ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 08/08/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

شكراً أبا أنس.. تحية للأستاذ الكبير علي صدر الدين البيانوني

سليم زنجير

المركز الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين في سورية

07/08/2010

شكراً أبا أنس.. تحية للأستاذ الكبير علي صدر الدين البيانوني..

المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سورية..

شكراً أبا أنس... كلمة لا بد من أن تقال في نهاية المطاف..

شكراً على عمر أنفقته في حمل لواء الدعوة إلى الله، جندياً مثالياً، وقائداً كبيراً.. فكنت، وستبقى، مثلاً حياً لرجل الدعوة..

والآن، وقد سلّمت الأمانة، فإن من حقك علينا، ومن واجبنا نحوك، أن نقول لك: شكراً على خمسة عشر عاماً حملت فيها تلك الأمانة.. ويا لها من أمانة تنوء بها الجبال. وقدت فيها السفينة وسط الأمواج المتلاطمة، والأعاصير الهائجة.. وكأن أقدار الله ادّخرتك لتكون ربّان هذه المرحلة الطويلة الشاقة.

شكراً أبا أنس.. فقد كنت صاحب رؤية وموقف وعزيمة، في زمن صعب.. ولقد تحليت بالحكمة والشجاعة والتجرد بشهادة المنصفين من إخوانك وغيرهم. وكنت للجميع أخاً كريماً، أو أباً رحيماً، وللجميع كنت قائداً ومعلّماً حكيماً.. تمضي ولو أبطأ الآخرون، وتعمل ولو قصّر الآخرون، وتبقى على أمل بالله وثقة ويقين..

كنت أُشفق عليك كلما رأيتك في مقابلة تلفزيونية، أو قرأتك في مقابلة صحفية، أو سمعتك في لقاء عام أو خاص.. كان العبء ثقيلاً، والمهمة متعبة.. ولكنه قدر الكبار.. ولعل تاريخ الإخوان يكتب يوماً أنك كنت واحداً من أقدر من قاد الجماعة، في جملة سجاياك ومزاياك.. في الحكمة والحزم، والتجرد والإخلاص، والصبر الجميل على أذى البعيد والقريب..

في مسيرتك الحافلة حافظت على وحدة الصف، وأشرفت على إنجاز المشروع السياسي، ليعرف الناس حقيقة الإخوان، وماذا يريدون.. وأهم ما فيه الدعوة إلى دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية، والإعلان عن نبذ العنف، والقبول بنتائج صناديق الاقتراع.. وفي مسيرتك الحافلة كان لك – مع إخوانك - اجتهادات وتحالفات وتحركات، يتفق عليها أو يختلف عقلاء المؤمنين، ولكن يكفيك منها أنها اجتهادات قائمة على الشورى لا التفرد، سواء أخطأتْ أو أصابت... أو امتزج فيها الخطأ بالصواب.

شكراً أبا أنس.. بذلت الكثير للإخوان, وللأوطان، وحتى لمن ظلموك وظلموا إخوانك مددت يدك بحثاً عن مخرج من نفق طويل مظلم، تاه فيه الظالم قبل المظلوم.. فأبرأت الذمة أمام الله وأمام التاريخ وأمام الناس.

شكراً أبا أنس.. لقد سدّدت وقاربت ما وسعك الأمر.. أعطيت الكثير، وأخذت القليل... ولو تركت القلم يجري على رغبة القلب لكتب الكثير من الصفحات.. وهبْ أنه كتب صفحة أو صفحتين عن كل سنة سقيتَها من دماء قلبك، أفلا يكون ذلك ظلماً، وأي ظلم؟!

شكراً أبا أنس.. شكراً لك من إخوانك الأوفياء، ومن أبنائك الأوفياء..أما الشكر الحقيقي، والأجر الحقيقي فهما من الله.. ومن كان مثلك حاشاه ينتظر الشكر من بشر مثله.. وحاشاه ينتظر الأجر من غير ربه..

شكراً أبا أنس.. شكراً على كل ما قدمت، وشكراً لك وأنت تسلم الراية من غير أن تستقيل.. وكأن أبا فراس كان يعنيك أنت حين قال:

سيذكرني قومي إذا جدّ جِدُّهم     وفي الليلة الظّلماء يُفتقد البدرُ

=========================

موجبات التمييز بين الاقتصاد الياباني والاقتصاد اليوناني

مسعود ضاهر

السفير

7-8-2010

ما زالت تداعيات الأزمة المالية للرأسمالية التي اندلعت في الولايات المتحدة في خريف 2008 تتفاعل بصورة حادة حتى الآن. فقد تفلتت الرأسمالية السائدة على المستوى العالمي من جميع الضوابط التي عرفتها الرأسمالية في مرحلة ازدهارها. وبعد أن شكلت ثورة حقيقية في عالم الإنتاج، وتطوير الصناعات والتكنولوجيا الحديثة، وتعزيز قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، تحولت اليوم إلى رأسمالية الاحتكارات، والمضاربات العقارية والمالية، والتحكم بأسواق النفط، وتوسيع دائرة التسلح وأسواق بيع الأسلحة، والتحضير لإفلاسات دورية تبتلع فيها المؤسسات المالية والبنوك الكبيرة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

شكل هذا النمط من الرأسمالية الريعية التي تفتش فقط عن الربح السريع تعبيراً عن أزمة بنيوية في الرأسمالية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية منفردة منذ نهاية الحرب الباردة وهي رأسمالية همجية أوصلت أكثر من ملياري إنسان إلى ما دون خط الفقر، ومنهم من لا يحصل أكثر من دولار واحد في اليوم. بالمقابل، يحتكر فرد واحد من كبار أثرياء العالم موارد مالية تتجاوز ميزانية دول بكاملها. وبعدما طالت الأزمة بعض الدول الأوروبية، أعلنت اليونان نوعا من الاعتراف بالإفلاس وطلب مساعدة كبيرة من جانب دول الاتحاد الأوروبي. واعتبر وضع اسبانيا والبرتغال بأنه يحتاج إلى عناية فائقة. وسارعت بعض دول الاتحاد الأوروبي، خاصة ألمانيا، لمد يد العون إلى اليونان على أمل إنقاذها من الإفلاس المحتم. وفرضت على ساستها القيام بإصلاحات جذرية، كالحد من الإنفاق، وفرض ضرائب إضافية وضرائب مباشرة، وتنشيط الإنتاج وتعزيز دور القوى المنتجة، وغيرها.

بدأت تلك التدابير تعطي نتائج إيجابية رغم أنها لم تكن شعبية وأثارت الكثير من التظاهرات وحركات الاحتجاج. وكان لافتا للنظر أن نشر تقارير علمية أكدت ارتفاع معدل الدين العام في اليابان إلى 200% من حجم الناتج المحلي، كان كافيا لنشر سيل من المقالات المتسرعة في الصحف والمجلات العربية. ووصلت إلى حد التأكيد على نهاية «المعجزة اليابانية» في المجال الاقتصادي، وإلى قرب الإعلان عن إفلاس اليابان على الطريقة اليونانية.

لقد استقت تلك المقالات معلوماتها بصورة شبه حرفية من الصحافة الأميركية والأوروبية التي لم تثق يوماً بخصوصية التجربة اليابانية وقدرة اليابان على حال مشاكلها الداخلية. وكأن تجربة مئة وخمسين سنة من نهضة اليابان المستمرة لم تكن كافية لإقناع بعض الباحثين العرب بأن دراسة المشكلات اليابانية تتطلب مصادر أكثر رصانة مما تتناقله الصحافة الغربية وتردده صحافة دول العالم الثالث، ومنها وسائل الإعلام العربية.

[[[

وذلك يتطلب بعض الملاحظات المنهجية:

1 تكمن الأسباب الأساسية وراء أزمة اليونان في النفقات الحكومية الكبيرة، والفساد المستشري على جميع المستويات، والعجز عن القيام بأية إصلاحات جذرية، وعدم الاستقرار السياسي، والمديونية الكبيرة، والاقتصاد الموجه نحو الخدمات، وضعف مراكز الإنتاج، والتوظيف الهزيل في القطاعات المنتجة وقوى الإنتاج، وغياب الصناعات الكبيرة والتكنولوجيا المتطورة، وهجرة الأدمغة اليونانية إلى الخارج نظرا لغياب مراكز الأبحاث والمؤسسات الثقافية والدعم الثابت للبحث العلمي وغيرها.

2 أن الحلول المقترحة من جانب الدول الأوروبية التي هبت لنجدة اليونان هي حلول مؤقتة، أو جراحة موضعية شددت على وقف الهدر والحد من النفقات الحكومية، واعتماد سياسة التقشف، وزيادة الضرائب مع التشدد في جبايتها. لكن القوى المسيطرة لا تمتلك القدرة أو الرغبة في إدخال إصلاحات اقتصادية جذرية لتطوير الإنتاج والقوى المنتجة. كما أن الدعوة إلى تشكيل لجنة طوارئ سياسية واقتصادية لإدارة الأزمة بصورة عقلانية وتلافي الأزمات الحادة التي تهدد بإفلاس الدولة مجددا ليست على جدول أعمال القوى اليونانية المسيطرة التي تحاول دوماً تحميل الطبقات الشعبية والوسطى النتائج السلبية لسياسات اقتصادية سيئة أوصلت اليونان إلى الإفلاس دون معاقبة مسببيها.

3 بالمقابل، تصنف اليابان في خانة الدول الأكثر تطوراً في العالم من حيث التطور الصناعي، والتكنولوجيا الحديثة، ونظام التعليم، واتساع دائرة الطبقة الوسطى، والاستقرار السياسي، والاستقرار الوظيفي، والبيئة النظيفة، ممارسة السياسة البراغماتية بكفاءة عالية لتعظيم أرباح الشركات اليابانية داخل اليابان وخارجها، والقدرة على المنافسة في الأسواق العالمية بكفاءة عالية، والحفاظ على مستوى عال من دخل الفرد الياباني الذي يقدر اليوم بحوالى 3400 دولار شهريا، بالإضافة إلى مكافأة مالية سنوية مجزية.

4 ان اليابان من الدول الدائنة لقمة النظام المالي العالمي أي الولايات المتحدة الأميركية. وتعتبر الصين، واليابان، وألمانيا، من أبرز الدول التي قدمت قروضا طويلة الأمد ودعماً ماليا سخيا إلى الولايات المتحدة لمنع انهيار النظام المالي العالمي على رؤوس الجميع.

5 تجد مشكلة اليابان الراهنة جذورها في الأزمة الاقتصادية التي تعرضت لها منذ العام 1990 حين تعرضت إلى جانب الدول الآسيوية لضغوط أميركية وأوروبية مباشرة. وفقدت تلك الدول خلال سنوات قليلة قرابة 40% من مدخراتها المالية. فأطلق الغربيون على نظامها الاقتصادي صفة «اقتصاد الفقاعة» للتدليل على قرب انهيار اليابان والتخلص نهائيا من نموذج التحديث الياباني الذي أثبت وجوده منفرداً خارج المركزية الأوروبية وبات نموذجاً يحتذى لكثير من الدول الآسيوية والدول النامية. فعلى خلاف نماذج التحديث الغربية، بني النموذج الياباني على الثقافات الآسيوية، وأقام التوازن الدقيق بين الأصالة والمعاصرة، ووسع دائرة الطبقات الوسطى إلى الحد الأقصى، وحافظ على نظام القيم الايجابية بعدما تخلت عنها الولايات المتحدة والدول الأوروبية في عصر العولمة الأميركية.

6 تتخوف اليابان من أن حجم الدين العام الذي بلغ قرابة 200% من حجم الناتج المحلي مرشح للتصاعد ما لم يتم تداركه بسرعة وفق مخططات عقلانية تعيد هيكلة الاقتصاد الياباني لكي يتلاءم مع المرحلة الراهنة. وما زالت هناك مخارج كثيرة لحل الأزمة، منها وقف الهدر في النفقات الحكومية، وفرض سياسة التقشف، ووقف زيادة الرواتب والمكافآت المالية المعتادة. وهي تدابير مرحلية لا تمنح العاملين بها شعبية كبيرة في الانتخابات البرلمانية والبلدية، لكنها إجراءات ضرورية تساعد على حل مؤقت لتهدئة المخاوف المحلية.

[[[

إن أزمة اليابان هي جزء من أزمة النظام الرأسمالي العالمي الذي لم يتوصل القيمون عليه إلى تدابير جذرية لإصلاحه. ويندرج الحل الياباني في إطار الحل الشمولي على المستوى الكوني. وقد قدمت قيادة اليابان دعما ماليا سخيا للولايات المتحدة لمساعدتها على إنقاذ نظامها المالي الذي يشكل الركيزة الصلبة في النظام المالي العالي. فيما تمنعت الصين عن تقديم أية مساعدة جدية في هذا المجال قبل محاكمة المسؤولين عن الأزمة المالية العالمية المستمرة منذ العام 2008. وهي تطالب بإدخال تعديلات جذرية على بنية النظام المالي العالمي الذي تتحكم به مؤسسات مالية كصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي ومؤسسات أخرى تخضع مباشرة للإدارة الأميركية والشركات والبنوك المالية الأميركية بالدرجة الأولى. ولعلها مناسبة مهمة لليابان تساعدها على إعادة هيكلة اقتصاده بالتوجه شرقا نحو الدول الآسيوية بعدما اتجهت طويلا نحو الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.

=========================

تضحيات مؤلمة.. على حساب الأغيار!

المستقبل - الجمعة 6 آب 2010

العدد 3733 - رأي و فكر - صفحة 19

سليمان الشّيخ

عرف عن الزعيم الصهيوني جابوتنسكي، أنه الأكثر تطرفا من بين زملائه زعماء الصهيونية العالمية، والأكثر وضوحا في طرح الأهداف الصهيونية، ما دفعهم إلى إبقائه خارج المؤتمرات التي عقد أولها في مدينة بازل عام 1897. وقد كتب جابوتنسكي في العام 1932 مقطوعة شعرية بيّن فيها بعض ما كان يفكر فيه، ويسعى لتحقيقه:" لنهر الأردن ضفتان/ يمنى ويسرى/ هما لي إلى أبد الآبدين/ كلتاهما لي/ إنها لي كلها لي، بلادي المقدسة/ مهما بدت فقيرة في نظر الآخرين/ إنها من البحر إلى رمال الصحراء/ وفي وسطها ينساب نهر الأردن".

ولأن الحركة الصهيونية أجادت رسم التكتيك والإستراتيجية في كثير من محطات تاريخها، ونسجت تحالفات مهمّة مع رموز الاستعمار في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ومثّل التقاء المصالح بندا مهما من بنود ذلك التحالف، كما أن ضغط المسألة اليهودية في دول الغرب، خصوصا الأوروبي منه، وحدوث المحرقة من قبل النازيين والفاشيين بحق اليهود وغيرهم من أبناء الشعوب، كل ذلك وغيره وجه خطوات التحالف الغربي الصهيوني لتنفيس برميل بارود المسألة اليهودية في أوروبا، وتوجيهها نحو مشرقنا العربي، وفي قلب فلسطين بالذات، من خلال الوعد بإقامة "وطن قومي لليهود في فلسطين"، ومن ثم إقامة الكيان الصهيوني بقوة السلاح، وعلى حساب الشعب الفلسطيني وتطلعاته وأمانيه. واستمر هذا الكيان يقضم ما تبقى من فلسطين بعد عام 1948، إلى أن احتل كامل التراب الفلسطيني في حرب العام 1967، مع مزيد من مساحات تابعة للأقطار العربية المحيطة بفلسطين. وبقي حلم ضم الأردن وضفته الشرقية إلى الكيان الصهيوني، من الأحلام التي تراود بعض الجهات الصهيونية، وفي أحيان أخرى، فإنها كانت ومن أجل الاحتفاظ بكامل التراب الفلسطيني، تنادي بإقامة دولة للفلسطينيين في الضفة الشرقية من الأردن!.

عندما سئل بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، ووريث أطروحات جابوتنسكي وأمثاله من القيادات الصهيونية الأكثر تطرفا في هذه الحركة، عن ما يعنيه ب "التنازلات" أو "التضحيات المؤلمة" في مفاوضاته مع الفلسطينيين، أجاب: كأن نتنازل أو نتوقف عن المطالبة بالضفة الشرقية من الأردن!. كان هذا التصريح قبل أيام قليلة من لقاء العاهل الأردني بنتنياهو نفسه في عمّان، علما أن هناك "اتفاقية سلام" موقعة بين الأردن وإسرائيل في العام 1994.

فهل تكتيكات الاحتفاظ ب "يهودا والسامرة" أي الضفة الغربية، والإبقاء على "وحدة الأرض" ومن ضمنها دعوات من قبل قيادات من المستوطنين الأكثر تعبيرا عن المواقف الصهيونية المتطرفة، هي الدافع وراء التصريحات الأخيرة، أي أن المقصود هو تجاوز أطروحات "حل الدولتين"، أو طموح بعض الأطروحات لدى أوساط فلسطينية في إقامة الدولة الديمقراطية العلمانية لشعبين يتساوى الأفراد فيها في الحقوق والواجبات؟

إن دعوات الإبقاء على "وحدة الأرض" هي من فنون منوعات الدعوات لدى اليمين الصهيوني المتطرف، لإدامة احتلال الأرض التي تم الاستحواذ عليها في عام 1967. أما المفاوضات غير المباشرة، ثم المباشرة التي سوّقتها وتسوّقها بعض الجهات، على أنها اختراع مستجد سيحل كل المشاكل، فإنها بضاعة قديمة تم تجريبها منذ عشرات السنين، خسر فيها الشعب الفلسطيني المزيد من أراضيه، وزادت المستوطنات الإسرائيلية فيها عددا وعدة، وأصبح المستوطنون يعدون بمئات الآلاف، بعد أن كانوا بالمئات، وأقيمت خلالها مئات الحواجز المعطلة للمصالح الفلسطينية، وأكل الجدار العنصري من لحم الأرض الفلسطينية المزيد والمزيد منها، وتشرد مئات آلاف الفلسطينيين من أراضيهم وممتلكاتهم تحت أنظار المفاوضين الفلسطينيين.

وها نحن مقبلون على فترة جديدة أخرى من "لحس المبرد" التي تؤسس لها المفاوضات الجديدة، كون أهدافها لم تعد لتعني سوى قتل الوقت وتمريره، والدوران حول طاحونة من الأوهام، الهادفة إلى إبقاء "الأرض موحدة" تحت الاحتلال، حيث يجري تحويل الفلسطينيين إلى أجراء وأيدي عاملة رخيصة، وخدم لدى الأسياد المستعمرين، أو إقامة كانتونات وبلديات متفرقة، مقطّعة الأوصال، تأتمر بأوامر المحتل الذي صادر الأرض كلها، ولم يبق أمامه سوى التخلص من أصحابها الذين يمثلون وجع رأس دائم له ولمستعمريه.

=========================

مجرم حرب.. من يأسف عليه؟

محمد خرّوب

kharroub@jpf.com.jo

الرأي الاردنية

7-8-2010

عندما سرّب (اقرأ اخترع) احد المواقع الايرانية، نبأ وفاة ارئيل شارون راحت "بعض" الفضائيات تنشر الخبر على شريط الانباء المتحرك في اسفل الشاشة، على نحو بدا وكأن بعضهم يزف "بشرى" التخلص من مجرم حرب، ولغ كثيراً، وطويلاً في دم الفلسطينيين والعرب، ولم يؤمن يوماً بغير القوة وبمزيد منها، لتركيع وارهاب من ظنوا - وبعضهم ما يزال ايضاً - ان اسرائيل قوة اقليمية كبرى وانها تتوفر على جيش لا يقهر صاحب ذراع طويلة ومهيمنة على "دائرة" قطرها 1500 كيلومتر، بل ان موشيه دايان بلغ الغرور منه مبلغاً فاحت منها رائحة الاستعلاء والغطرسة قال ان سلاح الجو الاسرائيلي قادر على ضرب موسكو (كذا).

 

ما علينا..

 

اللافت في الأمر، هي السرعة التي انتشر بها خبر موت شارون بعد ان مكث في غيبوبته نحواً من خمس سنوات (4/1/2006 - حتى الآن) ما دفع للاعتقاد ان "ظِلَ شارون" ما يزال يفرض نفسه على المشهد، وانه ثمة من في العرب من يخاف فعلاً من حدوث معجزة تعيد شارون الى الحياة، وربما تدفع به مرة اخرى الى مقعد رئيس الوزراء، وهو هنا (اذا ما عاد) فقد يختار طريق الحرب بديلاً للخطوات "الشجاعة" (كما وصفها جورج بوش في حينه) التي اقدم عليها عندما نَفّذَ قبل خمس سنوات تماماً (ايلول 2005)، خطة اخلاء مستوطنات غزة (نتساريم وغوش قطيف) من جانب واحد، والتي ما تزال حتى اللحظة موضع جدل وسجالات لا تنتهي في اسرائيل، بعضهم يرى فيها ارتداداً عن مبادئ الصهيونية وتخلياً عن الايديولوجيا التي تبناها شارون منذ خمسينيات القرن الماضي، والتي استندت في جملة ما استندت عليه، الى شعار حركة "بيتار" وزعيمها الفاشي جابوتنسكي: لنهر الأردن ضفتان، الاولى لنا والثانية ايضاً..

 

اذاً.. عندما "سيعود" شارون من غيبوبته، يتوقع المرعوبون من الفلسطينيين ورهط لا بأس به من العرب، بأنه سيغتنم فرصته الاخيرة ويكفّر عن "سيئاته" ويستكمل مشواره الدموي، الذي واصله بسلسلة من جرائم الحرب والمجازر المعروفة والتي لا ينكر معظمها اسرائيليون، ليس آخرها بالطبع مجزرة جنين عندما جرّد حملته الدموية المسماة "السور الواقي" حيث ارتفعت، على اشلاء وجماجم الشهداء الفلسطينيين، شعبية شارون درجة دفعت بمجرم حرب آخر اسمه جورج دبليو بوش، لوصفه بأنه "الْجَدْ.. المُحِب للسلام".. في مفارقة لافتة وعجيبة، من تمجيد القتلة لأنفسهم وخلعهم القاباً على بعضهم البعض على نحو يذّكر بما كانت الحال عليه ايام الحروب الصليبية..

 

قمة الاثارة في الاخبار المفبركة او الرغائبية عن موت شارون، هي الاسباب التي ساقها ناشرو الخبر وهي ان اسرائيل ارادت "التعتيم" على خبر موت شارون بهدف اختيار وقت "يناسب الاوضاع في كيان الاحتلال".. لماذا؟ نظراً لأهميته السياسية، والتي يرى فيها مراقبو الأوضاع في هذا الكيان هزيمة سياسية لهم" اجاب مروجو الخبر بارتياح وثقة، في اشارة واضحة على جهلهم بطبيعة وآليات اتخاذ القرار في دولة الاحتلال، التي تعمل وفق نظام لا يجعل من خبر وفاة "زعيم" اياً كانت مكانته السياسية او العسكرية او الامنيّة، "كارثة" او "يُتماً"، بالمعنى الاجرائي كما السياسي للكلمة، وليس على الطريقة العربية وغيرها من الطرائق والمقاربات الطقوسية التي تفوح منها رائحة التكاذب و"التهليس" كما يحدث في بلاد العرب..

 

صحيح، ان اسرائيل لا تعلن عن خسائرها خلال الحروب والمواجهات العسكرية، إلاّ بعد تبليغ اسر الضحايا بالأمر، وربما تتكتم على الاعداد واسماء القادة الكبار لأسباب تتعلق بالمعنويات واوضاع الجبهة الداخلية، الا انه صحيح دائماً ان ليس في اسرائيل ابقار مقدسة، وان احداً مهما علا شأنه، يمكن ان يستثمر "ريع" مكانته او دوره في اعلاء شأن اسرائيل حتى لو كان من المؤسسين على الطريقة التي شاهدناها في حال ديفيد بن غوريون، عندما أُرْغِم على الاستقالة فاعتزل العمل السياسي، وذهب الى عزلته في مستعمرة "سيديه بوكر" في النقب، الى ان قضى هناك ودفن فيها تنفيذاً لما جاء في وصيته..

 

قبل اعلان الفرح وزف البشرى بموت من هو في "حكم الميت" منذ ذهابه الى غيبوبته، على نحو قال الأطباء في مستشفى شيبا بحيفا، انه في حال ميئوس منها، يجدر بأولئك وغيرهم عدم نسيان ان شارون ليس مجرم الحرب الوحيد في دولة قامت على القتل والعدوان وان غالبيتهم يحملون هذه الصفة، التي لا يمكن ان تزول عنهم بالموت، كما يُمنّي معظم العرب انفسهم، بل تكون بهزيمتهم في ارض المعركة، عسكرياً او سياسياً او دبلوماسياً، وقبل كل شيء سوقهم الى المحاكم الدولية ونزع الشرعية عن كيانهم بدل مواصلة مغازلته والتحالف معه.

=========================

المفاوضات والمقاومة

ضياء الفاهوم

الدستور

7-8-2010

يبدو أنه تقرر أن تبدأ المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في حوالي منتصف هذا الشهر بمباركة عربية وحض أميركي وصل إلى حد التهديد.

 

وقد عرف المتابعون للأحداث أن المفاوضات قادمة لا محالة ولكنهم اختلفوا حول جديتها وأهميتها. فمنهم من قال إنها سوف تكون كسابقاتها ذرا للرماد في العيون لأن الإسرائيليين ماهرون في المراوغة والمماطلة في نفس الوقت الذي يشيدون فيه المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة وحتى في هضبة الجولان ويسلحون أنفسهم بمختلف أنواع الأسلحة وأحدثها ويريدون للفلسطينيين الاستسلام وليس السلام القائم على شيء من العدل ، أي باختصار يريدون استمرار سيطرتهم على فلسطين كلها. ومنهم من يرى أنه لا بأس من إجراء مفاوضات جادة وعلى أسس وثوابت لا تهاون فيها تحت أي ظرف من الظروف وأنها وسيلة من وسائل النضال في سبيل تحقيق أماني وتطلعات الفلسطينيين والعرب.

 

والسؤال الوجيه الذي يطرح نفسه هو: ماذا لو جمع الفلسطينيون بين كل وسائل النضال في وقت واحد لتحقيق أهدافهم في تحرير بلادهم من أعتى استعمار عرفه التاريخ؟.

 

ما يبدو للكثيرين من الناس هو أن الأمر ليس في يد فتح أو حماس وأن لكل منهما أجندته وارتباطاته التي تجعلهما ليستا صاحبتي قرار. وقد اتضح ذلك لهم بعد المناشدات المتواصلة من كافة فئات الشعب الفلسطيني ومن كل المخلصين من العرب والمسلمين ومحبي وأصدقاء الشعب الفلسطيني في أرجاء المعمورة.

 

وكثيرون أيضا يرون تقصيرا كبيرا من جامعة الدول العربية التي لم تضع ثقلها بعد لإنهاء الانقسام الفلسطيني المعيب ، وأنها كما تعرف مباركة إجراء المفاوضات المباشرة تستطيع أن تأخذ موقفا حازما بشأن مصالحة فلسطينية وطنية شاملة تكون أساسا متينا لتحرير كافة الأراضي العربية التي احتلت عام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف واستعادة كافة الحقوق المغتصبة.

 

وكثيرون جدا أيضا مندهشون لعدم إفساح رام الله وغزة للجنة المصالحة التي تضم السادة منيب المصري ومصطفى البرغوثي وحنا ناصر وآخرين من رجالات فلسطين المعروفين بوطنيتهم وحرصهم على وحدة الصف الفلسطيني والتي بدونها لن يدحر احتلال ولن يكسر حصار.

 

من حق المفاوضين أن يطالبوا بفرصة أخيرة لإجراء مفاوضات مباشرة قد يحققون من خلالها بعض النتائج الإيجابية ولكن ليس من حقهم أن يتطاولوا على المقاومة ويضايقوا المؤمنين بها سبيلا أمثل للخلاص من الاحتلال الإسرائيلي الكريه. كما أنه ليس من حق الطرف الآخر أن يملي ما يريده على الآخرين خاصة وأنهم بقيادة رئيس منتخب من الشعب كما هم.

 

مصالح الشعب الفلسطيني وأمته العربية الإسلامية تقتضي أيها السادة طي صفحة السنوات الأخيرة المحزنة والعودة إلى الشعب الفلسطيني المناضل لتقرير ما يراه مناسبا بشأن مستقبله ومستقبل أبنائه والذي على الأغلب سوف يختار الجمع بين كافة وسائل النضال حتى التحرير ودونما فرض وجهة نظر على أخرى وخاصة قبل الفكاك مما ابتلي فيه.

 

وبناء على كل ما تقدم هل يحق لنا أن نتطلع إلى وحدة وطنية فلسطينية شاملة ترتكز فيها المفاوضات على مقاومة عارمة هدفها تخليص المسجد الأقصى المبارك وكافة المقدسات والقرى والمدن الفلسطينية وأهلها من الأسر وعبث العابثين؟ نسأل الله رب العالمين أن يمكن المسؤولين في رام الله وغزة من الابتعاد عن سياسة المحاور والعودة إلى توحيد صفوفهم بالكامل وتمكينهم مجتمعين من تحقيق أماني الشعب الفلسطيني الذي طال ظلمه.

=========================

بين بيل غيتس وعثمان بن عفان!

حلمي الأسمر

الدستور

7-8-2010

في الأخبار أن 40 من ميليارديرات الولايات المتحدة وعائلاتهم قرروا منح أكثر من نصف ثرواتهم لمنظمات خيرية بمبادرة من الميليارديريَن بيل جيتس مؤسس شركة مايكروسوفت ووارن بفيت وهو من كبار المستثمرين في مجال الإعلانات،

 

مجموعة الأثرياء الخيرين التي وافقت على هذا التعهد هم مؤسس شبكة سي.إن.إن الإخبارية الأمريكية تيد ترنر ، وعمدة نيويورك مايكل بلومبرج ، ولاري اليسون مؤسس شركة أوراكل ، والمخرج والمنتج العالمي جورج لوكاس.

 

الأثرياء المفرطون بالثراء أطلقوا على مبادرتهم اسم "تعهد العطاء" ، وتهدف إلى إقناع اكبر عدد ممكن من كبار الأثرياء باعطاء أكثر من نصف ثرواتهم لجمعيات خيرية.

 

بفيت وجيتس قالا في بيان مشترك إن "التعهد هو بمثابة التزام أخلاقي ، ولا تنطبق عليه المواصفات القضائية للعقود" ، وقالا أيضا إن "الحملة بدأت منذ فترة وجيزة ، ولكن حتى الآن ، فإن الاستجابة لها مشجعة جداً ، وأساس هذه المبادرة الطلب من الأسر الغنية جداً مناقشة ثرواتها بجدية وكذلك الأموال المتبرع بها ومعرفة كيف سيجري صرفها".

 

ومن قبل قرأنا عن ملياردير أمريكي أيضا تبرع بمبلغ 37 مليار دولار لمؤسسة جيتس الخيرية وهو أكبر مبلغ مالي يُتبرع به في تاريخ الولايات المتحدة ، وهذا المبلغ يزيد بأضعاف عن قيمة ديون الأردن ، وميزانيته لسنوات عدة،

 

طبعا لا تخلو قائمة أغنى أغنياء العالم التي تصدر سنويا وتنشر أسماء أصحاب المليارات من أثرياء عرب ومسلمين ، لكن أيا من هؤلاء لم نقرأ عنه أنه "غلط" وبادر إلى اجتراح فعل مماثل للفرنجة ملاعين الوالدين ، الذين ضربوا مثلا رائعا في الإيثار وتطبيق بند المسؤولية الإجتماعية ، الذي جاء به ديننا العظيم منذ خمسة عشر قرنا ، ويحضرني هنا حكاية الخليفة عثمان بن عفان ، حينما أمر هرقل قواته بالاستعداد والزحف لمهاجمة الجزيرة العربية ، حيث استنهض الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه للتهيؤ للجهاد وكان الصيف حاراً كصيفنا هذه الأيام ، وقد سارعت النساء بالحلي يقدمنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستعين بها في إعداد الجيش ، بيد أن التبرعات جميعها لم تكن لتغني كثيراً أمام متطلبات الجيش الكبير ، وما كاد عثمان يسمع نداء الرسول صلى الله عليه وسلم حتى سارع إلى تلبية النداء ، وقام بتجهيز الجيش. تقول كتب التاريخ ، إن عثمان قدم لجيش العسرة في غزوة تبوك تسعمائة وأربعين بعيراً ، وستين فرساً أتم بها الألف ، وجاء عثمان إلى رسول الله في جيش العسرة بعشرة آلاف دينار صبها بين يديه ، فجعل الرسول يقلبها بيده ويقول: "ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم ، ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم"،

 

وفي عهد أبي بكر رضي الله تعالى عنه ، أصيب القوم بقحط شديد ، تزامن مع وصول أجراء عثمان من الشام ، فجاءته مائة راحلة من القمح ، فاجتمع الناس إلى باب عثمان ، فقرعوا عليه الباب ، فخرج إليهم في ملأ من الناس ، فقال: ما تشاءون؟ قالوا: الزمان قد قحط ، السماء لا تمطر ، والأرض لا تنبت ، والناس في شدة شديدة ، وقد بلغنا أن عندك طعاماً ، فبعنا حتى نوسع على فقراء المسلمين ، فقال عثمان: حبًّا وكرامة ادخلوا فاشتروا ، فدخل التجار ، فإذا الطعام موضوع في دار عثمان ، فقال: يا معشر التجار كم تُربحونني على شرائي من الشام؟ قالوا: للعشرة اثنا عشر ، قال عثمان: قد زادني ، قالوا: للعشرة خمسة عشر ، قال عثمان: قد زادني ، قال التجار: يا أبا عمرو ، ما بقي بالمدينة تجار غيرنا ، فمن زادك؟ قال: زادني الله تبارك وتعالى بكل درهم عشرة ، أعندكم زيادة؟ قالوا: اللهم لا ، قال: فإني أشهد الله أني قد جعلت هذا الطعام صدقة على فقراء المسلمين،

 

أليس فينا اليوم عثمان ، أو حتى بيل غيتس ، وفقراء العرب والمسلمين يأكلون من خشاش الأرض ، ومليارات اليهود تتدفق على دولة الصهاينة لتهويد القدس؟

=========================

المأزق العربي .. المشكلة والحل

كمال عوض

8/7/2010

القدس العربي

لم تستطع القوى العربية بعد غزو العراق للكويت أن تستجمع نفسها بعد كارثة الغزو، أو أن تحاول أن تعقد اتفاقا مع العراق يؤدي إلى عودة السيادة لدولة الكويت، مقابل سلام شامل لايتكرر بناء عليه ماحدث في أوائل الستينات واوائل التسعينات، بل كان الأمر شبه مستحيل التطبيق ولا اطار له في التفكير العربي، فهذه الرؤية لم تكن ممكنة قبل الغزو، رغم اكتمال مظاهر العداء والتحفز لدى الطرف العراقي، ولهذا استحال عمل هذا الإتفاق بعد الغزو، اي بعد أن اصبحت الجراح أعمق والخوف من العراق أشمل وأعم.

فلو جلس أي عالم فلكي، أو صدام حسين نفسه، وحاول أن يتنبأ بما سيحدث خلال العشرة السنوات التالية للغزو، ما كان له أن يتخيل أبدا ما ستصير إليه الأمور، وما سيصير إليه حال العرب، وكيف أن العالم قد أصبح مهيئا لهزيمة العرب في كل جولة مهما طال الزمن.

إن الفرضية الأساسية في العلاقات العربية بدأت منذ هزيمة عام 1967 واكتملت أركانها بعد نصر عام 1973 رغم كل ما في الأمرين من تناقض شديد الغرابة، فقد إنقسم العالم العربي إلى معسكرين، الأول تفرغ لجني ثمار نصر أكتوبر والارتفاع الجنوني في اسعار النفط، والمعسكر الثاني حاول النيل من مصر وهدم طموحاتها بعد النصر، فالعراق حاول أن ينازع مصر بشأن الزعامة في العالم العربي، وسورية أستخدمت الحركة الفلسطينية من أجل خدمة أهدافها الخاصة، الأمر الذي أضعف نزعة القومية لدي مصر مما أدى بالرئيس الراحل أنور السادات أن يوقع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، وضاعت القومية العربية وضاعت القضية الفلسطينية بين النقيضين.

حتى جاءت حرب العراق وأصبحت السياسة الأمريكية تلعب دورا خاصا جدا في المنطقة .. وذلك في مجال ترسيخ الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط وتحقيق حلم طالما داعب الأمريكيين منذ نهاية الحرب العالمية الأولي، وأصبح واضحا أن مصلحة أمريكا في تعميم السلام في الشرق الأوسط هو همها الشاغل، لضمان الأستقرار في الخليج بصفة خاصة والشرق الأوسط بصفة عامة، والتعامل بحزم مع الإرهاب المنتشر في المنطقة، فعدم الإستقرار يضر بمصالح أمريكا النفطية والاقليمية، وما يؤكد هذا هو إنها في بعض الأحيان تغض البصر عن بعض أخطاء الأنظمة العربية في المنطقة ومنها على سبيل المثال، مصر .. فالولايات المتحدة الأمريكية أدركت واستوعبت درس أن زعزعة النظام في مصر قد يؤدي إلى بعض الصراعات الدينية والطبقية، مما يهدد سلامة الشرق الأوسط بأكمله .. فبدأت تخفف من حدة تحذيراتها إلى مصر بشأن الاصلاح الداخلي أو الديمقراطية ..

إذن .. وبعد أن أتضحت الصورة .. من الوضوح والمنطق والأمانة أن نقول أن الأمريكان باقون، فهم لم يأتوا لكي يخرجوا ثانية .. فما يجب علينا أن نفعله؟

نحن لا نفترض سوء نية الغرب والولايات المتحدة الأمريكية تجاه المنطقة، ولا أقصد كيفية مواجهة الأطماع الخارجية لثروات والموقع الجغرافي الفريد في المنطقة .. بل كل ما قصدته هو كيفية إعداد المشروع العربي لمنع ذوبان هويتنا العربية القومية، وما هي الخطوات التي يجب أن نتبعها لتحصين أنفسنا بتكتل غير سياسي يبرز شخصيتنا ويحقق مصالحنا كأمة متماسكة وسط التكتلات الاقتصادية الإقليمية وشبه الإقليمية وحركة التجارة الدولية وكيفية الحفاظ على التركيبة العربية الأصيلة والتي صمدت الآف السنين أمام المد التتاري والمغولي والعثماني والبريطاني .. ثم أخيرا الروسي طوال حقبة الستينات والسبعينات، كيف لنا أن نستغل خشية الغرب من ظهور أي قوة عربية مهما كانت في حالة مصالحة وانسجام معه، كيف نقاوم ما يمارس علينا من ضغوط للإبقاء علينا وعلى أمتنا مجرد مصدر رئيسي للمواد الخام وسوقا استهلاكيا للمنتجات الأجنبية.

أعلم جيدا إن غياب التنسيق والتفاهم بين الدول العربية كثيرا ما بعث على الشك وتبادل الاتهامات وعدم الاستقرار وغياب الفاعلية القومية على كل المستويات، ولكن قيام تكتل اقتصادي عربي من شأنه أن يخلق المصالح الاقتصادية المشتركة ويوفر فرص النمو الحقيقية ويحد من الفروق في الدخل والثروة ويعزز الثقة والأمن والاستقرار، ويكسبنا المناعة ضد الهزات والاضطرابات الاقتصادية.

نحن لسنا في حاجة لأوصياء يرسمون خططنا المستقبلية ويسوقون لمبادئهم التي يفرضونها بالإكراه والإرهاب ويمهدون بها لفرض نفوذهم وهيمنتهم، نحن خير أمة أخرجت للناس .. أمة ذات حضارة عريقة وأصحاب رسالة تاريخية متجددة غنية بالمبادئ والفكر والقيم الأصيلة.

لابد من صياغة سلوك اجتماعي اقتصادي في المجتمع العربي .. يتمثل في محورين:

الأول هو زيادة نسبة العمالة العربية في دول مجلس التعاون الخليجي لتنمية الدخل القومي للدول الأخري بصورة غير مباشرة، ففي بحث للدكتور جواد العناني أشار إلى أن نسبة العمالة العربية في دول مجلس التعاون الخليجي قد انخفضت من 65 ' من مجموع العمال غير الخليجيين عام 1975 إلى أدنى من 40 ' عام 1989، ثم هبطت النسبة إلى حوالى 32 ' عام 2002، بعد أن زاد الإقبال على العمالة الآسيوية بشكل غير مسبوق.

الثاني: هو زيادة حجم الإستثمارات العربية في الدول التي تملك الأمكانيات البشرية أو الطبيعية .. ولكن تفتقد إلى الإمكانيات المادية .. والأمثلة كثيرة ومتعددة ..

فالتعاون الاقتصادي هو أقصر الطرق لسد الفجوة بين الدخول في الدول العربية وبالتالي رأب صدع العلاقات المتوترة .. ودرءا لأخطار مستقبلية يكون سببها الفقر والتخلف والأرهاب ,وقيام كتلة اقتصادية متحدة متضامنة قائمة على التفاهم المشترك وتحويلها من اقتصاديات متنافرة إلى اقتصاديات متكاملة تحقق الانسجام والتعاون فيما بينها سيكون لها مردودها الايجابي على عمليات التنمية الاقتصادية العربية جميعها.

إن الوضع الراهن في الوطن العربي أقل ما يمكن أن يوصف أنه وضع قلق، وأنه غير قابل للبقاء أو الاستمرار وقد أصبح التعاون الاقتصادي ضرورة مجتمعية وتوجيهه نحو خلق نظام اجتماعي عربي يشكل اساسا متينا لتحقيق نهضة حضارية شاملة.

=========================

القاعدة تتقدم.. وامريكا تتراجع

رأي القدس

8/7/2010

القدس العربي

بعد تسع سنوات من اعلان الحرب على الارهاب، اعلنت الولايات المتحدة الامريكية امس ان تنظيم 'القاعدة' الاصولي المتشدد ما زال يشكل التهديد الاخطر للمصالح الامريكية في الداخل والخارج.

هذا الاعلان الذي جاء في التقرير السنوي للخارجية الامريكية يمثل اعترافا صريحا بفشل هذه الحرب، والعقبات الكبرى التي تقف في طريق الجهود المبذولة لمواجهة هذا الخطر وتحييده.

تنظيم 'القاعدة' اثبت فعلا قدرة هائلة على التأقلم بسهولة والتخطيط لتنفيذ عمليات على درجة كبيرة من الخطورة من ملاذات آمنة احتمى بها لتجنب المطاردات والهجمات الامريكية، خاصة في افغانستان والعراق.

فاللافت ان التنظيم بات يتبع نظرية 'اللامركزية' وافتتاح فروع له في دول عربية واسلامية عديدة، مثل شمال افريقيا والصحراء الافريقية الكبرى (تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي) والصومال (شباب المجاهدين) واليمن (القاعدة في الجزيرة العربية) علاوة على مقره الرئيسي في افغانستان وباكستان.

لعل النجاح الاكبر لتنظيم 'القاعدة' يتمثل في نجاح خلاياه في اختراق الداخل الامريكي، وتجنيد العديد من العناصر الامريكية من اصل عربي او اسلامي، مثل الضابط الطبيب نضال حسن الفلسطيني الاصل الذي اطلق النار على زملائه في قاعدة 'فورت هود' العسكرية الامريكية، او اكثر من 19 صوماليا يحاكمون حاليا بتهمة جمع اموال وتبرعات لتنظيم شباب المجاهدين الاسلامي في الصومال وتجنيد شبان للقتال في صفوفه.

تنظيم القاعدة بات الآن اكثر مرونة وخطورة عما كان عليه الحال قبل احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، لانه لم يعد تنظيما بعنوان واحد في جبال تورا بورا الافغانية، وادت 'لامركزيته' الى توسيع دائرة عملياته، وانضمام العديد من الحركات الاسلامية المتشددة الى صفوفه او العمل تحت مظلته.

في الماضي كان التنظيم ينفذ عملية كبرى كل عامين على الاكثر، ولكن اللافت انه في ظل التوسع الجديد، باتت اعداد العمليات اكبر واكثر تنوعا، مثل خطف رهائن غربيين في شمال افريقيا والصحراء الكبرى (ثم قتل رهينة فرنسي قبل اسبوع) او شن هجوم في قلب اوغندا ومقتل 70 اوغنديا كانوا يتابعون مباراة لكرة القدم في نهائي كأس العالم، انتقاما من دعم اوغندا لنظام المحاكم الاسلامية في مقديشو.

وما يثير قلق الولايات المتحدة على وجه الخصوص ليس اتساع نطاق عمليات التنظيم داخل القارة الافريقية فقط، وانما اقدام احد العناصر التابعة لجماعة المرحوم عبدالله عزام التابعة له بمحاولة تفجير ناقلة نفط يابانية في مضيق هرمز في فم الخليج العربي.

مهاجمة وحدات تابعة لتنظيم القاعدة لاهداف نفطية ليس جديدا، فقد تعرضت منشآت نفطية سعودية في منطقة 'ابقيق' قرب الظهران لهجوم سابق، ولكنها المرة الاولى التي تتعرض فيها ناقلة نفط عملاقة وفي مضيق هرمز لعملية انتحارية، مما يؤكد ان ضرب صناعة النفط وامداداته في منطقة الجزيرة العربية والخليج يتصدر اهتمامات واولويات التنظيم في الوقت الراهن.

امريكا تخسر الحرب على الارهاب رغم خسارتها اكثر من تريليون ومئتي مليار دولار في كل من افغانستان والعراق والاجراءات الامنية لتعزيز امنها الداخلي وامن سفاراتها، لانها وسعت دائرة هذه الحرب بطريقة مبالغ فيها، واكبر من امكانياتها البشرية والعملياتية، ولجأت الى الحلول العسكرية فقط، دون ان تعطي اكثر لحرب لا تقل اهمية، وهي كيفية كسب عقول وقلوب ابناء العالم الاسلامي.

=========================

تشجيع على الحرب أم السلام

النهار

7-8-2010

كثيرة هي التنازلات التي يقدمها الرئيس الاميركي باراك اوباما لاسرائيل وحكومتها المتشددة، والهدف من ذلك هو عدم اغضاب اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة قبل الانتخابات النصفية التي تشير توقعات الديموقراطيين انفسهم بأنهم قد يخسرونها لمصلحة الجمهوريين، مع ما يعني ذلك من عرقلة لتنفيذ الاجندة الداخلية والخارجية لأوباما، من الاصلاحات التي أدخلها على نظام الرعاية الصحية، الى اصلاح النظام المالي، الى التنقيب عن النفط، الى المصادقة على معاهدة "ستارت 2" مع روسيا لخفض الاسلحة الاستراتيجية.

وبدأت التنازلات بالتحول الذي أدخله اوباما على سياسته حيال الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي. إذ انتقل الرئيس الاميركي، بعدما اصطدم بمعارضة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في مسألة تجميد الاستطان، من الضغط على اسرائيل الى الضغط على الفلسطينيين. والرسالة الاخيرة التي بعث بها الرئيس الاميركي بواسطة مبعوثه الى الشرق الاوسط جورج ميتشل لا تحتاج الى الكثير من التأويل. لقد قال اوباما صراحة لعباس، إما الدخول في مفاوضات مباشرة الان مع اسرائيل، وإما على الفلسطينيين ألا يعلقوا الكثير من الآمال على الولايات المتحدة في طموحهم الى إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

هذا الموقف الاميركي يشكل استرضاء لا لبس فيه لإسرائيل التي تطالب الفلسطينيين بالتخلي عن شروطهم المسبقة والدخول في مفاوضات الآن، من دون تحديد فترة زمنية للمفاوضات ومن دون تحديد الاسس والمرجعيات التي ستجري على أساسها هذه المفاوضات، الامر الذي يفتح باب المناورة واسعاً امام اسرائيل كي تفاوض الى الابد من دون نتيجة.

استرضاء اسرائيل لا يقف عند حدود الموضوع الفلسطيني بل يتعداه الى الموضوع الايراني، عبر الحشد الدولي الذي أمنته ادارة اوباما للعقوبات الدولية التي فرضها مجلس الامن على ايران، وعبر الضغود التي تمارسها هذه الادارة على الدول الاوروبية وروسيا والصين كي تفرض هذه الدول عقوبات ثنائية على طهران.

ولا يقف الموضوع عند هذا الحد، بل وافقت الولايات المتحدة قبل ايام على صفقة تبيع اسرائيل بموجبها قاذفات "اف -35" بعيدة المدى المتطورة التي يمكنها ان تبلغ الاجواء الايرانية في حال قررت الدولة العبرية توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الايرانية.

أضف الى ذلك تسريع التجارب على النظام الصاروخي المسمى "القبة الحديد" الذي سيكون جاهزاً بحسب المسؤولين العسكريين الاسرائيليين بحلول الخريف المقبل بعدما طلب اوباما مساعدة عاجلة من الكونغرس للمساعدة في إنجاز هذا النظام الذي يهدف الى اعتراض الصواريخ التي يمكن ان تطلق من جنوب لبنان ومن قطاع غزة.

كما وقعت اسرائيل والولايات المتحدة قبل ايام اتفاقاً لتطوير صاروخ "آرو 3" الذي يمكنه اعتراض الصواريخ التي يمكن ان تطلق من ايران.

ومن فلسطين وايران الى لبنان، كان لافتاً الموقف الاميركي الذي لام الجيش اللبناني على إطلاق النار على القوات الاسرائيلية التي اخترقت الخط الازرق عند منطقة عديسة الثلثاء الماضي، والتلويح بوقف تسليح الجيش في حال تكرار التصدي لاسرائيل.

واذا كانت الممالأة والدعم المطلق لاسرائيل ليسا بالامر الجديد في الولايات المتحدة، فإنهما يكتسبان مع اوباما بعداً جديداً من شأنه ان يجعل الدولة العبرية تتمادى اكثر في رفض الاقرار بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وفي زيادة التوتر في الشرق الاوسط نتيجة التهديدات بشن عملية عسكرية ضد المنشآت النووية الايرانية، والتدريبات التي يجريها الطيران الاسرائيلي في رومانيا خير شاهد على المضي في التحضير لمثل هذه العملية، بصرف النظر عما سيترتب عليها من تبعات على المنطقة وفق ما حذر رئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة الاميرال مايكل مولن.

واذا كان اوباما يعتقد ان زيادة الدعم لاسرائيل يقنع قادتها المتشددين بالقبول بإقامة دولة فلسطينية وارساء سلام فعلي في الشرق الاوسط، فإنه واهم الى أبعد الحدود. هذا ما يفيد به التاريخ والتجارب. سميح صعب

samih.saab@annahar.com.lb

=========================

أميركا وافقت خطياً على حوار تركيا وإيران

سركيس نعوم

النهار

7-8-2010

جواباً عن سؤال: ماذا عن "اسطول الحرية" الذي سمعنا انه سيتوجه من لبنان الى قطاع غزة لكسر الحصار الاسرائيلي المفروض عليه؟ والذي طرحه احد اكبر النافذين في تجمّع لغالبية المنظمات اليهودية الاميركية، قلتُ: لا اعرف شيئاً عن هذا الامر، سمعت عنه هنا في اميركا. لكن هذه ليست المرة الاولى التي يحاول لبنانيون كسر حصار غزة من طريق البحر. فلماذا تستغرب؟ آخر مرة احتجزت اسرائيل السفينة وركابها وملاّحيها وحققت معهم واستخدمت العنف اثناء التحقيق. لا تقل لي ان انطلاق "اسطول الحرية" جديد من لبنان الى غزة ستتخذه اسرائيل حجة لشن حرب على لبنان او لتوجيه ضربة موجعة اليه.

ثم دار حديث عن القرار الدولي 1701 الذي صدر عن مجلس الامن بعد حرب 2006 وعن تعثّر تطبيقه لأسباب عدة لبعضها علاقة باسرائيل ولبعضها الآخر علاقة بلبنان أو بالوضع الاقليمي أو بمخاوف الدول التي ينتمي اليها جنود "اليونيفيل" وضباطهم، قال بعده بشيء من التهكم والسخرية: "سترسل اسرائيل "فلوتيلا" اي اسطول حرية الى الامم المتحدة للمطالبة باستعادة جنديها المخطوف من "حماس" في قطاع غزة جلعاد شاليط".

ماذا لديك عن زيارة وزير دفاع اسرائيل ايهود باراك الحالية لواشنطن وعن زيارة نتنياهو المتوقعة لها وكذلك عن الزيارة التي قام بها رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس للعاصمة الاميركية؟ سألتُ: أجاب: "زيارة باراك تركّز على الامور العسكرية. وقد حققت حتى الآن نجاحاً مهماً اكثر مما هو محكى عنه او مكتوب عنه في وسائل الاعلام. اما بالنسبة الى زيارة تنياهو فقد صار معروفاً ان العلاقة بينه وبين الرئيس اوباما سيئة جداً. "فرطت" الامور بين الرجلين. طبعاً ولد ذلك تعاطفاً "عفوياً" من الكونغرس ترجمه 75 سيناتوراً او شيخاً بتوجيه رسالة الى أوباما تدعوه الى عدم الضغط على اسرائيل. اذا كنت لا تصدّق ما اقول عن "العفوية" والتعاطف فقد اظهرت استطلاعات رأي داخل اميركا ان 66 في المئة من المستطلعين يؤيدون اسرائيل. وأظهرت استطلاعات أخرى انتقاد اميركيين اوباما لسوء قيادته ولعدم قيامه بواجبه على نحو جيد. نأمل في ان تحقق زيارة نتنياهو لواشنطن شيئاً.

أصل الى محمود عباس فأقول لك ما تعرفه ويعرفه الجميع وهو انه ضعيف. يقول انه لا يُحرِّض على الاسرائيليين، لكن تصريحاته واضحة ومتشددة وخصوصاً بعد "الفلوتيلا" او "اسطول الحرية". لقد كذب عندما صرّح امام اوباما انه لا يحرّض على اسرائيل. ربما اهميته ان لا بديل منه وان البديل الحاضر الآن اي "حماس" اسوأ منه بل بالغ السوء.

حصل اجتماع بين عباس وقادة منظمات وجمعيات يهودية اميركية فتحدّث اليهم بصراحة ودعاهم الى مساعدته والعمل الجاد من اجل انجاز حل الدولتين". بعد ذلك تناول الحديث تركيا في ضوء تشددها "المستجد" لكن المتدرج في تشدده مع اسرائيل منذ وصول حزب العدالة والتنمية الاسلامي الى الحكم فيها. وتركّز على امور عدة منها مصير العلمانية التركية وكذلك الديموقراطية وتداول السلطة في حال احتفاظ الحزب المذكور بالسلطة بواسطة الانتخابات المقبلة. ومنها الوضع الداخلي التركي اذ يبدو قوياً من الخارج في حين ان فيه ثغرات مهمة مؤذية في حال استغلت من بعض المجتمعين الاقليمي والدولي. ابرز هذه الثغرات ثلاث: اقلية كردية كبيرة وأقلية علوية كبيرة لا مصلحة لها الا في استمرار العلمانية ومجموعات تركية سنّية لا تزال تؤمن بالعلمانية. وفي ختام اللقاء اعرب احد اكبر النافذين نفسه في تجمّع لغالبية المنظمات اليهودية الاميركية عن اعتقاده واستناداً الى ما سمعه من قيادات تركية معارضة ان امل العلمانيين في الفوز في الانتخابات التشريعية المقبلة موجود. لكنني لم اشاطره تفاؤله هذا.

ماذا في جعبة "اتراك نيويورك" اذا جاز هذا التعبير عن علاقة تركيا واسرائيل في ضوء حادث "اسطول الحرية" وتفاعلاته وعن علاقة تركيا واميركا في ضوء اختلافهما حول الموضوع الايراني ومبادرة الاولى الى اتخاذ مواقف مناقضة للثانية وخصوصاً في مجلس الامن؟

يقول قريب من هؤلاء ان قطع العلاقات التركية – الاسرائيلية وارد. لكن اتخاذ قرار بذلك يتوقف على ما قد تفعله اسرائيل ويستوجب رداً كهذا. اما قطع هذه العلاقات في صورة نهائية اي الغاؤها فليس وارداً في رأيي على الاقل في هذه المرحلة". سألتُ: لم تتوقع اميركا ان تصوّت تركيا معها اي مع مشروع العقوبات الدولية على ايران في مجلس الامن. لكنها توقعت ان تمتنع عن التصويت. غير أنها صوّتت ضد فرض العقوبات. لماذا؟ ماذا حصل؟ اجاب: "دعني اخبرك القصة من اولها. جرت حوارات عدة بين انقرة وواشنطن حول ضرورة ايجاد حل سلمي للمشكلة النووية الايرانية. وكان رأي تركيا ان العقوبات لن تحلّ هذه المشكلة. كما لن يحلّها العمل العسكري ضد ايران. وبالحوار يمكن التوصّل الى الحل السلمي المنشود. اظهر الرئيس اوباما انه يريد حواراً وحلاً سلمياً. ومد يد الحوار الى ايران. لم يكن رد ايران على مبادرته الايجابية ايجابياً او بالاحرى لم ترد، لا رئيساً ولا قيادة بأي شيء عملي. فجرى بحث بين القادة الاتراك واوباما حول ما اذا كانت تركيا تريد التدخّل في هذا الموضوع. تلّقت الحكومة التركية بعد ذلك رسالة خطية من الادارة (وربما من اوباما نفسه) اعطتها ومن خلال "مقطعين" واضحين جداً الضوء الاخضر للعمل مع ايران او للبحث معها او لإقناعها بالتجاوب مع دعوات الحوار الاميركية.

عملت تركيا وفي ظنها ان ايران لم تبدأ تخصيب الاورانيوم بنسبة 20 في المئة الا بعد اختلافها مع المجموعة الدولية خمسة زائد واحد (5+1). كان التفاوض التركي مع ايران صعباً وتحديداً مع وزير خارجيتها منوشهر متكي ومع جليلي وآخرين. توصلت تركيا الى اتفاق مع ايران، لكن قامت قيامة اميركا عليها وبدأت حملاتها عليها. واشتغلت على موضوع العقوبات وحققوا إجماعاً على ذلك". قالت اميركا انها لم تكن ضد الاتفاق الذي وُقِّع بين تركيا والبرازيل وايران لكن يجب ان يوضع على طاولة البحث. وقالت ايضاً انها وضعت تسع ملاحظات خطية عليه لا بد من البحث فيها مع ايران سواء داخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية او مع مجموعة ال5+1. الا ان نجاد قال بعد ذلك: سنواصل التخصيب. هل بحث معكم في ذلك؟ سألتُ.

=========================

عندما تبدأ المفاوضات تتعطل التسوية

بقلم :طلال عوكل

الدستور

7-8-2010

الجهد الأميركي الحثيث والجدي الذي تزامنت انطلاقته مع دخول الرئيس براك أوباما البيت الأبيض، وصل في حقيقة الأمر إلى طريق مسدود وإن بدا أن هذا الجهد لا يزال متواصلاً وفعالاً.

منذ البداية صدر عن البيت الأبيض ما يفيد أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تفرض سلاماً على الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن الوقائع اللاحقة أكدت أن هذا صحيح بالنسبة للإسرائيليين، وأن الإدارة الأميركية لا تتورع عن استخدام الضغط لتفرض على الفلسطينيين مواقف وتنازلات لا يرغبون في تقديمها.

وعدا عما هو معروف عن عمق التحالف الأميركي- الإسرائيلي، والتزام الولايات المتحدة بحماية إسرائيل وضمان تفوقها العسكري على كل ما ومن حولها، فإن الإدارة الأميركية تتهرب من ممارسة الضغط المطلوب على إسرائيل، بأن مثل هذا الضغط قد يؤدي إلى فرط الائتلاف الحكومي الذي يرأسه بنيامين نتنياهو، الأمر الذي سيؤدي إلى إضاعة المزيد من الوقت.

الولايات المتحدة تعرف كما يعرف الكثيرون أن الأزمة لا تكمن في آليات التفاوض إن كانت مباشرة وثنائية لأكثر من خمسة عشر عاماً، في وقت نجح فيه نتنياهو بتشكيل ائتلافه الحكومي، غير أن النتيجة كانت إلى الخلف دائماً.

الضغط الأميركي الإسرائيلي من أجل الانتقال إلى المفاوضات المباشرة، يستهدف إخضاع الطرف الفلسطيني، وإرغامه على التنازل عن كل ما يعتبره استحقاقات مطلوبة من إسرائيل التي تراها شروطاً، كما أن ذلك من شأنه أن يعيد الأوضاع إلى المربع صفر، حيث يتحكم ميزان القوى في طبيعة وأهداف العملية التفاوضية.

إن المفاوضات المباشرة ستمكن إسرائيل من التحكم في سير المفاوضات بما في ذلك إهدار الوقت، ومواصلة تكريس وتوسيع الوقائع الصعبة على الأرض، وبما في ذلك أيضاً إجهاض العملية التفاوضية، إلى أن ترسم إسرائيل حدودها بعيداً عن التدخلات الخارجية، ورقابة الآخرين بما في ذلك الولايات المتحدة.

لجنة المتابعة العربية التي اجتمعت في القاهرة يوم الخميس التاسع والعشرين من الشهر الماضي، وبالرغم من التصريحات الفردية لبعض وزراء الخارجية العرب التي تؤكد على الموقف الفلسطيني، تلك اللجنة اتخذت قراراً بإجازة الانتقال إلى المفاوضات المباشرة، وتركت للرئيس محمود عباس أن يقرر شروطها وظروفها وبداياتها.

من جانبها رحبت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بالقرار العربي، بالرغم من اتساع نطاق المعارضة الفلسطينية سواء من داخل المنظمة أو من خارجها. وإذا كانت موافقة اللجنة العربية على الانتقال للمفاوضات المباشرة، تعبر عن واقع الهوان والانقسام والضعف العربي، فإن موافقة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير تعبر أيضاً عن ضعف الوضع الفلسطيني الذي لا يملك الكثير من الخيارات، والذي تستحكم فيه لغة وآليات الانقسام والصراع الداخلي.

 وفي الواقع يمكن تفسير موقف اللجنة العربية انطلاقاً من التالي، فإما أن قرارها يشكل أقصى الدعم للرئيس محمود عباس، إذ يخوله باتخاذ ما يراه مناسباً في إطار الموافقة على المفاوضات المباشرة، وإما أنه يعني بأن العرب يكتفون بإسداء النصح للرئيس عباس، وإن عليه أن يتحمل المسؤولية عن قراره قبولاً بالمفاوضات أو رفضاً لها.

لاشك أن الرئيس محمود عباس في وضع حرج للغاية، فالضغوطات تنال عليه من كل جانب، من إسرائيل، ومن الولايات المتحدة، ومن دول أوروبا الغربية وأطراف الرباعية الدولية، ومن العرب، وأيضاً من الفصائل الفلسطينية التي رفضت معظمها قرار اللجنة العربية.

اختراق صاروخ من نوع غراد الهدوء الذي يسود بين قطاع غزة وإسرائيل، ليصل إلى قلب مدينة عسقلان داخل إسرائيل، وفر ذريعة لقيام الطيران الحربي الإسرائيلي بقصف عدد من المواقع الفلسطينية، رافقته تهديدات بأن على قطاع غزة أن ينتظر ما هو أسوأ مما وقع خلال الحرب الأخيرة على القطاع.

مثل هذا التصعيد المحدود والمحسوب لا يمثل سوى مجرد رسائل قصيرة، إذ ترغب حماس في تأكيد مصداقيته رفضها للمفاوضات المباشرة، وترغب إسرائيل في ممارسة رد انتقامي مقرون بتحذير عملي، بأن إسرائيل لن تتسامح في حال استمر الفلسطينيون في إطلاق الصواريخ.

على أن ثمة أبعاد أخرى للرسالة الإسرائيلية الدامية، وهي أن إسرائيل التي ذهبت إلى مجلس الأمن بشكوى، إنما تريد تهيئة المجتمع الدولي بقبول ذرائعها في حال بادرت إلى شن حرب أخرى على قطاع غزة، قد تكون وسيلتها لإفشال المفاوضات المباشرة في حال وقعت.

وفي كل الأحوال فإن الأمل ضعيف جداً في أن تحقق المفاوضات المباشرة اختراقاً قبل نهاية هذا العام، فالإدارة الأميركية ستظل محكومة لرغبتها في شراء أصوات وتأثير اليهود الأميركيين في الانتخابات النصفية للكونجرس التي ستجرى في شهر نوفمبر المقبل.

إذا كان الأمر كذلك فإن الأشهر المقبلة حتى نهاية العام، ستعطي خلالها إسرائيل وقتاً كافياً لخلق وقائع جذرية، قد تؤدي إلى قلب طاولة المفاوضات، وتجميد العملية السلمية لوقت إضافي.

ويبدو أنه من غير المناسب تجاهل حديث الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عن خطة إسرائيلية- أميركية لشن حربين، وحديث الرئيس السوري بشار الأسد، عن أن المنطقة تبتعد عن السلام بقرار اقترابها من الحرب.

وفي هذه الحالة فإن الفلسطينيين مرشحون لأن يكونوا أول ضحاياها، ما يستلزم منهم الذهاب فوراً إلى المصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني الذي عدا عن أنه يضعف الفلسطينيين ويحد من قدرتهم على مجابهة الضغوط والمخاطر والتحديات، فإنه يشكل نقطة ضعف شديدة، حين يتوجهون للعرب أو للعالم الخارجي فضلاً عن أنه يقدم لإسرائيل الذريعة للانتقام من كل الأطراف الفلسطينية.

كاتب فلسطيني

 =========================

المحكمة الدولية والتسوية الصعبة

بقلم :حسين العودات

البيان

7-8-2010

ترى السياسة السورية أن المحكمة الدولية المكلفة بالتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، أصبحت مسيّسة كلياً، ولا تصلح للوصول إلى الحقيقة، لأنها غدت وسيلة بيد قوى معادية للبنان والعرب.

وتذكّر هذه السياسة بأنها اتهمت المحكمة بالتسييس منذ تشكيلها ومنذ أن خطت خطواتها الأولى قبل ما يقارب الخمس سنوات، وتعتقد أن القرار الظني الذي سيصدر عن قاضي التحقيق لدى المحكمة خلال شهر أو شهرين، سيكون وبالاً على لبنان، لأنه سيلقي التهم جزافاً على أناس قريبين من حزب الله ومن المقاومة، ما يهيئ المناخ لفتنة طائفية لا يعلم أحد أبعادها، ستطيح بالاستقرار اللبناني والسلم الأهلي اللبناني الذي بدأ يتحقق في الأشهر الأخيرة.

تتطابق هذه النظرة السورية مع موقف حزب الله من المحكمة الذي أعلنه حسن نصر الله أكثر من مرة خلال الأسابيع والأيام الماضية، ومازال يزيد معلومات جديدة على إعلانه هذا مع كل تصريح، وملخص رأي الأمين العام لحزب الله أن القرار الظني الذي سيصدر عن المحكمة سيتهم بعض المنتسبين لحزب الله، حسبما أبلغه سعد الحريري بذلك، حيث وصف هؤلاء بغير المنضبطين، وقال إن مثل هذا الاتهام سيكون موجهاً لحزب الله بالكامل (سواء كان المتهمون منضبطين أم غير منضبطين).

وبالتالي سيقع وزر اغتيال الحريري على عاتق الحزب، ما سيهيئ المناخ لفتنة في لبنان، وحتى تجري المحاكمة، وتصدر المحكمة أحكامها، ويتبين المجرم الحقيقي وهذا يحتاج لعدة سنوات، تكون الاضطرابات قد بلغت حدودها القصوى وربما تصل إلى حرب طائفية تسعى إليها إسرائيل والولايات المتحدة وغيرهما.

وعلى ذلك أكد حسن نصر الله بأنه لن يسمح لأحد بأن يمس المقاومة أو الحزب، واتهم المحكمة بأنها مسيسة، واستشهد بأنها لم تحاكم شهود الزور، فضلاً عن أنها سجنت الضباط الأربعة الكبار من دون حق، وفي الخلاصة طالب بتشكيل لجنة نيابية لبنانية تنظر في بعض الأمور الخاصة بالمحكمة، ولعل ذلك يكون تمهيداً للمطالبة بتجميدها أو إلغائها والعهدة بمهماتها إلى محكمة أو محاكم لبنانية.

أما تيار المستقبل الذي يرأسه سعد الحريري رئيس الوزراء، فيرى أن لا مبرر لمثل هذه الانفعالات والمبالغات والأوهام، وأن المنطق وحسن التدبير يقتضيان انتظار صدور القرار الظني ثم البناء عليه بعد ذلك، فإن كان هشاً ومعتمداً على تهم ضعيفة أو افتراضات، أو كان متحاملاً، يمكن عندها النظر في البدائل، لكن أن تتخذ المواقف.

وتتنامى التهديدات قبل صدور القرار، فإن ذلك استباق للأمور لا مبرر له، ومحاولة لوأد المحكمة قبل أن تبدأ أعمالها، ثم إن الاضطرابات الطائفية تحتاج لأسباب هي في حقيقتها أكثر تعقيداً مما يشير إليه الأمين العام لحزب الله وأن توفرها ليس بهذه السهولة أو (الخفة)، وأن تصريحاته مبالغات لا تتناسب مع الأسباب المفترضة، وأخيراً يرى تيار المستقبل أن لابد من استمرار المحكمة في وجودها وعملها حتى تتضح الحقيقة، التي رهن لبنان نفسه خمس سنوات للوصول إليها.

لعل مسألة المحكمة وقرار قاضي التحقيق الظني كانت هي الموضوع الرئيس (وربما الوحيد) لمحادثات الملك عبد الله بن عبد العزيز في سوريا، لأن القضايا الإقليمية الأخرى هي دائماً محط تبادل الآراء بين البلدين بالطرق الدبلوماسية ولا تحتاج لمثل هذه الزيارة، ولذلك أخذت أهمية ثانوية قياساً لموضوع المحكمة.

لابد أن سوريا طرحت على طاولة المحادثات أمر تسييس المحكمة من جهة، ومخاطر الاتهامات التي سيطلقها القرار الظني عند إعلانه على استقرار لبنان وأمنه وسلمه الأهلي من جهة أخرى، وتفادياً لهذا كله، فمن المفضل، بل ربما من الضروري حسب الرأي السوري تجميد المحكمة أو إيقاف عملها، وإيجاد بديل آخر عنها لبناني أو عربي، يوصل إلى الحقيقة من دون دسائس ولا تسييس. أو على الأقل تأجيل إعلان القرار الظني لإشعار آخر.

لم يتطابق رأي السياسة السعودية مع رأي السياسة السورية تجاه المحكمة، لأنها ترى أن أي تجميد لأعمالها أو تكليف غيرها بمهماتها أو تبني بديل آخر عنها، ربما لن يوصل إلى الحقيقة أو يرجئ الوصول إليها سنوات عدة.

لكنها ترى من جهة أخرى أن إيجاد شروط أو ظروف جديدة في لبنان، مثل إعادة النظر بدور حزب الله اللبناني، والوصول إلى صيغة جديدة للتنسيق بين قواته المسلحة وبين الجيش، ووضع قدراته العسكرية تحت إشراف الجيش اللبناني، كفيلة بتحقيق هذه الشروط، وعندها يصبح البحث ممكناً عن سبل جديدة للوصول إلى الحقيقة في اغتيال الحريري وكشف الجناة دون توترات أو مخاوف، واسترجاع الدولة اللبنانية دورها وسلطتها، والحفاظ على استقرار لبنان.

فضلاً عن أن هذا يؤدي بالضرورة إلى تراجع الدور الإيراني الحالي في لبنان، ولا بأس عندها أن يكون هذا الدور مميزاً ولكن ليس (طاغياً).

ترى سوريا أن حزب الله يحمي خاصرتها، كما أن الدور السوري في لبنان لن يكون بمثل قوته وقدرته الحالية لو ضعف حزب الله أو تخلى عن سلاحه، ولذلك ترفض أية تهمة للحزب أو لبعض عناصره أو حتى شبهة تهمة، لأن ذلك سيؤكد نظرية من يقول إن سلاح الحزب موجه للداخل أيضاً.

وهكذا لم يتوصل الطرفان السعودي والسوري إلى موقف موحد أو شبه موحد تجاه المحكمة لاستمرارها أو تجميدها أو تعديلها، لكنهما اتفقا على ضرورة التهدئة في لبنان، وأن لا يفسد تباين المواقف من المحكمة التنسيق بين الطرفين.

وقد تم نقل هذا الاتفاق إلى الأطراف اللبنانية، وهكذا كانت زيارة الملك والرئيس إلى لبنان رسالة واضحة للجميع. وفي الوقت نفسه ربما ستستمر المحادثات بين البلدين بالطرق الدبلوماسية، بهدف الوصول إلى اتفاق حول النقاط المختلف عليها.

كاتب سوري

==================

المزيد من الارهاب على الأسرى

آخر تحديث:السبت ,07/08/2010

فايز رشيد

الخليج

القرار الذي اتخذه بنيامين نتنياهو باتخاذ مزيد من الإجراءات التشديدية بحق الأسرى الفلسطينيين في السجون الصهيونية، ردّاً على الادّعاءات “الإسرائيلية” القائلة بوجود إساءات كبيرة في معاملة الأسير “الإسرائيلي” جلعاد شاليت لدى حركة حماس .

بداية، فإن الجندي المذكور وفي رسائله إلى أهله، على الأقّل تلك المنشورة في الصحف، يقرّ ويعترف بالمعاملة الجيدة التي يلاقيها من آسريه، ثم إن الصور المنشورة له في الأسر تدلل بما لا يقبل مجالاً للشك على المعاملة الحسنة والإنسانية التي يُعامل بها .

نتنياهو وبمحاولة تركيزه على(سوء معاملة) شاليط يحاول امتصاص غضب شاليت الكثيرين من “الإسرائيليين” بإخفاقه (نتيجة تعنته وحكومته) في إنجاز صفقة تبادل الأسرى مع حماس .

من زاوية ثانية، تتوجب الإشارة إلى ازدواجية المعايير التي يتعامل بها المجتمع الدولي مع قضية الجندي ومع الأسرى الفلسطينيين، فأسر جندي واحد في معركة يقيم الدنيا ولا يقعدها، ويتم التركيز على قضيته في كل العواصم الغربية بلا استثناء . ويكون موضوعاً لكافة اللقاءات بين رؤساء هذه الدول ورؤساء الدول العربية، من أجل وساطتهم للضغط على حماس من أجل إطلاق سراحه، وتنشأ في تلك الدول هيئات لتبني قضيته والدفاع عنها، والأخير يتحول إلى أيقونة ترمز إلى الظلم! في الوقت الذي لا يجد فيه ما يزيد على عشرة الآف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، من يتبنى قضيتهم أو يحس بهم، بالرغم من أن العشرات منهم أمضوا ما يزيد على ربع قرن في السجون، وبالرغم من أن بينهم النساء والأطفال (ومنهم من ولدوا في السجن) .

وبالرغم من المعاملة السيئة واللإنسانية والنازية في حقيقتها التي يلقونها من قبل سلطة إدارة السجون “الإسرائيلية”، وبالرغم من تجارب الأدوية الخطيرة التي تُجرى عليهم والتي تسبب أمراضاً مستعصية لهم، والتي في كثير من الأحيان تؤدي إلى الإعاقة الدائمة أو الموت، وبرغم التعذيب الممارس ضدهم، والإجراءات التعسفية بحقهم وحقوق ذويهم المتناقضة تماماً مع الاتفاقيات والشرائع الدولية، بما فيها اتفاقيات جنيف ومعاهدات لاهاي حول ظروف الأسر، وبرغم أن عدد المتوفين من ظروف الأسر وصل وفقاً للإحصاءات الرسمية إلى ،202 وبرغم وبرغم، وبرغم، وقائمة بنود التعذيب الطويلة والمتمثلة باختصار في الظروف الحياتية كلها: معاملة، علاج، تعذيب . . الخ .

وبالعودة إلى قرارات نتنياهو الأخيرة حول التعذيب نقول: لم يعش أسرانا في ظروف جيدة وإنسانية قبل قرار رئيس الوزراء الصهيوني . وقد كتبنا حول هذه المسألة عدة مرات، وبالتالي فإن الإجراءات الجديدة المتخذة بحقهم، هي خطوة في سلسلة متصلة من القيود، لكنها تحمل المزيد من العذابات للأسرى وذويهم، فوفقاً لتقرير أصدره مركز الأسرى للدراسات، فإن هناك خطوات تصعيدية تقوم بها إدارة مصلحة السجون ضد المعتقلين: تفتيشات مستمرة عليهم، النقل الجماعي من سجنٍ إلى آخر، منع الأهالي من زيارة أبنائهم، حبس إنفرادي في زنازين لا تدخلها الشمس لفترات طويلة تمتد شهوراً وسنوات، كما يمارس حالياً ضد أمين عام الجبهة الشعبية المناضل أحمد سعادات، وكثيرين من المعتقلين غيره، منع التعليم وإدخال الكتب إلى المعتقلين وما يعينه ذلك من سياسة تجهيل مقصودة ومخطط لها من قبل “إسرائيل”، وضع الكثير من الصعوبات والعراقيل أمام الأهالي لمنعهم من زيارة أبنائهم .

جدير بالذكر: أن محكمة العدل العليا “الإسرائيلية” أتاحت للمخابرات استعمال العنف (المخّفف) ضد المعتقلين أثناء التحقيق (كأن المحكمة تبعث مندوباً عنها مع كل معتقل يجري التحقيق معه!) الأمر الذي أجاز للشاباك استعمال كل وسائل التعذيب التي تجرى بإشراف أطباء مختصين، (للأسف فهؤلاء ليسوا أطباء في حقيقتهم كون الطبيب ذي الضمير المتوائم مع المعاني الإنسانية لمهنته لا يُقدم على هذا الأمر)، وذلك كي لا تترك آثاراً خارجية على أجساد المعتقلين، من أجل عدم وجود إثباتات على تعذيبهم، بل تترك آثاراً داخلية تؤدي إلى أمراض مزمنة، والدليل على ذلك وكما أثبتت استطلاعات، عديدة فإن نسبة المتوفين من بين الأسرى الذين يقضون أحكاماً طويلة في السجن (10 سنوات وأكثر) ويطلق سراحهم، تبلغ 50% من بين الأسرى ذوي الظروف الشبيهة، وهذه نسبة كبيرة في القرن الزمني الحالي، فأمراض كثيرة تصيب هؤلاء ابتداء من السرطان بأنواعه المختلفة، مروراً بجلطات القلب والدماغ وكافة أمراض أجهزة الجسم الأخرى، وصولاً إلى الأمراض العصبية والنفسية .

للأسف، قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الصهيونية، وبالرغم من عدالتها وإنسانيتها وأهميتها، لا تلقى صدىً كبيراً ومستمراً في أجهزة الإعلام العربية الرسمية منها والشعبية، إلا في المناسبات، مع أنها قضية كبيرة، إنسانية من جهة، ومن جهة أخرى، تشكل ورقة إدانة ل”إسرائيل” في المحافل الدولية المعنية، غير أننا (للأسف مرات ومرات) مثلما لا نحسن الإمساك والدفاع بالأوراق القوية الأخرى المتوفرة بسهولة بين أيدينا، فكذلك لا نحسن الإمساك بورقة الأسرى، والدفاع عنهم .

=======================

تركيا و"إسرائيل" وفخّ لجنة التحقيق الدولية

آخر تحديث:السبت ,07/08/2010

محمد نور الدين

الخليج

تتجه العلاقات التركية “الإسرائيلية” إلى مرحلة جديدة قد تكون مختلفة عن المراحل السابقة، وهذه العلاقات شهدت تحالفات وثيقة منذ تأسيس “إسرائيل” وحتى الأمس القريب .

ومع أنها شهدت أزمات محدودة أو متوسطة، لكن التوتر الأكبر في هذه العلاقات جاء مع التحول في سياسة تركيا الخارجية في عهد حزب العدالة والتنمية، ليس لأن الحزب اتبع سياسة معادية ل “إسرائيل”، بل لأنه أراد الانفتاح أيضاً على العالم العربي والإسلامي إلى جانب إبقاء علاقاته الجيدة مع “إسرائيل” . ولا ينسى أحد محاولات تركيا إيجاد حل للصراع العربي - “الإسرائيلي” بين “إسرائيل” من جهة، وسوريا والفلسطينيين من جهة أخرى .

عدم تفهم “إسرائيل” للدور التركي الجديد وفهمه على أنه معادٍ لها صعّد في التوتر بين البلدين، ودفع المسؤولين الأتراك وفي مقدمهم رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان إلى توجيه انتقادات لاذعة للسياسات “الإسرائيلية” التي رأوا فيها إهانة لكل المسلمين، ولكل محاولات أنقرة التوسط بين “إسرائيل” والعرب .

لا يكفي ذلك لفهم التوترات الكبيرة في العلاقات التركية “الإسرائيلية” .

فتركيا بدأت تكثف حضورها في المنطقة العربية والإسلامية وتكسب المزيد من النفوذ الذي من أسبابه تراجع الموقع العربي، فكانت الطريق متاحة أكثر لبروز الدور التركي .

وفي نظرية ملء الفراغ ليس من مجال للاجتهاد و”التفلسف”، فإذا وجد لاعب واحد ملأ وحده كل الفراغ، وإذا وجد لاعبان تقاسماه، وهكذا دواليك .

حتى إذا حضر اللاعب التركي أخذ من حصة اللاعبين الموجودين ومنهم “إسرائيل”، وهذا ما أثار “إسرائيل” فبدأت تعد العدة لضرب هذا الدور بالتعاون مع بعض العرب وكل القوى الكبرى في العالم، ومنها روسيا والصين، إذ إن الدور التركي أحرج من جهة “اللاعبين” العرب، وأثار قلق القوى الكبرى من ناحية ثانية، ولاسيما بعد تحول تركيا إلى لاعب دولي بفضل دورها في اتفاق طهران النووي مع البرازيل .

تجمعت العوامل ليحصل الصدام بين البلدين وهذه المرة بمبادرة “دموية” من “إسرائيل” في الاعتداء على أسطول الحرية .

بعد فورة حماسية في الخطاب التركي تلا مجزرة أسطول الحرية ومقتل تسعة أتراك، تكثفت الاتصالات التركية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأ مسلسل المطالب التركية يشهد مناخاً من التفهم لترميم العلاقات بين انقرة وتل أبيب . غابت العبارات الحادة من خطاب تركيا و”إسرائيل”، وبادر الطرفان إلى خطوات متبادلة تعكس مؤشرات على رغبتهما في تطبيع العلاقات أو نزع صفة التوتر عنها .

أولاً قالت “إسرائيل” إنها ستعيد السفن التركية الثلاث المشاركة في أسطول الحرية، وثم ألغت تحذيرها لرعاياها بعدم السفر إلى تركيا .

وأخيراً وافقت “إسرائيل” على لجنة التحقيق الدولية التي شكلها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في أول موافقة “إسرائيلية” على لجنة دولية .

وإذا كان من تفسير للخطوات “الإسرائيلية”، فهو الرغبة في إعادة العلاقات إلى طبيعتها مع تركيا .

لكن هذه الرغبة لم تكن لتحصل لو لم تكن قد اعتبرت أن الرسالة الدموية في أعالي البحار قد وصلت إلى تركيا .

هل وصلت الرسالة إلى تركيا؟ربما نعم، وربما لا، لكن ما هو واضح حتى الآن أن أنقرة تتبع سياسة تبريد الأجواء مع “إسرائيل” .

وفي مؤشرات ذلك قول وزير الخارجية أحمد داود أوغلو إن مطلب الاعتذار يمكن أن يتأجل حتى تشكيل لجنة تحقيق دولية وظهور نتائجها . أيضاً فإن خطوات تركيا الفورية ضد “إسرائيل” لم تكن بحجم دماء الأتراك التسعة الذين ما زالت دماؤهم تنتظر الثأر، وإن ليس بالضرورة على الطريقة التقليدية الدموية .

تشكيل لجنة التحقيق الدولية اعتبرها الأتراك نصراً لهم على أساس أن “إسرائيل” ترضخ للمرة الأولى للقانون الدولي .

لكن يجب على إخواننا الأتراك التنبه إلى أن “إسرائيل” لم توافق على تشكيل اللجنة إلا لكي تميّع التحقيق الدولي، خصوصاً أن الأمم المتحدة وبان كي مون تحديدا معروف بمواقفه المنحازة إلى “إسرائيل” وتبعيته للولايات المتحدة .كما أن الرئيس الكولومبي الحالي المنتهية ولايته الفارو أوريبي هو صنيعة الولايات المتحدة والمحرّض الأكبر على حكم هوغو شافيز في فنزويلا المعادي ل “إسرائيل” وأمريكا، كما أن أوريبي من الداعمين الكبار للوبيات اليهودية في العالم .

وعلى هذا يمكن أن تشكل لجنة التحقيق بتركيبتها “فخّاً” لتركيا بحيث تضيع مسؤولية “إسرائيل” الكاملة عن إراقة الدماء، بل أكثر من ذلك يمكن أن تحمّل تركيا مسؤولية في التحريض على “إسرائيل” من خلال إدانة نشاط هيئة الإغاثة التركية الإنسانية التي نظمت قافلة أسطول الحرية .

لا يبدو أن تركيا قد فهمت بعد جيداً العقلية “الإسرائيلية”، واذا كان قبول تركيا بتشكيل مثل هذه اللجنة المنحازة سلفاً إلى “إسرائيل” محاولة للخروج من مأزق علاقتها مع الغرب ورغبتها في إعادة التواصل معه، فهو أمر يخصها .لكن من الضروري أن تأخذ في الاعتبار ألاعيب “إسرائيل” وانحياز واشنطن والأمم المتحدة في أية مبادرات تلجأ إليها، وفي أي موقف تتخذه حفاظاً على سمعة تركيا في المنطقة العربية، وعلى استمرار حضورها في الشارع العربي والإسلامي .

 =======================

هل سيكون القرن ال 21 أوروبياً؟

السبت, 07 أغسطس 2010

السيد أمين شلبي *

الحياة

مع اختفاء الاتحاد السوفياتي وتفككه في أوائل التسعينات ونهاية الحرب الباردة، بدت الولايات المتحدة كالقوة الأعظم الأولى والوحيدة في العالم، غير أن هذا لم يمنع من انطلاق جدل واسع بين المؤرخين والمحللين حاولوا فيه التساؤل عن طبيعة النظام الدولي المقبل، وهل سيكون أحادياً تتحكم فيه الولايات المتحدة وتوجهه أم سيعود نظاماً ثنائي القطب كما كان، أم نظاماً متعدد الأقطاب والمراكز. في الجدال هذا أجرى المحللون فحصاً لمقومات كل قوة من القوى الدولية التي يحتمل أن تنافس الولايات المتحدة أو تشاركها في قيادة النظام الدولي. في هذه العملية جرى فحص مقومات قوى مثل اليابان والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا في حال أعادت بناء نفسها. وفي ما يتعلق بأوروبا فقد اعتبر الخبراء أن قوتها ومكانتها الدولية الذاتية مشروطة باختبارها واجتيازها للخطوات الصحيحة التي تتطلب تحقيق دمج المجموعة الأوروبية في اقتصاد واسع يستوعب تدريجياً معظم أوروبا، فإذا فعلت ذلك فإن القارة ستمتلك قاعدة إنتاجية واقتصادية ذات نطاق واسع لا تستطيع قوة أخرى أن تجاريها، وذهب هؤلاء الخبراء إلى أنه بينما يتطلب الأمر من أميركا واليابان إحداث تغييرات واسعة في نظاميهما، فإن كل ما هو مطلوب من أوروبا أن تسير في ما هي سائرة فيه بخفض الحواجز التجارية والداخلية وتكاملها مع أوروبا الشرقية، وأن تصيغ توازناً مقبولاً بين الصيغ الاجتماعية والرأسمالية.

ويبدو أن أوروبا منذ التسعينات قد حققت هذه الشروط، وهو ما جعل خبيراً هو مارك ليونارد يكتب كتاباً بعنوان :»لماذا ستقود أوروبا القرن الواحد والعشرين؟» وينطلق ليونارد من أن النموذج الأوروبي هو في الواقع أكثر ملاءمة لمواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين، ويشرح بالقول إنه «رغم كل الحديث عن الإمبراطورية الأميركية، إلا أن العامين الماضيين كانا خير برهان على حدود القوة الأميركية، فتقدم الاقتصاد الأميركي على العالم كله بدأ يختفي (في عام 1950 كان الناتج المحلي الإجمالي الأميركي ضعف الناتج المحلي في أوروبا الغربية وخمس أضعاف الناتج المحلي في اليابان، أما اليوم فهو مساو للناتج المحلي في الاتحاد الأوروبي). وأضاف أن حقيقة الهيمنة الأميركية ليست واضحة سوى على مستويين: القدرة على القتال والانتصار في الحروب التقليدية الكثيفة، والوجود المطلق للثقافة الأميركية الشعبية». وعلى رغم هذا فإن هذين المستويين من الهيمنة لا يلائمان التحديات الكبرى للقرن المقبل: تغيير المناخ، بروز الجماعات الإرهابية غير الحكومية، انتشار الأمراض مثل الإيدز. الطريقة المثلى لمعالجة تلك المشاكل، كما يرى ليونارد، هي الطرق والأساليب التي طورها الاتحاد الأوروبي، فالولايات المتحدة الأميركية تعتبر قوية فقط في الوقت الذي تقاس به القوى بمؤشرات ومعدلات القرن العشرين. في الوقت الذي من أجل فهم شكل ومضمون القرن الواحد والعشرين نحتاج إلى ثورة في طرق التفكير في القوة. فقوة الولايات المتحدة الأميركية سواء العسكرية أو الديبلوماسية ضحلة وضيقة، في حين أن قوة الاتحاد الأوروبي – على العكس - واسعة وعميقة، فبمجرد أن يمتص الاتحاد الأوروبي الدول في محيط تأثيره، تتغير تلك الدول إلى الأبد.

ويدلل ليونارد على ذلك بمقارنة تأثير الولايات المتحدة الأميركية في كولومبيا، وخطة كولومبيا الكارثية والحرب المميتة ضد المخدرات، بتأثير الاتحاد الأوروبي على أقرب جيرانه «تركيا وأوكرانيا». وتخلص المقارنة إلى أن تأثير الاتحاد الأوروبي كان أبطأ ولكنه في الوقت نفسه أقل تكلفة، وأكثر ديموقراطية كما يصعب الارتداد عنه. فما هي الأساليب الجديدة لممارسة السلطة التي طورها الاتحاد الأوروبي؟ يستخدم ليونارد تعبير «العدوان السلبي» للطريقة التي تتعامل بها أوروبا مع جيرانها، فبدلاً من الاعتماد على «أسلوب الولايات المتحدة» الذي يقوم على التهديد باستخدام القوة للدفاع عن مصالحها، تعتمد أوروبا على التهديد بعدم استخدام القوة، بمعنى إنهاء الصداقة ومفهوم الشراكة والتعاون. فالأسلوب البطيء الذي اتبعته أوروبا مع تركيا كان له أثر فعال في تحويل المجتمع، أكثر من الأسلوب المكلف والدموي الذي اتبعته أميركا مع كولومبيا أو المكسيك. ويعتبر ليونارد أن كتابه ليس عن أوروبا بقدر ما هو عن القوة والسلطة، وكيفية التعامل في العالم. وهو لا يقول إن أوروبا ستصبح الكتلة الاقتصادية الأقوى في العالم أو أنها ستمتلك أقوى وأكبر جيش، ولكنه يقول إن الطريقة الأوروبية في إنجاز الأمور، النموذج الأوروبي، سيغير الطريقة التي يعمل بها العالم.

وتملك أوروبا ما يسميه مارك ليونارد «القوة التحويلية»، القوة التي تستطيع تغيير الدول من الداخل. فأولاً، أوروبا ليست دولة عظمى أو إمبراطورية، ولكنها نادٍ لا مركزي. فقد طورت أول سوق موحدة في العالم وتقوم بتقديم المساعدات والتجارة للدول الأخرى. ثانياً، لا يستخدم الاتحاد الأوروبي القوة من خلال التهديد بغزو الدول الأخرى ولكن من خلال التهديد بإقصائهم عن منافعه وذلك إما ألا يكونوا أعضاء به، أو عدم الارتباط بالاتحاد بأي طريقة. وثالثاً قوة الاتحاد الأوروبي مرتبطة بالقانون وتعتبر جزءاً لا يتجزأ منه. فمن أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي على الدولة أن تعتمد 80 ألف صفحة من القانون، مخزنة في 34 مجلداً، والتي تحكم كل شيء بدءاً من حقوق الإنسان وحماية الأقليات حتى طريقة صنع صلصة الطماطم. هذا النوع من السلطة القانونية يسمح ليس فقط بتطوير وتحويل النظم في الدول الأخرى ولكن أيضاً تحويل مجتمعاتهم ككل. في الماضي كان يقال إن هناك نزاعاً متأصلاً بين التوسيع والتعميق، وأنه كلما أصبحت أوروبا أكبر كلما أصبحت هناك صعوبة لأن تقوم بأي شيء على الإطلاق. ويعتبر ليونارد إن العكس هو الصحيح، في البداية كان هناك ستة أعضاء فقط ولم تكن هناك عملة واحدة ولا سوق واحدة، وكان الطموح أقل مما هي الحال الآن بوجود 27 دولة عضواً. في كل مرة كان يخوض فيها الاتحاد الأوروبي عملية توسع، كان يقوم بتعميق وتطوير نفسه. في الواقع إذا كان الاتحاد الأوروبي قام بأي شيء على الإطلاق فهو من أجل إصلاح الأمور قبل أن يتوسع.

يرى ليونارد أن أوروبا في حال أحسن بكثير مما يزعم منتقدوها، ويرجع ذلك في شكل كبير إلى نجاح المشروع الأوروبي. ولكن تواجه أوروبا أيضاً تحديات كبيرة، فالتراجع الديموغرافي يعتبر تهديداً كبيراً للاقتصادات الفردية، وبدأت جميع الدول الأوروبية تعاني منه وتحاول معالجته من خلال مزيج من تعديل طفيف لنظم الهجرة، بالشكل الذي تتحرك فيه كل دولة نحو نموذج لإدارة الهجرة والهجرة الاقتصادية والذي لم يكن ضمن أجندة هذه الدول خلال العشر أو 15 سنة الماضية، وكذلك العمل على إصلاح نظم المعاشات التقاعدية لديهم.وفي تقدير ليونارد فإنه في الماضي كانت أفضل طريقة للحفاظ على مكانة الولايات المتحدة الأميركية البارزة هي بالحصول على رضا وموافقة الدول الأخرى، وتجسيد قيمها في مؤسسات دولية، وسيادة القانون...الخ. ويرى ليونارد أن أميركا هي الدولة الأقرب إلى أوروبا من حيث قيمها وأهدافها. ويؤكد ليونارد أن الولايات المتحدة الأميركية ستعود إلى اتباع نهج متعدد الأطراف تجاه العالم، ويرى أن السبب وراء ذلك يرجع إلى صعود عالم متعدد الأطراف والأقطاب تتجه فيه السلطة والقوة إلى الشرق والصين والهند، وتمر الولايات المتحدة بأزمة في الوقت الراهن حيث تم فصل قيمها وأهدافها عن أي نظام، وعلى رغم ذلك فإن على أميركا أن تتجاوب مع التغيرات التي يقودها الاتحاد الأوروبي. ويرى أن الهيمنة الأميركية تحمل في طياتها بذور انهيارها، وأن الدولة المتضررة من معاداة أوروبا هي أميركا نفسها وهي حالياً أكثر الدول احتياجاً لأوروبا. وهكذا إذا كان الجدل الذي ثار في بدايات التسعينات حول طبيعة النظام الدولي وعما إذا كان ثمة قوة أو قوى أخرى يمكن أن تنافس الولايات المتحدة قد استبعد أن تقوم أوروبا بهذ الدور، فإنه وبعد قرابة عقدين يتجدد الجدل ولكنه يتجدد وسط ظروف مغايرة يحددها اعتباران: الأول أن أوروبا استطاعت أن تتجاوز الثغرات في قدراتها وتمكنت من استكمال وحدتها الاقتصادية وبنائها المؤسسي، والثاني هو الوهن الذي لحق وبخاصة في الحقبة المنصرمة، بالقوة الأميركية ومقوماتها.

* المدير التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية

=======================

قواعد اللعبة بين لبنان وإسرائيل

السبت, 07 أغسطس 2010

مصطفى زين

الحياة

لم تقتنع إسرائيل بعد، ولا العرب، بأن قواعد اللعبة على الحدود اللبنانية تغيرت. ما زالت الدولة العبرية تعيش في ماضي الإحتلال وما قبله. لعدم اقتناعها أسباب كثيرة، منها عنجهيتها وعنصريتها المبنية على إيمان توراتي بأن اليهود شعب الله المختار. ومنها إيمانها بتفوقها العسكري على العرب، مجتمعين ومتفرقين. إيمان يزيده قوة الدعم غير المحدود الذي تتلقاه من الغرب عموماً، ومن الولايات المتحدة خصوصاً. فضلاً عن الغرور الإسرائيلي وأسبابه الدينية والتاريخية، ما زالت الدولة العبرية تنظر إلى الشرق الأوسط كله، وإلى محيطها العربي نظرة دونية، مبنية على أن هذا المحيط مجرد قبائل وطوائف متناحرة، يكفي ان تتحالف مع إحداها كي تتحول الأخرى إلى أدوات لحروب أهلية ونزاعات لا تنتهي. ترى نفسها دولة غربية. تشارك في كل النشاطات الأوروبية، من مهرجان الأغنية إلى الرياضة إلى الموسيقى، بناء على هذه الرؤية. تشترك مع الولايات المتحدة في تصنيع الصواريخ والأسلحة. تبيع إلى الصين والهند تكنولوجيا وأسلحة متطورة.

في محيطها، جندت ضباطاً في الجيش اللبناني لخدمتها، إثنان منهم شكلا «جيش لبنان الجنوبي» وشاركاها في حماية احتلالها. أطالت أمد الحرب الأهلية اللبنانية بدعم فريق ضد آخر. شاركها فريق في ارتكاب المجازر. تحالفت مع سياسيين يعتبرون لبنان أيضاً جزءاً من الغرب وهي جسرهم إليه. بدلت نظرة كثيرين من العرب إليها. بعضهم يعتبرها حليفاً في الحرب وفي السلم. أقامت علاقات مع دول. استطاعت أن تقسم الشعب الفلسطيني بين من يتمسك بالمقاومة ومن يسعى إلى السلم بأي ثمن. كل هذا دفع إسرائيل إلى التمادي في غرورها وغطرستها. وإلى استهجانها إقدام الجيش اللبناني على التصدي لجنودها الذين خرقوا الخط الأزرق، بعدما اعتادت منذ نشوئها على حرية الحركة في الجنوب. وعلى غطاء دولي يؤمنه لها مجلس الأمن ذي الإرادة الأميركية. فوجئت أو فجعت بالرد اللبناني. رد لم تحسب له حساباً، خصوصاً في وجود القوات الدولية التي أتت لحمايتها، على ما أعلنت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل أكثر من مرة.

تأخذ إسرائيل كل هذه الإنتصارات في الإعتبار عندما تخطط لحرب أو لمعركة. وهي محقة. لكنها لا تحسب نكساتها. لم تصدق بعد أنها انسحبت من جنوب لبنان العام 2000 تحت ضغط المقاومة. صدقت بعض التنظيرات اليمينية والعربية أن انسحابها كان كرماً أخلاقياً. لم تستوعب بعد أن حرب تموز 2006 شكلت منعطفاً في تاريخ الصراع. لم تستوعب بعد أن الجيش اللبناني غير عقيدته العسكرية لتنسجم مع التوجه الشعبي. ولم تعد مهمته ردع المقاومين والتصدي لهم وزجهم في السجون. أرادت اختباره قبل أن تزوده الولايات المتحدة أسلحة. تأكدت الآن أنه سيستخدمها في أي مواجهة مع جيشها. شكته إلى واشنطن لأنه واجه جنودها بأسلحة أميركية. قواعد اللعبة في الصراع تغيرت إنطلاقاً من أضعف البلدان العربية، وأكثرها هشاشة، في بنيته الإجتماعية والسياسية. من الآن إلى أن تستوعب الدولة العبرية ذلك، وإلى أن تقتنع بأن عسكرة مجتمعها واعتمادها على الحروب لن يجعل الآخرين يذعنون لإرادتها، سنشهد الكثير من المواجهات، والكثير من الحروب المدمرة.

 =======================

البرقع بين فرنسا والمسلمين

المستقبل - الجمعة 6 آب 2010

العدد 3733 - رأي و فكر - صفحة 19

محمد السمّاك

تفتخر فرنسا بأن ثورتها أسست لمنظومة حقوق الإنسان التي تكرست فيما بعد في وثيقة الأمم المتحدة عام 1948، ثم في وثيقة الاتحاد الأوروبي. وتفتخر فرنسا أيضاً بفلاسفتها الذين وضعوا النظريات الاجتماعية التي تتعلق بالفرد وبالذات الإنسانية أمثال فرانسوا فيون في القرن الخامس عشر وجورج براسن في القرن العشرين.

غير ان فرنسا المعاصرة تواجه ضغوطاً في اتجاهين متعاكسين برزت نتائجهما من خلال القانون الجديد الذي أقرّه مجلس النواب الفرنسي بمنع استخدام النقاب في الأماكن العامة فقط. (وكأن النقاب يمكن أن يستخدم في الأماكن الخاصة والمغلقة).

فمن جهة أولى هناك الضغط المعنوي الذي مارسته بعض الحركات الإسلامية المتطرفة والذي تمثل في أعمال عنف كانت ضاحية العاصمة الفرنسية أحد أبرز ضحاياها.. ومن جهة ثانية هناك الضغط المعنوي المعاكس الذي يمارسه اليمين السياسي المتطرف والذي يتمثل في التمييز العنصري والديني ضد المهاجرين والمستوطنين على حد سواء.

فالدراسات الإحصائية الفرنسية تقول إن من بين ثلاثين مليون امرأة في فرنسا، فان عدد المنقبات يبلغ 367 امرأة فقط. فهل يستحق هذا العدد المحدود وضع قانون يفرض قيوداً على الحريات العامة؟

يقول الرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي (وعائلته في الأساس هاجرت من رومانيا) "أن النقاب يمثل إخضاع المرأة وامتهانها". ولكن الدراسات الإحصائية التي قامت بها المؤسسات الرسمية الفرنسية مع مستخدمات النقاب من الفرنسيات أكدن على أمر أساسي، وهو أن الاستخدام طوعي وليس إكراهياً.

ويقول البرلمان الفرنسي في الأسباب الموجبة لإصدار قانون حظر استخدام النقاب، أن النقاب يتعارض مع أسس المساواة بين الأجناس. ولكن إذا كانت سيدة ما ترتاح نفسياً إلى استخدام النقاب وإذا كانت هي التي تقرر استخدامه، فكيف يكون ذلك انتقاصاً من حقها في المساواة مع الرجل؟ وكيف يكون امتهاناً لكرامتها الإنسانية؟

في الأساس ليس استخدام النقاب فرضاً إسلامياً. وقد أكدت ذلك مراجع دينية إسلامية عديدة في العالم الإسلامي وفي أوروبة، وفي فرنسا تحديداً. فاستخدامه "عادة" وليس "عبادة". إلا أن الحملة ضد النقاب جعلت الإسلام هو الهدف. ووجهت إليه سهام الطعن والتجريح وكأنه يميّز ضد المرأة، ويمتهنها وينتقص من حقوقها. خلافاً لما تقول به الشريعة الإسلامية (وهذا موضوع آخر).

ولكن بمعزل عن البعد الديني لقانون الحظر الفرنسي، فان القانون يطرح علامات استفهام كبيرة حول حقوق الإنسان وحول حقوق الدولة. فالحقوق الإنسانية العامة في فرنسا، كما في دول العالم كلها، مثبتة في وثيقة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وفي الوثيقة الأوروبية لحقوق الإنسان.

ولكن أياً من الوثيقتين لا تقول إن من حق الإنسان أي إنسان- أن ينظر إلى وجه المرأة في الأماكن العامة. فالقاعدة القانونية العامة تقول إن لكل حق واجباً. والقانون الفرنسي الذي يفرض على المرأة واجب الكشف عن وجهها في الأماكن العامة -أي عدم استخدام النقاب- يؤكد على حق الآخرين في أن يروا هذا الوجه. وهذا يعني أن القانون الفرنسي الجديد الذي يلزم المرأة بواجب الكشف عن وجهها يشرع للآخرين بحق رؤية هذا الوجه !!.

ثم أن عدم الكشف عن الوجه أمر يتعلق بالخصوصية الفردية. وفرنسا كانت سباقة بين الدول الغربية في وضع الأسس الفلسفية ومن ثم التشريعات القانونية لاحترام هذه الخصوصية. فإذا بها من خلال التشريع الجديد تنقض كل ذلك لتبدو وكأنها تحاول أن تفرض على المواطنين ماذا يتوجب عليهم أن يلبسوا وماذا يتوجب عليهم أن لا يلبسوا.

هناك اعتقاد فرنسي رسمي عام بأن المرأة تعاني نفسياً من جراء استخدام البرقع وحتى من جراء استخدام الحجاب. إذا كان ذلك صحيحاً، فهل يمكن القضاء على هذه المعاناة بتشريع يقول للمرأة ماذا عليها أن لا تلبس؟ لو صحيح أن البرقع مفروض على المرأة الفرنسية -علماً بأن الإحصاءات الرسمية تؤكد عكس ذلك- فان فرض عدم استخدامه يؤدي الى النتائج ذاتها. وهو الفرض.. وليس حرية الاختيار، وبالتالي وجوب احترام كرامة المرأة في أن تكون وفي أن تلبس كما تريد وكما تختار.

في الأساس فان المجتمع الفرنسي هو مجتمع متعدد ومتنوع. ومن مستلزمات مجتمعات من هذا النوع احترام الاختلاف واحترام الحق في التعبير عن هذا الاختلاف. فهناك ثقافتان كبيرتان اليوم في فرنسا، وكذلك في معظم الدول الأوروبية الأخرى-. الثقافة الأول تعود في جذورها الاجتماعية والاخلاقية إلى المصادر اليونانية والرومانية التي تمجد الجسد وتتفنن في إنتاج اللوحات والتماثيل العارية للنساء والرجال التي تزين الشوارع والساحات العامة والتي تملأ قاعات المتاحف. وتعرف الحدائق العامة في المدن الأوروبية مشاهد سيدات شبه عاريات يفترشن الأرض للتمتع بأشعة الشمس. كما تعرف هذه الحدائق مشاهد جنس تخجل منها الأشجار وما عليها من طيور. والإحصاءات البريطانية الرسمية تقول إن ثلاثين بالمائة من البريطانيين مارسوا الجنس في الأماكن العامة... مع ذلك لا يبدو أن ذلك يخدش الحياء العام أو يرسم اي علامة استفهام اجتماعية.

أما الثقافة الثانية وهي ثقافة دخيلة وطارئة على المجتمع الفرنسي، خاصة بعد اعتماد العلمانية ونبذ الدين وثقافته المسيحية- فهي ثقافة محافظة حملها المسلمون معهم واستوطنوها معهم أيضاً في فرنسا. تقول هذه الثقافة بالاحتشام واستخدام الحجاب (غطاء الرأس كالراهبات)، إلا إنها تذهب في مغالاتها إلى حد استخدام النقاب.

كذلك فان الثقافة الغربية بصورة عامة، تبيح الخمر والمسكرات وتروج للقمار والمراهنات على أوسع نطاق. أما الثقافة الإسلامية فإنها تحرم الخمر والميسر وتعتبرهما رجس من عمل الشيطان، الأمر الذي يتناقض مع إحدى مقومات المجتمع الفرنسي. فهل يمكن أن نتصور صدور تشريع فرنسي يفرض على المسلمين الفرنسيين معاقرة الخمرة أو تناول لحم الخنزير مثلاً، بحجة ان الامتناع عنهما يتناقض مع ثقافة المجتمع الفرنسي؟ ان التشريعات التي تفرض على الناس ماذا يلبسون، لا ترعوي عن أن تفرض عليهم أيضاً ماذا يأكلون وماذا يشربون.

من الواضح ان بين هاتين الثقافتين بون شاسع من الاختلافات الاجتماعية والأخلاقية التي بدأت فرنسا تضيق بها ذرعاً. ولكن قوانين الإلغاء ما حققت الإلغاء في أي قضية.. ولا في أي دولة.. ولا في أي مرحلة.

فالانسجام الوطني الذي تريده فرنسا هدف نبيل، ولكنه لا يكون بالفرض ولا حتى بالانصهار. بل يكون باحترام حق الإنسان في أن يكون كما يريد أن يكون في إطار احترام النظام العام والقانون. ثم انه ليس من حق الإنسان، كل إنسان، أن يدافع عن حقه في العيش فقط، إنما أن يدافع عن طريقة العيش بحرية وكرامة. وهذا ما تجاهله القانون الفرنسي الجديد الذي سارعت دول أوروبية عديدة إلى تقليده.. والاقتداء به !!

=======================

هدوء أوباما يثير إحباط الكثيرين

مايكل غيرسون

الشرق الاوسط

7-8-2010

واصلت حديثها بشجاعة قائلة: «مشكلتك هي أنك تعتقد أن الناس يجب أن تحصر نفسها في دائرة مغلقة. فأنت لا تؤمن بالانفتاح، ولا بتعامل الناس مع بعضهم». ورد ماكون قائلا: «أنا بالتأكيد لا أرغب في ذلك» (رواية «سائح بالمصادفة»، لآن تيلر). لو كانت السياسة هي الأدب، لأصبح بيل كلينتون توم بوكانان في «ذا غريت غاسبي»، الذي كان يقوم دائما بتحطيم حياة من حوله، في حين يبقى بمعزل عما تتسبب فيه حالة الفوضى التي يحدثها. وباراك أوباما هو أشبه بماكون ليري في رواية «سائح بالمصادفة»، الذي كان مؤلفا لدليل السياح، لكنه كان يكره السفر. «وهو أسعد ما يكون بالنظام»؛ فهو سائق حذر ومنهجي وثابت، ومتشكك حيال الآمال التي لا يمكن التنبؤ بها، ويظهر هدوءا «مروعا» في أوقات الأزمات. ويقول ماكون: «إذا تركت نفسك تغضب.. فسوف تنفد طاقتك وتحترق، هذا الغضب ليس له فائدة، الفائدة فقط في النظام والأسلوب»، وهو يهوى «الشعور بالسرور في تنظيم بلد غير منظم».

ويستخدم ماكون النظام والعقلانية لتفادي تكبد خسائر شخصية، أما البعد العاطفي عند أوباما، فيبدو أنه يكتفي بتحقيق الاكتفاء الذاتي، فلديه حصن منيع من الثقة بالنفس، ولكن التأثير هو نفسه، يقود أوباما البلاد من دون أن يعكس مشاعره لها، على الأقل التي لديه استعداد أن يشاركها معها. فعلى ما يبدو، الأحداث لا تُغيّر فيه أي شيء. فهو لا يحتاج الجمهور، ويبدو أن الأميركيين يحبون أوباما أكثر مما يمنحهم من رعاية.

وموقف الأميركيين من هذه الصفة هو أحد الخطوط الرئيسية الفاصلة في السياسة الأميركية، فالبعض يراها نوعا من الضعف والتخاذل ومثيرة للقلق، أما أنصار أوباما فلا يزالون يعتبرون تحفظه هذا أمرا رائعا، واختلافا مرحبا به عن السياسيين الانفعاليين، وبالنسبة لي - بعيدا عن المعانقة والتربيت على الكتف، وغيرها من أشكال التعامل ذات الدوافع السياسية - فإن أسلوب أوباما له جاذبية معينة، وهو يقدم بعضا من الكرامة الرئاسية، كتلك التي كان يتحلى بها رذرفورد بي هايز، أو جيمس غارفيلد. التحدي الذي واجه الرئيس أوباما لا يتمثل في الافتقار إلى طريقة التعامل مع الأزمة، بل في عدم وجود أفق. كان أكثر الرؤساء فعالية في العصر الحديث، فرانكلين روزفلت، أو رونالد ريغان، قادرين على استخدام عدد من الأساليب والأدوار. فقد كانوا يستطيعون التعبير عن الطموح الوطني الكبير، وانتقاد الحزبية، ولديهم روح دعابة لانتقاد ذاتهم، وعاطفة مدرة للدموع، وعاطفة وطنية، وأحيانا يظهر كل ذلك في خطاب واحد. ولقد تمكنوا من اللعب على أوركسترا البراهين والعواطف، مستخدمين الأبواق الصاخبة والكمان اللينة.

وليس لدى كل رئيس، ولا حتى كل رئيس ناجح، هذا النوع من البراعة. لكن طريقة أوباما رتيبة وضعيفة. وخلال الانتخابات التمهيدية، أبرز هدوء أعصاب أوباما سرعة استثارة السيناتور، جون ماكين، المثيرة للقلق، وكرئيس للبلاد، فإن مجموعة أوباما الخطابية تمتد من المحاضرات والخطابات الشائكة. ويؤدي السيمفونيات بالصافرة والأكورديون؛ فأوباما يتحدث بنغمة واحدة، إنه يميز فقط في الشرح والتفسير. ومن البداية، فقد كان هذا ضعفا واضحا في الأداء، ولكن بما أن انطباع الاختصاص قد تلاشى، تركنا فقط مع الإحباط. وربما كانت واحدة من اللحظات الحاسمة في رئاسة أوباما هي أول دقيقتين في خطابه إلى الأميركيين بعد حادث إطلاق النار في قاعدة «فورت هود»، الاختبار الأولي لقيادته المرتجلة. وفي هاتين الدقيقتين قال أوباما: «اسمحوا لي في البداية أن أشكر كين وجميع العاملين في الإدارة الداخلية على تنظيم هذا المؤتمر الاستثنائي. أريد أن أشكر أعضاء الحكومة وكبار المسؤولين في الإدارة الذين شاركوا اليوم. أسمع أن الدكتور جو كرو هنا، ولذا أود أن أعبر عن شكري وامتناني له».

هذا «الهدوء المروع» لأوباما لوحظ أيضا بعد التجاوزات المصرفية، ومحاولة التفجير الإرهابية، والتسرب النفطي. والأمر أكثر من مجرد عيب في الأسلوب؛ فقد اعتمد أوباما استراتيجية مكلفة ومحفوفة بالمخاطر، ولكنها ضرورية للحرب في أفغانستان. ومع ذلك، فإن الخطابات البلاغية التي كرسها للدفاع عن هذه الاستراتيجية كانت ضعيفة. فهل يمكن لرئيس في زمن حرب أن ينجح دون أن يمنح شعبه وقواته الإلهام والتصميم، ماذا لو احتجنا لجهود وطنية كبرى أخرى في كوريا الشمالية أو إيران؟ وفي بعض الأحيان لا يكفي تنظيم بلد غير منظم، بل يجب أن يكون لديك القدرة على القيادة أيضا. وقد كان ونستون تشرشل يقول: «قبل أن يتمكن الخطيب من إلهام الجماهير بأي عاطفة، يجب أن يكون هو منقادا لهذه العاطفة، وقبل أن يثير سخطهم لا بد أن يكون قلبه مليئا بالغضب، وقبل أن يتمكن من تحريك دموعهم يجب أن تتدفق دموعه، وإن أراد إقناعهم بشيء، يجب أن يكون هو نفسه مؤمنا به».

إن أفق أوباما الخطابي المحدود يثير تساؤلات حول مضمون ما يؤمن به في أعماق نفسه. لهذا السبب، ولأسباب أخرى، فإن الرجل الذي لا يحتاج إلى حب الجماهير يفقدها تدريجيا.

=======================

عالم ما بعد أميركا

زين العابدين الركابي

الشرق الاوسط

7-8-2010

هذا مقال تأخر نشره لأسباب تتعلق بأحداث ومواقف أكثر إلحاحا، إذ كان من المقرر أن يُنشر في أوائل يوليو (تموز) المنصرم، وهو الشهر الذي يحتفل الأميركيون في مطلعه - كل عام - بذكرى استقلال بلادهم. ففي الرابع من يوليو عام 1776 أعلنت الولايات المتحدة استقلالها وتحررها من الاستعمار البريطاني بموجب ما قضى به (إعلان الاستقلال) الذي جهر - مثلا - بما يلي: «إننا نحن ممثلي الولايات المتحدة الأميركية في مؤتمرنا العام المنعقد هنا: نشهد القاضي الأعلى (الله جل ثناؤه) على صواب مقاصدنا، ونعلن باسم شعب هذه المستعمرات الطيب وبسلطانه أن هذه المستعمرات المتحدة في حقيقتها، وبموجب حقها، ينبغي أن تكون ولايات حرة مستقلة، وأنها تحررت من كل ولاء للتاج البريطاني، وأن كل الروابط السياسية بينها وبين دولة بريطانيا العظمى قد انفصمت تماما».. ومن الشهادة بالحق أن نقول: إن الأمة الأميركية قد تميزت في حقبة الاستقلال بمزايا تستحضر الإعجاب: مزية التصميم الجماعي على التحرر والاستقلال.. ومزية قادة يتجاوبون مع إرادة الشعب ولا يخضعون لأية ضغوط تقدح في تعبيرهم عن الإرادة الحرة للأمة.. ومزية «التبكير» والسبق، ففي التاريخ البشري الحديث كان الشعب الأميركي «باكورة» المكافحين ضد الطغيان الاستعماري، وطليعة المناضلين من أجل الانعتاق من أغلال الذل والضيم والاضطهاد.. وقد كان لهذا التبكير في التحرر والاستقلال أثره العميق والواسع في العالم الإنساني، إذ شجع أحرارا كثيرين في العصر الحديث على الكفاح من أجل الحرية والاستقلال.. وهذه حقائق ينبغي أن تذكر ولا تنسى، وأن تعلن ولا تكفر. هذه الصورة الجميلة الجذابة لأميركا الاستقلال ومبادئ التأسيس، هل لا تزال وضيئة جميلة جذابة؟

لا.. بكل توكيد.. ولئن قضت قيم العدل والنزاهة الخلقية والأمانة التاريخية بالشهادة ب«المجد المبكر» للأمة الأميركية، فإن هذه القيم ذاتها توجب شهادة أخرى - أمينة أيضا - وهي أن صورة الولايات المتحدة في العالم اليوم غير جميلة، وغير جذابة، وغير حافزة - للعقلاء - على الإعجاب بالنموذج الأميركي «كالإعجاب الذي حصل بنموذج الاستقلال». ما السبب؟ السبب في وجود هذه المفارقات أو الفروقات الهائلة والموجعة بين المجد الأميركي الذي كان وبين الصورة الراهنة السلبية.. غير لائق، وغير عقلاني، وغير مجدٍ: أن يستعير الأميركيون منطق العالم المتخلف فيرجعون قبح الصورة إلى «العوامل الخارجية»: الخارجة عن الذات!!

إن أسباب تشوه الصورة «ذاتية» في الأصل والمنشأ، وبمقياس الرجحان النقدي.. وهذه حقيقة أصبحت موضع تسليم واتفاق من قبل عقلاء أميركا، يدل على ذلك دلائل عديدة منها - على سبيل المثال فحسب -: الوثيقة الاستراتيجية التي أصدرها نخبة متنوعة من المسؤولين الأميركيين السابقين العسكريين والسياسيين والدبلوماسيين تحت عنوان «صورة أميركا في العالم».. وخلاصة هذه الوثيقة: أن صورة أميركا في العالم سيئة جدا، وأن سبب ذلك هو: السياسات والأفعال الأميركية الخاطئة: السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية. ويفضي السياق الموضوعي - ها هنا - إلى استحضار عنوان المقال «عالم ما بعد أميركا» الذي هو - في الوقت نفسه - عنوان كتاب للكاتب الأميركي فريد زكريا.. وقد يوحي هذا العنوان في الانطباع الأول أو التلقائي بأنه «نعي» لأميركا، على حين أن الكتاب ليس كذلك في حقيقة أمره.. فالمحور الجوهري في الكتاب هو: أن العالم يتهيأ لظهور قوى أخرى عديدة على مسرح الكوكب تنهض بأدوار سياسية وعلمية وثقافية واقتصادية متنوعة، وأن أميركا ستكون واحدة من هذه القوى.. بمعنى: أن عالم ما بعد أميركا هو عالم متعدد الأقطاب «بعد عالم أميركا ذي القطب الأوحد».. ومؤلف الكتاب يختلف في تصوره عن مفكرين أميركيين آخرين كانوا أكثر حدة في تصورهم لمستقبل أميركا. فبول كيندي كاد ينعى أميركا أو ينعى دورها العالمي المؤثر.. نقول «كاد» لأن هذا المؤرخ والمفكر الكبير قد رأى فرصة واعدة أمام أميركا إذا هي استطاعت أن تعالج - بعمق ونزاهة وشجاعة - أمراضها الروحية والنفسية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

والحوار حول مستقبل أميركا لم يعد أميركيا خالصا، إذ أن هناك من الأوروبيين من تناول هذه القضية.. ومن هؤلاء الكاتب البريطاني مارك ليونارد. فقد ألف كتابا بعنوان «لماذا سيكون القرن الحادي والعشرون قرنا أوروبيا».. وقد أجاب عن هذا السؤال بأن عوامل نهوض العملاق الأوروبي من جديد هي: الإرث الأوروبي الضخم: الفكري والعلمي والحضاري.. وأن أوروبا تحتوي أكبر سوق اقتصادية «داخلية».. ومهارة العقلية الأوروبية في معالجة الأزمات الخارجية وخبرتها السابقة في إدارة العالم.. والكثافة السكانية التي تبلغ نحو ملياري إنسان يتمثلون في الأوروبيين والبشر اللصيقين بهم ومناطق التماس الجيوسياسي معهم.. والهدوء والاستقرار والأمن والسلام.. ويمكن أن نضيف إلى تلك العوامل: التحرر الأوروبي من الرعب النووي السوفياتي، ومن النفوذ الأميركي الضخم الذي كان يسيطر على أوروبا بسبب المظلة النووية الأميركية لحماية أوروبا من طغيان الاتحاد السوفياتي وتهديداته.. فالفرحة الأميركية بسقوط الاتحاد السوفياتي ربما عكرتها غصة التحرر الأوروبي من الهيمنة الأميركية. بقيت كلمتان: إحداهما لأميركا، والثانية للعرب والمسلمين:

1) يهمنا - لأسباب عديدة -: أن يكون لأميركا دور على مسرح الكوكب، وهو دور يتوقف على سلوك الأميركيين أنفسهم.. يقول الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون في «نصر بلا حرب»: «علينا أن نتجنب خطر الرضا بما نحن فيه. وفي هذا كتب بول جونسون يقول: «من دروس التاريخ وعبره أن الحضارة - أي حضارة - لا يمكن أن تؤخذ باعتبارها أمرا مسلما به، ودوامها لا يُستطاع أبدا توكيده. فهناك دائما عصر أسود ينتظرك وراء الباب إن أنت أسأت اللعب بالأوراق التي في يديك، أو إذا اقترفت من الأخطاء عددا كافيا.. ولا يسعنا أن نسمح لحضارتنا بهذا المصير، ولكن ما زال علينا أن نبرهن أن لدينا من الحذق والإرادة ما يفادينا هذا المصير».. ولقد قيل هذا الكلام قبل التدهور المالي للولايات المتحدة، وقبل أن تبلغ ديونها أكثر من ثلاثة عشر تريليون دولار.. ويهمنا - كذلك - أن تكون صورة أميركا جميلة لئلا نضطر للتعامل مع صورة قبيحة لها أعباؤها الباهظة جدا.. والقاعدة الأهم هي: أن تتشكل الصورة الجميلة من «الأفعال» قبل «الأقوال». 2) بالنسبة للعرب والمسلمين: أين وجودهم المادي، وشخصيتهم المعنوية في عالم جديد تُرسم معالمه بالعلم والتقنية والتخطيط والتنظيم والعمل الكثير والعمل الراقي والإرادات السياسية والاستراتيجية وتسجيل الأهداف بروح الفريق الواحد وإحياء الهويات اللغوية والثقافية والفلسفية والحضارية لتكون أوعية لهذا النهوض الجديد؟.. قال شارل ديغول: «إن فرنسا لا تكون صادقة مع نفسها أبدا إلا إذا انشغلت بمشروع عظيم».. وهذه حكمة سياسية وحضارية تنطبق على جميع الدول والأمم. فأين المشروع العظيم لدى العرب والمسلمين الذي هو معيار صدقهم مع أنفسهم وقاعدة عطائهم الفكري والسياسي والحضاري؟

===========================

وقاحة قوة وفجور استعماري

عبد اللطيف مهنا

كنعان 6/8/2010

الخبر ورد في صحيفة "يدعوت أحرونوت" الإسرائيلية، ويقول: أن وزارة شؤون المتقاعدين الإسرائيلية قد استحدثت دائرةً جديدة فيها، غايتها البحث عن أملاك اليهود الذين فقدوها عندما قدموا إلى فلسطين المحتلة مهاجرين من الدول العربية التي كانوا يعيشون فيها وبغية السعي لاستعادتها، وهي أملاك يقدرها الإسرائيليون بعشرات المليارات، ويقولون أنها تشتمل على أراضٍ، وبيوت، وآبار نفط... نعم، آبار نفط، هكذا يقولون!

كيف سيستعيدونها؟

الخبر يقول، بأن الدائرة الجديدة سوف تعد ملفاً قضائياً لكل يهودي من هؤلاء، والذين تقدر أعدادهم الآن بالمليون، ومن ثم تقديم دعاوي قضائية"لاستعادة الأملاك مباشرة وعبر طرف ثالث"... تقديم دعاوي على غرار تلك التي أقيمت في أوروبا في أعقاب ما عرف بالمحرقة! وأنها قد شرعت في إعداد النماذج المطلوبة لتعئبتها...

في التفاصيل، وعلى سبيل المثال، أن من هؤلاء اليهود المعنيين باستعادة أملاكهم، ومن العراق وحده، هم 135 ألفاً، وهؤلاء يقولون أنهم تركوا أملاكاً يصل حجمها إلى 10 مليارات دولار!!!

أما ما يتعلق بالبلدان العربية الأخرى، فربع اليهود العرب المهاجرين إلى فلسطين المحتلة، أي المليون، قد قدموا من المغرب، و 103 آلاف من تونس، و55 ألفاً من اليمن، و 20 ألفاً من سوريا، وخمس آلاف من لبنان، يضاف لهم 120 ألفاً من إيران. ويلاحظ هنا إغفال ذكر اليهود المصريين وعدم إقحامهم في الموضوع... أما في تفاصيل ما تركوه وفق ما أورد الخبر، فمنها الحوانيت والمصالح التجارية، والحسابات المصرفية، ومؤسسات من مثل، الكنس والقاعات وملاجئ المسنين، وصولاً إلى الزعم بأن بعضهم، مثلاً، يمتلك وثائقاً تثبت بأن أجداده في إيران قد تركوا سبعة آبار نفط بالكمال والتمام!

والمسألة لا تتوقف عند استعادة هذه الأملاك المزعومة فحسب وما قد يتبع من فوائد متراكمة عليها مع الزمن الذي عمره من عمر اغتصاب فلسطين، بل مطالبة العرب بتعويضات مستحقة ليهودهم الذين غادروا أوطانهم أو بالأحرى، الذين هاجروا وبملء إرادتهم أو هجرتهم الصهيونية منها، لكي يسهموا في اغتصاب بلد عربي ويطردوا أهله منه ويحلون محلهم. وهذه التعويضات، هي كالتالي، وفق ما أوردته الصحيفة الإسرائيلية عينها:

"تعويضات على المس بحقوق اليهود من خلال سحب مواطنتهم، وسلب حريتهم، ومنعهم من الدراسة وحقوق التقاعد التي لم تدفع، وتدنيس قبورهم، وفصلهم من أعمالهم على خلفية عنصرية"!!!

تصوّروا، كم هو المطلوب من المبالغ المستحقة على العرب والإيرانيين، التي تشمل عوائداً لممتلكات مفترضة تصل إلى آبار النفط، وتعويضات ليهودهم عليهم هي متعددة الجوانب ولا تُستثنى حتى حقوق التقاعد!

هنا نحن بصدد وقاحة تذكرنا بالمثل الشعبي العربي القائل ، الفاجر أكل مال التاجر... وهنا لا غرابة ولا عجيب إذ نحن إزاء منطق استعماري إحلالي، ينسجم مع طبيعة من يقيم كيانه على ركام ما اغتصبه، أي وطن الآخر، وبالتالي فهو لا يرى استمرارية لوجوده الغاصب إلا بنفي وجود أصحاب هذه الحقوق المغتصبة، ويستند في هذا إلى ثقافة عنصرية انتقائية تليدة تضرب جذورها في الخرافة والسطو على أساطير و ثقافات ومواريث الآخرين. وهذا بالطبع لا يستقيم إلا بتزوير التاريخ وسرقة الجغرافيا. وهو منطق غازٍ فاجر يتجاهل بالتالي جملة من الحقائق محاولاً القفز عليها مستنداً في ذلك إلى القوة وما يتيحه له الغرب من دعم وتغطية لجرائمه، ومستفيداً من حالة الانحدار العربي الكارثية، نكتفي هنا بالإشارة إلى اثنتين:

الأولى، أن الصهيونية، كما هو معروف وموثّق تاريخياً، هي التي هجّرت اليهود العرب إلى فلسطين العربية لتنجز بهم وبسواهم من يهود العالم عملية اغتصابها، ولم يطردوا أو يهجّروا أو يدفعوا إلى الهجرة بقرار من أي بلد عربي، وعمليات التفجيرات التي ارتكبها الصهاينة في العراق لتهجير اليهود معروفة وثابتة. و إنما تم هذا التهجير بالتواطؤ والضغوطات والتدخلات الأجنبية في بعض الأقطار العربية التي كان أغلبها تحت الهيمنة الاستعمارية المباشرة وغير المباشرة، لانتزاع السماح لليهود العرب بالهجرة إلى فلسطين، أو الهجرة إلى أقطار أخرى ومنها إلى فلسطين. كما أن هؤلاء كما هو معروف، قد باع منهم من باع أملاكه أو من وضعها بتصرف وكيل يهودي لم يهاجر ليبيعها بالسعر المناسب، وهناك من بقي هو وأملاكه ولا زال يعيش حيث عاش أجداده... في تونس مثلاً، ومنهم من هو وزير أو مستشار كما هو الحال في المغرب، أو نائباً برلمانيا،ً في البحرين على سبيل المثال.

والثانية، أن هؤلاء الذين هاجروا أو هجّرتهم الصهيونية إلى فلسطين وتطالب اليوم بتعويضات لهم يعيشون منذ أن هاجروا هم ونسلهم وسواهم من يهود العالم في أملاك من طردوهم من العرب الفلسطينيين من وطنهم بعد سلبه. أي في أملاك العرب وبيوتهم وأراضيهم، أو على أنقاض كل ما كان وطنهم المغتصب.

وأخيراً، لعل حقيقة الحقائق التي يمكن إضافتها إلى السابقتين، ولعلها الأهم، هي أن مثل هذا المنطق الوقح يظهرلنا حجم ومدى التحدي الوجودي الذي يعيشه العرب كل العرب وجيلاً بعد جيل ما دامت إسرائيل جاثمة في القلب من وطنهم الكبير، حيث بلغت بها الوقاحة الاستعمارية المنطق والمنطلق حداً جعلها تغتصب الحقوق وتطالب بالتعويضات ممن اغتصبت حقوقهم!

منطق لا يواجه بغير المطالبة بكامل حقوقنا في فلسطيننا التاريخية، بمعنى انتزاعها، فالحقوق لا تستعاد إلا انتزاعاً.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ