عليه اعتداء عليها جميعا، ونفعه نفع لها جميعا.

ولقد بين المبعوث بالقرآن لبيانه عليه السلام هذا المعنى بمثال عملي مهتبلا فرصة مرور جنازة يهودي، إذ قام لها فتعجب أصحابه. روى الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم مروا عليه بجنازة، فقام لها واقفا، إكراما للميت، فقال له الصحابة: يا رسول الله؛ إنها جنازة يهودي وليست جنازة مسلم، فقال عليه صلوات ربي وسلامه "أليست نفسا؟! وهو ما يحمل المسلمين على الترحيب بكل ما من شأنه أن يعلي من منزلة هذا الكائن المكرم الذي من أجله خلق هذا الكون ويحفظ حقوقه ويدفع عنه كل ضروب العدوان ويقيم عدل الله في الأرض، فإنما بعث الرسل عليهم السلام من أجل ذلك.

وأجلى معاني العدل، كما ذكر صاحب التحرير والتنوير الشيخ ابن عاشور المساواة، بما يجعل تحقيق هذه القيمة في العلاقات بين البشرية مقصدا أسني من مقاصد الإسلام، وما يجعل المسلمين أول من يسعد بكل ميثاق لحقوق الإنسان ينتصر لكرامته.

فإذا كانت هذه هي المواطنة قد تحققت في التجربة الغربية في سياق الدولة القومية العلمانية، فتلك واقعة وليست قانونا لأنها قد تحققت قبل ذلك على نحو أو آخر في سياق التجربة الإسلامية وحسبما سمح به مستوى التطور البشري.

 

8- ولأن معظم مجالات التدبير لإدارة شؤون الناس هي من أمور الدنيا التي أهّل الله العقل الإنساني لاكتشاف سننها وبالخصوص إذا هو اهتدى بأنوار الوحي، فلا ضير على المسلمين إذن أن "يقتبسوا" من كل التجارب البشرية ما أثّلته من خبراتها مما هو نافع ويصلح لأن يجسد جانبا أو أكثر من مقاصد شريعتنا في العدل والحرية والمساواة وحفظ الأديان والأنفس والعقول والأعراض والأموال، بما يستبقي مجالات تبادل التأثر والتأثير مفتوحة على مصارعها مع كل الحضارات، وكذا الاستدراك.

9- تقديرنا أنه كما مثلت العلمانية بكل ألوانها ودرجات علاقتها بالمسيحية -حتى لتبدو أحيانا مسيحية متنكرة، كما أكد ذلك الفيلسوف الألماني كارل شميت- مدخل شعوب الغرب إلى الحداثة وثمارها العلمية والسياسية كالمواطنة والديمقراطية، فإن سبيل المسلمين إلى ذلك هو الإسلام وليس غيره بسبب جمعه في منظومة واحدة متماسكة بين ضمير الإنسان ونظامه الاجتماعي، بين المادي والروحي والدنيوي والأخروي، وبسبب عمق قيمه في الوجدان والثقافة، وهو ما يفسر أن تهميشه من قبل النخب العلمانية التي حكمت المنطقة كان العامل الرئيسي في فشل التجارب التنموية على كل صعيد، علمي تقني أو سياسي أو اقتصادي، ومنها الفشل في حل القضية الفلسطينية، وكيف ترتجى تنمية على أي صعيد مع استبعاد الروح الجامع والوقود المحرك للجماهير؟

وإن إنجازات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان في تعديل موازين القوة على يد حملة مشاعل الإسلام وحلفائهم، بعد أن استسلمت معظم قوى العلمنة، يحمل دلالة على ما يتوفر عليه الإسلام من طاقات تنموية لو أمكن توظيفها لا في الإرهاب والتدمير وإنما في البناء والتعمير. وتمثل المبادرات الذكية الفدائية لنشطاء السلام كما تجلت في سفن الحرية نموذجا لما يمكن أن يحرّكه الإسلام من طاقات وفعاليات في مستوى الجهاد المدني وليس فحسب في ساحات الجهاد القتالي.

10- كما أننا على تمام الثقة في قدرات الإسلام التنموية على صعيد تأصيل فكرة المواطنة في ثقافتنا والديمقراطية والمجتمع المدني، وأن السلم هو الأصل في العلاقة مع غير المسلم، وأن الجهاد لم يجعل أداة للدعوة إلى الإسلام أو لفرضه على مخالفيه أو لاستئصال الكفر من العالم، فكل ذلك مباين لنصوص وروح ومقاصد شريعة جاءت لتعلي من حريات الإنسان وتحيله بعد إقامة الحجة عليه مسؤولية مصيره "ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة" (الأنفال-42) و"لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" (النساء-165) وإنما هو سبيل لدفع العدوان وإتاحة حرية الاختيار والعبادة للناس آمنين من كل فتنة وإكراه وحسابهم على الله (انظر المؤلف الضخم المهم للشيخ يوسف القرضاوي "فقه الجهاد".

11- إننا لا نجهل أنه بدوافع رد الفعل على سياسات دولية عدوانية ضد الإسلام وأهله، وضد حكومات فرضها الغرب على أمة الإسلام، وبأثر الجهل بالإسلام، انبعثت من داخل الإسلام نفسه تيارات مضادة لقيمه الإنسانية العليا تسيء إليه أيما إساءة، وتقدّم وقودا للنار التي يلهبها أعداؤه من حول قيمه لربطها بالإرهاب، وبالعداوة لكل ما ناضلت البشرية من أجله من حريات وحقوق وعدالة وحقوق للنساء وللأقليات وفنون جميلة، وعلاقات دولية يسودها السلم باعتباره الأصل في علاقة الإسلام مع غير معتنقيه لا الحرب والقوة. ولكن الإسلام إذا كان رسالة الله الأخيرة إلى خلقه ورحمته بهم فلن يضيّعهم وبالخصوص في زمن ثورة المعلومات والتواصل البشري والانكشاف المتسارع للحقائق وتزايد الحاجة للرواسي في زمن تزلزلت فيه اليقينيات، واستبدت الحيرة.

 

12- يبقى العاصم الأساسي من الضلال هو الالتزام بموجّهات الشريعة، وهي موجهات لا تكبل العقل ولا تحد من نشاطه بل تطلقه حرا طليقا مزوّدا بأنوار تهديه ومقاصد تحميه من الضلال وبيقينيات تعمر القلب وتجنّبه الحيرة، "فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى" (طه-123)، ولا ينساق مع غرور شيطاني يسوّل له الاستقلال والاستغناء عن سبب وجوده ووليّ نعمته سبحانه، وتلك الطامة الكبرى الواقعة: غرور العقل بما كسب وزعمه إمكان تنظيمه الحياة ونيل السعادة بمغنى عن الله خالقه سبحانه ورسله، فتألّه، بل أعلن موت الله!! وإنما هو قد أمات نفسه وفقد البوصلة ودخل في مهمه وظلمات وفوضى بلغت حد تهديد الحياة جملة وتدمير الأسرة حتى "ظهر الفساد في البر والبحر" (الروم-41).

13- كل هذا لا يؤكد الجدوى الإجرائية والقيمية لمفهوم المواطنة ولو في الحد الأدنى من معناه وهو الاعتراف -ولو النظري- لكل سكان بلد بحقهم في امتلاك البلاد بالتساوي، أي بشرعية أن تكون لهم حقوق وفرص وعليهم واجبات متساوية أمام قانون عادل، يقوم على المساواة لا على المحاباة وعلى الاعتراف بكبرى اليقينيات الكونية أن لهذا الكون خالقا آمرا عادلا رحيما. "والأرض وضعها للأنام" (الرحمن-10) و"سواء للسائلين" (فصلت-10).

========================

ترويض إسرائيل ومظلات الهبوط الآمن

الجزيرة نت 03/07/2010

إبراهيم عجوة

المراقب لمجريات الأحداث في الشرق الأوسط وشكل التعاطي الدولي معها يستطيع أن يلمس بوضوح أن العالم يتجه إلى تجميد المشكلات أو حلها أو تسكينها، بما يعطيه فرصة التقاط الأنفاس بعد أن أصيب النظام الدولي بنكسات إستراتيجية استثنائية على الصعيد الاقتصادي والسياسي والجيوبوليتيكي.

فدورة النهب الإمبريالي استنفدت بوحشيتها أغلب المخزونات الإستراتيجية القابلة للنهب، وأغرقت الأسواق بمنتجاتها بحيث أصبحت فوائض الإنتاج غير قابلة للاستهلاك سواء لجهة ضعف المستهلك المستهدف والمستنزف، أو لجهة التنافس وفيض المنتج الذي أدى إلى كساده.

وعلى الصعيد السياسي لم تعد الإمبريالية قادرة على ترويج منتجها السياسي سواء بشكل مباشر أم عبر وكلائها نتيجة ارتفاع منسوب المشاركة السياسية والوعي السياسي لدى الشعوب الناتج عن ثورة المعلومات، فقد أنتجت هذه الثورة قدرة عالية على التمييز لدى الجمهور، مما أفقد النخب الوكيلة قدرتها كما أفقد أصحاب الأجندات المباشرين أيضا قدرتهم على صياغة وعي الجماهير.

 

فهذه الثورة التقنية باتت مفتوحة للجميع، على الرغم من كل المحاولات الجارية لتطويعها، فقد خرجت عن الطوق ولم تعد حكرا على أحد، ولم يعد بمقدور أحد أن يروضها لصالحه فقط. أما على المستوى الجيوبوليتيكي فقد بدأت لدى نخب العالم المعاصرة مراجعات التاريخ المزور والجغرافية المزورة والحدود المفتعلة في الحروب العالمية، مما جعل اللعب الجيوبوليتيكي أكثر صعوبة منه في السابق، كما أن العبث بالحدود والديمغرافية والتاريخ قد وصل حد الإشباع وما عاد ممكنا ممارسة المزيد منه موضوعيا، كما لم يعد ممكنا تسويقه في المراجعات الجارية.

"إسرائيل" بوصفها أحد منتجات هذا النظام تجري عليها ذات عملية المراجعة، فقد ولد فيها مؤرخون جدد يراجعون مدى صدقية الرواية الصهيونية للتأسيس وللنكبة الفلسطينية، وولد فيها كتاب ومفكرون ما بعد الصهيونية، كما ولّدت متغيرات الواقع عقلانيين سياسيين باتوا يقرون باستحالة استمرار الحركة الصهيونية في السير على نفس الإيقاع ونفس الأهداف الكبرى الموهومة لدى الآباء المؤسسين.

طبعا هذه المراجعات العالمية والمراجعات الصهيونية ليست وليدة صحوة أخلاقية إمبريالية أو صهيونية ولكنها وليدة مآزق موضوعية بنيوية سيتحدد عمقها وتحولها النوعي بقدرة الأطراف المتناقضة والمتصارعة حولها على الاستفادة من المأزق وتجميع القوة لتغيير قواعد اللعبة.

"إسرائيل" هي في الحقيقة منتج أيديولوجي لكنها سعت دون نجاح لتتطور إلى دولة طبيعية من خلال الابتعاد المستحيل عن منطق الحركة المؤسس، مما أدخلها في تناقضات صارخة كانت محور الحوار الدائر بين نخبها منذ بداية الستينيات وحتى يومنا هذا.

وقد تركز هذا الحوار العقيم موضوعيا حول إمكانيات تطور "إسرائيل" بخطوات حاسمة نحو منطق الدولة وفكرتها وليس بقائها تكوينا اجتماعيا لحركة في طور التشكل والنشوء. أما المربك للمراجعين والمؤرخين الجدد، والعقلانيين السياسيين والمراكز الدولية الداعمة ل"إسرائيل"، والذي لن يتغير إلا نتيجة لصراع حقيقي، فهو أن الخيارات الموضوعية للدولة لا تزال محمولة على رؤى وتصورات أيديولوجية وليس على رؤية عقلانية للدولة الحديثة.

فلا تزال إسرائيل بهذا المعنى بعيدة عن القيم المعيارية والأخلاقية لعقلانية الدولة الحديثة، مما يدفع العالم نحو محاولة إنقاذها من خلال ترويضها لحمايتها وحل مآزقها البنيوية.

المأزق الديمغرافي: "إسرائيل" لم يتنبه منشئوها أو مؤسسوها إلى استحالة قدرتها على العيش التاريخي في بيئة معادية واسعة وعلى حساب هذه البيئة، فإذا عجزت إمبراطوريات عبر التاريخ عن العيش في بيئة معادية فكيف بكيان هش وظيفي أن يملك القدرة على ذلك، مهما امتلك من مقومات القوة. لقد أعمتهم معادلة القوة عن الفرق بين فرض الذات بالقوة مرحليا والعيش "على حد السيف" كما يرغب الصهاينة بتسميته، وبين العيش التاريخي بمعنى الاستمرار كظاهرة طبيعية تاريخية في المنطقة.

 

المأزق الديمغرافي كان أحد أجهزة الإنذار المبكر للكيان وصنّاعه عندما أفاقوا على خمسة ملايين فلسطيني يعيشون من البحر إلى النهر، ويعيشون بين القهر والقهر، وعلى استحالة ديمومة هذا الوضع، وبدأت ظواهر الانتفاضات والمقاومة بكل أشكالها مما يكفي لتغطية المشهد الإعلامي والسياسي برمته بشقيه الرسمي والشعبي، وباتت تفرض أجندتها على كل المحافل.

فكان الحل بالقمع البشع وغير العقلاني والفاقد للتوازن للشعب الفلسطيني، وبالاستيراد الديمغرافي غير الكافي والملغم بمتفجرات التناقض الثقافي والعرقي والديني، مما جعل المشهد غير قابل للتصديق بل وفارض للمراجعة حتى لا يكون الانفجار الموضوعي واحتمال التدمير الكلي للمشروع الصهيوني.

المأزق الإعلامي: ثورة المعلومات وتقنياتها لم تعد تسمح بالستر والمعالجات والجراحة البشعة والبتر تحت الطاولات وفي السراديب كما كان يحصل في بدايات ومنتصف القرن المنصرم عندما تم تأسيس الكيان الصهيوني. فقد ظهرت بشاعة المعالجات الصهيونية لمآزقه، ولم تعد مقنعة لجمهوره وغير قابلة للتبرير أمام الرأي العام العالمي رغم التطور النوعي في تقنيات صناعة الرأي العام التي أبدعتها آلات الدعاية الإمبريالية والصهيونية.

وقد جاء تقرير غولدستون الأخير حول الحرب على غزة تعبيرا صارخا عن عدم إمكانية الاستمرار في لعبة الستر، بل طرح ضرورة إخضاع "إسرائيل" لمنطق الدولة بما يمكّن من محاسبتها ومحاسبة مسؤوليها، ولم يعد ممكنا سترها كما حصل في مجازر دير ياسين وكفر قاسم والدوايمة وغيرها من المجازر التي لا تحصى ومارستها الحركة الصهيونية دون حسيب أو رقيب.

المأزق الإستراتيجي: تميز الكيان الصهيوني بامتلاكه وسائل الردع الهائلة بدءا بالسلاح النووي، وليس انتهاء بالتفوق الجوي، والقدرة على نقل المعركة من خلاله إلى أرض الغير، والقدرة على تجريف قوة الخصوم في زمن قياسي. فهذا الكيان ورغم عجزه التاريخي عن القدرة على تغطية التوسع الجغرافي ديمغرافيا، فقد كان قادرا على الاحتفاظ بالأرض من خلال ردع الخصوم عن استعادة الأرض بالقوة.

التطور الهائل في منظومات الصواريخ أبطل عمليا القدرات الصهيونية أعلاه، فلم يعد ممكنا نقل المعركة إلى أرض الغير وإبقاء "أرضه" خارج المعركة، ولم يعد قادراً على حسم المعارك في زمن قياسي نتيجة تبني الخصوم إستراتيجيات الردع الديناميكي وليس من خلال الحروب التقليدية. وقد تبدى هذا الأمر بوضوح من خلال حرب يوليو/تموز في لبنان، وبشكل نسبي في حربه على غزة والصمود الهائل الذي أبداه الشعب الفلسطيني في المواجهة.

المأزق الجيوبوليتيكي: نقل الحدود وتصحيحها على إيقاع حركة القوة، والتجريف الديمغرافي بالقمع والتضييق، وقضم الأراضي بالاستيطان والمصادرة، وشل إرادة الخصوم من خلال الترهيب بالقوة، والتضليل وصناعة الرأي العام من خلال الدعاية والأيديولوجيا، كلها وسائل استنفدت ممكناتها القصوى وبات الكيان قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس على كل الصعد، ولم تعد تساعده كل المستويات الأخرى المستنقدة أصلا وبات يعبر طور الكهولة السياسية والهشاشة الإستراتيجية رغم كل المنشطات والعقاقير التي تمنح له من قبل الراعي الإمبريالي.

 

الرغبة العالمية في ترويض إسرائيل: لهذا نشأت الرغبة الدولية في إيجاد إما مظلة هبوط آمنة لهذا الكيان، أو ميتة شريفة إذا صح التعبير. لكن هذا لا يعني على الإطلاق التسليم بالفشل النهائي للمشروع ولا التسليم بلحظة الموت، ولكن التسليم باستحالة الحياة ضمن هذا النسق.

من هنا بدأت الدعوات إلى التسويات مع الفلسطينيين التي رغم بؤسها في المستوى الفلسطيني فإنها تشكل بالنسبة للكيان تراجعا إستراتيجيا عن أهدافه وطموحاته التي ترسمت غداة إنشائه. ومن هنا بدأت الدعوات الأميركية القائلة بأن التسوية مصلحة عليا أميركية، وبأن أميركا ترغب في حماية الكيان الصهيوني من نفسه، وتعني بذلك مأزقه البنيوي. طبعا دون فصل هذه التوجهات عن الرغبة الأميركية في بناء نظام إقليمي على مقاساتها، يستحيل مع بقاء المأزق الصهيوني في شكله الراهن داخل هذا النظام.

الرغبة الأميركية وتجلياتها ما زالت في بداياتها وتبدو خجولة ومترددة، ومرتبطة ارتباطا وثيقا في مستوى تعبيرها بقدرتها على إيجاد حلول للمآزق بأقل الخسائر على كيانها المصطنع وأداتها الإستراتيجية، لذلك نراها في كل تصريحات مسؤوليها وفي كل ممارساتها الإستراتيجية والتكتيكية معنية باستمرار التقليل من الهلع الصهيوني من هذا التحول بتأكيد حرصها على بقاء هذا الكيان وإستراتيجية العلاقة التحالفية الأبدية معه. والتعبير عن تناغم مصالحها ومصالحه، وهي حقيقة موضوعية وليست مناورة.

الرغبة الأوروبية وتجلياتها لا تقل عن الرغبة الأميركية وإن كانت تختلف في عمقها بدافع الرغبة في تحقيق اختراق في نظام الأمن الإقليمي قيد التشكل، وترسيم حصتها فيه التي وقفت أميركا وشريكها الكيان الصهيوني عائقا في طريقها سواء في عمليات التسوية ونتائجها أو في الحروب ونتائجها باستثناء دور شاهد الزور.

تتجلى الرغبة الأوروبية في الاستفادة من هذا المأزق الإستراتيجي في القيام بدورها سواء ما يتعلق بترويض الكيان الصهيوني أو ترويض الممانعات العربية. فعلى صعيد ترويض الكيان بات واضحا أن الدور الأوروبي يسعى لأخذ دوره في معادلة الترويض بما يوفر له مكتسبات على الصعيد العربي، ومكتسبات في عملية الترويض الآمنة التي يسعى لها للتخفيف من صدمة مأزق الكيان الصهيوني، فها هي أوروبا تستنفر رأيها العام في مواجهة الصلف الإسرائيلي والاستيطان والمجازر، كما تستنفر نخبها السياسية والأكاديمية والشعبية في حركات تضامنية تحت سقف إستراتيجيتها المذكورة أعلاه بما يحقق لها هذا الخرق في نظام الأمن الإقليمي.

روسيا بدورها تسعى إلى أن تحقق اختراقاً طالما سعت إليه منذ العهد القيصري يتمثل في الوصول إلى المياه الدافئة. وتسعى من خلال المأزق التاريخي المشترك للإمبريالية والصهيونية في مؤازرة بعض دول الإقليم للنفاذ نحو المياه الدافئة، وتعمل جاهدة لتشكيل مظلة هبوط ومدرج لكل من إيران وتركيا وسوريا من خلال جملة من التحركات الدبلوماسية والاتفاقيات الأمنية والتسليحية والتجارية والاقتصادية مما يؤهلها لتحقيق اختراقها الإستراتيجي.

أما على المستوى الإقليمي فقد بات واضحا للقوتين المركزيتين إيران وتركيا أن البيئة الإستراتيجية الدولية باتت تتيح لهما فرصة ترويض "إسرائيل"، وأنها لم تعد بفعل مأزقها ومأزق رعاتها الطرف الذي لا يمكن الاقتراب منه، أو الطرف الوحيد المحدد للإستراتيجيات في المنطقة، وأن الدول المركزية في الإقليم هي محدد وشريك في أي نظام إقليمي يمكن تشكيله.

ومن هنا باتت الهجمة التركية المركزة على الكيان مستفيدة من البيئة الإستراتيجية الدولية تحقق نجاحات واضحة سواء في كسب الرأي العام العربي، أو في النجاح على صعيد تأكيد دورها على حساب الدور الإسرائيلي المتعنت والمتفرد والعنجهي طوال الحقبات السابقة. طبعاً ليس خافياً التغاضي الغربي عن الممارسة السياسية التركية بل هو يرى أنه بالإمكان التفاهم معها وتفهمها.

 

أما إيران التي ما زال خطابها لا يحظى بنفس مستوى جاذبية الخطاب التركي لدى الغرب وأميركا بحكم التناقضات في رؤى معادلات القوة التي يمكن احتمالها وفي رؤى قواعد اللعبة التي يمكن للغرب أن يقبلها، فإنها (إيران) قد رفعت من خطابها الترويضي إلى حد الاشتباك المسلح من خلال تحالفاتها، وإلى حد التلويح باستثمار المأزق الصهيوني والغربي في إزالة إسرائيل من خريطة الشرق الأوسط.

الرغبة العربية وتجلياتها ما زالت معاقة بفعل غياب مركز القرار الواحد في المنظومة العربية، التي ما زالت تعيش تناقضاتها المترتبة على نهايات القرن الماضي وبسبب كونها هي المجال الحيوي المتاح للقوى الدولية والإقليمية.

لذلك اقتصر تعاطيها مع البيئة الإستراتيجية الدولية والتوجه الدولي لبناء نظام الأمن الإقليمي وترويض الكيان الصهيوني ليتحول إلى دولة طبيعية في المنطقة على ما سميت بالمبادرة العربية، التي ولدت ميتة نتاج غياب عنصر القوة الحامل لمثل هذه المبادرة رغم هشاشة مكوناتها وانخفاض سقفها على صعيد الحقوق العربية والفلسطينية.

ليس خافياً أن أي ترويض للكيان الصهيوني يجب أن يرافقه ترويض لكل قوى الممانعة والمقاومة العربية والفلسطينية، ويبقى السؤال من يمكن أن يستفيد من هذه البيئة الإستراتيجية؟ ومن يملك إرادة الصراع ويستطيع تجميع قواه الكامنة التي تمكنه من الاستفادة من هذه البيئة بما يتيح له تغيير قواعد اللعبة إستراتيجيا لصالحه، مؤمنا بنظرية ألا أحد يمكن أن يخوض معركتك، بل أنت من يجب أن يخوضها؟

ويبقى هذا السؤال معلقا لتجيب عليه الأطراف، مدركين أن إرادة الصراع هي الحكم الأخير.

إبراهيم عجوة

كاتب فلسطيني

===================

اللحظات الأخيره قبل إعدام أنطون سعاده بشهادة الكاهن الذي عرفه

سعيد تقي الدين

موقع "كنعان" 10/7/2010

بمناسبة الذكرى الحادية والستين لاعدام الشهيد انطون سعادة (8 تمّوز 1949)

خطاب لم يلق. أعد ووزع مناشير في ليل 8 تموز. استجوبني الأمن العام بشأنه في اليوم التالي. ودخل السجن بسببه عشرات الشبان. ولكنه بعد ذلك، صار يلقى علناً وينشر في الصحف.

تلقاني صبيان الحي بصراخ الهزء حين ترجلت، وراح أحدهم يتباهى مذيعاً ان التاكسي اسمها فورد، وأعلن ترب له أن لونها رمادي، فيما ضج جمهورهم بإخباري، قبل أن أسألهم، أن الكاهن ليس هناك. بل إن أحدهم تسلق السلم وفتح باب العلية، من غير أن يطرقه ثم أطل من نافذتها ضاحكاً: "أرأيت ؟ إنه غير موجود".

ذلك لأن شياطين الحي الصغار، صاروا يعرفون عمن أسأل وأصبح يروقهم أني لا أجد من أفتش عنه. ولعلهم لمحوا من تذمري ومن خيبتي ما استثار فيهم السادية، فجاء جذلهم على نسبة ما تجلى عليّ من زعل وضياع أمل.

فلقد كانت تلك المرة الرابعة التي قصدت فيها إلى رجل الدين لأستطلعه السر الرهيب.

وفي المرة الخامسة، توجهت إليه ليلاً وعلى موعد، فكان هناك. وحالاً امحت من ذهني صورة رسمها خيالي، فلم أجد نفسي أمام شيخ متداع أبيض اللحية، ولم اسمع صوتاً متهدجاً، ولا صرعتني مظاهر الوقار وكلمات الأبوة، وجلسنا تحز مسامعي توافه الأحاديث التي تعود الناس مبادلتها فور اجتماعهم. وطالت النزهة الكلامية على شاطئ الموضوع، وبرح بي القعود على عتبة باب جئت لأفتحه، فوثبت إلى الهدف مقاطعاً المحدثين قائلاً: حدثني يا محترم عن ليل 8 تموز 1949.

وغاظني من رجل الدين، أنه لم يتلبس حالاً بمظاهر التهيب، بل بدأ الكلام، بشيء من عدم الاكتراث. ولكن صوته ولهجته وخشوعه وانفعاله بل وبطأه، كلها تماوجت مع وقائع ما كان يرويه، فكأنه عبقري يعزف من موسيقاه قطعة رائعة على البيانو. فدغدغت أنامله أصابع العاج أولاً بعفوية لا تبالي، وتوالت الألحان تتأرجح وتتسامى متجانسة متضاربة متوافقة حتى بلغت ذروة موسيقى من غير هذه الدنيا. فإذا نحن في العلية نكاد لا نسمع ما يقول، ولا نرى البيانو ولا اللاعب ولا نعي الألحان. بل شعرنا بأن جدران الغرفة انفتحت وارتفعت أرضاً بمن فيها، فإذا نحن و"سعاده" في السجن، في الكنيسة، في المقبرة، في حفرة من الأرض، في مسمع الدنيا، بين المغتربين، في القصور، في المحكمة العسكرية، في المفوضيات، في غصة القلوب، في عبسة المغاور، في لوعة المعاقل، في رصانة التهذيب، في هدوء البطولة، في عزة الصراع، بين يدي الكبر، أمام الجلادين، في طمأنينة المؤمن، في كهف الغدر، بين حراب تطارد المجرمين، وأعلام تصفق للجيوش، وزوبعة تمحق، وصرخة تعكس موكب التاريخ.

وتناول رجل الدين ورقة من مطاوي جلبابه الأسود الفضفاض منتزعة من دفتر مدرسي، وهم بقراءتها، فاعترضته وقلت: أسمعني حديثك لا تقرئني أوراقك، ولو كانت مذكرات.

فراح يتكلم:

حين فتحت الباب على صوت القرع الشديد في منتصف ذلك الليل، وجدت نفسي أمام ضباط من الجيش يطلبون إلي أن أرتدي ملابسي وأحمل صليبي وعدة الكهنوت بسرعة. قلت: ما الخبر؟ أجابوا: سنعدم أنطون سعاده هذه الليلة، ونريد أن تعرّفه وتقوم بمراسم الدين قبل إعدامه.

قلت: إن أمراً كهذا لا يسعني أن أفعله، آتوني بإذن من سيادة المطران، هكذا ينص قانوننا الكنسي. قالوا: ليس لدينا وقت، افعل هذا على مسؤوليتنا نحن. فاعتذرت من جديد. وراحوا يلحون عليّ مرددين أن خرق النظام الكنسي هو أقل ضرراً من أن يرسل مسيحي إلى الموت غير متمم واجباته الدينية.

وأخيراً أذعنت بكثير من التردد والحيرة، وركبت سيارتهم في طرقات تعج برجال الأمن من جنود وبوليس ودرك وأسلحة مشرعة، وأطللنا على سجن الرمل، فإذا هو منار من الداخل والخارج، ونزلنا حيث كان ضباط آخرون بانتظارنا.

وأقبل عليّ مدير السجن يعرفني إلى نفسه، وأخبرني أن هذا هو الإعدام الثالث عشر الذي يمر به، وأن الأمر بسيط فأجبته: "لقد مضى علي ثلاث عشرة سنة في الثوب الكهنوتي، وهذا أول إعدام سأشهده" وكان الطبيب الذي اشترك معنا في الحديث مثلي، لم يشهد إعداماً في ما مضى.

وزاد مدير السجن فقال: إن هذا المحكوم الخائن انطون هو رجل خائن، وكافر ملحد يبشر بالكفر والإلحاد، إنه لن يأبه لك يا أبانا هذا الخائن الملحد الكافر.

ودخلنا حيث كان الزعيم، في حبس من الغلو نعته مدير السجن بأنه غرفة، فوجدناه مفترشاً بساطاً من قذارة ورقع، وكان هذا الفراش أقصر من قامته، فجعل من جاكيته وصلة بين الفراش والحائط كي لا ترتطم به قدماه.

وكان نائماً نوماً طبيعياً، ورأسه على ذراعه اليسرى التي جعل منها بديلاً من مخدة لم تكن هناك.

وأيقظناه فنهض حالاً، وبادرنا السلام، وخصني بقوله: "أهلاً وسهلاً يا محترم" فأبلغناه أنه لم يصدر عنه عفو وأن الإعدام سينفذ به حالاً. فشكرنا باسماً رزيناً، واستأذن بلبس جاكيته التي كانت مطوية تحت قدميه، فأذنوا له، فشكرهم من جديد، ولبسها.

وخلوت به، وسألته إن كان يود أن يقوم بواجباته الدينية، فأجاب: لم لا؟ وطلبت إليه أن يعترف، فأجاب: ليس لي من خطيئة أرجو العفو من أجلها، أنا لم أسرق، لم أدجل، لم أشهد بالزور، لم أقتل، لم أخدع، لم أسبب تعاسة لأحد.

وبعد أن فرغت من المراسيم الدينية، تركنا الغرفة فكبلوا يديه، وخرجنا إلى مكتب السجن.

هناك، طلب أن يرى زوجته وبناته، فقيل له إن ذلك غير ممكن، وقدموا له "ترويقة" فاعتذر شاكراً، ولكنه قبل فنجان القهوة متناولاً إياه بيمناه ومسنداً إياه بيسراه، وكانت تسمع للقيد رنات كلما ارتطم بالفنجان.

وكان الزعيم يبتسم صامتاً هادئاً مجيلاً عينيه من وجه إلى وجه وكأنه يودعنا مهدئاً من روعنا. هنا انفجرت أنا بالبكاء، وبكى معي بعض الضباط، بل إن أحدهم أجهش وانتحب.

وبعد أن شرب القهوة، عاد يصر على لقاء زوجته وبناته، فسمع الجواب السابق.

وسئل لمن يريد أن يترك الأربعمئة ليرة التي وجدت معه، فأجاب أنها وقطعة أرض في ضهور الشوير هي كل ما يملك، وهو يوصي بها لزوجته وبناته بالتساوي.

وطلب مقابلة الصحافيين، فأخبروه أن ذلك مستحيل، فسألهم ورقة وقلماً، فرفضوا، فقال: إن لي كلمة أريد أن أدونها للتاريخ. فصرخ به أحد الضباط منذراً: "حذار أن تتهجم على أحد، لئلا نمس كرامتك" فابتسم الزعيم من جديد وقال: أنت لا تقدر أن تمس كرامتي، ما أعطي لأحد أن يهين سواه، قد يهين المرء نفسه، وأردف يكرر: "لي كلمة أريد أن أدونها للتاريخ، وأن يسجلها التاريخ".

فسكتنا جميعاً، في صمت يلمس سكونه ويسمع دويه.

أصارحك أنني كنت في دوار من الخبل، ومن المؤكد أنني لا أعي كل ما سمعت، ولكن الراهن أني سمعته، سمعته يقول: "أنا لا يهمني كيف أموت، بل من أجل ماذا أموت. لا أعد السنين التي عشتها، بل الأعمال التي نفذتها. هذه الليلة سيعدمونني، أما أبناء عقيدتي فسينتصرون وسيجيء انتصارهم انتقاماً لموتي، كلنا نموت، ولكن قليلين منا يظفرون بشرف الموت من أجل عقيدة. يا خجل هذه الليلة من التاريخ، من أحفادنا، من مغتربينا، ومن الأجانب، يبدو أن الاستقلال الذي سقيناه بدمائنا يوم غرسناه، يستسقي عروقنا من جديد".

ومشينا إلى حيث انتظرنا السيارات، والزعيم ماش بخطى هادئة قوية يبتسم... لم ينفعل، كأن الإعدام نفذ به مرات عديدة من قبل. لم ينفجر حنقاً أو تشفياً. ولم يتبجح شأن من يستر الخوف.

في تلك اللحظة وددت لو خبأته في جبتي، لو تمكنت من إخفائه في قلبي أو بين وريقات إنجيلي. إن عظامي لترتجف كلما ذكرته.

وحين خرجت إلى الباحة رأيت إلى يميني تابوتاً من خشب. من خشب الشوح لم يخف الليل بياضه. وتطلع الزعيم إلى نعشه فلم تتغير ملامحه ولا ابتسامته.

وقبل أن يرتقي ال"جيب"، طلب للمرة الثالثة والأخيرة أن يرى زوجته وأولاده. وللمرة الثالثة والأخيرة، سمع الجواب نفسه. فتبينت ملامحه، وفي تلك اللمحة العابرة فقط من عمر ذلك الليل لمحت وميض العاطفة خلال زوبعة الرجولة.

وسار ال"جيب" بالزعيم يحف به الضباط وخلفه تابوته، وقافلة سيارات وشاحنات من ورائه وأمامه ملأى بالجنود المسلحة. ولعل مساً من البله اعتراني، فبدا لي أن تنفيذ الإعدام سيؤجل، أو أن عفواً سيصدر. سيطر عليّ هذا الوهم فخدرني، حتى انحرفنا عن الطريق العامة إلى درب ضيقة بين كثبان. ووقفنا في فجوة بين الرمال كأنها فوهة العدم.

وقفز من بينهم، مكبلاً، إلى عمود الموت المنتظر، فاقتربوا منه ليعصبوا عينيه، فسألهم أن يبقوه طليق النظر، فقيل له: القانون.

أجاب: "إنني أحترم القانون".

وأركعوه وشدوا وثاقه إلى العمود. وكأن الحصى آلمته تحت ركبته فسألهم إن كان من الممكن إزالة الحصى، فأزالوها، فقال لهم: "شكراً"، "شكراً"، رددها مرتين، وقطع ثالثتها الرصاص.

فإذا بالزعيم وقد تدلى رأسه وتطايرت رئته، وتناثرت ذراعه اليسرى، فلم يعد يصل الكف بالكتف إلا جلدة تتهدل.

وكوموا الجثة في التابوت، وتسارعت القافلة نحو المقبرة، وهناك كادوا يدفنونها من غير صلاة لو لم يتعال صياحي. أخيراً قالوا لي: "صل، إنما أسرع، أسرع، صل من قريب".

ودخلنا الكنيسة، ووضعنا التابوت على المذبح، ورحت أصلي، والدم يتقطر من شقوق الخشب، ويتساقط على أرض الكنيسة نقاطاً نقاطاً، ليتجمع ويتجمع ثم يسيل تحت المذبح.

وخرجنا من المعبد، ووقفت أمام بابه أواجه الفجر الذي أطل وأناجي الله، وأسمع رنين الرفوش ترتطم بالحصى وتهيل التراب.

بذا حدثني الكاهن الذي عرّفه.

أقول لك إن تراب الدنيا لم يطمر تلك الحفرة.

أقول لك إن رنين الرفوش في ذلك الفجر سيبقى النفير الداوي ليقظة هذه الأمة.

أقول لك إن منارة الحياة قد ارتفعت على فوهة العدم.

========================

قيرغستان، الطريق الصعب

مايكل إن ناغلر وإس فرانشيسكا بو

مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية

9 تموز/يوليو2010

www.commongroundnews.org

بيركلي، كاليفورنيا – كانت قيرغستان، وهي دولة داخلية لا مخرج بحري لها في وسط آسيا، حيث يشكّل المسلمون 80% من سكانها، وحتى فترة قريبة واحدة من أكثر الدول أمناً في أواسط آسيا. إلا أن جارتها أوزبكستان التي يشكّل المسلمون 90% من سكانها عانت من العديد من المشاكل، ومنها التطرف الديني. وقد أوجد ذلك جواً ملتهباً في الدولة، سعى العديد من الوطنيين الأوزبكستانيين نتيجته للحصول على ملاذ في الدول الأكثر أمناً في أواسط آسيا، مثل قيرغستان.

 

إلا أنه عند حصول توترات في بلدهم المضيف الجديد، كما حصل عندما أُجبِر الرئيس القيرغستاني قرمان بك باكييف على ترك منصبه في نيسان/إبريل الماضي بعد احتجاجات دموية معارضة للحكومة في العاصمة بيشكك، تجد الأقلية الأوزبكية نفسها أنها كبش فداء مناسب للاضطرابات التي تلت. أشعلت الأحداث الأخيرة التي أحاطت بالإطاحة بالرئيس القيرغستاني عنفاً مفاجئاً ضد الأوزبكيين، الذين اتُّهِموا بالتدخل في النزاع السياسي الداخلي.

 

أسفر العنف الأخير في حزيران/يونيو الماضي حسب تقديرات مختلفة عن مقتل أكثر من ألفي أوزبكي ونزوح أكثر من 375,000 شخصاً، إضافة إلى نهب وحرق مئات من منازل وأعمال الأوزبكيين. ويعتقد البعض أن هذا العنف قد جرى التحريض عليه وارتكابه من قبل مجموعات مسلّحة منظمة. نتيجة لذلك، ورغم التصويت السلمي على استفتاء دستوري في نهاية حزيران/يونيو الماضي جعل من الدولة ديمقراطية برلمانية، يخاف الكثيرون من حدوث المزيد من أعمال العنف، قد تصل إلى مستوى أحداث رواندا ومجازرها.

 

في ضوء هذا الاحتمال، قد يتصور المجتمع الدولي أنه يواجه إما خيار الخوض في مستنقع عسكري أو خيار الشعور بالذنب بسب عمل لاشيء.

 

إلا أن هناك خيار ثالث. هناك حلم كان المهاتما غاندي قد شارف على تنفيذه، ألا وهو "جيش السلام"، والذي قد يثبت جدواه في هذا الوضع.

 

تكمن فكرة "جيش السلام" بأن يقوم متطوعون لا عنفيون مدربون على العيش في مكان يعاني من النزاع لفترة تكفي للحصول على ثقة السكان المحليين كطرف ثالث محايد بشكل صادق. تقوم هذه المجموعة بعد ذلك بتوفير الخدمات لتشجيع السلام في أوقات التوتر، من خلال وضع حد للإشاعات الخطرة وسوء الفهم ومواكبة الأشخاص المعرضين للخطر والتهديد والتوسط عند الطلب منهم ذلك ووضع أنفسهم إذا دعت الحاجة بين الأطراف المتنازعة إذا مضى وقت نزع فتيل التوترات.

 

وتعرف هذه الممارسة بصورة أكثر شيوعاً ب "صنع السلام المدني غير المسلّح"، وقد حققت نجاحاً منقطع النظير رغم حقيقة أن إعلام التيار الرئيس قد تجاهلها كلياً.

 

ألهم مفهوم "جيش السلام" في العام 1981 تشكيل "كتائب السلام العالمية"، التي أصبح تركيزها بالدرجة الأولى على المرافقة الدفاعية للعاملين في مجال حقوق الإنسان والمعرَّضين للتهديد، خاصة في أمريكا الوسطى حيث أدى وجودهم إلى تيسير العديد من مبادرات بناء السلام وسمح لمنظمات حفظ السلام أن تستمر في العمل رغم تهديدات القتل. في نهاية المطاف، وحسب شعارها، صنعت المنظمة "ساحة للسلام".

 

قرر الأمريكيان ميل دنكان وديفيد هارتسو، متّبعين خطى "كتائب السلام العالمية" تكريس حياتهما لتوسيع فرق سلام مماثلة أخرى وجعلها مهنية، فساعدا على تأسيس "قوة السلام اللاعنفية" عام 2002 وهي منظمة حفظ سلام عالمية مكونة من مدنيين مدربين من كافة أنحاء العالم يطبقون إستراتيجية لا عنفية مثبتة، مثل المرافقة من أجل الحماية ودحض الإشاعات في مناطق تعاني من النزاع. وقد ساعدت قوة السلام اللاعنفية كذلك على إيجاد مساحة لصانعي السلام المحليين للقيام بعملهم في مناطق مثل سريلانكا والفلبين وجنوب السودان، وهم يأملون بالتوسع إلى مناطق أخرى بحاجة لهم.

 

تستطيع قيرغستان الاستفادة من هذا النوع من الوجود الحيادي اللاعنفي لأطراف ثالثة لتعلّم السكان المحليين وتثبت لهم بأن العنف العرقي لا يحمل شيئاً، ولكن اللاعنف قد يفعل ذلك.

 

وتستطيع جيوش السلام في قيرغستان بالذات العمل كقوة حماية، ترافق وتحمي الأقليات المستهدفة مثل الأوزبكستانيين. وقد قامت "قوة السلام اللاعنفية" فعلياً بإرسال فريق استكشاف إلى جنوب القوقاز حيث وقعت عدة نزاعات عرقية بين الدول في الماضي القريب. تستطيع "قوة السلام اللاعنفية"، بدعوة من الحكومة القيرغستانية الجديدة، وبدعم وتمويل دوليين من العمل في جنوب قيرغستان ومساعدة الدول على الانتقال سلمياً إلى الديمقراطية البرلمانية.

 

حقق اللاعنف في كل مرة استخدم فيه بشكل صحيح نجاحاً باهراً، وفي كل مرة تقريباً لم يلاحظ أحد ذلك. وإلى أن يلحق الإعلام بالركب، يعود الأمر إلى الجمهور لأن يتثقف حول عملية صنع السلام المدنية غير المسلّحة. إذا كنا لا نعلم بوجود بديل فقد نستمر في التخبّط بين مأزق العنف القديم أو الوقوف موقف المتفرج.

______________

* مايكل ناغلر أستاذ فخري بجامعة كاليفورنيا في بيركلي ومؤسس مركز ميتا للاعنف، ومؤلف كتاب حصل على جوائز عالمية عنوانه "البحث عن مستقبل لا عنفي". عملت إس فرنشيسكا بو في منطقة وسط آسيا مع فيلق السلام من العام 2006 وحتى 2008، وتدّرس حالياً العلوم الدينية بجامعة سان فرانسيسكو ومدرسة القديس يوسف نوتردام الثانوية. كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

========================

دعم الأعمال المبدعة في العالم العربي

نيكولاس بي سوليفان

مصدر المقال: الخليج تايمز

30 حزيران/يونيو 2010

www.khaleejtimes.com

بوسطن، مساتشوسيتس – ركّز الحوار بين الولايات المتحدة والعالم العربي خلال العقد الماضي على الإسلام الأصولي والإرهاب والأمن والتصوير العرقي وأحياناً النفط. ما زالت هذه المواضيع تهيمن على التغطية الإعلامية، ولكن منذ خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما عام 2009 في القاهرة حول "بداية جديدة"، تم فتح قناة خلفية جديدة: العمل الريادي. هذا موضوع يحتضنه الطرفان لأسباب متماثلة، وهو موضوع يحمل في طياته احتمالات إعادة تأطير العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم العربي بأسلوب إيجابي.

ترى كل من الولايات المتحدة والدول العربية البطالة مستشرية بين الشباب في الشرق الأوسط، ومنهم 60% تحت سن 25 سنة، وأكثر من 25% منهم عاطل عن العمل، على أنها المساهم الرئيس في التململ الاجتماعي الذي يؤدي أحياناً إلى اتجاهات أصولية وإرهابية. يدرك كلا الطرفين بأن تشكيل أعمال جديدة على مستوى الجذور هي الفرصة الفضلى لكسر هذه الدائرة، ويدرك كلا الطرفين العقبات الثقافية والبيروقراطية التي تجعل من الأعمال الريادية أمراً صعباً.

 

اجتذبت القمة الرئاسية الأولى للأعمال الريادية في واشنطن في نيسان/إبريل الماضي أكثر من 275 مسلماً من 50 دولة من العالم العربي وما وراءه. لم تحظَ القمة بملاحظة واسعة في الولايات المتحدة حيث غطت عليها المناورات السياسية الاعتيادية المحلية.

إلا أنها شكلت حدثاً هاماً بالنسبة للعالم العربي. ففي أيار/مايو، أشار متحدث بعد الآخر في منتدى أشوكا حول الإبداع الاجتماعي في العالم العربي والذي عقد في القاهرة، واجتذب مئات من الممارسين والأكاديميين من كافة أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أشاروا جميعهم إلى القمة متطلعين قدماً إلى القمة المقبلة والتي ستعقد في تركيا الربيع القادم.

لم يكن لدى المتكلمين أوهام بأن إطلاق الأعمال المبدعة في المنطقة التي تعاني من بيروقراطيات وصعوبة في الوصول إلى رأس المال سوف يكون سهل التطبيق. أشار نجيب سويريس، الرئيس والمدير التنفيذي العام لشركة أوراسكوم، وهي شركة اتصالات ضخمة تملك أصولاً في كافة أنحاء الشرق الأوسط – جنوب آسيا، إلى أن "الشباب لا يحصلون على الكثير من المساعدة". وهم يحاربون نفس البيروقراطية التي حاربْتها أنا قبل 30 سنة عندما بدأت تأسيس عملي. من الصعب أن تصبح صاحب أعمال مبدع، ولكن ذلك يجب أن يشكل أول واجب لنا".

 

أشارت إيمان بيبرس مديرة منتدى أشوكا العالم العربي ورئيسة المؤتمر إلى أن القمة شكّلت فرصة ضخمة لعلاقة جديدة مع الولايات المتحدة، لا تحدث إلا إذا عمل العالم العربي على تقوية اقتصادياته ومجتمعاته.

"العمل الريادي بالدرجة الأولى هو وضع عقلي لا يمكن تطويره إلا داخلياً، وليس استيراده" تقول بيبرس. "يتم زرع بذور العمل الريادي في المدارس وفي المجتمعات التي تشجّع التفكير المبدع والالتزام الاجتماعي. يجب أن يصبح هذا أولوية كبرى في الأجندة التنموية لأية دولة ذات غالبية مسلمة".

يجري زرع هذه العقلية في مدارس مثل كلية دبي للحكم، والتي أنشأت بالتعاون مع كلية كينيدي للحكم بجامعة هارفرد، والتي تركز بشكل قوي على السياسات الممكّنة لدعم العمل الريادي. وتتراوح هذه السياسات بين التعليم والإصلاحات المالية وقوانين الإفلاس والوصول إلى الائتمان والإعفاءات الضريبية لمشاريع الشباب وحماية حقوق الملكية والسياسات التنافسية والممارسات القضائية والمتطلبات الرأسمالية وقوانين العمالة والتوظيف. وكما هو الحال في أشوكا، تركز كلية دبي انتباهها على العمل الاجتماعي الريادي والابتكار، الأمر الذي يبحث عن حلول أساسها السوق لمشاكل اجتماعية، مثل الوصول إلى الماء النظيف والطعام والسكن وحتى الخدمات المصرفية.

 

الأهم من ذلك أن العالم العربي والعالم المسلم على اتساعه يملك مثالاً ريادياً يحتذى به، وهو الكويتي ذو النجاح الباهر نايف المطوع، الذي يتمتع برنامجه الكرتوني "ال 99" من الأبطال الخارقين، بالحب والإعجاب في كافة أنحاء العالم العربي. وتعدّ شركة "تشكيل" الإعلامية التي أنشأها المطوع مؤسسة إعلام وتثقيف وتسلية سريعة النمو مكرّسة لتشجيع القيم الثقافية الإسلامية وتنمية اسم عالمي في الإعلام متعدد الوسائل.

ثم هناك برنامج "العمل الريادي العالمي" الجديد التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، الذي يستخدم السفارات الأمريكية كحاضنات صغيرة يقيم فيها أصحاب الأعمال الريادية.

وهذا البرنامج عالمي ولكنه يركّز حالياً على دعم وتمكين أصحاب الأعمال الريادية في الدول ذات الغالية المسلمة. وفي الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة بنشر بذور الحوار والتعاون مع المصادر حسب الحاجة، فإن الأخبار الجيدة هي أن معظم العالم العربي، وبالذات الطبقة الوسطى فيه الآخذة بالنمو، يدرك أنه بحاجة لأن يملك فكرة العمل الريادي وتكييفها حسب احتياجاته وثقافته حتى يمكن تحقيقها بشكل كامل وبأسلوب مستدام.

_______________

* نيكولاس بي سوليفان زميل في مركز مؤسسات السوق النامية بكلية فليتشر، ومتخصص في التجارة الشمولية. تقوم خدمة الأرضية المشتركة بتوزيع هذه النسخة المختصرة من المقال بإذن من الخليج تايمز.

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ