ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 16/08/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

كارثة الحرائق في غابات روسيا لا تعود إلى الطبيعة وحدها

المستقبل - الاحد 15 آب 2010

العدد 3742 - نوافذ - صفحة 9

تشهد روسيا منذ أيام حرائق هائلة في غاباتها الواقعة في وسطها، مترافقة مع ارتفاع في درجة الحرارة بلغ اربعين درجة، وهو لم يسبق لها ان عرفته منذ الف عام. الحرائق تهدد الاراضي المصابة بالتلوث النووي في تشرنوبيل خصوصا، وتملأ جو العاصمة موسكو البعيدة مئة كيلومتر فقط عن مصدر الحرائق بالدخان الابيض، بل تقلق أوروبا الغربية نفسها على منشآتها النووية. المؤرخة ماري هيلين مندريون المتخصّصة في مسائل البيئة الروسية والمهندسة في المجلس الوطني الفرنسي للبحث العلمي تقول ان الكارثة لا تعود الى أسباب طبيعية فقط. صحيفة "لوموند" الفرنسية (7 آب 2010) التقت المؤرخة وحاورتها حول الاسباب الاخرى. وهنا نص المقابلة:

"لوموند": لتفسير حجم الحرائق في روسيا، يشير الكثيرون الى مسؤولية "إصلاح قانون الغابات" الذي وضعه الرئيس فلاديمير بوتين. هل هذا التفسير مبرر برأيك؟

ماري هيلين مندريون: ان هذا التفسير صحيح. ولكن تغيير قانون الغابات لم يكن سوى المرحلة الاخيرة من اختفاء الوظيفة التي كانت ملقاة على الغابات الروسية، أي وظيفة الحماية من الحرائق. الاتحاد السوفياتي السابق كان يملك جهازا من رجال الغابات، متخصصين وذوي كفاءة عالية وبالعدد الكافي. مع انفجار النظام السوفياتي من الداخل، وما تلاه من ازمة اقتصادية، فان الطريقة التي استحدثت لتأمين معيشة هؤلاء الرجال، سمحت لهم ببيع الخشب الذي يقطعون. وبسرعة، احتلت هذه الوظيفة مكان وظيفة الحماية السابقة. لذلك، فمنذ العام 1990 لم يعُد أحد يهتم بحماية الغابات وصيانتها. هذا التطور تكرس عام 2000 مع إلغاء وزارة البيئة، وبعد ذلك عام 2004 مع ربط الوكالة الفدرالية للغابات بوزارة الموارد الانسانية التي أصبحت مكلّفة باستغلال البيئة لا بحمايتها.

"لوموند": بأي قدر زاد قانون الغابات الجديد من خطورة الموقف؟

ماري هيلين مندريون: مع هذا القانون الجديد، اختفت نهائيا وظيفة حماية الغابات. اذ لم يعد مرتبطا بها أي جهد بشري أو تقني. لم تعد المهمة فدرالية، لم تعد ادارة الغابات مركزية. اصبحت حماية الغابات مهمة المناطق، مع كل ما تعانيه المناطق من نقص في الامكانيات ومشاكل التنسيق بين منطقة وأخرى، خاصة عندما تعبر النيران بينها.

ان هذه اللامركزية تطرح مشكلات كبرى، خاصة انه لا يوجد في وسط روسيا ثقافة عريقة لمكافحة النيران. وخلافا لمناطق الشرق الاقصى فان الغابات في الوسط الروسي ليست تقليديا ذات قيمة تجارية أو استراتيجية كبرى.

"لوموند": جمعية "غرين بيس" البيئية، فرع روسيا، اتهمت رجال الاعمال المقرّبين من السلطة بالسيطرة على الغابات. ما صحة هذا الاتهام؟

ماري هيلين مندريون: هناك مجموعات صناعية كبرى استثمرت في الاراضي والغابات. كان لذلك فضل على الاقتصاد، اذ أدّى الى منع التصحّر والهجرة الريفية في بعض المناطق الزراعية. في ما يخص الغابات، الاستثمارات لم تكن جيدة وكذلك ادارتها. والاسوأ من ذلك ان مجموعات اقتصادية بل مسؤولين سياسيين يقطعون أشجار الغابات ويبنون عليها البيوت من دون اذن، مما ادى الى بناء عشوائي في مناطق كانت بالأمس مغطاة بالغابات. فتضاعفت أخطار الحرائق.

"لوموند": هناك بالاضافة الى ذلك العديد من المستنقعات العائدة الى الجفاف والتي تغذي الحرائق. كيف بلغنا هذه النتيجة؟

ماري هيلين مندريون: ان هذا التحول يعود الى الحقبة السوفياتية. كانت وزارة المياه تربط ميزانيتها بحجم المستنقعات المجفّفة. وذلك على أساس مفهوم تطهير الاراضي العائد الى القرن التاسع عشر. لكن الاراضي البور لم تكن دائما مستغلة، وهي مثل الاراضي المزروعة تابعة لوزارة اخرى...

على العموم، ففي العهد السوفياتي كانت هناك رقابة جوية على هذه المستنقعات القابلة للاشتعال في أية لحظة، فضلا عن وسائل بدائية لوقف الحرائق. وهذا أمر لم يعد واردا الآن في عهد بوتين.

======================

كشف الفساد

المستقبل - الاحد 15 آب 2010

العدد 3742 - نوافذ - صفحة 16

هاجمت صحيفة هآرتس ظاهرة الفساد في الحياة العامة الإسرائيلية، ورأت أن كشف العاملين في الحياة العامة الإسرائيلية عن أموالهم وعلاقاتهم الخاصة للجمهور تشكل علاجا لمفاسد الحكم وحائلاً دون محاكمة وزراء بقضايا فساد ورشوة.

وقالت هآرتس أن الواجب المفروض اليوم على الوزراء أن يسلموا مراقب الدولة تصريحا عن الأموال، والواجب على أعضاء الكنيست أن يسلموا رئيس الكنيست تصريحات بالموضوع نفسه، وهذه ستؤدي إلى مفاسد أخلاقية وجنايات إذا لم تطبق كما ينبغي، لأنها خفية على الجمهور. وأشارت إلى أن الوزراء يرون هذا الواجب السنوي، على الرغم من السرية التي تحيط به، مزعج.

واعتبرت هآرتس أن إذا "ضايق" الجمهور الوزراء وأعضاء الكنيست، كل سنة بالكشف عن أموالهم ومصالحهم الشخصية - فربما تقل ظواهر الفساد التي شهدها المجتمع الإسرائيلي على اختلاف مستوياته، لأن من معلوم بأن الشفافية العامة أهم علاج لفساد نظام الحكم.

======================

صراع القيم السلبية والرجوع إلى منطق اللادولة

الأحد, 15 أغسطس 2010

عزمي عاشور *

الحياة

وقفت مجموعة من العوامل وراء عملية الانتقال من العصور الوسطى إلى عصر النهضة في أوروبا في القرون الخمسة الأخيرة، كان من بينها عملية تغيير منظومة القيم القديمة، سواء بتطويرها أو إحلالها بأخرى جديدة سمحت بإحداث نهضة وتقدم لمجتمعاتها. فقيم الاستبداد واحتقار عقول الأفراد باسم الدين حلت محلها قيم عقلانية أعلت من قيمة الحرية والتسامح ورفعت من مكانة الإنسان. نعم، حدث ذلك عبر قرون ومن خلال صراع بين منظومتين من القيم، القديمة والجديدة منها، إلا أنها في النهاية استطاعت أن تنتصر للقيم التي تركت بتأثيرات إيجابية وملموسة في المجتمع.

ولم يقتصر ذلك على المجتمعات الغربية حيث مع بدايات القرن العشرين بدأت تنهض مجتمعات من خارج المنظومة الغربية، ارتبطت نهضتها في شكل كبير بتطوير منظومة قيمها وتفعيلها في عملية التنمية، مثال دول الجنوب في آسيا وأميركا اللاتينية، مستفيدة بذلك من منظومة القيم الغربية من دون أن تتخلى عن منظومة قيمها مفعلة ما هو صالح فيها. فقيم كالحرية والعدالة لم يتم اختراعها بقدر ما تم ضبطها وتطبيقها في هذه المجتمعات. ومن هنا فالصراع ما بين القيم القديمة والقيم الحديثة يشهده الكثير من هذه المجتمعات، ولكن محصلة هذا الصراع هي التي تحدد أياً منها انتصرت وساهمت في شكل مباشر في نهضة مجتمعاتها أو العكس. والمجتمعات العربية، بالمثل لا تعدم مثل هذا الصراع ما بين القيم القديمة والقيم الحديثة، إلا أن هذا الصراع يصبح خطراً عندما يتم تزييف شكل القيم الحديثة بأن تبقى في مضمونها وجوهرها القديم مع إعطائها ديكوراً عصرياً، الأمر الذي يدشن لثقافة التخلف التي تعيش بعقلية الماضي في ثياب الحاضر. وهذا الصراع يمكن تلمسه في منظومتين للقيم وفقاً للآتي:

أولاً: صراع القيم السياسية والاجتماعية: يفترض في السلطة السياسية، أياً كان الشكل الذي تظهر به، أن تكون السياج الذي يحافظ على قيم كالحرية والعدالة وتطبيق القانون، فهي استطاعت في مجتمعاتنا، نتيجة عدم مشروعيتها السياسية المبنية ليس على الاختيار من المجتمع وإنما على اغتصاب السلطة واحتكارها، أن تساهم في تراجع القيم الإيجابية الأساسية التي يمكن الاعتماد عليها في تنمية المجتمع ونهضته وأبرزها قيم احترام وتطبيق القانون والعدالة وحرية العمل وتكافؤ الفرص ومنع استغلال النفوذ، الأمر الذي أفرز بدوره قيماً أخرى فرعية سلبية موازية لهذه القيم ليس فقط على مستوى النخبة السياسية وإنما على مستوى المجتمع بطبقاته المختلفة، فأصبح هناك ما يشبه اغتصاب الحقوق واحتكارها لفئة على حساب فئة وفقاً لوسائل كل فئة، وتوارى مقابل ذلك القانون حتى لو كان موجوداً ومطبقاً في شكل جزئي إلا أن الثقافة نفسها مستعدة لأن يكون لها قانونها الخاص المتشابه مع قانون وقيم السلطة المستأثرة بالسلطة، وهو ما يخلق مداخل للخروج من التزامات دولة القانون والخروج عليها. وهناك الكثير من الأمثلة المرتبطة بالعادات والتقاليد تعكس هذا الصراع مثل جرائم الثأر في صعيد مصر. فعندما تقع، على سبيل المثال، جريمة قتل فالقانون العرفي هنا هو أن يثأر أهل القتيل من القاتل ولا يعتد بالقانون في ذلك إلا نادراً. وبالمثل أيضاً عملية التمثيل بالشاب المصري في إحدى القرى اللبنانية قبل أشهر جسدت الصراع بين منظومتين للقيم عندما تم أخذه من بين من يفترض فيهم انهم يمثلون القانون وبدأوا يطبقون قانونهم الخاص بهم. واللافت للنظر في الموضوع هو تجمع أهل القرية في شكل يحمل توافقاً جماعياً على ما يحدث، على رغم بشاعة المنظر والفعل الذي يرجع بعصور البشر الى ما قبل التاريخ، فكانت آخر صيحات العصر الحديث من تكنولوجيا هي التي تنقل الحدث عبر كاميرات الموبايلات، وكأننا نحن أمام تناقضين: تناقض الحضارة الحديثة التي لا تحمل من قيمها غير ما يلزم استهلاكنا وتناقض الثقافة والأفعال التي ترتبط بقيم العصر الحجري، حتى لو جاءت عبارات ترتبط بالدين وترديد أحاديث وآيات قرآنية، فهذا فقط يتعلق بالمظهر التديني ولا يتعلق بجوهر الدين الذي يكرم الإنسان. فقوة المجتمع تنبع من قوة القانون ومن قوة الدولة، وبالتالي من الصعب القياس على حالة الدولة اللبنانية في هذا الأمر لكون أن الفئوية قد تصبح أقوى من الدولة، حالة حزب الله وحالة الحرب الأهلية السابقة حيث أن كل فئة تأخذ حقها بيدها. وبالتالي ما حدث في القرية يعبر في شكل كبير عن ثقافة تجسدت في منظومة القيم الحاكمة للأفراد وبالأخص في ما يتعلق بقيمة اكتساب الحقوق. مثل هذه الثقافة أخذت تنتشر في الكثير من المجتمعات العربية التي بدأ يضعف فيها القانون أو تفسد الحياة وتذهب الحقوق لغير أصحابها. فالسودان بات على شفا تقسيمه إلى دول عدة بسبب غياب منطق العدالة السياسية بين أبناء أقاليمه الجغرافية والذي كان من تداعياته أن تدخلت أطراف خارجية لتنصر فئة على حساب أخرى. فتحقيق العدالة وتطبيق القانون قد يبدو للكثيرين، وبالأخص النخب الحاكمة، انه أمر يرتبط بالرفاهية وأن الشعوب لا تستحقه إلا بمقادير معينة، وهي لا تدري أن ضيق نظرتها قد لا يطيح بحكمها بل قد يحول هذه الدول ميداناً للحروب الأهلية ثم إلى هويات بلا دولة مثال حالة المجتمع الصومالي الآن.

ثانياً: صراع القيم الدينية: ونجد النتيجة السلبية الأخرى لصراع القيم يتمثل في السلطة الدينية التي لم ترحم، شأنها في ذلك شأن السلطة السياسية، المجتمع بقيمها السلبية. فبدلاً من أن يكون تطور المجتمع وتقدمه نتيجة طبيعية لمنظومة القيم والأفكار التي تبثها هاتان السلطتان بات المجتمع ضحية في تخلفه لهما، فإذا كانت السلطة السياسية سلبت الفرد العادي حريته وحقوقه الاقتصادية والاجتماعية بتوصيله الى حالة الفقر والهوان بالمثل السلطة الدينية تحاول أن تسرق عقله وتحنطه وتأخذه الى الماضي البعيد ليسترجع عالماً افتراضياً من الخيال ليس له علاقة بالواقع، ليصبح مغترباً عن العصر الذي يعيش فيه. وكل له وسائله في ذلك، فالسلطة السياسية لها أجهزتها القمعية والأمنية التي تطارد الأفراد بعدما سلبتهم قوتهم وجعلتهم أسرى للقمة العيش، فهي بسياساتها مثل ما تفعله الدول الكبرى عندما تغضب على دولة ما تفرض عليها الحظر الاقتصادي، وإنما هنا يتم في شكل مختلف بجعلها التخلف واقعاً نعيشه ليكون أقوى من الحظر الاقتصادي، فلا تنمية ولا تقدم ورفع مستوى معيشة حدث للمجتمع مقارنة مع ما يحدث من حولنا وليس مع الدول المتقدمة. بالمثل السلطة الدينية لها وسائلها باستخدامها وسائل التكنولوجيا الحديثة في نشر قيمها وأفكارها، فبات الفرد مسلوب العقل هائماً وراء أفكار وقيم سلبية تجعله يكره الحياة ويرضى بالبؤس الذي يعيش فيه، وبدلاً من أن ينظر الى المستقبل للبحث عن حلول لمشكلات تجبره السلطة الدينية أن يغمض عينيه ليعيش في جلباب الماضي.

يبدو أن طريق التحرر من سلطة القيم السلبية سواء السياسي منها أو الديني طويل، خصوصاً بعدما تتزايد مؤشرات الخضوع لسطوة وهيمنة هذه القيم. فالسلطة السياسية بنهجها الخطأ تهدم أساس بناء الدولة الحديث الحضن الحنون لكل أبنائها من دون أن يكون هناك تمييز على أسس عرقية أو دينية أو ثقافية، فالكل تحت رايتها سواسية وحقوق الجميع مصانة. وأصحاب السلطة الدينية الذين يرون في مفهوم الدولة الحديثة بدعة ومن ثم وجب العمل على هدمها. ومن هنا فكل المؤشرات تقول إننا في مجتمعاتنا بسياساتها وثقافتها نسير باتجاه منطق اللادولة، فبدلاً من 22 دولة عربية قد تمر الأيام ونجد ضعف هذا العدد دولاً عربية هشة وتتحول كل طائفة وكل إقليم الى دولة، لنعود إلى عصور ما قبل التاريخ عندما كان البشر يعيشون في قبائل ويتصارعون في ما بينهم على المراعي، هذا إذا لم تكن مجتمعاتنا قد خضعت لسلطة دول أخرى قوية كما حدث في فترات الاحتلال السابقة.

* كاتب مصري

======================

«فرّق تسد» ووحدة السودان

الأحد, 15 أغسطس 2010

عبدالله اسكندر

الحياة

يكاد يُجمع المهتمون بالشأن السوداني ان الانفصال سيكون خيار الجنوبيين عندما يدلون بأصواتهم في الاستفتاء على تقرير المصير في التاسع من كانون الثاني (يناير) المقبل، تنفيذاً لاتفاق نيافاشا الموقع في 2005 بين «الحركة الشعبية لتحرير السودان» وحكومة الخرطوم. ويُعد بند تقرير المصير حجر الزاوية في هذا الاتفاق، وهو الذي أتاح وقف أطول حرب أهلية في القارة الافريقية ومن ثم التقاسم الشكلي للسلطة بين «الحركة الشعبية» وحزب المؤتمر الوطني الحاكم، بما أمكن ضمان الاستقرار النسبي في الجنوب منذ 2005.

لقد تعايش الجانبان خلال هذه السنوات الماضية، رغم القضايا الكثيرة والمعقدة العالقة بينهما، في ظل رهان كليهما على أن يكون الاستفتاء لمصلحته، أي الوحدة بالنسبة الى الحكم السوداني المركزي والانفصال بالنسبة الى «الحركة الشعبية».

ومنذ توقيع اتفاق نيافاشا، لم ينفك الحكم السوداني عن تكرار سعيه الى اعتماد نهج سياسي وتنموي في الجنوب يجعل الوحدة جاذبة، بما يقنع الجنوبيين يوم يدلون بأصواتهم في الاستفتاء ان مصلحتهم في البقاء في سودان موحد. وتقع على الحكم السوداني، في هذا الإطار، مسؤولية حصيلة هذا النهج، سلبية كانت أم إيجابية، لكونه صاحب القرار في تسهيل التوافق أو التعارض.

لكن حجم المشكلات التي لم يتمكن شريكا الاتفاق من حلها جعلت هذه الوحدة نابذة، وصولاً الى تشكل القناعة العامة بأن الانفصال سيكون خيار الجنوبيين. وفي هذا الصدد، يُلاحظ ان حكومة الرئيس عمر حسن البشير المنتخب حديثاً لولاية رئاسية جديدة تتعمد تعقيد المفاوضات الضرورية مع «الحركة الشعبية»، والمتعلقة بتوفير أسس إجراء الاستفتاء، خصوصاً تشكيل لجنة الاستفتاء التي عليها أن تضع لوائح المقترعين في الجنوب والشمال ايضاً والاتفاق النهائي على الحدود بين الشمال والجنوب باسثتناء منطقة أبيي التي من المفترض أن تشهد استفتاء خاصاً لتحديد انتمائها، علماً ان هذه المناطق الحدودية تضم في باطنها غالبية الثروة النفطية السودانية.

ونظراً الى ضغط الوقت والمهل الضرورية لعمل اللجان المكلفة حل هاتين المسألتين، يُخشى الوصول الى موعد الاستفتاء من دون التمكن من الاتفاق، بما يهدد إمكان إجرائه. وربما لهذه الأسباب تحذر «الحركة الشعبية « من إرجاء الاستفتاء، إذ انها تعتبر ان هذا التأخير قد يكون مقصوداً للتملص من هذا البند الأساسي في اتفاق نيافاشا.

ويبدو ان «الحركة» باتت تتعامل مع الوضع وكأن الحكومة المركزية تسعى الى إضعاف نفوذها وعرقلة الاستفتاء في آن. وجاء اتهام حكومة البشير أخيراً بإرسال مساعدات عسكرية الى خصوم الحركة في الجنوب ليعزز هذه القناعة.

وليس هذا النهج بعيداً من استراتيجية حكومة البشير التي عملت، منذ توليها السلطة في انقلاب عسكري في حزيران (يونيو) العام 1989، على سياسة شق صفوف الخصوم الداخليين من أجل إضعافهم. وهذا ما حصل في الفترة الماضية عندما رعت الانشقاق في كل من الحزبين الكبيرين «الاتحادي الديموقراطي» ممثل الختمية بزعامة محمد الميرغني و»الامة» ممثل الأنصار بزعامة صادق المهدي. وهذا ما تفعله حالياً في مواجهة متمري دارفور من خلال تشجيع الانشقاقات في الفصائل المتمردة والحوار مع أخرى أقل تمثيلاً شعبياً.

بكلام آخر، اعتمد الحكم السوداني سياسة «فرّق تسد»، لكن هذه السياسة التي شهدت بعض النجاح الآني، احياناً، تضع وحدة البلاد أمام امتحان كبير، ليس فقط في الجنوب وإنما ايضاً في دارفور حيث بدأت ترتفع الأصوات المطالبة بحق تقرير المصير.

======================

فلسطين.. تسوية مؤجلة أم تصفية سريعة؟!

بقلم :جلال عارف

البيان

15-8-2010

عندما يتحدث «أبو مازن» عن الضغوط التي لا تحتمل (من جانب الولايات المتحدة الأميركية أساساً) لكي يدخل في عملية التفاوض المباشر مع حكومة نتنياهو فعلينا أن ندرك خطورة الوضع حين يكون هذا هو موقف الرجل الذي لم يخف منذ سنوات طويلة إيمانه بأنه لا مكان للمقاومة المسلحة في حل الصراع، ولا مجال للتفاوض، والذي تقول مراجع إسرائيلية لها وزنها لحكومتها: إذا لم تتفقوا مع هذا الرجل، فمع من يمكن أن تصلوا إلى اتفاق ؟!

 

وعندما يترافق حديث «الضغوط التي لا تحتمل» مع الكشف عن «الرسالة الإنذار» التي وجهها أوباما للرئيس الفلسطيني بالدخول الفوري في المباحثات المباشرة أو القبول برفع الغطاء الأميركي لسلطته والامتناع عن مساعدتها أو دعمها وتحمل مسؤولية فشل الجهود الأميركية للوصول إلى تسوية..

 

ثم عندما يترافق ذلك أيضا مع الرفض الأميركي لتقديم أي تعهدات بوقف الاستيطان أو إعلان المرجعية التي تستند إليها عملية التفاوض، فلابد من التساؤل حول البديل الذي تراه الإدارة الأميركية كافياً لإعادة الطرف الفلسطيني إلي مائدة التفاوض بعد 18 سنة من التفاوض في ظل أوسلو لم تثمر شيئاً على الإطلاق، ومع حكومة إسرائيلية يعرف العالم كله أنها غير مؤهلة لصنع السلام أو الوصول لتسوية.

 

لقد أطلق الرئيس أوباما آمالاً كبيرة حين تحدث عن تسوية الصراع العربي الإسرائيلي باعتباره «مصلحة قومية لأميركا» وحين طالب بالوقف الفوري والشامل لعمليات الاستيطان وهو ما تراجع عنه بعد ذلك في إعلان عن هزيمته أمام اللوبي الصهيوني في أميركا الذي نجح نتنياهو في تجنيده لدعم موقفه.

 

ومع ذلك استمر أوباما في جهده من أجل إطلاق عملية التفاوض حول التسوية التي مازال يعتبرها «مصلحة قومية لأميركا» سواء لإتمام الانسحاب من العراق ثم أفغانستان، أو للتعامل مع الملف النووي الإيراني، أو لعدم انفجار الموقف في المنطقة بصورة تضر بمصالح أميركا.. ومصالح إسرائيل بالطبع!!

 

وهكذا تحولت الضغوط الأميركية من القاتل إلى القتيل، وتحول طلب التنازلات إلى الذين يقاسون من الاحتلال وليس من الذين يسرقون الأرض ويمارسون كل صنوف القهر اعتماداً على الدعم الأميركي الذي لم ولن يتوقف لهم.

 

وعاد أبو مازن (بموافقة عربية) للتفاوض غير المباشر عبر المبعوث الأميركي ميتشيل وقدمت السلطة الفلسطينية موقفها من كل قضايا الحل النهائي (الحدود والقدس واللاجئين والمياه والأرض وغيرها) ورفض نتنياهو أن يقدم للمبعوث الأميركي أي رد إسرائيلي رغم أن عباس (وفقا لتصريحات صائب عريقات) قدم في هذه المواقف تنازلات أكبر مما قدمها لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أولمرت!

 

وكان الموقف الإسرائيلي أنها لن تناقش شيئاً إلا في المفاوضات المباشرة التي ينبغي أن تبدأ دون شروط مسبقة.. وهو ما يعني عند إسرائيل «دون أي التزامات حتى بما سبق الاتفاق عليه «لتبدأ المباحثات من الصفر، وتستمر 18 عاماً آخر، وتنتهي إلى لا شيء!!

 

ولم يكن الغريب هو موقف نتنياهو وحكومته، بل موقف الإدارة الأميركية التي تضغط بكل قواها على السلطة الفلسطينية لاستئناف التفاوض، ثم ترفض أي التزام بمرجعية للتفاوض تتفق مع قرارات الشرعية الدولية!!

 

ويقال الآن إن هناك انفتاحاً أميركياً على إعلان يصدر عن اللجنة الرباعية الدولية التي تضم إلى جانب أميركا.. الأمم المتحدة وأوروبا وروسيا، يرتكز على بيان سابق صادر في مارس الماضي يؤكد على أن «التسوية المطلوبة من عملية التفاوض ينبغي أن تتم خلال 24 شهرا، وأن تنهي الاحتلال الذي بدأ عام 67 وتسفر عن إقامة دولة فلسطينية مستقلة».. كما دعا إلى تجميد كامل للاستيطان والتوقف عن عمليات إزالة مساكن العرب في القدس المحتلة .

 

ولا أظن أن نتنياهو يمكن أن يقبل التفاوض على هذه الأسس ولا أن يعتمد رعاية الرباعية بدلاً من دفء الرعاية الأميركية وانحيازها الكامل لإسرائيل. وبالتالي فإذا صدر بيان جديد عن الرباعية ليكون مدخلاً للتفاوض فلن تكون له علاقة ببيان مارس ولا بأسس التفاوض التي حددها !!

 

لكن الأخطر أنه بعد الحديث الطويل عن تفاوض لعامين يمكن أن ترى الدولة الفلسطينية الموعودة النور في نهايتها (و هو أمر مشكوك فيه تماما مع حكومة نتنياهو) بدأ الحديث عن حل سريع خلال بضعة شهور !!

 

ورغم أن هذا ممكن باعتبار أن معظم عناصر الاتفاق موجودة إذا تم البناء على ما سبق من تفاوض وخاصة في نهاية عهد كلينتون، إلا أن الواقع يقول إن ذلك مستحيل في ظل الأوضاع الحالية على الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية وظروف الانتخابات الأميركية وتمسك نتنياهو ببدء التفاوض من نقطة الصفر!!

 

ومن هنا تأتي المخاوف من أن يكون الحديث عن حل سريع يعني الحديث عن التسوية الجزئية التي تحدث عنها كثيرون في الفترة الأخيرة (ومنهم يوسي بيلين السياسي الإسرائيلي المعروف) والتي تتضمن خطة لانسحاب جزئي من مساحة ما بين 20 إلى 40 % من الضفة، وإخلاء رمزي لعدد قليل من المستوطنين، وإقامة دولة فلسطينية في حدود مؤقتة تعترف بها إسرائيل لأنها تحقق لها كل المطلوب..

ترفع عنها الضغوط الدولية، وتحقق لها الأمن، وتطلق يدها في الاستيطان والتهويد، وتكرس الانفصال بين غزة والضفة، وتترك كل القضايا الأساسية للزمن وللأمر الواقع، وتعطي للإدارة الأميركية ما تعتبره انجازاً على طريق السلام..

الذي يراد أن يتم اختصاره بين تفاوض لثمانية عشر عاماً أخرى بلا مرجعية ولا نتيجة.. أو مباحثات لشهور وربما لأسابيع تنتهي بهذا المسخ الذي لا يعني إلا تصفية القضية الفلسطينية حتى لو شملت التصفية كيانا هزلياً ومحاصراً ومؤقتاً، يقولون لنا وللعالم إنه: الدولة الموعودة!!

======================

ورقة حزب الله ما قبل الأخيرة

بقلم :د. محمد سلمان العبودي

البيان

15-8-2010

في ما يقرب من ثلاث ساعات، وعلى الهواء مباشرة، قذف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في مؤتمره الصحافي الأسبوع الفائت، بقنبلة موقوتة صناعة لبنانية مائة بالمائة في شباك العدو الإسرائيلي. وتفاجأ الإسرائيليون بالعديد من تفاصيلها.

 

المهم، كانت الملايين من المهتمين بالساحة اللبنانية وبقضية اغتيال رفيق الحريري، وغيرهم حتى من بين الإسرائيليين أنفسهم مدنيين وعسكريين، كانوا يجلسون أمام شاشات تلفازاتهم يتابعون واحدة من أكثر خطب ومؤتمرات حسن نصر الله التلفزيونية انتظارا.

 

فعملية اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري في 14 فبراير 2005 كانت تحمل في طياتها العديد من التساؤلات والكثير من الرموز وأعداد لا حصر لها من الأهداف غير المرئية أو المعلنة.

 

وما ينطبق على عملية الاغتيال (التي تمت بنجاح لا نظير له)، ينطبق على ما بعد العملية من خروج سوريا من لبنان (وقد تم لهم ذلك) ثم ما سيلي من محاولة حصار حزب الله وتجريده من السلاح والتخلص منه.

 

وكان نصر الله يعرف جيدا بأن العالمين العربي والإسلامي يبحثان منذ غياب الزعيم عبد الناصر وخطبه الحماسية عن محرك لمشاعرهم بشكل مستمر. وهو يدرك أنه تم اختياره كشخصية كرزماتية بحسب دراسة صدرت عن المركز الملكي للبحوث والدراسات الإسلامية بالأردن من بين أكثر خمسين شخصية تأثيرًا في العالم الإسلامي، وأكثرهم شعبية في خطبه الحماسية ومؤتمراته الإعلامية. فهو يتحاشى دائما تكرار العبارات الخطابية المملة التي حفظناها عن ظهر قلب حتى فقدت معناها وهدفها وتأثيرها، على شاكلة:

 

(سنحرر فلسطين، سنهزم العدو الإسرائيلي، نشجب قرار رقم..، نندد بأعمال العدو في الأراضي المحتلة..) وغيرها الكثير الكثير. لذا لا نستغرب أن تتحمس الملايين لمتابعة مؤتمره الإعلامي الأخير، خاصة وأنه وعد بتقديم (قرائن) قد تتحول إلى (أدلة) على تورط إسرائيل في اغتيال الحريري.

 

وأياً كانت ردود فعل الشارع العربي والإسلامي التي تلت ذلك المؤتمر الإعلامي الذي طالما انتظرناه بين المؤيد وبين من عبر عن خيبته (كالكاتب أحمد أبو مطر الذي وصف كلام السيد بأنه «سرد حكايات وقصص تشبه الفيلم الهندي» ؟

 

موقع إيلاف 10/8/2010)، إلا أننا نقول إن نصر الله قدم ما لديه وربما احتفظ بدلائل أخرى إلى حين وقتها، وكنا نتمنى أن نطلع على المزيد، ولو كانت مجرد قصص وحكايات هندية لما طلب مدعي عام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، القاضي دانيال بلمار من السلطات اللبنانية تزويده بكل ما لدى الأمين العام لحزب الله من معلومات تتعلق بحادث اغتيال الرئيس الحريري، وأخذها محمل الجد، وليس الاستهزاء بها.

 

وما قدمه السيد حسن نصر الله كشف لنا على الأقل مدى الجهد والتخطيط المسبق والإمكانيات الهائلة التي يستخدمها العدو الإسرائيلي لتنفيذ جرائمه على أراضي دول أخرى أعضاء في الأمم المتحدة.

 

وأن الترتيبات المسبقة لاغتيال ولو ضابط صغير في أي مكان من العالم قد يمتد إلى شهور طويلة بل سنوات، وقد يجند لها العشرات من العملاء والمنفذين والمساعدين من كل مكان. وكنا نتمنى لو أن السيد أشار إلى عملية اغتيال القيادي الفلسطيني محمود المبحوح في إمارة دبي والتي كشفت التحريات عن تورط الموساد الإسرائيلي فيها.

 

بالطبع لم يتعد هدف الأمين العام لحزب الله توجيه الأنظار إلى مدى إمكانية تورط الموساد في هذه القضية، كما في قضايا أخرى باعتراف العملاء الذين ألقي القبض عليهم.

 

وهي ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يتورط فيها الموساد باغتيال وتصفية شخصيات عربية وإسلامية هامة سواء للتخلص منها أو لإثارة البلبلة. ولا يستبعد أن يكون من وراء اغتيال الحريري إشغال اللبنانيين فيما بينهم في الداخل وإثارة الخلافات بين الطوائف وترك إسرائيل في حالها. وقد تم لهم ذلك.

 

وكنا نتمنى لو أن تلك اللعبة لم تنجح على اللبنانيين. فهم الخاسر الأول والأخير. فقد قضوا خمس سنوات من عمرهم في خلافات ونزاعات واتهامات والبحث عن قرائن ودلائل والدفاع عن النفس، بينما إسرائيل تبني المستوطنات والشوارع والطرق وتوسع بنيتها التحتية وتحكم العالم. وكنا نتمنى لو وقف اللبنانيون صفا واحدا في اتهام إسرائيل لأنه ثبت لديهم في الآونة الأخيرة كم استهزأت بهم واخترقت صفوفهم وجندت عملاء من بينهم في خدمتها ليس إلا، لتحييدهم وتوجيه الضربة القاصمة لهم متى شاءت.

 

ولا يهم من كان يحمل تلك القرائن، حزب الله أم حزب الشيطان، المهم أن يكون موجها لأخطر عدو يقف على أبواب لبنان لابتلاعه بعد أن ينتهي من ابتلاع الضفة وغزة وما حولها. والحجة لديه جاهزة ولا تحتاج إلى خبراء، ويكفيهم استخدام ورقة تأمين حدود إسرائيل ليصبح لبنان في غمضة عين جزءا من إمبراطوريتهم الكبيرة التي يحلمون بها.

 

الأيام القادمة تخبئ للمنطقة ما لا يعلمه إلا الله؛ فإيران على قائمة التصفيات، وسوريا، ولبنان بكل تأكيد والسودان، والقائمة لم تكتمل بعد. والإسرائيليون باتوا يلعبون بكل ما لديهم من أوراق ؟ حتى ولو كانت خاسرة، وهم اليوم متورطون في عدة قضايا إجرامية على مستوى العالم، ولجان التحقيق بدأت تتزايد عليهم يوما بعد يوم.

 

ويجب ألا تعطى لهم الفرصة للإفلات، حتى وإن تناقضت مصالح قوى الرابع عشر من آذار مع مصالح الثامن من آذار. فمصلحة لبنان يجب أن تظل فوق مصلحة كل الطوائف والأحزاب والطبقات.

 

ولا يستمع إلى كل من يحاول ضرب هذا بذاك. فيكفي لبنان المائة وخمسون عميلاً الذين قبض عليهم، وربما هناك آخرون لم يكتشفوا بعد يعملون كأبواق إعلامية مشبوهة ومدفوعة الثمن غرضها إثارة الفتنة ونشر الفوضى والخراب وزرع الشكوك في بلد يعتبر أجمل بلدان العالم العربي على الإطلاق.

======================

هيلاري ولحظة كيسنجر

آخر تحديث:الأحد ,15/08/2010

يوريكو كويكي

الخليج

إن الرحلة التي قامت بها هيلاري كلينتون إلى آسيا مؤخراً قد تبدو ذات يوم وكأنها الزيارة الأكثر أهمية لأي دبلوماسي أمريكي إلى المنطقة منذ الزيارة السرية التي قام بها هنري كيسنجر إلى بكين في يوليو/تموز ،1971 والواقع أن مهمة كيسنجر أحدثت ثورة دبلوماسية . فقد أدى تجدد العلاقات بين الولايات المتحدة والصين إلى تحول في التوازن العالمي للقوة في أوج الحرب الباردة، ومهد الطريق أمام الصين لفتح اقتصادها - وهو القرار الذي ساعد أكثر من أي قرار آخر في تحديد هيئة العالم كما نعرفه اليوم . وما قالته كلينتون وفعلته أثناء جولتها الآسيوية، إما أن يكون بمثابة النذير بنهاية العصر الذي بدأه كيسنجر قبل أربعة عقود من الزمان، أو يكون بشيراً ببداية مرحلة جديدة متميزة في ذلك العصر .

 

لقد أسفرت جولة كلينتون عن إبراز أوضح الإشارات حتى الآن إلى عدم استعداد أمريكا لقبول الضغوط التي تمارسها الصين لفرض هيمنتها الإقليمية . ففي كواليس قمة رابطة أمم جنوب شرق آسيا (آسيان) التي استضافتها مدينة هانوي، تحدت كلينتون وزير الخارجية الصيني يانج جيه تشي في ما يتصل بادعاء بكين بأن ملكيتها لجزر سبراتلي في بحر الصين الجنوبي أصبحت الآن تشكل “مصلحة أساسية” . فبذلك التوصيف تعتبر الصين هذه الجزر (المتنازع على ملكيتها بين فيتنام والفلبين) جزءاً من أراضيها، مثل التبت وتايوان، الأمر الذي يجعل من أي تدخل خارجي أمراً محظوراً .

 

ومع رفضها لذلك التوصيف اقترحت كلينتون أن تساعد الولايات المتحدة في تأسيس آلية دولية للوساطة في ادعاءات السيادة المتداخلة القائمة الآن في بحر الصين الجنوبي بين الصين وتايوان والفلبين وفيتنام وإندونيسيا وماليزيا . وكان لتدخل كلينتون على هذا النحو وقع الصدمة على الصين، وبالنظر إلى الاستجابة المتحمسة التي تلقتها من مضيفيها الفيتناميين على الرغم من انتقادها لسجل فيتنام في مجال حقوق الإنسان - فلعل وزيرة الخارجية الأمريكية أثارت هذه القضية، ولو جزئياً على الأقل، بتحريض منهم، وربما بتشجيع إضافي من ماليزيا والفلبين .

 

وهناك مخاوف عامة ناشئة في آسيا من احتمال سعي الصين إلى استخدام قوتها البحرية المتنامية لفرض هيمنتها، ليس فقط على عملية تنمية مياه بحر الصين الجنوبي الغنية بالنفط والغاز، بل وأيضاً على طرق الشحن التي تمر عبره، والتي تُعَد من أكثر طرق الشحن البحرية ازدحاماً بالحركة على مستوى العالم . لذا فإن تأكيد كلينتون لالتزام أمريكا بتعزيز الأمن البحري في المنطقة المحيطة بالصين، من خلال حضورها شخصياً للمناورات البحرية والجوية المشتركة مع كوريا الجنوبية قبالة الساحل الشرقي لشبه الجزيرة الكورية، كان موضع ترحيب . وعلى نحو مماثل، فإن الروابط العسكرية بين الولايات المتحدة والوحدة الأكثر رقياً في القوات المسلحة الإندونيسية - والتي ظلت معلقة لعقود من الزمان - عادت إلى سابق عهدها أثناء جولة كلينتون في آسيا .

 

وكانت هذه المناورات الحربية بمثابة تحذير مباشر لكوريا الشمالية وتأكيد قوة التزام أمريكا بحماية كوريا الجنوبية، في أعقاب إغراق السفينة الحربية التابعة لكوريا الجنوبية في وقت سابق من هذا العام . ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أنها أكدت أيضاً أن المؤسسة العسكرية الأمريكية لم تفقد تركيزها بسبب انهماكها في العراق وأفغانستان إلى الحد الذي يجعلها عاجزة عن الدفاع عن مصالح أمريكا الوطنية الحيوية في آسيا .

 

ثم شهد البحر الأصفر جزءاً لاحقاً من المناورات الحربية، في المياه الدولية القريبة للغاية من الصين، الأمر الذي يدل صراحة على التزام أمريكا بحرية البحار في آسيا . وأعقب ذلك زيارة إحدى حاملات الطائرات الأمريكية لفيتنام، وهي الزيارة الأولى من نوعها منذ انتهت حرب فيتنام قبل خمسة وثلاثين عاماً .

 

ولم يكن من المستغرب أن تصرخ كوريا الشمالية وتهدد وتتوعد رداً على المناورات الحربية، حتى إنها هددت بالرد مادياً . ولم تكتف الصين باعتبار تدخل كلينتون بشأن جزر بحر الصين الجنوبية “تهجماً” عليها، بل سارعت أيضاً إلى إجراء مناورات بحرية غير مقررة سلفاً في البحر الأصفر قبيل إجراء المناورات المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية .

 

وكانت زيارة كلينتون على قدر كبير من الأهمية ليس فقط لتأكيدها على التزام أمريكا الراسخ بتعزيز الأمن في آسيا ومنطقة شرق المحيط الهادئ، بل وأيضاً لأنها كشفت لآسيا بالكامل عن تناقض جوهري في قلب السياسة الخارجية الصينية . ففي عام ،2005 أعلن قادة الصين عن سياسة تسعى إلى إقامة “عالم متناغم” وتحرص على دعم العلاقات الودية مع البلدان الأخرى، وخاصة المجاورة لها . ولكن في أغسطس/آب من عام 800_B أعلنت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي أن “عمل الشؤون الخارجية لابد وأن يستند في صميمه على دعم البناء الاقتصادي” .

 

ويبدو الأمر الآن وكأن كل العلاقات الخارجية أصبحت خاضعة لمشاغل وهموم داخلية . على سبيل المثال، كان الخوف من انتشار الاضطرابات من كوريا الشمالية هو الذي جعل السياسة الصينية متراخية في التعامل مع الشمال . وكان تعنت الصين بشأن بحر الصين الجنوبي نتيجة مباشرة للثروات الهائلة التي تتكهن بكمونها في قاع البحر . ونتيجة لهذا فإن الصين تجعل من مهمة تنمية العلاقات الإقليمية الودية أمراً شبه مستحيل .

 

وفي آسيا أصبحت الآمال اليوم معلقة على اقتناع قادة الصين بعد زيارة كلينتون بأن آسيا هي الساحة التي سوف تشهد في المقام الأول اختبار وصياغة مجمل الدور الدولي الذي تلعبه بلادهم . أما النبرة الخطابية الحادة وازدراء مصالح الدول المجاورة الأصغر حجماً فلن يسفر إلا عن تأجيج العداوات وليس إيجاد التناغم . والواقع أن نوعية العلاقات التي تربط الصين بجاراتها، وخاصة الهند وإندونيسيا واليابان وروسيا وكوريا الجنوبية، تشكل عنصراً بالغ الأهمية في تشكيل صورتها الدولية، وتشير بوضوح، ليس للمنطقة فحسب بل وأيضاً للعالم الأرحب، إلى نوع القوى العظمى الذي تعتزم الصين أن تكون عليه .

 

إن السياسة الصينية التي تتمحور حول ممارسة الضغوط وتوجيه التهديدات إلى فيتنام و/أو الفلبين بشأن ملكية جزر سبراتلي، أو الترهيب المتعمد للدول المجاورة الأصغر حجماً في جنوب آسيا، سوف يستمر في رفع مستوى الحذر والانزعاج في مختلف أنحاء منطقة المحيط الهادئ، وسوف يُنظَر إليه باعتباره دليلاً على طموحات الهيمنة التي تحرك النظام الصيني . وما لم تبرهن الصين على أنها قادرة على التوصل إلى تسويات سلمية لنزاعاتها السيادية مع الدول المجاورة لها، فإن مزاعم “النهضة السلمية” سوف تبدو غير مقنعة ليس فقط في واشنطن، بل وأيضاً في كل عواصم آسيا .

 

قبل أربعين عاماً، كان انفتاح الولايات المتحدة على الصين في عهد ماو تسي تونج بمثابة الصدمة لليابان وآسيا بالكامل . أما زيارة كلينتون الأخيرة فإن تأثيرها كان معاكساً: حيث كانت بمثابة الصدمة للصين - وإننا لنتمنى أن يكون ذلك على النحو الذي يدفعها إلى تبني سلوك معتدل في المنطقة . وإذا كان لنا أن نقول إن الصدمة قد تكون ذات تأثير مطمئن، فمن المؤكد أن هذه الصدمة خففت من المخاوف بشأن الالتزام الأمريكي المستمر بتعزيز الأمن الإقليمي في المنطقة .

======================

بدء المفاوضات المباشرة رغم رفض نتنياهو لمرجعيتها

علي الصفدي

البيان

15-8-2010

 لم يكن مستغرباً رفض رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الاستجابة لطلب السلطة الوطنية الفلسطينية لمرجعية الرباعية الدولية وتقييد نفسه وبشكل مسبق بها قبل بدء المفاوضات المباشرة لارتباطها بالبيان الصادر عن اجتماعاتها التي عقدتها الرباعية في موسكو في (19) آذار الماضي وأكدت فيه على وجوب إقامة دولة فلسطينية في أعقاب مفاوضات مباشرة تتم بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتستغرق عامين بحيث تُنهي الدولة الفلسطينية الاحتلال الإسرائيلي الذي حدث عام 1967 ، إذ أن نتنياهو علل رفضه لعدة أسباب منها أنه اعتبر المرجعية المطلوبة التي من المتوقع التأكيد عليها مجدداً من قبل الرباعية الدولية شرطاً مسبقاً يفرضه الفلسطينيون عليه للدخول في المفاوضات المباشرة ، كما أن أي قبول منه ولو كان لفظياً بتلك المرجعية سيقوّض ائتلافه اليميني المتشدد الرافض لأي تنازل عن الواقع الاستيطاني للأراضي الفلسطينية المحتلة.

 

وقبل هذا وذاك فإن قبول نتنياهو لرؤية حل الدولتين يختلف كلياً عن مضمون تلك الرؤية التي سبق أن أعلنتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش وتبنتها الإدارة الحالية وباقي أطراف الرباعية الدولية وطالبوا بتنفيذها في حدود الرابع من حزيران 1967 مع الدعوة لإجراء بعض التبادلات في الأراضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين بهدف السماح لإسرائيل بضم الكتل الاستيطانية الكبرى المحيطة بالقدس إلى كيانها رغم أن إقامتها مخالف للشرعية الدولية ، فموقف نتنياهو من رؤية حل الدولتين يتفق مع طروحات الصهيونية البراغماتية التي يقول عنها (إيلان بابه) أشهر المؤرخين الإسرائيليين الجدد ، أنها تقوم على جعل جميع أراضي ما كان يسمى (فلسطين الانتدابية) خاضعة للنفوذ الإسرائيلي الكامل بما في ذلك المجال الجوي والمياه الإقليمية والحدود الخارجية والاكتفاء بمنح قدر ضئيل من السيادة الفلسطينية ضمن أجزاء من أرض فلسطين التي لا تقع في نطاق مجال الاهتمام الإسرائيلي وهي قطاع غزة وأقل من نصف الضفة الغربية بحيث تكون هذه السيادة محدودة جداً في مضمونها وذلك على شاكلة حكومة منزوعة السلاح ليس لها قول فصل في قضايا الدفاع والسياسات الخارجية والمالية ، فهل يعد هذا الموقف من حل الدولتين الذي يلتزم به نتنياهو والمناقض كلياً لخريطة الطريق ومبادرات السلام ، هل يتم استغراب رفضه للمرجعية الدولية المطلوبة؟ وهل سبق له أن استجاب لدعوة الرئيس الأمريكي باراك أوباما التي أطلقها في بداية عهده بالتوقف الكلي عن البناء الاستيطاني؟ وهل تقبل دعوة اللجنة الرباعية التي تضمنها بيان اجتماع موسكو في آذار الماضي بتجميد البناء في المستوطنات والامتناع عن هدم بيوت الفلسطينيين في القدس الشرقية؟.

 

إن إسرائيل تنفيذاً لسياسته تسابق الزمن في توسيع وتثبيت احتلالها الاستيطاني لأرض فلسطين ، وبالرغم من كل ذلك فإن المفاوضات المباشرة ستستأنف قريباً ، لأن نتنياهو يريد المفاوضات ليس من أجل الحل بل من أجل المفاوضات بحد ذاتها ، وما يريده هو تريده إدارة أوباما أيضاً وتتبناه وتضغط على رئيس السلطة لقبوله حيث لا يستطيع سوى الرضوخ للضغط ، وتمهيداً لبدء التفاوض فقد أخذت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون تطلق التصريحات المتفائلة عما أحزره مبعوث السلام جورج ميتشل من لقاءات جدية ومثمرة مع كل من نتنياهو وعباس ، كما أخذت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي (كاثرين اشتون) تعلن أن عباس على وشك الموافقة على مفاوضات مباشرة. وكل ذلك يدل على اقتراب دوران عجلة المفاوضات ولكن دون أن تصل إلى أية نتيجة تذكر.

======================

قراءة للمشهد اللبناني

غازي العريضي (وزير الأشغال والنقل اللبناني)

الاتحاد الاماراتية

الرأي الاردنية

15-8-2010

بين التهديدات الإسرائيلية المستمرة ضد لبنان، والتوتر الحاصل على جبهة الجنوب منذ الاعتداء على الجيش اللبناني في بلدة العديسة، والتوتر الداخلي والقلق من فتنة مذهبية سنية – شيعية في ظل التجاذب مجدداً حول المحكمة الدولية للتحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، واحتمالات قرب صدور قرار ظني في هذا الشأن وتسريب معلومات عن هذا الأمر، ودخول إسرائيل على الخط من خلال بث معلومات تتهم «حزب الله»، و»التسويق» لفتنة ستحصل مباشرة بعد صدور القرار، ثم المؤتمر الصحفي لنصر الله الذي اتهم فيه إسرائيل بارتكاب الجريمة، وما سبق ذلك من تحرك رفيع المستوى رعاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد لحماية الاستقرار في لبنان، وتثبيت اتفاق الدوحة واستكمال تطبيق اتفاق الطائف ومنع اللجوء إلى العنف... كل هذا المشهد يشير إلى ترابط الأمور ببعضها بين ما يجري في الداخل والجنوب وما تسعى إسرائيل إلى تحقيقه.

وعندما تتحرك إسرائيل فهي تلقى مباشرة الدعم المفتوح من الأميركيين. ولذلك، القول إن إسرائيل تريد استهداف لبنان، والانتقام من لبنان والمقاومة و»تعليم اللبنانيين درساً لن ينسوه هذه المرة» واستعداد أميركا الدائم للوقوف إلى جانبها واللعب على وتر التناقضات الداخلية والرهان عليها لتصفية حسابات مع «حزب الله» ومن خلاله مع إيران، ولتعزيز وضع في مرحلة ما بعد سلسلة الهزائم التي منيت بها. كل هذا لا يحمل جديداً، ولا يكشف سراً. هذه هي إسرائيل. هذا هو دورها. هذه هي طبيعتها، والذي ينتظر منها شيئاً آخر يكون مخطئاً في التحليل السياسي. يتورط، ويورط غيره. وهذه هي أميركا، هذه هي سياستها وحساباتها وهذا هو دورها. وهذه هي رهاناتها، ومن لم يتعلم بعد من التجارب ومن الرهان على موقف مصادق لها ورعاية وحماية وضمانة من قبلها له، فليراجع حساباته قبل فوات الأوان.

أميركا لها سياساتها تجاه لبنان، وإسرائيل تريد الفتنة في لبنان، ولكل منهما دوافعه. ولكن ماذا نريد نحن؟ هل نلقي اللوم الدائم عليهما، ونكتفي بذلك ونرى البلد ينزلق فعلاً نحو الفتنة؟ ألا يكون الهدف الإسرائيلي قد تحقق، أو هو في طريقه إلى التحقق ونكون نحن قد استدرجنا إلى لعبة تحقيقه؟

نحن معنيون بقراءة دقيقة للموقف وبترّفع في التحليل عن الحساسيات الضيقة والحسابات الصغيرة والانفعالات. لا سيما ونحن أمام فرصة كبيرة مهمة أتاحتها لنا زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس بشار الأسد إلى لبنان وما صدر عنها من نتائج تعتبر أمانة بين أيدينا. فلا يستطيع أحد أن يحمينا ويساعدنا إذا لم نكن مستعدين أولاً وقادرين على تلقف الفرصة وحمايتها لحماية أنفسنا. نعم، الجهد السعودي – السوري، استثنائي. مهم. حاسم. والقرار واضح. والرغبة واضحة والتفاهم تام بين القيادتين السعودية والسورية. لا للفتنة في لبنان. نعم للاستقرار. نعم للوحدة الداخلية. نعم للاطمئنان إلى الساحة اللبنانية، لمواجهة ما يجري على الساحات الأخرى.

في هذا السياق، يمكن القول إن استعدادات ما بعد القمة لتلقف النتائج يمكن البناء عليها. والأنظار كلها تتجه هنا إلى الرئيس سعد الحريري الذي سمّي ب «ولي الدم» وهو في وضع صعب، لكنه في الوقت ذاته أمام استحقاق تكريس موقع زعامة حقيقية في حياته السياسية، وهو رئيس الحكومة اللبنانية، ابن رفيق الحريري، زعيم الطائفة السُنية، صاحب تحالفات سياسية كبيرة في لبنان، وامتدادات في علاقات سياسية عربية ودولية متنوعة.

والمسؤولية الأخرى تقع أيضاً على عاتق نصرالله المستهدف الأول من إسرائيل هو ومقاومته نظراً لما ألحقه بها من هزائم وإذلال. بوابة الاستهداف متنقلة. تارة «فاطمة» وطوراً «العديسة»، ومرة «الغجر» ومرة أخرى « شبعا وكفرشوبا»، وحيناً من «البحر» وأحياناً «تحت البحر» لاستهداف النفط هذه المرة!

في الأيام الأخيرة ارتفعت أصوات في الكونجرس الأميركي تطالب بوقف تسليح الجيش اللبناني. من يسمعها يعتقد أن السلاح الأميركي النوعي يتدفق على لبنان بشكل استثنائي، وأن الجيش بات يملك قوة عسكرية هائلة والحقيقة هي عكس ذلك تماماً. الجيش لا يعطى الحد الأدنى المطلوب له. الجيش اللبناني لم يسلّح ولا يسلّح ولن يسلح من قبل أميركا. فتات الأسلحة القديمة «المرمّمة» تعطى له. وهذا أمر غير كاف وغير مقبول والسبب في ذلك القرار السياسي بمنع تسليحه، لإبقائه ضعيفاً غير قادر على القيام بدوره ولإضعاف الدولة اللبنانية، ولإبقاء الباب مشرّعاً أمام إسرائيل لفعل ما تريده ولتبقي الجيش «مكسر عصا» كما يقال لإذلال لبنان ودولته ومؤسساته!

الموقف الأخير كشف أميركا أمام الذين لم يقتنعوا بعد. والموقف الرسمي كان جيداً عموماً، ويجب أن يكون أقوى في الأيام المقبلة، وألا يكون ثمة تردد أو خجل في انتقاد تلك الأصوات الأميركية.

ما قدمه نصرالله من معلومات حول جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري واتهم على أساسها إسرائيل بالوقوف وراء العملية، وبغض النظر عن كل الأسئلة التي طرحت حول التأخر في تقديمها، والخلفيات والتوقيت، فإن ما قيل اعتبر قرائن وأدلة، والرد الذي صدر عن كتلة المستقبل النيابية وعن ولي الدم نفسه الرئيس سعد الحريري، كان إيجابياً هادئاً مستوعباً متلقفاً وهذا يعتبر قمة المسؤولية في التعاطي مع مثل هذه القضية في هذا التوقيف بالذات.

هذه الإشارات تؤكد التقاط الإشارات السياسية المهمة الصادرة عن قمة بعبدا إثر زيارة القائدين السعودي والسوري معاً إلى لبنان. ويجب تحصين الوضع الداخلي ومساعدة الرئيس الحريري ودعمه والعمل على الاستفادة من المناخات الأخيرة وفتح قنوات التواصل والحوار المباشر بينه وبين نصرالله وإبقاؤها مفتوحة لأنها الضمانة لوأد الفتنة وحماية لبنان. كيف لا، وقد أصبحت مؤسساتنا مخترقة بالعملاء لإسرائيل والثقة بها تكاد تكون مهزوزة بالكامل. ألا يستدعي ذلك وحده موقفاً وتحركاً؟ فكيف إذا كان كل السقف الذي يظلل رؤوسنا مهدداً بالسقوط؟.

======================

حرائق روسيا ستتبعها أعاصير

افتتاحية صحيفة «نيزافيسمايا جازيتا» الروسية

الرأي الاردنية

15-8-2010

 الحكومات الروسية، التي تعاقبت على الحكم خلال العقدين الماضيين، لم تخصص إلا النّزر من الأموال للحفاظ على الغابات. وها هي روسيا اليوم تدفع ثمن تلك السياسات قصيرة النظر.

 فقد تضاعفت حالات الوفيات بسبب الدخان الصادر عن حرائق الغابات. وتشير أقلُّ التوقعاتِ تشاؤماً إلى أن الخسائر الناجمة عن الحرائق تزيد على 30 مليار روبل.

ووجدت الحكومةُ نفسَها مضطرةً لتخصيص أموالٍ طائلةٍ لشراء معدات إضافية لوزارة الطوارئ. وتبرز الصحيفة ما يراه خبراء البيئة من أن الحرائق التي التهمت آلاف الهكتارات من الغابات لم تنشب بسبب الارتفاع غير المعهود في درجات الحرارة، بل بسبب الإهمال غير المسبوق للغابات من قِبَل السلطات.

 وفي هذا السياق يرى الخبير البيئي أليكسي يابلوكوف أن الدولةَ مذنبةٌ في اندلاع الحرائق الضخمة وتلك حقيقةٌ لا جدال فيها. ذلك أن ما تنفقه الدولة على الغابات قليلٌ لدرجةٍ ليس لها مثيلٌ في التاريخ الروسي.

 وتلفت الصحيفة إلى أن آراء يابلوكوف هذه تتطابق مع المعلومات التي نشرتها مؤخراً منظمة «غرين بيس» والتي تُبيِّن أن روسيا تنفق على الغابات 55 سنتاً فقط للهكتار الواحد. في حين تنفق كازاخستان أكثر من دولار للهكتار، وتنفق بيلاروسيا أكثر من 7 دولارات للهكتار.

 عواقبَ موجةِ الحر الشديد التي ضربت روسيا لن تقتصر على الحرائق. فسوف تنحسر موجة الحر هذه عاجلاً أم آجلاً وبعد انحسارها يمكن أن تتعرض البلادُ لموجة من الأعاصير والعواصف والأمطار الغزيرة. وهذه الظواهر الطبيعية يمكن أن تُلحق أضراراً جسيمة بجميع القطاعات الاقتصادية.

 ونذكر هنا أن إعصاراً ضرب ضواحي مدينة سان بطرسبورغ نهاية الشهر الماضي، حيث هطلت أمطارٌ غزيرة رافقتها رياحٌ وصلت سرعتُها إلى 40 متراً في الثانية. فأدى ذلك إلى قطع 186 خطاً كهربائياً، الأمر الذي أدى إلى شل الحركة على امتداد آلاف الكيلومترات من السكك الحديدية وإلى انقطاع التيار الكهربائي عن أكثر من 250 ألف مواطن.

 وتقول الدكتورة في العلوم الجغرافية نينا كوبيشيفا أن شهري أغسطس وسبتمبر غالباً ما تتعرض روسيا فيهما لِكوارث طبيعية. ويتميز صيفُ هذا العام بموجة حرٍ مستقرة، الأمر الذي يزيد من احتمال حدوث مثل هذه الكوارث، وإذ تمتنع العالِمة الجغرافية عن التنبؤ بتوقيت حدوث الأعاصير تؤكد أن هذه الظواهرَ الطبيعيةَ آتيةٌ لا مَحالة.

 ومتابعة لموضوع الحرائق، قام الرئيس دميتري ميدفيديف بزيارة تفقدية لجمهورية ماري، التي عانت بشكل كبير من حرائق الغابات. وبعد أن تفقد عدداً من المناطق المنكوبة ترأس اجتماعاً ضم عدداً من المسؤولين الفيدراليين والمحليين.

 وخلال الاجتماع تعهد ميدفيديف بإقالة المسؤولين المحليينَ عن الغابات الذين واصلوا قضاء إجازاتهم على الرغم من اندلاع الحرائق. ووعد كذلك بإقالة المسؤولين عن القصور في التدريبِ على مكافحة الحرائق. وفي هذا السياق قال ميدفيديف إن الطقسَ هذه السنة غيرُ عادي. لكن هذا

 يجب ألا يدفعَنا إلى إلقاء اللائمة كلِّها على المناخ وتبرئة المسؤولين الذين تَبيَّن أنهم على درجة غيرِ كافية من الجاهزية. وبالإضافة إلى هؤلاء وجَّه ميدفيديف نقده إلى الساسة الذين وجدوا في هذه المحنة فرصةً سانحة للمزايدة على السلطة بهدف تسجيل النقاط.

 وخَصَّ بالذكر الشيوعيين الذين حمَّلوا الحكومةَ وحزبَ روسيا الموحدة المسؤوليةَ عن كل ما حل بروسيا.

======================

باكستان: أمل وسط مأساة

شوجا نواز

الشرق الاوسط

15-8-2010

حولت الأمطار، التي تسببت على مدى الأسبوعين الماضيين في أسوأ فيضانات في شمال غرب باكستان خلال ثمانية عقود، الانتباه من حرب الدولة ضد التمرد والتسلح وهشاشة علاقتها مع الولايات المتحدة. ومع تحرك الأمطار الموسمية جنوبا، تعرضت الكثير من الطرق والجسور والسدود إلى الدمار، وهلك الحرث. ومن المحتمل ألا يتم زراعة محاصيل العام المقبل. ولكن، وسط هذا الدمار، ثمة أسباب تدعو إلى التفاؤل.

وربما يساعد سعي أميركا سريعا إلى دعم جهود الإغاثة داخل باكستان على تحسين صورة أميركا بين المواطنين الذين يشعرون بالغضب الشديد من الولايات المتحدة. وعلى ضوء 55 مليون دولار تعهدت واشنطن بتقديمها إلى باكستان، تكون الولايات المتحدة أكبر متبرع في المجتمع الدولي. وتساعد طائرات «شينوك» - التي يجري النظر إليها باعتبارها ملائكة الرحمة بعد زلزال عام 2005 - الباكستانيين المرابطين على جبال وسهول اجتاحتها السيول، وتمثل هذه الطائرات قدرة الولايات المتحدة على مساعدة الباكستانيين واستعداد المؤسسة الباكستانية للعمل مع نظيرتها الأميركية. ومن شأن هذا التعاون قطع مسافة كبيرة في الطريق نحو بناء علاقات بين الجنود العاديين بالجانبين. جدير بالذكر أن قائد القوات الجوية الباكستانية يزور الولايات المتحدة هذا الأسبوع لمشاهدة تدريبات جوية مشتركة تجري في نيفادا. ومن شأن مثل هذه المقابلات تثقيف الأفراد ومساعدة البلدين على القضاء على المفاهيم الخاطئة حيال كل منهما.

رغم الضجة الكبيرة التي صاحبت النتائج السلبية التي توصل إليها استطلاع التوجهات العالمية الذي أصدره معهد «بيو» في 29 يوليو (تموز)، لا تزال هناك مؤشرات كامنة توحي بالأمل، حيث توصل «بيو» إلى أن 68% من الباكستانيين ينظرون إلى واشنطن على نحو سلبي، و59% ممن شملهم الاستطلاع أشاروا إليها باعتبارها عدوا. لكن لم ينتبه الكثيرون إلى نسبة ال64% من الباكستانيين الذين يرون أنه من المهم تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة. ولا شك أن هذه فرصة أمام الدولتين لتعزيز التفاهم بين جماهير الطرفين. وكشف استطلاع للرأي ل«غالوب»، عن وجهة النظر تجاه الولايات المتحدة داخل نحو 20 دولة صدر في فبراير (شباط)، أن 23% فقط من الأميركيين ينظرون على نحو إيجابي لباكستان. إلا أنه في الوقت الذي شكلت نسبة الأميركيين البالغين من العمر 55 عاما فما فوق نسبة 17% فقط بين أصحاب النظرة الإيجابية تجاه باكستان، تمثل النبأ السار في أن الأميركيين بين 18 و34 عاما شكلوا 34% من هذه المجموعة. ربما تكون هناك فرصة لخلق تواصل بين الشباب الأميركي والباكستاني ومساعدتهم في تجاوز الخطابات المتخندقة التي شكلت لفترة الدويلة الدافع المحرك وراء القرارات السياسية بالبلدين.

الملاحظ أن الخطاب الأميركي والباكستاني حيال أفعال كل منهما شهد تحولا كبيرا منذ قيام دولة باكستان منذ 63 عاما ماضية، حيث تراجعت مكانة باكستان في الخطاب الأميركي من كونها «أوثق الحلفاء» إلى دولة منبوذة تخضع لعقوبات أميركية. وتحدث الكثيرون عن الملاذات الآمنة داخل باكستان للإرهابيين، ووصفها البعض بأنها دولة إرهابية تواجه خطر التحول إلى دولة فاشلة. وينظر الكثيرون في الولايات المتحدة إلى باكستان باعتبارها دولة مخادعة، مشيرين إلى كذب الجنرال محمد ضياء الحق في ثمانينات القرن الماضي عندما أنكر أن بلاده تخصب اليورانيوم لصنع قنبلة نووية على غرار ما فعلت غريمتها التاريخية الهند.

بيد أنه من وجهة النظر الباكستانية، تعد واشنطن حليفا متقلبا، على النقيض من الصين التي وقفت دوما بجانب باكستان. وتدور وجهة النظر الباكستانية حول ما إذا كانت واشنطن صدقت أكاذيب ضياء الحق لحاجتها للدعم الباكستاني في القتال ضد الاتحاد السوفياتي بأفغانستان - مما يعد دليلا آخر على تفضيل واشنطن الدخول في علاقات تخدم مصالحها فحسب.

وقد صاغت إدارة أوباما والكونغرس برنامج مساعدات أطول أمدا طبقا لقانون يرعاه عضوا مجلس الشيوخ جون إف. كيري وريتشارد لوغار وعضو مجلس النواب هوارد بيرمان. وتظهر بخريطة برنامج المساعدات التي وضعتها وزارة الخارجية مشاريع بمختلف أرجاء باكستان من شأنها المساعدة في التشديد على أن المساعدات لا تقتصر على المناطق الحدودية مع أفغانستان فحسب، وإنما تنتشر رقعتها لتشمل مختلف أرجاء البلاد وترمي إلى خدمة برامج تسعى لتلبية الحاجة الملحة للمواطنين.

في الواقع، من المحتمل أن يجري تمويل بعض المساعدات الموجهة لباكستان حاليا طبقا لقانون كيري - لوغار - بيرمان. إلا أنه يتعين على الجهود الأميركية إعادة تقييم وهيكلة ذلك المشروع في ضوء السيول الأخيرة. وينبغي الإسراع في تدفق الأموال. وسيتمثل الاختبار النهائي الحقيقي لتلك الخطط في باكستان ذاتها - في أسلوب تنفيذ الخطط والإجراءات السياسية التي تتخذها الحكومة والمعارضة هناك لتوحيد صفوفهما ومساعدة الملايين من المشردين من ضحايا الفيضانات.

ومن أجل إعادة بناء المنازل المتضررة والبنية التحتية ومساعدة الباكستانيين على تجاوز المحنة، تحتاج باكستان لمساعدات هائلة - ليس من أميركا وأوروبا فحسب، وإنما أيضا من الدول المسلمة وجيرانها. حينئذ، تستعر نيران الحرب ضد حركة التمرد الداخلي والحركات المسلحة التي تهدد الحياة السياسية الباكستانية. وحتى في الوقت الذي تركز واشنطن اهتمامها على الانسحاب من أفغانستان، يجب ألا تغفل عن الاحتياجات المدنية الباكستانية على المدى الطويل - ليس بغية تحقيق مكسب قصير الأمد فحسب، وإنما لبناء علاقة دائمة. ومن أجل تغيير شكل العلاقات الأميركية - الباكستانية، يتعين على واشنطن وإسلام آباد اتباع نهج متناغم في سلوكهما، ويجب بناء الثقة على أساس التفاهم المتبادل والإجراءات التي تعود بالنفع لكلا الجانبين.

* مدير مركز جنوب آسيا التابع للمجلس الأطلسي

* خدمة «واشنطن بوست»

======================

لا أحد يخوض معارك الآخرين!

بلال الحسن

الشرق الاوسط

15-8-2010

 

«لا أحد يخوض معارك الآخرين»

هذه هي «الحكمة» التي يمكن استخلاصها من «المفاوضات حول المفاوضات» التي يديرها الرئيس محمود عباس مع الأطراف العديدة المتعاملة مع الموضوع. من المبعوث الأميركي ديفيد ميتشل، إلى بعض الرؤساء العرب الذين يطلب مشورتهم، مرورا بإسرائيل واللجنة الرباعية الدولية.

لنحدد أولا موقف الرئيس محمود عباس.

إنه يذهب إلى الجامعة العربية، ويقول لهم إنه يتعرض لضغوط كبيرة وغير مسبوقة من الولايات المتحدة لكي يقبل الذهاب إلى المفاوضات المباشرة مع إسرائيل. وهو يذهب إلى الجامعة العربية ليقول لهم إن لديه رسالة ضمانات من الرئيس الأميركي حول مستقبل المفاوضات، حيث يتعهد الرئيس الأميركي بدعم مبدأ حل الدولتين. فماذا تكون النتيجة؟ يستمع العرب إلى الرئيس عباس، ويلاحظون الطريقة التي يعرض بها قضيته عليهم، ويلاحظون أن الرئيس عباس لا يطرح عليهم احتمال موقف فلسطيني يقول برفض الضغوط الأميركية، ولا يطرح عليهم احتمال موقف فلسطيني باعتبار التعهد الأميركي غير كاف، ويستنتجون أن الرئيس عباس يريد الذهاب إلى المفاوضات المباشرة، أي قبول الضغط الأميركي عليه، وقبول الضمان الأميركي غير الملزم المقدم إليه، ولكن بشرط أن يكون هناك تبن عربي لهذا الموقف.

ولقد سبق لعرب الجامعة العربية، أن استمعوا للموقف نفسه من الرئيس عباس قبل أشهر، وقدموا له ما يريد. أي قدموا له تبنيا عربيا لموقف الذهاب إلى المفاوضات غير المباشرة. ولكن عرب الجامعة العربية رفضوا أن يقدموا للرئيس عباس التبني العربي المطلوب للذهاب هذه المرة إلى المفاوضات المباشرة، واختاروا موقفا آخر، وكانت خلاصة هذا الموقف كما يلي:

أولا: نحن، عرب الجامعة العربية، لن نخوض المعركة السياسية، نيابة عنك.

ثانيا: نحن، عرب الجامعة العربية، نتعرض مثلك لضغوط أميركية من أجل الموافقة على انخراطك في المفاوضات المباشرة.

ثالثا: نحن، عرب الجامعة العربية، قبلنا وسنقبل ضغوط الولايات المتحدة، لكي نستفيد من العلاقات الودية معها، ولذلك فإن موقفنا هو قبول السعي الأميركي للمفاوضات المباشرة.

رابعا: أما بالنسبة إليك، وإلى موقف السلطة الفلسطينية هل تذهب أو لا تذهب إلى المفاوضات المباشرة، فهو أمر تقرره أنت، ولا علاقة لنا به، فقرر بنفسك إن كنت ستقبل أم لا. إننا ندعمك إن ذهبت إلى المفاوضات المباشرة، ولكن القرار هو قرارك.

وخلاصة هذه النقاط الأربع التي شكلت صياغة الموقف العربي، أن الرئيس عباس ازداد حيرة فوق حيرته، وأحس بأنه يقف وحيدا أمام القرار المصيري الذي يريده ويتمناه، وأحس أيضا أن العرب يريدون منه أن يخوض معركته بنفسه، وأن العرب لن يخوضوا معركته نيابة عنه، وأن عرب الجامعة يعبرون بذلك عن «الحكمة» التي استخلصوها من كل هذا الذي يجري حولهم.

وهنا ظهر ديفيد ميتشل، هذا الوسيط العجيب الغريب الذي لم ينجح حتى الآن في أي مهمة سوى مهمة إرضاء إسرائيل. وهنا أيضا ظهر بنيامين نتنياهو، وقال بصراحة مطلقة إنه يرفض الذهاب إلى مفاوضات مباشرة على أساس إنشاء دولة فلسطينية على حدود 1967، وهو الشرط الوحيد والأخير الذي طرحه الرئيس عباس ليحفظ به ماء الوجه فقط.

وحين وصلت الأمور إلى هذا الحد، كان لا بد من تشاور جديد مع العرب، وتم اختصاره هذه المرة بلقاء مع الرئيس حسني مبارك. ولا نعرف ما جرى بين الرجلين، ولا نعرف ماذا كانت نصيحة الرئيس المصري، ولكننا نعرف أن مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، قالت علنا ورسميا بعد هذا اللقاء، إن الرئيس عباس أصبح قريبا جدا من إعلان الموافقة على الذهاب إلى المفاوضات المباشرة.

المعضلة أمام الرئيس عباس لها الآن وجوه عدة، فهو إذا قبل الوضع الراهن كما هو، وذهب إلى المفاوضات المباشرة بقرار فلسطيني بحت، وليس بقرار عربي، ومع قبول للرفض الإسرائيلي لمرجعية حدود 1967 حسب موقف نتنياهو، يكون قد تراجع عن آخر شرط من شروط حفظ ماء الوجه، في مفاوضات وصفها هو نفسه بالعبثية. ويكون أيضا وهذا هو الأهم، قد تخلى عن مبادرة السلام العربية، وجوهرها انسحاب إسرائيل كامل (ومن دون تبادل أراضي) مقابل تطبيع عربي كامل. فهل يستطيع عباس أن يتحمل وزر هذه المسؤولية تجاه المبادرة العربية؟ يمكن أن نقول نعم سيفعل، ويمكن أن نقول لا لن يفعل. ويمكن أن نخمن أيضا شيئا مما دار بينه وبين الرئيس حسني مبارك، حيث الحجة المصرية الدائمة تقول: هل لديك خيار آخر؟ وتقول الحجة المصرية أيضا: هل تستطيع أن تقف وحدك في وجه أميركا؟ وحيث الحجة المصرية تذكره بأن عرفات قال «لا» للرئيس الأميركي بيل كلينتون في مفاوضات كامب ديفيد 2000، وكانت النتيجة قتل عرفات بالسم على يد الإسرائيليين. فهل سيستمع عباس إلى النصيحة المصرية، ويذهب حسب هذا الوضع كله إلى المفاوضات المباشرة؟ الأرجح أن نقول: نعم سيذهب، وسيعود ليطرح مقولته الأساسية: نحن طرحنا كل حقوقنا ولكن هذا هو ما استطعنا الحصول عليه.

إن الرئيس عباس يواجه هذا الوضع الصعب، بعد أن تخلى بنفسه عن كل الأسلحة الفلسطينية التي كانت مرفوعة في وجه الاحتلال الإسرائيلي. والسلاح الأول هنا هو سلاح مقاومة الاحتلال الذي كان يجبره دائما على التفكير في التفاوض. وقد تخلى عباس عن مبدأ «المقاومة»، وقال علنا مرات ومرات، إنه ضد المقاومة، وضد السلاح، وإنه مع التفاوض، ومع التفاوض فقط. وها هو التفاوض الآن يطبق على عنقه كحبل المشنقة. ولم يكتف عباس بالتخلي عن سلاح المقاومة، بل هو أعلن رسميا مرات ومرات، أن العنف في الانتفاضة الفلسطينية أضر بالقضية نفسها. ولم يكتف عباس بالمواقف المعلنة، بل هو شجع ضرب وتفتيت تنظيم حركة فتح المقاوم للاحتلال، ووافق على إنشاء أجهزة أمنية أشرف عليها الجنرال دايتون تولت مهمة ملاحقة مقاتلي فتح وتطويعهم، ولذلك فهو لا يملك الآن أي سلاح يمكن له أن يستعين به، ليس من أجل مقاومة الاحتلال كمبدأ، بل من أجل تحسين وضعه التفاوضي فقط. ولذلك لم يعد أمام الرئيس عباس سوى السير في الممر الإجباري الذي اختاره حتى النهاية.

إن هذا الوضع الذي يواجهه الرئيس عباس الآن، لا يمكن وصفه بأنه وضع صعب، إنه أكثر من ذلك، إنه وضع مأساوي، وضع تراجيدي، وضع يرفع راية خفاقة تقول إن منهج التسوية سقط نهائيا. وهو لم يسقط سياسيا فقط (تم ذلك في مؤتمر كامب ديفيد 2000)، ولكنه يسقط الآن في يد إسرائيل، أي في يد العدو، والعدو الآن هو الذي سيقرر الحدود التي سينسحب إليها، والحدود التي ستكون لما يسمى الدولة الفلسطينية. وفي صيغة من هذا النوع لن تنشأ دولة فلسطينية، بل ستنشأ سلطة موظفين تعمل لدى الاحتلال. وهذه مأساة كبرى.

وكثيرون من الفلسطينيين يتذكرون الآن بمرارة، تجربة «روابط القرى» سيئة الذكر، وهي تعود بصيغة جديدة أخبث وأخطر.

=======================

آخر حرّاس الأقصى

حراء - العدد: 20 (يوليو - سبتمبر) 2010

صالح كولن*

- هنا رأيتُه يا محمد، هنا في هذا الفناء...

كان يشير إلى مكان في مجسّم المسجد الأقصى...(**) بصوت حزين كرر جملته:

- نعم، هنا رأيتُه... وامتلأت عيناه بالدموع...

بدأ حفيده محمد ينظر إليه وينظر إلى المجسّم بغرابة دون أن يجد معنى لذلك... كان جده يبكي، وكانت دموعه تسيل وكأنها ينبوع يتسلل من بين الصخور وينحدر بهدوء على لحيته البيضاء الناصعة. كان يشير إلى المكان وهو شارد في تفكيره وغارق في تأملاته...

سأل محمد ببراءة:

- ماذا حدث لك يا جدي؟!

لم يكن جده يسمعه، إذ كان مستغرقاً في عالم الماضي... انتظر محمد برهة ثم هز يد جده برفق وقال:

- هل أنت بخير يا جدي! ما بك؟ ماذا حدث لك فجأة؟!

تنفّس الجد الصعداء وعيناه على المجسم... وبعد فترة التفت إلى حفيده وحاول أن يبتسم رغم الدموع التي تملأ عينيه، ولكنه لم يفلح... تنهد من الأعماق مرة أخرى ثم قال:

- هذا المجسّم، أعادني خمساً وثلاثين سنة إلى الوراء يا بني...

لم يفهم الحفيد الواعي ما يقصد جدُّه من هذه الكلمات... تمتم العجوز وهو يمسح دموعه:

- نعم... سنوات طويلة قد مضت كلمْح البصر...

سأل الحفيد محاولاً فهم ما يقول جده...

- ماذا تقصد يا جدي، أيّ سنوات؟!

ركع الجد بهدوء متكئاً على عصاه، ثم جلس مقابل مجسّم المسجد الأقصى وقال بحرقة قلب:

- قبل اثنتين وثلاثين سنة، في عام 1972... كنت صحفياً شاباً، وكان أبوك في ذلك الوقت مثلكَ في الحادية عشرة من العمر... في تلك السنة كان بعض السياسيين ورجال الأعمال قد قاموا بزيارة رسمية للأراضي الشريفة، وكانت مهمتنا نحن كصحفيين، مراقبة التطورات والأحداث. تركتُ أباك وعمك وجدتك عند أبي، حتى إن أبي رحمه الله كان يقول دائماً: "هذا الولد لم يجد عملاً مناسباً حتى الآن، سيُشقي نفسه وسيُشقي عياله معه"... كانت الزيارة ستستغرق أربعة أيام... وصلنا القدس مساء يوم حار من شهر أيار... جرت اتصالات رسمية...

وفي اليوم الرابع نظموا لنا جولة إلى الأماكن التاريخية والسياحية في هذه الأراضي... كنت متلهفاً لرؤية القدس والمسجد الأقصى... كان الجو حارقاً وكان جسمي يتصبب عرقاً... وصلنا إلى المسجد الأقصى ضمن قافلة... كنتُ منفعلاً غاية الانفعال... حتى إني عندما رفعتُ الكاميرا لأصوّر شعرتُ بأن يدي ترتجف... صعدنا الدرجات التي تراها هنا... هذا الفناء العلوي يسمونه فناء الاثني عشر ألف شمعة، لأن السلطان سليم الأول عندما فتح القدس كان قد أشعل في هذا الفناء اثني عشر ألف شمعة، وصلّى الجيش العثماني صلاة العشاء في ضوء تلك الشموع...

فقاطعه الحفيد وقال بحماس:

- كان أستاذنا يقول لنا إن العثمانيين فتحوا بيت المقدس عام 1516 للميلاد.

- نعم... هذا صحيح يا بني...

- وماذا حدث معكم في المسجد الأقصى يا جدي؟!

تابع الجد بأسى:

- بعد ذلك لفت نظري رجل في زاوية من زوايا الفناء... رجل في التسعينات من العمر... وعليه بذلة عسكرية قديمة جداً ومليئة بالرقع... حتى إن بعض هذه الرقع قد أعيد ترقيعها مرة أخرى... وكان يضع على رأسه أنورية... كان واقفاً هناك بشموخ وإباء... عرتني الدهشة...

- إيه يا جدي، ومَن كان ذلك الرجل؟!

- وأنا أيضاً أصابني الفضول لمعرفته... قلت في نفسي: لماذا يقف هذا الرجل تحت الشمس الحارقة هكذا... ثم سألت الدليل عنه، فقال إنه منذ أن وعى وهو يرى هذا الرجل في هذا المكان يقف كالتمثال حتى المساء كل يوم... لا يتكلم مع أحد ولا يردّ على أحد... يقف منتصباً فقط، ولعله مجنون... كان يصمه بالجنون، أما أنا فقد ازدادت لهفتي لمعرفة هذا الرجل والسبب الذي يجعله يقف تحت الحر الشديد ها هنا... اقتربتُ منه بدافع الفضول الصحفي... كان لباسه قديماً جداً، باهت اللون، ولكنه كان نظيفاً...

- إيه يا جدي وماذا حدث بعد ذلك!؟

- كنتُ متردداً هل أحادثه أم لا... ثم اقتربت منه جيداً... لاحظ اقترابي، ولكنه لم يبدِ أية ردة فعل... قلتُ: السلام عليكم يا عمّ... أدار وجهه نحوي قليلاً... تفحصني بطرف عينيه ثم قال بصوت خافت مرتجف: وعليكم السلام... اقشعرتْ أناملي فجأة، قلتُ في نفسي: يا إلهي، إن نبْرتَه تركية... أَيعقل أن يكون رجلاً تركياً!.. ولكن ما الذي جاء به إلى هنا!؟ إلى هذه الديار البعيدة عن بلاده!؟ فسألتُه بفضولٍ شديد:

- من أنت وماذا تفعل هنا يا عم!؟ ردّ بصوت خافت مرتجف:

- أنا... أنا العريف حسن، رئيس مجموعة الرشاش الحادية عشرة، الكتيبة الثامنة، الطابور السادس والثلاثين، من الفرقة العشرين في الجيش العثماني...

كانت الرجفة قد اختفت من صوته أثناء تقديم نفسه. ولكنه أعاد تعريف نفسه مرة أخرى وبصوت أقوى من ذي قبل وكأنه يريد إثبات وجوده ومتانته:

- أنا العريف حسن، رئيس مجموعة الرشاش الحادية عشرة، الكتيبة الثامنة، الطابور السادس والثلاثين، من الفرقة العشرين في الجيش العثماني...

فأصبتُ بالدهش الشديد مرة أخرى، وانطلقت الكلمات من بين شفتيّ دون إرادة:

- ماذا؟.. أنتَ عثماني؟!.

قال بكل فخر: "نعم"...

- وماذا تفعل هنا؟!.

عندها بدأ قصته الحزينة التي لن أنساها مدى حياتي:

- لقد هاجم الإنكليز كتيبتنا في الحرب العالمية الأولى من جبهة القناة... حيث كان الجيش العثماني العظيم يحارب في جبهات عديدة رغم قلة المعدات الحربية لديه وإمكاناته الضيقة. وفي نهاية المطاف غُلب جيشُنا في القناة واضطر إلى الانسحاب... كانت بلاد أجدادنا الأمجاد تسقط واحدة تلو الأخرى... وعندما احتل الإنكليز القدس، ظلّتْ وحْدتُنا في القدس كقوة "حرس مؤخرة الانسحاب"...

فقاطعتُه بالسؤال:

- وماذا تعني وحدة حرس مؤخرة الانسحاب؟

- ترك العثمانيون حرساً لحماية هذه البلدة المباركة من السلب والنهب إلى حين دخول الإنكليز إليها؛ حيث كانت الدول قديماً عندما تحتل مدينةً، تطلب من الدولة المهزومة أن تبقي حرساً مؤخرة لئلا يثور الناس ضدها.. ومن هذا القبيل، طلب الإنكليز عند احتلالهم القدس، أن تُبقي الدولة العثمانية قوة لهذا الغرض.. وهذه القوات التي تبقى في مؤخرة الجيش يقال لها قوات "حرس مؤخرة الانسحاب"...

- ثم ماذا حدث بعد ذلك يا جدي؟

- ثم استطرد يحدث قائلاً: نحن بقينا في القدس وكنا ثلاثاً وخمسين شخصاً كحرس مؤخرة... وأثناء ذلك وصلَنا خبرُ تسريحِ جيشِ الدولة العثمانية العلية باتفاقية "موندروس"... عندها قال لنا اليوزباشي (النقيب): "أيها الأسود، إن الدولة العثمانية العلية في ضيق كبير... جيشنا المجيد يُسَرَّح... والقيادة تستدعيني إلى إسطنبول... يجب أن أذهب وألبّي الأوامر، وإلا أكن قد خالفتُ شروط الهدنة ورفضتُ الطاعة، فمن أراد منكم العودة إلى بلاده فليفعل... ولكن أقول لكم إن القدس أمانة السلطان سليم خان في أعناقنا، فلا يجوز أن نخون هذه الأمانة أو نتخلى عنها... فنصيحتي لكم أن تبقوا هنا حراساً، كي لا يقول الناس: "إن الدولة العثمانية تخلت عنّا وغادرت"... وإن الدولة العثمانية إذا تخلّت عن القدس -أول قبلة لفخر الكائنات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم- فإن ذلك سيكون انتصاراً حقيقياً لأعدائنا... فلا تضعوا عزّة الإسلام وكرامة الدولة العثمانية تحت الأقدام"...

فبقيتْ وحدتُنا كلها في القدس... لأننا ما رضينا أن يقول الناس "تخلت الدولة العثمانية عنا"... أردنا ألا يبكي المسجد الأقصى بعد أربعة قرون... أردنا ألا يتألم سلطان الأنبياء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم... لم نرض أن يستغرق العالم الإسلامي في مأتم وحزن... ثم تعاقبت السنون الطويلة ومضت كلمح البصر... ورفاقي كلهم انتقلوا إلى رحمة الله تعالى واحداً واحداً... لم يستطع الأعداء أن يقضوا علينا، وإنما القدر والموت... وها أنا ذا العريف حسن لا زلتُ على وظيفتي حارساً على القدس الشريف... حارساً على المسجد الأقصى...

امتلأتْ عيناه واختلطت دموعه بعَرَقِه الذي كان يتصبب من جبينه، إذ كانت تجاعيد وجهه تحتضن هذا المزيج الطاهر وكأنها لا تريد أن تُسقِط حتى قطرة واحدة منها على الأرض احتراماً لهذا البطل وتقديراً لصموده... ثم نظر إليّ نظرة رجاء وقال:

- عندي طلب منك يا بني... احتفظتُ بهذه الأمانة منذ سنوات طويلة... هل توصلها إلى أهلها؟.. أجبتُه:

- بكل تأكيد، طلبُك أوامر يا عم حسن... قال:

- يا بني... عندما تعود إلى الأناضول اذهب إلى قرية "سنجق توكات"، فهناك ضابطي النقيب مصطفى الذي أودعني هنا حارساً على المسجد الأقصى، ووضعه أمانة في عنقي... فقبِّل يديه نيابة عني وقل له: "سيدي الضابط، إن العريف "حسن الإغْدِرلي" رئيس مجموعة الرشاش الحادية عشرة، الحارس في المسجد الأقصى، ما زال قائماً على حراسته في المكان الذي تركته منذ ذلك اليوم، ولم يترك نوبته أبداً... وإنه لَيرجو دعواتكم المباركة"...

- فقلت: "أمراً وطاعة يا عم، سأحملُ سلامكَ بكل سرور". كنتُ أحاول إخفاء دموعي تارة، وكنت أكتب ما يقوله تارة أخرى...

ثم سألني عن المدينة التي قدمتُ منها. فقلت: "من إسطنبول"... فأشرقتْ على وجهه ابتسامة ثم قال لي: "إسطنبول، إذن إنك قادم من دار السعادة... قل لي، ما أحوال الدولة العثمانية؟.. سكتُّ ولم أستطع أن أخبره أن الدولة العثمانية قد انهارت ولم يبق من أراضيها المديدة التي تشهد شروق الشمس وغروبها إلا بقعة صغيرة وهي تركيا... لم أستطع أن أخبره بما فعله الإنكليز والأرمن والروم وفرنسا... ولم أستطع أن أقول له إننا لم نقدر على الصمود أمام أعدائنا مثلكم... لم أستطع أن أقول له إن الذين كانوا بالأمس يتلقون الأخلاق والفضيلة والعلوم منا، أصبحوا اليوم هم يعلّموننا... ولكن استطعتُ أن أقول له فقط: "بخير... دولتنا بخير"...

عندها سألني بفضول:

- إنْ كانت دولتنا بخير لِمَ لا تأتي وتخلّص القدس من هؤلاء الكفرة؟!

فلم أجد ماذا أقول... إنما كل ما استطعت قوله: ستعود إن شاء الله ستعود يوماً... ثم أقبلتُ على يديه الخشنتين الطاهرتين وقبّلتهما بحرارة... ثم قلتُ: اسمح لي يا عم حسن، عليّ أن أذهب، أرجوك لا تنسانا من دعائك، اعتن بنفسك جيداً، أستودعك الله... فقال: رضي الله عنكَ يا بني، بلّغ سلامي الأناضول... وسلّم على الدولة العلية...

- وماذا حدث بعد ذلك يا جدي؟!

عدتُ إلى القافلة وما زالت الدهشة تغمرني... بدا وكأن تاريخ أجدادنا المجيد عاد حياً وانتصب واقفاً أمامي... كانت الفرص الضائعة، والأعمال التي لم تؤدَّ، وعدم الشعور بالمسؤولية، تنزل على رأسي كالصاعقة... ما زال جنديٌ من جنود الدولة الغالية على قلبي، يقوم بحراسة القدس، وما زال منتصباً هناك بوقارِ ومهابةِ الدولة العثمانية!..

شرحتُ للدليل خطْب العريف حسن، ثم أعطيتُه عنواني وطلبتُ منه أن يخبرني عن أحواله ما استطاع إليه سبيلا...

- وماذا حدث بعد عودتكَ إلى تركيا يا جدي؟!

- كان عليَّ أن أوفي بالعهد... فذهبتُ إلى مدينة "توكات"... وبعد جهد جهيد عثرتُ على عنوان النقيب مصطفى... إلا أنه كان قد توفي منذ سنوات طويلة... لم أستطع أوفي بعهدي...

تعاقبت السنوات... وفي يوم من الأيام في عام 1982 وأنا أعمل في وكالة الأنباء، جاءتني برقية من القدس الشريف، فقلتُ في نفسي: "غريب، ومِن مَن؟! فوجدتُ أنها قد أُرسلتْ من قبَل ذلك الدليل... فيها بضعة كلمات، لكنها تلخّص تاريخاً مجيداً فيه شهامة وشجاعة وعز وكرامة: "لقد توفي اليوم آخر حُرّاس الأقصى"...

ــــــــــــ

الترجمة عن التركية: محمد ماهر قفص. وهي قصة حقيقية وقعت في القدس الشريف مع الصحفي التركي "إلهان بردكجي" رحمه الله.

(**) مجسّم المسجد الأقصى؛ يوجد في متحف المصغرات بإسطنبول، حيث يُعرَض في هذا المتحف مصغرات معالم تركيا والعالم أجمع، وتبلغ مساحته 60 ألف متر مربع.

(*) كاتب وباحث تركي.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ