ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 15/07/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


العرب بين تركيا وإيران... ما الموقف

فرج بو العَشّة

7/14/2010

القدس العربي

إن العرب إما أن يقودوا منطقتهم متوحدين في مشروع حضاري جامع، أو أن يكونوا خارج التاريخ. أي مجرد أدوات في لعبة الأمم الكبيرة، سواء التي من حولهم أو تلك البعيدة ما وراء البحار والمحيطات. عندما كان العرب، قبل الإسلام، قبائل متشرذمة خارج التاريخ، لكل قبيلة إله خاصتها، أذلهم ملوك الأحباش واستخدمهم الروم والفرس أدوات لصراعهما على المنطقة العربية. فكان فريق منهم عميلا للروم والآخر عميلا للفرس. ولم يدخلوا التاريخ إلا عندما توحدوا في مشروع حضاري جامع تحت عنوان الإسلام. به تمكّنوا في سرعة تاريخية خاطفة من طرد الروم حتى أسوار القسطنطينية، والقضاء نهائيا على عرش الأكاسرى ومن ثم دخول أهل فارس في الإسلام ليصيروا إخوة في الإسلام، حيث 'إنما المسلمون إخوة'. ونتيجة لما اعترى العرب، عماد السلطة الامبراطورية، في نهايات انحطاط الدولة العباسية، من ترف ودعة واستهتار بالمشروع المحمدي الحضاري، أخذ الفرس مقاليد السلطة، في العهد البويهي، بحيث كان الخلفاء العباسيون مجرد واجهة سياسية لحكمهم، الذي دام قرابة قرن ونصف القرن (320 - 447ه/932 - 1055). وكان من أبهى عهود الحضارة الإسلامية. فالبويهيون وإن كانوا من أصول فارسية إلا أنهم حكموا الامبراطورية العباسية بصفتهم مسلمين من رعايا امبراطورية الإسلام شمالة الأعراق والثقافات. ولما وهنت شوكتهم آل حكم الامبراطورية العباسية إلى السلاجقة، وهم من أصول تركية. وقد أعلن ثالث حكامهم ركن الدين طغرل بك بن سلجوق نفسه حاميا للخلافة العباسية وخلع عليه الخليفة لقب السلطان. وبعد السلاجقة آل حكم الدولة الإسلامية إلى الأيوبيين فالمماليك. وهم جميعهم في دورات حكمهم للدولة الإسلامية كانوا يحكمون بصفتهم مسلمين وليسوا أعراقاً دخيلة أو مستعمِرة. ولما وهنت شوكة المماليك جاء الأتراك، كفاتحين وليس غزاة، في رداء العثمانيين بعد استيلائهم على القسطنطينية، وضموا أمصار العرب ولايات تابعة لإمبراطوريتهم الإسلامية العظمى. ولما وهنت شوكة امبراطوريتهم العظيمة بعد قرون من الهيمنة العالمية وتفككها انفصالياً، استولى الاستعمار الغربي على الإيالات العربية مستخدمين العرب لمحاربة الخلافة العثمانية، بحسبان الأتراك دخلاء مستعمرين يقفون حائلا بين العرب واستقلالهم وبناء مملكتهم العربية الكبرى. فكانت مسخرة 'الثورة العربية الكبرى' التي أفضت إلى سايكس  بيكو ووعد بلفور وايجاد إسرائيل.

والحال أنه، بعد خصم دور الرواد العظام في إبداع عصر النهضة العربية، وبعد خصم محاولة النهوض القومي الناصري المُجهضة بهزيمة 5 حزيران/ يونيو 67، وبعد خصم إضاءات حركة تحرير الجزائر الأسطورية وحركات المقاومة الحيّة في فلسطين ولبنان، وبعد خصم حركة الحداثة العربية الأصيلة، فإن ما لدينا اليوم، في الواقع العربي التاريخي الجاري، صورة مُقرَّبة لانحطاط أمة بوسع قارة متشرذمة إلى أنظمة، في معظمها حتى لا نعمم، مستبدة بشعوبها من جهة، وخانعة، من جهة أخرى، للروم الجدد وشايلوكهم الصهيوني.

في هذا الواقع العربي المزري، يظهر من صوب الإعلام العربي المنطوي على هوى عبري، معلقون ومحللون يمتلكون قدرة خارقة على الصفاقة في الترويج للرواية الإسرائيلية من حيث توصيف إيران كخطر على العرب أكثر من إسرائيل. وهم يقيّمون الدور التركي الداعم للقضايا العربية، وفي القلب منها القضية الفلسطينية، على أنه تنافس فارسي  عثماني للسيطرة على القرار العربي (وكأن هناك قرارا عربيا حقاً).

وتعكس هذه الاراء، التي تروجها وسائل إعلام أنظمة الاستبداد والتبعية، سياسة ما يسمى ب 'محور الاعتدال'، الذي هو في الحقيقة محور مناعمة (من نعم). بمعنى مناعمة أنظمة هذا المحور لما تطلبه أمريكا (إسرائيل ضمنياً) منها كي تنال رضاها عن حكمها وتسكت عن استبدادها بشعوبها. وما تطلبه واشنطن، في هذه المرحلة، وبالدرجة الأولى، يتركز على استعداء العرب ضد الإيرانيين، بوصفهم (عرقياً) فرساً ومجوساً، واستعدائهم (مذهبيا) بوصفهم شيعة روافض. وهم في الحقيقة التاريخية إخوة في الإسلام، حيث 'إنما المسلمون إخوة'، بغض النظر عن خياراتهم المذهبية والسياسية التى ارتضوها لأنفسهم. أما تركيا أردوغان فهي، عند جوقة المانعمين، صاحبة مشروع عثماني جديد يستهدف الهيمنة على الأمة العربية (وكأن شأن الأمة العربية يعني هؤلاء حقاً!)، أو هي، بتعبير آخر من لدن هؤلاء، تريد إحكام نفوذها السياسي في قضايا الشرق الأوسط للحصول على أوراق ضاغطة لأجل كسب عضويتها في الاتحاد الأوروبي (وكأن ليس من حق تركيا وهي الأمة المسلمة أن يكون لها نفوذ ومصالح مشروعة في مجالها العربي  الإسلامي، بينما وصلت الهيمنة الصهيوأمريكية على عرب الخنوع والتبعية إلى درجة غزو الجيوش البوشية العراق من أراض عربية، بينما رفضت تركيا مرورها من اراضيها، وهي العضو البارز في حلف الناتو).

إن موقف العرب الصحيح يفترض، لو أن أنظمتهم تمثيل لإرادتهم (كما هو الحال في تركيا وإيران) الترحيب الموضوعي، بلغة المصالح المشتركة وضرورات الأمن القومي العربي، بقوتين إقليميتين لا يمكن لهما أن تكونا عدوتين، لأنهما إخوة للعرب في الإسلام. وذلك ليس مجرد كلام عاطفي منثور للشكر والعرفان. إنما تبن موضوعي لمدخلات التاريخ ومخرجاته المشتركة بين العرب والفرس والترك في بوتقة الإسلام الحضاري. وفي رأيّ أن أنظمة المانعمة للمشروع الصهيوأمريكي لن تنجح في تعمية وعي الشعوب العربية، بلغة الفتنة الطائفية، ودغدغة النوازع القطروية على مبدأ 'مصر أولاً ... الأردن أولاً ... السعودية أولاً.. لبنان أولاً ..إلخ' للتنصل من قضايا الأمة العربية والإسلامية، التي تقف منها إيران وتركيا موقف المدافع والمؤازر.

وفي الختام فإن تلك الأنظمة، المستبدة بشعوبها والخانعة للسيد الأمريكي، بجوقتها الدعائية المتصهينة، مقبلة، أكانت تدرك أو لا تدرك، على نهاية حقبة الاستبداد والتبعية في غضون عقد قادم (بالكثير!!!). وأخص هنا مصر (ففي نهوضها نهوض للعرب وفي هوانها هوان لهم). إذ لسوف تصبح مصر، في المستقبل المنظور، في عهدة نظام وطني ديمقراطي، لا يفهم لمصر دوراً إلا بما هي قائدة لأمتها سياسياً ورائدة لها حضارياً (ولن يكون رئيسها البيه بواب معبر رفح)... عندها سيقع تقييم دوري ايران وتركيا، من منظور الأمن القومي العربي، بحسبانهما قوتين إقليميتين كبريين مضافتين لقوة العرب الناهضة بفضل أنظمة وطنية ديمقراطية تستمد شرعيتها من رضى شعوبها عنها وليس من رضى البيت الأبيض عبر تل أبيب...

====================

القرضاوي وعار التطبيع

رأي القدس

7/14/2010

القدس العربي

تشهد المنطقة العربية حالياً حالة من الصراع بين علماء مسلمين كبار حول تفسير بعض القضايا الوطنية الحساسة، مثل التطبيع مع اسرائيل او العمليات الاستشهادية، او بناء السور الفولاذي لتشديد الحصار على قطاع غزة المحتل.

علماء السلطة يخرجون علينا بين الحين والآخر بفتاوى دينية تخدم سياسات النظام الحاكم وتبررها، مثلما فعل الشيخ سيد طنطاوي امام الازهر الراحل في اكثر من مناسبة، وحول اكثر من قضية، أبرزها مسألة جواز اللقاء بالاسرائيليين وحاخاماتهم. ولعل الفتوى التي اصدرها خلفه بتأثيم من يعارضون او يعرقلون المصالحة الفلسطينية هي امتداد لهذا النهج.

الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ظل يقف دائماً في الخندق الآخر المقابل لوعاظ السلاطين هؤلاء، يدافع عن المقاومة والتضحية بالنفس من اجل الامة وعقيدتها وحقوقها، مستلهما دائماً بالقرآن الكريم والسنة المحمدية، وسير الصحابة.

بالأمس اصدر الدكتور القرضاوي فتوى حاسمة أدان فيها الدعوات التي تحلل زيارة المسجد الاقصى، ومدينة القدس في ظل الاحتلال الاسرائيلي واعتبرها عاراً، ومحرمة شرعاً وتوفر غطاء الشرعية لقوى الاحتلال.

هذه الفتوى تأتي رداً على تصريحات أدلى بها وزير الاوقاف المصري السيد حمدي زقزوق، وقال فيها انه مهتم بالحصول على

تأشيرة اسرائيلية لزيارة القدس المحتلة، معتبراً ان زيارته هذه تمثل 'اكبر دعم للقضية الفلسطينية والفلسطينيين'.

وزير الاوقاف المصري يمثل نظاماً حاكماً يقيم علاقات وثيقة مع اسرائيل، على الصعد كافة: السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، ويصدر الغاز المصري الى الدولة العبرية باثمان رخيصة جداً، ويفرض حصاراً ظالماً على مليوني فلسطيني في قطاع غزة بالتعاون مع الحكومة الاسرائيلية. ومن الطبيعي ان لا يرى اي ضير في الذهاب الى القدس المحتلة لتسجيل سابقة تشجع الآخرين على الاقتداء بها.

ومن المؤسف ان الدكتور زقزوق متمسك بموقفه، ويدافع عنه باستماتة، ولا يتردد في الاعلان بانه سيقوم بالزيارة الى القدس المحتلة فور حصوله على التأشيرة اللازمة من السفارة الاسرائيلية في القاهرة، نافياً ان تكون خطوته هذه تطبيعية.

ويأتي هذا الاصرار على التطبيع من وزير الاوقاف المصري في وقت يرفض الانبا شنوده رئيس الكنيسة القبطية السماح لرعايا كنيسته بزيارة القدس المحتلة، رغم الضغوط الضخمة التي يتعرض لها من قبل الحكومة المصرية، وهي الضغوط التي وصلت الى درجة دعم توجهات للتمرد على البابا شنوده، واحداث انقسام في صفوف اتباع كنيسته.

اننا في هذه الصحيفة نضم صوتنا الى صوت الدكتور يوسف القرضاوي في تجريمه لكل دعوات التطبيع باشكاله كافة، طالما ان الارض الفلسطينية مازالت محتلة، وتتعرض الى نهب متواصل من قبل الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة التي ترفض السلام بل وتواصل ارتكاب جرائم الحرب في قطاع غزة وجنوب لبنان.

زيارات الارض المحتلة من قبل العلماء والمسؤولين الكبار تضفي شرعية على الاحتلال الاسرائيلي، وتقدم صورة مضللة الى العالم حول تسامحه تجاه الديانات الاخرى في الوقت الذي يهود المساجد والكنائس العربية في المدينة المقدسة، ويقوض اساسات المسجد الاقصى، وينفذ المخططات لتقسيمه، هذا اذا لم يعمل على هدمه وتقويضه من خلال الحفريات تحت اساساته.

====================

القدس أولا...

روت غبيزون

 الدستور

7/14/2010

رغم أحداث دراماتيكية كالاسطول الى غزة والعملية لوقفها والتي تعقدت ، او مسيرة شليت والجدالات التي بدأت لتوها حول استمرار تجميد البناء ، من الحيوي أن نستخلص سياسة بل وردود فعل على أحداث محلية من صورة جغرافية سياسية أوسع لمصلحتنا الوطنية. والأهم من ذلك الرغبة في أن تعرض اسرائيل بوضوح موقفها من الواقع الاقليمي بل وأن تعمل على تقدمه ، والا تنجر لموقف الرد على مبادرات الاخرين (او حتى تجاهلها). فلا يكاد يكون هناك موضوع الامر فيه حيوي مثلما في التفكير والمبادرة والعمل بالنسبة لمستقبل القدس.

 

خلفية النقاش هي حقيقة أنه في اسرائيل وفي الاسرة الدولية يوجد اجماع واسع - وان لم يكن كاملا - على ان هذه الصيغة يجب أن تستند الى تحقيق حق تقرير المصير للشعبين اللذين يعيشان في المنطقة. يوجد اجماع واسع ايضا في أن هذا التحقيق ، يجب أن يكون ، على الاقل في هذه المرحلة ، قائما على أساس صيغة الدولتين القوميتين المنفصلتين ، اذ من الرغوب فيه ان تعيشا بسلام وفي ظل التعاون ، الواحدة الى جانب الاخرى ، وهذا بالتأكيد موجود في دوائر اليسار ، وفي خطاب بنيامين نتنياهو في بار ايلان. وفي استطلاعات الرأي ايضا هناك تأييد ثابت لاغلبية كبيرة في الجمهور اليهودي ، من اليسار ومن اليمين ، لفصل من هذا النوع.

 

وفي محاولة للوصول الى صيغة الدولتين ، كان هناك نهج اعتقد بمسار الاتفاق ، الذي يتضمن تأجيل المواضيع الصعبة - القدس ، اللاجئين ، المستوطنات ، الحدود الدائمة - الى مرحلة متأخرة بعد أن تبنى علاقات ثقة عمليا. هذا النهج انهار ، والان الجدال القائم بين نهج البحث عن اتفاق دائم ، يكون تنفيذه تدريجيا ، وبين خلق واقع فصل بخطوات احادية الجانب.

 

عندما يجلس في الحكومة كثيرون ممن لا يؤمنون بصيغة الدولتين ، فاننا نشهد تلعثما وجرا للارجل حتى في الاختيار بين المسارين ، او في التفعيل المتداخل لكليهما. وهذه تؤدي بنا الى ديناميكية تتعارض والفصل والتخوف بان تتغلب الاقليات - في الجانبين - والتي تسعى الى تحقيق واقع من الحكم السياسي الواحد.

 

هذه الدينامية مرفوضة على الاقل في نظر اولئك الواثقين بان صيغة الدولة الواحدة تمتد بين البحر والنهر ستخلق هنا على المدى البعيد دولة غير ديمقراطية ، لن يكون فيها تقرير مصير أو أمن مادي لهوية اليهود ، كما أنها ستساعد على عرض اسرائيل في العالم كرافضة للتسوية ترغب في تخليد الاحتلال.

 

في مسألة القدس ، هذا الغموض يبقي لدينا رسالة اسرائيلية غير واقعية في أن هذه المدينة ستبقى عاصمة اسرائيل الموحدة الى الابد ، بينما الواقع هو ان فيها فصلا واضحا جدا بين المدينة العربية والمدينة اليهودية. هذه الرسالة تسمح باصرار بسيط وواضح للطرف الفلسطيني بالتمسك بالمبدأ الذي يقول ان حدود 1867 هي المنطلق في كل مكان ، بما في ذلك في العاصمة. وهكذا فان مسائل مشحونة مثل الشيخ جراح او سلوان ستضعف شرعية سيادة اسرائيلية المستقبلية على غيلو او على جفعات زئيف ، وهكذا ايضا ستغير الصراع الديمغرافي المستمر للحفاظ على الطابع اليهودي لعاصمة اسرائيل ، وهكذا ايضا سيكون هناك خطاب وحدة في واقع منفصل ومعقد. ان رسالة لا تقوم على أساس الواقع ستخلق سياسة لا يمكن حقا الدفاع عنها ، والشعار يبقى ولكنه ينهار تحت الضغط اذا لم توجد خلفه مصلحة حقيقية وحيوية ، وعليه ، ففي موضوع القدس ايضا ، من الحيوي أن يكون لاسرائيل منطلقا واقعيا وواضحا ، يخدم مصلحتها الاستراتيجية بعيدة المدى.

 

المنطلق هو ان القدس هي مدينة هامة من كل النواحي للشعبين وللدولتين ، لذا ، فان الحل الذي يعطي احتكارا لدولة واحدة في السيطرة عليها ليس معقولا ولا مقبولا. وفضلا عن ذلك ، فان القدس هي المكان الذي يخرج فيه الاهتمام كثيرا عن النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني ، وعليه فان لها اهمية اقليمية ودولية هائلة وهي تفرض تحديا هائلا ، الا انه يوجد في التسوية بشأنها أيضا طاقة كامنة لتغيير كبير في العلاقات مع مراكز قوى دينية واقليمية واسعة.

 

وعليه ، فان الحل المناسب في القدس يجب أن يكون ابداعيا ، وان لا يتضمن فقط اسس السيادة الاسرائيلية او الفلسطينية. وبالنسبة للحوض المقدس ومحيطه فيجب أن تكون هناك ايضا أسس دولية وتوزيع صلاحيات بين مندوبي الاديان الثلاثة الكبرى ، في ظل مفاوضات متعددة المراكز. وبالنسبة لاجزاء المدينة الاخرى ، فالحل بالنسبة لهذه المدينة هو اعادة تقسيمها على أساس اعتبارات سياسية ، اجتماعية وديمغرافية ، في ظل الحرص على احترام حقوق كل الجماعات في الوصول الى اماكنها المقدسة.

 

وحتى يتحقق ثبات العلاقات بين الدولتين ، ينبغي للتقسيم أن يكون من خلال حدود حقيقية. وبقدر ما هو ممكن ، فان وجود مثل هذه الحدود لا ينبغي له أن يؤدي الى مس بنسيج حياة سكان القدس والمحيط من ناحية حق الوصول الى المدينة ومراكزها ، او التخطيط المشترك للمدينة او حتى ادارتها المشتركة. ويجب ان يكون الهدف اقتلاع الحد الادنى من الناس من منازلهم والحفاظ على النظام العام وعلى الاستقرار ، وكذلك على حرية الوصول والحركة المعقولة بين شطري المدينة.

مبدأ التقسيم يجب أن يكون برغماتيا ، مثلما اقترح من قبل الرئيس كلينتون في صيغته: الاحياء العربية من القدس يجب أن تكون جزءا من السلطة الفلسطينية ، والاحياء اليهودية يجب أن تكون جزءا من دولة اسرائيل.

====================

قمة استسلام لا قمة سلام!

يوسف عبدالله محمود

 الدستور

7/14/2010

ثوبُ الرياءً يشف عما تحته

فاذا التحفت به فانك عار

أصابت "واشنطن بوست" الامريكية حين وصفت قمة اوباما - نتنياهو التي عقدت في واشنطن بأنها كانت قمة "استسلام" ، استسلام رئيس اقوى دولة في العالم وهي امريكا امام رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو. غابت عن هذه القمة الشروط الموضوعية للمحادثات التي يمكن ان تنجز "سلاما" حقيقيا في الشرق الاوسط سلاما يؤدي الى اقامة دولة فلسطينية على اراضي عام 1967 المحتلة.

 

في هذه القمة بدا باراك اوباما ضعيفا امام نتنياهو يتودد الى الاخير على نحو افقده مهابته التي كان عليه ان يحتفظ بها امام العالم وبخاصة العالم العربي.

 

ساد "الغزل" الحوار الذي دار بين الاثنين ، نتنياهو يخاطب باراك بقوة واعتداد وكأنه صاحب حق: "ان اسرائيل تتمسك بحقها التوراتي في ارض آبائها واجدادها".. بينما اوباما يشعر بالرضا وهو يصغي الى هذا الكلام.

 

البعض من الذين ما زالوا يراهنون على الرئيس الامريكي من عربنا يقولون: انه مجرد "تكتيك" من اوباما ليتجنب سخط "الجمهوريين" عليه وما يستتبع هذا السخط من تأثير سلبي على الانتخابات الشريعية الامريكية وهم يقولون ايضا ان اوباما سيتخلى عن هذا "التكتيك" فيما بعد.. الى هذا الحد بلغ بهؤلاء "التفاؤل"،.

 

ما تمخض عن هذه القمة التي سمّتها "واشنطن بوست" قمة "استسلام" يؤكد نفاق اوباما وهو يستهلّ الايام الاولى من رئاسته بهذا "الاسترضاء" غير الحقيقي للمسلمين والعرب حين زعم في القاهرة انه يعتز بالتراث الاسلامي وسيعمل على تجسير الفجوة بين امريكا والعالم العربي والاسلامي، تملقنا اوباما وهو يستحضر بعض كلامه سبحانه وتعالى كأنه قرأ النفسية العربية والاسلامية فخاطبها وفق هواها،.

 

اوباما في هذه القمة بل وحتى قبلها تخلى عن مطالبته اسرائيل بتجميد الاستيطان حين عدّه عقبة في وجه السلام ، ما ابشع ان ينكث زعيم صفقنا له عربا ومسلمين بوعوده وقيمه ويتخاذل امام نتنياهو بل يسارع بتوديعه حتى سيارته.. ان كل من شاهده يفعل ذلك لا بد ان قال في نفسه: واهمون ايها الفلسطينيون اذا صدّقتم هذا الذي اشبعكم كلاما معسولا،.

 

لقد خرج نتنياهو منتصرا من هذه القمة ، وكيف يكون الامر خلاف ذلك واوباما يُسقط كل شروطه السابقة حول تجميد "الاستيطان" بل انه راح يطالب الفلسطينيين بقبول المفاوضات المباشرة وان يسقطوا شرطهم بوقف "الاستيطان".

 

قلت ان البعض من عربنا يعتبرون موقف اوباما هذا تكتيكا سينتهي في مرحلة لاحقة حين يكسب الديمقراطيون جولته "الانتخابية" انه تبسيط للامور وقراءة غير واعية توارثها الكثيرون منا فأمريكا "الرئاسية" قادرة لو ارادت ان ترغم اسرائيل على ان تقبل شروط السلام دون قيد او شرط ولكنها اي "الرئاسة" لا تريد ذلك سيما وانها ترى الموقف العربي غير قادر على توحيد كلمته ، اوباما قادر لو اراد ان يستثمر سلطته الرئاسية في فرض شروط السلام على اسرائيل ، ولكنه في ظل التشرذم الفلسطيني والعرب لا يعبأ بأية تصريحات فلسطينية او عربية تتوعد وتهدد لعلمه انها "فالصو"، او شقشقة لسان.

 

في ضوء هذا الموقف الامريكي المنصاع لاسرائيل كيف يمكن لأية مفاوضات غير مباشرة او مباشرة بين الاسرائيليين والفلسطينيين ان تؤدي الى اقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة،.

 

وهنا استحضر عبارة ساخرة وردت في مقال لكاتبة يهودية من انصار جماعة "السلام" مقيمة في امريكا ، مقال نشرته في مجلة مناصرة للعرب هي "Washington Report On Middle East Affairs" - اغسطس م2009 تقرير واشنطن عن شؤون الشرق الاوسط في مقالها الذي حمل عنوان: "اسرائيل تقول لا لاوباما".

 

تقول الكاتبة راشيلي مارشال: "الغريب اننا في امريكا ندعو الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي الى التفاوض حول اقتسام قطعة "بيتزا" في الوقت الذي تقضم او تلتهم اسرائيل اكبر نصيب من قطعة "البيتزا" هذه"،.

 

لقد هز اوباما رأسه حين زعم نتنياهو امامه بان الضفة الغربية وكل فلسطين هي ارض آبائه واجداده.

 

ويبقى ان نقول اننا كعرب وكفلسطينيين خاصة ، اعطينا بتمزقنا وخلافاتنا المبرر لأمريكا واسرائيل ان تتماديا في استهتارهما بنا.. اما العرب الذين ما زالوا يعلقون الآمال على اوباما فأذكّرهم بالمثل العربي: "بودّيك على النهر وبرجعك عطشان"،،.

====================

حرب أميركا الطويلة!

باتريك سيل

(كاتب وصحفي بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط)

الاتحاد الاماراتية

الرأي الاردنية

7/14/2010

مر ما يقرب من تسع سنوات على حرب أميركا في أفغانستان التي شنتها رداً على الهجوم المدمر الذي دبره ضدها تنظيم «القاعدة» في الحادي عشر من سبتمبر 2001، وهو ما يعني أنها قد أصبحت أطول حرب في التاريخ الأميركي. وأكثر من ذلك في الشهور الأخيرة ترسخت فكرة متشائمة مؤداها أن تلك الحرب ربما تكون سائرة نحو الخسارة.

وليس هناك شك في أن الحرب في أفغانستان تمضي على نحو سيئ. فالمواجهات تزداد صعوبة والخسائر تزداد كذلك. ففي شهر يونيو فقط، زاد عدد خسائر قوات الحلفاء عن 100 جندي، وهو أكبر عدد من الخسائر في أي شهر منذ أن بدأت الحرب. والرأي العام تحول في معظمه ضد الحرب، كما أن بعض حلفاء أميركا بدأوا يتهربون من المسؤولية، والناس في كل مكان يريدون معرفة ما هي القضية التي يضحي هؤلاء الشباب بحياتهم من أجلها.

وقد حدثت نقطة التحول في تلك الحرب عندما حاولت قوات الحلفاء انتزاع بلدة «مرجة» من قبضة «طالبان» لكسب عقول وقلوب السكان من خلال توفير نمط من الحكم في المدينة أفضل من ذلك الذي كانت تمارسه «طالبان». ولكن هذا الطموح مني بالخسارة. فما يحدث في الوقت الراهن هو أن مقاتلي «طالبان» يتسللون ليلا إلى المدينة ويقتلون كل من تعاون مع قوات التحالف، كما أن السيطرة الحكومية على الجزء الأعظم من المدينة باتت غير قائمة.

وعلى ما يبدو فإن الصعوبات التي اكتنفت حملة «مرجة» قد أقنعت الأميركيين بتأجيل الهدف الأكثر طموحاً الخاص بطرد «طالبان» من قندهار ثاني أكبر المدن الأفغانية، وأحد معاقل «طالبان» المشهورة. والفشل في «مرجة» يؤشر على أن أية محاولة لإخضاع قندهار ستكون ضرباً من المجازفة غير المحسوبة.

وعلى الورق تبدو قوات التحالف الذي يقوده الأميركيون، والذي يضم قوات 46 دولة في غاية القوة، حيث تتمتع بسيطرة غير محدودة وغير قابلة للتحدي من أي قوة أخرى. وعلى الأرض قامت تلك القوات بنشر 100 ألف جندي على الأقل، وهناك المزيد سيصلون في شهر أغسطس المقبل. وعلاوة على ذلك، ففي مقدور الحكومة الأفغانية في الوقت الراهن استدعاء ما يقرب من 200 ألف جندي مقاتل وشرطي، يمكن من خلال التدريب المكثف أن يتحولوا إلى قوة فعالة.

وفي المقابل نجد أن عدد مقاتلي «طالبان»، لا يزيد عن 30 ألف مقاتل. ولكن الفارق بينهم وبين القوات الأجنبية وقوات الجيش الأفغاني النظامي، هو أنهم يحظون بإمكانية الذوبان وسط السكان المحليين، وهو ما يعني أنه يمكنهم الاعتماد على تكتيكات التمرد.

لقد ورث أوباما حربين عن سلفه بوش وهما حربا العراق وأفغانستان. ومنذ بداية توليه الحكم كان أوباما معارضاً لحرب العراق، ومصمماً على سحب القوات الأميركية منها.. ولكن ذلك لم ينطبق على حرب أفغانستان التي وصفها ب» الحرب الضرورية». وربما كان ذلك خطأً منه.. فبأي معنى تعتبر هذه الحرب»ضرورية»؟ وما هي المصالح الحيوية الأميركية المعرضة للخطر في ذلك البلد؟

في ديسمبر 2009، أعلن أوباما أنه سيرسل 30 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان، وهو عدد أقل قليلا مما كان القائد السابق للقوات الأميركية ماكريستال يريده، ولكنه مثل زيادة ذات قيمة، ما في ذلك شك. ومع هذا، أعلن أوباما في الوقت نفسه أنه سيبدأ في سحب القوات الأميركية من هناك اعتباراً من يوليو 2011. وفي عبارة دالة بدت وكأنها مؤشراً على النية في الحد من الوجود الأميركي في أفغانستان أضاف أوباما «إن الأمة التي أريد بناءها هي أمتنا نحن»!

والحال أن أوباما يصطرع في الوقت الراهن مع معضلة عويصة: هل يبدأ في تقليص عديد قواته في يوليو من العام القادم كما وعد.. أم يعمل على إعداد خطط للبقاء في ذلك البلد إلى أجل غير محدد. وقد أكد أوباما، ونائبه «بايدن» على أن الهدف النهائي لأميركا هو تسليم الأمن -وبالتالي مسؤولية الحرب ضد طالبان- إلى القوات الأفغانية، وأن انسحاب الجيش الأميركي من ذلك البلد سيتم وفقاً للتطورات على الأرض.

وليس هناك شك كبير في أن الناخبين «الديمقراطيين» في الولايات المتحدة يريدون عودة القوات الأميركية في أفغانستان إلى الوطن في أسرع وقت ممكن. ولكن «الجمهوريين» يعارضون ذلك ويقولون إن تاريخ يوليو 2011 الذي حدده أوباما تاريخ مصطنع وغير عملي، ويجب التخلي عنه بالتالي.

والسؤال: هل تريد أميركا وجوداً عسكريّاً دائماً في أفغانستان، أم أن العكس تماماً هو الصحيح، أي أن تعهدها بالانسحاب الكامل في حد ذاته يعد أمراً ضروريّاً لتحقيق تسوية هناك؟

ويقودنا هذا إلى سؤال آخر عن أهداف أميركا من وراء هذه الحرب: هل هدفها الرئيسي هو تدمير «القاعدة»؟ معظم الخبراء يقولون إن العدد المتبقي من أفراد التنظيم في أفغانستان ضئيل للغاية ولا يؤخذ في الحسبان. صحيح أن هناك جماعتين متمردتين واحدة يقودها «جلال حقاني» والأخرى يقودها «قلب الدين حكمتيار» لديهما صلات ب»القاعدة»، ولكن الجماعتين تعملان من ملاذات تقع عبر الحدود مع باكستان، وبالتالي فهما بعيدتان عن منال قوات التحالف.

هل هدف الأميركيين هو هزيمة «طالبان»؟ في خطابه الأول بعد توليه قياده القوات الأميركية بدلاً من «ماكريستال» قال «بترايوس»: «إننا منخرطون في هذه الحرب من أجل كسبها».. ولكن هل يعد هذا في حد ذاته هدفاً واقعيّاً لحرب؟ عند استجوابه أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي أواخر الشهر الماضي قال «بترايوس»: «إن ما يحدث في أفغانستان عبارة عن اختبار للإرادات... ويجب على العدو أن يعرف أن لدينا إرادة الغلبة والفوز». ولكن على ما يبدو أن «بترايوس» عندما قال ذلك لم يكن قد نظر في حقيقة أن هزيمة «طالبان» قد تتطلب إخضاع قبائل «البشتون» القوية التي تستمد منها الحركة معظم مجنديها، وأن هذا الأمر يستغرق سنوات وسنوات -هذا إذا ما افترضنا أنه هدف قابل للإنجاز من الأساس.

أما إذا كان هدف أميركا هو تسليم حكم أفغانستان لحكومة كرزاي، فإن أوباما مطالب في هذه الحالة بالتركيز على نحو محدد على التفاوض مع «طالبان». وهو ما يريده كرزاي على ما يبدو، بدلا من خوض المزيد من المعارك معها. وحكومة كرزاي توصف غالباً بأنها «فاسدة»، كما يقال إن أخاه غير الشقيق «أحمد والي كرزاي» يدير إمبراطورية ذات طابع انتهازي عنيف في قندهار، تقوم بأنشطة تشمل تهريب المخدرات، ولها جيش يتكون من آلاف من المسلحين. فهل يجب أن يكون أي من هذا موضع اهتمام وقلق من جانب التحالف؟ إذا ما كان كرزاي يريد التوصل إلى تسوية مع «طالبان»، يجب تشجيعه على ذلك بالوتيرة التي تناسبه، وبالشروط التي يريدها.

====================

النهضة في العراق.. من أين نبدأ؟

المستقبل - الاربعاء 14 تموز 2010

العدد 3710 - رأي و فكر - صفحة 19

مراجعة: ريتا فرج

في بانوراما تاريخية لا تخلو من مشاهد مثيرة للتساؤلات حول بوادر ارهاصات عصر النهضة في العراق الحديث، تقدم الكاتبة العراقية فاطمة المحسن، مادة موسوعية، ترصد فيها تجليات الانبعاث الثقافي، في بلاد اعتادت على التحولات السياسية المباغتة، أفضت الى تأخر نسبي لزمن التنوير المنتظر، إذا ما قورن بمجاله العربي في بلاد الشام ومصر.

متأخراً، بدأ عصر النهضة في العراق، وشهد أولى حراكه مطلع القرن العشرين، رغم أن الدراسات تشير الى تواريخ مختلفة لانبعاث التيار النهضوي، فبعضهم يُعيدها الى أواسط القرن التاسع عشر، وآخرون الى حركة الاصلاح التي دشنها ولاة السلطنة العثمانية؛ الصدام مع الثقافة الغربية، لم يكن العراق بعيداً عنه، كمعيار للثورة على الموروث التقليدي، ولكنه تأخر في طرح أسئلة التأخر الحضاري كالذي شهدته مصر إبان حملة نابليون عام 1798، بفارق أقل من قرنين من الزمن.

تداعى دعاة النهضة عبر الرحالة والأدباء، واستمد هؤلاء ثقافتهم ليس فقط في البحث عن العوالم الأوروبية لاكتناه الجديد، بل استمدوا مصادرهم من التنوع الديني والإثني، الذي أغنى العراق وأرهقه. تراكمات إشكاليات النهضة، تنوعت بتنوع الفسيفساء العراقية، وعلماء الدين على الجبهة الشيعية كانت لهم انبعثاتهم، وهنا تشير الكاتبة الى التدشين لأول مجلة حملت اسم "العلم" عام 1910، تجادل كتابها، وتثاقفوا عبر الامتداد الايراني _ العراقي؛ وللمسيحيين واليهود دورهم أيضاً، خصوصاً انهم كانوا في احتكاك مباشر مع القنصليات الاجنبية والبعثات التبشيرية.

التجاذب بين التيارين التقليدي والحداثوي، شكل احدى ملامح عصر النهضة الثقافية في العراق، واللافت أن مفردة "الثقافة" ومتعلقاتها لم تظهر في الأدبيات العراقية، إلاّ اواسط القرن العشرين. وقبل أن ترصد الكاتبة ثنائيات التجديد والتقليد، تقدم أبرز التعريفات التي خلص اليها غرامشي وجيرار ليكرك بشأن المثقف وأداوره، علماً بأن مفردة مثقف لم ترد في القاموس العربي القديم، والمترجمون العرب ابتكروها كمصدر لثقف (ثقف الشيء ثقفاً وثقافاً، رجل ثَقَفٌ أو ثَقِفٌ: حاذق، فهم). المثقف العراقي لم يكن حالة فردية مفارقة لجماعته، رغم نخبويته أحياناً، فقد كرس لنفسه حيزاً كمثقف عضوي وفقاً للتعريف الغرامشي، وهنا تحدد المحسن رواد هذا التيار من أمثال جميل صدقي الزهاوي وسليمان فيضي، اللذين حملا رسالة تبشيرية وآمانا ب "إنشاء الدولة الحديثة".

لم تتخذ حركة الاصلاح الديني الإسلامي في العراق مساراتها التاريخية كما حدث مع دعاتها الأوائل بدءاً من رشيد رضا الى محمد عبده وصولاً الى الأفغاني، وأسباب تأخرها، تعود الى التجاذب العثماني الصفوي؛ والوهابية التي كانت أقرب الى السُنّة على خلفية سطوة التصوف والتشيع، أسهمت في تقليص وتيرة التجديد الديني، فالعراق الذي لم يخرج حتى اليوم من التجاذب الاقليمي عليه، مرّ أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين بالتجربة نفسها، فعرقل الاحتراب الوهابي الشيعي النهضة الدينية، رغم أن المنادين بمذهب الإمام محمد بن عبد الوهاب كما تلفت المحسن، كانوا أقل راديكالية من نظرائهم في الجزيرة العربية، ومرد ذلك محاكاتهم لسياقات التمدن العثماني، لكن ذلك لم يمنع من تبلور شخصيات اصلاحية، ويعتبر خير الدين الألوسي وفقاً للتصنيف الذي وضعه ألبرت حوراني "ممثل تيار الإصلاح الديني في العراق"، فترد عليه الكاتبة بتأكيدها على غلبة النهج المحافظ عنده وتأثره الشديد بابن تيمية الذي يمثل حلقة الوصل بين ابن حنبل والسلفية الوهابية.

الاصلاح الديني الشيعي، لم يلق هو الآخر، الاستجابة الاصلاحية المنشودة، فجوبهت دعوات التجديد بالرفض المبرمج، بغية ترسيخ "التدين الشعبي" الذي يؤمن الدعائم الأساسية للسلطة الدينية. والحال لماذا تأخرت حركة التجديد في الدين والثقافة والسياسة والاجتماع طوال هذه الفترة في العراق؟ وما تأثير الصراع السني الشيعي على انبعثات النهضة؟ إشكاليات كثيرة تجيب عنها فاطمة المحسن، بسردية علمية شديدة التوثيق، غنية بالمعلومات، وهي لا تكتفي بتورخة تمثلات النهضة في بلاد الرافدين، لكنها تعتمد منهجية التحليل النقدي، للخروج بنتائج ومعطيات تحيط بالظاهرة بتقنية أدبية فاردة، لا تشعر القارئ بالملل كما لو أنه شاهد على الحدث.

أدبياً، بدأت تمظهرات التغيير عند المثقف العراقي في الرواية والشعر، عبر الدعوة "لاصلاح المجتمع وتغيير النظرة الى العالم والانسان"، كل ذلك في موازاة الصور المباغتة للدارونية والنيتشوية والماركسية والوضعية. الانفجار النهضوي في العراق لم يتخذ مساراً تراكمياً، بل كان فجائياً، والعوامل التي أخرت التحولات الثقافية ترتبط إما بطبيعة الأنظمة السياسية التي حكمته ما قبل قيام الدولة الوطنية، وإما لابتعاده الجغرافي عن الصحوات الحداثوية، التي وقعت بأزمنة مبكرة في مصر وبلاد الشام؛ وحتى التعدد الديني والاثني الذي يتمتع به هذا البلد لم يسمح له بإنتاج بوتقة، تقارب المتعدد من منطلق الشراكة والوحدة، والذي يعبر بدوره عن مظاهر التثاقف من خلال الذات الى الآخر.

بمنهجية تاريخية وإستقرائية تقرأ الكاتبة تمثّلات النهضة في ثقافة العراق الحديث، وتسلط الضوء على أهم أعلامها من هبة الدين الشهرستاني المتأثر بالافغاني، الى شبلي الشميل المُفسر لنظرية داروين، الى النزعة الريبية عند جميل صدقي الزهاوي ورفائيل بطي، وصولاً الى رائد القومية العربية ساطع الحصري، الذي استفاض في التنظير لمقومات الأمة؛ والشيوعيون لم يكونوا خارج حركية النهضة، فصاغوا خلاصاتهم الثورية ضد الثقافة المحافظة، ولعل حسين الرحّال أبرز وجوه الثورة الحمراء.

أطروحة فاطمة المحسن، هي بمثابة العمل التأسيسي؛ فالكثيرون يجهلون آليات تشكل النهضة الحديثة في العراق، ولا يبقى في أذهانهم إلاّ تمثلاتها في مصر ولبنان. والمحسن حين قالت بأن جاذبية الفكرة وأبعادها العاطفية هي التي دفعتها لتأليف كتابها الموسوعي، كانت ربما على دراية تامة بأهمية الفجوات المعرفية التي تفصلنا عن الحراك النهضوي هناك.

[ الكتاب: تمثّلات النهضة في ثقافة العراق الحديث

[ الكاتب: فاطمة المحسن

[ الناشر: منشورات الجمل، بيروت، 2010

====================

ثقافة الإفساد

آخر تحديث:الأربعاء ,14/07/2010

خيري منصور

الخليج

ستبقى كل الوَصْفات والمطارحات الفضائية حول الفساد مجرد سهام تخطئ الهدف، أو كما يقال في مثل شعبي هي تغميس خارج الطبق، ومن يغمسون لقمتهم في الهواء هم إما عمي كما وصفهم طه حسين في مذكراته “الأيام”، أو جياع تشتبك أصابعهم فلا يظفر بالثريد غير صاحب اليد الطويلة والأصابع الأرشق .

 

إن الثقافة الوبائية التي تنتشر الآن وتلوث مناخات وضمائر هي ثقافة الإفساد وليست ثقافة الفساد، لأن هذا الأخير موجود بقدر أو بآخر في كل العصور وكل المجتمعات، ونذكر مثلاً أن هناك من دافع عن القليل الضروري من الفساد في أمريكا قبل حوالي القرن، بحجة أن هذا القليل هو بمثابة التشحيم أو التزييت للقرارات البيروقراطية ومفاصلها الصدئة التي تعوق العمل .

 

الخطورة في الإفساد أكثر مما هي في الفساد ذاته، لأن الإفساد عملية تربوية متصلة، وتحريض مباشر أو غير مباشر على تخطي القوانين والأعراف، واستخدام مهارة القرود في القفز من غصن إلى غصن، ومن غابة إلى أخرى .

 

ما قيل وكتب عن الفساد حتى الآن هو أطنان من الورق والأثير، لكأن هذا الشيء الغامض يتغذى من مبيداته كالفئران والصراصير والذباب . فالفساد شأن هذه الكائنات أدمن المادة التي تقدم له كسموم ومبيدات، وأصبح يسمن بها بدلاً من أن يموت، وتبعاً لتجربة أمريكية حديثة فإن ما يموت بالمبيدات المعدة للذباب هو العصافير، لأنها تتغذى على هذه المخلوقات، ولكنها ليست ملقحة أو مُدْمنة مثلها على التأقلم .

 

الإفساد يمارسه المجتمع وهو آخر من يعلم إذا قرر الاستمرار في تلك التربويات التي تحض الفرد على أن يصل إلى ما يريد عبر أقصر الطرق، وقد لا تسمى هذه التربويات بأسمائها الصريحة كالفهلوية أو الوصولية أو الانتهازية، لكنها تحمل المضمون والدلالات ذاتها، وحين يحقن أفراد مجتمع ما بأمثال أفرزتها عصور الانحطاط والمجاعات، فإن أول ما يتصورونه هو أن اللقمة التي يجب أن يحصلوا عليها موجودة في فم آخر، وأن القمة سواء كانت بالمعنى الاجتماعي أو السياسي أو حتى الثقافي، لا تتسع لأكثر من شخص واحد، وإننا لنعجب من هذه الأحجية المتعلقة بالفساد، فهي أولاً تعزل الفساد عن المفسدين، ثم تعزل المفسدين والفساد معاً عن ظاهرة الإفساد المتعمد، ومع سبق الإصرار فمن يلعنون الفساد جهراً يتقربون إلى الفاسدين سراً، ومن يرون في ثقافة الفساد وباء أخلاقياً يهدد أوطاناً برمتها، لا يتورعون عن أخذ دروس في فلسفة الإفساد، ولم يبق إلا أن تصدر بعض دور النشر كتباً من طراز كيف تصبح فاسداً في أسبوع، على غرار تلك العناوين التي تصطاد القراء مثل كيف تصبح مليونيراً في شهر، أو كيف تتقن اللغة الألمانية في أسبوعين .

 

إن النصيب الأكبر من المطارحات السجالية يحظى بها الفساد، وكأنه نبات شيطاني بلا جذور أو لغز عصيّ على الحل، لأنه غالباً ما ينسب إلى مجهول، ويعزل عن أبطال المسرحية السّوداء التي تدور حوله، وقد لا نختلف مع من قال يوماً إن المفسد أسوأ بأضعاف من الفاسد، لأنه ينتج سلالة من الفاسدين بخلاف الفاسد الفرد المنهمك في فساده .

 

ورغم بطلان أية مفاضلة بين فاسد وآخر، إلا أن الأعمى يرضى أحياناً بنصف عَيْن، خصوصاً بعد أن استبدت بوعينا هذه الثقافة الشغوفة بالأفعال المبنية للمجهول، وببلاغة التهريب التي تقول كل شيء كي لا تقول شيئاً محدداً ومفهوماً .

 

الفساد كالجريمة لا يمكن مطاردتها بمعزل عن الفاعل والقرائن التي ترجح اقترافه لها وسيبدو المشهد كوميدياً إذا تفرّغ القضاة وذوو الشأن في هذا الأمر، لمطاردة الجرائم بمعزل عن المُجْرمين .

====================

في أول الطريق

آخر تحديث:الأربعاء ,14/07/2010

ميشيل كيلو

الخليج

تحت بند “استراتيجية الاستقلال الوطني والقومي” يطالب “المشروع النهضوي العربي”، الذي أصدره “مركز دراسات الوحدة العربية” في شهر فبراير/ شباط الماضي، بتحقيق الأهداف الخمسة التالية:

تحرير الأرض من الاحتلال .

مواجهة المشروع الصهيوني .

تصفية القواعد العسكرية الأجنبية .

مقاومة الهيمنة الأجنبية .

بناء القدرة الاستراتيجية الذاتية .

يقر المشروع، بعد إيراد البنود الخمسة، أن الأمة العربية تعيش في الطور السابق لتحقيق أي واحد منها، فلا الأرض تحررت، مع أنها أعيدت ظاهرياً إلى أصحابها الأصليين . لتحريرها، ينصح المشروع باعتماد خيار المقاومة، وهي “معركة إثر معركة ومرحلة بعد مرحلة” . وقد “بدأت تتحول إلى عامل حاسم في صيانة الأمن القومي وإلحاق الهزيمة بمشاريع الأعداء”، فلا بد من “انكباب عربي شامل، رسمي وشعبي، على دعمها واحتضان فصائلها ومناضليها” (المشروع، الصفحة 108) . بالأمس القريب، كان العقل القومي يطالب الأمة بالمقاومة، ويعتقد أنه لا مقاومة إذا كانت الأمة لا تقاوم، فالأمة وحدها رافعة المقاومة، وأن باستطاعتها ممارسة المقاومة كفعل يصدر عنها مباشرة، مثلما حدث بالفعل، ذات يوم، في الجزائر والمغرب واليمن الجنوبي وفلسطين ومصر والأردن وسوريا . . الخ . أما اليوم، فالمشروع يقصد بالمقاومة حركاتها، لذلك يطالب الأمة بدور رديف يتلخص في “دعمها واحتضان فصائلها ومناضليها”، بينما يطالب حركاتها ب”تطوير أدائها وخطابها، وتعميق علاقاتها الوطنية والقومية والدولية، بما يعزز الوحدة على مستوى الأقطار وعلى مستوى الأمة، ويحول دون استدراجها إلى حالات انقسامية أو ممارسات فئوية تبعدها عن هدفها الرئيسي” . هذا الفهم للمقاومة يقوم على تركيب ثنائي المكونات والأدوار: يتكون من الأمة، التي لا تقاوم مباشرة وبما يتوفر لها من خبرة وقوة متنوعة الأوجه، وإنما يقتصر دورها على دعم حركات وتنظيمات المقاومة، التي يحذرها المشروع في موقف غريب حقاً من مخاطر استدراجها إلى الانقسام والفئوية (وهو تحذير جاء متأخراً، يشير باستحياء وغموض إلى واقع بعض هذه التنظيمات) . بالمناسبة، يتحدث المشروع عن واقع العرب المرعب بلغة لا تسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية، لذلك نراه يحجم عن تمييز مستويات المقاومة، ويقصر المقاومة على المنظمات المسلحة، ويتجاهل أن المقاومة السياسية كانت خلال حرب السويس أعلى وأجدى أشكال المقاومة، وأن هناك حركات مسلحة وجيوشاً لا تقاوم غير شعبها، وحركات اقتصر دورها “التاريخي” على المزايدة وممارسة الأنشطة الانقسامية، لأن مهمتها لم تكن مقاتلة العدو بل اختراق وتقييد المقاومة الشعبية والوطنية والتنظيمية الفلسطينية، وإرهاقها وإلحاقها بهذا النظام العربي أو ذاك . . الخ . في مشروع نهضوي عربي، المقاومة التي يجب البحث في سبل حفزها وتعزيزها لا بد أن تكون مقاومة الأمة، التي لا يجوز تقليصها إلى تنظيم هنا ونصف تنظيم هناك، حركة مذهبية على هذا الجانب، ونصف طائفية على الجانب الآخر .

 

 تحت حيثية “مواجهة المشروع الصهيوني”، يقول المشروع: “بات يتعين على الأمة العربية ونخبها وقواها الحية أن تستعيد إدراكها لخطورة المشروع الصهيوني على مستقبل الوطن العربي ومصيره” . هذا كلام واضح وخطير: لقد أضاعت “الأمة ونخبها وقواها الحية” إدراكها لخطورة المشروع الصهيوني، فجاء المشروع يذكرها بما لم تعد تدركه: خطورة المشروع الصهيوني . بكلام آخر، يقول المشروع بطريقته: ليس هناك اليوم مواجهة للمشروع الصهيوني، على مستوى الأمة ونخبها وقواها الحية . هذا الاستنتاج الصحيح والملموس تماماً، والذي يصدقه ويتشاطره عامة العرب، يقوض ما توصلت إليه الفقرة السابقة حول واجب الأمة في احتضان فصائل ومناضلي حركات المقاومة . هل تحتضن الأمة وتدعم حركات مقاومة فقدت، مثلما فقدت هي نفسها، إدراكها لخطورة المشروع الصهيوني؟ ما نفع هذا الاحتضان، إن كان ممكناً ومطلوباً أصلاً في أمة فقدت هي ونخبها وقواها الحية إدراكها للخطر الصهيوني؟

 

 ازداد عدد وانتشار القواعد الأجنبية في الوطن العربي، بعد “تحرره” من الاستعمار، بدل أن يتناقص . وتزايدت التسهيلات الممنوحة لقوات عسكرية أجنبية، مثلما تعاظم اعتماد النظم العربية على الحماية الخارجية، بينما تكاثرت الامتيازات والخدمات الممنوحة لقوات الدول الكبرى عموماً وأمريكا خصوصاً، حتى غطت البلدان العربية شبكة مترابطة من القواعد والمعسكرات ومناطق الانتشار العسكري، المرتبطة باستراتيجيات وخطط أمريكا ودول حلف الأطلسي الأوروبية، التي تشمل وطننا العربي وتتجاوزه إلى أعماق آسيا وإفريقيا . هذا ما يؤكد عليه المشروع النهضوي العربي .

 

 يقر المشروع أن “الهيمنة الأجنبية بأشكالها المختلفة زادت بعد الحرب الباردة وانهيار التوازن الدولي وانفراد القطب الواحد الأمريكي بإدارة شؤون العالم، ثم بانهمار وقائع العولمة وما في جوفها من تحولات باعدت الفجوة بين الأقوياء والمستضعفين في العالم” . ويضيف “إن دفع تحديات الهيمنة يتطلب ترتيب البيت العربي من خلال إجراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطلوبة، للتكيف مع عالم ينهض فيه العلم والتقانة والمعلومات بدور حاسم في تشكيل معايير القوة ومحدداتها ومؤشراتها” . ويلاحظ أن نهوض الوطن العربي “بأمر مواجهة تلك التحديات قد يتجاوز قدرته وإمكاناته الذاتية وحده، فلا بد من انخراطه في علاقات تعاون مع القوى والأمم والدول المتضررة من قوى الهيمنة العالمية كافة” .

 

 أخيراً، تتطلب حماية استقلال الوطن العربي وأمنه ومكتسباته حيازة “قدرة استراتيجية ذاتية: دفاعية وتنموية وعلمية وتقانية”، يفتقر إليها اليوم، لذلك يعتبر بناؤها مشروعاً مستقبلياً لا يضمن أحد تحققه، وإن كان من الضروري التذكير بأهميته والمطالبة بإنجازه وتحديد سبل تحقيقه .

 

بعد أكثر من نصف قرن على بدء محاولة النهضة العربية الثانية، التي بلغت ذروتها مع ثورة مصر عام ،1952 يبدو أننا عدنا إلى نقطة قريبة جداً من الصفر، تقول الصورة التي يرسمها المشروع النهضوي لها إننا نفتقر اليوم من جديد إلى استقلال وطني، لأن أراضينا محتلة: إما بصورة مباشرة من قبل العدو “الإسرائيلي” أو بصورة غير مباشرة على يد أصحاب القواعد العسكرية المنتشرة في كل مكان من وطننا العربي، بينما غابت عن إدراك “أمتنا ونخبها وقواها الحية” خطورة المشروع الصهيوني، وتزايد عجزنا عن مقاومة الهيمنة الأجنبية بأشكالها المتنوعة، في وضع أهم سماته افتقارنا إلى قدرة استراتيجية ذاتية .

 

هذه جردة الحساب التي يخلص إليها مشروع مكرس للنهوض العربي، قدمه مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، الذي يجمع سائر المهتمين بالعرب على أنه حرس بأمانة فكرة وحدة العرب ورفع رايتها بلا تعب، وبقي موالياً للوحدة رغم ما أصاب الأمة من انتكاس وتراجع، لم يقلع عن تذكير الأمة بأولويتها وتعميق الوعي بها، وعن مطالبة الأنظمة بالعمل من أجلها . إنها جردة محزنة، تتحدث عن النهوض وضرورته بلغة سلبية: باعتباره واجباً وملزماً وملحاً، مع أن أسسه ومستلزماته ليست موجودة بعد، أو لم تعد موجودة في واقع العرب الراهن، الذي يكثر من أقاموه الحديث عن إنجازاتهم فيه، مع أنه واقع مأساوي كان قبل وصولهم إلى السلطة والحكم أفضل مما هو عليه اليوم، ومما سيكون عليه غداً، إن تواصلت سياساتهم وخياراتهم الحالية .

 

حدد المشروع عيوب الواقع العربي الراهن، وقدم رؤية عينت مفاصل ضرورية لاستنهاض الأمة، وهذا منجز حقيقي للعقل القومي/ الوحدوي، الذي أنجزه . لكن المشروع سكت تماماً عن الجهات التي تتحمل المسؤولية عن تراجع عربي شامل، تقر كل صفحة من صفحاته بوجوده . وهو لا يعرج على مسألة حاسمة الأهمية هي التالية: هل يمكن حدوث النهوض في ظل هذه الجهات، التي تمسك بالوضع العربي وتمارس عليه سياسات أدت إلى تراجعه وانهياره هنا وهناك وهنالك؟ هل يمكن إحداث نهوض عربي في ظل ميزان القوى السائد؟ وهل يحدث النهوض، على فرض أنه حدث، بموافقتها أم ضد إرادتها: باقتناعها أم بالضغط عليها، وتالياً بتحول حملته إلى وعاظ سلاطين أم إلى طلائع نضالية من المحتم أن تبدأ عملها بتعبئة قوى مجتمعية وسياسية قادرة على مواجهة ما في الواقع العربي، المفتت والمجزأ، من قمع رهيب، لا شك في أنه سيوجه ضدها أيضاً؟ أية مسارات سيجتاز المشروع في ظل هاتين الحالتين المتناقضتين، وما القوى التي ستحمل كلا منهما، وهي قوى القمة، المنظمة والمسلحة حتى الأنياب في الحالة الأولى، وقوى القاع المجتمعي والسياسي، المنزوعة السلاح والمبعثرة، في الحالة الثانية؟

 

هذه بعض التساؤلات التي يطرحها “المشروع النهضوي العربي”، وهو خطوة مهمة إلى الأمام بالمقارنة مع عقلنا العملي السائد، الذي كثيراً ما وصف حالنا، لكنه أحجم دوماً عن تبيان سبل وشروط الخروج منه، فجاء المشروع يسد هذه الثغرة، ليس من أجل أن يقفل الحوار والنقاش حولها، بل كي يبدأه من نقطة عملية، تفتح مناقشتها أبواب فكرنا على أسئلة واقعنا، علّنا نستعيد بمناقشتها قدرتنا على وعي شروط تغييره، وننطلق، أخيراً، نحو البديل المطلوب .

====================

انتخابات الكونغرس على الأبواب..أوباما في مرحلة الشلل والعجز

موقع: gulf.news

ترجمة

الأربعاء 14-7-2010م

ترجمة: حكمت فاكه

الثورة

كان اجتماع نتنياهو مع أوباما في السادس من الشهر الجاري فرصة أخرى لإنقاذ سمعة أوباما الشخصية في العالمين العربي والإسلامي، بعد أن مات على مايبدو حل الدولتين الذي أعلن التزامه به عدة مرات.والسؤال القائم حالياً هو: هل أوباما قادر على العمل حقيقة؟ بلاشك،

فقد تقلصت حريته في العمل إلى درجة كبيرة بسبب انشغاله الدائم بالحرب في أفغانستان، وعمله المستمر لكبح البرنامج النووي الإيراني، والوضع المتعثر للاقتصاد الأميركي والمطالب المستمرة لحليفه الاسرائيلي.‏

والجميع يعرف أن سياسة أوباما في الشرق الأوسط تتعرض للعرقلة والممانعة من قبل الكونغرس المؤيد بقوة لإسرائيل، ومن قبل اللوبيات القوية المؤثرة والمؤيدة لها داخل أمريكا، مثل لجنة الشؤون العامة الاسرائيلية الأمريكية- ايباك- وأيضاً الأصوات العالية المؤيدة في وسائل الاعلام، كشبكة «فوكس نيوز الاخبارية» المعتبرة من تيار المحافظين في واشنطن.‏

ومع اقتراب انتخابات التجديد النصفي في تشرين ثاني القادم، يتعين على أوباما إعطاء سبب يدعوه للتوقف قليلاً. والأمر الأكيد في هذا الإطار أن مستشاريه سيقولون له بأن الوقت الحالي ليس ملائماً للدخول في شجار عنيف مع اسرائيل وأصدقائها العديدين في أمريكا. ومن المؤكد أيضاً أن هؤلاء المستشارين قد قالوا له إذا لم يتصرف حالياً ويستدعي إدارته السياسية لمواجهة نتنياهو، فإن موضوع السلام بين العرب والاسرائيليين قد حكم عليه بالموت ومعه جميع المساعي والمحاولات التي كان ينوي القيام بها بهدف تحقيق تسوية بين أمريكا والعالم الإسلامي.‏

وفي جميع البلدان العربية والإسلامية في العالم، يكاد الخطاب المثير والحماسي الذي ألقاه أوباما في القاهرة في حزيران من العام الماضي أن يتلاشى ليحل محله نوع من زوال الغشاوة الآخذ بالتزايد والممزوج بالألم والمرارة. ففي ذلك الخطاب قال أوباما: «جئت إلى هنا من أجل بداية جديدة بين أمريكا وبين المسلمين في جهات المعمورة المختلفة.. وما أريد قوله هو إن أمريكا ليست ولن تكون اطلاقاً في حالة حرب مع الإسلام».‏

إن من يتبصر فيما قاله أوباما في ذلك الخطاب، يجد أن الواقع يكشف عن صورة مختلفة جداً. فأمريكا تحارب في أفغانستان وباكستان، سواء بشكل مباشر أم بواسطة عملاء ووكلاء في أجزاء كثيرة من العالم.‏

كل ذلك يحصل في وقت نرى فيه أن القضية الفلسطينية، وهي القضية الوحيدة التي توحد المسلمين والعرب. تواجه خطر التصفية وأكبر دليل على ذلك جولات ميتشل المكوكية غير المثمرة والتي وصل عددها الى العشرين، حيث عقد مؤخراً جولة مع القادة الإسرائيليين والفلسطينيين دون أن يحقق شيئاً وأن جهوده لن تأتي بأي نتائج حتى الآن. وبعد تلك الاجتماعات أعلن محمود عباس أنه « لم يتلق ولاحتى إشارة واحدة من نتنياهو قد تعزز إمكانية حدوث تقدم » ويجب على عباس أن يعرف أنه لن يتلقى أي إشارة، وهو صحيح ألا يعرف ذلك ؟!‏

وما حصل كان على النقيض تماماً من ذلك.‏

فقد أعلن نتنياهو أن اسرائيل ستستمر في بناء المستوطنات في تشرين أول القادم، أي بعد نهاية التجميد الجزئي لبناء المستوطنات لمدة عشرة أشهر، هذا التجميد الذي قبل به نتنياهو على مضض في تشرين ثاني الماضي.‏

وفي الوقت ذاته، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي اليميني المتطرف ليبرمان في تصريح له دعا إلى طرد ما تبقى من الفلسطينيين في اسرائيل، كما أعلن رئيس بلدية القدس، الذي ينتمي إلى الجناح اليميني عن نيته في التوسع العدواني في القدس الشرقية العربية من خلال الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وهدم منازلهم.‏

وفي الإطار ذاته، أورد تقرير - بتسليم - وهو مركز المعلومات الاسرائيلي لحقوق الفلسطينين في الأراضي المحتلة أن حوالي نصف مليون اسرائيلي يعيشون حالياً فوق الخط الأخضر، وأن مايزيد عن 300 ألف منهم يعيشون في 121 مستوطنة في الضفة الغربية وفي أكثر من مئة مستوطنة عشوائية، وأنهم يسيطرون على 42 بالمئة من مساحة الأراضي، بينما يعيش 200 ألف آخرون منهم في 12 حياً مقاماً على أرض ملحقة ببلدية القدس.‏

كما يدعو مركز «بتسليم» الاسرائيلي أيضاً إلى تجميد فعلي لأعمال البناء الجديدة والمخطط لها من قبل، وإنهاء عمليات الاستيلاء على الأراضي، و إلغاء الكثير من المنافع والحوافز التي تستخدم لتشجيع الهجرة إلى المستعمرات وإخلاء جميع المستعمرات ودفع تعويضات للمستوطنين، و لو كان أوباما فعلاً جريئاً وشجاعاً لتبنى مقترحات «بتسليم » واعتبرها مقترحاته الشخصية وأصر على قيام اسرائيل بتنفيذها، أو المخاطرة إن لم تفعل بفقدان دعم أمريكا العسكري والسياسي والمادي.‏

بلا شك، إن ذلك ضرب من الخيال الجامح، ولكن إذا أراد أوباما أن يكبح جماح المتطرفين الخطيرين من الجناح اليميني الاسرائيلي، فيتعين عليه القيام بذلك حالياً. كما أن هناك الكثير غير ذلك يجب على أوباما القيام به. فعلى الصعيد الفلسطيني من معادلة الصراع، يجب على أوباما أن يفوض مسؤولي إدارته للتفاوض مع حركة حماس لجس نبضها ومعرفة مدى استعدادها للدخول في مفاوضات فبدون إشراك حماس قد لايكون هناك أمل في التوصل لأي تسوية إسرائيلية - فلسطينية.‏

في الحقيقة، إن أمريكا مطالبة حالياً، وبإصرار على تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية لإجراء مفاوضات مباشرة مع الاسرائيليين، سواء عن طريقها أم عن طريق الأمم المتحدة.‏

لقد أكد أوباما مرات عديدة أنه يعرف جيداً أن السلام يجب ألا يكون مقتصراً على الاسرائيليين والفلسطينيين، و إنما يجب أن يكون «شاملاً » وهذا يعني أنه يجب عليه تحقيق تقدم حقيقي على المسارين السوري واللبناني أيضاً.‏

إن أوباما يمر حالياً بفترة حرجة للغاية في مرحلة رئاسته الأولى. فقد فشل فشلاً شبه كامل مع العالمين العربي والإسلامي، إذا ما قورنت أقواله وتعهداته الماضية مع تحركاته وأفعاله الحالية. ومايجب عليه هو التوقف عن الحرب في أفغانستان وباكستان، وأن يواصل السعي للدخول في حوار مع إيران، وليس المواجهة معها. كما يتعين عليه كبح جماح النزعة التوسعية الاسرائيلية، وستظهر الشهور القادمة ما إذا كان قادراً على إنجاز أي شيء من هذا القبيل، أم يبقى عاجزاً ومشلولاً أمام مطالب الحكومة اليمينية الإسرائيلية المتطرفة وخصوصاً أننا على أبواب انتخابات الكونغرس النصفية.‏

====================

إرضاء الناخبين أولاً

بقلم :صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية

7/14/2010

البيان

حقق الرئيس الأميركي باراك أوباما وضيفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، أهدافهما السياسية قصيرة الأجل، بلقائهما في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض الأسبوع الماضي. ولكن لا يبدو أنهما حققا الكثير من الانجازات الحقيقية.

 

كلاهما كان يتحرق ليري ناخبيه أن علاقاتهما الباردة أصبحت دافئة مرة أخرى، وذلك لكي يحوز على رضاهم في الانتخابات المقبلة. لذلك وقفا أمام المصورين مبتسمين لالتقاط الصور الرسمية، وتحدثا إلى الصحافيين وتناولا الغداء معا. وكان هناك الكثير من الكلام المملوء بالتفاؤل.

 

عبر الزعيمان عن الأمل في بدء مفاوضات مباشرة فلسطينية إسرائيلية، عقب مفاوضات تقريب وجهات النظر الحالية التي ترعاها واشنطن، وقبل انتهاء مدة التجميد المؤقت في سبتمبر المقبل، التي فرضتها إسرائيل على بناء المستوطنات.

 

إننا نريد أن نثق في إعلان نتانياهو بأنه «ملتزم بذلك السلام» مع الفلسطينيين، وتأكيد الرئيس أوباما على أن الزعيم الإسرائيلي «مستعد للمخاطرة من أجل السلام». غير أن نتانياهو لم يقدم أي إيضاحات بشأن ما سيفعله من أجل دفع عملية السلام قدما.

 

وعلى العكس من أوباما، فإن نتانياهو لم يتحدث علنا عن حل الدولتين، الذي سبق أن أعلن التزامه به في يونيو 2009، بضغوط من الإدارة الأميركية، وكلما تجاهل ذكره، كلما عزز الشكوك في جدية وأمانة حكومته. وقد بذل الرئيس أوباما جهودا كبيرة في ما يتعلق بمخاوف إسرائيل الأمنية وبرنامج إيران النووي.

 

ويدرك أوباما بشكل صحيح، الخطر المحدق بإسرائيل وبأميركا. وقد دفع هو ومساعدوه مجلس الأمن الدولي لتمرير الموافقة على جولة رابعة من العقوبات ضد إيران، وضغطوا على أوروبا وآخرين لتبني عقوبات أكثر تشددا ضدها.

 

أوباما سيكون عليه أن يواصل العمل بجد، لإقناع نتانياهو بأن اتفاق السلام مع الفلسطينيين مهم أيضا لأمن إسرائيل على المدى البعيد، ولقوة ديمقراطيتها ووضعها العالمي، وأنه ليس فقط شيئا عليه فعله لملاطفة واشنطن.

 

وقد وعد نتانياهو بعد لقاء البيت الأبيض، باتخاذ «خطوات محددة» لتحريك عملية السلام في الأسابيع المقبلة، «بطريقة قوية» على حد تعبيره. وربما يستطيع أن يبدأ تلك الخطوات بتمديد التجميد المؤقت للاستيطان إلى ما بعد 26 سبتمبر.

 

تحتفظ أميركا بأواصر لا تنفصم عراها مع إسرائيل، ولكن على الإسرائيليين أن يشعروا بالقلق لانحطاط سمعة إسرائيل، وللزخم الذي اكتسبته حكومة حماس، منذ قتل الكوماندوز الإسرائيليون تسعة ناشطين على متن سفينة مساعدات كانت تحاول كسر حصار غزة.

 

واتخذ نتانياهو خطوة مهمة، عندما قررت حكومته رفع القيود على معظم الصادرات إلى غزة، ما عدا تلك التي لها استخدامات عسكرية. ولكن يجب أن يمضي قدما ويسمح باستئناف الصادرات من القطاع، ومنح حرية أكبر لانتقال الأشخاص المقيمين فيه.

 

وعلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحكومته، فعل ما يتوجب عليهم أيضا، بأن يتحركوا من أجل تقليل العداء لإسرائيل، والتحضير بشكل جاد لقبول خيارات صعبة سيتطلبها تحقيق السلام في نهاية الأمر.

 

نحن نعلم أن الأمر لن يكون سهلا، لكن السيد عباس يحتاج إلى التخلي عن إصراره على أنه لن يبدأ المحادثات المباشرة، إلا بعد موافقة إسرائيل على التجميد الكامل للاستيطان. فهذا ما كان البيت الأبيض قد وعده به في الأساس، وكان تحقيقه أفضل للجميع، والمزيد من الجمود لا يغذي إلا التشدد.

 

والسبيل الوحيد لاختبار نتانياهو هو العودة إلى طاولة المفاوضات. وعلى الدول العربية فعل المزيد لتأييد الفلسطينيين ماليا وسياسيا، لتجاوز التضحيات القادمة في المستقبل. وعليهم أن يظهروا لإسرائيل رغبتهم في تحسين العلاقات، بما يتماشى وسير المفاوضات.

 

في مؤتمرهما الصحفي معا، دعا نتنياهو أوباما لزيارة إسرائيل، وقال الأخير إنه مستعد. وعلى أوباما أن يذهب ويوضح للإسرائيليين مباشرة أن من مصلحة أميركا وإسرائيل الواضحة، المضي قدما في اتفاق السلام.

====================

أردوغان وبابه العالي

بقلم :محمود حيدر

البيان

7/14/2010

لا يتفاءل الإسرائيليون كثيراً بما صنعوه بالأتراك قبالة شاطئ غزة، قبل بضعة أسابيع. فما تركته الِفعلةُ الإسرائيلية على ظهر السفينة «مرمرة»، لم يكن بالنسبة لتركيا مجرد حالة عارضة.

 

فللحدث الجلل من الآثار السياسية والأمنية والسيكولوجية، ما يجعله حفراً لمسار معاكس في موقعية تركيا شرق الأوسطية، بدأت معالمه الفعلية منذ العام 2002، لحظة وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة بزعامة رجب طيب أردوغان.

 

لو نظرنا إلى المشهد السياسي التركي منذ ذلك الوقت، لوجدنا ما لا حصر له من أسباب الكلام عن حيوية سياسية وثقافية وإيديولوجيا غير مسبوقة. ولا يحتاج هذا المشهد إلى كثير مشقة ليُستدلَّ بالوقائع على الأسباب. ولنا هنا أن نشير في هذا المجال إلى ثلاث وقائع:

 

* تحرّر تركيا الجديدة إلى حدٍّ بين، من الرومانسية الإسلاموية التي أطلقتها حقبة أربكان في التسعينيات. وهي الحقبة التي شهدت موجاً عارماً من الاضطرابات، آل على الدوام إلى رفع الشرعية عن أحزاب الحركة الإسلامية.

 

* انفتاح باب المجالسة الودودة مع جنرالات الجيش، مع التخفيف من الحذر المزمن بين الحكومة المدنية والمؤسسة العسكرية.

 

* نشوء ضربٍ من مصالحة بين الإسلام والعلمانية، ضمن صيغة تعاهد يضمنها الدستور، ولا تؤثر فيها تحيُّزات الاصطفاف الايديولوجي.

 

والذين عاينوا إحداثيات الصورة منذ بداياتها، قالوا إن الأتراك الجدد راحوا يفتتحون بهدوء زمناً جديداً لبلادهم. منهم من رأى أن من علامات الزمن الجديد، هو رأب الصدع بين زمنين تاريخيين؛ زمن العلمانية الحادة التي أقامها أتاتورك هوية ثقافية ودينية لتركيا، وزمن الهوية التاريخية الممتد إلى قرون خلت.

 

ولقد تجلى ذلك بما يشبه الطريق الثالث لمفارقة الإشكال؛ قطيعة مع علمانية جنرال الحداثة مصطفى كمال، بل إجراء الوصل بما قطعته العلمانية نفسها مع الإسلام كهوية للأمة التركية.

 

وبطبيعة الحال، لو كان الحاصل خلاف هذا «الوصل»، لما كانت حكومات أردوغان حظيت بنعمة الاستقرار على مدى ثماني سنوات متواصلة.

 

الأكيد أن النخبة التي تقود تركيا اليوم، أدركت ضرورة حفر مسار تؤسسه عقلانية الجمع والتكامل، بين الماضي العثماني والحاضر العلماني. حتى إذا انفرج المستقبل القريب عن حصيلة ما، فسيكون في الوصال الحميم بين روح الإسلام وروح الحداثة.

 

«خطبة أردوغان» حيال طائفة واسعة من القضايا، عكست بوضوح هذا الإدراك. كان له أن يجعل من المصالح القومية والمشاعر الإسلامية كينونة واحدة، وأن يستعيد أمجاد إمبراطورية عثمانية هي لدى تيارات علمانية تركية وازنة، كانت عيباً يجب التستُّر عليه، وعدم البوح به.

 

لم يكن اردوغان على سيرة هؤلاء. لقد بدا وكأنه يخالفهم الى الدرجة القصوى في خطاب الجهر والبوح، خصوصاً ما يتعلق منه بفلسطين ومقدساتها. كان له أن يغتنم فرصة لقائه مؤخراً مع الهيئة البرلمانية العليا لحزب العدالة والتنمية ليقول: «إن على إسرائيل أن تعلم أنني لست زعيم دولة عادية.. بل زعيم أحفاد العثمانيين الذين أعتز بتراثهم وجهادهم ومنجزاتهم العظمى».

 

لم يُفهم كلام اردوغان في تركيا، وفي محيطها، إلا بوصف كونه أطروحة معرفية ترفع منسوب الطموحات التركية إلى حدودها العليا. ربما لم يَرُق هذا النوع من الخطاب لكثيرين من الأتراك، ممن تربُّوا على قيم العلمانية الحادة. لكن شرائح واسعة من النخب التركية، إسلامية وغير إسلامية، وجدت تناسقاً مع ما تحمله لغة اردوغان، من رغبات لدور يتعدى قلاع الجغرافيا القومية المغلقة.

 

بعض الذين تلقوا «الخطاب الاردوغاني»، قالوا إنه طبعة جديدة منقَّحة عن الخُطَب العصماء لسلاطين بني عثمان، وهم في عزِّ نفوذهم الجيوستراتيجي المترامي الأطراف.

 

لكن هؤلاء وسواهم ممن أقاموا وزناً لدلالات اللغة التركية الجديدة، عادوا ليتساءلوا عن مدى تطابق الرغبات الاردوغانية مع القدرة على تحقيقها. وآخرون تساءلوا أيضاً عما إذا كانت رومانسية الخطاب التركي، هي مقدمة لمهمة إمبراطورية من طراز جديد.

 

واقع الحال، ليس على هذا المقدار من الطموح، وحزب العدالة والتنمية يدرك الحدود التي ينبغي التوقف عندها. صحيح أن هناك طموحات إلى دور مرجعي تستعيد فيه تركيا مكانتها الجيوسياسية في المنطقة، وصحيح أيضاً أن الشروط الموضوعية التي تفصح عنها خريطة الشرق الأوسط، تسمح بمثل هذا الدور. لكن ما هو حقيقي وواقعي أيضاً، أن طموحات الحكام الأتراك محسوبة بدقة، وهي لا تجتاز حقول التوفيق بين متناقضات القوى، وفي منطقة تكتظ بالفراغ الاستراتيجي.

 

عند هذه الدرجة من الفهم يتصرف الأتراك الجدد، وقد وضعوا من أجل ذلك ما يمكن أن نسميه بالفرضية الاستراتيجية، التي يمكن تفعيلها لتتحول إلى مسار كامل. وأما مسوِّغات هذه الفرضية فقوامها جملة حقائق:

 

 حقيقة كون مستقبل تركيا الجيوستراتيجي، تحدده الجغرافيا وطبائع الهوية الديمغرافية للسكان. ذلك يعني أن المستقر التركي هو آسيا والشرق الأوسط، وليس الغرب الأوروبي. وهو ما أشار إليه وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو في كتابه «العمق الاستراتيجي»، وأخذ به حزب العدالة والتنمية كمادة فكرية ومعرفية في إدارة سياسات الحكم.

 

 حقيقة وعي تركيا لدورها ومكانتها، بعد التحولات الأمنية الكبرى التي حصلت في المنطقة، ولا سيما مع احتلال أفغانستان والعراق ونتائج الحرب الإسرائيلية على لبنان وفلسطين.

 

 حقيقة سعي الأتراك نحو تفعيل وتمتين حضورهم الجيوستراتيجي، من خلال الدور الوسائطي لحل النزاعات، بعد الغياب المدوِّي للمرجعيات الإقليمية والدولية.

 

هذه حقائق مهمة وعالية القيمة من الناحية الاستراتيجية، لكن آليات توظيفها تبقى محكومة على الدوام بوضعيات سياسية وجيو  أمنية شديدة الحساسية، وتنطوي على قابلية الاشتعال كل حين.

 

تركيا تتحول، وإن اتخذ هذا التحول صفة البطء والحذر واللغة السياسية المصاغة بدقة. لكن سيكون للحادث التركي من المؤثرات، ما يضع حركة استقطابات الشرق الأوسط على نشأة أخرى.

باحث ورئيس تحرير «مدارات غربية»

====================

العلاقات التركية - الاسرائيلية ... من طور الى طور

الاربعاء, 14 يوليو 2010

سولي أوزيل *

الحياة

قبل حادثة قافلة «مافي مرمرة»، توقعت أن يشوب العلاقات التركية – الاسرائيلة التوتر والأزمات. فالظروف التي ولد التحالف الاسرائيلي - التركي من رحمها، احتضنت تعاونهما العسكري، انقضت. وفي 1999، بدأ الدفء يتسلل الى علاقات العداء والنزاع بين تركيا وجيرانها. ففي ذلك العام، وإثر تسليم الولايات المتحدة عبدالله أوجلان، رئيس حزب «العمال الكردستاني» الى تركيا في كينيا، تحسنت العلاقات التركية بسورية وايران. وانحسر التوتر بين اليونان وتركيا. فعلاقات تركيا مع معظم دول الجوار تحسنت يوم بلغ «حزب العدالة والتنمية» سدة الحكم. وعشية الحرب على العراق، وفرت الظروف الاقليمية فرصة انتهزتها تركيا للاضطلاع دور فاعل وبنّاء في المنطقة. فانتفت الحاجة الى التحالف مع اسرائيل. وتزامن انبعاث الدفء في علاقات تركيا وجيرانها مع فقدان المؤسسة العسكرية التركية مكانتها السياسية، وتغليب كفة المؤسسات المدنية على الحياة السياسية، وملاحقة عسكريين بتهمة الإعداد لانقلاب مزعوم، والمضي قدماً في إرساء الديموقراطية. والنظرتان التركية والإسرائيلية الى الشرق الأوسط متباينتان. فتركيا ترى أنها قوة إقليمية، وتسعى في أن تكون شريكة أميركا الأبرز في المنطقة. وترغب أنقرة في أن ينجز الشرق الاوسط اندماجاً اقتصادياً، وأن يعمه الاستقرار السياسي والسلام. وترى تركيا أن سياسات اسرائيل تعوق ارساء السلام في المنطقة. وتعارض اسرائيل رفع الحصار عن غزة، في وقت تؤيد انقرة إنهاءه وإشراك «حماس» في العملية السياسية.

وسعت أنقرة الى ابرام اتفاق سوري – إسرائيلي. ووراء غضب رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، في دافوس هو اطاحة الحرب على غزة اتفاق الوساطة مع سورية الذي بدا أنه في متناول الاتراك في أثناء زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي، ايهود أولمرت، أنقرة، قبل أيام من الهجوم الاسرائيلي.

ولم تكتف تركيا بمد اليد الى ايران، على رغم أن طهران تسعى أولاً في تقطيع الوقت، فاقترحت مناقشة قضية ترسانة إسرائيل النووية في كل المحافل الدولية. وأسهمت المساعي التركية في دعوة مؤتمر مراجعة معاهدة الحد من الانتشار اسرائيل الى السماح للمفتشين الدوليين بمراقبة مشروعها النووي. وفي وقت واجهت مشكلات في التعامل مع تل أبيب، غضت واشنطن النظر عن لهجة أردوغان العدائية ازاء اسرائيل، ودعاها الى هذا امتعاضها من الحكومة الإسرائيلية وحسبانها أن الخطاب التركي، والتقرب التركي من «حماس»، يسهمان في تقويض النفوذ الايراني في غزة والمنطقة.

وربما أرادت اسرائيل من الهجوم الاسرائيلي الاخير على سفينة «مافي مرمرة» تلقين أنقرة درساً جزاء تحديها الهيمنة الاسرائيلية في المنطقة. والدليل على ذلك تولي رئيس الدفاع الاسرائيلي، ايهود باراك، وهو مناصر العلاقات الطيبة بتركيا، الاعداد للهجوم.

ورد الحكومة التركية الخارجي، وهو لم يلقَ صدى طيباً في أوساط ثلثي الاتراك، على الاعتداء الاسرائيلي في محله. فهو أناط معالجة الازمة بالمجتمع الدولي، وطالب اسرائيل بالاعتذار. ولكن الحكومة توسلت الحادثة داخلياً في خدمة شعبيتها، وأسهمت من حيث لا تدري في تأجيج تعبئة الاسلاميين. وهؤلاء قد يأخذون الحزب الحاكم رهينة. والانقسام الاستراتيجي في المنطقة لم يعد بين العرب وغير العرب. فهل ترجع تركيا عن التحالف مع اسرائيل؟

* أستاذ العلاقات الدولية في جامعة «اسطنبول بيلجي»، عن «دايلي ستار» اللبنانية، 18/6/2010، اعداد منال نحاس

====================

الحكومة التركية تفاقم تعقيد القضية الكردية

الاربعاء, 14 يوليو 2010

جنكيز أكتار *

الحياة

بينما كانت حكومتنا تحاول تنظيم الشرق الأوسط على أسس جديدة، وتمهيد مشكلات العالم الناتئة، طرأ ما أعادنا الى الوقائع والحقائق الوطنية، وردنا اليه. وهذا مثل على علل تقيّد بلداً يعاني مشكلات داخلية، فتحول بينه وبينه التأثير خارج حدوده. ولماذا ليس في مستطاعنا مناقشة عقودنا العسكرية مع اسرائيل؟ لأن الجيش منخرط في اشتباكات مع حزب العمال الكردستاني الخارج على القانون. وبعد مضي 8 سنوات في الحكم، لا عذر يعتذر به حكامنا عن عجزهم عن الخروج من دوامة العنف. فهم يقولون: «في كل مرة تحرز فيه تركيا تقدماً حاسماً على طريق التحول بلداً كبيراً تعترضه أيدٍ قذرة». وإذا فهمنا من هذا أن القائل، وهو رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، يلمح الى القوى الخارجية، وأن القوى الخارجية قادرة على عرقلة تقدمنا، فينبغي أن نخلص الى ان تركيا ضعيفة بإزاء القوى الخارجية، وتفشل في حل مشكلاتها ومعالجتها. ويقضي فن السياسة بالحؤول بين «الكردستاني» وبيّن حمل السلاح، أو يقضي بلجم القوى الخارجية، وربما باستعمال «الكردستاني» إذا سنحت الفرصة. وشأن الحكومة في مبادراتها الإصلاحية الأخرى، انتهت المبادرة الديموقراطية في قضية الأكراد الى فراغ. ولعل السبب هو الافتقار الى نظرة تحيط بالقضية من وجوهها، من جهة، والى خبرة تقنية في المعالجة، من جهة أخرى. و «الكردستاني»، اليوم، إنما ينتهج سياسة مستقلة يتولى هو، من تلقائه، رسمها، ولا تأثير لأحد، في الخارج أو الداخل، في هذه السياسة. وينوي «الكردستاني»، على ما يبدو من كلامه على «الحكم الذاتي الديموقراطي»، المبادرة الى تشكيل حكومة ذاتية على مثال كوسوفو. وهو يعد العدة مع حزب السلم والديموقراطية الى مقاطعة الاستفتاء الدستورية. والأمران قرينة على أنه عزف عن مراعاة قوى سياسية أخرى. وأجمع كلا الطرفين على أنه لا يرى محاوراً أو شريكاً يفاوضه.

والحق أن مبادرة الحكومة الديمواقرطية عمل شجاع ولكن الحكومة أخفقت في تطويرها، على شاكلة مبادرات أخرى ديبلوماسية في عدد من الحقول الملتبسة والمعقدة. وكانت الحكومات السابقة افترضت ان القضية الكردية ناجمة عن التأخر والتعثر الاقتصاديين. ثم عدلت عن هذا الرأي، وقررت أن عليها حمل حقوق الهوية الجماعية والديموقراطية على محمل الجد. واختزلت المسألة، مرة أخرى، في صيغة تقليدية: على الدولة أن تتولى حل القضية الكردية. وعلى هذا، تركت مسألة: منْ يفاوَض، جانباً.

وتجنبت الحكومة، على رغم الانفتاح الديموقراطي، مصافحة النواب الأكراد في المجلس النيابي. وترتب على تجنب قبول النواب الأكراد ممثلين ومفاوضين الاضطرار الى التفاوض مع زعيم «الكردستاني»، عبدالله أوجلان. وقصّرت الأفعال الرمزية تجاه الأكراد عموماً عن تبرير الانفتاح الديموقراطي. وأوقفت قوى الأمن نحو 1300 موظف بلدي ومسؤول كردي، واعتقل الأولاد الذين رشقوا قوى الأمن بالحجار، وصُفد المعتقلون الأكراد السابقون العائدون من معتقل مخمول بشمال العراق وجبال قنديل الى تركيا، على خلاف وعد قُطِعَ. ولا يزال القضاء يلاحق أعضاء حزب السلم والديموقراطية وحزب المجتمع الديموقراطي.

ولعل أخطر السيروارت، وأشدها ضرراً، تلك التي تترك معلقة ولا تنجز. فهي تبعث آمالاً متعاظمة تحاول وأدها من بعد، وتمنح الأعداء والخصوم حجة يتذرعون بها الى تحميل الانفتاح الديموقراطي المسؤولية عن زيادة الأعمال العنفية. والمبادرات المعلقة كلها تتناول القضايا الوطنية القديمة: القضية الأرمينية، والقضية اليونانية، والقضية الكردية. وتعود القضايا الأساسية هذه الى نشأة الجمهورية ودوامها قرينة على عسر حلها. ولا يتمتع حزب تركي واحد بالإرادة الحازمة التي لا غنى عنها في سبيل التصدي لمعالجتها. وتنهض اللغة والأفكار التي تصاغ الحلول فيها على الجيش أو على مخارج تقود الى دوام المنازعات. وهي اللغة الغالبة على المبادرة الديموقراطية.

والتلويح الملح بلفظة «إرهاب» يجعل المسألة الكردية غامضة ومستغلقة. ف «الكردستاني» منظمة تتوسل، بين وقت وآخر، بأعمال إرهاب. ولكنه يناضل، جوهرياً، في سبيل قضية. وبلغ التباعد والجفاء، وتالياً الخطر، مبلغاً يستحيل معه الاتفاق على وقف نار من غير وساطة وسيط في حجم الولايات المتحدة. وفي موازاة السعي في وقف نار، لا غنى عن إنشاء لجان من خبراء محليين ودوليين تحل محل لجان الهواة من أجهزة الأمن. وعلى لجان الخبراء مناقشة مسائل تصنيف الأسلحة والعفو وإعادة الاعتبار وإلغاء قرارات الاستبعاد، الى مسائل السياسة المحلية والحقيقة والمصالحة والتربية والدستور، والقوانين، والنظر فيها في ضوء غاية قريبة هي الحؤول دون الاقتتال، وليس إحقاق المؤاخاة، في انتظار يوم يعيش الناس معاً.

* أحد المبادرين الى وثيقة الاعتذار الى الأرمن وموقعيها، عن «حرييات دايلي نيوز» التركية، 25/6/2010، إعداد وضاح شرارة.

====================

تركيا.. قراءة أوباما وقراءة العرب

عثمان ميرغني

7/14/2010

الشرق الاوسط

في مقابلة مع صحيفة «كورييري ديلا سيرا» الإيطالية الأسبوع الماضي وجه الرئيس الأميركي باراك أوباما اللوم إلى الاتحاد الأوروبي على أساس أن إحجامه عن قبول عضوية تركيا جعلها تبحث عن تحالفات خارج الغرب. وقال للصحيفة: إن الولايات المتحدة تعتقد أنه سيكون من الحكمة للاتحاد الأوروبي أن يقبل عضوية تركيا.

وكرر أوباما ما كان قد أشار إليه في السابق وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس من أن الصد الأوروبي سيلعب دورا في نظرة الشعب التركي لأوروبا «وفي السلوك التركي»، قائلا: «إذا لم يشعروا (الأتراك) بأنهم جزء من العائلة الأوروبية، فمن الطبيعي أن ينتهي بهم المطاف إلى البحث عن تحالفات أو انتماءات في أماكن أخرى».

وليس صعبا فهم ما يرمي إليه الرئيس الأميركي بالإشارة إلى «انتماءات في أماكن أخرى»، فواشنطن ترى في تركيا حليفا مهما ودولة تتمتع بالكثير من عناصر القوة بما في ذلك موقعها الاستراتيجي. ولذلك تريدها في خانة المعسكر الغربي، بدلا من التوجه بعلاقاتها وأنظارها نحو محيطها الإقليمي الآخر، العربي أو الإيراني. كما أن واشنطن تشجع كلا من تركيا وإسرائيل على تجاوز الأزمة بينهما وإصلاح العلاقات المتردية حتى قبل الهجوم الإسرائيلي على «أسطول الحرية».

أميركا ليست وحدها في محاولة جر تركيا بعيدا عن المنطقة وهمومها، بل إن بعض الأطراف الأوروبية بدأت أيضا تكرر كلاما شبيها، وتدعو إلى احتواء أنقرة داخل البيت الأوروبي. فوزير الخارجية الإيطالي مثلا قال إن الاتحاد الأوروبي «ارتكب خطأ دفع تركيا إلى الشرق بدل جذبها إلينا». وإسرائيل من جانبها تحاول احتواء الأزمة مع تركيا وترميم العلاقات بعد أن علت أصوات كثيرة فيها تحذر نتنياهو من خسارة الحلف مع أنقرة وجعلها تقع «في أحضان العرب وإيران».

في الجانب المقابل ماذا فعل العالم العربي إزاء توجهات تركيا نحو المنطقة؟

بدلا من استثمار الدور التركي الجديد والترحيب بالتغيير في السياسة التركية، ارتفعت أصوات كثيرة تشكك في توجهات أنقرة، وبدأ البعض يتحدث عن محاولات إعادة «النفوذ العثماني» وكأن العالم العربي لم يتغير وعجلة التاريخ لم تتحرك، بحيث إن أي استدارة تركية، وأي تحرك في اتجاه الاهتمام بقضايا المنطقة سيعني عودة «الخلافة العثمانية» وفرض هيمنة تركية.

كثيرون قالوا إن تركيا تستخدم قضايا المنطقة دعما لمصالحها، ولكي توجه رسالة للأوروبيين مفادها: «إنكم عندما تواجهوننا بالصد، فإننا سنتجه شرقا، وبشكل قد لا يعجبكم». ولكن حتى إذا كان هذا الأمر صحيحا، فما الذي يمنعنا من الاستفادة من التوجهات التركية الحالية عندما تلتقي المصالح، فالعلاقات الدولية كلها تقوم على مبدأ المصالح. وتركيا بلد له مصالحه، وليس مطلوبا منها أن تصبح بلدا عربيا لكي نقبل منها مساندتها للقضية الفلسطينية، أو قيامها بدور لتسليط الضوء على معاناة أهل غزة تحت الحصار. فنحن أساسا اعتبرنا القضية الفلسطينية قضية عربية وإسلامية، فكيف نرفض اليوم قيام بلد عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي (يرأسها حاليا البروفسور أكمل الدين إحسان أوغلي وهو تركي مولود في القاهرة) بدور أو بتحرك إزاء هذه القضية.

إن البعض يبرر ارتيابه في الدور التركي بالقول إن تركيا لديها علاقات وثيقة مع إسرائيل، وإن التعاون وثيق بين الطرفين، وإن التوتر الحالي في العلاقات بين الطرفين ظرفي. لكن هذا لا يعني أن ينبري العرب لمساعدة إسرائيل بصد تركيا ودفعها بعيدا لكي تعود إلى الحضن الإسرائيلي. واللافت أن الإسرائيليين يسعون إلى استعادة علاقاتهم الوثيقة مع تركيا على الرغم من أنهم يعتبرون رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أخطر شخصية، ويشنون عليه هجوما عنيفا، ويتهمونه بالتحريض والكراهية، فهل نلتقي معهم في الهجوم على الرجل والتشكيك في دوافعه عندما انسحب من مؤتمر دافوس بعد اشتباك مع الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس، وعندما أثار أزمة مع حكومة نتنياهو بعد الهجوم الإسرائيلي على «أسطول الحرية»؟

الارتياب في بعض الدوائر العربية من التحركات التركية الأخيرة واعتبارها محاولة للهيمنة يبدو مبالغا فيه، لأن تركيا - وإن استدارت جنوبا - لم تتخل عن حلمها وسعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو أمر يضع عليها الكثير من القيود في تحركاتها، ويفرض حتى على حزب العدالة والتنمية الحاكم أن لا يمضي بعيدا في علاقاته الإقليمية سواء مع دول أو منظمات. هذا الأمر يراه أوباما بوضوح، لذلك يدعو الأوروبيين إلى استيعاب تركيا بدلا من تركها تبتعد، ويراه أيضا الإسرائيليون، لذلك يسعون بدعم غربي إلى ترميم علاقاتهم مع أنقرة.

ومن مصلحة العرب أن يستثمروا الانعطافة الحالية في السياسة التركية، واهتمامها بالانخراط في قضايا المنطقة، بدلا من صب الانتقادات عليها، وسد الأبواب في وجهها بالتشكيك في كل خطواتها، ودفعها للبحث عن صداقات في أماكن أخرى. فتركيا تبقى دولة مهمة، واهتمامها بتنمية علاقاتها العربية يساعد في إعادة التوازنات في المنطقة بما يفيد القضايا العربية. فهناك نقاط التقاء كثيرة، ومصالح متبادلة يمكن تعزيزها، لكن المشكلة هي في حساسيتنا الزائدة، وخوفنا المفرط حتى ممن يمد يده دعما لقضايانا.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ