ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 21/07/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


آن أوان تغيير عقلية الحصار

الإيكونوميست

ترجمة

الثلاثاء 20-7-2010م

ترجمة: أمل سليمان معروف

الثورة

كان الهجوم الإسرائيلي على سفينة تحمل إمدادات إنسانية تحاول كسر الحصار المفروض على غزة مثيراً للغضب بحق، قد تكون ملابسات الغارة غير واضحة وربما لايتغير الأمر رغم التحقيق،

لكن الانطباع الذي تركه الحدث لدى العالم الذي يقف مراقباً هو أن إسرائيل تلجأ إلى العنف بسهولة كبيرة، إن أكثر ما يثير قلق إسرائيل هو تزايد عزلتها، فإسرائيل التي أثارت الإعجاب يوماً في الغرب كدولة يهودية شجاعة وسط مجموعة من عمالقة عرب، تبدو اليوم دولة خرقاء.‏

وللمعنيين في إسرائيل، فإنه ينبغي لهذه المأساة أن تكون نقطة انطلاق لأعمق الأسئلة، حول الحصار، وحول عزلة الدولة اليهودية المتزايدة وحول الطريق إلى السلام.‏

إن الحصار المفروض على غزة قاس وفاشل، فقد عانى سكان قطاع غزة بشدة جراء التجويع لحملهم على الخضوع، لم تختنق حماس ولم يتم خلعها، كما رغبت الحكومات الإسرائيلية (وكثير غيرها) لم يطلق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.‏

وزاد من سوء الحال من وجهة نظر إسرائيل، تغذية الكراهية تجاهها ليس فقط في العالمين العربي والإسلامي، بل في أوروبا أيضاً، كان لإسرائيل علاقات دافئة مع حلقة من دول غير عربية في المنطقة المجاورة، بما في ذلك تركيا، وأدى تدهور العلاقات بين إسرائيل وتركيا، التي كان سبعة من مواطنيها من بين القتلى التسعة إلى حرمان إسرائيل من حليف مسلم نادر ووسيط.‏

لاتزال الولايات المتحدة أكثر تعاطفاً مع الإسرائيليين منها مع الفلسطينيين، لكن أصواتاً متزايدة، وخاصة من الديمقراطيين، بما في ذلك العديد من الليبراليين اليهود، والذين سئموا دعم أميركا لإسرائيل، وخصوصاً لحكومتها المتشددة برئاسة بنيامين نتنياهو، وقد اتسعت فجوة التعاطف مع إسرائيل بين الديمقراطيين والجمهوريين، فمازال المحافظون يميلون لتأييد إسرائيل في جميع الأحوال، في حين يعي باراك أوباما أن فشل الفلسطينيين في الحصول على دولة يساعد في انتشار السم المناهض للولايات المتحدة في أنحاء العالم الإسلامي ، ما يجعل من الصعب عليه التعامل مع إيران والعراق وأفغانستان، الأمر الذي يجعل إسرائيل تبدو عبئاً يزداد ثقله على الولايات المتحدة، وقد أدى ذلك بالجمهوريين الأميركيين المتشددين، فضلاً عن العديد من الإسرائيليين إلى توجيه تهمة إلى أوباما حول عزمه على خيانة إسرائيل، فقد أدان بناء المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية بصراحة أكثر مما فعل أسلافه، لأنه يعتبر بحق أنها تجعل من الصعب التفاوض على اتفاق سلام، غير أن صرامة أوباما تجاه إسرائيل هي لخير الجميع بما في ذلك إسرائيل.‏

لقد احتجزت إسرائيل في حلقة مفرغة، كلما اعتقد صقورها أن العالم الخارجي سيكرهها دائماً، وكلما كانت تميل إلى إطلاق النار على المعارضين أولاً وطرح الأسئلة في وقت لاحق، وجدت أن العالم في الواقع يمتلئ بالأعداء، وإن كان نتنياهو وافق على مضض على تجميد بناء المستوطنات والتفاوض مع الفلسطينيين بشكل غير مباشر، فإنه لايعطي انطباعاً أنه على استعداد لتقديم تنازلات لمصلحة السلام.‏

====================

الحلول .. فينا..

الافتتاحية

الثلاثاء 20-7-2010م

بقلم رئيس التحرير أسعد عبود

الثورة

في قضايا الأوطان والأمم، لايكون الخطأ في تقاسم الكعكة لخدمة مصالح غير عامة فقط، بل الخطأ أصلاً في فكرة الكعكة.. هنا لا كعكة ولا تقطيع.. ولا حصص، هنا مصالح أمم وشعوب تحتاج إلى من يدركها، ويضعها في رأس قائمة الأولويات.. والزمن متحدٍ خطير لا يرحم.

الخطوة الأكبر اليوم في شأن الأوطان والأمم في منطقتنا.. هي في العودة لدمشق.. ولو كانت كلمة دمشق هي الفاعلة منذ البدء، لما وصلت الأمور إلى أي تأزم في أي من جنبات المنطقة.‏

المهم الآن .. عودة الأمل.. والتوجه في المنطقة «لتأتي حلول مشكلاتها من دولها، وليس من الخارج».‏

هذه الغاية المعلنة منذ سنوات، لاسيما من سورية وتركيا.. تشكل أعرض بوابة لكل الحلول الممكنة.. هي قضايانا.. ونحن أصحابها.. نستطيع أن نتحاور دون حدود أو قيود.. ونصل إلى التوافق دون أي التباس.‏

الأفكار مجسدة حقائق عن الأرض..‏

العلاقات السورية التركية..‏

العلاقات السورية اللبنانية..‏

بل كل علاقات سورية مع دول المنطقة.. وعلاقات دول المنطقة ببعضها بعضاً التي ساهمت في تنميتها سورية.. كل هذه العلاقات تعجز أي قوة خارجية عن وضع أساس - ولو نظري - لها.‏

وهاهي الحقائق أمامنا..‏

ها هو العجز الأميركي يترك للعراق خياراً واحداً لاثاني له.. أن يتفاهم العراقيون على وحدتهم الوطنية وحكومتهم الممثلة لمصالح العراق.. أن يلجؤوا إلى دول منطقتهم لخلق حالة انسجام بين تطوير الداخل العراقي.. وتطوير علاقاته بالخارج.‏

ها هو العجز الأميركي يقدم للفلسطينيين سيناتوراً شيخاً يروح ويجيء بخفي حنين.. حتى أصبح هو نفسه يصرخ: تصالحوا أيها الفلسطينيون.‏

وخاض لبنان تجربته وخرج من مأزقه يوم اتجه اللبنانيون إلى لبنان.. واتجه لبنان إلى دول المنطقة.‏

لسنا نحن اليوم الذين نمنع الخارج عن التدخل بشؤوننا الداخلية.. بل هو هذا الخارج يعلن عجزه دون مواربة عن تقديم أي حل..‏

بل كثيراً مايبدو -هذا الخارج- متحسباً رافضاً أن تصل دول المنطقة.. والدول النامية عموماً.. لإيجاد حلول لمشكلاتها..‏

هكذا كان موقفهم من الاتفاق التركي الإيراني البرازيلي.. وهكذا كان جهدهم في لبنان وفلسطين والعراق.‏

في يوم مرصود للطموح والتفاهم والعمل المشترك.. وقعت سورية ولبنان 18 اتفاقية.‏

قولوا لي: من هي القوة في العالم القادرة أن ترسم لبلدين هذا الطموح العملي في يوم واحد.‏

نحن نملك أوراقنا.. وحلول قضايانا.‏

نحن.. سورية.. لبنان.. العراق.. تركيا.. كلنا..‏

إن ماشهدته دمشق أمس وأمس الأول ودائماً.. كافٍ لإقناع كل النيات الطيبة بأن مصالح البلدان والشعوب ليست كعكة نتقاسمها.. وأن فينا حلول قضايانا.. وأنها دمشق التي كانت دائماً ضمير هذا التوجه.‏

رسالة إلى كل القوى في المنطقة: منكم وبكم وعبركم الحل وليس في أي مكان آخر في العالم.. فتنازلوا عن شهية الكعكة.‏

====================

النقاب من جديد

بقلم :مريم سالم

البيان

20-7-2010

من فرنسا إلى إيطاليا وصولاً إلى بريطانيا، ومعركة ارتداء النقاب لا تزال متأججة بين الرفض والقبول، وإذا كان في بريطانيا حالياً من يحاول أن يمنع ارتداء النقاب في الأماكن العامة، فإن فرنسا قد حزمت أمرها ومنعته.

 

وقد حظي مشروع القانون الفرنسي في قراءته الأولى ب335 صوتاً، ومعارضة صوت واحد، وامتناع نواب الحزب الاشتراكي عن التصويت، واعتبرت وزيرة العدل الفرنسية أن التصويت لمصلحة مشروع قانون حظر ارتداء النقاب.

 

يمثل نجاحاً للديمقراطية وللقيم التي تمثلها الجمهورية الفرنسية، من حرية ومساواة بين الرجال والنساء والإخاء والقدرة على العيش معاً في مجتمع واحد.

 

ويبدو أن النقاب في الغرب بشكل عام، لا يمثل قمة الحرية الشخصية كما نفهمها، بقدر ما يخدش حياء البعض ويجرح كرامتهم وينهي على حريتهم، في حين أن التفسخ الأخلاقي وارتداء «البكيني» والملابس الساخنة في الأماكن العامة.. يعد أمراً مقبولًا جداً، حتى في بعض دولنا العربية والإسلامية!

 

ولعل قضية النقاب تنسحب على كثير من الرموز الدينية، التي أصبحت مدانة وملاحقة وتطلب قمعها وضع التشريعات واستنفار جهود البرلمانات لمنعها وتجريمها.

 

ومنذ أن قامت فرنسا قبل سنوات بمنع ارتداء الحجاب في الأماكن الرسمية مثل المدارس والجامعات، فإن خطوتها في منع النقاب كانت متوقعة، وقد تبعتها إيطاليا التي أصدرت بلدياتها المحلية قراراً مماثلًا، وذلك بعد أن أظهرت استطلاعات الرأي العام أن نحو 71 في المائة من الإيطاليين، بمختلف فئاتهم العمرية ودياناتهم، يؤيدون فرض حظر على النقاب والبرقع في إيطاليا، بعيداً عن أي اعتبارات دينية.

 

وبهذا القرار تتم حالياً ملاحقة أية امرأة ترتدي النقاب، وتغريمها 500 يورو إذا ما ضبطت متلبسة بجرم ارتدائه، ويمكن أن نتخيل كم الإهانة التي يمكن أن تتعرض لها هذه المرأة من جراء تغطية وجهها.

 

وإذا كان هذا الفعل قد يؤذي مشاعر المسلمات المنقبات المهاجرات في هذه الدول، فإن العيون الآن تتجه أيضاً إلى السائحات العربيات اللاتي تكتظ بهن شوارع باريس وروما في فصل الصيف، وتتجه فرنسا إلى ملاحقة هؤلاء النسوة كذلك، فقرار المنع يسري على جميع النساء على الأراضي الفرنسية والايطالية.

 

ولكن التساؤل الذي يفرض نفسه، هو: لماذا هذا التحامل الشديد على النقاب بشكل خاص؟ ولماذا وجد البعض نفسه مغتبطاً بهذه الخطوة، بينما تدور في الخفاء والعلن معارك طاحنة بين المسلمين أنفسهم، بين مؤيد ومعارض لفكرة النقاب، جعلت التساؤلات كبيرة ومفصلية في قضية لم يحسمها علماء الدين حتى هذه اللحظة؟!

 

فبينما المرحوم محمد سيد الطنطاوي شيخ الأزهر السابق قد اعتبر النقاب عادة وليس عبادة، فإن بعض علماء الدين في باقي الدول الإسلامية يصرون على أنه جزء لا يتجزأ من اللباس الشرعي للمرأة المسلمة.

 

وهذا الخلاف أدى ويؤدي إلى انتكاسات على صعيد قبول وجهة النظر الأخرى، وصل بعضها إلى حد التكفير، وأطلق البعض السهام ضد من يتعرض لموضوع النقاب بالنقاش، أو حتى يفكر في ذلك، ويلاحق البعض بتهمة الارتداد، لدرجة أن بعض المسلمين ممن لا يفهم من الإسلام إلا القشور.

 

انبرى مع القطيع يكفر هذا ويتهم ذاك في دينه، علناً ومن على منابر الصحافة والإعلام، وأخذت بعضهم العزة بالإثم فراح يقذف الآخرين في عرضهم ويكيل لهم السباب، فقط لأن الخلاف في قضية النقاب ترك الباب موارباً ولم يقفله «بالضبة والمفتاح».

 

إن ما يفهم من قضية النقاب هو أن هذه الدول قد اتخذت قراراتها بناء على أغلبية برلمانية، ولم تقم بذلك عبطاً أو قسراً، ولذلك علينا نحن المسلمين أن نحترم هذه القرارات، بغض النظر عن مدى تأثرنا بها أو عدمه، بل يجب أن نتعلم من دروسهم المجانية في مجال المحافظة على موضوع الحريات وكرامة الإنسان، ونوظفها في دولنا.

 

بحيث نمنع الشطحات اللاأخلاقية التي بدأت تنتهك حرمة الدين ومشاعر الناس، وخاصة من قبل البعض الذين لا يميزون بين الحرية المطلقة في بلدانهم، وبين احترام القيم والمبادئ الإسلامية في بلداننا، والذين من أسف يلاقون الاحترام والتبجيل من بعضنا الذي لا يزال يحمل بذور العبودية للنموذج الغربي، والذي يخجل من المجاهرة بقيمه الإسلامية السامية، بل ويتنصل منها بتقليد النموذج المبهر ومسايرته.

 

لذا قد نجد تفسيراً لدفاع الفرنسيين والطليان والانجليز عن موضوع منع النقاب، ولكن لا مبرر للتهاون الذي بدأنا نغص به ونحن نعيش غربة الهوية الإسلامية في بلداننا التي يجتاحها الغريب، دون أن توضع له القيود ويلاحق كالمرأة المنقبة التي تغرّم وتهان.

 

إن الإحساس بالظلم وبالازدراء الذي يراود المرأة المنقبة في هذه البلدان، يجعل التسامح الديني الذي تتشدق به هذه الحكومات مجرد خطابات فارغة، لذا فالمنقبة الراغبة في قضاء عطلتها في ربوع الريف الفرنسي، عليها أن تراجع حساباتها وتختار بين النقاب الذي هو عادة من وجهة نظر مؤسسة الأزهر، وتسوّغ رحلتها إلى هذه الأماكن، أو تختار وجهة أخرى تتقبل حجابها ونقابها.

 

ولعل الأميركان في هذا الاتجاه ظهروا أكثر تفهماً لمعنى اللباس الشرعي للمرأة المسلمة، فإدارة أوباما لا تعتقد بوجوب سن قوانين حول ما يحق أو لا يحق للناس أن يرتدوه استناداً إلى معتقداتهم الدينية، وذلك تعليقاً على قرار منع النقاب في فرنسا.

 

وربما تحاول أميركا أن تدرأ عن نفسها تهمة طالما لاحقتها، وخاصة في ازدرائها وعنصريتها تجاه المسلمين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.حتى اللحظة الكرة تظل في ملعب المرأة المنقبة، فهل لها الحرية في الخيار؟!

كاتبة إماراتية

====================

الإرهاب ذريعة أكثر منه حقيقة

آخر تحديث:الثلاثاء ,20/07/2010

الخليج

غسان العزي

في استراتيجية الأمن القومي الجديدة تخلى الرئيس أوباما عن “الحرب العالمية على الإرهاب” التي أطلقها سلفه بوش، لأنه، بكل بساطة، غير قادر على الاستمرار في هذه الكذبة . فالإرهاب، وهو موجود منذ غابر التاريخ، لا يبرر أبداً حروباً دولية واستراتيجيات أمن قومي، وكما يقول زبيغنيو بريجنسكي “الإرهاب هو تكتيك وليس عدواً” .

 

وتدل الأرقام على نسبية التهديد الإرهابي، فبحسب وزارة الدفاع الأمريكية تم إحصاء نحو 14 ألف هجوم إرهابي قتل 20،000 مدني في العالم عام ،2006 في مقابل 11 ألف هجوم في العالم سنة ،2005 هذه الأرقام مؤسفة بالطبع، لكنها تبقى منخفضة لدى مقارنتها بأسباب أخرى للموت . فالإحصاءات تشير إلى أن عدد الذين يموتون بفعل الإرهاب في العالم في عام واحد، يساوي عدد الأطفال الذين يقضون في اثنتي عشرة ساعة فقط، ولأسباب من الممكن تفاديها، وبحسب الأمم المتحدة يفتك مرض الإيدز كل 3 أيام بعدد من الناس يساوي عدد ضحايا الإرهاب في 3 سنوات .

 

ودوماً بحسب وزارة الخارجية الأمريكية، فإن ثلثي ضحايا الإرهاب العشرين ألفاً في العام ،2006 قضوا في العراق . بمعنى آخر قضى14000 نحبهم بفعل وضع ناتج عن الغزو الأمريكي للعراق في العام ،2003 وهذا ما يخفض عدد ضحايا الإرهاب، خارج العراق، إلى 6 آلاف شخص . والأكثر من ذلك فإن معظم قتلى وجرحى الإرهاب ليسوا أمريكيين . في العام 2005 قضى 56 مدنياً أمريكياً بفعل الإرهاب، وهذا العدد انخفض إلى النصف(28) في العام 2006 معظمهم قضوا في العراق . وفي المحصلة لم يتعد عدد ضحايا الإرهاب من الأمريكيين خارج العراق “الدزينة” الواحدة في العام ،2006 ومع التأكيد أنه ينبغي شجب الإرهاب ومحاربته فإن هذا العدد لا يبرر مطلقاً إعادة صياغة نظامي الأمن الأمريكي والدولي والعلاقات الدولية برمتها، ولا مئات المليارات من الدولارات التي تم إنفاقها، ولا رفع ميزانية الدفاع الأمريكية إلى 481 مليار دولار في العام 2008 أي 66 في المائة زيادة على ما كانت عليه في العام ،2002 وأكثر بكثير مما كانت عليه في عز الحرب الباردة وتحت رئاسة رونالد ريغان في العام 1985 .

 

حتى في العام 2001 عندما اقترب عدد ضحايا الإرهاب في 11 سبتمبر من ثلاثة آلاف، فإن خمسة عشر ضعف هذا الرقم قضوا في حوادث سير في الولايات المتحدة، وستة أضعافه قضوا اغتيالاً في جرائم فردية، عدا أولئك الذين قضوا غرقاً أو في حريق . وعلى رغم ذلك، فإن أياً من هذه الأسباب لم يتطلب تغييراً في سياسات أو استراتيجيات مكافحة كتلك التي تطلبها الإرهاب . هذا الأخير لا يمكن له أبداً أن يهدد وجود الولايات المتحدة نفسه أو اقتصادها، ما خلا، بالطبع، سيناريو رعب يتمثل بهجمات نووية إرهابية منظمة . وليس هناك من سبب واحد يدعو إلى الاعتقاد أن ما يسمونه ب”الإرهاب الإسلامي” يشكل تهديداً شبيهاً بالتهديد الذي شكلته النازية أو الشيوعية أو الطموحات الإمبراطورية اليابانية .

 

بحسب تقرير لجنة الكونغرس حول تفجيرات 11 سبتمبر، فإن موازنة تنظيم القاعدة السنوية تبلغ ثلاثين مليون دولار، وهذا لا يزيد على ثمن طائرة هليكوبتر أمريكية واحدة من نوع شينوك، أو ما ينفقه الجيش الأمريكي في العراق في أربع ساعات فقط . هذا لا يعني أن تنظيم القاعدة تعوزه الأموال التي ينفقها بطريقة، على الأرجح، أكثر فعالية مما يفعل الأمريكيون، لكنه يعني أن قدراته محدودة رغم كل شيء . هذا التنظيم عاش على المبالغة الإعلامية المقصودة في تقدير قدراته وبنيته التنظيمية والتهديد الذي يمثله لا سيما على طريقة العيش الأمريكية . السبب سياسي بالطبع ويهدف إلى تبرير أفعال وإنفاقات واستراتيجيات، على سبيل المثال تسببت تفجيرات 11 سبتمبر بخسارة 16 مليار دولار نتيجة التدمير العقاري الذي لحق بمانهاتن . أما رد الفعل على هذه التفجيرات، وبحسب التقديرات نفسها، فقد كلف تريليون دولار وحياة أكثر من 4 آلاف جندي أمريكي، ومئات الآلاف من العراقيين والأفغان .

 

لقد بالغت إدارة بوش في تقدير التهديد الإرهابي فقط، لأن مصالح الزمرة العسكرية الصناعية النفطية تطلبت ذلك في وقت كان يحتل فيه البيت الأبيض رئيس تعوزه الكفاءة والتبصر، وفريق يملك أفكاراً عن الشرق الأوسط قرأها في كتاب أعتى المتطرفين “الإسرائيليين” . هذه الإدارة استخدمت “إرهاب” الجماعات لتبرير إهاب الدولة الذي مارسته في غير مكان، وبررت لحليفها “الإسرائيلي” ممارسته الدائمة المستمرة للإرهاب المنظم الممنهج منذ عشية زرعه في قلب المنطقة العربية إلى اليوم . وما وسمه الأمريكيون و”الإسرائيليون” بالإرهاب لم يكن إلا مقاومة للاحتلال تشرّعه قوانين السماء والأرض .

 

وماذا عن إرهاب الدول؟ من هيروشيما وناكازاكي العام 1945 إلى العراق ،2003 ومن دير ياسين العام 1948 إلى غزة في العام الماضي، فمن يحاسب من؟ ومن يحاكم من؟ اللهم إلا محكمة التاريخ؟

====================

أوباما ونتنياهو ودفء العلاقة المتجدّد

آخر تحديث:الثلاثاء ,20/07/2010

فايز رشيد

الخليج

تضاربت التحليلات السياسية حول تقييم نتائج زيارة نتنياهو إلى واشنطن بين من اعتبرها استمراراً (للأزمة) بين الزعيمين والبلدين، ومن رأى فيها تجاوزاً لسوء فهم سابق نشأ بينهما في زيارة رئيس الوزراء “الإسرائيلي” ما قبل الأخيرة في إبريل/نيسان الماضي إلى الولايات المتحدة، نتيجة لسلوكياته حول استمرار الاستيطان وحول التسوية بشكل عام .

 

أصحاب الرأي الأول (المتشائم) اعتمدوا فيما قالوه ووصلوا إليه على أن أوباما أفهم نتنياهو إصراره على قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب “إسرائيل”، وهو ما حرص على تأكيده في اتصاله الهاتفي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد انتهاء الزيارة لإبلاغه فحوى المحادثات التي جرت بينه وبين نتنياهو .

 

وبغض النظر عن النظرة التشاؤمية أو التفاؤلية التي يجري تحليل الزيارة بها، لكن من الوهم الاعتقاد بوجود(أزمة) بين الرجلين وبين بلديهما . قد تتعرض علاقاتهما إلى تعارض ولكنه الثانوي، الذي لا يؤثر في الروابط الاستراتيجية التحالفية بين البلدين . أما من حيث تأكيد أوباما حرصه على إقامة الدولة العتيدة للرئيس عباس فهذا يدخل في باب العلاقات العامة التي لا تكلف صاحبها كثيراً، فمن قبل أوباما حرص الرئيسان كلينتون وبوش(كلٌ في ولايتيه) على تأكيد حرص كل منهما على إقامة الدولة الفلسطينية، لكن مضى الرئيسان ولم تقم الدولة، وسيذهب أوباما قبل قيامها أيضاً .

 

من زاوية ثانية، فإن تقييم الزيارة بموضوعية شديدة يخلص إلى مايلي: الرئيس أوباما هذه المرّة استقبل نتنياهو بحفاوة شديدة ، أدار معه مباحثات استغرقت ساعتين بدلاً من ساعة مقررة وفق البرنامج . وعقد معه مؤتمراً صحافياً مشتركاً، وتناولا طعام الغداء في أجواء ودية، والأهم ما قاله الرئيس الأمريكي لضيفه: هنأه لقيامه بما أسماه (تخفيف الحصار) على قطاع غزّة (مع أن الحصار ما زال موجوداً) وأقرّ بالتهديدات الأمنية التي تواجهها “إسرائيل” وتفهمها وأبدى تضامنه الشديد معها، ووصف نتنياهو بالقائد السياسي المحنّك ورجل السلام، وأكد استمرار ضغوط الولايات المتحدة على إيران بشأن موضوعها النووي، وغير ذلك من التطمينات .

 

على صعيدٍ آخر، وفي مقابلة مع القناة الثانية في التلفزيون “الإسرائيلي”، أجرتها معه ليونيت ليفي، وفقاً لما أوردته صحيفة يديعوت أحرونوت، وصف أوباما المشروع الصهيوني (بأنه مصدر هائل للأمل للإنسانية كلها) ووفقاً للكاتب سيفر بلوتسكر الذي كتب في نفس الصحيفة عن اللقاء قائلاً: (يرتكب محللون كثيرون في “إسرائيل” والولايات المتحدة وفي العالم خطأ جسيماً في فهم العلاقات بين الرجلين، فهما ليسا خصمين، بل شريكان في الدرب وفي السر، فأوباما هو الأمل الأكبر لنتنياهو، والأخير هو الأمل الكبير لأوباما) .

 

أما المعلق السياسي آلوف بين، فكتب في هآرتس قائلاً: (يفهم أوباما ومساعدوه أنهم ملزمون بالعمل مع نتنياهو وتأييده وهذا ما يؤثر في أسلوب التعامل معه والانتقال من الضغوط إلى المداعبات) .

 

أما يوئيل ماركوس فكتب قائلاً في نفس الصحيفة: (يفهم أوباما جيداً ما أشارت إليه صحيفة الواشنطن بوست بأن فوق البيت الأبيض وإلى جانب العلم الأمريكي هناك علم آخر يرفرف وهو العلم الأبيض- في إشارة إلى استسلام أوباما أمام نتنياهو) .

 

وفي السياق نفسه كشف تقرير أمريكي أن منظمات وجمعيات يهودية ومسيحية أمريكية تسهم في تمويل النشاط الاستيطاني، فوفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، فإن وزارة المالية الأمريكية بإعفائها تلك الجمعيات والمنظمات من الضرائب على الأموال التي تجمعها في الولايات المتحدة، إنما تُسهم بالفعل في تمويل الاستيطان . . . . واستأنفت الصحيفة قائلة إنها دققت في سجلات عامة في الولايات المتحدة و”إسرائيل” ووجدت أن 40 مجموعة أمريكية على الأقل جمعت أكثر من 200 مليون دولار من التبرعات المعفاة من الضرائب للمستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، في السنوات العشر الماضية .

 

المقصود القول: إن الولايات المتحدة تشكل فعلياً مصدراً مالياً ومعنوياً للاستيطان الصهيوني في الأراضي المحتلة، وبالتالي فإن الدعوات الرسمية الأمريكية لوقف الاستيطان تدخل في باب العلاقات العامة، والتي لا تكلفها شيئاً، سوى أن بعض المتفائلين الذين راهنوا على الرئيس أوباما وما يزالون، يعتقدون بأنه من سيوقف الاستيطان وبأنه من سيقيم الدولة الفلسطينية العتيدة، ناسين أو متناسين حقائق الجغرافية والتاريخ والعلاقات المصلحية التحالفية الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، والتي لا تتأثر حُكماً بهذا الرئيس أو ذاك في واشنطن، ولا بمن يشكل الحكومة في تل أبيب . . . لا الآن، ولا مستقبلاً .

====================

حصاد صفري من جولات ميتشل المكوكية

الثلاثاء, 20 يوليو 2010

علي بدوان *

الحياة

بدت الأجواء السياسية المخيمة على مسار المفاوضات غير المباشرة أو مفاوضات التقريب بين الفلسطينيين وإسرائيل تنبئ بالمآلات السلبية التي انتهت إليها حتى الآن الجولات المكوكية للمبعوث الأميركي السيناتور جورج ميتشل، الذي بدأ جولة مكوكية جديدة من المحادثات التي باتت تقترب من نهاية فترتها الزمنية المفترضة من دون إحراز أي تقدم بفعل سلسلة المناورات التي تقوم بها حكومة نتانياهو، بهدف اغراق المفاوضات في تفاصيل لا علاقة لها بجوهر العملية التفاوضية، وتجنب البحث في القضايا الأساسية.

لقد عملت حكومة نتانياهو طوال الشهرين الماضيين من عمر «مفاوضات التقريب» على طرح تفاصيل من شأنها أن تغلق طريق الحل السياسي الحقيقي بسلسلة من الممارسات الأمنية والاستيطانية والسياسية على الأرض، وإقفال فرص الانتقال من محادثات التقريب إلى المفاوضات المباشرة التي تنادي بها حكومة نتنياهو ليلاً ونهاراً.

كما عملت حكومة نتانياهو على طرح أولوياتها والتركيز عليها، كالعلاقات الاقتصادية الفلسطينية - الإسرائيلية، إضافة الى المياه والمطالب الأمنية الإسرائيلية المتعلقة بالتنسيق المشترك الذي تسعى الى توطيد أسسه كما تريد. وعملت على اتخاذ خطوات استفزازية استيطانية تهويدية في مدينة القدس، واستتبعت ذلك بقرارها الجائر بطرد أربعة نواب مقدسيين، كما جددت طرح فكرة التبادل السكاني مع السلطة الفلسطينية، ونقل أراض فارغة من السكان في النقب ومناطق مأهولة بالسكان في المثلث إلى السلطة الفلسطينية عوضاً عن المستوطنات والقدس التي ستؤول الى السيادة الإسرائيلية وفق المنظور التفاوضي لحكومة نتانياهو. وبالطبع مع تجنب تقديم مواقف واضحة في شأن حدود الدولة الفلسطينية باعتبارها العنوان الأساس للعملية التفاوضية المرجوة وفق مرجعية الشرعية الدولية وجهود التسوية السياسية.

وعليه، فإن جولة المبعوث الأميركي جورج ميتشل الحالية لن تستطيع ان تكسر الجليد المتجمد في مسار المفاوضات غير المباشرة من دون موقف أميركي جدي ينتقل من لعب دور «الوسيط الظاهري» باتجاه موقف الراعي النزيه للعملية التفاوضية.

وفي التفاصيل، فإن مصادر فلسطينية ذات صدقية عالية ذكرت أن ديفيد هيل قدم منذ شهرين رؤية الولايات المتحدة للمفاوضات غير المباشرة بحسب الصيغة التي أتى بها ميتشل قبل أسابيع، والتي يفترض أن تستمر ما بين ثلاثة إلى أربعة شهور ل «تقريب وجهات النظر حيال أمور جوهرية»، ومساعدة الطرفين على الانخراط في محادثات حيال قضايا جوهرية، وليس على «شكليات المحادثات كما حدث سابقاً».

وفي المعلومات أيضاً ان ميتشل اقترح خمس نقاط لبناء الثقة على الأرض، منها: الإفراج عن أسرى فلسطينيين على دفعات، وقف اقتحام المدن الفلسطينية، أي العودة إلى حال قريب مما كانت عليه الأمور قبل أيلول (سبتمبر) 2000 عندما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، والانتقال الى البحث في قضايا الحل النهائي، بدءاً بترسيم حدود الدولة الفلسطينية، على أمل أن يؤدي ذلك ضمنياً الى وقف عمليات الاستيطان، لتبدأ بعدها محادثات سياسية مباشرة، تفضي إلى قيام دولة مستقلة مع نهاية فترة ولاية اوباما أواخر 2012، وفق رؤيته ووعده بإقامة دولة فلسطينية مستقلة متواصلة جغرافياً وقابلة للحياة، تعيش بجانب إسرائيل مع «تبادل أراض محدود ومتساو في المساحة والأهمية».

ومن المعروف ان «المفاوضات غير المباشرة» هي اقتراح أميركي صرف، بل سماها البعض في الإدارة الأميركية «مفاوضات التقارب»، ولمدة أربعة أشهر بوجود وسيط أميركي، تبدأ بعدها «مفاوضات مباشرة بين الطرفين محددة بسقف زمني وبآليات تنفيذ متفق عليها»، وهو ما اعتبره غالبية المراقبين بمثابة محاولة للهروب من مطلب وقف عمليات الاستيطان والتهويد، وهو ما حصل عملياً.

فالمفاوضات غير المباشرة، وبالشروط التي وضعت من الطرف الأميركي، جعلت الطرف الفلسطيني أضعف حتى مما كان عليه الحال في المفاوضات المباشرة، خصوصاً مع غياب الأطراف الدولية المؤثرة عن متابعة ما يدور داخلها وفي كواليسها. فالمفاوضات غير المباشرة المطروحة الآن، توفر غطاء تكتيكياً يخدم الهدف الاستراتيجي للطرف المعادي في ظل غياب الخيارات المجدية من جانب العرب والفلسطينيين.

ومن هنا، فإن الرد الفلسطيني المطلوب على الرؤية الأميركية - الإسرائيلية سواء المطروحة على طاولة المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة، يفترض به السير باتجاه إعادة صياغة المشروع الوطني، وما تحمله تلك الصياغة من رد على كل ما تتعرض له القضية الفلسطينية، وبما تتطلبه من عودة الى الثوابت والمنطلقات التي حكمت انطلاقة الحركة الوطنية الفلسطينية في بواكير مواجهتها للاستعمار الاستيطاني للأرض الفلسطينية، وبالتالي العودة لبناء الوحدة الوطنية باعتبارها شرطاً لا بد منه لانتصار المشروع الوطني الفلسطيني.

* كاتب فلسطيني

====================

في مديح العدالة

علاء الاسواني

السفير

20-7-2010

هذه مقارنة تستحق التأمل:

الضباط الذين يتورطون في تعذيب المعتقلين يعيشون في خوف دائم، يستعمل بعضهم أسماء مستعارة ويتنقل بعضهم بين أكثر من مسكن وفي كل الأحوال يحيطون أنفسهم بحراسة مكثفة، لأنهم يدركون أنه في أية لحظة قد يبرز أحد ضحاياهم لينتقم لشرفه وكرامته.. بالمقابل، فإن القاضي في محكمة الجنايات كثيرا ما يحكم بإعدام أحد المتهمين، ثم ينصرف بعد ذلك الى بيته آمنا بغير حراسة. بل إن أهل المتهم المحكوم بالإعدام يستقبلون الحكم بالصراخ والعويل لكن فجيعتهم في قريبهم الذي سيموت، لا تتحول أبدا الى غضب على القاضي الذي حكم بموته... السؤال هنا: لماذا يخاف الضابط الذي مارس التعذيب من انتقام الضحايا، بينما القاضي الذي حكم بالإعدام لا يتطرق الى ذهنه أبدا أن أهل المتهم سينتقمون منه؟ الإجابة أن العدل الذي يحققه القاضي هو الذي يوفر له الحماية أفضل من فرقة كاملة من الحراس. لا يقتصر تأثير العدل على القضاة والمتقاضين بل يمتد الى الناس جميعا.. الإحساس بالعدالة هو الذي يطلق طاقات الإنسان ويحثه على الاجتهاد ويجعله يحلم بالمستقبل وهو واثق من تحقيق هدفه. العدل معناه وجود مجموعة من القيم الإنسانية المتفق عليها تنعكس كلها في قانون يتساوى أمامه الناس جميعا... هذا المفهوم لم يعد موجودا في مصر. لا قاعدة واحدة في مصر تسري فعلا على الجميع، بدءا من مخالفات المرور وحتى قروض البنوك وبيع أراضي الدولة وشركاتها وأملاكها. من أنت ومن أبوك وما حجم ثروتك وما قوة علاقتك بالنظام الحاكم، كلها عوامل حاسمة في تحديد القاعدة التي ستحاسب على أساسها. كل شيء في مصر أصبح وفقا للظروف، وكل حالة لها قواعدها الخاصة. الأسباب لم تعد بالضرورة تؤدي الى النتائج. الاجتهاد لا يؤدي بالضرورة الى النجاح، والخطأ لا يؤدي بالضرورة الى العقاب. ملايين الفقراء يدفعون ضرائب عن مرتباتهم الهزيلة بينما أبناء الأكابر يصنعون الثروات الضخمة، ولا يجرؤ أحد حتى على سؤالهم من أين لكم هذا الثراء؟ الأجهزة الرقابية في مصر إذا ضبطت موظفا صغيرا منحرفا تسارع بتقديمه للمحاكمة. أما اذا كان المنحرف وزيرا فإن الأجهزة الرقابية تكتفي بأن تقدم تقريرا بانحرافه الى رئيس الدولة الذي يفعل عندئذ ما يشاء، إذا أراد حاسبه وإذا أراد وضع تقرير انحرافه في الدرج. إذا أساء ضابط شرطة معاملة ابن أحد الكبراء يُحاسب فورا، أما وقائع تعذيب الفقراء حتى الموت في أقسام الشرطة، فإن النظام لا يتوقف كثيرا عندها ويعتبرها بعض التجاوزات.. السائح الغربي أثناء زيارته الى مصر اذا تعرض الى خدش، تحتشد أجهزة الدولة جميعا للقبض على المجرم الذي خدشه، أما أن يعذب رجال الشرطة شابا بريئا مثل خالد سعيد في الاسكندرية حتى يتهشم رأسه ويموت، فإن أجهزة الدولة، على العكس، تتكاتف لحماية القتلة وتشويه سمعة الشهيد.. الذين عاشوا في مصر خلال الستينيات لا شك يذكرون ظاهرة فريدة من نوعها: مئات من الطلاب في الثانوية والجامعة كانوا يستذكرون دروسهم في الشارع تحت المصابيح العامة.. كان هؤلاء فقراء الى درجة لا تسمح لهم بالاستذكار في بيوتهم، لكنهم كانوا يجتهدون وهم واثقون من أن تحقيقهم النجاح مسألة وقت لأن تقدمهم في الحياة مرهون باجتهادهم.. هذه الفرص المتكافئة في التعليم والترقي انتهت تماما. أبناء الأغنياء يلتحقون بالشهادات الأجنبية التي توفر لهم فرص الالتحاق بأفضل الجامعات، وهم أنفسهم الذين سوف يحظون بأفضل الوظائف عن طريق الوساطة، أما ملايين الطلبة الفقراء فليس أمامهم إلا شهادة الثانوية العامة التي تتعمد الدولة وضع امتحاناتها بطريقة صعبة للغاية، بغرض تعجيز الفقراء عن الالتحاق بالجامعات. اذا مرض المصري وكان غنيا فهو يحظى بأفضل رعاية طبية داخل بلاده أو خارجها، أما ملايين المرضى الفقراء فإن الإهمال يقتلهم في مستشفيات الحكومة، فلا يستوقف ذلك أحدا من المسؤولين.. أينما وليت وجهك في مصر فستجد ظلماً فاحشاً، ستجد من يأخذ شيئا لا يستحقه وآخرين محرومين من أبسط حقوقهم. أينما نظرت فستجد محسوبية ووساطة واستثناءات. الاستثناء صار هو القاعدة.. في كليات الطب اعتاد كثير من الأساتذة تمييز أبنائهم عن بقية الطلاب حتى صاروا يعتبرون تعيينهم كمعيدين (بغض النظر عن مستواهم العلمي) حقا أصيلا لهم. عندما ثار الجدل حول قواعد تعيين متخرّجي كليات الحقوق في النيابة العامة، صرح أحد المسؤولين قائلا: «ان متخرّج الحقوق الحاصل على تقدير مقبول إذا كان قادما من بيئة قضائية فهو يساوي في الصلاحية الحاصلين على تقدير جيد جيدا من خارج البيئة القضائية».. هذا التصريح الغريب، الفريد من نوعه في تاريخ القضاء، يشير بوضوح الى أن أبناء السادة المستشارين لهم أولوية في التعيين، حتى لو كان تحصيلهم العلمي أضعف من سواهم. لم يفكر قائل هذا التصريح في أن البيئة القضائية يفترض أن تدفع صاحبها الى التفوق لا الى الفشل، ولم يفكر في أن هذا المنطق العجيب يقضي على مبدأ تكافؤ الفرص من أساسه، ويؤسس للظلم، فيما ستكون وظيفتهم تحقيق العدل والأخطر أنه يقضي على روح الاجتهاد فلماذا يتعب طالب الحقوق نفسه في التحصيل اذا كان يعلم أن زميله القادم من بيئة قضائية ستكون له الأولوية في التعيين. المعركة الدائرة الآن بين المحامين والقضاة في مصر لها دلالة مهمة.. فقد بدأ الأمر بمشادة بين رئيس نيابة طنطا وأحد المحامين، فما كان من السيد رئيس النيابة إلا أن استدعى الحرس واشترك بنفسه معهم في الاعتداء بالضرب على المحامي. تجمهر المحامون اعتراضا على ضرب زميلهم واعتدى المحامي المضروب على رئيس النيابة. المدهش أن كل الإجراءات التي اتخذت بعد ذلك تجاهلت تماما أصل الواقعة، وهي اعتداء رئيس النيابة وحرسه على المحامي، أُحيل المحامي مع زميل له الى محاكمة كانت النيابة خلالها هي الخصم والحكم.. واختصت المحكمة نفسها بسرعة ناجزة لا تتوافر عادة لسائر المتقاضين في مصر. فصدر الحكم خلال أيام بحبس المحامين لمدة خمسة أعوام. الذين يدافعون عن هذه المحاكمة يؤكدون أنها كانت ضرورية لحفظ هيبة القضاء. الحقيقة أن هيبة القضاء لا تتحقق إلا بالعدل. كما أن هيبة القضاء المصري تأثرت بشدة قبل ذلك أكثر من مرة فلم يغضب لها الغاضبون الآن. عندما يكون القضاة تابعين ماليا واداريا بالكامل لوزير العدل المعين من قبل رئيس الجمهورية في مرتبات القضاة وحوافزهم، ألا يعد ذلك انتقاصا من استقلال القضاء وهيبته..؟! عندما خاض آلاف القضاة العظام معركتهم النبيلة من أجل تحقيق استقلال القضاء، قام ضابط شرطة بضرب سيادة المستشار محمود حمزة وسحله على الأرض أمام نادي القضاة على مرأى من الناس جميعا، أين كانت هيبة القضاء آنذاك؟ وعندما رفض القضاة الشرفاء التغاضي عن تزوير الانتخابات أثناء إشرافهم عليها، تعرض كثيرون منهم لاعتداءات من ضباط الشرطة. أين كان الغاضبون لهيبة القضاء آنذاك، ولماذا لم تجر محاكمات سريعة للضباط المعتدين على القضاة أسوة بما حدث مع المحامين.. ؟ كل هذه مجرد أمثلة على أن القواعد في مصر مطاطة تتسع وتضيق وفقا للظروف والأحوال.. إن غياب العدالة هو السبب الأصلي لتدهور كل شيء في مصر .. ليس المصريون شعبا مترفا مدللا، بل إنهم خلال تاريخهم الطويل أثبتوا دائما قدرة فائقة على تحمل الصعاب والأزمات. لم تهزم مصر قط في تاريخها إلا وأعقبت هزيمتها بانتصار. عندما نشبت حرب 1973 كنت تلميذا في المرحلة الثانوية، وذهبت مع زملائي نجمع التبرعات من أجل المجهود الحربي. لن أنسى ما حييت كيف كان الناس يتدافعون لإعطائنا المال، ولا كيف خلعت نساء كثيرات حليهن الذهبية وأعطيننا إياها عن طيب خاطر.. مشكلة مصر ليست في الفقر ولا قلة الموارد ولا كثرة السكان. مشكلتها تتلخص في كلمتين: غياب العدالة.

إن الظلم أصبح ببساطة أكثر من طاقتنا على الاحتمال. لن يستعيد المصريون إحساسهم بالانتماء وطاقتهم على العمل، إلا اذا استعادوا إحساسهم بالعدالة، ولا يمكن العدالة أن تتحقق في ظل الاستبداد...

الديموقراطية هي الحل.

ينشر بالتزامن مع جريدة «الشروق» المصرية

====================

الأسد توّج السنة العاشرة بمشهد لبناني ذي دلالات

المكاسب السورية راجحة في انتظار تثبيت المكاسب اللبنانية

سركيس نعوم

النهار

20-7-2010

توج الرئيس السوري بشار الاسد الاحتفالات بالذكرى العاشرة لتسلمه الرئاسة بلقاء اطل فيه على الرأيين العامين في سوريا ولبنان وابعد منهما في اتجاه المجتمع الدولي باستقباله رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ونصف عدد أعضاء حكومته تقريبا على طريق ارساء علاقات جديدة مع لبنان. هذا المشهد يشكل مكسبا مهما للقيادة السورية في اتجاهات متعددة من حيث رمزية التوقيت والشكل فضلا عن المضمون. اذ لم يكن ممكناً متابعة هذا المشهد من دون الخلفية التي سبقته والمتمثلة في خطاب الامين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله والذي اربك الداخل اللبناني على كل المستويات السياسية على نحو يظهر للعالم الخارجي ان دمشق تجاوزت قطوع العلاقات المتوترة مع لبنان. وهذه العلاقات هي في الطريق الى ان تكون منظمة بين دولة ودولة فيما يغرق لبنان في خلافات طوائفه وحسابات افرقائه السياسيين. وتاليا فان الرسالة التي وجهتها دمشق هي انها ليست طرفا، اقله ظاهرياً في هذه التوترات اللبنانية الداخلية وذلك لاعتبار ان ثمة اقتناعات سادت أن سوريا عادت لتمارس نفوذا كبيرا في لبنان علما ان هذا النفوذ لم يخف وكان دائما موجودا عبر حلفائها وفي مقدمهم "حزب الله". ومع ان كثرا لا يعتبرون ان تزامن التطورات الاخيرة أي خطاب السيد نصرالله وزيارة الحريري لدمشق لم يكن مصادفة، فان ما يمكن الاعتداد به رسمياً وخارجياً هو المشهد الذي ظهر في توافق القيادتين السورية واللبنانية على نحو يعطي ما كان قاله الاسد عن تجاوز بلاده الصعوبات التي واجهتها في الاعوام الماضية وتعديل الموازين لمصلحته صدقية كبيرة. وفي هذا المشهد رد قوي على كل منتقدي سوريا حول استمرار تدخلها في لبنان او الذين يطالبون باجراءات تثبت احترامها استقلاله وسيادته على اراضيه. لا بل هو اقفال لكل الابواب الدولية التي تواصل الدخول على العلاقات الثنائية بين البلدين بما فيها القرارات الدولية ذات الصلة. وسيكون متاحا لسوريا عبر ما تحقق في هذا الزيارة وبسهولة ان تقطع الطريق على اي ضغط عليها في موضوع لبنان، ولو ان الانطباع العام في الداخل والخارج هو انها استعادت بقوة موقعها السابق لكن من دون بعض الشكليات. وهذا الانطباع لا يضيرها في الواقع بل هو احد اهم المكاسب الاساسية لها ايا تكن مدى صحته. فضلا عن استعادة الموقع الاقليمي عبر التأثير في لبنان.

ومع ان التقويم الظاهري المبدئي هو لمصلحة البلدين باعتبار ان ليس ثمة مصلحة لاحد في لبنان في علاقات عدائية مع دمشق، الا ان مصلحة سوريا تبقى راجحة في المعطيات السياسية المباشرة وفي خلاصاتها مع رسائل وجهت في اتجاهات عدة وفي مواضيع تهم البلدين. ففي العناوين العريضة فان الحكومة برئاسة الحريري هي من يوقع كل الاتفاقات الثنائية وتحيي معاهدة "الاخوة والتعاون والتنسيق". وثمة الكثير من الايجابية الظاهرة بين الرئيس الاسد والرئيس الحريري على المستوى الشخصي. ففي خلاصة البيان المشترك استعادة للتنسيق المشترك على كل الصعد من السياسة الخارجية الى الدفاع والامن على نحو يماثل الى حد بعيد تكريس المرحلة السابقة من العلاقات السورية اللبنانية وخصوصا على هذين المستويين على نحو رسمي ومعترف به. وهذا يعد مكسبا مهما لسوريا من حيث استعادة التنسيق والتعاون في المجالين الاكثر حساسية بالنسبة اليها بعدما تميز لبنان بحرية في التعاطي مع الخارج في الاعوام القليلة الماضية من دون مرور هذه العلاقات بدمشق وكذلك بالنسبة الى المجال الامني الذي شهد في الاعوام السابقة تطويرا لاتفاقات على الصعيد الامني وخصوصا مع الولايات المتحدة.

وفي ما هو ابعد من هذين العنوانين المهمين، ثمة موقف ثابت لسوريا من المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. فمع ان وزير الخارجية السوري كرر ان المحكمة شأن لبنان وان سوريا ستحاكم اي سوري يثبت تورطه في اغتيال الحريري فان التركيز كان مهما على واقع اعتباره ان توجيه اي اتهام الى "حزب الله" يعني تسييسا للمحكمة. الامر الذي يلاقي موقفا سابقا لسوريا في هذا الاطار لكنه يلاقي أكثر موقف السيد حسن نصرالله الذي علق على تسريبات صحافية تشير بأصابع الاتهام الى احتمال تورط افراد في الحزب واستبق القرار للمحكمة بوصفه المحكمة بانها مشروع اسرائيلي متسببا بحرج للرئيس الحريري عشية زياراته لدمشق وفارضا ما فجره في هذا الاطار على طاولة البحث الثنائي في العاصمة السورية.

في موضوع المفقودين اللبنانيين في السجون السورية كما في موضوع ترسيم الحدود فان المسألة لم تخرج عن اطار وضع السكة على طريق العمل المشترك من دون نتائج ملموسة يمكن ان يعود بها الوفد اللبناني الزائر وخصوصا بالنسبة الى موضوع المفقودين بما يفيد بعدم حصول تبدلات جوهرية في الموقف السوري من هذين الموضوعين.

وفيما يبدو ملحاً لحكومة الرئيس الحريري ان تحصل على نتائج ملموسة في هذين الموضوعين ومواضيع أخرى يصعب على اللبنانيين الاقتناع بأن التطورات الملموسة في العلاقة مع سوريا باتت في مرتبة العلاقات بين دولة ودولة.

====================

فلتكن مكيدة وليرحلوا عن غزة

امين قمورية

النهار

20-7-2010

 

أفيغدور ليبرمان مقيت وما يفكر فيه يدعو الى الريبة والشك دائماً. وعندما يتلفظ هذا السيئ الذكر بقول ما او يطرح خطة ما فان من حق الفلسطينيين ان يشتمّوا من طرحه رائحة المكيدة والخبث واللؤم. ومع ذلك فلتنه اسرائيل احتلالها لغزة ولترفع "مسؤوليتها" عن القطاع ولتخرج منه الى الابد غير مأسوف عليها، حتى ولو كان المبادر الى مثل هذا الطرح ليبرمان نفسه.

رائحة "المؤامرة" تفوح من خطته الجديدة لانفصال اسرائيل نهائيا عن قطاع غزة ، خصوصا انها تلعب على الوتر الحساس للانقسام الفلسطيني وتستغله لمزيد من الشرخ بين "فتح" و"حماس" وبين الضفة وغزة. ومع ذلك فليرحل الاحتلال عن القطاع الى غير رجعة ولترفع اسرائيل يدها عنه. اليس المطلوب كسر الحصار وتخليص غزة من الطوق الاسرائيلي؟ الا تدعي كل من السلطتين في رام الله وغزة ان لهذا الهدف اولوية في برنامجيهما؟

بخطته الجديدة يرمي وزير خارجية اسرائيل، الى رمي الفتنة بين الجناحين الفلسطينيين المتخاصمين، ومقايضة "حماس" بالتواصل مع العالم من دون تحكم إسرائيلي مباشر، في مقابل ان تفك ارتباطها الكامل بالضفة، وخصوصا ان ثمة ما يسهل ذلك في ظل استمرار العناد "الفتحاوي – الحمساوي" والمناكفة الحزبية. ومع ذلك لا ضرر في ان تتحرر غزة وتتخلص من حصارها . فالثابت هو الارض المطلوب تحريرها. اما المتحول فهو السياسة والخلاف الفلسطيني الزائل بزوال مسبباته والواقفين وراءه. وهل كان الانقسام الفلسطيني مرتبط بحصار غزة ام بأشياء اخرى ؟ واذا ما ترسخ الحصار والاحتلال هل يعود الوصل بين "فتح" و"حماس"؟

يمكن فهم "قلق" السلطة في رام الله من الطرح الاسرائيلي الجديد، ذلك ان التحرير الكامل لغزة وانهاء احتلالها قانونيا يخرج هذه المنطقة من بنود المفاوضات التي تجريها، او ستجريها مستقبلا مع اسرائيل وتاليا تحرمها الكلمة الفصل في أي تسوية شاملة وتخرجها من وصايتها. لكن لا يمكن معرفة السبب الحقيقي لخوف "حماس" من الانسحاب الاسرائيلي الكامل، وهي التي لا تنفك تنادي بفك الحصار والاتصال بالعالم الخارجي بلا رقابة اسرائيلية. هل السبب ان صاحب الخطة هو ليبرمان السيئ الصيت (علما ان صاحب خطة الفصل الاولى التي مكّنت حماس من السيطرة على القطاع هو السيئ الذكر الآخر ارييل شارون، واعتبرت حينها الانسحاب الاسرائيلي انتصارا)؟ ام هو القلق من عبء المسؤولية الثقيلة على القطاع الفقير والمتهالك؟ ام هو الخوف من ان يجرد فك الحصار الحركة من ورقة قوة سياسية ووطنية؟

"حماس" ربما تخشى ايضاً، محاولة اسرائيل رفع مسؤولية غزة عن نفسها وإلقائها على الاوروبيين، ومن ثم مطالبتهم بتنفيذ ما لم تعد اسرائيل في استطاعتها ان تفعله، فمثل هذه المحاولة ان نجحت تبدل الاسرائيليين الذين تشوهت صورتهم في العالم اخيرا بالاوروبيين الذين يحافظون على صورة انسانية مقبولة، وتاليا من شأنها احراج الحركة مع المجتمع الدولي والاوروبيين خصوصا الذين يظهرون تعاطفا متزايدا مع قضية الحصار. لكن في استطاعة الحركة ان تقبل ما يتوافق ومصلحة غزة وترفض ما يعارضها، خصوصا ان المطالب بهذا الدور هو اسرائيل وليست هي، وفي امكانها ان تحول الاوروبيين صندوق مساعدات وان تكسر مقاطعتهم لها تدريجا.

في اي حال، وبغض النظر عن الدوافع والخلفيات والنيات، فان ليبرمان ما كان ليقدم على مثل هذه الخطوة لولا الحرج والضيق الضاغط على اسرائيل بعد مجزرة "اسطول الحرية" وقبلها تقرير غولدستون. وحتى ولو كانت خطة هذا الوزير مكيدة ومصيدة. فلترحل اسرائيل شرط ان يكون تحرير هذا الجزء من الارض الفلسطينية باعثا حقيقيا للوحدة الوطنية وحافزا للقطاع المحرر كي يعزز تواصله مع بقية الارجاء المحتلة. وهكذا فقط يمكن ان تفوت على ليبرمان فرصة احساسه بنشوة تمزيق اهل الارض الذين يتلذذ بقهرهم.

====================

إسرائيل.. كيف تقرأ تقارب طهران ودمشق وحزب الله...

د. صالح لافي المعايطة

s.mayytah@sunyjordan.org

الرأي الاردنية

20-7-2010

يكاد يجمع معظم المحللين والمتابعين ان هيبة الردع الاسرائيلي تراجعت وتأثرت بعد حرب تموز 2006 على لبنان وافرز هذا المشهد واقعا جديدا وهو ميزان القوى الجديد او ما يسمى توازن الردع حيث ازاحت الاطراف الثلاثة «سورية، ايران، حزب الله» الستار عن معادلة الصراع الجديد بمشهد احتفالي تأخر من عام 2006 الى عام 2010 وتم اعلان هذا الاحتفال يوم 25 شباط 2010 في قمة التحدي.

 

في السياسة امر يتصل بثقافة (الفهم المتبادل) كأن يكون عدوك مهزوما ولا تقيم احتفالية بذلك او كأن يتبدل ميزان القوى لمصلحتك ولا تتحدث عن ذلك علنا بحيث يفهم العدو ولا يتم اعلان ذلك اعلاميا هو نوع من تفاهم (جنتل مان) غير معلن لكن الاطراف تتعامل على اساسه وتتصرف وفقه.

 

واضح ان هذا ما كانت عليه المعادلة منذ عام 2006 لكن السلوك الاسرائيلي الاخير حول تهديد سوريا وايران حين خرج هذا التهديد عن قواعد اللعبة مما استدعى الاطراف ان تعلن عن ميزان القوى الجديد وهو اللقاء الثلاثي في دمشق كرسالة لاسرائيل وخروج عن قاعدة الفهم المتبادل.

 

المؤكد ان لعبة الحرب النفسية الكلامية هي الطريق الامثل اليوم بالنسبة لاسرائيل لعرقلة اي جهود امريكية سلمية ولو بالحد الادنى بحيث ينشغل الامريكان باطفاء نتائج الحرب الكلامية الاسرائيلية بعيدا عن اي عملية سلمية وعلى رغم ان واشنطن قد طلبت بوضوح من اسرائيل التوقف عن التصريحات الحربية الا ان الخارجية الاسرائيلية بقيادة ليبرمان لم تتوقف ولم تلتزم بشيء والواضح ان الاطراف الثلاثة (سورية، ايران، حزب الله) ارادت ان تبدي مشهدا موجها نحو الولايات المتحدة يقول ان عدم القدرة على الانتقال من الاقوال الى الافعال منذ تسلم اوباما والتراجعات امام حكومة نتنياهو من وقف الاستيطان الى التفاوض غير المباشر.

 

مشكلة الولايات المتحدة انها دولة عظمى والدولة العظمى تحتاج لكي تناور او تتراجع الى دائرة اوسع وزمن اطول كما دوران القاطرة والمقطورة وعلى رغم ان ثالوت دمشق – طهران – حزب الله لا يقيم علاقة حوار مباشر او اندماج في مشروع سلمي برعاية امريكية لا يعيشون الاوهام وانما يتعاملون مع الوقائع بمنطوق لغة الطرف الاخر ويمتلكون القدرة على التفاوض ومرونة وتكيف مع متغيرات البيئة الاستراتيجية ويملكون قواعد اللعبة في المنطقة.

 

يدرك الاسرائيليون ان وضعهم التفاوضي اصبح صعبا وهيبة الردع في تراجع لهذا اختاروا وضعية اللا حرب واللا سلم مع بعض الجرعات الكلامية عن الحرب اما الامريكيون فلقد وصلتهم رسالة اضافية من «سوريا وايران وحزب الله» مفادها ان عليهم ان يعودوا الى قواعد اللعبة الدبلوماسية ما داموا يريدون نسيان اخطاء الادارة السابقة فليس من المسموح لاي طرف اليوم او غدا ان يخالف القانون الدولي ومبادئ الشرعية الدولية بالتدخل في شوؤن الدولة ذات السيادة.

 

الجديد في مشهد اللقاء الاخير هو اعلان مشهد تعليمي للسياسة والتكتلات اكثر منه مشهدا للاستعراض السياسي للقوة وهذا ما يجب ان تفهمه اسرائيل اذا ارادت حل النزاع واعادة الجولان واعطاء الفلسطينيين حقهم في اقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس ولا بد ان نتذكر الحقيقة المستمدة من سياق الصراع العربي الاسرائيلي وهي ان قرارات الحروب غالبا ما تصدر عن اسرائيل لذا وبعد هذا التقارب السوري الايراني مع حزب الله يجعلنا ننطلق اولا من الحسابات الاسرائيلية لاي حرب محتملة واذا قاربنا الجبهة اللبنانية من منظور اسرائيلي فان هذه الجبهة لم يطرأ عليها منذ حرب تموز 2006 تغييرات تدفع اسرائيل الى الحرب في الوقت الحالي والمدى المنظور وقد يقال هنا ان سبب الحرب القادمة ليس طارئا وانما مؤجل منذ حرب تموز 2006 والهدف منها القضاء على حزب الله نهائيا كقوة عسكرية متعاظمة على الحدود الشمالية ومحاولة لاستعادة هيبة الجيش الاسرائيلي وبعد ذلك قد تتفرغ اسرائيل للتعامل مع الجبهة السورية او التوجه الى حرب ايران ولكن متغيرات البيئة لا يمكن التنبؤ بها وخصوصا بعد اصرار المجتمع الدولي على كسر الحصار على قطاع غزة.

====================

الدليل على كذب بلير في حرب العراق

الرأي الاردنية

20-7-2010

بعد توقف استمر بضعة أشهر لاتاحة المجال أمام إجراء الانتخابات النيابية البريطانية شهر أيار الماضي ، استأنفت اللجنة البريطانية المشكلة للتحقيق في مشاركة بريطانيا في الحرب على العراق عام 2003 جلساتها مطلع الأسبوع الماضي برئاسة المحقق السير جون شيلكوت. إن أهم ما سيميز المرحلة الثانية من مجريات التحقيق نشر المذكرة التي أعدها النائب العام البريطاني السابق اللورد بيتر غولدسميث إلى رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير قبل شهرين من غزو العراق والتي اعتبر فيها أن قرار مجلس الأمن رقم 1441 لا يعطي الغطاء القانوني لشن الحرب على العراق ، وأنه إذا قامت الحكومة البريطانية بأي عمل عسكري ضد العراق بالاستناد إلى قرار مجلس الأمن رقم 1441 فإنها ستكون قد تصرفت بشكل غير قانوني ، وأن أي عمل عسكري على العراق لا يمكنه أن يتصف بالشرعية ما لم يسبقه قرار من مجلس الأمن يخول وبشكل واضح استخدام القوة ضد العراق.

 

توني بلير لم يعجبه مضمون المذكرة والرأي القانوني الوارد فيها حيث أشر على المذكرة بعبارة «إنني لا أستطيع فهم هذا»، أضاف في مذكرة أخرى مكتوبة «نحن لسنا بحاجة لنصيحة أخرى بهذا الخصوص». ومن ثم قام بلير بممارسة الضغط على اللورد غولدسميث لتغيير رأيه القانوني بمساعدة أعوانه في إدارة الرئيس السابق جورح بوش ، وهو الأمر الذي أقر به النائب العام البريطاني السابق نفسه أمام لجنة التحقيق في شهر يناير الماضي عندما أعلن أنه قام بتغيير رأيه حول شرعية قرار الحرب وحول مدى الحاجة إلى قرار جديد من مجلس الأمة لشن الحرب على العراق بعد أن أعد مذكرة قانونية بخلاف ذلك الرأي.

إن الكشف عن مضمون مثل هذه المذكرة يستدعي أن يتم إعادة استجواب توني بلير مرة أخرى من قبل لجنة التحقيق ومواجهته بما سبق وأن كذب بشأنه في شهادته الأولى عندما أصر على شرعية قرار الحرب وعندما أكد أنه ما كان ليشارك في حرب العراق لو كانت هناك شبهات بعدم توافق قرار الحرب مع قرارات مجلس الأمن. فهل يملك المحقق شيلكوت وأعضاء لجنة التحقيق القوة السياسية الكافية لإلزام بلير بالمثول أمامهم مرة أخرى؟ ، وهل يمكن لهم أن يطلبوا استجوابه هذه المرة تحت تأثير القسم القانوني بحيث إذا ما ثبت كذبه على لجنة التحقيق في الجلسة الأولى يتم محاسبته جنائيا ودوليا؟.

 

إن اللافت للنظر أن الكشف عن تلك المذكرة القانونية ، والتي أبقتها الحكومات البريطانية العمالية السابقة طي الكتمان منذ عام 2003 حتى قررت حكومة الائتلاف الحالية بزعامة حزب المحافظين إعادة تصنيفها كأوراق ذات صلة بمجريات التحقيق ونشرها ، تزامن مع قرار الكونغرس الأميركي منح توني بلير ميدالية الحرية تقديرا لدوره التاريخي في حل الصراع في ايرلندا الشمالية وجهوده المبذولة في حل النزاع في الشرق الأوسط. حيث سيتسلم بلير جائزته من الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في احتفال كبير سيقام في الثالث عشر من سبتمبر القادم لينضم إلى فئة الفائزين بالجائزة أمثال الرئيس السوفيتي السابق غورباتشوف ورئيس جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا والرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر.

====================

المقاومة ضحية الإرهاب

رشيد حسن

الدستور

20-7-2010

أول ضحايا الإرهاب الأسود الأعمى ، هي المقاومة الوطنية الشريفة ، التي كفلتها القوانين والشرائع الدولية ، وتسعى لتحرير أوطانها من الاحتلال ، وإنسانها من العبودية والاستغلال.

 

لقد وجد العدو الصهيوني في أحداث 11 سبتمبر ، فرصة العمر ، لتعميم الإرهاب على المقاومة ، وإلصاق صفة الإرهابي ، بالمقاومين الشرفاء ، وهذا ما استطاع الإرهابي شارون تحقيقه ، في ظل إدارة بوش الابن ، ووجود المحافظين المتصهينين الذين استغلوا الاحداث ، لتبرير الحرب الوقائية ، واحتلال أفغانستان ، والعراق ، والتنظير "للفوضى الخلاقة" ، لصياغة شرق اوسط جديد ، لخدمة المضالح الاميركية والاسرائيلية ، واطلاق صفة الإرهابي ، على كل من يتصدى للمحتلين.

 

المراقبون يعتبرون أن العالم قبل أحداث 11 سبتمبر ، يختلف جذريا عن العالم بعد هذا التاريخ ، في ضوء الانقلاب الخطير ، الذي حدث في المفاهيم والقيم ، بعد تدمير برجي منهاتن ، ومحاولة واشنطن فرض استراتجيتها ، على الجميع ، بالقوة والبلطجة.

 

حالة الجنون والهذيان التي سيطرت على البيت الأبيض ، وأججها العدو الصهيوني ، بعدما وجد في هذه الحالة الطارئة فرصته ، لإلصاق تهم الإرهاب بالمقاومة الفلسطينية ، والعربية ، امتدت طويلا ولا تزال ، رغم محاولات العديد من الدول ، الدعوة إلى التوقف مليا ، لاستعادة حالة التوازن ، ومناقشة الأمور بكل عقلانية وبلا انفعال ، استنادا إلى ميثاق الأمم المتحدة ، والتجارب السابقة للدول ، للوصول إلى تعريف محدد للإرهاب ، وعدم الخلط بين هذا العبث والجنون غير المسؤول ، وحق الشعوب بمقاومة محتليها ، وجلاديها ، وحقها في تقرير مصيرها ، وضربوا الأمثلة مستعينين بوقائع مضيئة في تاريخ البشرية ، ولا تزال موضع اعتزاز المجتمع الدولي كله ، وفي مقدمتها نضال السود في جنوب افريقيا ، بقيادة الرمز "مانديلا" ، والمقاومة الهندية بقيادة "غاندي" ، والمقاومة الفرنسية للنازيين ، والجزائرية للاستعمار الفرنسي ، والفيتنامية للاحتلال الأميركي ، ومقاومة شعوب أميركا اللاتينية للاستعمار الاسباني بقيادة سيمون بوليفار ، وأخيرا المقاومة الفلسطينية للاحتلال الصهيوني.

 

وتساءلوا ما الذي جعل هذه النماذج من المقاومة مصدر فخر واعتزاز ، وتاريخا مضيئا ، يستشهد به على عظم التضحيات ، وتوق الشعوب إلى الانعتاق من العبودية؟؟ ، في حين تضع واشنطن "فيتو" على هذه المقاومة ، وتسيء إليها بنعتها بالإرهاب.

 

ونضيف ، هل كانت مقاومة أميركا للاستعمار الانجليزي إرهابا؟ ولماذا وقفت واشنطن وساعدت ديغول ، وهو يتصدى للنازيين ، بكل شجاعة وجسارة ، ولماذا تحرم على الشعب الفلسطيني والعراقي ، ما آمنت به ، وأصبح جزءا من تاريخها ، تفتخر وتعتز به؟ وتعتبر المقاومين أوسمة شرف على صدر الوطن.

 

المؤسف أن كثيرا من دول العالم ، وبخاصة الدول الأوروبية ، سارت في ركاب الجنون الأميركي ، ولم تسأل نفسها بعد تسع سنوات من أحداث سبتمبر ، عن المآسي الذي سببها هذا الهيجان ، وقد اختلط الحابل بالنابل ، بعد أن استطاع العدو الصهيوني أن يركب موجة الجنون هذه ، ويسيرها لمصلحته ، ما شكل ضربة مؤلمة للمقاومة الفلسطينية.

 

باختصار.. ندين الإرهاب الأعمى الذي يقتل المدنيين ، وندعو إلى تجفيف منابع هذا الإرهاب ، والقضاء على الأسباب التي أدت إلى نشوء هذه الظاهرة ، مؤكدين في كل الأحوال ، بأن الاحتلال هو رأس الإرهاب ، وأن الخلط بين هذا العمل المجنون ، والمقاومة الشريفة ، هو عمل مقصود ، يقف وراءه العدو الصهيوني ، وكل أعداء الحرية ، على أن لا يغيب عن بالنا ، وبال الجميع ، بأن الصهيونية العنصرية هي المفرخ الاساسي للإرهاب.

============================

من يحتل قطاع غزة؟!

د. غسان اسماعيل عبدالخالق

الدستور

20-7-2010

اذا كنت تعتقد أيها القارئ العزيز أن (اسرائيل) هي الجهة التي تحتل قطاع غزة رسمياً فعليك أن تصحح معلوماتك لأن ليبرمان وزير خارجية (اسرائيل) عازم على انهاء مسؤولية حكومته بوصفها قوة احتلال تجاه قطاع غزة وتحميل حركة حماس مسؤولية هذا الاحتلال عملاً بالقول المشهور (اذا أردت أن تعاقبه فحقق له ما يريد)، وحيث أن حركة حماس توّاقة لحيازة شرف اجبار (اسرائيل) على انهاء احتلالها لقطاع غزة فان ليبرمان يفكر جدياً بتوريط حماس ومنحها هذا الشرف.

 

فكرة انهاء المسؤولية الاسرائيلية عن احتلال قطاع غزة ليست من بنات أفكار ليبرمان ، بل هي من بنات أفكار شارون التي أثبتت مجريات الأحداث مدى خطورتها: فالانسحاب الاسرائيلي السابق من غزة جاء على الأرجح في أعقاب تقييم اسرائيلي دقيق للتحولات العميقة في بنية الساحة السياسية الفلسطينية والتي عبرت عن نفسها بصورة دراماتيكية من خلال تمكن حركة حماس من احراز الأغلبية في الانتخابات النيابية وتكليفها بمهمة تشكيل حكومة فلسطينية ، واتجاه حركة حماس الى بسط سيطرتها على قطاع غزة ، واندلاع الاقتتال الفلسطيني الفلسطيني لأول مرة بعد قيام السلطة الوطنية.

 

أما بخصوص اضطلاع حركة حماس بمهمة تشكيل حكومة فقد كان وما زال الامتحان الصعب الذي لم تتكمن حماس من اجتيازه ، لأنها ان تعاملت مع المجتمع الدولي بشروطه فسوف تخسر رصيدها السياسي وان رفضت أن تتعامل مع هذا المجتمع الدولي بشروطه فسوف تخسره. وأما بخصوص اتجاه الحركة الى بسط سيطرتها على قطاع غزة فسرعان ما تحول هذا الاتجاه الى انفصال فعلي بين شطري الدولة الفلسطينية المأمولة سياسياً وايديولوجياً واقتصادياً. وأما بخصوص الاقتتال الفلسطيني الفلسطيني فقد أتاح لشارون ومن جاء بعده فرصة التخفيف من اللوم الدولي الموجه لاسرائيل في ضوء الممارسات الفلسطينية المتبادلة سياسياً وعسكرياً.

 

واذا كانت السلطة الوطنية الفلسطينية لم تدخر وسعاً للاعراب عن رفضها لخطة ليبرمان الجديدة القديمة ، فان حركة حماس مطالبة أكثر من غيرها بالاعراب عن هذا الرفض وبالتمسك بضرورة انهاء الاحتلال بناءً على اتفاق الطرفين (الفلسطيني والاسرائيلي) وليس بناءً على رغبة (اسرائيل) في الانسحاب من طرف واحد دون أية مسؤوليات أو تعهدات أو ضمانات أو اعتراف بشرعية السلطة القائمة في قطاع غزة. كما أن حركة حماس مطالبة أكثر من غيرها بالاعراب عن تمسكها بخيار الوحدة الوطنية الفلسطينية ورفض أية محاولة لتحجيم مشروع الدولة الفلسطينية المأمولة عبر اقامة كيانين ضعيفين ، واحد في غزة والآخر في الضفة الغربية ، لأن من شأن هذا الفصل بين الكيانين أن يفرغ الدولة الفلسطينية المنشودة من أهميتها الاستراتيجية بوصفها صلة الوصل بين الجناح العربي الافريقي والجناح العربي الآسيوي.

========================

صهيونية إسرائيل وعنصريتها في مواجهة انتقام تركيا القانوني

أ. د. علي الهيل

7/20/2010

القدس العربي

أحد أهمّ وآخر الأنباء المطمئنة والقادمة من تركيا 'مرمرة' و'أسطول الحرية' المستمرة قافلته من غير توقف بمشيئة الله حتى يرسو على شاطئ العدالة، أَن ستين محامياً من ست وثلاثين دولة من كل أنحاء العالم، يعكفون حالياًّ في إسطنبول على إعداد صيغة نصٍّ قانوني لدعوى قضائية ستُرفع أمام المحاكم الدولية ضد المجرمين الصهاينة الذين اعتدوا على الإنسانية قاطبة ممثلة بأكثر من ثمانمائة ناشط من ناشطي السلام الدوليين في عُرض المياه الدولية يوم الحادي والثلاثين من أيار (مايو)، والذي أصبح يُعرف اختصاراً في الأدبيات المعرفية والسياسية الدولية بيوم 5/31 على غرار 9/11، 'وما ضاع حق وراءه مُطالب'. والحق الإنساني وليس التركي أو الإسلامي فقط والذي إن شاء الله لن يضيع طالما وراءه مطالبون مثابرون مواظبون يُصدرون عن ضمير العالم ويرفدون منه، هو الثأر قانونيا وبشكل متحضر وحسب الشرائع والمواثيق الدولية وأمام المحاكم الدولية من القتل العمد الذي اقترفه الصهاينة ضد تسعة من ناشطي السلام الأتراك وجرح العشرات من رفقائهم الأتراك وغيرهم يوم الحادي والثلاثين من أيار/ مايو. وإن كنا نخشى أن يعتري الدعوى داءُ الكيل بمكيالين والمعايير المزدوجة. إذ أنَّ الموقعين الكبار على تلك الشرائع والمواثيق والذين يوصفون ظلما وزورا وبهتانا 'بالمجتمع الدولي' وهي بالمناسبة تسمية لمفهوم غير قانوني ولا ديمقراطي ولم يتم الاستفتاء عليه، وإنما هو من وضع واختلاق الصهيونية العالمية والخمسة الكبار المتنفذين في مجلس الأمن الدولي (أنظر مثلاً مرجع Richard Laming من Federal Union Web Site)، إذن هؤلاء أفراد 'المجتمع الدولي' المزعوم همُ الذين يدعمونَ الصهاينة خوفا على مصائرهم من الصهيونية العالمية، كما يتبدى للكثيرين حول العالم، سواءً أحسنت هذه التي تُسمى إسرائيل أو أساءت. ولكن ... 'كِثْرِ الدَّق يِفك اللحام' كما يقول المثل الخليجي، وطريق الألف ميل يبدأ بخطوة مثلما يُعلمنا المثلُ الصيني.

وتركيا بهذا النهج الحضاري في المواجهة تقدم رسالة إنسانية مسالمة للعالم كله، وخاصة للتحاد الأوروبي الذي يماطل منذ سنوات ضد قبولها في الاتحاد الأوروبي بدعوى تعسف تركيا في حق 'الأقليات'، وللولايات المتحدة الأمريكية أو (زعيمة العالم الحر)، التي عاثت في الأرض فسادا وأهلكت الحرث والنسل بعد 9/11 وفعلت ما لم يفعله (نيرون) بروما، انتقاما من أولئك (المفترضين) الذين تسببوا في 11/9 .

 

وفحوى الرسالة هي أن تركيا لن تنزل إلى مستوى الهمجية والقرصنة والبربرية الصهيونية التي تأخذ الضوء الأخضر دائما، ومنذ نشأتها غير القانونية والدموية، من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وهما اللذان جعلاها دولة فوق القانون الدولي واللذان وضعا إمضاءهما عليه. ستنتقم تركيا ولكن... بطريقتها الإنسانية وبالحجة القانونية التي يُجمع عليها العالم وتشكل في مجملها إجماعا دوليا An International Consensus من خلال المحاكم الدولية. وعليه فإن تركيا لن تنتقم بقانون الغاب وعقلية ال Cow boy وأسلوب الكيل بمكيالين، كيل لإسرائيل وآخر لغيرها، وليس حسب فلسفة 'الغاية تبرر الوسيلة' المكيافيلية غير الأخلاقية The Goal Justifies The Means وهو أبرز ما يميز تعاطي السياسة الأمريكية والغربية مع دول العالم. وثمة ملاحظة جديرة بأن نذكِّر بها في هذا المقام، أنَّ بين إسرائيل الصهيونية والولايات المتحدة الأمريكية من ناحية ودول أوروبا بدرجات متفاوتة - قاسما أعظم مشتركا وهو علاقة سايكو ثيريبي Psychotherapy إذ أن الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة الرجل الأوروبي الأبيض قامت على أنقاض The Native Americans أو كما سُمُّوا خطأً بالهنود الحمر وإسرائيل الصهيونية قامت على أنقاض الفلسطينيين العرب من مسلمين ومسيحيين.

ويكفي التأمل من غير الدخول في التفاصيل في أسباب غزو العراق وأفغانستان والموقف من زيمبابوي روبرت موجابي، وجورجيا ساكشفيللي، وإيران محمود أحمدي نجاد، وفنزويلا هوغو شافيز، وبوليفيا موراليس وغيرها من أمثلة تضيق عنها مساحة هذا المقال، لنلُمَّ بشيء من السياسة غير الأخلاقية للغرب. وهذا لا يعني أن تركيا غير مبالية بشهدائها التسعة بل على العكس، إن شهداء تركيا التسعة يستحقون نُصُباً تذكارية ليس في تركيا وحدها بل في العالم كله وبالخصوص في دول العالم العربي، في غزة ورام الله والقاهرة وعمان بدلاً من النَّصْبِ السياسي الذي تقوده سلطة رام الله بالتفاوض مع العدو الصهيوني وتباركه دول عربية فُُرضَ عليها، كما تنقل التسريبات، من الولايات المتحدة الأمريكية ومن إسرائيل نفسها أن تنأى بنفسها عن تركيا وتداعيات 'مرمرة' و'أسطول الحرية'. إنَّ تركيا تدرك رغم ذلك كله ورغم وقعه الثقيل على النفس أنهم أي شهداءها - في أعلى عليين عند مليك عزيز مقتدر، وأن قتلتهم في نار الدنيا محاصرين باستنكار العالم لعنصريتهم وهمجيتهم وإلى جهنم وبئس المصير يوم الحساب، وهم قضوا في سبيل الحق ودفاعا عن الإنسانية المضطهدة في غزة ومع نفر كثير يمثلون ضمير العالم المتحضر.

إن تركيا تنتمي لدين يؤمن بأن هذه الدنيا كلها محكومة من فوق وليس من تحت، والإسلام دين رأسي Vertical وليس دينا أفقيا Horizontal، ولأنه كذلك فإن دينها يخبرها من فوق: إفعل أيها الإنسان ما شئت فمثلما تُدينُ تُدان والجزاء من جنس العمل والديان حي لا يموت، وبشر القاتل بالقتل ولو بعد حين. تقريبا كما فعلت اليابان، عندما ألقت (زعيمة العالم الحر هاري ترومان) القنبلة الذرية على هيروشيما ونجازاكي عام 1945، وزرعت الدمار ونثرت الأشلاء في كل زاوية من زوايا اليابان وما يزال الكثير من أهل اليابان يعانون 'جينيا' من آثار ذلك، فانتقمت اليابان ليس بمثل ما اعتُدِيَ عليها ولا بأي شيء قريب من همجية الولايات المتحدة الأمريكية، بل برباطة الجأش أولا ثم بالصناعة وبالتكنولوجيا وبالتقدم التقني، و'رُبَّ ضارةٍ نافعة'.

' كاتب قطري

==========================

نقابات سياسية ...أحزاب مطلبية!

ميشيل كيلو

7/20/2010

 القدس العربي

في واحدة من التجديدات الخاصة بالوضع العربي تنتمي إلى عالم الغرائب العجيب الذي نرتضي العيش فيه، وقع تطوران مضحكان مبكيان، عبرا عن نفسيهما في تحول النقابات العمالية والمهنية والحرفية من تنظيمات مطلبية إلى هيئات سياسية، وتحول الأحزاب من منظمات سياسية إلى هيئات مطلبية.

هذا التحول، الذي لا يمكن وصفه دون استخدام كلمة ' تشوه '، يناقض تمام المناقضة التطور التاريخي والطابع المعروف للنقابة والحزب، ومسوغ نشوئهما ووظائفهما، الذي هو في حالة النقابات الدفاع عن المصالح والحقوق المادية لمن ينتسبون إليها، وعن مكانتهم في الإنتاج، وحصتهم من الثروة، دون أن يكون لها - للنقابات - أية وظيفة سياسية، ودون أن تتطلع إلى إعادة إنتاج المجال السياسي بما يتلاءم وصورة محددة له تنفرد بامتلاكها، يغير تحقيقها السلطة وبرامجها، ويتيح صعود قوة إلى الحكم غير القوة الممسكة بأعنته.

بقول آخر: ليس للنقابات من هدف غير أهدافها المطلبية، وهو ليس هدفا قليل الشأن أو هامشيا في الحياة الاقتصادية والعامة، فإن تخلت عنه فقدت صفتها ودورها وخانت الذين انتسبوا إليها كي تدافع عن مصالحهم وحقوقهم وليس بحثا عن جهة تعبر عن آرائهم السياسية وانتماءاتهم الحزبية. ومع أن بعض الأحزاب أسست نقابات عمالية ومهنية وحرفية خاصة، فإنها لم تجعل وظيفتها الحلول محلها في المجال السياسي، بل قصرت مهامها على تطبيق سياساتها المطلبية في الصعيد النقابي الصرف، في كل ما يتعلق بالأجور وظروف العمل، ونيل أفضل شروط من شأنها ترجيح وزن المنتسبين إليها في علاقاتهم مع إدارات المصانع والمرافق والمشاريع التي يشتغلون فيها، وبالتالي زيادة وزنها ونفوذها كأحزاب سياسية في الوسط العمالي/المهني/الحرفي، الذي يضم أعدادا هائلة من البشر في المجتمع الحديث، خاصة أن كان مجتمعا صناعيا.

أما الأحزاب، فقد نشأت بعد تكون طبقات وفئات اجتماعية جديدة في البلدان التي مهدت للثورة الصناعية أو سبقت إليها، خلال طور بدت فيه الفئة الإقطاعية الحاكمة وكأنها توشك على مغادرة مسرح التاريخ وترك مكانها لفئة جديدة تتكون من أرباب الصناعة والتجارة والمال والحرف، عبّر الحزب السياسي عن مصالحها وأفكارها ودورها المأمول، ومهد الطريق أمام صعودها إلى سدة الحكم والقرار، بعد إنجاز إعادة نظر جدية في مكونات وبنى المجال العام، وإقامة موازين قوى جديدة بين طبقات المجتمع وفئاته، تساعد على التحول من النظام القائم إلى بديله المنشود، وتلعب فيه دور الرائد والمبشر وقوة الدفع والقاطرة، فلا يجوز قصر عملها على جوانب مطلبية أيا كانت، بما أنه ينتمي إلى صميم الحقل السياسي، وإن كان من المستحسن أن تترجم سياساتها وإلى مطالب تحشد وراءها قوى مجتمعية كثيفة قادرة على قلب الأمر القائم، وإحلال نظام جديد محل النظام السائد.

بقول آخر: على يد الأحزاب وبنضالها سيزول القديم وينبثق الجديد، فهي بؤرة وحاضنة علاقات وتوازنات سياسية تنتمي إلى المجال العام، مجال الدولة والسلطة وما لهما من علاقات تتقاطع أو تعارض مع المجتمع، ستكون الحكومة التي تعد بإقامتها على صورة الأحزاب ومثالها، فهي إذن أحزاب سياسية وليست أي شيء آخر، وحتى عندما تمارس سياسات مطلبية، فإنها تفعل ذلك لغايات محض سياسية.

تعمل النقابات في الحقل المطلبي، وتعمل الأحزاب في الحقل السياسي، إلا عندنا نحن عرب اليوم، فالأحزاب صارت تنظيمات مطلبية لا تعمل في السياسة، بينما انقلبت النقابات إلى تنظيمات سياسية لا تقترب من الحقل المطلبي، الأولى كي لا تشوش بسياساتها، التي قد تكون مختلفة بعض الشيء وفي قطاعات معينة عن سياسات السلطة القائمة، عمل الأخيرة، والثانية كي لا يبدأ المنتسبون إليها من عمال ومهنيين وحرفيين الانخراط في العمل العام من أبواب مطالبهم، بعد أن أخرجتهم السلطة منه وركزت جهودها على إبعادهم عنه باعتباره محرما لا يجوز لغيرها الاقتراب منه، أو حتى إبداء أي اهتمام بأموره.

بهذا التطور الغريب العجيب، انقلب عمل الأحزاب والنقابات إلى نقيضه، فخرجت الأحزاب من الشأن العام، لأنها أضاعت ماهيتها الخاصة ووظيفتها السياسية العامة: التي هي وظيفتها الوحيدة، وتحولت إلى أدوات تستخدمها السلطة متى أرادت وكيفما طاب لها: تارة كأدوات سياسية، وأخرى أيديولوجية، وثالثة أمنية، ورابعة 'شعبية'، بينما تفيد من أسمائها وما تحمله من رمزية تذكر بدورها السابق حين كانت أحزابا تمارس وظيفتها كقوى تنتمي إلى حقل السياسة، دون أن تسمح لها بلعب أي دور مستقل أو منفصل عنها، مهما كان جزئيا وتافها، فهي بلا فائدة أو نفع لوطنها ومجتمعها كما للمنتسبين إليها، بينما تفيد السلطة منها بالطريقة التي تحلو لها، وفي الظروف التي تحددها، دون الرجوع إليها أو طلب موافقتها غالبا.

بالمقابل، فقدت النقابات وظيفتها، وصارت مهمتها إقناع المنتسبين إليها أن ما لديهم هو كل حقوقهم، وأنه لا حصة لهم من وطنهم غير ما منحتهم إياه سلطته، وأن مطالبهم، مهما كانت محقة، لا تتفق مع المصالح الوطنية العليا وتاليا مصالحهم الحقيقية، فلا بد لهم من قبول الواقع القائم بحذافيره، والامتناع عن المطالبة بتحسين أو تغيير شروط وجودهم فيه، ولا مفر من وضع ثقتهم السياسية الكاملة في السلطة القائمة، التي تعرف وحدها ما يناسبهم وتستطيع وحدها تلبيته، ولا بد من تأييد ما يصدر عنها من تدابير وإجراءات، خاصة في المجال الاقتصادي، مهما تعارضت مع مطالبهم ورغباتهم. لا يعني ما سبق أنه صار للنقابات حق ممارسة العمل السياسي. إنه يعني فقط أن دورها الأصلي، النقابي، تلاشى لصالح دور ليس لها، ينحصر في إقناع المنتسبين إليها بعدم وجود مطالب محقة لديهم، أو بتأجيل ما قد يكون عندهم منها، وبضرورة تأييد الحكومة سياسيا في كل ما تفعله وتقرره، دون الرجوع إليهم، بطبيعة الحال.

بهذا الانقلاب في الماهية والدور، تحولت النقابات إلى تنظيمات تخلت عن الدور الذي لطالما عرفت كيف تلعبه، وشرعت تمارس دورا لا خبرة لديها فيه، تجهل أسسه وركائزه وتفتقر إلى الأدوات الضرورية لتأديته، فهو دور غير سياسي بمعنى الكلمة رغم أنها تقنع نفسها بأنه حصتها من النشاط والفاعلية السياسية. بذلك، وجدت النقابات والأحزاب نفسها في مواجهة مصير ذلك الغراب، الذي حاول تقليد الحجل في مشيته، فلا هو عرف كيف يمشي مثله ولا هو استعاد مشيته الأصلية، وضاع.

بعد تجربة السنوات الأربعين الماضية، عملت خلالها النقابات كأجهزة تابعة للسلطة، والأحزاب كمنظمات مطلبية تتلاعب الحكومة بأقدارها، صار من الضروري، لوقف تدهور مستوى معيشة عشرات ملايين العاملين العرب، ولاسترداد فاعلية المجال السياسي، أن تستعيد النقابات والأحزاب دورها الأصلي: المطلبي في حالة الأولى، والسياسي بالنسبة إلى الثانية.

بغير ذلك، لن نقترب من العدالة الاجتماعية ولن ينال العاملون شيئا من حقوقهم، ولن تستقيم حياة العرب السياسية، وستبقى أسيرة تشوه متعدد الأوجه، وفشل يتلوه فشل، في عالم يريد لمجتمعاتنا ودولنا أن تغرق في تشوهات لا نهاية أو حصر، من الطبيعي أنه عالم لا يرحم المغفلين والفاشلين!

' كاتب وسياسي من سورية

==========================

الأوراق السورية

علي إبراهيم

الشرق الاوسط

20-7-2010

لا يملك أي متابع سياسي إلا أن يعجب من الطريقة التي تجمع بها دمشق أوراقها السياسية إقليميا، وقدرتها البارعة على التعامل مع متناقضات، وقوى متباينة والخروج من أزمات كانت تبدو عاصفة وتطيح أي نظام. وأقرب مثال على ذلك اليومان الماضيان. ففي الوقت نفسه الذي كانت توقع فيه العشرات من اتفاقات التعاون خلال زيارة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري بعد سنوات من العلاقة الصعبة مع لبنان وقوى «14 آذار»، كانت تستضيف اجتماعات بين فرقاء عراقيين؛ إياد علاوي ومقتدى الصدر في ما يبدو أنها وساطة سورية بتأييد غربي للمساعدة في حل عقدة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة المتعثرة منذ أشهر.

ومثل لبنان الذي وصلت العلاقات معه إلى درجة توتر كبيرة بعد اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، والاتهامات التي صدرت بوجود تورط من جهات أو أشخاص في سورية، كانت العلاقة مع العراق بعد إطاحة صدام حسين متوترة وأكثر اشتعالا مع الاتهامات التي كانت توجهها بغداد والقوات الأميركية هناك لسورية بتسهيل دخول المقاتلين والانتحاريين.

إقليميا، طورت دمشق علاقات جيدة سياسيا واقتصاديا مع تركيا التي حشدت جيوشها على حدود سورية في فترة حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد بسبب قضية زعيم حزب العمال الكردستاني، كما أن لها علاقات جيدة أيضا - كما يظهر على السطح - مع إيران رغم الاختلاف الشديد بين النظامين في إيران وسورية آيديولوجيا.

دوليا، ورغم العقوبات المفروضة وقوائم الإرهاب إلى آخره، تبدو واشنطن حريصة على فتح جسور وقنوات مع دمشق في سياسة تهدف كما هو معلن إلى التأثير من خلال الحوار والضغط على اتجاهات دمشق ومحاولة إبعادها عن إيران، وفي الاتجاه نفسه تسير أوروبا. تبقى إسرائيل وقضية الجولان المحتل، وأيضا فإن هناك ما يشبه الاتفاق غير المعلن أو رغبة مشتركة في إبقاء الأوضاع هادئة على الحدود. وإذا احتاج الأمر إلى تسخين فيكون ذلك عن طريق لبنان وحدوده الجنوبية.

كيف تستطيع دمشق الجمع بين هذه التناقضات واللعب بأوراقها بهذه الطريقة؟ هل هي مهارة أو شطارة من نوع خاص، أم دهاء كما يحلو للبعض تصويره؟ بالتأكيد هناك قدر من الشطارة البراغماتية. لكن السياسة لا تدار بالشطارة فقط. إنه الموقع والجغرافيا الذي توجد فيه سورية في قلب منطقة تموج بالأزمات وعوامل الانفجار، خاصة مع تداخل ملفات إسرائيل وإيران والعراق أو تصادمها مع المصالح الدولية، خاصة ما يتعلق أخيرا بالملف النووي الإيراني.

واستفادت دمشق من هذا الموقع الاستراتيجي وأهميتها بالنسبة إلى أمن هذه المنطقة سواء دوليا أو إقليميا في لعب أوراقها السياسية، والقفز فوق الأزمات. لكنها لم تستفد حتى الآن بالدرجة الكافية من أهم أوراقها استراتيجيا.

الأوراق الأهم هي جغرافيتها منذ أيام طريق الحرير، وتوسطها مفترق طرق في جغرافية القرن العشرين دولتين أكبر هما تركيا والعراق، ودولتين أصغر هما لبنان والأردن بحدود برية مشتركة. وهي أسواق واعدة للتجارة والاستثمار، يمكن أن تخلق - إذا توفرت الأدوات والفكر الصحيح - منطقة اقتصادية تموج بالنشاط بما يحسن دخل الفرد ويخلق وظائف جديدة، ويطور التكنولوجيا، شرط أن تعطى قوى السوق فرصتها للتنفس بعيدا عن البيروقراطيين وأصحاب الآيديولوجيات التي عفا عليها الزمن. لو حدث ذلك، فستذوب الحساسيات لصالح المصالح، ويكون الجميع سعداء؛ أنظمة وشعوبا. ولن تكون هناك حاجة للتعامل مع فصائل وجماعات كبر حجمها إلى درجة وقوعها في وهم أنها في حجم دول، بينما في ظروف طبيعية كان أقصى ما يحلم به زعماء هذه الجماعات هو مقعد في بلدية.

=======================

نتنياهو حيَّد الدور الأميركي في اللعبة التفاوضية

غسان الإمام

الشرق الاوسط

20-7-2010

نهل أميركا دولة قوية؟ نعم، قوية. لكن هل أميركا دولة ذكية؟ أن تكون قويا لا يعني أن تكون ذكيا. أميركا تعتقد أن القوة تعوِّض عن الذكاء. دبلوماسية الفرض بالقوة، على الأصدقاء والأعداء، هي أفضل وسيلة للتغطية على الأخطاء الفادحة للغباء!

منذ قيامها قبل ستين عاما، اعتمدت إسرائيل على قوة أميركا وغباء فهمها السياسي. اخترق اليهود المؤسسة الحاكمة. سخَّروا هذا الاختراق لفرض إسرائيل على العرب، سلما وحربا. ولأن سياسة أميركا الخارجية، ترسمها المصالح الانتخابية، فقد اضطر رؤساء أميركا المتعاقبون لمنح إسرائيل الأمن المطلق.

كانت الذريعة الأميركية، أمام العرب، ساذجة إلى حد الغباء: كلما سلحنا إسرائيل، ازدادت أمانا. كلما ازدادت أمانا، ازدادت رغبة في السلم!

التجربة أثبتت العكس. سلحت أوروبا إسرائيل بالقنبلة النووية. سلحت أميركا إسرائيل، باستمرار، بما يكفي للتفوق النوعي والتقني على العرب جميعا. فلم تعد راغبة في السلام. بل استغلت أمانها في إدامة احتلالها، وتهديد ومحاربة جيرانها، كلما شعرت بأن هناك خطرا يهدد تفوقها العسكري والاستراتيجي.

عناد إسرائيل حيَّد أوروبا. منعها من التدخل والتوسط في الصراع العربي / الإسرائيلي. بل حيَّدت إسرائيل أميركا في الألعاب التفاوضية مع الفلسطينيين. سحبت إسرائيل عرفات وعباس إلى خلوة أوسلو، من المفاوضات الجماعية التي أدارها الأميركيون في مدريد.

بل فرضت إسرائيل على إدارة بوشبيكر (1992) تقديم ضمانات لقروض حصلت عليها من المصارف الأميركية، بقيمة عشرة مليارات دولار لتمويل التنمية. اشترط غباء أو تغابي الإدارة البوشية الأولى، عدم تمويل مشاريع الاستيطان بالمال الأميركي. كأن أميركا لا تعرف أن المال كالماء. لا يمكن التفريق بين مال يذهب للتنمية. ومال يذهب لسرقة الأرض.

تم «تفشيل» الرئيس بيل كلينتون في كل المفاوضات التي أجراها بين العرب وإسرائيل. اغتيل إسحق رابين عندما حاول تنفيذ اتفاق أوسلو على الأرض. لم يتدخل بوش الثاني في مفاوضات شارون / عرفات. حاصر الأول الثاني. لم يطلقه إلا ليسلمه إلى موت مؤكد.

بعد هياط ومياط بين أوباما ونتنياهو، نجح الأخير في تحييد الأول. نتنياهو يعتقد دائما أن «أميركا شيء يمكن تحريكه بسهولة». تحرك الرئيس الأميركي خارجا من حضرة نتنياهو ليعلن ما معناه الانسحاب الأميركي من دور الوسيط في المفاوضات غير المباشرة. لأن نتنياهو قدم الدليل على «بناء الثقة» في المفاوضات المباشرة مع المفاوض الفلسطيني!

كم يمكن خداع رئيس مثقف بكمية من التجريدات السيريالية الكاذبة! يطلقها سياسي محتال. محترف. أين الشرط الأميركي / الفلسطيني بتجميد الاستيطان؟! بات الغباء الدبلوماسي الأميركي مسخرا كله، لدفع عباس إلى الانتحار السياسي، في مفاوضات مباشرة. وإلا، فالمال والنفوذ اليهوديان لن يكونا في خدمة الحزب الديمقراطي الحاكم في انتخابات الخريف النصفية.

أين المنطق؟ هل نجحت المفاوضات غير المباشرة لتتحول إلى مفاوضات مباشرة؟ اختلف المتفاوضون. اشترط صائب عريقات كبير مفاوضي عباس البحث في حدود الدولة الفلسطينية. أصر الجانب الإسرائيلي على البحث في «طبيعة» هذه الدولة. هل ستكون محيدة، كي لا يقصف عباس أو سلام فياض تل أبيب. ثم لا بد من احتلال حدودها الشرقية (غور الأردن) كي لا يسلح الملك الهاشمي عبد الله بن الحسين دولة عباس بالمدافع والدبابات والصواريخ. أيضا، لا بد لعباس من الاعتراف، لا بوجود إسرائيل، وإنما أيضا بيهوديتها. لكي يسهل في المستقبل الحفاظ على صفاء عنصريتها بطرد 1.2 مليون عربي منها.

لا أدري كيف ذهب عباس وعريقات إلى المفاوضات غير المباشرة! هل صدقا تجميد نتنياهو المؤقت للاستيطان؟! الاستيطان استمر عمليا في بناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية في الضفة. بل تضاعف بناء الوحدات السكنية، بمقدار عشرة أمثال خلال الأعوام الأربعة الأخيرة. بصرف النظر عن هدم بيوت العرب في القدس الشرقية، والهجمة الاستيطانية التي تغزو أحياءها العربية.

أعود إلى إجراءات «بناء الثقة» التي وعد بها نتنياهو، لأقول إن عباس نفسه رفضها. فهي لا تعدو كونها إجراءات أمنية لتخفيف الحصار عن الضفة، كان من الواجب تنفيذها، بموجب خارطة الطريق (2003). لكن ماذا عن التعهدات السياسية؟ لا شيء. ما زال نتنياهو غامضا بخصوص شكل الدولة الفلسطينية. حدودها. سيادتها. مساحتها. ما زال غامضا عن الاستيطان. عن التجميد (الرمزي). عن تبادل الأراضي.

ما هو هدف المفاوضات المباشرة، إذن؟ هيلاري قالت منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن الهدف التوصل إلى اتفاق لإقامة الدولة الفلسطينية، بحدود 1967، مع تبادل للأراضي. مع اعتراف عربي بيهودية الدولة الإسرائيلية. مع ضمان أمن إسرائيل (تعني ضمان تفوقها العسكري وتحييد الدولة الفلسطينية).

تعب العرب جميعا من ثقافة الرفض المطلق الفلسطينية. بات الزمن يلعب ضد القضية. لا بد من القبول في النهاية بالتفاوض المباشر. التسوية لا تتم في فراغ. أو مع أشباح. لا يعني ذلك أن يكون النظام العربي المطالب اليوم بإضفاء الشرعية على المفاوض عباس، مستعدا للاستسلام لضغوط الإدارة الأميركية. تجربة أنابوليس التفاوضية لا تغيب عن البال. ذهب العرب إلى أنابوليس موعودين بتسوية خلال عام. انتهى العام باختفاء إدارة بوش الضامنة للمفاوضات. وبحرب في غزة، أضعفت عباس. وأبقت على حماس.

في أية مفاوضات سياسية مباشرة، هناك جدول أعمال. هناك بنود واضحة للنقاش والبحث. هناك أفق زمني محدد للوصول إلى تسوية. هناك ضمانات من الدول الراعية والضامنة. النظام العربي مطالب بالتنبه لهذه المفردات. لكي لا يصاب بالإحراج أمام المزايدات العربية والإقليمية. وأمام جمهور عربي لا يثق بأميركا، ومشبع إلى حد التخمة بثقافة الرفض الفلسطينية.

هل يثق النظام العربي بإدارة أوباما؟ أعتقد أنه يثق بها أكثر من ثقته بإدارة بوش. السياسي المثقف أكثر إيحاء بالثقة من السياسي المحترف. أوباما مثقف. لكنه محكوم بإدارة ضعيفة. منقسمة. رجالها متنافسون. مترددون. ولأنه أسود، فأوباما يجد نفسه مضطرا لمسايرة غباء طبقة ومؤسسة بيضاء حاكمة لا تتعلم من تجاربها.

إذا كان النظام العربي يقرأ، فأحيله على ما كتبه روجر كوهين كبير معلقي وكتاب «نيويورك تايمز» عن رجال إدارة أوباما. يهودية المعلق لا تتغلب على ليبراليته وصراحته. يخص روجر كوهين كبيري مستشاري أوباما اليهوديين رام إيمانويل. وديفيد إكسلرود بالقول إن نجاحهما في إدارة حملة أوباما الانتخابية لا يعني أنهما استراتيجيان يفهمان السياسة الخارجية.

نتنياهو له رأي آخر فيهما. يقول عنهما «إنهما كارهان لنفسيهما». يقصد أنهما كارهان ليهوديتهما. أما الجنرال ستانلي ماكريستال الذي طرده أوباما من أفغانستان، فيصف الجنرال جيمس جونز كبير مستشاري أوباما الأمنيين بأنه مجرد «مهرج».

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ