ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 24/07/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


من الأشد انتهاكا لحقوق الانسان؟

د. سعيد الشهابي

7/21/2010

القدس العربي

خبران حول ايران في الفترة الاخيرة، كلاهما يرتبط بشكل او آخر بموضوعة حقوق الانسان، أحدهما تصدر وسائل الاعلام الدولية بينما غاب الآخر عنها. وبرغم أهمية السجال حول نظام العقوبات القائم على الشريعة الاسلامية، وضرورة اجرائه في دوائره المناسبة، فقد تحول الى مادة دعائية اعلامية تستعمل ضد الاسلام والدول التي تسعى لتطبيق احكامه.

صحيح ان التعاطي مع القانون الجنائي الاسلامي يرتبط بقضايا حقوق الانسان، ولكن الاهتمام بهذه الحقوق اصبح، هو الآخر، وسيلة للضغط الموجه ضد الاسلام، بدلا من توجيهه لتكريس المنظومة نفسها واعادتها الى موقع الصدارة في العلاقات الدولية. الخبر الايراني الاول كان حول المواطنة الايرانية المتهمة بالزنا والقتل، واحتمال اقامة حد الرجم عليها. وبرغم ان حالات الرجم نادرة جدا في ايران، فقد عرض الخبر بالشكل الذي اثار زوبعة اعلامية وسياسية ضد الجمهورية الاسلامية التي اصدرت احدى محاكمها الشرعية لاحقا قرارا بعدم رجم المتهمة. القضية هنا ليست مناقشة احكام العقوبات في الاسلام، بل الكشف عن ازدواجية المعايير على مستوى الاعلام والسياسة في الغرب ازاء منظومة حقوق الانسان. اما الخبر الثاني الذي تمت الاشارة اليه فمفاده ان محكمة ايرانية اصدرت حكما باعدام شخصين بعد ادانتهما ب 'سوء معاملة بشكل مقصود ادت الى قتل كل من محمد كرماني، امير جوادي فر ومحسن روح الاميني' في سجن كهريزك. واصدرت المحكمة نفسها احكاما بالسجن لمدد مختلفة، بحق تسعة آخرين وتبرئة شخص واحد. وقال بيان المحكمة ان هناك 33 شخصا آخرين تجري محاكمتهم لدورهم في هجمات على مساكن طلابية خلال الاضطرابات المذكورة، وقيامهم بضرب الطلاب فيها، بالاضافة لاعتداءات على مجمع سكني قريب. جاءت هذه الاحكام على خلفية الاحتجاجات السياسية التي اعقبت الانتخابات الرئاسية العام الماضي، التي فاز فيها الرئيس احمدي نجاد، والتي شكك المعارضون في نزاهتها. فلا شك ان التعذيب وسوء معاملة السجناء جرائم قبيحة، لانها تحط من كرامة الانسان، وتحيله من بشر الى حيوان، لانها تفقده ارادته التي تميزه عن البهائم. وبرغم الضجة الاعلامية الهائلة التي اثيرت حول تلك القضية، فقد كان الاعلام الغربي انتقائيا بجدارة. ففيما سلطت الاضواء بدون توقف على انتهاكات ايران لحقوق الانسان، فان هذه الاعلام تجاهل بشكل مطلق اية اجراءات اتخذها النظام ضد تلك الانتهاكات. ومن الحقائق التي لم تذكر الا بشكل خجول قرارات مهمة أصدرها مرشد الثورة، آية الله السيد علي خامنئي. فما ان تناهى الى سمعه ان بعض السجناء قد تعرض للتعذيب وسوء المعاملة حتى أصدر في الجلسة نفسها ثلاثة اوامر مهمة: اولها غلق سجن 'كهريزك' الكائن باحدى ضواحي طهران على الفور، ثانيها: عدم التجديد لرئيس مجلس القضاء الاعلى الذي كانت فترة رئاسته منتهية لانه تراخى في وضع السجن المذكور تحت ادارة القضاء بدلا من الحرس الثوري، كما هي بقية السجون، ثالثها: اجراء تحقيق شامل في مزاعم التعذيب وسوء المعاملة، ومحاكمة من يثبت تورطه في القيام بذلك. المقربون من المرشد الاعلى يصفون حالة الغضب التي انتابته لدى سماع خبر اساءة معاملة السجناء بانها 'غير مسبوقة'، لاعتقاده بان ذلك مناف لقيم الثورة ونظام الجمهورية الاسلامية.

الاحكام المذكورة التي صدرت ضد مسؤولين متنفذين في سجن 'كهريزك' بتهم التعذيب وسوء المعاملة، ظاهرة نادرة في العالم كله، وتستحق التقدير خصوصا من الجهات الحقوقية الدولية لانها بادرة ليس لها نظير. ولكن في عالم اصبح يحدد مواقفه وفق المصالح وليس المباديء، اصبح يمارس سياسات 'انتقائية' بشكل مقزز، فيركز على ما يخدم سياساته ويتجاهل ما ليس كذلك. فهل هناك نظام سياسي في اي مكان في العالم تعامل مع ضباط الامن بهذه الطريقة؟ في أي بلد تمت محاكمة مسؤولي التعذيب بشكل جاد وعادل؟ وبرغم ان اغلب دول العالم وقعت معاهدة منع التعذيب التي صدرت في 1987، فان الكثير منها ما يزال متحفظا على البند رقم 20 من تلك الاتفاقية، الذي يعطي ضحايا التعذيب حق التظلم امام القضاء المحلي وان لم يكن ذلك ممكنا، امام القضاء الدولي. ولذلك لم يتوقف التعذيب كممارسة روتينية في اغلب السجون خصوصا في البلدان العربية. من هنا يتعذر التغيير السياسي في هذه المنطقة من العالم بسبب الدعم الغربي لانظمة الاستبداد العربية من جهة، وللخوف الذي ينتاب قطاعات واسعة من المواطنين مما سيتعرضون له من تعذيب وسوء معاملة لدى اعتقالهم عندما ينخرطون في حركات المعارضة المطالبة بالتغيير من جهة اخرى. فأين المشكلة؟ أهي في القوانين والاتفاقات الدولية التي لا تمتلك قوة التنفيذ وادوات الممارسة؟ ام هي الانظمة التي تمارس سياسات 'الانتقام' من المعارضين بتعريضهم لأبشع اصناف التعذيب داخل الزنزانات؟ ام في الانظمة السياسية الغربية التي لا تمتلك شرف الموقف المسؤول والمحايد ازاء الآخرين وليست جادة في الالتزام باحترام حقوق الانسان بشكل مبدئي؟ ان استعراضا لبعض نماذج التعامل الغربي مع هذه القضية يكشف جانبا من الاشكالات والمصاعب في عدد من القضايا التي تشكل بمجملها سياق التعامل مع ما يمثل جوهر التطور العصري خصوصا في ما يتعلق بشؤون المجتمع المدني الحديث ومن ذلك: حقوق الانسان، والعدالة، وانسجام المعايير والمواقف مع القيم، والحياد ازاءها، والموضوعية في النظرة للآخرين بالتخلي عن الانتقائية في المواقف والازدواجية في المعايير.

ففي فرنسا مثلا، أقر البرلمان الفرنسي الاسبوع الماضي قرار منع النقاب، برغم ان ذلك انتهاك مباشر لمبدأ الحرية الشخصية، وهي احدى دعامات الثورة الفرنسية التي كانت المدخل لمنظومة حقوق الانسان في شكلها الحالي. هذا بالاضافة لمنع الحجاب من المدارس قبل بضعة اعوام. اما بريطانيا فقد فشلت حتى الآن في حماية حقوق مواطنيها عندما تتعرض للانتهاك على ايدي اجهزة الامن او الشرطة. وفي الاسبوع الماضي اعلن عن اعتداء عناصر من الشرطة على شابين بجامعة اكسفورد، عندما كانا يشاركان العام الماضي في احتجاج امام السفارة الاسرائيلية ضد العدوان على غزة، ورفضت الشرطة اعتقال الشرطيين المسؤولين عن الاعتداء، ولكنها دفعت تعويضا قدره 25 الف جنيه استرليني (من اموال دافعي الضرائب) للشابين. وبرغم تصوير الحادثة بكاميرات مراقبة كانت تصور المتظاهرين، فقد أصر جهاز الشرطة ان الكاميرات صورت كل شيء، ولكنها لم تصور الدقائق التي تعرض الشابان فيها للاعتداء. وفي العام الماضي قتل احد المواطنين البريطانيين (ايان توملينسون) بعد ان دفعه الشرطة بقوة على الارض بدون ان يكون قد ارتكب اي مخالفة وذلك خلال المظاهرات التي قامت بها القوى المناهضة للعولمة خلال مؤتمر مجموعة العشرين في لندن. وبعد تحقيق استمر اكثر من عام قررت الشرطة عدم اتخاذ اي اجراء ضد الشرطة المسؤولين عن الحادثة المصورة. وفي الاحتجاجات نفسها اعتدى احد الضباط على متظاهرة بشكل شرس، ادى الى جروح بليغة في رجلها، وبرغم تصوير الحادثة بشكل كامل الان ان الشرطة قررت عدم اتخاذ اي اجراء ضد الشرطي المسؤول بدعوى انه 'كان مجهدا بسبب ساعات العمل الطويلة'. وقبل ثلاثة اعوام قررت الشرطة البريطانية عدم اتخاذ اي اجراء ضد اي من الشرطة ال 11 الذين تم التحقيق في دورهم في ما يتعلق بقتل البرازيلي، جين تشارلز دي مينندز، الذي اطلقت النار عليه في قطار الانفاق في مثل هذه الايام من 2005، برغم انه لم يكن مسلحا ولم يقم بأي تصرف مريب. وفي الشهر الماضي رفضت السلطات الامنية البريطانية اتخاذ اي اجراء ضد عناصر الجيش التي اعتدت في 30 يناير 1972 على مسيرة سلمية في ايرلندا الشمالية وقتلت 13 من المتظاهرين برغم ان المظاهرة كانت سلمية، وبعد تحقيق استمر 12 عاما وكلف ما يقرب من 200 مليون جنيه استرليني. هذا برغم ان رئيس الوزراء الحالي، ديفيد كاميرون وصف الاعتداء بانه 'غير مبرر، وغير قابل للتبرير'.

هذا الفشل في اتخاذ اجراءات ضد ما يمكن اعتباره 'انتهاكات صارخة لحقوق الانسان' يؤكد حقيقة مهمة مفادها ان الوفاء بالتعهدات الدولية او تطبيق العدالة في السياسات والتصرفات والمواقف، ومعاملة الجميع على قدم المساواة، ما تزال قيما غائبة عن المجتمع المعاصر. وهل هناك شعب تعرض لانتهاكات حقوق الانسان بدون حدود، اكثر من الشعب الفلسطيني؟ أليس الموقف الغربي الداعم للاحتلال الاسرائيلي الذي رفض على مدى اكثر من ستين عاما تطبيق اي من قرارات مجلس الامن الدولي، تعبيرا عن تواطؤ مكشوف مع الظلم والاحتلال والعدوان وانتهاك حقوق الانسان؟ وهنا تتضح السياسة الامريكية في مجال حقوق الانسان في ابشع الصور. ولولا توفرها على قوة عسكرية وامنية مفرطة، وامبراطوريات اعلامية عملاقة، لما استطاعت هذه الدول خداع البشر طوال هذه المدة. وقد كشفت السياسات والتصرفات الامريكية في السنوات السبع الاخيرة انتهاكات صارخة للحقوق الاساسية للبشر، بما في ذلك رفضها التعامل مع معتقلي تنظيم 'القاعدة' على اساس انتمائهم للجنس البشري. واذا كان الرئيس الامريكي السابق، جورج بوش قد أقر ممارسة التعذيب مع معتقلي 'القاعدة' فان الرئيس الحالي، باراك اوباما، لم يتخذ اي اجراء لتجريم التعذيب. والتجريم هنا اجراء يقتضي محاكمة مرتكبيه، لان جرائم التعذيب لا تسقط بالتقادم. وبالاضافة الى ما ارتكب بحق معتقلي غوانتنامو من حرمانهم من النوم باطلاق الموسيقى العالية التي تصك الآذان، ام بتقييد ايديهم وارجلهم بالاغلال، ام بالضرب والاهانة، فقد مورس بحقهم واحد من ابشع اساليب التعذيب وهو 'الايهام بالغرق'. ويتمثل هذا التعذيب بتقييد المعتقل وتثبيته على الأرض بحيث لا يستطيع الحراك مع دس قطعة قماش في فمه وتغطية وجهه بما يشبه كيسا بلاستيكيا، ثم سكب الماء على وجهه بحيث يتخيل انه يغرق. وبرغم محاولات ادارة بوش وصف تلك المعاملة بانها ليست تعذيبا، فقد أعلن مدير الاستخبارات القومية الأمريكية مايك ماكونل ان الأسلوب المعروف ب'الايهام بالغرق' المتبع في استجواب المشتبهين في قضايا الارهاب نوع من التعذيب. وقال: 'لا اهتم ان لم يكن ذلك تعذيبا بمعايير اشخاص آخرين، فهو بالتأكيد تعذيب بالنسبة لي شخصيا'. كان البعض يتوقع ان يبادر الرئيس اوباما لتجريم هذه الممارسة، ولكنه لم يفعل. بالاضافة الى ذلك فقد مضى اكثر من ثمانية عشر شهرا منذ ان استلم الرئاسة ولم يغلق سجن غوانتنامو الذي اعتبر واحدا من ابشع رموز الظلم الامريكي. ولم يصدر امر رسمي بوقف الطيران السري، او المعتقلات السرية التي أقامتها الاستخبارات الامريكية في اكثر من ثلاثين بلدا. كما لم يأمر اوباما بفتح ملف للتحقيق في ما جرى في سجن أبوغريب من تعذيب للمعتقلين. وقبل عامين أصدر توني لاغورانيس، الذي كان محققا امريكيا في العراق، كتابا بعنوان: 'تخويف قاس: رحلة سوداء لمحقق عسكري في العراق' شرح فيه تفاصيل تعذيب العراقيين في سجن ابو غريب واحتقار المعتقلين، واحتقار دينهم، ولونهم، وعائلاتهم، وقيمهم الاخلاقية. وقال المؤلف: 'استعملت الكلاب لتخويف المعتقلين. واستعمل الماء البارد جدا أيضاً'، وأضاف، 'استعمل غيري وسائل اكثر قسوة من ذلك'. وقال انه وزملاءه، درسوا ومارسوا اساليب تعذيب مارستها القوات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين، ومارسها البريطانيون ضد العرب والأفارقة والآسيويين عندما كانوا يستعمرون بلادهم. ويوضح المؤلف: 'فكرت كثيرا خلال أشهر طويلة. واكتشفت ثلاثة اشياء قبيحة: اولا: انني اعذب عراقيين ابرياء. ثانيا: انني اعذب وكأن التعذيب شيء عادي. ثالثا: ان هناك جانباً اسود قاتماً في طبيعتي'. وقالت دار النشر التي نشرت الكتاب: 'هذه قصة حرب. ليست عن حرب العراق. وليست عن اي حرب في اي دولة. ولكنها حرب داخل عقل شخص معين (لاغورانيس). حرب بين الضمير والفعل، انتهت بالاعتراف'.

هذه العقلية الامريكية لم تتغير بشكل ملحوظ منذ صعود اوباما الى الرئاسة، والدليل على ذلك استمراره في اغلب السياسات التي بدأها سلفه، بدون تغيير يذكر. وحتى في ما يتعلق بالموقف ازاء 'اسرائيل' فهناك تأرجح يهدف لاعطاء الانطباع بوجود تغير حقيقي، ولكنه في الحقيقة ليس كذلك. فدراسة ملف رئاسة اوباما خلال الثمانية عشر شهرا الاخيرة يؤكد ذلك من خلال المعطيات التالية: اولا انه لم ينقلب على تركة جورج بوش في ما يتعلق بشن الحروب على الآخرين، وما استبدال الجنرال ماكريستال بالجنرال ديفيد بترايوس الا تأكيد لعقلية العسكرة والتصعيد. ثانيها ان اوباما لم يفعل شيئا حقيقيا ضد 'اسرائيل' سواء عندما اعتدت على قافلة 'أسطول الحرية' ام بتشبثها ببناء المستوطنات وعدم التوقف عن ذلك، خصوصا في القدس الشرقية. ثالثها: عدم فتح اي تحقيق في مزاعم التعذيب سواء في سجن ابوغريب ام سجن قاعدة باجرام الافغانية ام السجون السرية في البلدان الاخرى، ام في غوانتنامو. رابعها: عدم تجريم التعذيب كممارسة ثابتة من اساليب التحقيق مع المعتقلين، وعدم اتخاذ اي اجراء ضد من مارسه في السنوات الاخيرة. يضاف الى ذلك ان اوباما استمر في سياسة بوش في ما يتعلق باغتيال مناوئي السياسة الامريكية. وفي شهر يناير الماضي مدد اوباما صلاحيات اجهزة الاستخبارات لتشمل 'الاغتيالات الموجهة' لاشخاص غير مرغوب فيهم، وان كانوا امريكيين. وهناك فريق خاص للقيام باغتيالات سياسية يمارس استطلاعاته وتحديد اهدافه من قاعدة سرية في جيبوتي على البحر الاحمر، تخطط لاغتيال أنور العولقي، اليمني الاصل، برغم جنسيته الامريكية. وكتب الكاتب الامريكي، جيريمي سكاهيل العام الماضي مقالا على موقع 'ضد الحرب' انتقد فيه العودة الامريكية للاغتيالات قائلا: 'أن إدارة أوباما لم تنتهج سياسة بوش في استخدام الطائرات بدون طيار لتنفيذ عمليات الاغتيال المستهدفة فحسب، بل واصلت استخدام السجون السرية التابعة للولايات المتحدة الامريكية والمنتشرة عبر العالم حيث يزج فيها الناس لأجل غير مسمى بدون أي اتهام بالإضافة إلى عدم السماح للجنة الصليب الأحمر الدولية بالوصول إلى هؤلاء السجناء'. وأشار إلى أن قاعدة باجرام الجوية في أفغانستان ازدادت توسعًا في عهد أوباما، وأنه يوجد فيها حاليًا مئات السجناء المحتجزين بدون توجيه أي اتهامات لهم. هذه العقلية هي التي تتخذ مواقف الدعم غير المحدودة للكيان الاسرائيلي وسياساته، وتمتنع عن اتخاذ موقف يضغط على الصهاينة ويفهمهم ان سياساتهم لها ثمن باهظ. والمعروف ان واشنطن اصبحت داعمة حقيقية للسياسة الاسرائيلية، بدون تردد او تراجع او مناقشة. فهي التي اضعفت الموقف الدولي بعد صدور تقرير الامم المتحدة حول مجزرة قانا في 1996، وهي التي حمت الكيان الاسرائيلي من تداعيات تقرير جولدستون الذي يتهم الاسرائيليين باستخدام قوة عسكرية مفرطة ضد المدنيين في غزة. واشنطن هي التي تميزت عن العالم بموقفها من العدوان الاسرائيلي على 'أسطول الحرية' وتمارس ضغوطا متواصلة على تركيا لمنعها من اتخاذ قرارات قوية ضد 'اسرائيل' تصل الى حد قطع العلاقات معها. فما دامت واشنطن تمارس اساليب عنف مماثلة، واغتيالات وتعذيب، فانها لن تمتلك الارضية الاخلاقية يوما للوقوف ضد من يمارس تلك الاغتيال والتعذيب والاحتلال.

بعد هذا الاستعراض للممارسات الغربية في مجال حقوق الانسان، ومقارنتها بما فعلته ايران، ايا كان الموقف من نظامها وسياساته، اصبح امرا ملحا اعادة تقييم المواقف الدولية ازاء عدد من الامور: اولها الموقف من التعذيب وادانة من يمارسه، ابتداء بالقوات الامريكية التي تضطهد السجناء في السجون السرية والعلنية الكثيرة. ثانيها: المسألة الاخلاقية التي تساهم في بلورة الموقف ازاء انتهاك حقوق الانسان، وعدم المساومة على ذلك. ثالثا: اسباب تنامي التطرف والعنف والارهاب، ومدى ارتباط ذلك بمشاعر الاحباط لدى الكثير من الشعوب المقهورة التي ترى ان مواقف الساسة الغربيين لا تقل سوءا في اغلب الاحيان عن مواقف حكامهم المستبدين. رابعا: تعمق ظواهر الانتقائية في المواقف وازدواجية المعايير، ونسبية منظومة الحقوق، ورفض عولمة العدالة، وغياب العدالة في تقييم الموقف من الآخرين، او الاعتراف بانجازاتهم وانسانيتهم. فالخطوة الايرانية بمحاسبة مرتكبي جرائم التعذيب وسوء المعاملة بادرة غير مسبوقة في عالم اليوم، وبالتالي فان تشجيعها امر يصب في صالح الشعوب وقوى التغيير ويساهم في تقويض الاستبداد والظلم. مطلوب من المجتمع الدولي الاعتراف بقيمة سياسة منع التعذيب، وتشجيع الدول الاخرى على محاسبة مرتكبي تلك الجرائم، وعدم الخشية من ردود الفعل طالما ان الهدف كان نبيلا. فان لم يحدث ذلك، فسوف تظل قضايا حقوق الانسان مجمدة في عالمنا العربي، وسيظل القمع والاستبداد والاحتلال ظواهر مدمرة تحاصر سياسات التطور السياسية والتنمية الاقتصادية، ان كان لهذه السياسات وجود. لقد حان الوقت للمفاصلة مع سياسات التضليل التي لا تحترم عقل الانسان، وتراهن على ابقائه جاهلا، في الوقت الذي اصبحت الشعوب فيه تسعى للتخلص من تركة الماضي، والانطلاق الى المستقبل على ارضية الواقع الذي تعيشه. وما لم يتم ذلك، فسوف يتم تفويت فرصة ذهبية لعولمة العدالة وحماية الحقوق، والقطيعة مع انظمة القمع والاستبداد والظلم والاحتلال.

===============

لبنان .......الفتنة تطل برأسها من جديد

عبد الستار العياري

7/21/2010

القدس العربي

هل كان الوضع اللبناني كاللهيب تحت الرماد ؟خاصة بعد الانتخابات الماضية وتشكيل حكومة توافقية ونتج عنهما نوع من الهدوء والسكينة على المستوى السياسي وانخفضت حدة الحرب الكلامية بين "المتنازعين السياسيين"الذين تغيرت مواقع البعض منهم ...وتفككت تحالفات قديمة في مجموعة 14' آذار استفاد منها لبنان داخليا وخارجيا. وخلقت نوعا من التوازنات والمصالحات بين خصوم الداخل والخارج وأصبح الشعب اللبناني يتطلع إلى مستقبل أفضل.

لكن يبدو أن الوضع الداخلي العام مازال تنخره بعض التعصبات المذهبية لجهات سياسية لم يرق لها ما حصل من استقرار وتفاهمات خاصة التفاهم،والتقارب بين الحكومتين اللبنانية والسورية وما للأخيرة من ارتباطات بدول إسلامية مثل إيران مرفوضة من طرف أولائك الذين ينظرون في الاتجاه المعاكس للمصالح اللبنانية والعربية والإقليمية ولم تتغير عقليتهم رغم ما حصل حولها من تغييرات داخلية وإقليمية ودولية وخيرت أن تبقى هذه الأطراف اللبنانية الإصطاد في المياه اللبنانية التي عكرتها الجهات الخارجية التي لا مصلحة لها في لبنان كدولة مستقرة ومتناغمة مذهبيا وقوية على الحدود مع الأراضي المحتلة خصوصا في ظل ووجود مقاومة قادرة على تحقيق الأمن للبنان، وخلق توازنات رعب مع ما تسمى دولة الكيان الصهيوني التي وضعت العالم بأسره على صفيح ساخن وفككت المنطقة بأكملها وتعمل حكومتها العنصرية على خلق مزيد من الحروب العسكرية والاقتتال الداخلي في قلب الدول والجهات المعادية لاحتلالها وإجرامها.

لقد بدأت الفتنة تطل برأسها "الخبيث المتوحش"على الساحة اللبنانية عن طريق المحكمة الدولية الخاصة بمقتل رئيس الوزراء الأسبق المرحوم رفيق الحريري وتقاريرها التي تعتبرها بعض الجهات كحزب الله وحلفائه مشبوكة بألغام سياسية معلومة النوايا والأهداف للزج بكتلة المقاومة في جحيم الاتهام بمقتل الشهيد الحريري من اجل تصفيتها وإدخالها في نفق الشكوك في مصداقيتها وأهدافها التحريرية النبيلة وما إن ظهر السيد حسن نصر الله مؤخرا ونبه إلى عدم الانجرار وراء تسييس هذه المحكمة الدولية حتى أطلقت الأصوات "النشاز" صياحا وعويلا تتهم ،وتحذر وتتوعد... مما يجعلهم في دائرة الشبهات أكثر ،ويكشف تورطهم في الإصرار على تغيير مسار المحكمة تجاه جهات معينة عجزوا عن تركيعها نتيجة وعي الشعب اللبناني وإلتفافه حول عناصر قوة الدولة اللبنانية التي أصبحت حجر الزاوية في كل الحلول والمعادلات الإقليمية والدولية.ويطالب كل مكونات هذا الشعب البطل بحقيقة الجريمة التي تؤشر عدة دلائل على تورط عدة جهات عربية ودولية وكذلك إسرائيل في ارتكابها جريمة قتل الحريري.

أليس من الغريب أن تتزامن كل هذه المشاحنات والمؤامرات مع ذكرى العدوان الهمجي الإجرامي على لبنان في تموز 2006 وأنتصار المقاومة اللبنانية على العدو الصهيوني الذي أرعب كل الجيوش العربية واعتبروه لا يقهر !؟وكذلك في الوقت الذي تدرس فيه وضعية اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات اللبنانية وقرب توافق الأغلبية اللبنانية على منحهم بعض الحقوق التي تعارضها بعض الأطراف اللبنانية سبب البلية لتوفر لهم بعض الحياة الكريمة التي تليق بصبرهم وتضحياتهم ومعاناتهم جراء تشريدهم وتهجيرهم من ديارهم وأراضيهم أمام أنظار العالم الغربي المتواطؤ، والصمت العربي الذي لم ينته بعد .

كل هذا يجري في ظل حرب الجواسيس التي تشنها ضدهم المخابرات اللبنانية التي تتحرك في هذا الموضوع حسب الأوضاع السياسية الداخلية وتعرقلها جهات للأسف الشديد لبنانية تظهر المعلومات من حين لأخر تورط هذه الأطراف التي غير راضية على المناخ السياسي اللبناني الجديد نتيجة تخلي حلفاؤهم والشعب عن توجهاتهم المذهبية والمصلحية الفئوية المدمرة لمستقبل بلد عربي عان الويلات من الكيان الصهيوني الذي مازال هاجسه الأول والأخير تدمير لبنان أو تطويعه من أجل فتح الطريق أمام مخططاته الجهنمية الرامية إلى إخضاع كل الأطراف الممانعة في المنطقة وتعتبر المقاومة اللبنانية الصد المنيع أمام ذلك الهدف الصهيوني القبيح.

إن المنطقة العربية والشرق الأوسط يعيش حالة مخاض عسير جدا وغير مسبوق وكل الأطراف الفاعلة والمفعول بها في عنق الزجاجة بما فيهم إسرائيل والولايات المتحدة التي عجزت عن إيقاف ماكينة العجرفة الصهيونية لا وبل استسلمت لجرفها لكل الحلول والمبادرات وليس أمام الكيان الصهيوني سوى خلق بؤر صراع جديدة في المنطقة وخاصة في لبنان بالتعاون المباشر والغير مباشر مع عدة أطراف عربية حتى تخفف الضغط عنها على إجرام الاستيطان وتهديم منازل الفلسطينيين وتهويد المقدسات الإسلامية هناك والإفلات من إمتعاظ داعميها ومساعديها في نازيتها وتمضية الوقت من أجل التهرب من استحقاقات" السلام الوهم" الذي لم يبق حتى ظله لكن بعض اللاهثين وراء السراب يحرثون في البحر ويقامرون بمستقبل المنطقة بأكملها وسيخسرون حتى مساعدة ومواقف بعض الجهات الخارجية التي لم يستغلها أصحاب القضية لصالحهم مثل تقرير غولدستون وما تبعه، وهجوم المرتزقة الأخير على قافلة السلام الدولية بقيادة تركية،وتماديها في التنكيل بالفلسطينيين وتهديم منازلهم

إن لبنان بات على صفيح حارق إن لم يتعقلن البعض ويثوبوا إلى رشدهم من أجل الشعب اللبناني الذي مزقته العقول والأفكار السياسية الشاذة التي قررت منذ زمن بعيد ركوب القاطرة الصهيو- أمريكية التي أبحرت بالعالم إلى المجهول والشعوب العربية هي الضحية الرئيسية ومستقبلها المظلم والمجهول هو الهدف المرسوم كتوجهات عامة للقوى الاستعمارية، الإمبريالية العالمية.

إعلامي تونسي

===============

كيف نواجه أباطيل وشرور الصهيونية؟

ضياء الفاهوم

الدستور

21-7-2010

الإجرام الاستعماري الذي ارتكب بحق الشعب الفلسطيني متواصل منذ الثلاثينيات من القرن الماضي وحتى اليوم. ومع ذلك فصبر الفلسطينيين الذي فاق صبر أيوب وبسالتهم في مواجهة التحديات والأباطيل الصهيونية قل نظيرها رغم الانقسام الأخير المعيب بين فئتين كبيرتين من مناضليه بسبب وجهتي نظرهما غير المتفقتين تماما على كيفية مواصلة إدارة الصراع مع الكيان الغاصب على أرض فلسطين.

 

وهناك عيب آخر يكمن بعدم تمكن الأمة حتى الآن من وضع حد لهذا الانقسام وبعدم مواجهتها لما يحيط بها من أخطار وخاصة ما يتعلق بما يتعرض له مسجدها الأقصى المبارك ومدينته المقدسة من ضيم يندى له الجبين ومن حصار لئيم لقطاع غزة الصامد صمود الجبال الشوامخ في وجه أعتى استعمار استيطاني فظ عرفه التاريخ وفي انقسامات أخرى في عدد من الأقطار العربية ليس لها ما يبررها في هذه الظروف العصيبة التي تواجهها الأمة.

 

إن ما تشهده الأمة اليوم من خنوع وشكوى وقلة حيلة ولجوء إلى غيرها من أشراف العالم مثل أردوغان وشافيز يشير إلى أنها نسيت أو تناست ما كرمها الله به واستكانت للقوى الغاشمة التي لن تتركها وشأنها إلا إذا صلحت بما صلح به أولها وبنت قوتها الذاتية ونهضتها الشاملة في كل الحقول والميادين.

 

ماذا يستطيع الكاتب أن يفعل غير أن يحاول تفسير ما يجري على الأرض مهما كان بشعا ويستحث الخطى لمواجهته بصدق وعزيمة لا تفتر وبكل ما لدى الأمة من قدرات؟ وها هم محللو ومعلقو وكتاب الأردن يواصلون مع غيرهم من زملائهم وأشقائهم العرب العمل الشاق المتواصل في شحذ الهمم خاصة بعد أن تبين أن الإسرائيليين غير جادين حتى الآن في التوجه نحو السلام القائم على شيء من العدل وأنهم لا يخجلون من الاستمرار في البغي والطغيان اللذين كشفهما العالم أخيرا واللذين أصبحا سياسة ثابتة لكافة الحكومات الإسرائيلية.

 

شاهدت على شاشة تلفزيون فلسطين مؤخرا أما لأسير شاب بطل تبكي بعدما علمت بمرض ابنها وهو في أحد السجون الإسرائيلية الكريهة وسمعت والده وهو يثني على بطولات وتضحيات ابنه ويشجعه على مقاومة المرض بكل ما أوتي من إيمان بالله وبأقصى آيات الصبر ويبشره بأن الفرج قادم رغم أنف المحتلين إن سلما أم حربا.

 

ولذلك فقد وجبت الآن أكثر من أي وقت مضى مناشدة كل ذي ضمير في هذه الأمة أن يبذل كل جهد ممكن من أجل إطلاق سراح الأسرى العرب في السجون الإسرائيلية الملعونة وأن يطالب الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية كلها دون كلل أو ملل بالعمل على الإفراج عن معتقلينا الأبطال الذين ناضلوا وما زالوا يناضلون من أجل تحرير بلادهم مما ابتليت به من استعمار استيطاني رهيب متطرف لا يبدو حتى هذه اللحظة أنه يمكن كبح جماحه إلا بتطرف أعنف منه.

 

وهل ما زال خافيا على أحد أن على الأمة كلها أن تنتبه إلى الظروف الصعبة المحيطة بها ، وخاصة إلى الأدوار الخطيرة التي يواصل الإسرائيليون ومن لف لفهم القيام بها بأعمال مشينة في غاية التطرف بهدف جعل ديار العروبة والإسلام دائمة الاضطراب؟.

 

كل ذلك يستدعي تكاتف الأمة تكاتفا مخلصا في كل الشؤون المدنية والعسكرية استعدادا لمواجهة ما قد يفرض عليها ، كما يستدعي وضعها نصب عينيها أنه ليس أمامها إلا أن تستيقظ وتهب للدفاع عن الوطن العربي والإسلامي الكبير بكل إمكانياتها.. فقد أوشك الفجر على البزوغ ولا يجوز لها بأي حال من الأحوال إلا أن تستيقظ وتنهض نهضة شاملة قوية ومباركة تعيد الحقوق إلى أصحابها الشرعيين فتسر بذلك الأصدقاء وتكيد الأعادي وتخلص العالم من شرور الصهيونية التي تعمل جاهدة من أجل إفساده وحكمه بكافة الوسائل. والله من وراء القصد.

===============

هل نتفق مع نتنياهو؟

حازم مبيضين

الرأي الاردنية

21-7-2010

للمرة الاولى نتفق جزئياً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن التفاوض المباشر مع الفلسطينيين هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع, لكننا نجد لزاماً علينا تذكيره بأن المفاوضات سواء كانت مباشرة أو غير ذلك ليست هدفاً, وأن هناك أثماناً يجب دفعها للتوصل إلى سلام يسود منطقة الشرق الأوسط, ولا نظن أن نتنياهو أو غيره يقدر على إنكار أن الفلسطينيين دفعوا أثماناً باهظة, أو بالاحرى أكثر من طاقتهم وهم يبحثون عن السلام الحقيقي الذي لن يترسخ دون قيام دولتهم على الارض المحتلة منذ العام 1967, وعاصمتها القدس التي لا يملك قائد فلسطيني أو زعيم عربي حق أو إمكانية التنازل عنها.

 

وقف الاستيطان وحده ليس كافياً ليعود الفلسطينيون إلى طاولة المفاوضات المباشرة, ورام الله لم ترفض استقبال رئيس الوزراء الاسرائيلي, ومحمود عباس لم يكن يلعب خلال أربعين عاماً من الفعل الدؤوب بحثاً عن السلام, وهو لا يمتلك هواية طحن الماء, وهو قبل أن يلتقي نتنياهو بحاجة إلى أجوبة واضحة ومحددة وبشكل موثق حول موقف الدولة العبرية من موضوعي الأمن والحدود, وهما موضوعان لا يقلان أهمية عن وقف الاستيطان, والتفاوض غير المباشر, وإن كان لم يسفر عن نتائج كبيرة ومهمة كما يقول الفلسطينيون فانه كما تؤكد واشنطن حقق تقدماً, وأن الخلاف بين الجانبين تقلص, وأن الجولات الأربع من المحادثات التي توسط فيها ميتشل كانت موضوعية إلى حد كبير, لكن الاميركيين لم يعلقوا بعد على فضيحة تصريح نتنياهو بأنه خرب اتفاق أوسلو وأنه يحرك أميركا كما يشاء, وإن لم يفعلوا فان علينا تصديق التصريح, والعمل على ذلك الاساس.

 

لا يطلب الفلسطينيون المستحيل, وتصوراتهم حول الحدود والامن واضحة, وهي اليوم بعهدة الشريك الاميركي, لكن حكومة نتنياهو لا ترد بأي شكل على هذه التصورات, لاهي تعلن قبولها ولا هي تجاهر برفضها, وهي تدرك أن مجرد قبولها مبدئياً يعتبر تقدماً يؤسس للذهاب إلى المفاوضات المباشرة، وأنه من دونه لن يتم الانتقال إلى تلك المرحلة, ويعني ذلك كما يؤكد الرئيس محمود عباس أن القبول بمبدأ الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة بحدود العام 1967 مع الاتفاق على التبادلية في القيمة والمثل، ووجود طرف ثالث فيها، سيفضي للانتقال إلى المفاوضات المباشرة, وقبل أن يفسر المفسرون على هواهم فان التبادلية تقتصر على الأراضي فقط ولن تشمل السكان بأي شكل من الأشكال، وأن ذلك كله مرتبط بالتقدم في مضمون عملية السلام.

 

الواضح أن هناك طلبات إن لم نقل ضغوطاً على المفاوض الفلسطيني للانتقال إلى المفاوضات المباشرة دون إحراز أي تقدم في مسألتي الحدود والأمن، ويعني ذلك ببساطة أن هناك إنقلابا على الإلتزامات والنوايا المعلنة بالتمسك بعملية السلام على أساس حل الدولتين والقرارات الدولية والإتفاقيات الموقعة, مثلما يعني أن المماطلة الاسرائيلية التي أدت لكل هذا الجمود, وعدم التقدم سترسخ نفسها كمعطيات ومسلمات تفرض نفسها على مرحلة التفاوض المباشر.

 

تعرف حكومة نتنياهو أن العرب مستعدون لمناقشة كل الامور بشرف وأمانة, للتيقن إن كانت الامور الحالية يمكن ان تؤدي الى سلام, وللتيقن أيضاً إن كانت المفاوضات المباشرة في ظل الظروف الحالية ممكنة, لكن عليها أن تعرف أيضاً عدم إمكانية موافقة أي دولة عربية على الانتقال إلى التفاوض المباشر في ظل الاوضاع البائسة في الاراضي المحتلة, وعلى اليمين الصهيوني المتطرف والمتعنت إدراك أن أوراق الحل السلمي بيد العرب لم تنفذ بعد وأنهم قد يضطرون للجوء إلى مجلس الأمن الدولي إذا لم يحصل أي تطور إيجابي, وهناك ستتوضح المواقف أمام المجتمع الدولي الذي ستكون له كلمته وهي بالتأكيد لن تكون في صالح الدولة العبرية.

===============

الانفتاح على روسيا.. وتحفيز الديمقراطية

فريد حياة

(كاتب ومحلل سياسي أميركي)

واشنطن بوست الاميركية

الرأي الاردنية

21-7-2010

عندما سألت ناشطة روسية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان عما إذا كانت قد لاحظت أي فرق جوهري بين رئيس روسيا البشوش وبين رئيس وزرائها صدرت عنها زفرة مسموعة بالكاد.. وبدت كما لو كانت تقول: أنتم أيها الأميركيون يراودكم دوماً هذا الأمل الساذج في الرئيس الروسي القادم.

والرئيس ميدفيديف أصغر سناً من رئيس الوزراء بوتين ويتحدث أكثر منه عن تحفيز الديمقراطية وحكم القانون. وعلى ما يبدو أن الرئيس أوباما يفضل التعامل معه. ودارسو روسيا يتساءلون بلا توقف عما إذا كان ميدفيديف يستطيع، تحفيز الديمقراطية أكثر وتجاوز أعباء الذاكرة الروسية بعد عهود من الحزب الواحد، والتوجيه المركزي والحكم الفولاذي.

وبصرف النظر عما كانت تفكر فيه تلك الناشطة، إلا أنها لم ترد بجفاء على سؤالي وإنما قالت بعد توقف قصير: «إنني أعرف أن الناس هنا يرون الفارق.. ولكنني لست واثقة مع ذلك لأن الوضع في روسيا يبدو وكأنه على حاله في جميع الأوقات... فبوتين قدم وعوداً بعد يلتسين، ولكن الأمر ظل كما هو. وميدفيديف قدم هو الآخر وعوداً، ولكن الوضع ظل كما هو. ففي روسيا تبدو الأمور وكأن لا شيء تغير. وطالما أنني لا أرى نتائج فأنا بالتالي لا أرى فارقاً».

ولا شك أن سياسة «ضبط» العلاقات مع روسيا، أسفرت عن نتائج عملية ملموسة كما يرى رجال الإدارة الأميركية. ومن ذلك على سبيل المثال: توقيع معاهدة كبرى للحد من الأسلحة، ودعم روسيا لقرار الأمم المتحدة الخاص بفرض عقوبات على إيران، وسماحها بعبور شحنات المعدات المتجهة إلى أفغانستان عبر أراضيها، وأخيراً الحل الهادئ، وبشروط نافعة للدولتين معاً، لقضية الجواسيس.

أما داخل روسيا نفسها، فإن ميدفيديف يقود بلداً لم يكن فيه مجال لمعارضة سياسية حقيقية.. وظلت فيه الدولة تحاول التضييق على الحيز المتاح للعمل المستقل.

وفي الآونة الأخيرة، شرعت الدولة في إجراء اختزال لآخر ساحة للتنافس المحلي وهي انتخابات البلديات، كما يسعى بوتين في الوقت الراهن لتمرير قانون عبر البرلمان، ربما يضفي مزيداً من النفوذ والقوة على جهاز الأمن الروسي الذي حل محل جهاز «كي.جي.بي» الرهيب.

إن هذا بالطبع ليس خطأ سياسة «إعادة الضبط»، وليس بالتالي نتاجاً لها، لأن بوتين بدأ مهمة قيادة روسيا منذ عقد من الزمان، وفي الوقت نفسه الذي كانت فيه إدارة بوش تصر على أن روسيا تمضي في الاتجاه الصحيح، علاوة على أن أجندة بوش للحرية لم تؤدّ إلى إقناعه بتبني الرؤى الأميركية حول الإصلاحات.

أما أوباما من جانبه، فلم يغدق الثناء على ميدفيديف، ويصفه بأنه بطل الديمقراطية، كما فعل كلينتون مع نظيره «يلتسين» من قبل، ولم يدعِ أنه قد تمكن من فتح نافذة أطل منها على روحه، كما قال «بوش» ذات مرة عن «بوتين».

ويروج أوباما الآن سياسته في التقارب مع روسيا على أنها مجهود براجماتي، يسعى إلى دفع بلدين مختلفين تماماً للعمل من أجل إيجاد قواسم مشتركة، ومجالات للمصالح المتبادلة، فيما بينهما.

ومع تعرض الديمقراطية في مختلف أنحاء الإمبراطورية السوفييتية السابقة لمصاعب جدية، وقيادة بعض القوى في روسيا للحركة المضادة للديمقراطية، قد يكون من المناسب في هذا السياق فحص العلاقة بين «إعادة الضبط» والديمقراطية، من الأساس. وهناك احتمال، وهو ألا تكون هناك علاقة بين الاثنتين، وأن روسيا ستتطور بطريقتها، وليس أمام الولايات المتحدة أو أية دولة أخرى أية فرصة كي تفعل شيئاً حيال هذا الأمر.

وهناك احتمال آخر، يتخذ شكل قراءة أكثر تفاؤلا مؤداه أن التقارب والتعاطي الإيجابي بين الدولتين، يمكن أن يؤدي مع مرور الوقت إلى دفع روسيا في الاتجاه الإيجابي.

ولو تمكن التحديثيون فيها، ممثلين في «ميدفيديف»، من إظهار أن روسيا ستستفيد من التعاون المنتظم مع الغرب، فإن وضعهم سيتعزز داخليّاً مما سيشجعهم على دعم الديمقراطية وحكم القانون، وهو ما سيؤدي بدوره إلى جذب الاستثمارات الأجنبية والتجارة إلى روسيا.

وهناك احتمال ثالث هو أن سياسة «ضبط التعامل» مع روسيا سوف تمنح بعض التيارات غير الديمقراطية في روسيا الوقت والمساحة والموارد لتعزيز سلطتها، وبناء دولة، تقوم على حكم الحزب الواحد، وإقصاء الأعداء، والسيطرة في نهاية المطاف على الفضاء الإقليمي المجاور.

وبالطبع لم أسال الناشطة الشابة عن أي من تلك الإمكانيات والخيارات يبدو هو الأكثر إقناعاً في نظرها.

يذكر أن الأسبوع الماضي، كان يوافق الذكرى السنوية لاغتيال «ناتاليا استيميروفا» الناشطة في مجال حقوق الإنسان، التي لقيت مصرعها في ملابسات يعتقد أنها ذات صلة بنشاطها في مجال حقوق الإنسان.

و»استيميروفا» ليست سوى واحدة من العديد من الصحفيين والناشطين في المجال الحقوقي الذين لقوا مصرعهم في مختلف أنحاء روسيا، والذين ظل موت بعضهم حتى الآن لغزاً لم يُكشف عنه بعد من قبل جهات إنفاذ القانون.

وهنالك من يسعى في الوقت الراهن لتوجيه اتهامات جنائية ضد «أوليج أورلوف» رئيس مركز حقوق الإنسان الروسي الرئيسي، لأنه وجه لأطراف في إحدى حكومات الأقاليم اللوم على خلفية اغتيال «استيميروفا».

===============

مستقبل التعاون والتفاهم بين العالم الإسلامي وروسيا

الخروج من فخ الغرب[

عبد الحليم فضل الله

السفير

21-7-2010

النبذ والجذب

السؤال الذي طرحته أوروبا وأميركا في حقبة التحول في التسعينيات، كان الآتي: هل ستكون روسيا جزءاً من الغرب أم قائدة لحضارة منفصلة (الحضارة الأرثوذوكسة السلافية). ووفق منهج الصدام فإن أياً من الاحتمالين سيقود إلى قيام خط تماس جديد بين روسيا من جهة وجوارها الإسلامي المتنوع من جهة أخرى.

لحسن الحظ فإن الحروب التي انخرط فيها مسلمون وأرثوذكس، سواء منها ما أتى في سياق تفكك المعسكر الشرقي (البوسنة والهرسك)، أو غيرها (الشيشان، أفغانستان)، لم تمهد لقيام خط تماس ثقافي بين المجالين الحضاريين، بل حافظت تلك النزاعات على طبيعتها السياسية أو الإثنية الخاصة بها، ولم تنشأ دعاوى ثقافية أو دينية بشأنها. وهذا مؤشر مشجع على أن عوامل الجذب والتواصل بين الجانبين أقوى من عوامل النبذ والتفرقة.

فروسيا لم تقدّم نفسها يوماً على أنها دولة ذات صفاء ديني، وهي التي تضم فيما تضمه عشرين مليون مسلم يشكلون 15% تقريباً من سكانها. وقبل ستة أعوام قررت القمة الإسلامية في ماليزيا قبول طلب روسيا الانضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامي بصفة مراقب (وأنشئ في أعقاب ذلك «منتدى روسيا والعالم الإسلامي» لتشكيل رؤية مشتركة بين الفريقين). ورغم التوترات العرقية الإثنية، لم تولد في روسيا ثقافة معاداة الإسلام، أو ما يعرف برهاب الإسلام، ولم يتم البحث عن إسقاطات دينية واجتماعية للنزاعات السياسية لها، كما هو حاصل في أوروبا مع مسائل الحجاب والاندماج التي يرزح تحت عبئها مسلمو تلك القارة وتمثل ترميزاً معاصراً لخلافات متعددة المصادر والغايات.

أما العالم الإسلامي، فهو ليس كتلة واحدة، ولا يمتلك منظوراً موحداً لدوره العالمي ولعلاقته مع جواره البعيد والقريب، ومع ذلك فإن التناقض السياسي الذي يحكم علاقاته بالنموذج الغربي وخصوصاً في وجهه السياسي، يزيد من ميله إلى الاقتراب من الحضارات والثقافات والمجتمعات العالمية الأخرى، هذا بغض النظر طبعاً عن بعض الاتجاهات المتطرفة.

الأيدولوجيا والاستراتيجيا في حاضنة تاريخ من التعاون

لا يقتصر السياق التاريخي للتقارب بين الجانبين على الحقبة السوفياتية، مع أنها وفرت لها في حينه أبعاداً اقتصادية وسياسية وأيديولوجية لم تعرفها من قبل، متخطية منطق المصالح المباشرة.

فطوال قرون، كان هناك علاقة وثيقة بين روسيا والعالم الإسلامي، حيث يعبر الحجاج الروس آسيا الصغرى وسوريا للوصول إلى فلسطين، فيما تحولت المدن الروسية إلى مقصد للتجار المسلمين مارين بنهر الفولغا وبحر قزوين (فاسيلي سيدين 2000)، ويظهر التتبع التاريخي أن الصلات بين روسيا والعالم الإسلامي تعود إلى الدولة العباسية، التي تبادلت البعثات الرسمية مع روسيا. ومع قيام الدولة العثمانية، شابت العلاقة موجات من الصداقة والعداوة، وحدثت صدامات عدة، إنما على خلفية الصراع على النفوذ في شبه جزيرة القرم والبحر الأسود، ومن دون أن تتخذ منحىً دينياً أو ثقافياً. على العكس من ذلك تميز الاستشراق الروسي، على سبيل المثال، عن الاستشراق الغربي «بأنه لم يصدر على خلفية السيطرة والعداوة، بل كان بدافع علمي ومعرفي أو لتوطيد العلاقات السياسية».

بعد الحرب العالمية الثانية تطورت العلاقة بين الضفتين، حيث أيدت موسكو من دون تحفظ المطالب المشروعة للعرب، ووقفت موقفا مسانداً لتحررهم السياسي والاقتصادي. وقد تنامى هذا التوجه مع صعود النزعة الأيديولوجية لدى السياسيين السوفيات في ذروة الحرب الباردة. وهناك أسباب أخرى للتحالف بين روسيا/الاتحاد السوفياتي وجوارها العربي الإسلامي، أوردها في مذكراته، كارين بروتنتس مستشار ميخائيل غورباتشييف آخر رئيس سوفياتي (بروتنتس 1999)، ومن بينها الاعتبارات الجيواستراتيجية، التي منحت العالم العربي (والإسلامي)، رتبة بارزة في السياسة الخارجية لموسكو، ويستحضر بروتنتس هنا فكرة «الحجاب الحاجز» التي تبنتها الدولة السوفياتية في أربعينيات القرن المنصرم، والتي تقضي بتجنب الانجرار إلى حروب واسعة مع منافسيه العالميين، من خلال خلق محيط ودي وآمن. ولذلك حظي الشرق الأوسط باهتمام سوفياتي بارز منذ عهد الرئيس نكيتيا خروتشوف في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية. وقد أضيفت إلى هذه الاعتبارات في السبعينيات عناصر عسكرية وأمنية أوسع كان هدفها الأول هو مقاومة الأحلاف الغربية الهادفة إلى وضع اليد على الحزام الجنوبي، ومنع روسيا من الوصول إلى المياه الدافئة.

إشكالية الغرب

الفرضية المركزية في هذه الورقة هي أن الغرب هو السبب الرئيسي لفقدان العلاقة بين العالم الإسلامي وروسيا زخمها المطلوب. فقد تجاوزت العلاقة بينهما وبسلام تقاطعات خطرة: حروب ونزاعات أفغانستان والشيشان وغيرها، سقوط الاتحاد السوفياتي وانفصال الجمهوريات الإسلامية، انتشار النزاعات العرقية الإثنية، وصعود فكرة صدام الحضارات، وفجوة الآمال بين المواقف الروسية، وتوق شعوب المنطقة وقواها الحية في أن تكون روسيا عنصر توازن في وجه الهيمنة الأميركية والتطرف الإسرائيلي.

لقد أظهرت تطورات عقدين كاملين في مرحلة ما بعد الحرب الباردة صمود العلاقة بين روسيا وجوارها الإسلامي، أمام خطر أن تتحول التباينات أو النزاعات أو الحروب إلى صراعات ثقافية دائمة وعميقة. وقد كان من شأن تحرر الفريقين من العبء الإيديولوجي، أن يزيد من فرص التفاهم، بعدما أُقحم الفريقان أثناء الحرب الباردة في توترات لا طائل منها.

تقف السياسات الغربية لتقطع الطريق على إمكانية تطوير التفاعل الثقافي والسياسي بين الطرفين. فتحرف اتجاه روسيا عن مسار عودتها إلى تأدية دور إقليمي وعالمي مؤثر، وهذا يتم من خلال تكثيف الدول الغربية عمليات التبادل الموضعية والضيقة للمنافع معها عند كل منعطف، وخصوصاً عندما تزداد فعالية الدور الروسي (كما يحصل الآن مع الملف النووي الإيراني وحصل سابقاً بشأن المبادرات الخاصة بالصراع العربي الإسرائيلي)، وبالمقابل تضغط واشنطن على أنظمة ودول العالم الإسلامي لخفض استقلالية قرارها، ومنعها بالتالي من توسيع نطاق التعاون مع دول الجوار القريب قبل البعيد. وهذا يتم غالباً من خلال المقايضة التالية: أميركا تدعم بقاء الأنظمة ذات الشرعية المنقوصة شعبياً، فيما تعمد هذه الأخيرة إلى تقديم الأولويات والمصالح الغربية على ما سواها. وإذا أضفنا إلى ذلك الوجود العسكري المباشر في النقاط الأكثر أهمية في المنطقة، يصبح بوسعنا إدراك الأسباب التي تعطل ديناميكيات التقارب والتعاون، التي من شأنها أن تشكل حاجزاً أمام الهيمنة.

وباختصار إن الرفض الغربي الحازم لقيام أي قوة إقليمية أو عالمية مستقلة وفاعلة، هو الذي يمنع قيام بيئة استراتيجية مؤاتية لتوثيق الروابط بين العواصم الكبرى خارج الفضاء الغربي، فيما تتولى عقيدة الصدام التي أشبعت بها الثقافة السياسية الغربية المعاصرة، زيادة حدة الانقسامات الدولية ومنع قيام تفاهمات دولية وإقليمية تشجع على الاستقرار.

البحث عن دور

يطرح من جديد عقدة السياسة الغربية التي تعرقل مساعي أي دولة تقع خارج قوس هيمنتها، للحصول على دور دولي مؤثر أو منافس.

فبعد عقدين من الانسحاب من أفغانستان، وسقوط حائط برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي وقيام ثم تعثر النظام الدولي الجديد، لا تزال موسكو تبحث عن دور عالمي لها. حاولت في البداية الاندماج أو الالتحاق بالغرب، لكنها أخفقت، ولم تجد نفعاً محاولات الرئيس السابق بوريس يلتسين إقناع الغرب بفتح أبوابه أمام الوافد الجديد، ثم بدأت موسكو تستفيق من سباتها الجيواستراتيجي الذي استمر حتى فجر الألفية الثالثة، وهو ما لم يلق صدى طيباً في العواصم الغربية، التي تحفظت على عودة روسيا للتصرف كشريك.

ويمكن الاستفادة من مقالة نشرتها مجلة فورين آفيرز عام 2009، لسبر غور الرؤية الأميركية المضمرة لمستقبل روسيا. حيث يدعو ديمتري ترينين روسيا للانصراف في الوقت الراهن إلى مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية وأزماتها الخاصة وأولوياتها الداخلية، عوضا عن التهيؤ لدور إقليمي ودولي يفوق حاجاتها وحجمها وإمكاناتها. فأي سعي منها لاستعادة موقعها في النظام الدولي سيبعدها عن هذا الهدف. وإذا أرادت روسيا تحسين أداء مؤسساتها وتنفيذ مشروع تحديث يحفظ مصالحها فما عليها سوى ترك التطلع برومانسية إلى الوراء، والعمل على توطيد أواصر علاقاتها مع الدول الأساسية في العالم حتى تلبي مع مرور الوقت معايير الانضمام إلى الغرب. وفيما تتبع روسيا الآن دبلوماسية فاعلة في مجلس الأمن لترسيخ مكانتها الدولية، عليها أن تحقق هذه المكانة كما يقول من خلال زيادة حصتها في إنتاج السلع والخدمات.

الأمر نفسه ينطبق على العالم الإسلامي، فقد قامت الاستراتيجية الغربية تجاهه على ثلاثة عناصر: منع قيام نطاق عربي وإسلامي متضامن يمتلك تصورات موحدة، السيطرة على الممرات الاقتصادية والجغرافية الأساسية، والحيلولة دون قيام أقطاب إقليمية مستقلة سياسياً ومنافسة اقتصادياً. وهو مطالب أيضاً بالانصراف إلى قضاياه الخاصة بل قضايا كل دولة فيه على حدة، أما التعاون والعمل الجماعي فمسموح به لغرض واحد هو ملء هوامش السياسات الغربية وتطبيق استراتيجياتها. ولهذه الغاية تُمنع جامعة الدول العربية من القيام بدورها كإطار للتضامن العربي، ويمتد الفشل ليشمل أوجه التعاون الاقتصادي والعلمي والثقافي المختلفة، ولهذا أيضاً يُعمل على نشر بذور الانقسام العرقي والمذهبي، ويتم تصعيد التوتر والمنافسة بين الدول الإسلامية، مع أن مساحات التعاون الواسعة وغير المستغلة، تتيح للجميع أن يستفيد من ثمار التعاون والتقارب، بينما يخسر الكل من النزاعات والخصومات.

لكن العالم الإسلامي الذي لم يعرف الوحدة في تاريخه الحديث، وكان مضماراً لتناحر داخلي وهدفاً للاستتباع الخارجي، يشهد اليوم حراكا استراتيجياً وتاريخياً غير مسبوق يسير به نحو موقع دولي جديد. يتم ذلك في سياق صعود الدول المعارضة للنهج الأميركي في المنطقة، وتراجع الدول الموالية لها، و على وقع تجذر ظاهرة المقاومة التي تحولت إلى منظومة واسعة وفاعلة تضم دولاً وحركات وبات لها تأثير على المستويين الإقليمي والدولي، وخصوصاً بعد انتصارها في حرب لبنان 2006 وصمودها أمام العدوان الإسرائيلي على غزة. وينتظر من هذا الحراك أن يمهد لانبثاق قطب عالمي جديد يزيد من أهميته تطور الشعور بوحدة المصير والتحديات المشتركة على امتداد البلدان والمجتمعات الإسلامية.

وبالخلاصة:

إن خلق بيئة استراتيجية مؤاتية للتقارب والتفاعل بين العالم الإسلامي وروسيا، يتطلب أمرين مترابطين:

من جهة، زيادة فعالية كلا الجانبين على المسرح العالمي، وحصولهما على أدوار تتناسب مع أهميتهما، إذ يصعب التفاهم والتعاون على المدى البعيد بين دول مستتبعة أو منقوصة الدور.

ومن جهة ثانية، الخروج من فخ السياسة الغربية، التي تمنع العالم الإسلامي من تقرير مصيره وتساهم في إضعاف نهضته، وتغري روسيا بأثمان بخسة للتخلي عن هدفها بأن تكون قطباً عالمياً مستقلاً ومؤثراً. إن إزاحة تلك العقبة يعني بالنسبة للعالم الإسلامي التغلب على انشقاقاته وأزماته، وتطوير المشاريع الوطنية القائمة على أساس التعاون الإقليمي وتحدي الإرادة الغربية (نموذجا تركيا وإيران)، ويعني بالنسبة لروسيا عدم تكرار تجربة التوجه غير المشروط نحو الغرب، من دون أن تستمد من التحالفات والتفاهمات مع الدول الأخرى المناعة والقوة. فالروح الجديدة التي تنبثق في العالم الإسلامي وتعبر عنها منظومة المقاومة، ينبغي أن تقابلها موسكو بسياسات جديدة، تستجيب على نحو خاص لتوق الدول والمنظومات الإسلامية الصاعدة للحصول على شركاء وحلفاء جدد.

 [ من ورقة قدمت إلى مؤتمر «روسيا والعالم الإسلامي» المنعقد في موسكو بتاريخ 2627/6/2010، الذي استضافته مؤسسة الدراسات الشرقية في الأكاديمية الروسية للعلوم.

===============

إسرائيل وأميركا لن تحاورا "حماس"

-16-

سركيس نعوم

النهار

21-7-2010

أجاب الموظف الاميركي السابق الآخر والباحث الحالي الذي يُعَدّ الشرق الاوسط منطقة عمله عن سؤال: ما هو رأيك في ما يقوله البعض في واشنطن عن تحوّل الجمهوريين يهوداً اكثر من اليهود بغية الفوز في الانتخابات النصفية المقبلة وإلحاق الهزيمة باوباما؟ قال: "يقف اليهود الاميركيون تقليدياً مع الحزب الديموقراطي. قد يكون صحيحاً ان عدد مؤيدي الجمهوريين من هؤلاء اليهود قد ازداد. لكن لا تنسَ ان لديهم الى ذلك المحافظين المسيحيين المتشددين. وهم يسعون وراء تأييد هؤلاء". يقترح البعض في واشنطن بل في اميركا على إدارة اوباما بدء حوار مع حركة "حماس" الفلسطينية. ما هو رأيك؟ سألت. أجاب: "لن تحاور اسرائيل "حماس"، ولن تحاورها اميركا. قد تسألني عن اسباب هذا الرفض للحوار الذي سبق ان اجرته قبل أعوام كثيرة الدولتان المذكورتان مع منظمة التحرير الفلسطينية (PLO) التي كان وضعها والوصف الذي حملته يشبهان وضع "حماس" اليوم والوصف الذي تعرف به، اجيب ان السبب الابرز هو ان منظمة التحرير نفّذت ما طُلب منها".

ماذا عن تركيا واسرائيل؟ سألت. أجاب: "لم يستتب الأمر للاسلاميين في تركيا على نحو كامل. لا يزال هناك جيش، وهو الحامي الاول للنظام العلماني منذ تأسيسه، ولا يزال هناك علمانيون واحزاب علمانية. سيقف هؤلاء كلهم في وجه رجب طيب اردوغان زعيم الحزب الاسلامي الحاكم ورئيس الحكومة. اما الجيش فأنه لم يلغ اياً من الاتفاقات الموقّعة بينه وبين اسرائيل. ولن يلغيها". علّقتُ: لا تنسَ ان الجيش الذي تتحدث عنه صار في موقع دفاعي. ردّ: "اذا استمرت سياسة "الفلوتيلا" ("اسطول الحرية") اي مناكفة اسرائيل والتهجّم عليها ورعاية تحركات مناهضة لها عملياً وسياسياً كالتي تنتهجها تركيا اردوغان، فإن نتنياهو لن يسكت. لكن بدلاً من استخدام الاسلوب الذي استخدمه ايهود باراك وزير الدفاع (الاسرائيلي) لمنع "اسطول الحرية" من النجاح في كسر حصار غزة، وهو الذي اوقع قتلى وجرحى، فإنه سيستخدم اسلوباً آخر. ويمكن ان يطلب من حلف شمال الاطلسي ان يتولى هذا الأمر. على كل، ان وضع تركيا في هذا الحلف (هي عضو فيه) قد يهتز اذا استمر اردوغان في سياساته هذه". علّقتُ: لا اعرف ماذا سيفعل الحزب الاسلامي الحاكم في تركيا، لكنني اعتقد انه لن يقدم على عمل او موقف يمنعه من حصول بلاده على الدور الاقليمي الكبير الذي يطمح هو الى قيامها به. ودور كهذا يحتاج الى موافقة اطراف المنطقة كلهم بما فيهم اسرائيل. لذلك فإن اردوغان قد يحافظ على "شعرة معاوية" كما يقال عندنا مع اسرائيل، إلا طبعاً اذا حصلت تطورات مفاجئة واستثنائية. ردّ الموظف الاميركي السابق والباحث الحالي الآخر: "اغرقت كوريا الشمالية غواصة لكوريا الجنوبية وقتل في الحادث اكثر من 50 بحاراً. ولم يقل العالم شيئاً عن هذا الموضوع. لم يُدِنْهُ احد حتى اميركا. فلماذا قامت القيامة على اسرائيل بسبب حادث اسطول الحرية؟ اجبت: المقارنة لا تجوز. فضلاً عن ان مجلس الأمن اتخذ قراراً دان "الاعتداء" الكوري الشمالي على الغواصة. ولا تزال هذه القضية تتفاعل وقد تجر الى حروب وصدامات. اما الاعتداء على سفن موجودة في مياه دولية على متنها مدنيون فأمر آخر. علماً ان السيطرة عليها لمنعها من اكمال ابحارها نحو غزة كان ممكناً بوسائل أخرى.

ماذا في جعبة موظف اميركي سابق ثالث تعاطى عن قرب مع عملية السلام ومنطقة الشرق الأوسط وباحث حالي عن لبنان وقضايا هذه المنطقة كلها؟

سألني في بداية اللقاء عن المحكمة الخاصة بلبنان أي المحكمة ذات الطابع الدولي التي يفترض ان تحاكم المتهمين باغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وآخرين وما هي المراحل التي قطعتها. أجبت: لا اعرف كثيراً عنها، ولا جديد عندي عنها. اذا اردنا تصديق المعلومات التي تتداولها بعض الصحف الدولية والاقليمية واللبنانية فضلاً عن مصادر لا يمكن الجزم بمدى موضوعيتها نقول إن المحكمة المذكورة ستنشر بين ايلول المقبل وآخر السنة الجارية قراراً ظنياً يتضمن اموراً عدة بينها اسماء عدد من المشتبه في ضلوعهم في العملية ومنهم مجموعة تنتمي الى "حزب الله". انا الى الآن لا املك من المعلومات ما يجعلني اصدق ذلك. اثناء زيارتي الاخيرة لواشنطن وبعد مغادرتي اياها الى باريس حصلت من بعض العارفين والمتابعين لأعمال المحكمة على ما يشير الى عدم نجاحها (حتى ذلك الوقت) في بناء قضية قوية، ويشير ايضا الى عدم حصولها في صورة ثابتة على معلومات تتعلق بالجهة التي قررت قتل الحريري وتلك التي خططت والجهة أو الجهات التي نفّذت. ويشير ثالثاً الى ان ما في حوزة المحكمة اسماء لستة او سبعة أعضاء في "حزب الله" قد يكونون قاموا بدور لوجيستي. اذا كان ذلك كله صحيحاً، وأنا غير قادر على الجزم بذلك او بعدمه، ماذا يحصل؟ لا اعرف. لكنني استطيع ان اخمّن ماذا يعني ذلك. انه يعني ربما تبرئة كل "المتهمين" شعبياً وسياسياً وليس قانونياً. ويعني احتمال نشوب مشكلة كبيرة مع "حزب الله" الذي سيشعر أنه مستفرَد ومستهدَف والذي لن يسكت عن ذلك وقد يقدم على خطوات عدة لا اعرف عنها شيئاً. اعتقد ان هذه الخطوات لا بد ان تنعكس سلباً على البلاد امناً ونظاماً واستقراراً ودولة. علما أن النظام هش والاستقرار هشّ والدولة موجودة شكلاً.

علّق: "كيف ذلك؟ هل ما تقوله معقول؟"، بماذا أجبت؟

===============

سورية المتفائلة

الافتتاحية

الأربعاء 21-7-2010م

بقلم : رئيس التحرير - أسعد عبود

الثورة

لا تخفي دمشق تفاؤلها بنتائج اللقاءات والنشاطات السياسية التي شهدتها يوم أمس الأول وتشهدها دائماً.. وترى فيها أنها خطوات لمنهجية العمل على أساس أن مستقبل المنطقة يصنعه أبناؤها، وهم الأجدر بحل مشكلاتها.

بشكل عام تنضوي الرؤية السورية هذه على قراءة دقيقة لاتجاهات العمل السياسي في المنطقة.. التي بدأت تتراجع كثيراً عن الرهان على المشروع الأميركي.‏

لقد راهنت سورية على استمرار موقفها ومصداقية توجهات السيد الرئيس بشار الأسد فيما يتعلق بكل القضايا الساخنة في المنطقة «العراق ، فلسطين، لبنان...» والتي أساسها حماية استقلال وسيادة دول المنطقة بما يتضمنه ذلك من استقلالية قرارها بالتأكيد.‏

في العراق.. في فلسطين.. في لبنان.. لم يتراجع الصوت السوري ولا بهمسة واحدة عن الدعوة إلى الوحدة والتفاهم والتوافق بما يؤكد صيانة الاستقلال وحماية السيادة.‏

ولما كانت كل دول المنطقة بدأت تشعر بحاجتها لذلك كله «الوحدة.. والاستقلال.. والسيادة..» كان من البدهي أن تتجه من كل الاتجاهات إلى دمشق.. وليست مجرد مصادفة أن يلتقي في دمشق أمس الأول ألوان من الطيف العراقي مع وزير الخارجية التركي الذي التقى بدوره السيد سعد الحريري رئيس مجلس الوزراء اللبناني.‏

إنها لقاءات تفتح آفاقاً بلا حدود لعلاقات تؤهل المنطقة للأمن والاستقرار على أساس قدرتها هي على حل ما تواجهه من مشكلات.‏

تقدر «مصادر مطلعة سورية» بدقة مدى ما تواجهه دول المنطقة من أوضاع ربما تبدو محبطة.. وتضيف أن هناك أموراً وقضايا يصعب حسمها بهذه السرعة.. لكن المهم هو إلى أين تتجه مساراتها..؟! وترى أن الأمور تسير بشكل فعال لخدمة مصالح دول المنطقة وشعوبها، وتضرب مثالاً من الطموح الذي أظهرته اجتماعات هيئة التنسيق والمتابعة السورية اللبنانية والتي أفضت إلى التوقيع على 18 اتفاقية تناولت مختلف مجالات التعاون.‏

لقد فاق اللقاء السوري اللبناني الأخير في إنجازاته ما توقعه حتى المتفائلون.. والمسألة لا تقف عند حدود الاتفاقيات الموقعة بل تتجاوز ذلك إلى الوقائع المهمة التي جرت على هامش هذه الاجتماعات.. ولاسيما اللقاء السوري اللبناني التركي.. والذي يشكل دون ريب خطوة مهمة تقوم على الأرضية التي أنشأها اجتماع هيئة التنسيق والمتابعة وما عرفته من ضخامة الوفدين المتباحثين واستقبال السيد الرئيس بشار الأسد لهم جميعاً ممثلين لحكومتي البلدين أولاً وأخيراً وقبل كل شيء.‏

سعة هذا اللقاء ومداه الكمي والنوعي يقدم لزيارة موعودة للسيد الرئيس بشار الأسد إلى لبنان – كما أشارت المصادر السورية «نفسها» – وهي الزيارة التي ينتظر أن تدشن بشكل كامل ونهائي عهداً جديداً من العلاقات بين البلدين تقوم حتماً على «المأسسة والاحترام المتبادل واستقلال وسيادة كل منهما».. وتؤسس لدخول البلدين في عملية تفاهم وتعاون وعمل مشترك جمعي مع كل دول المنطقة.‏

نتائج كل هذه النشاطات يزيد الصدر السوري رحابة لنستمر بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد نسمو على المواقف الشخصية ونتخذ مواقفنا على أساس مصلحة الأمة والمنطقة ودولها وشعوبها.‏

سورية التي واجهت أشد العواصف في مرحلة العقد الماضي وهي متفائلة.. كيف يمكن أن تبدو اليوم وهي تجد في رؤيتها واستمراريتها مرجعاً للقوى الشقيقة والصديقة في كل دول المنطقة.‏

===============

العراق: منعطف حاسم

آخر تحديث:الأربعاء ,21/07/2010

ميشيل كيلو

الخليج

يبدو العراق كأنه دخل نفقاً مسدوداً لا يعرف كيف يخرج منه . ويبدو حال الاستعصاء شاملاً بكل معنى الكلمة، فالحكومة لا تريد أن تتشكل، والبرلمان لا يريد أن يقوم بدوره، والأحزاب لا ترى قواسم مشتركة تجمعها ومهام وطنية واحدة تجمعها، والأمريكيون لا يريدون البقاء في العراق، ولا يعتزمون مغادرته في آن معاً، والمقاومة لا تضعف إلى حد التلاشي ولا تقوى إلى درجة الحسم، والسلام غائب حاضر، والقتل في كل مكان والحياة معطلة والخدمات معدومة، والقوى الإقليمية والعربية لا تتدخل بدرجة تكفي لإخراج البلاد من مأزقها، ولا تحجم عن التدخل فتمكنها من أن تبارحه بمفردها، والذي انتصر في الانتخابات يفتقر إلى القدرة على استثمار انتصاره، وغير المنتصر قادر على التمسك بالسلطة من دون أن يستطيع أحد إزاحته منها، والرئيس يمارس صلاحياته رغم انتهاء ولايته، والشمال في يد والجنوب في أخرى، بينما الوسط بين أيد كثيرة لا يعرف كنهها غير الله .

 

والعراق: عز العرب وسندهم وقائدهم السياسي والحضاري طيلة قرون تائه لا يعرف إلى أين تسوقه أقداره، ولا يدري إن كان سيظل موحداً أم سيقسم؟ سيستعيد استقلاله أم سيبقى محتلاً من الأمريكيين، وبعد جلائهم المفترض من غيرهم، مع أن شعبه المغلوب على أمره يعي تماماً ما تعرّض له من ظلم على أيدي الأجانب والغرباء، وكذلك على أيدي أبنائه الذين وعدوه بالخلاص من حكم متسلط، ثم تسلطوا عليه بأشد مما تسلط، وأذاقوه من ضروب الذل ما لم يعرفه في ماضيه القريب والبعيد، بعد أن وضع بعضهم أيديهم على السلطة باسم الديمقراطية وحرية الانتخاب، ثم اكتشف أن هؤلاء جوفوها وأفرغوها من أي مضمون حقيقي، وجعلوها مطية يركبها أتباعهم وأنصارهم، الذين يعطلون منذ الانتخابات الأخيرة في أوائل مارس/ آذار الماضي العمل الحكومي والوطني، ويجعلون من الصعب الحديث بعد ذلك التاريخ عن دولة عراقية أو دولة للعراق، حتى عَم الخوف من ألا تكون الدولة ممكنة القيام في أمد قريب، وألا تكون لجميع العراقيين، مع أنهم لطالما تشوقوا إليها، واعتبروا وجودها أعظم وأول أدلة وعلامات الديمقراطية والحرية، وأكثر مستلزمات الوطنية والعدالة والتقدم الاجتماعي أهمية .

 

والمصيبة أن العراق يعاني ما يعانيه وسط تجاهل عربي مخيف، كأن مصيره قد تقرر فعلاً، فلا يجد عربي في نفسه الجرأة على مدّ يد العون إليه، وإلا ناله هو أيضاً شيء من الأذى الذي يلحق به، ووجد نفسه في مواجهة غير متكافئة وظالمة مع القوى التي تفيد من احتجاز أوضاعه المفتوحة على أسوأ الاحتمالات، بينما يبدو العالم الخارجي، غير العربي، كأنه يتحين فرصة يعرف تماماً أنها قادمة، ويعلم تمام العلم طبيعتها، وحصته منها، فليس له بدوره أية مصلحة في تعويقها أو تعطيل قدومها، ومثله تفعل الهيئات والمنظمات الدولية، التي تعتبر أن العراق ليس من مسؤوليتها، وأنها ليست معنية بمصيره الخاضع لحسابات تتخطى وظائفها ودورها، حسابات لا تنتمي إلى حال عالمي سائد بل إلى حال مختلف، ليس العراق فيها بلداً موحداً ويرتبط بعلاقات دولية طبيعية أو عادية مع الدول الأخرى، وإنما هو ساحة تحسم فيه صراعات سيتعين بنتائجها مآل ومصير بقية الدول، القريبة والبعيدة منه، فليس لدى الهيئات والمنظمات الدولية ما تفعله من أجله غير الابتعاد عن مناطحة الثيران القاتلة، الدائرة عليه وفيه بين قوى وكتل متأهبة لأكثر أشكال الصراع دموية وحسماً .

 

بقول آخر: يكشف موقف العرب أزمة وأحوال القوى العراقية، وأوضاع الدول العربية وقدراتها، وطابع الصراعات الإقليمية والدولية الدائرة على أرض الرافدين، ومن خلالها على مستقبل المنطقة وربما العالم . إن ما يحدث فيه يتخطى حدوده، لأنه يراد له أن يقرر نمط النظام الإقليمي والدولي الذي سينجم عن الصراع عليه . لذلك يتوهم محب أمته من العرب أن مصيره ما كان يجب أن يترك للقوى الخارجية، أياً كان اسمها، وأن قواه الداخلية كان يجب أن تستميت في سبيل إخراجه من اللعبة الخطيرة، التي تطيح بدولته ومجتمعه، وتغير في أقل تقدير دوره التاريخي عربياً وإقليمياً، وأنه كان يجب على العرب المسارعة إلى تعاون فعال في ما بينهم يمكنه من الانخراط بإطار قومي يساعده على بلورة حل وطني شامل لمأزقه، فيه خروجه المؤكد من الحاضنة الأمريكية إلى الحاضنة العربية، التي كان يجب إيجادها من أجله، بعيداً عن خلافات العرب، بما أن ما يحدث على أرضه ومن حوله سيحدث عندهم غداً، ولأن دفاع النظام العربي عن نفسه في العراق هو أفضل وسيلة للنجاة بجلده، على أن يتكامل الحل الداخلي / العربي باعتباره بديل الحل الأمريكي/ الإقليمي، الذي جعل احتجاز أوضاعه واستعصاءها المدخل إلى الوضع المطلوب، الذي لن يكون فيه للعراق أو للعرب أية قدرة على منع تحقيق مشاريع الصهيونية في العراق، التي تحدث عنها محمد حسنين هيكل عام ،1995 وتتلخص في تهجير الفلسطينيين، كل الفلسطينيين، من وطنهم إليه، لتصير فلسطين من النهر إلى البحر أرضاً لليهود وحدهم، وتنشأ حالة سياسية تضم “إسرائيل” إلى فيدرالية ولايات عراقية أردنية تسيطر تل أبيب عليها، بينما يتم تمزيق المشرق العربي إلى مزق صغيرة هي أقرب إلى مراكز المافيا منها إلى الدول، تهيمن عليها “إسرائيل” في الغرب، وقوى لا يستطيع أحد اليوم التكهن بهويتها في الشرق، بما أن مصير ودور إيران الحالية سيرتبطان بالنتائج التي ستتمخض عن الأوضاع العربية الجديدة .

 

تحول العراق، منذ الاحتلال الأمريكي، إلى مختبر تنضج داخله خطط وتختبر قدرات الأطراف الدولية والإقليمية والعربية المنخرطة به . وهو ينتقل منذ انتخابات مارس/ آذار الماضي بسرعة تخطف الأبصار إلى لحظة حسم تفسر الاستعصاء القائم في أوضاعه، وتؤكد أن ما حدث فيه إلى اليوم ليس غير مقدمة وحسب لما سيؤول إليه وضعه ووضع المنطقة من حوله، وربما وضع العلاقات الدولية برمتها، إلا إذا صدّقنا أكاذيب أمريكا حول انسحابها منه نهاية العام المقبل وقد دحضها رئيس أركان حرب قواتها المشتركة الأميرال مايك مولن قبل أيام، حين قال إن قواته “قد لا تنسحب من العراق وأفغانستان قبل عشرة أعوام” . وأقاويل من يعتقدون أنها هزمت وستترك الساحة لهم ليفعلوا فيها ما يريدون .

لتبق أعيننا على العراق، فما يرتسم هناك اليوم ليس فقط المرحلة الثانية من خطة تاريخية طويلة الأمد ل”فلسطنة” منطقة هي قلب الوطن العربي، بل هو كذلك العتبة المباشرة لإعادة إنتاج مشرق لن يكون له من العرب والعروبة حتى اسمه .

===============

"إسرائيل" ترحل التهديد والوعيد إلى الخريف

آخر تحديث:الأربعاء ,21/07/2010

خليل حسين

الخليج

طوال الستة أشهر الماضية أطلقت القيادات السياسية والعسكرية “الإسرائيلية” مئات التهديدات المباشرة وغير المباشرة ضد لبنان، وتوعدته بالويل والثبور وعظائم الأمور على قاعدة سلاح المقاومة، وتخطى الأمر بها إلى ربط قضية السلاح وبخاصة الصواريخ بافتعال سجال إعلامي مع سوريا وإيران، توج بإشارات واضحة مفادها أن صيف المنطقة سيكون ساخناً، وما لبث أن أعادت “إسرائيل” خلط أوراقها التهديدية ورحّلتها إلى سبتمبر/ أيلول على قاعدة القرار الظني للمحكمة الخاصة بلبنان، وما يمكن أن تعيد رسم خريطة الفتنة الداخلية في لبنان .

 

وما يثير الانتباه هذه المرة تصريح رئيس الأركان “الإسرائيلي”، غابي أشكنازي، الذي ظهر هذه الصورة القاتمة واتبعها لتصورات توحي كأن “إسرائيل” على علم مسبق بالقرار الظني وتفاصيله وحتى تملك تصوراً دقيقياً لتداعياته اللبنانية الداخلية .

 

طبعاً ليست هي المرة الأولى التي تلجأ فيها “إسرائيل” إلى هذا النوع من التهديدات، كما أنها لا تعتبر سابقة في طريقة التعاطي مع إدارة ملفات لبنان ومقاومته، لكن هذه المرّة ثمّة روابط كثيرة انكشفت وبات الحديث عنها مقترناً بوقائع وأدلة موضوعية ترقى إلى مستوى الدليل القطعي غير القابل للنقض، كما لا يمكن تصنيفه ضمن إطار المؤامرات التي كان يُستند إليها سابقاً رغم صحتها في مطلق الأحوال .

 

الجديد في ربط الفتنة في لبنان بالقرار الظني للمحكمة الدولية، ترافق مع تهاوي شبكات العملاء “الإسرائيليين”، وآخرها شبكة الهاتف الخليوي التي جعلت لبنان خلال سنوات طويلة مكشوفاً أمنياً وسياسياً ل”إسرائيل” بشكل شبه كامل، بفعل المواقع الحساسة التي شغلها العملاء في شركات الهاتف الخليوي وما قدموه من خدمات خطيرة يمكن أن تطال قضايا حساسة جداً في الواقع السياسي اللبناني، ومنها قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري . وفي هذا السياق يمكن تسجيل العديد من الملاحظات أبرزها:

 

لقد تم الكشف عن 154 عميلاً “إسرائيلياً” في لبنان، كان آخرهم موظفان يشغلان مراكز حساسة في إحدى شبكات الخليوي، وبحسب اعترافاتهما قدما ل”إسرائيل” خدمات تتيح لها الدخول إلى “داتا” المعلومات العائدة للشبكة، وما يستتبع ذلك من تلاعب بها وبمعلوماتها، علاوة على التنصت والمراقبة الطليقة من دون حدود أو كوابح .

 

إن الأمر لا يعتبر عملاً فنياً أو تجسسياً عادياً اعتادت “إسرائيل” القيام به عبر جولاتها وصولاتها المخابراتية في غير مكان من العالم ومنها البلدان العربية، بل أن الأمر مرتبط هذه المرة بسياق التحقيقات والأدلة التي استندت إليها المحكمة الخاصة بلبنان بدءاً بلجنة التحقيق برئاسة فيتز جيرالد مروراً بميليس وصولاً إلى تقارير المدعي العام للمحكمة القاضي بيلمار، وجميعها استندت بشكل مباشر إلى مجموعة من الاتصالات الهاتفية التي قيل إنها تمت إعداداً لعملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري .

 

ثمة العديد من المطالبات التي أثيرت سابقاً بوجه المحكمة بعدم استثناء فرضية اشتراك “إسرائيل” في عملية الاغتيال، ولم تتم الاستجابة إلى هذه المطالب، بل تم التعامل مع هذه الفرضية بخفة مطلقة، وتم استبعادها رغم المصلحة الواضحة ل”إسرائيل” بعملية الاغتيال واستفادتها العملية منها .

 

إن حجم الاختراق الذي تمتعت به “إسرائيل” عبر شبكة الخليوي كان ضخماً جداً، لكن في المقابل لم تتمكن من خلاله خرق حركة اتصالات المقاومة في لبنان، ما يظهر بشكل واضح الإصرار من قبل البعض على نزع شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة في لبنان، بخاصة الفترة التي أعقبت عدوان ،2006 والذي كان سبباً من أسباب إمكانية إطلاق الفتنة المذهبية في مايو/ أيار العام 2008 .

 

إن مجمل تلك الملاحظات والوقائع يظهر الأسباب الحقيقية لتعليق “إسرائيل” الأمل على بيئة عملائها في شبكة الخليوي، وما قدموه من خدمات جُلى لجهة تركيب وفبركة الاتصالات التي يمكن لصقها بالمقاومة والادعاء بأن “بعض أفرادها غير المنضبطين” لهم علاقة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، ذلك على قاعدة إشغال الواقع اللبناني بفتنة عنوانها القضاء على المقاومة في لبنان بأدوات داخلية بعد عجز “إسرائيل” عن ذلك بحروب متعددة خاضتها منذ العام 1982 وحتى العام 2006 .

 

لقد توعّد أشكنازي اللبنانيين بأن شهر سبتمبر/ أيلول سيكون بمثابة الصاعق الذي سيفجر الوضع اللبناني بفعل ما سيأتي به القرار الظني للمحكمة الخاصة بلبنان، ولم يكن ينقصه إلا أن يتلو حيثيات القرار الظني والإعلان عن أسماء المتهمين وموعد سوقهم مكبلي الأيدي إلى المحكمة، فما سر هذه الثقة “الإسرائيلية” بما سيكون عليه القرار الظني؟ وهل أن هذه الثقة نابعة من كونها شاركت في فبركة المعطيات والأدلة ضد المقاومة؟ إنها أسئلة مشروعة ينبغي على كل المعنيين في لبنان أو غيره الإجابة عنها .

 

أحد الثوابت في استراتيجيات التعامل “الإسرائيلي” مع العرب، الهروب الدائم إلى الاعتداءات والحروب، وإن لم تتمكن من ذلك فبإشعال الفتن الداخلية، وهذا ما تراهن عليه حالياً مع لبنان . فهل سيكون الخريف بديلاً عن الصيف في حسابات الفتنة “الإسرائيلية” في لبنان؟ أم أن اللبنانيين سيتداركون الفخ الذي يمكن أن تنصبه “إسرائيل” عبر المحكمة الخاصة بلبنان؟ ثمة وقائع ومعطيات كثيرة تغلي على نار حامية في الواقع السياسي اللبناني وتنبئ بأسراب الغربان السود في سماء لبنان .

===============

الكلمات البسيطة والإيماءات قد تكون لها دلالات كبيرة

بقلم :فيكتور دافيز هانسون

البيان

21-7-2010

كان رئيس الوزراء البريطاني الأسبق نيفيل تشامبرلين، يشعر بالنشوة بعد انتهاء مؤتمر ميونيخ في العام 1938. وصار يتشدق بأنه أقنع الزعيم الألماني، في ذاك الوقت، أدولف هتلر بالتوقف عن مواصلة زحفه في أوروبا، بعدما اكتسحت ألمانيا معظم تشيكوسلوفاكيا سابقا.

 

ولدى عودته عرض تشامبرلين بكل افتخار توقيع هتلر على اتفاقية ميونيخ، منتشيا بإعجاب الجماهير وقائلا: «أعتقد أننا حققنا السلام، والآن أنصحكم بالعودة إلى بيوتكم والنوم بهدوء وأمان في أسرتكم».

 

ولكن بعد الاستماع إلى هراء تشامبرلين الظريف، قال هتلر لجنرالاته بعد ذلك بأسبوع: «أعداؤنا ديدان صغيرة، لقد رأيتهم في ميونيخ»، واندلعت الحرب بعد ذلك بنحو عام.

 

في بعض الأحيان يفقد الردع قوته أمام العدوان، بسبب كلمات قليلة غير موفقة، أو حتى إشارة بسيطة للغاية.

 

وفي أوائل العام 1950 ألقى وزير الخارجية الأميركي دين أتشيسون، خطابا شاملا أمام نادي الصحافة الوطني.

 

وبشكل متعمد أو عفوي، قال إن كوريا الجنوبية خارج نطاق المدى الدفاعي للولايات المتحدة. ورحبت بذلك كوريا الشمالية الشيوعية وبعدها الصين، وبعد ستة أشهر اندلعت الحرب.

 

وقبل أن يغزو السوفيت أفغانستان في العام 1979، وقبل أن يرسلوا المساعدات للمتمردين الشيوعيين في أميركا الوسطى، قال الرئيس جيمي كارتر إن أميركا فقدت خوفها المبالغ فيه من الشيوعية.

 

وفي العام 1981 قالت بريطانيا، وكبادرة حسن نية إزاء النزاع المتصاعد بشأن جزر فولكلاندز آنذاك، إنها ستسحب سفينة حربية صغيرة من الجزر. ولكن بالنسبة للقيادة الدكتاتورية في الأرجنتين، بدت هذه المحاولة لترطيب الأجواء الدبلوماسية، نوعا من الاسترضاء.

 

لقد جعلهم ذلك يقتنعون بأن المملكة المتحدة، لم تعد هي الدولة التي حكمها الأدميرال نيلسون دوق ويلنغتون ولا وينستون تشيرشل. لذلك قامت الأرجنتين بغزو الجزر.

 

لماذا جازف صدام حسين بحرب مع الكويت بعد حرب أخرى مروعة مع إيران؟ ربما لأنه اعتقد أن الولايات المتحدة لن تمنعه. كان ذلك استنتاجا منطقيا، عندما قالت له السفيرة الأميركية آنذاك أبريل غلاسبي: «ليس لنا دخل بنزاعاتك مع العرب، كخلافاتك مع الكويت، المسألة الكويتية لا تهم أميركا». وبدأ صدام غزوه للكويت بعد أقل من أسبوع.

 

هذه الأمثلة يمكن توسيع نطاقها والنظر إليها كإنذارات. في الأشهر ال18 الماضية، أطلقت إدارة الرئيس أوباما عددا من التصريحات والإشارات التي لا تبدو ذات مغزى، لكن بعضها مقصود بعناية وله أسبابه، وقد يتم تفسيرها إلى لامبالاة أميركية جديدة بشن عدوان جديد. انظر إلى عدد الاعتذارات التي وجهها أوباما إلى دول تعتبر أن الولايات المتحدة وليس غيرها، تمثل المشكلة.

 

بالنسبة إلى تركيا، قال أوباما إن بلاده كانت دائما على خطأ، وأبدى الندم على معاملتها للسود والأميركيين الأصليين. وبالنسبة لروسيا أكد الحاجة إلى تصحيح العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين. وتحدث لليابانيين عن البشاعة التي أنهت بها أميركا الحرب العالمية الثانية.

 

واعتذر الرئيس الأميركي للعالم ككل عن معتقل خليج غوانتانامو، وعن الحرب على الإرهاب، وعن أنشطة المخابرات الأميركية. أما بالنسبة لأميركا اللاتينية فقد عبر عن ندمه إزاء دبلوماسية التحفيز التي كنا نتبعها هناك. وفي ما يتعلق بمجموعة العشرين، أدان سلوك أميركا غير المهذب في السابق.

 

واعترف أوباما للعالم الإسلامي بانتهاج سياسات خاطئة، وارتكاب أخطاء. وبالنسبة لأوروبا اعتذر عن تردي العلاقات في بعض الأحيان. وقال للأمم المتحدة إنه يشعر بالحرج من سلوك أميركا تجاهها.

وبالإضافة إلى ذلك، طأطأ أوباما رأسه لبعض الحكام، والأباطرة الصينيين. وبطريقة مشابهة نبه أحد مساعديه الصين المنتهكة لحقوق الإنسان، إلى قانون أريزونا الجديد للهجرة الذي يضيق الخناق على المهاجرين في أميركا.

كما قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، إن واشنطن ستكون محايدة بالنسبة لنزاع جزر الفوكلاند. وأبلغت أميركا إسرائيل أن العلاقات الوثيقة القديمة ستتغير.

والدرس المستفاد من ذلك كله، هو أن الكلمات البسيطة والإيماءات، قد تكون لها دلالات كبيرة في عالم تسوده علاقات دولية مضطربة.

أستاذ الدراسات الكلاسيكية في جامعة ستانفورد الأميركية

===============

اعتماد العالم على النفط العربي

الاربعاء, 21 يوليو 2010

رندة تقي الدين

الحياة

قدم أربعة اعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي عن الحزب الديموقراطي اقتراحاً بتقليص استهلاك النفط في الولايات المتحدة ب 8 ملايين برميل في اليوم حتى 2030 وهو إجراء يهدف الى الاستغناء عن صادرات جميع الدول التي تصدر النفط الى الولايات المتحدة باستثناء كندا والمكسيك.

لقد وعد كل الرؤساء الأميركيين منذ ايزنهاور الشعب الأميركي لدى تسلمهم زمام الحكم بأنهم سيجعلون بلدهم مستقلاً في استيراد النفط خصوصاً من الشرق الأوسط. إلا أن هذا المسعى لم يتحقق ومن الصعب أن يتحقق، ولو أن الأزمة المالية التي ضربت الاقتصاد العالمي وفي الطليعة أكبر اقتصاد في العالم وهو الأميركي أدّت الى تقليص الكميات النفطية التي كانت تستوردها الولايات المتحدة من السعودية، فكانت في السنوات بين 2000 و 2008 تستورد بمعدل أكثر من مليون ونصف مليون برميل في اليوم من النفط السعودي في حين انها منذ دخلت فترة الأزمة الاقتصادية في 2009 و2010 بدأت تخفض هذه الكميات الى أقل من مليون برميل في اليوم، علماً أن شهر نيسان (إبريل) من هذه السنة شهد ارتفاعاً في استيراد النفط من السعودية الى 1.257 مليون برميل في اليوم بحسب إحصاءات إدارة معلومات الطاقة الأميركية (UEIA).

ان هذا الاقتراح الذي قدمه أعضاء مجلس الشيوخ الديموقراطيون يأتي في وقت كارثة التلوث في خليج المكسيك بسبب بقعة النفط التي تسربت من مشروع شركة «بريتيش بتروليوم» البريطانية ويتزامن أيضاً مع استعداد الرئيس أوباما لتقديم مشروعه لقانون الطاقة الجديد. فقبل كارثة «بي بي» كان أوباما عازماً على اقتراح مشروع قانون للطاقة مُسايِر للحزب الجمهوري، اذ يركز من ناحية على اقتصاد الطاقة وتطوير البدائل للطاقة ومن ناحية اخرى على فتح مناطق بحرية للتنقيب عن النفط مما يريح الجمهوريين. والآن وبعد صدمة كارثة «بي. بي» سيستفيد أوباما من هذه الفرصة لتعديل مشروعه كي يكون أكثر تماشياً مع حرصه على الحفاظ على البيئة والتركيز عليها. وقد يكون اقتراح اعضاء مجلس الشيوخ متفقاً مع سياسة أوباما بالنسبة الى الطاقة. ولكن مهما قلّصت الولايات المتحدة وارداتها من النفط فهي ستبقى معتمدة لعقود على النفط المستورد من الشرق الأوسط، وستبقى هذه الواردات أساسية للغرب وكذلك لنمو الدول الآسيوية. فالصين مثلاً بحسب ما كشفته وكالة الطاقة الدولية هذا الأسبوع تجاوز استهلاكها من الطاقة مستوى استهلاك الولايات المتحدة بنسبة 4 في المئة. والسعودية كانت حوّلت الكميات التي تقلّصت من صادراتها الى الولايات المتحدة الى الصين التي زاد استهلاكها وبعد أن كانت الولايات المتحدة عام 2000 تستهلك ضعف استهلاك الصين أصبحت الصين الآن أكثر استهلاكاً لمصادر الطاقة من فحم وغاز الى نفط الى طاقة نووية.

لذا أصبحت الصين منذ بضع سنوات موضوع اهتمام دول الخليج وفي طليعتها السعودية التي دخلت في استثمارات في مجال الطاقة والمصافي هناك. ومهما خفضت الولايات المتحدة اعتمادها على النفط المستورد من الشرق الأوسط سيبقى الاقتصاد العالمي من الغرب الى الشرق معتمداً في شكل كبير على النفط. فالنمو في آسيا وفي الشرق الأوسط وفي الولايات المتحدة وأوروبا سيحتاج الى هذا النفط لعقود. وستبقى الدول الغربية حريصة على أن تؤمّن لها الدول النفطية العربية استقرار الأسعار لأنه عامل أساسي مساهم في التطور الاقتصادي.

===============

حظر النقاب إجراء سياسي

الاربعاء, 21 يوليو 2010

مادلين بانتينغ *

الحياة

أقر النواب الفرنسيون قانوناً يحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة. وهذا خبر تقشعر له الأبدان. ويأمل المرء في أن ينقض المجلس الدستوري أو محكمة حقوق الانسان الأوروبية القرار هذا. والمحكمة العليا الفرنسية نبّهت الى أن حظر النقاب يخالف الدستور. وتناول مسألة النقاب يوجه سهام النقد الى قلة من النساء اخترن ارتداء هذا الصنف من اللباس، ويشهّر بهن. وتقدر الحكومة الفرنسية عدد المنقبات بنحو 2000، من 5 ملايين مسلم.

والرد السياسي على المسألة في غير محله. فالنقاب والبرقع هما تفسير حدّي لمبدأ الحشمة الذي يدعو الاسلام المسلمات الى التزامه. وعدد قليل من علماء الاسلام يوصي بارتداء النقاب. وهو طارئ على عدد من المجتمعات الاسلامية، على نحو ما هو غريب عن الغرب.

واليوم، يتزايد عدد الشابات اللواتي يخترن ارتداء النقاب وسيلة لاشهار هويتهن واثباتها. والتوسل بسلطة الدولة لتحديد معايير اللباس في الأمكنة العامة ينتهك حرية المواطنين الخاصة في اختيار ازيائهم. وفي دوائر العلانية الغربية، القيد الوحيد على الافراد هو ارتداء ملابس، مهما كان نوعها. فالنساء اللواتي يرتدين التنورة القصيرة يجلسن في الباص في جوار أخريات يرتدين الساري الهندي أو لباساً مدينياً أو لباس ال «سلوار كاميز» (زي هندي). ولا تقام صلة بين الدلالات الثقافية التي تعلنها هذه الأزياء وبين الدولة.

ولا تتستر المناقشة الفرنسية للحجاب على عنصريتها. وما يريده الفرنسيون هو الحفاظ على هوية بلدهم، بذريعة حماية «أسلوب حياتهم». وهم يخيروننا أمرين: إما مع رأيهم أو ضده، أو التخلي والمغادرة. والنائب المحافظ، فيليب هولوبون، سوغ مشروع قانون يحظر الحجاب بالقول ان اسلوب الحياة البريطاني يقوم على «المشي في الشارع، والابتسام للناس والقاء السلام عليهم». فكم من الشوارع البريطانية يصح فيها هذا الوصف المثالي؟ وهذا قرينة على عبث سياسات ترمي الى التشريع قياساً على ماض يزوق وينصب معياراً.

والمفارقة هي أن الحظر هو مرآة هاجس الهوية والوجه في زمن يقضي أهله معظم الوقت وهم يتحادثون «اونلاين» من غير السفور عن اسم ولا تعريف. ويتحاشى معظم الناس الذين يتنقلون في دائرة الحياة العامة النظر بعضهم الى بعض. ولا يدعو هذا الذين يحضون على حظر النقاب الى الكف عن التذرع بدور الكشف عن الوجه في التخاطب والتواصل.

* صحافية، عن «غارديان» البريطانية، 20/7/2010، إعداد منال نحاس ووضاح شرارة.

===============

إلى أين يقتادون لبنان؟!

باسم الجسر

الشرق الاوسط

21-7-2010

ما هو المطلوب من لبنان؟ ومن هم المطالبون الظاهرون والحقيقيون؟ وماذا يستطيع لبنان تقديمه لمن يطالبونه بأكثر مما يستطيع أو ما يريده أبناؤه؟

الزيارة الرسمية الثالثة للرئيس اللبناني سعد الحريري لدمشق، مع وفد وزاري كبير يضم وزراء لحزبي الكتائب والقوات اللبنانية، سبقتها ورافقتها ضجة سياسية وإعلامية أطلقها الأمين العام لحزب الله وانتقلت إلى بعض وجوه 8 أيار، مستهدفة الدولة اللبنانية وأجهزة مواصلاتها وأمنها، إثر اكتشاف شبكة تجسس إسرائيلية. ولم تتوقف عند هذا بل طالت المحكمة الدولية، متهمة إياها بالتسييس والتحول إلى أداة في يد الدول الضاغطة على حزب الله وجبهة الممانعة والمقاومة. وكانت ذروتها نصيحة من أحد أبواق المعارضة (سابقا) للرئيس الحريري «بأن ينسى المحكمة الدولية».

إن من يقرأ تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، خلال الزيارة الأخيرة لدمشق، يشعر بأن مياه التعاون والمودة عادت، نوعا ما، إلى مجاريها بين لبنان وسورية، بل بين الرئيس السوري ورئيس الحكومة اللبناني. ولا يسعه سوى التساؤل عما وراء هذه «الهبة» المفاجئة بوجه الحكومة اللبنانية من قبل حزب الله وحلفائه بالنسبة لعدة مواضيع، كالاتفاقية الأمنية بين لبنان وفرنسا وشبكة الجواسيس التي اكتشفت (وكان من المفروض تهنئة الأجهزة التي اكتشفتها)، مرورا بتحرش بعض أبناء الجنوب بقوات حفظ السلام الدولية، وصولا إلى المحكمة الدولية التي لم يصدر عن قاضي التحقيق فيها أي قرار، حتى الآن. فمثيرو الغبار والدخان بوجه الدولة والرئيس الحريري، والاتهامات الموجهة إلى الحكومة السابقة وأجهزة الأمن، «محسوبون» على سورية وإيران. وهم يعرفون أكثر من غيرهم أن اتهاماتهم ومطالبهم «غير حقيقية» أو«غير منطقية». ولكنهم لم يتورعوا عن إطلاقها.

ينسب البعض هذه الحملة إلى ردة فعل على العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على إيران مؤخرا. ويقول آخرون إن الهدف الحقيقي منها هو قطع الطريق على قرار المحكمة الدولية في حال تضمن قرار الظن - قبل انعقاد المحكمة وإصدار حكمها - أي اتهام لبعض أفراد حزب الله أو لأجهزة أمنية معينة. وخطاب نصر الله الأخير لم يخلُ من التلميح والتحذير، كي لا نقول التهديد، بهذا الصدد. ولكن ماذا بإمكان الحكومة اللبنانية ورئيسها بالذات أن يفعل «لطمأنة» المحذرين والمهددين؟

إن المحكمة محكمة دولية أي إنها غير خاضعة لسلطة الحكومة اللبنانية، والتحقيق والمحاكمة ماضيان في مسيرتيهما. ولا يستطيع حتى مجلس الأمن إيقافهما. ولا أحد يعرف سوى قاضي التحقيق إلى أين توصلت التحقيقات. وعلى الرغم من كل ذلك هناك من يطلب أن «تنسى المحكمة» ومن يحذر من تسييسها، ومن يهدد «بخراب البصرة» إذا لم يعجبه القرار الظني. مع العلم بأن الاشتباه لا يعني الإدانة، وضلوع بعض الأفراد لا يعني ضلوع أحزاب ودول، ولا صدور حكم من المحكمة.

اللبنانيون يريدون طي الماضي وصفحاته، سواء تلك التي عاشوها حربا أهلية في السبعينات والثمانينات أم تلك التي عانوا منها بعد ذلك، ولا سيما تلك التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري والشخصيات السياسية والإعلامية والعسكرية. يريدون أن يطووا تلك الصفحات الدامية والسلبية، وأن يفتحوا صفحات بيضاء إيجابية. يريدون أن لا يتكرر العدوان الإسرائيلي على مرافقهم وقراهم ومدنهم، وأن لا يتكرر ما حصل في 7 أيار، وأن يجلس خصوم الأمس في حكومة اتحاد وطني، وأن يعملوا معا على بناء الدولة وتحقيق ما يمكن تحقيقه من إصلاحات ومنجزات. ولكن، لسوء الحظ، ليس هذا ما يريده البعض ممن يستوحون مواقفهم من حسابات أخرى. ممن يهدفون إلى غايات تتجاوز مصلحة هذا البلد الصغير وأماني أبنائه في السلام والأمن والاستقرار والعيش الهنيء.

إن الرئيس الحريري ومسؤولين كبارا آخرين، يتلقون، منذ أشهر، سهاما صغيرة وكبيرة، من قبل أطراف ليست راضية عن أداء الحكم رغم مشاركتها فيه. بل إن بعضها يثير قضايا ويخترع مواضيع محرجة ومفرقة للصفوف. ولقد نجحت الدولة والحكومة في تدارك المطبات الوطنية التي كادت هذه القضايا تدفعها إليها. ونكتفي بذكر مشروع إلغاء الطائفية وحقوق اللاجئين الفلسطينيين والاتفاقية الأمنية والمساعدات الأميركية والبحث عن النفط.. والخ.

ترى إلى أين يقود هذا الأسلوب في المعارضة - المشاركة في الحكم؟ البعض يقول: يقود إلى منع قيام الدولة القادرة والباسطة لسلطتها على كل أراضيها. والبعض الآخر يذهب إلى أبعد من ذلك ويتحدث عن جعل الحكم الديمقراطي مستحيلا في لبنان. وآخرون إلى تحويل لبنان إلى «بلد مركزي لمقاومة إسرائيل». وغيرهم، إلى وضع اليد على الحكم بعد تعطيل صيغته الراهنة.

ولكن، هل يدرك أصحاب هذه المشاريع أن أكثرية اللبنانيين لا تسير وراءهم، ولا تشاركهم أحلامهم وأوهامهم، وأن لبنان لا يتحمل ما يضمرون أو يعدون له من مصير؟!

==========================

تأملات في المنهج

نحو نموذج ثقافي للتغيير

عزت هلال

6 يوليو 2010

اللجنة الشعبية للإصلاح

يرتكز المنهج على مرتكزات ثلاثة: العلم والعمل والدعوة. فما هو المنهج؟ المنهج هو أسلوب وطريقة للحياة. وهل يوجد منهج واحد؟ يوجد على الأقل طريقين أحدهما صواب والآخر خطأ وبينهما دروب شتى بين الصواب والخطأ. وهل يوجد صواب مطلق وخطأ مطلق؟ نعم، ولكن هل يمكننا الوصول للمطلق؟ العلم يقول لنا عن وجود درجة حرارة الصفر المطلق. ويقول العلم أيضا أن عندها، عند الصفر المطلق، تتوقف الحياة وتنعدم الحركة. لا توجد مع المطلق حياة. نحن نعيش في عالم نسبي. وليس لي إلا أن أقول "طريقي صواب يحتمل الخطأ وعداه طريق خطأ يحتمل الصواب”. فكيف نصحح الخطأ؟ وقبل ذلك كيف نعرف أننا على خطأ؟ هذا هو المنهج الذي نتأمله ونتفهمه وندعو له ...

 

العلم:

المنطلق الأساسي للمنهج هو العلم. والعلم هو معرفة الحق وتمييزه عن الباطل، الصواب والخطأ، أو الصدق والكذب. فكل هذه الكلمات مترادفات تختلف فيما بينها في عمق المدلول والمعنى. يجمع الناس على أن قوانين العلم الفيزيائي هي حق وصواب لأنها خضعت للبرهان العقلي. فقانون نيوتن الذي نصه "لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الإتجاه" هو حق وصواب فإذا لم يساوي رد الفعل في مقدارة للفعل، فهذا يعني أن علمنا قاصر في هذه المسألة ولا يعني خطأ القانون الذي تم إثباته بالتجربة. أو ربما يكون نطاق صحة هذا القانون محدودة وأن المسألة، التي لم تُحقق القانون، خارج مجال فعل القانون. فهل يساوي رد الفعل الشعبي بالمظاهرات لقتل مخبرين من الشرطة الشاب خالد سعيد في الطريق العام ولم توجه لهما النيابة أي تهمة؟ العلم هو المنطلق الأساسي لوجود الإنسان على الأرض. فتحصيل العلم هو وظيفة أساسية للإنسان سواء بإرادته أو بغير إرادته. وهو، أي تحصيل العلم، عملية مستمرة. فالجنين في بطن أمه يتلقى معلومات بصفة دائمة ومستمرة إلى أن يولد، والطفل بعد الولادة يتلقى كم كبير من المعلومات بشكل لا إرادي، سواء من تركيبة جسمه وحواسه أو ممن حوله، إلى أن تتدخل إرادته في المعرفة بالإنتقاء والفرز والتقييم. وتزداد مساحة التعَلّم الإرادي دون أن تنقطع عملية التعلم اللا إرادي إلى أن يبلغ الإنسان الشيخوخة فتقل مساحة تحصيل العلم بالإرادة وربما تزيد مساحة تحصيل العلم اللاإرادية. فالإنسان هو كائن متعلم يعيش عمره كله في تحصيل العلم سواء أراد أو لم يرد وهو في واقع الأمر قد لا يدرك أنه يتعلم. وإذا أدرك أنه حصل على علم فهذا العلم، إما أن يكون كشفا أو إلهاما لا يعرف سببه ولا يستطيع أن يدخله في نطاق التفسير والبرهان العقلي، وإما أن يكون هذا العلم داخلا في نطاق التفسير والبرهان العقلي. وقد أدت الصدفة إلى إكتشافات كثيرة تم إثباتها والبرهان على صحتها فيما بعد. وقد قيل أن الصدفة لا تأتي إلا لمن يستحقها أي لمن يجاهد ويسعى للعلم. وربما تتكشف له المعرفة بالصدفة وليس عن طريق البرهان والتجربة. وتفاحة نيوتن خير مثال على ذلك فقد سقطت التفاحة على الكثيرين قبل نيوتن ولكنهم لم يكتشفوا قانون الجاذبية الذي إكتشفه نيوتن. ذلك لأن نيوتن كان يشغله ذلك الأمر ويجاهد في تفسيره وكان سقوط التفاحة على رأسه تنبيها له وتوجيها جاء بالصدفة. وقد كان إكتشاف ماري كوري للمواد المشعة صدفة جائت بعد معاناة وصبر وكادت أن تيأس لولا أنها وضعت فيلما حساسا للضوء بطريق الخطأ بجوار المواد التي كانت تختبرها فتحول لون الفيلم إلى الأبيض كما لو كان تعرّضَ للضوء رغم أنه في مكان مظلم. ولعل قانون الطفو لأرشميدس يؤكد أيضا هذه الفكرة. فقد كان مشغولا بقياس حجم تاج ليس له شكل منتظم وأثناء إنشغالة بهذه المسألة ملأ البانيو بالماء إلى آخره ولما نزل فيه بجسدة سقط الماء منه واكتشف أن كمية الماء التي سقطت يجب أن تكون هي نفسها حجم جسده فخرج إلى الشارع عاريا من هول المفاجئة صائحا وجدتها .. وجدتها. وكثيرٌ هي تلك الإكتشافات التي تمت عن طريق الإلهام (أو الصدفة) لا عن طريق البحث العقلي التجريبي أو المشاهدات الحسية، ثم تم بعد ذلك البرهان على صحتها.

وليس كل ما تكشف لنا عن طريق الإلهام يمكننا أن نبرهن على صحتة بأساليب العقل. وهناك على الدوام، في مجال العلم، عالمين، عالم الغيب وعالم الشهادة. عالم الشهادة هو كل المعرفة التي يثبت صحتها عن طريق البرهان العقلي والمشاهدات الحسية التي يتم الإتفاق عليها. أما عالم الغيب فهو كل ما يجهله الإنسان من معارف أو عَلِمَ عنها بطريق الإلهام وليس لها برهان عقلي أو دليل حسي مادي. والتاريخ الإنساني يقول أن عالم الغيب ينحسر أمام عالم الشهادة، ولكنه سيظل باقيا ما دامت الحياة.

مجال العلم لا يجب أن تقيده أي قيود فحرية العلم والبحث عن المعرفة حق للإنسان ولا يصبح الإنسان ذاته حرا إذا قيد عقله وفكره.

اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ،الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ، الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * سورة النور 35

 

فنور المصباح وهو العلم ليس له جنسية (لا شرقية ولا غربية) ويأتي ضياء المصباح (العلم) بأن تمسه نار (العلم السببي العقلي) وبدون أن تمسسه نار (الإلهام والكشف الرباني).

 

العمل:

العمل يأتي بعد العلم إن لم يكن مصاحبا له. فلا تتطور الحياة بالعلم ولكن بالعمل. والعمل بدون علم هدم وتدمير للحياة. الوظيفة الأساسية للإنسان على الأرض هي عمارتها ولا يتأتي ذلك إلا بالعمل بما حصلنا من علم. ووظيفة عمارة الأرض هي وظيفة إجتماعية وليست فردية ولذلك فهي مقيدة وليست حرة مثل العلم، (الذي هو وظيفة البحث عن الحقيقة). العلم ليس له وطن بينما تطبيق العلم، العمل به، له وطن وحيز مكاني يؤثر ويتأثر به. وثنائية العلم والعمل هي الثقافة، حضارة المجتمع. فالثقافة أو الحضارة هي مكتسبات علمية ومعارف تعمل على أرض الواقع من خلال سلوك أفراده. ثقافة المجتمع هي مجمل حركة أفراده محكومة ومضبوطة بمجموعة من القيم والمعايير تحدد ما هو الصواب وما هو الخطأ. ونخطأ لو إعتبرنا الثقافة والدين شيء واحد فالأولى (الثقافة) متغيرة أما الدين فهو ثابت لا ينغير في المكان أو الزمان، وإن كان فهمنا وإدراكنا للدين يتغير، فهذا الفهم يدخل في نطاق التراث الديني وليس الدين نفسه. التراث أو الموروث الثقافي يشكل خبرات للمجتمع تتطور أو تموت بشكل دائم لا ينقطع. فالحياة والموت يجتمعات في الكائنات الحية كما يجتمعان في الثقافة والحضارة. فإذا غلبت عناصر الإحياء والتجديد إنتعشت الحضارة وإذا غلبت حالة الجمود والموت إضمحلت الحضارة وتوارت.

 

قال خاتم رسل الله، محمد بن عبد الله، صلوات الله وسلامه عليه "من رأى منكم منكرا فليغيره، بيده، فإن لم يستطع، فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وهذا أضعف الإيمان" فالتغيير مطلوبٌ دوما، أما وسائلة فتختلف باختلاف القدرات والظروف المكانية والزمانية. فالتغيير باليد هو العمل والتطبيق على الواقع أما التغيير باللسان فهو الدعوة ونشر الصواب بين الناس بكافة الوسائل، والتغيير بالقلب هو العُزْلة وعدم المشاركة في الخطيئة. فعدم التصويت في انتخابات نعلم أنها ستزور لصالح فريق معين هو تغيير بالقلب أما التصويت في ظل هذه الظروف فهو إتيان المنكر، أي المشاركة في التزوير.

الدعوة:

 

الدعوة هي نشر العلم والمعرفة بين الناس فكما أنه لا فائدة من علم بلا عمل، فإن حبس العلم في ذات العالم تعني عدم وجوده فالعلم يصبح علما إذا عرفه الناس (الآخرون). ونشره لا يعني مجرد الإخبار به بل إقناع الناس بصحته وفائدته. ولأن الدعوة مثل العمل، وظيفة إجتماعية فهي ليست حرة مثل العلم بل تخضع لقيود مجتمعية يفرضها المجتمع على الوسائل في أغلبها وليس على الموضوع.

 

قال الله تعالى في الكتاب "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (سورة النحل 125) الحكمة هي البرهان العقلي، والموعظة هي إستمالة العواطف، ومنها الحسن والرديئ، فمن الممكن تحفيز الناس واستثارتهم للهدم، أما الجدل فهو أسلوب الدعوة إلى الحق الذي يمتطي مزيج من الحكمة والموعظة الحسنة. والجدل في اللغة مأخوذٌ من "جدلت الحبل" أي فَتَلتْه وأحكمت فتله. هو مخاصمة، مناظرة، منازعة أو مغالبة عن طريق الحوار ولذا وجب أن يكون بالتي هي أحسن بعيدا عن العنف والإقتتال. وقد تكون المغالبة على وضع باطل فلا يكون هدف الجدل إلا الإنتصار لرأي حتى وإن كان باطلا، وحسن الجدل يستدعى التراجع إذا كانت وجهة النظر الأخرى راجحة.

 

غياب الجدل هو سمة المجتمعات المتخلفة مثل حالة مصر .. يوجد العديد من الأحزاب السياسية والحركات الوطنية والجمعيات الأهلية ولا يوجد بينها حوار .. ثقافة الحديث من طرف واحد والإملاءات هي الثقافة الشائعة. العلاقات الجدلية أصبحت أحادية .. الأجندات الخفية هي السائدة مما يجعل الوصول إلى إتفاق هو المستحيل بعينه .. كان الفقهاء يلقون دروسهم في دائرة تضمهم إلى تلاميذهم فانتقلوا إلى قاعة المحاضرات واعتلوا المنصة .. المدرس ينظر إلى التلاميذ من فوق المنصة، ولا ينظر التلاميذ بعضهم إلى بعض بل ينظرون جميعا إلى المنصة. غاب الجدل فشاعت الفرقة … والسبيل الوحيد لصلاح المجتمع هو نشر ثقافة الحوار قبل الحرية والعدل أو الديموقراطية.

 

هل يعقل أن يكون هناك خلاف على الهوية؟! يقول مفكر يظهر كثيرا على شاشات التليفزيون: نحن مصريون ولسنا عربا .. فالعرب هم سكان الحزيرة العربية فقط. وفي نفس الوقت يقول أنه كان سعيدا برجل نيجيري يعتز بالحضارة المصرية ويدافع عنها لأنه أفريقي ومصر أفريقية .. هل يعني ذلك أنني من الممكن أن أكون مصريا وأفريقيا في نفس الوقت؟ ولا يمكن أن أكون مصريا عربيا! أو أن أكون نوبيا مصريا .. وأكون بورسعيديا مصريا أو سيناويا مصريا أو غير ذلك من الأقاويل التي لا تمنع الخاص من الإنتماء للعام وترى في دوائر الإنتماء المتحدة المركز شيئا طبيعيا وعلميا في نفس الوقت .. إنها مشكلة الأجندات الخفية وغياب الجدل بالتي هي أحسن أدت إلى سقوط مثقف يتقن اللغة الهيروغليقية في خطأ منطقي بسيط.

غياب الجدل يكرّس ثقافة العبيد القائمة على خيارين إثنين فقط، إما أن تكون عبدا يطيع الأوامر ويستجدي السيد (كما الفلاح الفصيح) وإما تكون سيدا تأمر وتقهر وتسعد بتملق العبيد (كما الفرعون الإله). تفشي ثقافة العبيد تخلق مجتمعا هرميا له قمة واحدة فقط هي الرئيس الأعلى (الفرعون الإله صاحب الإرادة والسيادة المطلقة)، يليه مجموعة صغيرة من الصفوة (الكهنة والأعيان) وتتسع الطبقات الدنيا لتصل إلى قاعدة الهرم التي تلتصق بالأرض وهي طبقة مسلوبة الإرادة. في ظل ثقافة العبيد لا يوجد خقوق وواجبات بل هبات تمنح لك وإلتزامات مجبر على أدائها. في هذه البيئة يكون السيد خارج المسائلة إلا من السيد الأعلى منه وله أن يعدل أو يظلم .. يمنح أو يمنع. أما حالة الجدل فتخلق مجتمعا شبكيا قادرٌ على تصحيح أخطائة من خلال حق النقد الذي يتمتع به الكل فلا يخضع للصدفة. ويتمتع كل أفراد المجتمع الشبكي بحرية الإرادة يختارون من ينوب عنهم لإدارة شئون المجتمع لفترة محدودة ولهم أن يعزلوه كما عينوه. وهذا هو المجتمع الديموقراطي الذي يصنع أفراده، كل أفرادة، ثقافتهم من خلال حالة الجدل والنقد المتواصلة دون وصاية.

 

الجمود والتغيير

 “في البدء كانت الكلمة" لكننا لم نشهد هذه البداية. بَدَءَ إدراكُنا بمشهد التفاعل بين العلم والعمل والدعوة .. يؤثر كل منهم في الآخر ويتأثر به. فالدعوة لما حصلنا عليه من علم ونشره والجدل حوله قد ينفي معلومة ويثبت أخرى ويصحح ثالثة. ونفس الأثر تحدثة التجربة والعمل. بهذه الديناميكية تنتقل الحياة من حالة إلى حالة .. ومن طور إلى طور .. من العصر الحجري إلى عصر الإتصالات والمعلومات.

طبيعة الحياة ترفض الجمود .. فالتغيير هو الحقيقة الثابتة فإنك لا تنزل البحر مرتين لأن البحر في المرة الثانية قد تغير. ولكن أي نغيير؟ فقد يكون التغيير إلى أسوء .. أو إلى أحسن .. في صالح فئة خصما من فئة أو فئات أخرى. فكما يوجد البناء .. يوجد أيضا الهدم. والإنسان في جميع الحالات هو المسئول الوحيد عن التغيير. ومن المستحيل إلغاء دور النخبة أو الفرد ولكن الوعي الجمعي في النهاية هو الموجه لحركة التغيير سلبا أو إيجابا.

 

ما يحدث في مصر من قبول الوعي الجمعي لمنحنى التغيير الهابط (حالة الإنتحار) لا يمكن تجاوزها إلا بالتوجه بالوعي الجمعي إلى حالة التثبت بالحياة والحيوية والإصرار على البقاء. وهذا دور النخبة وجماعات التغيير من أحزاب ونقابات وجمعيات مدنية وجماعات سياسية. ويتم ذلك من خلال توسيع نطاق الجدل ليشمل قاعدة الهرم الإجتماعي دون إنتظار موافقة النخبة الحاكمة التي لن تأتي أبدا لأنها هي الأخرى حريصة على الحياة وحياة المجتمع موت لها. البديل الوحيد للتغيير للأحسن هو الصدفة التي قد تأتي بإنسان، كالمستشار طارق اليشري على سبيل المثال وليس الحصر، يملك ضميرا حيا على رأس السلطة.

 

حزب العمل مثال يمكن تعميمة على كل قوى التغيير باسنثناء الإخوان المسلمين. لقد جمدت النخبة الحاكمة نشاط حزب العمل لأنه تجاوز الحدود التي تسمح بها. وبدلا من أن يتوجه حزب العمل إلى الشعب لإكتساب شرعية البقاء، إذا به يستجدي الحكام للموافقة على ممارسة نشاطة للقضاء عليهم. هذا التناقض الواضح هو الذي جمد حزب العمل ويجمد بالتالي جميع قوى التغيير. كل قوى التغيير، التى تملئ الساحة، تبحث عن الشرعية من قوى ليس لها الصلاحية لمنح الشرعية (الحكومة والمجتمع الدولي)، فالذي يمنح الشرعية، في النظام الديموقراطي طبعا، هو الشعب. الطريق الوحيد للتغيير هو تغيير ثقافة الفلاح الفصيح فلن تجدي فصاحته وتملقه للفرعون الإله للحصول على حقوقة حتى وإن وقف على سلم نقابة الصحفيين أو باب الفرعون بالأيام والليالي. علية أن يهدم المعبد على الكهنة والإله معا فالإله الحالي ليس حورس أو إيزيس آلهة الخير والنماء ولكنه ست إله الشر. وعلى حورس العصر أن يتوجه إلى الشعب يعلمه كيف يزرع الخير على أرضه الخصبة دوما.

 

مثال آخر لإستثارة حالة الجدل الشعبي، يتمثل في مشروع الدكتور أحمد عبد الله رزة، زعيم حركة الطلبة في أوائل السبعينات. أنشأ الدكتور رزة "مركز الجيل للدراسات الشبابية" في عين الصيرة، الحي الشعبي في محافظة الجيزة. جمع أحمد عبد الله رزة أطفال الشوارع وشباب الحي الشعبي العاطلين، يعلمهم القرائة والكتابة وحِرَف تؤهلهم للحياة الكريمة. مات الدكتور رزة في يونيو 2006 ومات معه مشروعه وإن كان إسم المركز وموقعه الجغرافي باقيان إلى أن تنتهي المدخرات الباقية. يحتفل أصدقاء أحمد عبد الله رزة سنويا بذكرى وفاته وربما أيضا بذكرى وفاة مشروعه الذي أنشأ حالة من الجدل المجتمعى تمثّل في الأطفال والشباب الذين بكوْهُ وتلقوا عزائه في عين الصيرة. لماذا لم ينجح الدكتور أحمد عبد الله رزة في الإنتخابات البرلمانية؟ هل بسبب حالة الطوارئ؟ هل بسبب أنه لم يتوغل بالقدر الكافي في الطبقات الشعبية؟ هل بسبب أنه لم يستطع أن يربط مصالح الجماهير الشعبية المباشرة بمشروعه الثقافي الوطني؟ لماذا لا ينتعش مشروع مركز الجيل من جديد؟ ولماذا لا يتكرر في أحياء شعبية أخرى؟ بل وفي القرى والنجوع؟ هل نطلب الإذن من النخبة الحاكمة المسيطرة؟ أم نطلب منها أن تقوم هي بذلك؟ وهي، أي الحكومة، تعلن عن مشروع تطوير ألف قرية من القرى الأشد فقرا. قهل نصدقها؟ لماذا لا تتحرك حركات التغيير وجمعيات المجتمع المدني في هذا الإتجاه؟ هل تكلفتها باهظة؟ لا أظن … فلم يكن أحمد عبد الله رزة من رجال الأعمال الأغنياء … هل يوجد موانع قانونية؟ مركز الجيل هو شركة توصية بسيطة يمكن نكرارها برأسمال بسيط قادر على الربح وتمويل نشاطاته.

 

مثال ثالث من مشروعات تنشيط الجدل المجتمعي يتمحور حول شخصية مثل عبد الرحمن الخميسي أو غيره من الشخصيات التي لها صدى في حياتنا الثقافية ورحلوا عن حياتنا، وذلك لتنشيط الذاكرة الوطنية واستدعاء المشروع الوطني الذي ساهم هؤلاء المثقفون في بنائه ورسم ملامحة. مهمة هذه المراكز الثقافية هي تشكيل الوعي الشعبي الداعم الأساسي لحركة التغيير. يوجد مركز ثقافي بإسم ساقية عبد المنعم الصاوي نجح تجاريا وحشد الآلاف من شباب الطبفات العليا والوسطى المتعلقة وجدانيا بالطبقة العليا. قد يكون شاطي النيل في حي الزمالك الراقي له سحر لا يستطيع الشباب أن يقاومه. وتنتشر أغاني الشيخ إمام الثورية كنوع من الأغاني الفلكلورية الجذابة في ساقية الصاوي والمراكز الثقافية الحكومية والأجنبية. وتدور الساقية لتروي أرضنا العطشى يثقافة التغريب وفنون التعايش مع الباطل وثقافة الهزيمة .. فلابد من ملئ الفراغ. ولعل حركات التغيير قادرة على ملئ الفراغ الثقافي باستدعاء تجربة قوافل الثقافة التي كانت نجوب القرى والنجوع في عصر عبد الناصر ووزير الثقافة عبد القادر حاتم. قد يكون إنشاء مراكز ثقافية تمارس فعالياتها، من حفلات موسيقية غنائية وندوات أدبية وسياسية ومعارض فنية، في المقاهي التي يرتادها الشباب، أمرا غير مكلّفْ ويمكن تمويله ذاتيا من خلال التبرعات ورسوم رمزية.

========================

قراءة تركيا للإسلام منحتها دوراً رائداً في العالم

ليون برخو

الاقتصادية 16/7/2010

تركيا دولة إسلامية. الإسلام وفكره متجذران في المجتمع. مع ذلك انفتحت تركيا على الغرب العلماني وسايرته في أغلب الأمور ذات العلاقة بالمسلمين ودولهم ومجتمعاتهم ومشاكلهم وأزماتهم. التفاتة تركيا صوب الغرب كان لضعفها الاقتصادي والعسكري. رغم ذلك همش الغربيون دورها لفقرها أولا ومكانة اقتصادها المتدنية ثانيا. كان الفرد التركي في أوروبا مثال تندر، يسخر الغربيون من تخلفه وثقافته لا بل تدينه وإن أراد العمل فما عليه إلا القبول بأعمال يستنكف الغربيون القيام بها. وكان كثير منا يعتقد أن بين تركيا وأوروبا الغربية بونا اقتصاديا شاسعا لن يستطيع حفدة الخلافة العثمانية تجاوزه.

هذا كان سابقاً قبل أن تقوم تركيا بتغير بوصلتها من حيث قراءتها واستيعابها للأحداث في العالم ودور الاقتصاد والعلم في إبراز مكانة الدول والشعوب. أول عمل قامت به كان العودة إلى الجذور الإسلامية للمجتمع التركي والتشبث بالنص المقدس وقراءته بما يتماشى مع قدسيته، وكذلك استجابته لما يحتاج إليه المسلم في هذا العصر والبحث عن قراءة تملأ الفراغ - وهو التخلف في المجتمع. لم يركض بناة النهضة الاقتصادية والثقافية والعلمية الحديثة في تركيا ولا سيما في العقد الأخير وراء قراءات قد لا تستجيب لمتطلبات مجتمعهم. كان همهم قراءة تستند إلى النص المقدس وتؤدي بنهضة شاملة يحسب لها العدو والصديق ألف حساب. قادة هذه النهضة - وسنتجنب ذكر الأسماء - من أكثر الناس افتخارا وزهوا والتزاما بإسلامهم وقرآنهم. وهكذا وفي غضون نحو عقد من الزمان نهضت تركيا على قدميها شامخة وتقف اليوم ندا لدولة أرهبت وما زالت ترهب الشرق الأوسط لا بل العالم بغطرستها إلا وهي إسرائيل. هذه القراءة منحت تركيا المنعة والشجاعة والحكمة والمقاومة ما نفتقدها في الشرق الأوسط برمته.

قد يسأل القارئ ما دليلك على نهوض تركيا وكيف لك أن تبرهن أن نهوضها سببه قراءتها للنص المقدس بطريقة تملأ الفراغ في المجتمع المسلم وتستجيب لمتطلباته العصرية؟ الدليل تتناقله أمهات مراكز البحث في الغرب. هل تعلم عزيزي القارئ أن الاقتصاد التركي اليوم ثاني اقتصاد في العالم من حيث النمو بعد اقتصاد الصين، حيث سجلت تركيا في الأشهر الستة الماضية نموا اقتصاديا بلغ 11.4 في المائة بينما تترنح اقتصاديات الدول الغربية - ولا سيما دول السوق الأوروبية المشتركة - بين 0 في المائة و0.5 في المائة. وآخر تحليل قرأته يقول إن تركيا تلبي اليوم المتطلبات الاقتصادية كافة للانضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة بينما دول السوق ذاتها لا تستطيع تلبية معظمها الآن. سبحان مغير الأحوال.

لم يكن يحدث هذا لو لم تعد تركيا إلى نصها المقدس وقراءتها له بشكل يسهم مساهمة مباشرة في نهضتها وليس تخلفها. هذه القراءة جعلتها تتجه شرقا صوب إخوة لها في الدين وكانت نتيجة ذلك سيلا غير منقطع من الاستثمارات ببلايين وبلايين الدولارات في السنين العشر الماضية. وتغير البوصلة لم يكن قراءة فقط بل فعلا أيضا فبدأت الشركات التركية تزيد من حضورها واستثماراتها في الدول العربية والإسلامية ولشركة الخطوط الجوية التركية اليوم رحلات إلى دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد تفوق مثيلاتها إلى الدول الغربية. وفي يونيو (حزيران) الشهر الماضي نمت الصادرات التركية 13 في المائة مقارنة بالسنة الماضية وزيادة الطلب هذه أتى معظمها من شقيقاتها الدول العربية والإسلامية. الشركات التركية تبني العمارات والجسور والمصانع في العراق وإيران وسوريا ودول أخرى كثيرة، حيث تبلغ قيمة المشاريع التي تقوم بها في الشرق الأوسط أكثر من 30 بليون دولار حاليا. والصيرفة الإسلامية تأتي في مقدمة سوق المال التركي ومن أكبر المستثمرين فيه السعوديون. واليوم تزيد قيمة صادرات تركيا إلى العراق وإيران فقط بمقدار 200 مليون دولار عن قيمة ما تصدره للولايات المتحدة. ويتوقع أن تبلغ قيمة الناتج القومي الإجمالي لتركيا أكثر من تريليون دولار هذا العام.

من كان يصدق هذا قبل عشر سنوات ومن حكم متشبث ب «الإسلام المحافظ»؟ بهذه العبارة أو ما يشابهها تعلق مراكز البحث الغربية على نهضة تركيا. أنا شخصيا غير مندهش. وهذا سيحصل لا محالة لأي دولة إسلامية تعود إلى النص المقدس وتقرأه بما يلبي حاجات مجتمعها وبما يسد الفراغ في حياتهم. بالطبع لم يرق هذا النهوض الهائل والتغيير المفاجئ في دفة البوصلة التركية لأصحاب إسرائيل فكتب توماس فريدمان مقالين في نيويورك تايمز يقطران سما زعافا يتباكى فيهما على الحريات الفردية وغياب العقلانية في الحكم التركي. وكأن الله أراد أن يقحم فريدمان ويظهر تعصبه الأعمى لدولة الصهاينة على الملأ، حيث ظهرت هذه الأرقام المذهلة بعد أيام قليلة من كتابة مقالتيه وأيدتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وستعلنها عند نشرها كتابها السنوي عن اقتصاديات دول العالم في مستهل عام 2011.

===========================

أفيون الشعوب الحقيقي

فهد عامر الأحمدي

صحيفة الرياض السعودية

13/7/2010

بظهور هذا المقال تكون منافسات كأس العالم قد انتهت وانتهى معها شهر كامل من الهوس والغفلة اللذيذة..

"الهوس" لأنها الحالة الوحيدة التي تستولي فيها كرة القدم على عقول الأمم بمختلف لغاتها وثقافاتها .. و"الغفلة" لأنها الفترة الوحيدة التي تنسى فيها شعوب العالم مشاكلها الداخلية وتغض الطرف عن كافة المشاكل والمآسي العالمية..

وكرة القدم هي في الحقيقة من يستحق لقب "أفيون الشعوب" كونها فترة خدر لذيذة لطالما استغلها السياسيون والطغاة لصالحهم ؛ فحين استضافت إيطاليا كأس العالم عام 1934 قال موسوليني " لم أتصور ان ولاء الايطاليين لهذه اللعبة يفوق ولاءهم لإيطاليا واحزابها الوطنية، سنفعل ما بوسعنا لاستضافة البطولة القادمة" (وبالفعل استضافت ايطاليا البطولة التالية عام 1938) !

وبعد فوز انجلترا بكأس العالم 1966 كتب وزير الاقتصاد روبرت كروسمان : "هذا النصر سيخفف الضغوط على الجنيه الاسترليني ويحد من عمليات المتاجرة ضده".. أما رئيس الوزراء هارولد ويلسون فحاول تجيير الفوز لصالح حزبه حين قال "لم تكن انجلترا ستفوز بكأس العالم لو بقيت في ظل حكومة العمال" !!

.. وإلى اليوم لم يشهد العالم فريقاً بروعة منتخب البرازيل عام 1970 حيث اجتمعت فيه كوكبة فريدة من النجوم من بينهم بيليه وريفالينو وبيبيلو وتوستاو… وحين فاز الفريق بالكأس بكى توستاو (وهو طبيب في الأصل) حتى أغمي عليه. وفي ذلك الوقت ظن الجميع انها دموع الفرح ؛ غير انه اعترف لاحقا بأنها دموع الندم لأنهم بذلك الفوز ألهوا الشعب البرازيلي وسمحوا للعسكر بتعزيز سلطتهم غير الشرعية (التي اغتصبوها للتو)!

 

وحين استولى الجنرالات على الحكم في الارجنتين فعلوا المستحيل لضمان استضافة كأس العالم عام 1978. ثم دفعوا من الرشاوى ماوضع الفريق الارجنتيني منذ البداية في مجموعة ضعيفة تبعدها عن مواجهة البرازيل. وفي الأدوار النهائية بدا مؤكدا ان البرازيل ستتأهل للمباراة الختامية بعد تغلبها على بولندا بنتيجة (3/صفر) كون هذه النتيجة تعني أن على الأرجنتين التغلب على فريق بيرو القوي بفارق (أربعة لصفر) كي تتأهل للمباراة النهائية.. وفي موقعة تخاذل فيها منتخب البيرو فازت الارجنتين (6/صفر) فأقصت بذلك البرازيل وفازت بالكأس على حساب هولندا.. وبعد فترة طويلة اتضح ان البنك المركزي الارجنتيني اشترى تلك المباراة من حكومة البيرو نظير شطب 500 مليون دولار كديون مستحقة عليها / في حين وصلت للاعبين الأرجنتينيين تهديدات بالتصفية الجسدية في حال خسروا أمام هولندا !

وفي الحقيقة لم تكن هذه المرة الأولى التي تتدخل فيها حكومات العالم لتغيير نتائج المباريات . فقد سبق لحكومة السلفادور ان ضغطت على حكومة الهندوراس للسماح لها بالفوز بالبطولة القارية (بغرض إلهاء الشعب عن ضغوط التضخم الداخلية). غير أن هندوراس لم ترفض فقط هذا الطلب بل وفازت على السلفادور مما أدى لنشوب معركة حقيقية غزت فيها جيوش السلفادور هندوراس (كحل بديل لإلهاء الشعب عن ذات الضغوط)!!

وفي بطولة 1950 وصلت البرازيل والأروجواي الى المباراة النهائية .. وفي الليلة السابقة للمباراة حضر من الاروجواي مسؤول حكومي كبير طلب الانفراد باللاعبين. وفي ذلك الاجتماع شكرهم على الجهد الذي بذلوه للوصول للمباراة النهائية لكنه حذرهم من ان الفوز على البرازيل سيعرض علاقات البلدين للخطر ويضر بمصالح الاروجواي الاقتصادية .. ولكن ؛ رغم هذا التحذير ورغم ان جميع النقاد رشحوا البرازيل انتفض لاعبو الاوروجواي لكرامتهم وفازوا على البرازيل في عقر دارها أمام 204,000 متفرج (كأعظم جمهور يحضر مباراة لكرة القدم حتى اليوم)!!

أما المأساة التي أتذكرها شخصيا فهي استغلال إسرائيل انشغالنا وانشغال العالم ببطولة 1982 لغزو لبنان وتدمير بيروت وارتكاب مجازر صبرا وشاتيلا .. وفي آخر مسابقتين استغلت حالة (الهوس) و(الغفوة) لاقتحام غزة وتدمير السلطة الفلسطينية ومنظمة حماس من خلال مخطط مسبق أجل لكأس العالم!!

... وبالمناسبة .. تكاد تكون اسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي لا تهتم بالمشاركة حتى في التصفيات الأولية..

=======================

عام بعد خطاب الرئيس أوباما .... و لاجديد

د. عبد المنعم أبو الفتوح

الدستور 21/7/2010

عام مضي علي خطاب الرئيس أوباما في جامعة القاهرة الذي توجه به إلي العالم الإسلامي مادًا يده كما قال مؤخراً.. وعرفنا منه أنه لا خصومة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمسلمين وأنه يريد أن يفتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي.

انتظرنا أن نري تطبيقاً لهذا الكلام في الواقع.. يبشر بشيء جديد في أفق العلاقة الصحيحة التي حدثنا عنها.. فلم نر شيئاً جيدًا ولا جديداً. رأينا إصراراً علي تأييد إسرائيل في عدوانها وشراستها.. رأينا إصراراً علي تأييد أنظمة القهر والاستبداد التي تستمد كل قوتها علي شعوبها من هذا التأييد.. رأينا إصراراً علي تعميق الأخطاء يوماً بعد يوم في أفغانستان والعراق.

علي أننا لم نفقد الأمل كلية في النظر إلي الحالة التي أخرجت إلي العالم ظاهرة الرئيس أوباما، ذلك الشاب الأسود ذو الأصول الأفريقية المتحرر من سيطرة أباطرة المال والإعلام في أمريكا.. الرجل الذي لا ديون عليه لأحد إلا المواطن الأمريكي (الإنسان) الذي تبرع بخمسة دولارات لحملته الانتخابية.. وإلا لهؤلاء الشباب الواعدين بالخير والسلام والعدل علي الفيس بوك والتويتر. وبدا لنا جميعا أن الإدارة الأمريكية التي لطالما كانت أسيرة لدي أباطرة المال والإعلام.. قد نفضت عنها غباراً لا يليق بقيم الآباء المؤسسين الذين وضعوا الدستور الأمريكي.. والذين صاغوا وأعلنوا( إعلان الاستقلال) عن حق الناس جميعاً في (الحياة والحرية والسعي إلي السعادة). كما ذكر الزعيم الأمريكي جيفرسون.

ثمة عقبات واضحة أمام الرئيس أوباما بشخصه وبأفكاره أراها قائمه في العلاقة مع العالم الإسلامي.. وهي ليست بالصعبة ولا بالعسيرة إذا صدقت النوايا والعهود.

أولي هذه العقبات هي إسرائيل.. بكل ما تمثله من إشكالات معقدة شديدة البعد عن قيم الأديان والرسالات السماوية.. شديدة البعد عن قيم الحضارة الإنسانية.. شديدة البعد عن حقائق النظام الدولي عرفاً وقانوناً وواقعاً.. وأحب أن أؤكد في هذا السياق عدة نقاط:

أولاً:- ليس بيننا كعرب ومسلمين وبين اليهود أي عداء تاريخي أو خصومة أبدية.. فهم أصحاب دين سماوي نؤمن به ونشهد به وقد عاشوا بيننا في ظل الحضارة الإسلامية عيشاً كريماً لهم ما لنا وعليهم ما علينا وهي الحقيقة التي يذكرونها جيداً في تاريخ مآسيهم واضطهادهم.. لم تحدث لهم أي مذابح ولا إبادات كما حدثت لهم في أوروبا بعد اتهامهم بتسميم الآبار في القرن الرابع عشر ولم نعزلهم إجبارياً ولا اختيارياً كما حدث لهم في القرن السادس عشر في أوروبا بأمر من البابا بولس الرابع مثلاً. لم نعتبرهم شعباً غريباً كما فعل قياصرة روسيا في القرن الثامن عشر.. علي العكس تماما من كل ذلك كان لهم بيننا كل الصون والإكرام.

ثانياً:- التسليم بوجود واقع تاريخي متصل لليهود هو غير صحيح تماماً وهم في ذلك مثلهم مثل باقي البشر تعددوا وتفرقوا ورحلوا وأقاموا.. واكتسبوا صفات المجتمعات والأعراق التي حلوا بها.. وهذه الحقيقة يقر بها أكثرهم ممن دعوا إلي مصالحة العالم وأصبح الخلاص الحقيقي لديهم هو انتشار العقل والعدل بين الشعوب.. وليس العودة إلي أرض الميعاد وإقامة الهيكل ومحوا تماماً من وعيهم كلمات مثل التلمود وصهيون وإحياء مملكة إسرائيل. فقط أقلية متمكنة من أتباع المذهب الصهيوني هي التي تحالفت مع المستعمرين القدامي.. وصاغوا أساطير الميعاد والعودة وارتضوا فيما بينهم أن يقوموا بدور وظيفي يفصل الشرق العربي عن غربه ويتمتعوا بالتأييد الأوروبي الأمريكي تحت دعوي التطهر من خطيئة إذلالهم وإحراقهم.

ثالثاً:- لا علاقة لإسرائيل بيهود العالم.. فلم تعد إسرائيل وإيباك هم يهود العالم ولديكم في أمريكا منظمة(جي- ستريت ) التي تزداد قوة يوماً بعد يوم ومثلها (جي- كول) في أوروبا وهم يرفضون أن تكون لليهود دولة بحدود سياسية وجغرافية.. فغير أن ذلك لا أساس له في الإيمان اليهودي كما ذكر عالم الذرة ألبرت آينشتين.. هو أيضاً خطأ وخطر وضد السلام العالمي والإنساني. وهو ما ينادي به عالم اللسانيات الشهير ناعوم تشومسكي.. أحد أروع وأعظم العقول الإنسانية كما يوصف دائما.

من كل ذلك يجب أن تنتبه الأمة الأمريكية إلي خطأ التأييد المطلق لإسرائيل، تلك الأمة التي صححت في مسارها التاريخي أخطاء كبيرة ليست أقل خطأ من تأييد فكرة (الدولة اليهودية)..

من ينسي عظمة الأمة الأمريكية في تصحيح خطأ الرق والعبودية علي يد إبراهام لنكولن. من ينسي تصحيح خطأ العنصرية والتمييز علي يد مسز (روزا باركس)بموقفها الذي هز الأمة الأمريكية هزاً عنيفاً. من ينسي تصحيح خطأ المكارثية التي كانت تتعقب بالشبهة والشائعة المثقفين الأمريكيين. كل ذلك يجعلنا علي أمل كبير من تصحيح هذا الخطأ الكبير الذي ما عاد مقبولاً حضارياً وإنسانياً وتاريخياً وكما نقول في الإسلام لا يصح إلا الصحيح.

ثاني هذه العقبات:- هي أنظمة الاستبداد والفساد.. وهي الأنظمة التي تكونت في المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية. وعملت بالجهد الجهيد علي خنق الشعوب والمجتمعات وحرمانها من حقها الطبيعي في النمو والنهوض والديمقراطية.. هذه الأنظمة تلقت ولا تزال دعمكم الكامل بحجة الحفاظ علي الأمن الإقليمي والاستقرار في المنطقة وبقدر ما كانت تقترب منكم كانت تتباعد عن شعوبها.. وهو الأمر الذي أنتج حالة بائسة من التكوين الاجتماعي والسياسي للشعوب، أدي فيما أدي إلي التطرف والتعصب والعنف وعدم الاستقرار.. فالاستقرار لا يكون إلا علي قواعد الحرية والرفاة والرقي الحضاري (تعليم وثقافة وفكر وفن) هذا ما تعلمناه من الإسلام ديننا وحضارتنا، وهذا ما نطمح إلي تحقيقه وإقامته في مجتمعاتنا.. إلي حيث الحياة السياسية الصحيحة في ديمقراطية التعدد والتنوع وتناوب السلطة وإلي حيث الحياة الاجتماعية الصحيحة في وضع المرأة في مكانها اللائق بها في المجتمع (شقائق الرجال) تعليماً وتمكيناً وارتقاء. وإلي حيث المواطنة الكاملة والمساواة الكاملة بين أبناء الوطن الواحد دون النظر إلي عقيدة أو لون أو عادات.

الاستقرار الكذوب الذي يستند إلي الكبت والاستبداد والقهر والإفقار وطريقة (لا تتركه يموت ولا تدعه يحيا) لن يؤدي إلا إلي العنف والتطرف والإرهاب والاضطراب والجريمة.. وإذا كان هناك من يقول بخبث ومخاتلة إن مصر القوية هي التي حاربت الصليبيين وهي التي أوقفت المغول وهي التي حاصرت الأستانة (وقت محمدعلي).. ويحب علي الغرب خنقها وحصارها في حدودها.. فهذا القول الكذوب أقل ما يوصف به أنه قول غير علمي وغير منطقي؛ لأن الزمن غير الزمن والأحوال غير الأحوال.. كما أن التقدم الإنساني في رحاب الحضارة والعلم جعل للقوة والمكانة أسباباً ونتائج مختلفة تماماً عما كان في الماضي.. وهاهي تركيا (العدالة والتنمية) نموذجاً أمامكم لتفاعل الحكام مع شعوبهم وهي نموذج لكل المخلصين لأوطانهم في ألا يفقدوا الأمل في الإصلاح ويستمروا علي طريق النضال من أجل الحرية والحياة الكريمة. مازال في الوقت سعة وفرصة لتصحيح الأخطاء والبدء فوراً في استدراك ما كان سوء فهم وتقدير.. ومازلنا نري في أن هناك أملاً كبيراً للإنسانية في تصحيح مسارات تقدمها في رحاب الحضارة والتاريخ.. رافعة راية الأخلاق والحرية والكرامة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ