ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 17/08/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

ضحايا المناخ وأزمة الضمير العالمي

المستقبل - الاثنين 16 آب 2010

العدد s2113 - رأي و فكر - صفحة 11

مصطفى قاعود

حرب المناخ المستمرة والمتصاعدة، ليست بعيدة عما اقترفته أيدي البشر، فعند الوقوف على الأسباب، نحدد في مقدمتها التغيرات المناخية الناجمة عن الانبعاث الكثيف لغاز ثاني أوكسيد الكربون، والذي بلغ حد الجنون في السباق الصناعي العالمي، المبني على الربحية دون إقامة أي وزن لما يخلفه ذاك الجنون من أثر على مصير الحياة على الأرض، ولا أحد اليوم يدعي أنه يدق ناقوس الخطر بهذا الشأن، فقد دق ناقوس الخطر منذ عقود، واليوم نعيش في خضم الكارثة، وحتى سؤال ما العمل بات من الأسئلة القديمة، فهناك العديد من الاتفاقيات والبروتوكولات العالمية ظلت حبرا على ورق، وما يزيد في أزمة الضمير العالمي حيال المناخ، هو استنكاف العالم عن تطوير تلك الاتفاقيات ووصول قمة كوبنهاغن في العام المنصرم إلى طريق شبه مسدود، فجاءت كوارث عام 2010 لتفاقم تلك الأزمة، وتوضح أن الذين كانوا يحذرون منها لم تكن هوايتهم كتابة الشعر بالبيئة، حيث كان قادة العالم ينظرون إلى دعاة حماية البيئة على أنهم أناس مترفون، بينما كان بعضهم الأخر في العالم ممن كانوا يجهلون مخاطر التغيرات العالمية يقولون ما بال هؤلاء؟!

فبين غريق وحريق ومشرد وجائع، عاشت كل من باكستان وروسيا والهند والصين أثار التغيرات المناخية، وهذه الكوارث لم تكن البداية ولكن كلنا أمل أن تكون النهاية ولا تتكرر، وأن تشكل صحوة حقيقية للضمير العالمي، فمن لم تحرك مشاعرهم "قصائد الشعر التي كتبها أنصار البيئة" نأمل أن تكون قد حركتها الأرقام، أرقام الضحايا والمتضررين من تلك الكوارث، فهؤلاء ليس مجرد أرقام بل هم بشر مثلنا لهم أسر، وكانوا يأكلون الطعام ويسيرون في الأسواق، ويعملون ويتواعدون وينتظرون أبنائهم وآبائهم وأمهاتهم على موائد الطعام، فاليوم باتوا بلا مأوى وبلا مائدة وربما حرمتهم الكارثة عزيزا، وغابت الكثير من تفاصيل الحياة، وربما نسي هؤلاء أنهم في يوم من الأيام كانوا يلبسون ثيابا مكوية، وفجأة نقلتهم الكارثة من أسئلة الرفاهية إلى سؤال أين ولدي ..أين أمي.. وأبي... بل أين أنا إنها الحرب إنها الكارثة؟!

ورغم كل ما أسلفنا وفي علم الربح الفاحش، وفي عالم الأرقام الذي راح يتلاشى معه البعد الإنساني، لا بد من الحديث بلغة الأرقام علها تجدي نفعا، ففي باكستان حصدت الفيضانات آلاف الأرواح وخلفت أكثر من 15 مليون مشرد باتوا اليوم بلا مأوى، حتى بلغت أعمال الإغاثة حد اليأس، ناهيك عن الخسائر المادية دمار البنى التحتية، وقد وصفت الكارثة بأنها أسوء من الزلازل الذي ضرب البلاد عام 2005، وقد سجلت أعمال الإغاثة فشلا في الوصول إلى حوالي 50% من المتضررين، وقالت الأمم المتحدة أنها أسست صندوق طوارئ لباكستان وتلقت 10 ملايين دولار حتى الآن، بينما تلقت منظمات الأمم المتحدة 16 مليون دولار أخرى لمواصلة عملياتها،وأشارت إلى أن هذه الاستجابة ليست كافية وأن الأمم المتحدة ستطلق قريبا نداءا لتلبية الاحتياجات الفورية مثل المأوى والطعام والمياه والرعاية الصحية وغيرها وقد يصل المبلغ المطلوب إلى 200 مليون دولار أو أكثر.

في حين أعلنت روسيا حالة الطوارئ بسبب الحرائق التي اندلعت نتيجة موجة الحر الشديد، حيث اندلعت الحرائق في 14 إقليما روسيا نتيجة اشتعال طبقات من الفحم النباتي تحت سطح الأرض، في حين راح ضحيتها أكثر من 50 شخصا وشرد الآلاف، وبلغت الخسائر المادية 150 مليون دولار، وشارك في إخماد تلك الحرائق أكثر من 240 آلف شخص، كما شهد شمال غرب الصين موجة جديدة من الفيضانات راح ضحيتها المئات، ليرتفع بذلك عدد ضحايا الفيضانات فيها إلى نحو آلف شخص، وتجاوز عدد المنكوبين 250 آلف، ناهيك عن الخسائر المادية وقدرت بقيمة 26 مليون دولار، وهذا نموذج مما أصاب العالم من كوارث في السنوات الأخيرة، بسبب التغيرات المناخية وتكون النتيجة مرعبة فيما لو أضفنا إلى ذلك عدد ضحايا الزلازل المدمرة.

ومن المحزن أن نرى العالم يعيش اليوم تحت وطأة تلك الكوارث، رغم تنبئه المبكر لخطورة ظاهرة الاحتباس الحراري، ورغم عدد المؤتمرات التي عقدت بغرض الحد من انبعاث الغازات التي تزيد خطورة الموقف، فكانت البداية في مؤتمر ستوكهولم عام 1972، وتلاه قمة الأرض في ريودي جانيرو عام 1992 حيث وقعت اتفاقية التغير المناخي بحضور 172 رئيس دولة، وأقرت ضرورة الحفاظ على نسب ثابتة لغازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي. وقد أكدت الاتفاقية أن العبء الأكبر من الانبعاث يقع علي عاتق الدول المتقدمة, وتضمنت تعهدات مالية وفنية متعلقة بنقل التكنولوجيا للدول النامية لمساعدتها علي التعامل مع تأثيرات التغيرات المناخية، ليأتي بعد ذلك برتوكول كيوتو عام 1997، علاوة عن جملة من الاتفاقيات تتعلق بتلوث المحيطات، التصحر، الإضرار بطبقة الأوزون، انقراض بعض الكائنات الحيوانية والنباتية، وأبرزها بروتوكول مونتريال حول حماية طبقة الأوزون، وصولا إلى قمة كوبنهاجن في ديسمبر 2009 ، والتي شهدت مفاوضات صعبة بهدف التوصل إلى اتفاق عالمي جديد لحماية البيئة من مخاطر التغيرات المناخية كبديل لبرتوكول كيوتو، إلا أن تلك المفاوضات لم ترق إلى مستوى الخطر المحدق بالعالم وكذلك النتائج، وتظل أرواح ضحايا المناخ لعام 2010 معلقة بين السماء والأرض، تناشد الضمير العالمي منح الأجيال القادمة حق الحياة.

================

لماذا يخافون من مقابرنا؟

د. بثينة شعبان

الرأي العام

16-8-2010

بعد هدم جميع منازل قرية العراقيب الفلسطينية ومحوها من الوجود ارتكبت حكومة الاحتلال الإسرائيلي جريمة تجريف مقبرة القرية لإلغاء الذاكرة والتاريخ لهذه القرية الفلسطينية كما محوا مئات القرى الفلسطينية من الوجود في الماضي. وبعد ذلك بأيام قامت قوات الاحتلال بإزالة 150 مدفناً في مقبرة «مأمن الله» التاريخية في القدس والتي تعد من أعرق وأكبر المقابر الإسلامية في القدس. وكانت هذه المقبرة تضم قبل الاحتلال رفات الآلاف من الصحابة والتابعين والعلماء والقادة والشهداء وكانت مساحتها تبلغ مئتي دونم ولكن لم يتبق منها سوى 20 دونما بسبب الاعتداءات الإسرائيلية عليها. وفي الوقت ذاته أحرق المستوطنون مئات الدونمات الزراعية الفلسطينية في الضفة كما يستمرون بهدم المنازل وتهجير السكان الأصليين خاصة بعد أن أصدروا قانوناً بمصادرة أملاك الفلسطينيين «الغائبين» الذين هجرهم الاحتلال من ديارهم ولا يزال يحرمهم من حق العودة ثمّ يصادر الآن ديارهم وأملاكهم وأرزاقهم بحجة غيابهم. لا بل إن الحكم العنصري في إسرائيل وبالتزامن مع مصادرته لأملاك اللاجئين الفلسطينيين بعد أن اقتلعهم منذ أكثر من ستين عاماً من جذورهم ورمى بهم إلى الشتات قد طالب الدول العربية بإعادة ممتلكات اليهود العرب الذين هاجروا إلى إسرائيل بضغط منها ومن حلفائها.

هذه الاعتداءات السافرة على رفات الأموات بعد اليأس من كسر إرادة الأحياء تؤشر إلى إفلاس يقضّ مضاجع الإسرائيليين اليوم والذي يحاولون عبره محو ذاكرة القرى والمدن الفلسطينية حتى بعد أن هجّروا السكان الأصليين لأنهم يخشون أن يستيقظ التاريخ حتى من القبور فيلاحقهم في نومهم ويقظتهم فتستحيل الحياة عليهم فتراهم تقضّ مضاجعهم حتى أرواح الموتى الراقدة منذ قرون في القبور. وفي هذا مفارقة صارخة مع تعامل العرب والمسلمين مع المقابر والمعابد اليهودية الموجودة في الدول العربية، حيث انها ورغم الحروب التي نشبت بين العرب والكيان الصهيوني لم تتم إزالة قبر يهودي واحد أو كنيس واحد لأن هذا ليس من شيم العرب والمسلمين ولا يمتّ لأخلاقهم الرفيعة بصلة، وذلك أيضاً لأن العرب يحترمون كلّ القبور وكلّ المعابد ويعتبرون تجريف القبر اعتداء على حرمة وقدسية الإنسان الذي هو صورة الله على الأرض. ورغم كل هذه الجرائم التي يرتكبها الإسرائيليون، والتي لا يقابلها العرب بالمثل في أي من عواصمهم، فإن الخوف الإسرائيلي من العرب وكلّ من يؤيد حقوقهم بلغ أشدّه في المرحلة الأخيرة وتمّ التعبير عنه بطرق مختلفة. أحد مظاهر هذا الخوف هو اتهام الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز الشعب البريطاني كله بأنه ضدّ السامية متغافلاً عن حقيقة إهداء حكومة بريطانيا فلسطين للعصابات الصهيونية من خلال وعد بلفور حيث تبدو التهمة معبرة عن خلل في توازن بيريز وليس المتهم. إذ رغم ما تحاول إسرائيل إبرازه من قدرات نووية وصاروخية ورغم مليارات الدولارات التي تقدّم إليها سنوياً من حكومة الولايات المتحدة فلا شك أن تسلسل الأحداث في الأعوام الأربعة الأخيرة بدأ يلقي بثقله على الثقة الإسرائيلية بما ترتكبه إسرائيل من جرائم وأثرها على مستقبل كيانها المشيد على الاغتصاب لحقوق العرب. فقد عبرت حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) المحيط الأطلسي للمرة الأولى حيث اتخذت شركة غذائية في واشنطن قراراً تدعو فيه إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية. هذه الحركة التي تأسست في العام 2005 وأثارت وعياً أوروبياً ودولياً بضرورة مقاطعة إسرائيل تهدف إلى إنهاء الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي لكل الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، وإنهاء التمييز العنصري ضد المواطنين الفلسطينيين والاعتراف بحق الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم، كما أكده قرار مجلس الأمن رقم 194. وقد نفذت هذه الحركة إلى الضمير العالمي بعد الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة عام 2009، وخاصة بعد مهاجمة سفينة مرمرة عام 2010 وقتل تسعة من المتطوعين العزل لفك الحصار بحيث بدأ العالم يحاصر مرتكبي جريمة حصار غزة وكأن صرخة محمود درويش «حاصروا الحصار» قد وصلت إلى مبتغاها اليوم وبدأ مثقفون وفنانون وموسيقيون أحرار بإلغاء حفلات ومناسبات مقررة لهم في إسرائيل فتمّ من خلال كلّ ذلك عبور عتبة الخوف من تهمة اللاسامية التي وضعت إسرائيل لسنوات طويلة فوق المحاسبة والقانون الدوليّ. وحتى في إسرائيل تشكلت حركة المقاطعة من الداخل عام 2009، مما يؤكد، كما يقول عمر البرغوثي في مقاله (محاصرة حصار إسرائيل) «الغارديان» 12 أغسطس2010 أن لحظة «جنوب إفريقيا الفلسطينية قد حانت». أحمد مور في «الهوفينغتون بوست» (9 أغسطس2010) يكتب أنه لا يمكن لإسرائيل أن تكون يهودية وديموقراطية في الوقت ذاته ويفنّد عنصرية إسرائيل وتمييزها العنصري المفضوح ضد السكان الأصليين. أما كريستوفر غونيس فقد اتهم سلطات الاحتلال الإسرائيلية ببث تقرير «جملة أكاذيب» حول الأونروا وعملها مع اللاجئين الفلسطينيين. إن كلّ هذه التطورات في الصراع العربي- الإسرائيلي، إضافة إلى تحوّل دور تركيا لصالح العدالة في فلسطين، وفشل الإدارة الأميركية بصياغة مقترحات معقولة للسلام يجعل اسرائيل التي كانت تدّعي القوة والنفوذ في الشرق الأوسط تخشى على قدراتها على ارتكاب الجرائم دون حساب لأنها تعلم من التجربة عجزها عن استخدام الأسلحة النووية المحرمة دولياً في وجه المؤمنين بالدفاع عن حقوق الإنسان في فلسطين وخاصة الحق في الحرية والعدالة.

ليس من المبالغة في شيء القول ان الشرق الأوسط قد تغيّر بفضل الكفاح من أجل العدالة وصمود الضلع المقاوم في هذه المنطقة من دول وأحزاب والتحولات الإستراتيجية وأهمها نهوض تركيا كدولة يحسب لها حساب في الدفاع عن العدالة، إذ ليس من الحكمة إغفال استخدام رئيس وزراء بريطانيا دافيد كاميرون تعبير رجب طيب أردوغان بوصف غزة بأنها أكبر سجن في العالم. وقد انتفى اليوم مصطلح تقسيم المنطقة إلى أصدقاء وأعداء من قبل الإدارة الأميركية وإلى راديكاليين ومعتدلين، حتى وإن كانت الإدارة الأميركية الحالية مازالت تتمسك بدعم المتطرفين الإسرائيليين، ولكن على الأرض وفي أذهان شعوب هذه المنطقة حُسمت الأمور بين متواطئ يحمل في جيبه قراراً أميركياً بدعم الاستعمار الإسرائيلي وبين مقاوم يعمل بكلّ الوسائل لصياغة مستقبل هذه المنطقة بما يتناسب وحرية ومصالح شعوبها بعيداً عن الفتن الطائفية والعرقية التي تحاول الدوائر الاستعمارية الترويج لها. وإذا كان القابعون وراء المحيط لا يدركون أهمية ودلالات هذا التحول فإن الكيان الصهيوني يدرك أهميتها ولذلك فقد أصبح مزروعاً بالخوف حتى من قبور الأموات وليس فقط من إرادة الأحياء.

وإذا كان بعض المفكرين في الغرب مازال يفكر بعملية سلام لعزل حماس أو عزل إيران أو دبّ الفرقة بين الأطراف المقاومة في المنطقة فإن كلّ ما يفعلونه هو خسارة الوقت للطرف الذي يصيغ المستقبل حسب نبض وتوجهات أبناء هذه المنطقة.

وعلّ استطلاع الرأي الذي قام به أخيراً شبلي تلحمي في جامعة ميريلاند يشكّل نافذة حقيقية ينقل عبر المحيط الواقع الجديد هنا في منطقة الشرق الأوسط للطرف البعيد هناك خلف المحيط والذي فشل فشلاً ذريعاً في فهم طموحات وقوة وإرادة أبناء هذه المنطقة التي تعبق بالتاريخ والانتصار على الغزاة مهما طال أمد ظلمهم وتعددت غزواتهم. فقد أشار هذا الاستطلاع أن رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا هو الأول في الشعبية 20 في المئة ويليه هوغو شافيز 13 في المئة وبعده الرئيس محمود أحمدي نجاد 12 في المئة. والأخبار التي وصفت بأنها أخبار سيئة للبيت الأبيض هي أن 77 % من الذين تمّ استطلاع رأيهم يعتقدون أنه لإيران الحق في الطاقة النووية و57 في المئة منهم يعتبرون أن إيران النووية ستكون أفضل للشرق الأوسط. وهذا يبرهن على الهوة الكبرى بين تفكير الإدارة الأميركية وتوجهات شعوب هذه المنطقة. حين ضغطت أوروبا القلقة على الولايات المتحدة لإيقاف الحرب على لبنان عام 2006، أجابت كوندوليزا رايس بأنه «ليس للولايات المتحدة مصلحة بإعادة المنطقة إلى الحال الذي كانت عليه» بالتأكيد لم تعد المنطقة للحال الذي كانت عليه بل أخذت توجهاً جديداً ومهماً بصياغة مستقبلها بطريقة تضمن حرية وكرامة أبنائها واستقرار بلدانهم ولكن بقي أن يعترف البيت الأبيض ومتخذوا القرار بهذه الحقيقة التي أصبحت ساطعة كالشمس هنا والتي تفسّر أسباب خوفهم حتى من مقابرنا. فهل نرتقي نحن أيضاً إلى هذا المستوى الجديد الذي بدأت بشائره تنتشر في أصقاع العالم وتؤكد أن مستقبل فلسطين لن يكون سوى مستقبل جنوب إفريقيا التي انتصرت على العنصرية والأبارثايد بعد أن نفذت إلى ضمائر شعوب العالم.

================

الإسلام والغرب من أدخلنا هذا النفق؟

البيان

16-8-2010

ونحن على مشارف الذكرى التاسعة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، يتراءى لنا أن العلاقة بين الإسلام والغرب ما زالت ملتبسة، بل إنها تزداد احتقاناً، خاصة في منطقة الحدث التي يبدو أنها مرشحة لاشتباك يصعب فضه كلما اقترب موعد الذكرى.

 

ففي الوقت الذي دعا فيه القس «تيري جونز»، المشرف على كنيسة «دوف التبشيرية» المحلية في فلوريدا، إلى تنظيم حملة لحرق المصاحف حول العالم يوم الحادي عشر من سبتمبر المقبل، رد مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية «كير» بالتصدي لهذه الدعوة، من خلال تنظيم يوم توزع فيه 100 ألف نسخة من القرآن الكريم على الناس، لحضهم على التعرف إلى الإسلام وتعاليمه.

 

كما أدان مجمع الكنائس الإنجيلية في الولايات المتحدة دعوة القس «تيري جونز»، وحضه على إلغاء مشروعه، وحذره من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى توترات كبيرة بين المسلمين والمسيحيين حول العالم.

 

دعوة «تيري جونز» ليست وحدها التي تشعل فتيل الأزمة في نيويورك هذه الأيام، فقد جاءت موافقة هيئة المرور في المدينة على إعلان مثير للجدل سيتم تثبيته على معظم الحافلات في المدينة، لتصب المزيد من الزيت على النار المشتعلة.

 

حيث يظهر في الإعلان مسجد تمر بقربه طائرة مدنية تتوجه بمن عليها من ركاب كالقذيفة، إلى ما كان أعلى ناطحات السحاب الأميركية قبل أن يتهاوى محترقاً، من خلال أربع صور توضح مراحل تدمير برجي المركز الشهير، في جزء من حملة عامة تقوم بها إحدى المنظمات الأميركية، للتحذير من «أسلمة» الولايات المتحدة.

 

هذه الحملة تأتي رداً على موافقة لجنة الحفاظ على المعالم في نيويورك، لجمعية «بيت قرطبة» على بناء مسجد ومركز ثقافي في مكان قريب من موقع «غراوند زيرو»، حيث ما زال بعض أطلال البرج المنهار بادياً للعيان.

 

هذا المشروع الذي دافع عنه الرئيس الأميركي «باراك أوباما» يوم الجمعة الماضي خلال إفطار جماعي في البيت الأبيض، أثار جدلاً ليس فقط بين أقارب ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر الذين رفضوا الفكرة، وإنما بين المسلمين الذين انقسموا بين مؤيدين للفكرة ومعارضين لها، من بينهم بعض علماء الأزهر الذين رأوا فيه اتجاهاً نحو الربط بين تلك الأحداث والإسلام، حيث سيتحول المسجد إلى منشّط للذاكرة الأميركية التي قد تنسى مع مرور الوقت ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.

 

هذه الأحداث وغيرها تطرح من جديد العلاقة الملتبسة بين الغرب والإسلام، وتعيد إلى الأذهان نظرية «صدام الحضارات» التي تحدث عنها المفكر الأميركي «صاموئيل هنتنغتون»، في كتابه الشهير «صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي»، عندما تنبأ بأن يكون القرن الحادي والعشرون قرن الصراع بين الحضارات لا الدول.

 

وأن المحرك الرئيسي لهذه الصراعات هو الخلافات الحضارية المتمثلة في الثقافة والدين والعادات والتقاليد، وأن أكبر خطر يتهدد الحضارة الغربية يتمثل في الحضارتين الصينية الكونفوشيوسية والإسلامية.

 

«هنتنغتون» الذي توفي أواخر عام 2008، اعترف قبل وفاته في حديث لمجلة «لوبوان» الفرنسية، بأن الغرب لن يستطيع أبداً السيطرة على العالم كما حدث عقب الحرب العالمية الأولى، وأن الحضارة الإسلامية على وجه الخصوص أصبحت تشكل تكتلاً أيديولوجياً، سيجبر الغرب على التخلي عن أي طموحات في تعميم فكره وقيمه على العالم.

 

التركيز على الدين لا الأيديولوجيا كمصدر للصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة، أصبح أكثر حضوراً بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وكاد يحصر الصراع بين الإسلام والغرب، ليس على مستوى الدول فقط، وإنما على مستوى الأفراد أيضاً. نرى هذا في حربي أفغانستان والعراق اللتين تم ربطهما بهذا الهجمات، حتى لو بدت الدوافع لشن الحرب على العراق واحتلاله مختلفة.

 

هذا على مستوى الدول، أما على مستوى الأفراد فنراه في حوادث أصبحت تتكرر في كثير من الدول الغربية، منها على سبيل المثال لا الحصر حادث مقتل الصيدلانية المصرية «مروة الشربيني» على يد الألماني «أليكس فينز» داخل محكمة في مدينة «دريسدن» الألمانية، عندما قام بتسديد 18 طعنة إليها بعدما وصفها بالإرهابية لارتدائها الحجاب وحاول نزع حجابها، الأمر الذي أدى إلى موجة غضب عارمة في عدد من الدول الإسلامية، حتى النصب التذكاري الذي أقيم في المدينة الألمانية لتخليد ذكراها لم يسلم من التخريب.

 

وفي أواخر شهر يوليو الماضي حكم قاض بريطاني بسجن صبيين في الرابعة عشرة والخامسة عشرة من العمر، لتخصصهما في الاعتداء ضرباً على مسلمين مسنين في العاصمة البريطانية، وتحديداً أمام المساجد.

 

ولم يكتفيا بذلك، بل قاما بتصوير اعتداءاتهما بواسطة الهاتف النقال للتباهي بها وسط أقرانهما، وقد ظهرا في أحد المقاطع يعتديان بوحشية على بريطاني مسلم يبلغ من العمر 67 عاماً، أثناء جلوسه أمام باب مسجد في لندن برفقة حفيدته البالغة من العمر 3 سنوات، وهو اعتداء أفضى إلى وفاة المسن بينما كانت حفيدته ترتمي في حضنه.

 

هذا هو الجانب الذي يظهر لنا من الصورة على الضفة التي نقف عليها من النهر، ولو انتقلنا إلى الضفة الأخرى لرأينا الصورة المقابلة لها من الجانب الآخر والتي لا تقل عنها احتقاناً، الأمر الذي يدعونا إلى البحث عن جذور هذا الاحتقان الذي وصل إلى عقول المراهقين وليس الكبار فقط، كما يدعونا إلى مواجهة أنفسنا قبل إلقاء اللوم على الآخرين.

البحث عن جذور هذا الاحتقان سيقودنا بالطبع إلى فئة متطرفة من كلا الطرفين، كان لها دور في تحويل القضية كلها إلى صدام حضارات وأديان أدخلنا في هذا النفق المظلم الذي نحن محاصرون فيه اليوم، حيث يبدو أن الخروج منه أصبح مهمة تحتاج إلى جهود المعسكرين، وربما تستغرق من الوقت أكثر مما نتصور أو نعتقد أو نتمنى.

كاتب إماراتي

================

إنها بداية المعركة فحسب

البيان

16-8-2010

لا يسع المرء سوى تمني التوفيق لوزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، في ما يتعلق بمقترحاته الأخيرة للتحكم في النفقات العسكرية للولايات المتحدة، وخفضها بصورة كبيرة.

وإذا وافق الكونغرس الأميركي على هذه المقترحات، التي وضع غيتس خطوطها العريضة، وخاصة التخلص من قيادة عسكرية كاملة، وتخفيف جيش البنتاغون الموازي والمتضخم من المتعاقدين الخاصين، فهذا سيوفر ما يربو على 20 مليار دولار سنوياً، في غضون السنوات الخمس المقبلة.

وهذا مقابل ميزانية الدفاع الأميركية الحالية، التي تبلغ نحو 700 مليار دولار سنوياً، ما يعني أن عملية التخفيض لا تعتبر إنجازاً كبيراً، لكنها خطوة في الاتجاه الصحيح.

ويجادل كثيرون بأن غيتس يعتبر من أكثر السياسيين حرصاً على نفقات الدفاع، مقارنة بنظرائه من وزراء الدفاع الأميركيين السابقين، وهو يدرك تماماً أنه يتعين على البنتاغون القيام بدوره على أكمل وجه، إذا اقتضى الأمر معالجة العجز الكبير، والمزمن، في الميزانية الأميركية.

وكتلميذ نجيب في التاريخ، يدرك وزير الدفاع الأميركي تماماً، أن الهزيمة العسكرية ليست هي التي تتسبب في القضاء على القوى العظمى، بل الإسراف المالي والمديونية. ولا يوجد سبب يجعل الولايات المتحدة مستثناة من ذلك.

وحتى الآن نجا «البنتاغون» تماماً من فأس الاقتطاعات المالية في الميزانية الأميركية، وذلك بفضل تبجيل أميركا لقوتها العسكرية، وقوة اللوبي العسكري والصناعي في الكابيتول هيل، علاوة على الحاجة لتمويل الحربين المتزامنتين في العراق وأفغانستان، في الوقت نفسه.

وحتماً تطور ما يصفه غيتس بثقافة المال اللامتناهي، ولتغيير هذه الثقافة فإنه يعتزم توجيه ضربة وقائية؛ إذ سترتفع الميزانية الدفاعية العسكرية، ولكن بنسبة سنوية أبطأ.

وإذا مضت مقترحات وزير الدفاع الأميركي قدماً، فسوف يتم إنفاق مبلغ أقل على بيروقراطية البنتاغون، وستحول مصارف التمويل إلى أطراف عسكرية حقيقية، تتمثل بالجنود والأسلحة التي تخوض، في الواقع، المعارك الحالية.

وقد بذل غيتس جهوداً حثيثة لجعل وحش الإنفاق يتضور جوعاً، وأنهى أو خفض البرامج التكنولوجية المتطورة، والمكلفة، التي أصبحت غير وثيقة الصلة بالموضوع، بعد انتهاء الحرب الباردة.

ولكن قبل أن يستكمل وزير الدفاع الأميركي إعلانه، أخيراً، وجه ممثلون عن لجان الكونغرس في الولايات الأميركية المختلفة، والذين شعروا بأنهم سيفقدون وظائفهم والدولارات الاتحادية، من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، انتقاداتهم اللاذعة لمقترحات غيتس وصوتوا ضدها.

لا يحتاج وزير الدفاع الأميركي لتذكيره بأن مقاومة مماثلة، هي التي أبقت مشروع تطوير محرك تعزيز آخر للجيل التالي من مقاتلات «إف-35» الأميركية، على الرغم من أن التكلفة الإجمالية لبرنامج إنتاجها، قد تضاعفت حتى زادت على 380 مليار دولار، في غضون عقد من الزمن فقط، رغم أن البيت الأبيض والبنتاغون يرددان أن المحرك البديل غير ضروري.

ومهما كانت الأوضاع المالية مؤلمة، فإن تجاوز هذه التخفيضات المالية المعتزمة، سيكون عملاً صعباً بالقدر نفسه.

================

صحافة هناك من مواقف ولا سيما في مرحلة الصراع التفاوضي العربي  الاسرائيلي

ماذا بعد القلق الإيراني المتزايد؟

المستقبل - الاثنين 16 آب 2010

العدد s2113 - رأي و فكر - صفحة 11

خيرالله خيرالله

تبدو التحركات الإيرانية الاخيرة مثيرة للاهتمام الى حدّ كبير. لم يسبق لإيران ان اوفدت مثل هذا العدد الكبير من المسؤولين فيها الى لبنان وسوريا خلال فترة قصيرة. ما كاد علي اكبر ولايتي كبير مستشاري مرشد "الجمهورية الاسلامية" آية الله علي خامنئي يغادر دمشق بعد زيارة طويلة لبيروت حتى وصل الى العاصمة السورية وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي. ما الذي لدى متكي يزيده على الرسالة التي حملها ولايتي؟ هل جاء متكي للتأكد من ان الرسالة التي حملها ولايتي الى كبار المسؤولين السوريين لقيت تجاوبا لدى هؤلاء؟ ام يحمل رسالة مختلفة؟

الاكيد ان ما تقوم به إيران حاليا من نشاطات في غير مكان من المنطقة يعكس قلقا متزايدا لدى طهران من تطورات لا تصب في مصلحتها. يأتي هذا القلق وسط انباء عن حوار أميركي - إيراني تتولاه جهات معينة قد لا تكون بعيدة عن الرئيس محمود احمدي نجاد الذي يهيء نفسه لزيارة لبنان بعد انقضاء شهر رمضان المبارك. مثل هذا الحوار لا يعني ان هناك استعدادا أميركيا لتقاسم النفوذ مع إيران في المنطقة والاعتراف بدور مهيمن لها في الشرق الاوسط بمقدار ما انه يشير الى ان طهران باتت مقتنعة بان ليس في استطاعتها الذهاب بعيدا في عدائها للولايات المتحدة من جهة والعمل في الوقت ذاته على الاستفادة من تورطها في افغانستان والعراق من جهة اخرى.

في كلّ الاحوال، هناك، في اقلّ تقدير، سببان للقلق الإيراني. يعود السبب الاول الى ان العقوبات التي باشر المجتمع الدولي في فرضها على "الجمهورية الاسلامية" اكثر من جدية وان الكلام عن غياب اي تاثير للعقوبات على المواطن العادي ليس في محله. اكثر من ذلك، يبدو ان الأوروبيين والأميركيين على استعداد للضغط على كل المستويات من اجل توسيع نطاق العقوبات بعدما رفعوا شعار: لا تعايش مع إيران نووية. وهذا يعني في طبيعة الحال ان الخيار العسكري اكثر من وارد في حال اصرار النظام الإيراني على متابعة برنامجه النووي الذي يخفي رغبة في انتاج القنبلة الذرية.

اما السبب الآخر للقلق الإيراني، وهو مرتبط الى حد كبير بالسبب الاول، فهو عائد الى الموقف الروسي الجديد من البرنامج النووي الإيراني. الى ما قبل اشهر قليلة كان المسؤولون الروس يكتفون بابداء قلقهم من البرنامج النووي الإيراني. لكنهم كانوا في الوقت ذاته يمتنعون عن الذهاب بعيدا في مسايرة الأميركيين والأوروبيين. طرأ اخيرا تطور على الموقف الروسي جعل الرئيس الإيراني يوجه انتقادات شديدة اللهجة الى كبار المسؤولين الروس والى سياسة موسكو عموما. فجأة، لم يعد احمدي نجاد يفرق بين الموقفين الروسي والأميركي متجاهلا ان التحول الذي طرا على موقف موسكو مرتبط الى حد كبير بعدم قدرة طهران على الاجابة عن سؤال في غاية البساطة في شأن اصرارها على تخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين في المئة. فمن يسأل اي خبير في الفيزياء النووية عن التخصيب ياتيه الجواب الآتي: من يمتلك الكنولوجيا التي تسمح له بتخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين في المئة، يستطيع الوصول الى نسبة 93 في المئة وهي النسبة التي يحتاج اليها انتاج السلاح النووي.

يالنسبة الى الروس، يقول خبير كبير في الفيزياء النووية، لا يوجد للكمية التي تنتجها إيران من اليورانيوم المخصب ونوعيتها اي استخدام في المرحلة الراهنة، باستثناء الحصول على القنبلة، نظرا الى ان إيران لا تمتلك مفاعلا لانتاج الطاقة كما ان عقدها مع روسيا لتشييد مفاعل بوشهر وتشغيله يتضمن تزويد المفاعل بالوقود.

ويضيف هذا الخبير في شرحه لاسباب التبدل في الموقف الروسي ان كل الحجج التي تسوقها طهران في شأن البحوث النووية التي تقوم بها لا تستند الى منطق. فالنظائر المشعة الطبية والصناعية يمكن ان تنتج بكميات قليلة تكفي دولة مثل إيران يقل عدد سكانها يقل عن مئة مليون نسمة... هذا في حال كان مطلوبا استخدام الطاقة النووية لاغراض سلمية!

باختصار شديد، انكشفت اللعبة الإيرانية. إيران كانت تلعب على جهل الناس بكل ما له علاقة ببرنامجها النووي اذ تربط بين تصنيع الوقود والقدرة على تشييد المفاعلات. والقضيتان مختلفتان تماما، ذلك ان من ينتج البنزين عن طريق مصاف نفطية لا يمتلك بالضرورة مصانع تنتج سيارات.

لا شك ان هناك محاولة إيرانية لتجاوز مأزق ناجم عن العقوبات الدولية من جهة وانكشاف طبيعة البرنامج النووي الذي استخدمته "الجمهورية الاسلامية" طويلا لتغطية سياساتها على الصعيد الاقليمي من جهة اخرى. لم يكن من هدف لإيران سوى تكريس نفسها قوة اقليمية معترف بها من المجتمع الدولي على حساب كل ما هو عربي في المنطقة. إيران موجودة في الخليج وتهدد الملاحة فيه وقادرة على اثارة كل انواع الغرائز المذهبية داخل دول المنطقة. وإيران هي المنتصر الوحيد في الحرب الأميركية على العراق. وإيران موجودة بقوة في لبنان وقادرة على احتلال بيروت في اي لحظة عبر الميليشيا التابعة لها فضلا عن انها تعتبر عناصر القوة الدولية في جنوب لبنان رهائن لديها. وإيران تحرك "حماس" مثلما تحرك الحوثيين في اليمن... وهي موجودة ايضا في افغانستان وباكستان ولديها علاقات خاصة بالتطرف السني، بما في ذلك "القاعدة"...

هذا غيض من فيض بالنسبة الى قدرات إيران. هل آن اوان البحث الجدي في مستقبل دورها في ضوء العقوبات الدولية والتحول الروسي، ام تتابع عملية الهروب الى امام مع ما قد يعنيه ذلك من زيادة في احتمالات حصول مواجهة على الصعيد الاقليمي. المخيف في الامر ان دولة عدوانية مثل اسرائيل ليست بعيدة عن اجواء المواجهة نظرا الى انها تعاني بدورها من مأزق داخلي يجعلها غير قادرة على مواجهة تحديات السلام ومتطلباته. انها ايام عصيبة تمر فيها المنطقة والارتباك لا يقتصر على إيران بل ينسحب على ادواتها في المنطقة بشكل اكثر من ظاهر...

================

تقاسم المخاطر .. أوباما ونهاية الليبرالي الموحِّد

مايكل جيرسون*

الرأي الاردنية

16-8-2010

في عام 1980 خسر بيل كلينتون حملة إعادة ترشحيه لولاية ثانية بصفته حاكماً لولاية أركانساس، ما جعل منه «الحاكم السابق» الأكثر شباباً في أميركا كلها. وحسبما تقول إحدى الروايات، فقد غرق كلينتون حينها في لجة عميقة من الحيرة والقلق، حتى كأنه كان يذرع طرقات «لتل روك» ويسأل المارة: برأيكم، لماذا خسرت الانتخابات؟ وقيل إنه أخذ بنصيحة مستشار حملته، «دك موريس»، فاعتذر للجمهور عن أخطائه السابقة، واتجه نحو الوسطية السياسية، ما أهّله لإعادة انتخابه حاكماً للولاية نفسها بعد مرور عامين على هزيمته. ووفقاً ل»ديفيد مارانيس»، الذي يعتبر حجة في السيرة الذاتية لكلينتون، فإن جوهر حياة الرئيس الأسبق كلها هو «التكرار والمراوحة المستمرة بين حالتي النجاح والفشل، النصر والهزيمة».

 فعقب فوزه المتعثر بالانتخابات النصفية في عام 1994 -وهي الانتخابات التي حقق فيها الجمهوريون فوزاً كبيراً في مقاعد الكونجرس على خصومهم الديمقراطيين- استمع كلينتون ثانية إلى نصيحة مستشاره «دك موريس»، فجعل طموحاته أكثر تواضعاً، وانصرف اهتمامه بدرجة أكبر إلى خفض الضرائب المفروضة على أفراد الطبقة الوسطى، وقضايا التعليم والبيئة، فاستطاع تحسين فرصه السياسية تدريجياً.

الآن، ومع احتمال مواجهة الرئيس الحالي أوباما لانتكاسة سياسية في الانتخابات النصفية المتوقعة في شهر نوفمبر القادم، فما هي الاستجابة المتوقعة منه يا ترى؟ ربما تصعب الإجابة عن هذا السؤال، بالنظر إلى ضآلة نصيب أوباما من الخسائر السياسية مقارنة بجميع الساسة البارزين. ففي عام 2004 انتخب أوباما نائباً للدائرة الانتخابية الثالثة عشرة بولاية إلينوي. وخلال خمس سنوات أصبح أوباما رئيساً للولايات المتحدة. كما أصبح في عام انتخابه نفسه «شخصية العام» لصحيفة «تايمز»، إضافة إلى حصوله على جائزة «نوبل» للسلام.

غير أنه خسر معركة انتخابية واحدة في عام 2000 عندما أخطأ في محاولة زحزحة «بوبي رش» من مقعده في مجلس النواب، فلم يحصل حينها سوى على نسبة 31 في المئة فحسب من أصوات الناخبين، نتيجة فعلته تلك. وعلى حد قول الصحفي إدوارد ماكليلاند الذي غطى ذلك السباق الانتخابي، فقد بدا أوباما نخبوياً ومفرط الثقة بفوزه في ذلك السباق أثناء المعركة الانتخابية. لكن لم يرق ذلك السلوك النخبوي لناخبي الجزء الجنوبي من شيكاغو. وحسب الصحفي نفسه، فقد تعلم أوباما بعض دروس الهزيمة تلك، فاتجه اهتمامه أكثر إلى الجانب التشريعي القانوني في عمله. غير أن رؤاه لم تتواضع أبداً. فمنذ أن كان عضواً بمجلس الشيوخ، أبدى أوباما حماساً خاصاً لتوسيع نظام الرعاية الصحية، وكان من أقوى معارضي الحرب على العراق.

 كما وصف الصحفي نفسه أوباما بأنه «كان ليبرالياً مندفعاً إلى نمط الحكومة الكبيرة الواسعة، ما في ذلك أدنى شك». وفوق ذلك كله، فقد مضى أوباما في ذات النهج الذي ترعرع عليه سياسياً: كونه موحّداً ليبرالياً عظيماً، قادراً على لم شمل الصغار والكبار، السود والبيض، الديمقراطيين والجمهوريين معاً.

وإذا ما قدّر لهذا النهج أن يحقق نجاحاً مشهوداً في المعركة الانتخابية الرئاسية، فهو لم يكتب له النجاح ذاته أمام حقائق الحكم وصلابة صخرته.

 ذلك أن «ليبرالية» أوباما أثارت حواراً قومياً محتدماً عن دور وحجم الحكومة، كما جعلت منه شخصية استقطابية حادة، قادرة على صنع الاصطفافات وشق الصفوف بدلاً من توحيدها.

 والآن ما أبعد استعادة ذلك الانطباع «التوحيدي» الذي رسمه أوباما عن نفسه في أذهان عامة الأميركيين، أثناء خوضه لسباقه الانتخابي المهيب!

ومن الناحية النظرية، فلا تزال الفرصة سانحة لأوباما كي يستعيد تماسك صورته الرئاسية على نحو ما فعل كلينتون من قبل، مع احتمال سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب، وانقسام مجلس الشيوخ بالتساوي بين الجمهوريين والديمقراطيين عقب انتخابات نوفمبر المقبل.

 فبما أن الجمهوريين يخوضون معركتهم الانتخابية وفق رؤى والتزامات مبهمة بخفض مستوى وحجم الإنفاق الحكومي وإجراء الإصلاحات اللازمة، فسوف يكون في وسع أوباما جرّهم وتوريطهم في الإجراءات التقشفية التي يتعين عليه اتخاذها لاستعادة الثقة الاقتصادية لبلاده، رغم عدم شعبية هذه الإجراءات الضرورية. وبذلك يقتسم المسؤولية والمخاطر السياسية الناشئة عن خفض حجم الإنفاق الحكومي، رئيس ديمقراطي وكونجرس جمهوري، علماً بأنه لن يكون في مقدور أي طرف تحمل تلك المسؤولية والمخاطر منفرداً. وربما تتمخض انتخابات نوفمبر المقبل عن مجلس شيوخ يسهل لأوباما التعامل معه، قياساً إلى المجلس الحالي الذي يسيطر عليه الديمقراطيون الآن.

بيد أن هناك عقبتين كؤودتين تعترضان طريق التعاون الثنائي هذا عقب انتخابات نوفمبر. تتمثل أولاهما في غلبة الجمهوريين على مجلس النواب. وفيما لو تحققت للجمهوريين هذه الغلبة، فسوف يكون هدفهم الرئيسي نقض تشريعات إصلاح نظام الرعاية الصحية التي أجازها الديمقراطيون. والسؤال الآن: هل يكون في وسع الديمقراطيين والجمهوريين التوصل إلى تسوية ما تجعل ممكناً الحد من بعض عناصر نظام الرعاية الصحية، والمحافظة على ماء وجه أوباما الرئاسي؟

أما العقبة الثانية فهي أوباما نفسه. فإحداث تحول جوهري في رئاسته، يتطلب تخليه عن بعض أعزّ أهدافه التشريعية، وخفض عجز الموازنة العامة بمستوى لا يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي -عن طريق خفض الإنفاق الحكومي وليس زيادة الضرائب- إضافة لإجراء إصلاحات جوهرية على مستحقات المواطنين ونظام الرعاية الاجتماعية بأسره. ولن تكون هذه التغييرات سهلة بالطبع، غير أن المؤكد أنه ليس ثمة وجود لذلك «الأوباما» الليبرالي الموحّد بعد الآن.

 (كاتب ومحلل سياسي أميركي)

 واشنطن بوست الاميركية

================

مسجد مانهاتن..الرفض الخاطئ

تم روتن*

الرأي الاردنية

16-8-2010

في هذه الأيام، يبدو وكأن الولايات المتحدة تستنسخ بعض سجالاتها الخلافية الشهيرة في القرن التاسع عشر. خذ لذلك مثالاً تزايد نزعة العداء للإسلام وللمسلمين الأميركيين. وتعكس هذه النزعة ما يشبه انتشار وباء الحمى الوطنية الذي سرعان ما سرى عبر شتى الولايات على امتداد الجزء الأكبر من عقد ثمانينيات القرن الماضي.

 فمن وسط مدينة مانهاتن إلى وسكونسين إلى تينسي إلى تميكيولا، واجهت مساعي المسلمين الأميركيين لبناء مساجد جديدة رفضاً معادياً.

 وفي الوقت نفسه تنامى عدد المنظمات -التي يتعاون بعضها مع حركة «حفلات الشاي» التي تروج لمعاداة الإسلام باعتباره عقيدة دينية.

وفيما يبدو، فإن أحد الأوهام الرئيسية المحركة لهذه المنظمات، اعتقادها بأن بناء مساجد جديدة يعد جزءاً من مخطط أوسع يهدف إلى تضمين نصوص من الشريعة الإسلامية إلى الدستور الأميركي.

وفي هذه الأيام، فقد أثارت المساعي لبناء مسجد جديد ومركز للدراسات الإسلامية على بعد عدة مبان فحسب من موقع برجي مركز التجارة العالمي السابق، موجة من الرفض المعادي للفكرة.

ومثلما هو حال كافة الانفعالات العاطفية غير العقلانية، سرعان تنعكس هذه الانفعالات الشعبية العارمة على الموقف السياسي.

ولنضرب لذلك مثالاً بالبيان الذي نشرته «المنظمة اليهودية لحقوق الإنسان» في وقت مبكر من النزاع الذي نشب بسبب التفكير في بناء المسجد ومركز الدراسات الإسلامية المذكورين. فقد جاء في ذلك البيان: «يحق لمؤيدي فكرة المركز الإسلامي بناء المركز في الموقع الذي اختاروه. وليس من العدل الهجوم المتعصب الذي تعرضوا له من البعض. فربما كان الهدف وراء اختيار هذا الموقع بالذات لبناء المسجد ومركز الدراسات، إرسال رسالة إيجابية عن الإسلام. غير أن الأمر المفصلي في هذه المسألة، كونها ليست مسألة حقوق، بقدر ما هي مسألة ما هو الصحيح في الأصل؟

وفي اعتقادنا أن بناء مسجد ومركز إسلاميين في ظل برجي مركز التجارة العالمية، سوف يسبب أذى لبعض ضحايا الهجمات على المركز، وهذا ما لا نرى ضرورة له.. وعليه فليس صحيحاً بناء منشآت إسلامية هناك».

وفيما بعد قارن «آبي فوكسمان» مدير «الرابطة المعادية للتشهير» -إحدى أبرز المنظمات الأميركية المناهضة لمعاداة السامية- الموقف الحالي من بناء المنشآت الدينية بما حدث في «أوسشوفيتز» عام 1993، عندما تدخل بابا الفاتيكان الراحل، يوحنا بولس الثاني لإزالة معبد خاص بالرهبان أقيم قريباً من أحد معسكرات التعذيب، حيث لقي ملايين اليهود حتفهم في محرقة الهولوكوست.

وكان مبرر البابا لتدخله أن بناء المعبد كان مؤذياً لمشاعر بعض الناجين من تلك المحرقة. غير أن الرابطة تراجعت عن ذلك الموقف، إثر سماح السلطات في نيويورك ببناء المنشآت الدينية المذكورة.

يذكر أن الرابطة تمنح جائزة صحفية سنوياً -هي جائزة هوبرت إتش همفري لحريات التعديل الأول للدستور- للصحفي أو المؤسسة الصحفية التي روجت لقيم الحرية المنصوص عليها في ذلك الباب الدستوري.

 وفي الأسبوع الماضي، قرر فريد زكريا، رئيس تحرير مجلة نيوزويك العالمية، الذي كان قد حاز على تلك الجائزة في عام 2005، إعادة الجائزة إلى الرابطة، احتجاجاً على موقفها المعارض لبناء المسجد.

 ومنذ ذلك الإعلان أشاد عدد كبير من كتاب المدونات الإلكترونية بموقف فريد زكريا، ونشروا قائمة بالذين حازوا على الجائزة المذكورة.

ويوحي نشر قائمة الحائزين على الجائزة ضمناً بأن تحذو بقية الأسماء حذو فريد زكريا، أو توضح لماذا لم تفعل مثلما فعل.

ولا ريب في خطأ البيان الذي أصدرته الرابطة، غير أن البيان لم يشر مطلقاً إلى أي تساؤلات أو شكوك في حق التجمع الإسلامي في بناء المسجد والمركز في الموقع الذي اختاره.

ولكن الذي حدث هو أن الرابطة نظرت إلى حق التجمع الإسلامي في بناء دور العبادة تلك من منظور علاقته بمشاعر بعض الناجين من الهجمات التي عصفت ببرجي مركز التجارة العالمي، وقررت الوقوف إلى جانبهم لا أكثر. وحتى لو كان ذلك الانحياز غير عقلاني، فهو خطأ من الرابطة نشأ عن فرط الانفعال والتعاطف مع ضحايا الهجمات الناجين، أكثر من كونه صادراً عن مشاعر عداء للإسلام والمسلمين.

 كما أنه لا يصح تشبيه رغبة المسلمين في بناء دور عبادة لهم قريباً من مبنى مركز التجارة العالمي، بالمعبد الكنسي الذي تم بناؤه في «أوشوفيتز» لأن اليهود الذين أبيدوا في مجازر جماعية هناك، قد أبيدوا لمجرد كونهم يهوداً.

وفي المقابل فقد تباينت انتماءات ومذاهب الذين لقوا حتفهم في مركز التجارة العالمي، حيث كان من بينهم يهود ومسيحيون ومسلمون على حد سواء.

ولقي هؤلاء مصرعهم ليس بسبب انتمائهم الديني أو العرقي، وإنما لأنهم جميعاً أميركيون. وليس صحيحاً بالطبع القول الآن بضرورة تخلي المسلمين الأميركيين عن ممارسة حقوقهم الدستورية الأصيلة، لمجرد أن قتلة ضحايا مركز التجارة العالمية كانوا مسلمين!

وبعد، فإن ذلك الانفعال العاطفي المفرط الذي عبرت عنه «الرابطة المناهضة للتشهير» في تعاطفها مع ضحايا هجمات 11 سبتمبر، وغلبة ذلك الانفعال غير العقلاني في موقف يتطلب الوضوح الفكري، يبدو خطأً بيناً واستثنائياً من الرابطة، ولا يعبر عن موقفها الثابت من الإسلام والمسلمين.

 وللحقيقة فقد ظلت الرابطة على موقفها المعارض لأي شكل من أشكال التمييز ضد الإسلام والمسلمين منذ هجمات 11 سبتمبر.

ويتضح ذلك من خلال البيانات والتصريحات المتكررة الصادرة عن الرابطة منذ الهجمات.

وكما حدثتني أماندا سوسكين -مديرة الرابطة لمنطقة جنوب غربي المحيط الباسيفيكي- الأسبوع الماضي «فسرعان ما بادر المتعصبون إلى اختطاف الحساسية التي أبدتها الرابطة إزاء مشاعر ضحايا الهجمات، واستثمروها في خدمة أجندتهم المتعصبة المعادية للإسلام والمسلمين. وليس من دأب الرابطة ولا أجندتها أن تروج لعصبيات الإسلاموفوبيا».

* (كاتب ومحلل سياسي أميركي)

 «إم. سي. تي. إنترناشيونال» والاتحاد الاماراتية

================

أوباما في رمضان

د. غسان اسماعيل عبدالخالق

الدستور

16-8-2010

الرئيس الأميركي باراك أوباما لم ينس أن يهنئ المسلمين في كل أنحاء العالم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك ، كما لم ينس التذكير بأن كلاً من الإسلام والمسلمين هما جزء من تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، ومع أن المجاملات الرئاسية الأميركية الرسمية لا يمكن أن تمحو شعور ألف وخمسمئة مليون مسلم بالمرارة جراء تصاعد مشاعر الكراهية تجاه الإسلام والمسلمين في أميركا ، إلا أن هذه المجاملات لا تخلو من بارقة أمل بأن الموقف الرسمي للإدارة الأميركية تجاه الإسلام والمسلمين يمكن أن يتغيّر باتجاه الأحسن.

 

والحق أن مجرد الربط بين أميركا والمسلمين ورمضان ، يدفعنا دفعاً إلى الاعتقاد بأن أميركا تتحمل مسؤولية استثنائية تجاه المسلمين في شهر رمضان المبارك جرّاء الفوضى العارمة التي أحدثتها في عوالمهم بحجة مكافحة الإرهاب ، فكان أن انقلبت حيواتهم رأساً على عقب ، وتم نقلهم قسراً من حيز الهدوء النسبي الذي كانوا يتفيأون ظلاله إلى حيز القلق والتشرد والعنف الذي باتوا يرتعون فيه.

 

ولنبدأ بباكستان التي تخوض حرباً داخليةً وخارجيةً ضروساً باسم مكافحة الإرهاب دون أن يكون لها أي يد أورأي في ذلك: فالطائرات الأميركية بطيار أو دون طيار تتكفل بمهمة الإغارة على بعض القبائل داخل الحدود الباكستانية وعلى الحدود المشتركة مع أفغانستان فضلاً عن بعض القبائل المتواجدة داخل الحدود الأفغانية ، بدعوى أن هذه القبائل تتعاطف مع أسامة بن لادن أو أنها تقوم بإيوائه. وها هي باكستان تتحول الآن إلى دولة هشة ضعيفة مفككة بعد أن كانت دولة نووية مستقرة يحسب لها ألف حساب ، وها هي الفيضانات في رمضان تضاعف شعور المواطنين الباكستانيين بأن حكومتهم لم تعد قادرة على إدارة حياتهم أوعلى إدارة أزماتهم الخانقة.

 

أما أفغانستان ، فحدّث عنها دون حرج ، لأن الرئيس الأفغاني نفسه شن أكثر من هجوم قاس على القوات الأميركية المتواجدة في أفغانستان واتهمها بقتل المدنيين دون مبرر ، ومن البديهي القول أن أسوأ كوابيس الشعب الأفغاني جراء وصول حركة طالبان إلى الحكم لم تبلغ عشر كوابيسه الآن جراء الوجود الأميركي الذي حول أفغانستان إلى مزرعة مهجورة يعمها الكر والفر بين الجيش الأميركي وحركة طالبان.

 

وأما حصة العراق من الإبداع الأميركي فقد كانت وافرة حقاً ، لأن العراقيين الذين كانوا يعيشون بهدوء وبحبوحة ألفوا أنفسهم فجأة أسرى حرب أهلية مجنونة وظروف إنسانية قاسية ، جراء الغزو الأميركي الذي أعاد العراق من القرن الحادي والعشرين إلى ما قبل التاريخ ، وها هم أبناؤه الآن يعبرون شهر رمضان على وقع الإنفجارات وعلى صراخ الأرامل والأيتام بسبب سقوط عشرات الضحايا يومياً.

 

وأما فلسطين التي أعطت أميركا الضوء الأخضر لإسرائيل كي تقصف وتعزل جناحها المتاخم لمصر (قطاع غزة) فها هم أبناء القطاع فيها يتحولون إلى رهائن ومساجين وها هم يزرعون البطالة ويحصدونها يومياً إلى الحد الذي لم يعودوا قادرين معه على الشراء خلال رمضان رغم توافر السلع التي سمحت إسرائيل (مشكورة) بإدخالها.

 

هل تملك أميركا أن تحدث فرقاً جوهرياً في حياة المسلمين؟، إنها تملك ذلك بالتأكيد: عليها فقط أن تتوقف عن التدخل في مصائر المسلمين في باكستان وأفغانستان والعراق وفلسطين والسودان والصومال،.

================

القدس واثرياء العرب

رشيد حسن

 الدستور

16-8-2010

في رمضان المبارك ، نذكر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بالقدس ، وبالأقصى ، بأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، التي تتعرض لمؤامرة صهيونية خطيرة ، لم يشهدها تاريخ المدينة ، منذ أن بناها العرب الكنعانيون قبل أكثر من 6 آلاف عام ، تستهدف إلغاء طابعها العربي الإسلامي ، وتحويلها إلى مجرد مدينة توراتية ، بأغلبية يهودية وفق سقف زمني أقصاه ,2020

 

نذكر أثرياء العرب ، وأصحاب المليارات ، بما فعله أثرياء اليهود منذ أواخر القرن التاسع عشر ، حينما سخروا المال اليهودي ، لخدمة المشروع الصهيوني الاستئصالي ، ونذكرهم بأن روتشيلد قد مول إقامة كافة المستعمرات ، التي أقيمت في فلسطين في أواخر القرن التاسع عشر ، وأوائل العشرين ، وأولها مستعمرة "بتاح تكفا" ومعناه بالعبرية الأمل.

 

ونذكرهم بمحاولة روتشيلد هذا ابتزاز السلطان العثماني عبد الحميد ، مستغلا أوضاع الامبراطورية العثمانية البائسة ، بعرضه عشرين مليون ليرة ذهبية على السلطان ، لإطلاق يد الصهاينة في فلسطين ، فكان جواب السلطان "فلسطين وقف إسلامي لا يحق لي ولا لغيري التصرف فيه".

 

ونذكرهم بأن دور المال اليهودي لم ينته ، بل لا يزال هو عصب الكيان الصهيوني ، وأن الملياردير موسكوفيتش ، هو من يتولى تمويل إقامة المستوطنات ، والوحدات السكنية ، والمدارس التوراتية ، والكنس ، والحدائق ، التي تقام في القدس المحتلة ، بهدف تهويدها.

 

ونسأل أثرياء العرب أيهما أولى بالرعاية والعناية ، والدعم ، القدس والحفاظ عليها ، وترميم مبانيها ، ومدارسها ، ومساجدها ، وتثبيت أهلها الصامدين ، في وجه أشرس غزوة تتعرض لها منذ آلاف السنين ، أم شراء السيارات المطلية بالذهب ، واليخوت الباهظة الثمن ، والشقق الفاخرة ، في لندن وباريس ومدريد...الخ ، ودعم حدائق الحيوان في أوروبا ، وصرف الملايين على مراهنات سباق الخيول ، وفي نواد القمار في لاس فيغاس ، ومونت كارلو..،،

 

نذكر هؤلاء ، ونذكر الأمة كلها ، بأن شهر رمضان ، ليس شهر التنافخ والتباهي في المأكل والمشرب والملذات ، بل هو شهر الصدقات ، هو شهر ايصال الزكاة إلى الصامدين الصابرين في كل فلسطين في القدس وغزة.

 

ولا يفوتنا أن نذكرهم أيضا بأخوانهم فقراء العرب من المحيط إلى الخليج ، فهم أحق بالرعاية وبالمساعدة ، وبلادهم أحق بإقامة المشاريع العربية ، من أي مكان تحت الشمس.

 

إن إنقاذ أطفال اليمن والصومال والسودان وموريتانيا وفلسطين ومصر..الخ أولى وأهم من المضاربات في البورصات المالية ، والتي أدت إلى خسارة أثرياء العرب مئات المليارات.

باختصار...إذا لم يذكر ويتذكر أثرياء العرب القدس ، في رمضان فمتى يتذكرونها ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

================

نتائج استفتاء جامعة ميرلاند عن من هو عدو العرب.. ماذا تعني؟

محمد شريف الجيوسي

 الدستور

16-8-2010

أظهر استطلاع للرأي أجراه البروفيسور تلحمي من جامعة ميرلاند وأعلن نتائجه برنامج "من واشنطن" الذي تبثه قناة الجزيرة وشمل أكثر من 3 آلاف شخص من الأردن ومصر والمغرب ومصر والامارات ولبنان وجميعها دول غير معادية للولايات المتحدة الأمريكية.

 

أقول أن %88 من الذين شملهم الاستفتاء على مدى سنتين متتاليتين أخيرتين اعتبروا (اسرائيل) عدواً للعرب ، فيما اعتبر %77 خلال ذات الفترة ، أن الولايات المتحدة عدو للعرب ، واعتبر %13 في السنة الأولى للاستفتاء أن ايران عدو للعرب لتتراجع هذه النسبة الى %10 في السنة الأخيرة.

 

ولكن ما الذي تعنيه نتائج الاستفتاء؟ لعل أول ما تعنيه أن القضية الفلسطينية ما زالت تعتبر في الذاكرة والثقافة العربية: قضية العرب الأولى ، التي تقاس على أساس الموقف منها مختلف السياسات. كما تعني أن العربي يدرك الى حد بعيد جداً أن المعانيات العربية الأخرى هي وليدة قيام الكيان الصهيوني.

 

ومن تداعيات و(ضرورات) وجود الكيان الصهيوني من وجهة غربية ، وضع العرب في حال من التباين حد التناقض بما يحول دون وحدتهم ، بل ويحول دون قيام أي شكل من التنسيق والتضامن الحقيقي. كما ينبغي وضع العرب في حال من الضعف الشامل ، بحيث يستنزفون طاقاتهم للدفاع عن وجودهم دون أن يتمكنوا من تحقيق التفوق مجتمعين على هذا الكيان العنصري الاستعماري الاحلالي التوسعي ، مع ملاحظة أن هذا التوسع لا يعني بالضرورة التمدد الجغرافي المتصل فللتوسع صيغ متعددة.

 

ويعني الاستفتاء أن الموقف العربي تجاه ايران في تحسن ، فضلاً عن أن نسبة العرب الذين يعتقدون بأن ايران عدوهم ، لا تذكر بالقياس الى الموقف من الصهاينة والأمريكان. مع ملاحظة وجود تمييز بين الموقف الأمريكي والاسرائيلي بنسبة 11( %) لصالح امريكا. رغم الدعم المطلق الذي تقدمه لهذا الكيان. ولا بد أن الذين اعتبروا ايران عدوهم أخذوا بالاعتبار سياستها العراقية ، حيث يتحفظ العرب على هذه السياسة وان كان الشارع الشعبي يرحب بسياسات ايران تجاه سورية والمقاومتين اللبنانية والفلسطينية.

 

ويعني الاستفتاء أن التعصب المذهبي ليس في وارد الانسان العربي ، وانه يدرك جيداً أن اللعب على هذا الوتر لا يخدم الا أعداء الأمة ، بل انه يتعامل مع العراق باعتباره قضية عربية قومية (رغم تحفظه على سياسات ايران العراقية ودعمها لجماعات تتهم بالطائفية).

 

ورغم ذلك على المنطقة ادراك أن اللعبة المذهبية أو الطائفية أو الاثنية ، لا تخدم مكوناتها أو دولها (الكيان الصهيوني ليس منها) بل ان هذا الكيان ليس في صالحه على المدى البعيد (ان بقي لأمد بعيد) اللعب على هذه الحبال ، فاليهود شرقيون وغربيون متخلفون ومتحضرون ، علمانيون ومتدينون متطرفون ، متعددو طوائف وأصول وألوان. وسيكون هذا التطرف أشد ظهوراً ما بلغ الضعف العربي مداه،.

 

ورغم ما يدل عليه الاستفتاء من نتائج ايجابية نسبية ، الا أنه لا ينبغي الاستهانة بنسبة %12 من العرب ما زالوا لا يعتبرون اسرائيل عدواً ، كما أن %23 من العرب (قرابة ربعهم) لا يعتبرون امريكا عدواً.. ان هاتين النسبتين مقلقتان من حيث أن أصحابهما يعيشون في كنف الأمة ومؤسساتها وفعالياتها ووجودها ، وسيحاول بعضهم بشتى الوسائل غير المشروعة تغيير النتائج ، باللعب على المذهبية والطائفية والاثنية ، وتنمية التناقضات العربية البينية ، والعداء مع دول الجوار العربي.

 

بكلمات ، مطلوب من العرب ومجاوريهم عدم النوم على ثياب من حرير ، أو المراهنة على أي تركيبة أو مكونات تناقض وحدة أي بلد من الأمم والدول والشعوب من عند مياه الأطلسي وغرب افريقيا حتى اندونيسيا وأقاصي آسيا.. فاذا انفرطت حبة من سلسلة مكوناتها ، فتح المجال لانفراطات لن تنتهي.. الا بسيادة الصهاينة عليها بعد كوارث وحروب وويلات.

================

التأثير الرئيس للوثائق التي تم تسريبها... سياسي

إيفان إيلاند - «أنتي وور»

 الدستور

16-8-2010

وثائق حكومة الولايات المتحدة السرية ، البالغ عددها 92 ألفا والتي سربت لموقع ويكيليكس الإلكتروني ، لم تكشف الكثير من الحقائق الجديدة عن ورطة الجيش الأميركي في أفغانستان. فالحقائق معروفة جيدا منذ بعض الوقت- طالبان تزداد قوة وتتلقى مساعدة فعلية من الحليف الزائف (الباكستان) ، التي تغدق عليها الولايات المتحدة ملايين الدولارات ، وأن حكومة أفغانستان حكومة فاسدة ، وأن الولايات المتحدة تقوم بقتل المدنيين.

 

تحاول حكومة الولايات المتحدة شق طريقها خارج هذه المشكلة بالقول إن الفترة التي تتحدث عنها الوثائق ، من عام 2004 إلى عام 2009 ، كانت في معظمها خلال فترة إدارة بوش وقبل عملية زيادة عدد الجنود والتحرك باستراتيجية مقاومة التمرد التي قامت بها الحكومة الجديدة. على أي حال ، واحدة فقط من النتائج التي ذكرتها الوثائق تغيرت منذ ذلك الوقت - حاولت الولايات المتحدة خفض عدد الإصابات بين المدنيين في محاولة لكسب "قلوب وعقول" للشعب الأفغاني.

 

رغم ذلك ، فالحرب مازالت في حالة سيئة جدا ، وحتى خفض الإصابات بين صفوف المدنييين ، من غير المحتمل أن يجعل الولايات المتحدة أكثر شعبية في أفغانستان. أحدى المشاكل الأساسية التي نواجهها في حرب مكافحة التمرد- وأحد الأسباب الرئيسة التي تجعل تكتيكات حرب العصابات نموذج الحرب الأكثر نجاحا في تاريخ البشرية- هو أن السكان المحليين نادرا ما يفترضون حسن النية بالمحتلين الأجانب ، حتى هؤلاء الخيرين منهم.

 

بالإضافة إلى ذلك ، في أفغانستان ، من المحتمل بدرجة أقل أن تكون الولايات المتحدة قادرة على تحويل قسم كبير من أكثر المعارضات تشددا ، كما فعلت في العراق ، بالدفع لجزء منها لتغيير اتجاهها. (في العراق ، لم تكن هذه مناورة استراتيجية سيئة لتقليل العنف ، لكنها لم تحل مشكلة المذابح الواسعة النطاق على المدى الطويل بسبب المنافسات الطائفية العرقية داخل البلد ، إن ديناميكية مشابهة طويلة الأجل قد تصيب أفغانستان المتعددة عرقيا).

 

وبالرغم من أن معظم أعضاء حركة طالبان قد لا يمكن كسبهم بالمال ، فقد يمكن جذبهم بتسوية تسمح لهم بحكم موطنهم الباشتون في جنوب أفغانستان. وللتوصل إلى هذه النتيجة ، ربما سيكون على الولايات المتحدة التخلى عن محاولتها لتقوية الحكومة المركزية الأفغانية الضعيفة تاريخيا ، والسماح باستمرار الحكم اللامركزي التقليدي ، وسحب قواتها من البلاد بالكامل.

 

لكن ألن يسمح هذا الأمر لطالبان مرة أخرى بأن تمنح أسامة بن لادن والقاعدة ملجأ لديها؟ هذا يمكن أن يفترض أن بن لادن سوف يخاطر بالتحرك من ملاذه الآمن تماما في الباكستان إلى موطن جديد في جنوب أفغانستان. ومثل هذه الحركة يمكن أن تعرضه للقتل أو للأسر عندما يخرج للعلن بعد فترة من الاختباء. ويفترض أيضا أن طالبان- التي تهدف لاستعادة السلطة المحلية أكثر من شن جهاد عالمي - لم تعرف مدى الخطر من إيواء بن لادن والقاعدة. في المناطق التي تديرها طالبان من أفغانستان ، هناك أدلة قليلة بأنها تأوي القاعدة. وحتى لو أن طالبان لم تتعلم من طردها بعد أحداث 11 أيلول وقامت بإيواء القاعدة مرة أخرى في افغانستان ما بعد الاحتلال الأميركي ، فلدى الولايات المتحدة العديد من الحلفاء المحليين والإقليميين الذين سيساعدونها في احتواء طالبان والقاعدة. والجماعات الأفغانية التي تنافس طالبان هي الآن أقوى مما كانت عليه قبل عقد من الزمن ولديها الدوافع لإبقاء طالبان تحت السيطرة. أخيرا ، لدى القوى الإقليمية ، مثل الهند ، وإيران ، ودول آسيا الوسطى ، مصلحة في مساعدة جماعات محلية كهذه واتخاذ إجراءاتها للحد من نشاطات طالبان والقاعدة واعتداءاتها في المنطقة.

 

حتى لو فشل كل هؤلاء اللاعبين الإقليميين والمحليين في احتواء دعم طالبان المستقبلي للقاعدة ، فإن الولايات المتحدة ، ومنذ أحداث 11 أيلول ، قد أحسنت استخدام الطائرات بدون طيار المطلقة للصواريخ. يمكن إستخدام هذه الطائرات لاستهداف مخابئ القاعدة ومعاقلها ومعسكرات تدريبها عن بعد - تماما كما تستخدمها الآن بشكل فعال ضد أهداف القاعدة في أفغانستان.

 

لذا فالأمر الوحيد الذي تكشفه الوثائق التي تم تسريبها هو كيف تستمر حمى مواصلة الحرب وبناء الدولة ، بعد أحداث 11 أيلول ، في أوساط نخبة السياسة الخارجية- حتى في مواجهة النتائج السيئة على أرض الواقع طوال ما يقارب عقدا من الزمن ، وفي ظل رأي للأغلبية في أميركا يرون بأن الحرب لا تستحق أن نخوضها. وجود جيش المتطوعين بدلا من جيش من المجندين إلزاميا يقلل تكلفة الحرب بالنسبة للشعب الأميركي في الوطن ، وهذا ما أعطى صناع السياسة الأميركية شيئا من الوقت الإضافي. لكن بازدياد الضغط السياسي الداخلي ضد الحرب ، فإن الوثائق التي تم تسريبها ربما تقصّر مسيرة يوم الحساب التي لا يمكن تجنبها.

================

سؤال يبحث عن جواب صريح: علام نتفاوض؟

عبد العال الباقوري

8/16/2010

القدس العربي

هل لا يزال العرب عامة، والمفاوضون منهم خاصة، يأملون (ولم أقل: يحلمون) في الخروج من المفاوضات الجارية، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، بدولة فلسطينية مستقلة استقلالا حقيقيا، في حدود الأرض التي احتلت في حزيران (يونيو) 1967؟ سؤال أصبح من الواجب أن يطرح دون تردد، وأن يرتفع دون تلعثم، وأن يجري الجواب عنه دون خداع للنفس؟.

السؤال في الواقع ليس ابن اليوم، إنه مطروح على بساط البحث منذ بدأت عملية التسوية في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وازداد إلحاحا بعد اتفاقات أوسلو في 1993 ثم بعد فشل كامب ديفيد الثاني في تموز (يوليو) 2000. كانت أوسلو وكان الكامب الثاني محطتين رئيسيتين لطرح هذا السؤال والبحث عن جواب جاد وموضوعي له.. واليوم، في الشهر السابع من نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أصبح السؤال والجواب مهمة وطنية فلسطينية ومهمة قومية عربية تستحق أن تكون أولوية على جدول العمل الوطني الفلسطيني وعلى جدول العمل القومي العربي، الذي لا يزال موجودا ولو في أدنى درجاته وأضعف أضعف حالاته.

فلسطين التي تختفي

والسؤال يستحق أن يوضع في صيغة أكثر صراحة: علام نتفاوض عربا وفلسطينيين؟ ما مساحة الأرض الفلسطينية التي يجري التفاوض عليها وما نسبتها إلى فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر؟. إن «فلسطين تختفي» حسب تعبير كاتب وصحفي بريطاني هو «جوناثان كووك» الذي جعله عنوانا لكتابه الصادر في 2008 والذي صدرت ترجمته العربية في القاهرة في صيف 2009، وقامت بترجمته مترجمة قديرة هي الدكتورة فاطمة نصر التي أثرت المكتبة الفلسطينية بترجمة عدد من الكتب المهمة، والعنوان الكامل للترجمة هو «اختفاء فلسطين: الفلسطينيون فئران تجارب تجريها إسرائيل لتطوير تكنولوجيا حرب المدن واليأس». وهذا هو الكتاب الثالث للصحفي البريطاني الذي يقيم منذ سنوات في مدينة الناصرة، ويعمل «صحفيا حرا» أو متجولا، بمعنى أنه ينشر كتاباته وأعماله في أكثر من صحيفة مثل الغارديان البريطانية، ولوموند ديبلوماتيك الفرنسية، والانترناشيونال هيرالدتريبيون الأميركية، والأهرام ويكلي المصرية، وذا ناشيونال الإماراتية وغيرها، كما ينشر مقالاته على موقعه في شبكة «الانترنت» وفي ثلاثة مواقع أخرى يسارية مهمة، هي: الانتفاضة الالكترونية، زد نيت، وانتى وور (أي ضد الحرب). أما كتاباه الآخران فهما: «الدم والدين: نزع القناع عن الدولة اليهودية والديمقراطية» وصدر في 2006، و«إسرائيل وصدام الحضارات: العراق وإيران وخطة إعادة تشكيل الشرق الأوسط» وقد صدر في 2008 عام صدور كتابه الثالث المهم «اختفاء فلسطين».

لقد قرأت هذا الكتاب ثلاث مرات، الأولى كي أكتب مقدمة للترجمة العربية، وكان عنوانها هو: «أكثر مراحل الصراع خطورة وصعوبة»، والثانية لكي أعرض الكتاب نفسه في برنامج بقناة «الرافدين»: العراقية يقدمه الصحفي السوري الأستاذ أحمد هوّاس بعنوان «كتاب الأسبوع»، أما القراءة الثالثة فقد ارتبطت بكتابة دراسة لم تنشر بعد بعنوان: «الساداتية الفلسطينية: أبو مازن نموذجا». وكلما قرأت هذا الكتاب ازددت حماسا له وتقديرا لكاتبه الذي قدم كتابا موجزا تضمن عرضا متكاملا للفكرة الصهيونية، ولجذور الصراع العربي  الصهيوني منذ بدايته إلى العام 2008، واحتوى رؤية عميقة لمسار الصراع ومصيره لخصها المؤلف باقتدار في كلمات قليلة موجعة:

«إحدى المفارقات البشعة لهذا الصراع الذي ظل ممتدا لمائة عام هي أنه فيما أصبح الفلسطينيون، أخيرا، يعترف بهم كشعب، فقد وصلت فرصتهم في السماح لهم بدولة حقيقية إلى أدنى المستويات التي وصلت إليها أبدا.. قد يكون الفلسطينيون قد ظهروا من الظلال، لكن فلسطين نفسها قد اختفت». وهذه هي فكرة الكتاب المحورية، التي تكاد تتنفس في كل صفحة من صفحاته، من خلال أقوال وأفعال وكتابات الصهاينة السياسيين والعسكريين والمفكرين، فقد كان منطلقهم جميعا  مع خلافات هامشية وشكلية وخداعية  هو أن الأرض التي بلا شعب هي للشعب الذي بلا أرض!. وقد عرض جوناثان كووك في الفصول الأربعة الأولى من كتابه التطورات الرئيسية في تاريخ الصهيونية الطويل من التعدي على الشعب الفلسطيني وأرضه: «دونما بعد دونم ومعزة بعد معزة». وكان رفض الاعتراف بالفلسطينيين كأمة هو التطور المحتم لإيديولوجيا أنكرت وجود أي حضور غير يهودي ذي أهمية بفلسطين. ألم تصل البجاحة الوقحة ب غولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة إلى قول «لم يكن ثمة شيء يسمى الفلسطينيين.. لم يكن الأمر وكأنه كان هناك شعب فلسطيني في فلسطين يعتبر نفسه أمة فلسطينية ثم أتينا نحن وألقينا بهم خارجها وأخذنا بلدهم منهم، لم يكن لهم وجود».

من فمهم..

ودون الخوض في تفصيلات واستشهادات واقتباسات كثيرة يوردها جوناثان كووك من مصادرها الصهيونية الأصلية فإن هذا الفصل من الصراع لم يعد تاريخا، إنه لا يزال سياسة قائمة تتحرك وتسعى ويجرى تطبيقها في أرض الواقع، ولا يزال إيهود باراك وبنيامين نتنياهو وتسيبي ليفني وإيهود أولمرت وغيرهم من السياسيين والعسكريين الإسرائيليين يتحدثون اليوم بألسنة أسلافهم أمس من تيودور هيرتزل وإسرائيل زانجويل وديفيد بن غوريون. وهذه السياسة تتلخص في كلمة واحدة: الإبادة الجماعية, التي تؤدي إلى «أرض أوسع وعرب أقل». أقل ما يمكن.. وقد تفنن الصهاينة في اختراع الوسائل والأساليب التي تحقق لهم ذلك وتضمن لهم الخلاص من الشعب الفلسطيني أو الجزء الأكبر منه، في فلسطين كلها سواء في ذلك أراضي 1948 أو أراضي 1967. وهنا يقدم جوناثان كووك مقارنات وأرقاما ووقائع وخططا صهيونية تثير التساؤل حول مدى إلمام المفاوض العربي والفلسطيني بها قبل أن يجلس إلى مائدة التفاوض وساعات جلوسه إليها. هل أدرك هؤلاء المفاوضون من قبل وهل يدركون اليوم أن «هدف إسرائيل النهائي كما يحذر (عالم الاجتماع الإسرائيلي الراحل) كيمرلينج هو ذاته هدف الإبادة الجماعية: اختفاء الأمة الفلسطينية إلى الأبد». وما قدمه «كيمرلينج» بهذا الشأن من سياسات إسرائيلية لا يعني تجريد الفلسطينيين من حقوقهم بل من آدميتهم.

متى يدرك مفاوضونا هذا؟ متى يعرفون نيات وأهداف أيهود باراك وبنيامين نتنياهو؟ إذا كانوا لا يعرفون ما عليهم سوى أن يأخذوا كتاب كووك على أنه دليل المفاوض الذكي لمعرفة عدوه الذي أصبحنا ندلله بلفظ «الآخر»! وأي آخر؟ أليس هو الذي يتحدث باسمه إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق في خطاب له أمام الكونغرس الأميركي في 24 أيار (مايو) 2006، بقوله: «ظللنا نحن اليهود لآلاف السنوات، يغذينا ويبقى علينا توق إلى أرضنا التاريخية، ومثل آخرين كثيرين نشأت بقناعة عميقة، أن اليوم الذي يكون علينا فيه التخلي عن بعض أجزاء أرض أسلافنا لن يأتي أبدا. آمنت وما زلت أؤمن حتى يومنا هذا بحق شعبنا الأبدي والتاريخي في تلك الأرض جميعها».

أليس «أولمرت» هذا هو الذي يكاد يصوره السيد محمود عباس (أبو مازن) رئيس السلطة الفلسطينية وكأن ما عرضه من «تنازلات» في جلسات التفاوض معه هو «منتهى الأمل» وغاية المنى؟ وهو يقول هذا دون أن يقدم دليلا عمليا موثقا على صحة وصدق ما يقول، لدرجة أن ايهود باراك رد عليه منذ أيام بأن محادثاته مع أولمرت لم تكن لها محاضر ولا جداول أعمال؟!.

إذن من نصدق؟. نصدق جوناثان كووك فيما عرضه من وثيقة نشرتها صحيفة «هآرتس» في كانون الأول (ديسمبر) 2007، وهي عبارة عن ورقة من 26 صفحة بعنوان «وضع العملية الدبلوماسية مع الفلسطينيين». وقد تم إعداد هذه الورقة بعد فشل مؤتمر كامب ديفيد الثاني في تموز (يوليو)2000، والذي ترأس الوفد الإسرائيلي فيه ايهود باراك رئيس الوزراء عندئذ.

المطالب الإسرائيلية الثلاثة

وكان الهدف من الورقة هو تقديم موجز بما حدث في المؤتمر لمن يفوز في الانتخابات العامة الإسرائيلية في شباط (فبراير) 2001. ركزت الوثيقة على الحد الأقصى لما كان الوفد الإسرائيلي مستعدا لتقديمه دبلوماسيا في كامب ديفيد وعادت الوثيقة للظهور مرة أخرى كي تكون أمام ايهود أولمرت قبل سفره إلى مؤتمر أنابوليس الذي دعا إليه الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش. وتكشف الوثيقة كما أوردها كووك نقلا عن «هآرتس» أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أصر على ثلاثة مطالب أساسية كي يوافق على «إنهاء الاحتلال» و«إقامة دولة فلسطينية».

إن هذه المطالب الإسرائيلية الثلاثة التي تمسك بها ايهود وباراك جديرة بأن تقرأ اليوم تفصيلا كما أوردها صاحب «اختفاء فلسطين»، لأنها وثيقة الصلة بما يجري اليوم استئنافا للمفاوضات المباشرة، التي من المؤكد أنها قادمة بناء على طلب الرئيس الأميركي، كما أنها وثيقة الصلة بسؤال علام نتفاوض؟ أو ما الذي بقي لنتفاوض عليه أو ما هي «العظمة» التي سيقدمها لنا الإسرائيليون كي نفرح ونسميها «دولة»؟ والمطالب الثلاثة هي:

«أولا: الإبقاء، على «الكتل الاستيطانية» غير القانونية مع الإبقاء أيضا على 8% من الأراضي التي ضمت إلى إسرائيل بالضفة الغربية. وفقا للوثيقة، فقد اقترح أن تضم إسرائيل 8% من مساحة الأراضي المحتلة، وفي مقابل هذا، سيتم تعويض الفلسطينيين بشقفة صغيرة من أراضي إسرائيل، ربما في صحراء النقب وأقل جودة بكثير. اقتضت هذه الترتيبات ترك 400000 يهودي يعيشون داخل الضفة الغربية والقدس في مناطق محصنة تربط بينها طرق للمستوطنين، موجدة بذلك متاهة من الممرات الأرضية الإسرائيلية تصل بين مجموعة من الغيتوهات الفلسطينية، بدلا من الدولة التي يفترض أن باراك كان قد وعد بها.

«ثانيا: يحتفظ بطوق أمن عريض يشرف عليه الجيش بطول وادي الأردن بالضفة الغربية، يمتد من البحر الميت وحتى مستوطنة مهولان اليهودية الشمالية وبما أن هذه المنطقة الأمنية موجودة بالفعل فلا حاجة لنا أن نتكهن بما أُفترض أن تكون عليه. منذ عقود، عمل بضعة آلاف من المستوطنين على التأكد من أن تلك المساحة حوالي خمس الضفة الغربية قد ضمت إلى إسرائيل تقريبا. ويحظر على غالبية الفلسطينيين، باستثناء القليلين منهم الذين سمح لهم بالعيش في الوادي ذاته، دخولها. ووادي الأردن هو إحدى المناطق الأكثر خصوبة في الضفة الغربية، وفي الوقت الراهن تستغل إسرائيل إمكانياته الزراعية الهائلة. وفقا لعرض باراك، يتم حرمان الفلسطينيين من السيطرة المناطقية والاقتصادية على الوادي ومن مزاياه التي من المفترض أن تصبح من حق أية دولة فلسطينية مستقبلية.

«وثالثا، طالبت إسرائيل بتنازلات مناطقية هائلة في القدس الشرقية، في اتساق مع ضمها غير المشروع للمدينة التي احتلتها عام 1967. أراد باراك الإبقاء على الاتصال المناطقي للمستوطنات غير الشرعية بالمدينة، مع إجبار الفلسطينيين نتيجة لهذا على العيش داخل ما أسمته صحيفة هآرتس سلسلة من «الفقاعات».

«طلب باراك الاحتفاظ بالحدود البلدية الموسعة للقدس، بحيث تفصل المدينة، التي من المفترض أن تكون المحور الاقتصادي والسياحي لأية دولة فلسطينية مستقبلية، عن باقي الضفة الغربية. ووفقا لهذه الترتيبات كانت مستعمرتا معالي أدوميم وهار حوما، اللتان تتحكمان في المنطقة الممتدة من القدس الشرقية وحتى وادي الأردن ستظلان تحت السيادة الإسرائيلية، وبهذا تقسم الضفة الغربية نصفين.

.. وشروط بالجملة

«كانت ثمة شروط إسرائيلية أخرى مهمة. أرادت إسرائيل ضم الأحياء اليهودية والأرمنية إليها وكذلك أجزاء مما يسمى «الحوض المقدس» خارج أسوار المدينة القديمة. أما منطقة المسجد الأقصى وقبة الصخرة تلك المنطقة التي يطلق عليها اليهود «جبل المعبد»، فتوضع تحت سيادة «ملتبسة» لتستغل، بلا ريب، فيما بعد، بواسطة الطرف الأقوى، أي إسرائيل. كانت تلك المطالب الإسرائيلية للقدس الشرقية، بالإضافة إلى مطالب أخرى لا بد وأن تعمل على تقطيع المناطق الفلسطينية لتصبح سلسلة من الجيتوهات، صورة طبق الأصل من سياسات إسرائيل في الضفة الغربية، أصرت إسرائيل أيضا على الاحتفاظ بالتحكم المطلق في الممر الأرضي الذي يربط الجزأين الرئيسيين من الدولة الفلسطينية في المستقبل، الضفة الغربية وقطاع غزة، مما يتيح لها قطع الاتصال بينهما حينما تريد ذلك.

«رفض باراك الموافقة على اللازمات المعتادة لأية دولة، مثل تكوين جيش، الأمر الذي كان يريده عرفات، كما توقعت إسرائيل اعتراف الفلسطينيين بما قامت به من ضم غير شرعي عام 1967 لمساحة من الضفة بالقرب من القدس تعرف باللطرون، ويطلق عليها الآن منتزه كندا، وتطهيرها عرقيا من الفلسطينيين.

ويعلق جوناثان كووك على هذه الوثيقة بقوله:

«يبدو أنه أثناء تلك المفاوضات، تناسى باراك وكلينتون أنه في نهاية الثمانينات أي قبل ذلك بما يربو على عقد من الزمان، أتى الفلسطينيون بتنازلات كبرى لا يُعترف بها غالبا، لإسرائيل، كان عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية قد تخلوا رسميا عن أي أمل في استرداد ما اغتصب من وطنهم عام 1948، وبدلا من ذلك حددوا مطالبهم باسترداد غزة والضفة الغربية اللتين اغتصبتا عام 1967. بإيجاز كان الفلسطينيون قد كيفوا أنفسهم، رغما عنهم، على القبول بإقامة دولة على 22% فقط من فلسطين التاريخية. وإذا كان هذا العرض مفرط السخاء الذي قدمه الفلسطينيون لإسرائيل، فماذا كان اقتراح باراك للفلسطينيين مقارنة به؟ تكشف الوثيقة أن باراك عرض على الفلسطينيين مساحة تقل كثيرا كثيرا عن الحد الأدنى الذي كان الفلسطينيون قد ارتضوا به لأنفسهم، طلب من عرفات التخلي عن أجزاء كبيرة من الدولة المفترض أن تقام بالضفة والقطاع، أي الحدود البلدية الموسعة بالقدس، ومنطقة اللطرون، و 8% من الضفة الغربية لاستيعاب المستوطنات، و20% أخرى للطوق الأمني بوادي الأردن بتعبير أخر، كان يطلب من الفلسطينيين التوقيع على اتفاقية تعطيهم سيادة ملتبسة ومنقوصة جدا على ما لا يزيد عن 14% من وطنهم التاريخي، كانت هذه حدود عرض باراك وفقا للوثيقة الإسرائيلية الرسمية.

«ورغم مزاعم باراك عن سخائه، فإننا نعرف، واستنادا إلى تسريبات صحيفة هآرتس، أن باراك، قبل كامب ديفيد، كانت تساوره شكوك قوية في إمكانية إقناع الفلسطينيين بقبول شروطه. تكشف الوثيقة أنه، وبالتوازي مع إعداده للمحادثات، كان باراك يعمل على خطة «فصل» أحادية مفروضة في حالة فشل المفاوضات، واكتملت تلك الخطة قبل شهر من المحادثات، أي في حزيران (يونيو) 2000، وصادق عليها مجلس الوزراء بالتنفيذ في تشرين الأول (أكتوبر) 2000، عقب اندلاع الانتفاضة مباشرة ووفقا لما جاء في هآرتس، فقد شمل اقتراح الفصل جميع مناحي الحياة الفلسطينية وكان من المفترض أن يستغرق تفعيل الخطة كاملة سنوات عديدة، ورغم عدم ذكر هذا في الوثيقة الرسمية، فقد كان أفرايم سنيه، نائب وزير الدفاع في حكومة باراك، قد قام برسم ما سمى «خريطة الفصل» كأساس تقدمه إسرائيل للفلسطينيين. علق شلومو بن عامي، كبير فريق التفاوض بكامب ديفيد، فيما بعد، على استعدادات باراك للمحادثات. قائلا: «كان يشعر بالزهو لأن خريطته ستترك لإسرائيل ثلث مساحة الضفة الغربية». ووفقا لبن عامي، فإن رئيس الوزراء قد قال عن الغيتوهات التي ينوي احتجاز الفلسطينيين داخلها وهو يشير إلى الخريطة: «انظروا، هذه هي الدولة، تبدو كدولة تفي بالأهداف التي أقيمت من أجلها».

«من هذه الكشوفات المتنوعة، يمكننا استخلاص أن هدف كامب ديفيد كان هو العمل على تحقيق أمل باراك في مصادقة عرفات على الفصل وفقا لخريطته المجحفة بامتياز. وفي حالة فشله المتوقع، فقد كان مستعدا لفرضها بالقوة».

تساؤل مشروع

ومن الواضح أن أرقام المستوطنين الواردة في الوثيقة ترجع إلى عام 2000، فمن المعروف أن عددهم اليوم يصل إلى حوالي نصف مليون في الضفة والقدس. على أي، هذا ما حمله ايهود باراك، وما عرضه وهو 14% فقط من فلسطين التاريخية، وهي المساحة التي ستدور حولها أية مفاوضات مثيلة مباشرة أو غير مباشرة. ومن الواضح أيضا أن «وثيقة باراك» هذه ستكون مدار المرحلة الجديدة من المفاوضات فهو إلى جانب منصب وزير الدفاع يكاد يكون وزير الخارجية الإسرائيلي والفعلي، الذي تتعدد زياراته بشكل غير عادي إلى واشنطن، وهي زيارات ليست للتنزه، وليست من أجل الإعداد للعدوان على إيران فقط ويتجلى هذا بشكل خاص فيما نشرته صحيفة «معاريف» في الثلاثين من تموز (يوليو) الماضي عن محاضرة ألقاها باراك في اجتماع لما يسمى «مبادرة جنيف»، وهو اجتماع مشترك فلسطيني  إسرائيلي، وتحدث فيه وزير الدفاع الإسرائيلي عن آفاق التسوية. وفي هذه المحاضرة عاد باراك إلى الحديث عن موقفه من كامب ديفيد وكيف انتقده سياسيون آخرون قال عنهم إنهم يتمنون اليوم تطبيق كامب ديفيد!!

بعد كل هذا أليس من حقنا أن نتساءل: علام نتفاوض؟ أقصد علام يتفاوضون؟!. «إنني أعتقد أنه لا يمكن أن يكون ثمة سلام أو صلح بين اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين حتى يسمح لفلسطين وشعبها بالعودة والظهور». هذا ما يقرره كاتب بريطاني يدعى جوناثان كووك، فهل نتعلم ونستفيد منه؟... كلما كان هذا أسرع كان أفضل على الرغم من طاقات كبيرة أهدرت، وقت ثمين ضاع .. ولكن فلسطين قادرة دوما على أن تنفض ما مضى من أخطاء وخطايا، وتتجاوز ما تم من تنازلات وخسائر، وتبدأ من جديد بشرط أن نعي جميعا الشرط الذي صاغه ذلك البريطاني المقيم في الناصرة، وهو:

«طالما بقيت إسرائيل دولة صهيونية، لن يسمح قادتها لا بدولة واحدة ولا بدولتين حقيقتين، لن يكون ثمة أمل في حل إلى أن نعالج سؤال كيفية هزيمة الصهيونية». ودون ذلك سنظل نلد للموت ونبني للخراب... ثم نعود للوقوف على قدمينا ونبدأ من جديد كما بدأنا بعد 1948 وبعد 1967، في حين كان العدو يظن أن هذه أو تلك آخر الحروب... ولكنها أطول الحروب، كتبت علينا، شاء من شاء وأبى من أبى، ولا نملك إلا أن نخوضها بشجاعة الشجعان الذين يموتون مرة واحدة، في حين يموت الجبان في اليوم مائة مرة.

كاتب فلسطيني

================

بلدان بلا حكومة: أوجه التشابه والإختلاف

محمد مسلم الحسيني

8/16/2010

القدس العربي

المتابع للوضع السياسي وللحراك الدائر في تشكيل الحكومة بعد إنتخابات ديمقراطيّة جرت في كل من العراق وبلجيكا، يجد تشابها في مسارات هذا الحراك. فرغم أن بلجيكا هي من دول أوربا الغربية المتطورة بتقنيتها وحضارتها وعمق جذورها الديمقراطيّة، إلاّ أنها داخلة في دوامة ومأزق وخلاف بين السياسيين يجعل تشكيل حكومة بلجيكيّة أمرا صعبا ومعقدا.

ورغم أنها عضو مؤسس في دول الإتحاد الأوربي وتقود أوربا اليوم، حيث أصبحت منذ مطلع شهر تموز"يوليو" الماضي رئيسا لدول الإتحاد الأوربي ضمن القيادة الدورية لدول الإتحاد، إلاّ أنها غير قادرة على قيادة نفسها بل تقودها حكومة مؤقته أي حكومة تصريف أعمال، وهذه مفارقة لا يغفل عنها المتابعون.

نفس الحالة يشكو منها المجتمع العراقي اليوم حيث تتنازع قواه السياسيّة على كراسي الحكم مما يعطي صورة متشابهة بين البلدين تدعو الى التأمل والبحث والتحليل في ميكانيكيّة هذا التشابه رغم التباين الكبير في خصوصيّات هذين البلدين. بلجيكا دولة حديثة نسبيّا تأسست عام 1831م وهي دولة هجينة تتألف من ثلاث شرائح قوميّة مختلفة هي : القوميّة الفلمنكيّة وتتكلم اللغة الفلمنكيّة المشابهة تماما للغة الهولندية وتشكل مايقارب ال 59 في المائة من السكان، والقومية الوالونيّة التي تتكلّم اللغة الفرنسية وتشكل 40 في المائة من السكان، ثم القومية الألمانية التي تتكلم اللغة الألمانية وتشكل نسبة قليلة توازي ال 1 في المائة من نسبة السكان. أما في العراق فالصورة متشابهة من حيث التركيبة الإجتماعية حيث يتقاسم أرض العراق قوميات وأديان وطوائف متباينة أهمها العرب الشيعة الذين يشكلون وحسب إحصائيات قديمة،إذ لا تتوفر إحصائيات حديثة دقيقة، ما يقرب من 54 في المائة من نسبة السكان والعرب السنة حوالي 22 في المائة والأكراد والتركمان الذين يشكلون ما يقارب ال 18 في المائة، بينما تشكل الأديان والأقليات الأخرى ما يصل الى 6 في المائة من نسب السكان بشكل عام.

الصراعات السياسيّة في ظل التأريخ الديمقراطي في بلجيكا يمتد عميقا أي منذ بداية تأسيس هذه الدولة، حيث تعرضت بلجيكا الى مطبات سياسيّة كثيرة أوشكت أن تؤدي الى تقسيم هذا البلد. دعوات التقسيم هذه لا تزال قائمة حتى هذه الساعة، فهناك من يدعو الى فصل البلاد الى ثلاث مقاطعات رئيسية وهي المنطقة الفلمنكيّة في الشمال والمنطقة الوالونيّة في الجنوب ومنطقة بروكسل في الوسط. الدعوة لهذا التقسيم تشابه الدعوة لفيدرالية المناطق في العراق والتي قد تتحول الى نواة للتقسيم والإنفصال الكامل لأنها ستكون على أسس قوميّة وطائفية، وهي تعني أن يقسم العراق الى ثلاث مناطق رئيسيّة أيضا : المنطقة الشمالية للأكراد والمنطقة الوسطى يتقاسمها العرب السنة والشيعة والمنطقة الجنوبيّة للعرب الشيعة.

إزدياد نبرة الدعوة الى التقسيم وتعالي الأصوات للإنفصال في بلجيكا تعتمد إعتمادا مركزيّا على الحالة المادية والإقتصادية التي تمرّ بها البلاد. التفاوت الحاصل في البنية الإقتصادية والمادية بين الشرائح المتباينة في بلجيكا تعتبر نقطة الإنطلاق في السجالات السياسية والنزاعات المستمرة. الفلمنيكيون هم الشريحة الأغنى في المجتمع البلجيكي ويعتبرون أنفسهم كبش فداء للوالونيين الذين يعتاشون ويستفيدون من الرفاه الإقتصادي والمادي الفلمنكي. بدأ صبر الفلمنكيون ينفذ جراء المساعدات السخيّة المستمرة الى قرائنهم الوالونيين الذين ينغمسون بهوّة الديون والمطاليب الماديّة غير المنتهيّة، كما أن اللغة الفرنسية بدأت تطغي على اللغة الفلمنكيّة مما يهدد التراث الفلمنكي الذي يعتزون به ويودون الحفاظ عليه.

التشابه مع الحالة العراقية واضح في هذا المضمار، ففي العراق ثروات طبيعية كثيرة يتركز قسم منها في مناطق دون أخرى ربما ستكون السبب الرئيس في أي نزاعات سياسية تحصل أو تكون مدعاة لدفع بعض القوميات أو الطوائف الى الإنفصال والتشرذم من أجل الإستحواذ على مردودات هذه الثروات وحصرها بهم. وهكذا فأن أسباب النزاعات السياسية في بلجيكا موجودة بنفس الصورة في العراق أيضا فكلاهما مركب إجتماعي متباين في قومياته ولغاته وتوجهاته وكلاهما له موارد تتباين في التوزيع والموقع والنسبة. هذا التباين الصريح في الحالة المادية الإقتصادية والحالة الإجتماعية في مجتمع واحد وتحت نظام الديمقراطيّة قد يسبب مشاكل سياسيّة معقدة قد تؤول الى تطلّع البعض للإنفصال والإنسلاخ من النسيج الإجتماعي الواحد الذي يضم هذه الشرا ئح المتباينة.

رغم هذا التشابه في أسس التباينات السياسية بين السياسيين في هذين البلدين إلاّ أن الوضع السياسي العراقي يتعرض الى مخاطر إضافية وعوامل خارجيّة وداخلية تزيد من حدّة الأزمة وتفاقمها وهذا ما يجعله مختلفا في بعض الأمور عن الوضع السياسي البلجيكي. بلجيكا وعاصمتها بروكسل تعتبر العاصمة الفعلية لأوربا، فأوربا الموحدة لن تسمح بأي خلل سياسي أو تشرذم يحصل في عاصمتها، أي أن المحيط الخارجي المتمثل بدول الجوار ودول الإتحاد الأوربي والدول الغربية الأخرى بشكل عام لا يشجع الإرباك السياسي في هذا البلد بل يردع أي تطورات سلبية قد تفضي الى التشرذم والتقسيم. عكس الحالة العراقية تماما، إذ أن دول محيط العراق والدول الخارجية بشكل عام بين جار ومجرور في الشأن العراقي وهذا ما يزيد حدّة الملابسات والإختلافات السياسيّة في هذا البلد.

هذا من جهة ومن جهة أخرى فأن من المفارقات التي تتميّز بها الحالة العراقية في الوقت الراهن هو عدم نضوج مفهوم الديمقراطية في عقول ونفوس بعض السياسيين العراقيين. فظاهرة "شبق السلطة" وحب الأنا وعدم التسليم بالرأي الآخر، وبناء هيكل الديمقراطية على أسس دكتاتورية أي نشوء حالة ال " الدكتوقراطيّة"، إن صحّ التعبير، وقلة الوعي الديمقراطي بشكل خاص والوعي الإجتماعي بشكل عام، كلّ ذلك يجعل تأزم الحالة في تفاقم مستمر. فالذي يراقب الحالة العراقية عن كثب قد يصعب عليه أن يرى سيناريوهات مثالية تصنع من الوضع الحالي دولة مستقرة موحدة آمنة في ظل التشرذم السياسي الداخلي وصراع الأقطاب الخارجي.

من هنا نستطيع أن نستخلص ونستنبط ومن خلال الوضع السياسي في العراق وبلجيكا الدروس والعبر التالية:

أولا: أن تطبيق الديمقراطية في بلدان فيها تباين إجتماعي هام هي عملية حساسة وخطيرة للغاية، إذ قد يولج البلد غير المحضر لها تحضيرا علميا صميميا وحقيقيا في متاهات ومصائب لا تحمد عقباها. لأن وجود تباينات عرقية أو لغوية أو دينية أو طائفية في المجتمع الواحد كفيل بدفع هذه البلدان في ظل ديمقراطية هشّة وغير منظمة الى نزاعات سياسية محتدمة قد تقود الى تقسيم البلاد وتفتيتها أو الى الولوج في أتون حرب أهلية. حتى الدول المتقدمة نسبيّا في العالم قد فتتت الديمقراطية الأواصر الموجودة بين شعوبها وقسمتها، ففي ظل الديمقراطية غدت تشيكوسلفاكيا السابقة دولتين ويوغسلافيا السابقة دويلات والإتحاد السوفيتي السابق دول. كما أن اقليم الباسك في أسبانيا يسعى للإستقلال على أسس عرقية عن أسبانيا وايرلندا الشمالية تتوق للإنفصال عن بريطانيا لأسباب طائفية، والتقسيم على أساس اللغة في كل من بلجيكا وكندا أضحى قاب قوسين أو أدنى ما لم تنتبه الشعوب على نفسها.

ثانيا: رغم أن الأسباب الظاهرية للأزمات السياسية بين السياسيين تتبرقع ببرقع العرق أو اللغة أو الطائفة أو الدين، إلاّ أن الأسباب الكامنة والحقيقية من وراء الحركات الإنفصالية هي غالبا ما تكون مادية إقتصادية بحته. فان كانت على سبيل المثال كتلة من مجتمع ما تتمتع برخاء إقتصادي أكبر من الكتلة الأخرى الموجودة في نفس المجتمع فسوف نرى طلبات الإنفصال والتقسيم صادرة عادة من الفئة الغنية وليس الفقيرة. كما أن الفئة الفقيرة في ذلك المجتمع تكون عادة الأكثر تمسكا والأشد إلتصاقا بعرى التماسك والإلتحام. فالفلمنكيون هم الأغنى إقتصاديا في المجتمع البلجيكي والوالونيون هم الأفقر. والفلمنكيون هم من يشتكي من عبء الوالونيين المادي عليهم الى درجة أن بعضهم يرنو الى التقسيم والإنفصال.

ثالثا: من أجل إرساء أسس الديمقراطية الحقة في بلداننا التي لم تر نور الديمقراطية بعد! على رواد الديمقراطية ومناصريها أن ينتبهوا الى ضرورة توعية شعوبهم بأسس الديمقراطية الصحيحة وأن ينشروا مبادىء ثقافة الديمقراطية كي لا تنخدع تلك الشعوب وتقع فريسة سهلة بين براثن المتطرفين والمتشددين أو الفئويين وعشاق الذات. ولكي لا تصبح الدكتاتورية المرّة العنيدة أبهى وأنسب من الديمقراطية الهشة الجديدة فيضيع الخيط والعصفور وتخرج الشعوب المتعبة من صحراء الدكتاتورية الجافة لتدخل في نار الديمقراطية الحارقة ويصح عندها المثل القائل: كالمستجير من الرمضاء بالنار.

كاتب فلسطيني مقيم في بلجيكا

================

عسل الأسد

صبحي حديدي

8/16/2010

القدس العربي

في 'العهد القديم'، سفر القضاة، 16: 23  30، يسير السرد هكذا: 'وأمّا أقطاب الفلسطينيين فاجتمعوا ليذبحوا ذبيحة عظيمة لداجون إلههم ويفرحوا وقالوا قد دفع إلهنا ليدنا شمشون عدوّنا (...) وكان لما طابت قلوبهم أنهم قالوا ادعوا شمشون ليلعب لنا فدعوا شمشون من بيت السجن فلعب أمامهم وأوقفوه بين الأعمدة. فقال شمشون للغلام الماسك بيده دعني ألمس الأعمدة التي البيت قائم عليها لأستند عليها. وكان البيت مملوءاً رجالاً ونساء وكان هناك جميع أقطاب الفلسطينيين وعلى السطح نحو ثلاثة آلاف رجل وامرأة (...) وقبض شمشون على العمودين المتوسطين اللذين كان البيت قائماً عليهما واستند عليهما الواحد بيمينه والآخر بيساره. وقال شمشون لتمت نفسي مع الفلسطينيين...'.

وحسب الرواية التوراتية ذاتها، كان معبد داجون هذا يقع في غزّة، وهناك نفّذ شمشون أوّل عملية إنتحارية في التاريخ، بعد أن استردّ قوّته حين طال شعره ثانية، وكان قد فقدها وصار عاجزاً إثر نجاح دليلة الفلسطينية في الإيقاع به وحَلْق سبع خُصَل من شعره. و'العهد القديم' يروي أنّ بني إسرائيل أغضبوا الربّ، فدفعهم للفلسطينيين أربعين سنة؛ وأنّ امرأة منوح، العاقر، ولدت شمشون ليكون الطفل الإعجازي الذي سيتولى تخليص إسرائيل من أعدائها. ومثل كثير من أقاصيص التوراة، تجرّدت حكاية شمشون من صفات الأسطورة، وصارت واقعة تاريخية مسلّماً بها، واكتسب بطلها سمات ملحمية سوبرمانية، تضاعفت على مرّ الأزمنة في الواقع، وليس خلال الأحقاب القديمة وحدها.

ففي كتابه 'عسل الأسد'، يتناول الروائي الإسرائيلي المعروف دافيد غروسمان شخصية شمشون، من زوايا عديدة جديدة، ومختلفة عن المألوف، ولعلها مخالفة للتنميط الراسخ في التوراة. إنه أقرب إلى أوديب التراجيدي، صريع الأقدار المحتومة المكتوبة سلفاً، منه إلى رجل الخوارق الجبّار الذي انتزع العسل من جوف الأسد، وأعمل في أهل غزّة بطشاً، وأحرق أكداسهم وزروعهم وكرومهم. وغروسمان يبرع تماماً في التفكيك النفسي لشخصية شمشون، من خلال تحليل متأنٍ مستفيض لخطّ صراعه المركزي بين المصير المسطّر سلفاً، والمسار الذي تختطه الأهواء الذاتية، والوقائع القاهرة.

ولا يفوت غروسمان أن يتوقف مراراً عند كلّ تفصيل توراتي يمكن أن يُقرأ على نحو مختلف أو مخالف، فيحمل قسطاً من الدلالة حول الراهن. وضمن هذه الروحية، ولأنه من أوائل القائلين بأنّ الإمعان الإسرائيلي في نكران الحقّ الفلسطيني سوف يسفر عن جملة تشوّهات عضوية قد تهدّد وجود الدولة العبرية ذاته، يخلص غروسمان إلى مآل صاعق يسير على لسان شمشون، في السطر الأخير من الكتاب: 'فلتَمُتْ روحي كما عشتُ على الدوام: وحيداً، دون أن أكون قريباً حقاً من أيّ روح، وسط الغرباء. فلتَمُتْ روحي، إذاً، وسط الفلسطينيين'!

قراءة إسرائيلية أخرى معاصرة، أتحفنا بها الحاخام الإسرائيلي إليتسور سيغيل، فدعا إلى تنفيذ عمليات إنتحارية يهودية ضدّ الفلسطينيين، عملاً بمبدأ 'التضحية' الذي استنّه شمشون، وليس اقتداء بالعمليات 'الإنتحارية' التي ينفذها الفلسطينيون. وفي مقال شهير بعنوان 'التضحية بالنفس من أجل الربّ'، كتب الحاخام: 'الإنتحار في زمن الحرب حلال إذا كان هدفه نصرة إسرائيل، والمتطوّع لأداء مثل هذه العمليات سوف يكون في عداد الأبطال والشهداء'. وللإيضاح، سيغيل كان الحاخام الأشدّ تطرّفاً في مستوطنة تابواه، التي تجثم على إحدى هضاب الضفة الغربية، وتقطنها أغلبية من غلاة اليهود المتدينين، وبينهم بصفة خاصة أتباع الحاخام الأشهر مئير كاهانا.

الأب جون ل. ماكنزي  الأمريكي، أحد كبار باحثي 'العهد القديم'، وبين قلّة طرحت أسئلة شكّ عميقة حول عدد كبير من الروايات التوراتية، الأمر الذي عرّضه مراراً لتهمة الهرطقة  يردّ الحكاية إلى مصافّ الأسطورة المضخمة، والمتضخمة. إذْ كيف يمكن لمعبد هائل، يتسع سطحه لثلاثة آلاف رجل وامرأة، أن يقوم على عمودين لا ثالث لهما، تفصل بينهما مسافة ذراعَيْن فقط؟ وبذلك فإنّ حكاية شمشون ليست سوى واحدة من الأقاصيص التي لا بدّ أنّ المخيّلة الشعبية العبرانية قد ابتدعتها ضدّ الفلسطينيين؛ وفي العموم، يساجل ماكنزي، لا تتمتع أقاصيص الأبطال الخرافيين بمصداقية كافية، وسندها في السجلّ التاريخي ضعيف أو افتراضي.

.. وهذه حال سندها الأركيولوجي، أيضاً! فقد أعلنت بعثة البروفيسور أرين مئير، من جامعة بار إيلان الإسرائيلية، أنها عثرت مؤخراً على معبد فلسطيني قرب تلّ الصافي (تيل زافيت، كما أسمته إسرائيل بعد تطهيره عرقياً من الفلسطينيين، صيف 1948)، يعود إلى الأحقاب التوراتية، شبيه بالمعبد الذي تصفه حكاية شمشون، مع فوارق كبرى: الموقع ليس في غزّة، ولا على مقربة منها؛ والمعبد لم يتهدّم بسواعد بشرية بل نتيجة زلزال هائل، قوّته 8 درجات في مقياس ريختر، ضرب المنطقة قبل 900 سنة للميلاد! وهكذا وجد مئير نفسه مضطراً، وهو أحد غلاة الباحثين عن إسناد وقائع التوراة اعتماداً على الآثار، إلى التسليم بأنّ هذا المعبد الجديد يلقي المزيد من الشكّ على حكاية تهديم معبد غزّة؛ الذي لم تقع عليه عين، بعد، في كلّ حال.

ثمة، إذاً، الكثير من الأحاجي التي يتوجّب على أمثال مئير مجابهتها، وربما تلفيق حلولها، قبل تلمّس العسل الشمشوني النفيس، الكامن في جوف الأسد!

================

صمت «إكونوميست» الذي لا يغفر حيال عداء سيد قطب للسامية

ريتشارد كوهين

الشرق الاوسط

16-8-2010

حرصت دوما على مطالعة مجلة «إكونوميست»، حيث تروق لي الكثير من عناصرها، خاصة مراجعات الكتب لما يتمتع به أسلوب عرضها من قدرة على الإقناع وحيوية كبيرة، بجانب أن المجلة غالبا ما تعرض كتبا لا أجد مراجعات لها بأي إصدار آخر. من بين الأمثلة على ذلك سيرة ذاتية عرضتها «إكونوميست» لأحد أهم المفكرين المسلمين المعاصرين، سيد قطب. وقد حصل هذا الكتاب على مراجعة جيدة.

جدير بالذكر أن قطب أعدم عام 1966 من قبل النظام المصري برئاسة جمال عبد الناصر بعد تعرضه للتعذيب. ويعد الزعيم الفكري لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة وصاحب إنتاج أدبي غزير. من بين مؤلفاته كتاب بعنوان «معركتنا مع اليهود»، الذي يعتمل بقدر هائل من العداء الصارخ للسامية، الأمر الذي دفع «نيويورك ريفيو أوف بوكس» لوصف آراء قطب مؤخرا بأنها «على نفس درجة تطرف آراء هتلر». ورغم ذلك، التزمت «إكونوميست» صمتا مريبا لا يمكن غفرانه حيال ذلك.

ويثير موقف المجلة الحيرة والضيق، وخاصة أن قطب ليس واحدا من الشخصيات الهامشية، وإنما مثلما يشير عنوان فرعي للمراجعة التي تعرضها «إكونوميست»، يعد «أبو الأصولية الإسلامية»، ومن المستحيل قراءة أي كتابات حول هذا الرجل لا تشهد بأهميته المعاصرة الكبرى. كما أن عداء قطب للسامية لم يكن نتاجا لحماس الشباب المعهود واندفاعه، ثم تبرأ منها لاحقا مع تقدمه في العمر. وإنما وضع قطب هذا الكتاب في أواسط عمره ونشره في مطلع خمسينات القرن الماضي، مما يعني أن هذا الكتاب جرى تأليفه بعد وقوع المحارق النازية بحق اليهود (هولوكوست)، ووضعه مؤلفه رغم علمه الكامل بما ترتب على العداء للسامية. ومع ذلك، لم يهتز قطب بما تعرض له اليهود من مذابح جماعية في أوروبا، وبقي على موقفه.

إلا أنه على ما يبدو ينطبق القول ذاته على آخرين ممن يكتبون عنه. مثلا، في كتابها الأخير الذي أثار ردود فعل طيبة بعنوان «العرب»، أشارت إيوجين روغان من جامعة أكسفورد إلى قطب باعتباره «أحد أكثر الإصلاحيين الإسلاميين نفوذا في القرن العشرين»، لكنها لم تنوه بعدائه للسامية وكراهيته الشديدة للولايات المتحدة.

مثلما الحال مع الإرهابيين مرتكبي هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، قضى قطب بعض الوقت في أميركا - تحديدا في غريلي بكولورادو وواشنطن العاصمة وبالو ألتو بكاليفورنيا - حيث تعلم كراهية الأميركيين. وأثار اشمئزازه بصورة خاصة الطابع الجنسي الصريح المميز للنساء الأميركيات. ولك أن تتخيل شعوره لو كان قد زار نيويورك.

وعليه، يتضح أن المراجعة التي وضعتها «إكونوميست» مثيرة للذهول في ما يخص المعلومات التي أغفلت ذكرها. هل من المعقول أنه بعد مرور 65 عاما فقط من خمود نيران أوشويتز، تراجعت أهمية العداء للسامية لتصبح قضية شخصية تافهة، مثل تفضيل الشقراوات - أي أمر لا يستحق الذكر؟

إن قطب يختلف عن ريتشارد واغنر، الذي على الرغم من عدائه الشديد للسامية، فإن ذلك لم يؤثر قط على موسيقاه. إن كراهية قطب لليهود لم تكن أمرا عارضا، فعلى الرغم من أنها لم تكن فكرة محورية في أعماله، فإنها أثبتت لنفسها أهمية كبيرة، نظرا لاعتناق جماعة مثل حماس لها بجانب أفكار أخرى. الملاحظ أن قطب يلقي اللوم على اليهود عن كل شيء تقريبا، مثل «المادية الإلحادية» و«الشهوانية الحيوانية» و«تدمير الأسرة»، وبالطبع شن حرب متواصلة ضد الإسلام.

من الواضح أن هذا الأمر ليس بالهين. اللافت أن منتقدي إسرائيل يتهمونها دوما بالعنصرية في تعاملها مع الفلسطينيين، وهو اتهام يكون صحيحا في بعض الأحيان، لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية أو الثقافة الشعبية هناك لا تحمل أي أمر مشابه لما يجري قوله علانية وبمباركة رسمية داخل العالم العربي عن اليهود. وتحمل الرسالة العربية أصداء العنصرية النازية.

ورغم أن «إكونوميست» وروغان غير كافيين لتكوين ما يمكن وصفه بحركة، أجد من المتعذر علي التغلب على الشعور بأن هناك رغبة هائلة في تشويه صورة إسرائيل لدرجة تسمح بالتغاضي عن الإخفاقات الأخلاقية لأعدائها. ومثلما أوضح جاكوب ويزبرغ مؤخرا في «سليت»، فإن حركة «قاطعوا إسرائيل» تفتقر على نحو واضح إلى التوازن، حيث توجه الكثير من مشاعر الغضب تجاه إسرائيل، بينما لا تصب سوى القليل للغاية من هذا الغضب على دول أخرى مثل الصين وفنزويلا.

هل يمكن أن يكون الفيلسوف الفرنسي فلاديمير جانكلفيتش كان ذا بصيرة ثاقبة عندما قال منذ سنوات إن العداء للصهيونية «يمنحنا الإذن، بل والحق، بل والواجب في أن نكون معادين للسامية باسم الديمقراطية»؟ لقد أصاب الخط الفاصل بين العداء للصهيونية والعداء للسامية قدرا متزايدا من التشوش.

ونظرا لأن مراجعات الكتب التي تقدمها «إكونوميست» غير موقعة - والمجلة ذاتها لن تفصح عن اسم المراجع - يبقى من المستحيل معرفة من اقترف هذا الخطأ. لذا، تتحمل المجلة المسؤولية ليس عن سوء الذوق أو الجهل الذي يتعذر فهم مبرراته فحسب، وإنما لتجاهلها تعهدها المعلن في صدر صفحتها الأولى ب«الدخول في منافسة بين الذكاء... والجهل الحقير الذي يعيق تقدمنا». لكن خلال هذا العرض، لم تخسر المجلة المنافسة فحسب، وإنما لم تشارك فيها من الأساس.

* خدمة «واشنطن بوست»

=======================

نيشيكاوا والكلب!

الكاتب : عبدالله المغلوث

الوطن السعودية 11/7/2010

قبل أربعة أعوام جمعني وشابين سعوديين وأمريكياً مصعد في جامعة ويبر الحكومية بمدينة أوجدن، في ولاية يوتاه الأمريكية. كاد المصعد ينهمر دموعا تعاطفا مع الأمريكي الذي انهال عليه أحد السعوديين المراهقين تهكما بلغة عربية. كان السعودي يهزأ من لحية الأشقر وبنطلونه. يسخر من شعره وأنفه مستغلا عدم فهمه لما يقول. وخلال محاولتنا إيقاف قصف مواطننا فوجئنا بالأمريكي يلتفت نحونا مبتسماً، ووجهه يفيض سلاما، ويقول لنا بلغة عربية هادئة ' ليس كل أشقر لا يجيد العربية. أنا من أصل سوري. أنا مصدوم مما قال رفيقكما، لكن ماذا عساي أن أقول؟'.

وفي أمريكا أيضا، أذكر أنني ونحو 15 طالبا أجنبيا تكدسنا في شقة زميل ياباني، ودار بيننا حوار طويل حول العادات والتقاليد المختلفة في كل بلد، وسألنا مضيفنا (نيشيكاوا) قبل أن ننصرف من شقته أن نلقي قصيدة بلغتنا الأم. وقد تبرع أحد الزملاء السعوديين بإلقاء قصيدة نيابة عنا نحن معشر الطلاب العرب في تلك الشقة، حيث كان يبلغ عددنا وقتئذ 5 من السعودية، والإمارات، ومصر.

وقد ارتجل صاحبنا بتصرف البيت الأول لقصيدة ابن الرومي التي هجا فيه حاجب الوزير:

وَجهُك يا نيشيكاوا، فيهِ طولُ... وفي وُجوهِ الكلابِ طُول

وحينما سأل نيشيكاوا صاحبنا عن معنى القصيدة أجابه بأنها تعني أن وجهك فيه ضوء لا يضاهيه سوى ضوء الشمس!

وقبل أن نفرغ من تقريع صاحبنا على اختياره وسلوكه اتصل به نيشيكاوا، الذي أدرك معنى البيت الحقيقي عن طريق أحد الزملاء، معبرا عن غضبه الهائل الذي طالنا أجمعين، حيث عاهد نفسه ألا يصادق عربيا طوال حياته بسبب قصيدة ابن الرومي التي رماها صاحبنا في وجهه.

الموقفان السابقان يعكسان وجود خلل في سلوكياتنا. هذا السلوك الذي لم ندرسه ولم نتعلمه. هذا السلوك الذي جعلنا نرتكب حماقات لا تغتفر.

في دول العالم شرقها وغربها ووسطها يتعلمون السلوكيات أو (قود مانرز ورايت كوندكت) ابتداء من الصف الأول حتى التاسع وفي مرحلة الثانوية يدرسون قيم التعلم (فاليوز إديوكيشن) وفي الجامعة الأخلاق (الإثيكس) بينما نتجاهلها نحن. سألني صديق سنغافوري سمع بقصة ابن جلدتنا مع نيشيكاوا 'ألم تدرسوا (قود مانرز) في مدارسكم؟ ما قام به زميلكم حتى ولو كان على سبيل الدعابة سلوك غير مقبول خاصة أنه كذب في معنى القصيدة'.

الإجابة المرة أننا لم ندرس هذه الأبجديات ولا نألفها. لا أنسى الإحراجات التي تعرضت لها في بداية انتقالي للدراسة في أمريكا. فكان النادل والسائق والمعلم والسباك يتعاملون معي كطفل، فكلما أسدوا لي خدمة أو طلبت منهم شيئا ونسيت أن ابتسم وأن أشكرهم كما ينبغي رددوا على مسامعي العبارة الشهيرة: ماذا عن الكلمات السحرية (وات أباوت ذا ماجيك ووردز)؟ ويقصدون بها: شكرا، أنا ممتن، من فضلك، أرجوك وغيرها.

هذه الكلمات لم تدخل قاموسنا إلا مؤخراً، لم تدخل إلا بعد أن بلغنا من العمر عتيا، وأرسينا قواعد هشة لعلاقاتنا مع الآخرين.

يجزم لي الطبيب محمد السليماني الذي يعمل في مستشفى خاص أنه يستطيع أن يكتشف الطفل السعودي ولو من بين مئة طفل يلعبون في فناء كبير بسبب سلوكياتهم وليس بسبب هيئتهم' ربما أطفالنا يشبهون الأطفال الهنود والسوريين والمصريين لكن يختلفون عنهم في سلوكياتهم. يتعاملون مع الممرضات كالخدم. يضربونهن ويرفعون أصواتهم عليهن'.

سألت مهندس بترول هولندياً تعرفت عليه خلال زيارة قام بها للسعودية استغرقت شهرين عن أبرز ما استوقفه خلال فترة وجوده بيننا فقال 'تعاملكم مع السائقين. شاهدت فتى يافعا ربما يبلغ عمره عشر سنوات يركل السائق بإلحاح. لفتني كهل يصرخ في وجه سائقه. أعتقد أن لديكم مشكلة '.

سيتفاقم الشعور السلبي تجاهنا إذا استمررنا في إهمال تقويم سلوكياتنا وعدم تدريس أدبياتها باكراً، سينصرف نيشيكاوا ورفاقه عنا وسنبقى وحيدين، معزولين نردد قصائدنا الخوالي ونتهكم على بعضنا البعض!

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ