ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 23/08/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

المعجزة التي تنتظرها الباكستان

المستقبل - الاثنين 23 آب 2010

العدد 3749 - رأي و فكر - صفحة 19

محمد السمّاك

تخوض باكستان صراعاً على ثلاث جبهات مع ثلاث من دول الجوار، هي الهند وأفغانستان وإيران.

وتخوض صراعاً على جبهتين في الداخل: الأولى مع حركة طالبان الباكستانية، والثانية مع الكوارث الطبيعية: الفيضانات الجارفة بعد الزلزال المدمر.

ثم إنها تخوض صراعاً مع العالم كله حول ما إذا كانت أوضاعها الصعبة سياسياً وأمنياً، والمتردية اقتصاديا واجتماعياً بسبب كل هذه الصراعات ونتيجة لها تجعل ترسانتها النووية والصاروخية آمنة على نفسها وعلى العالم؟

عندما اتهم رئيس الحكومة البريطانية دافيد كاميرون الباكستان بأنها مصدر للإرهاب أثار اتهامه ردود فعل باكستانية حادة. خاصة وأن الاتهام صدر خلال زيارته للهند التي تشكو مما تسميه الإرهاب الباكستاني.

وتشكل قضية كشمير أساس المشكلة بين الدولتين التوأم الهند والباكستان منذ انقسام شبه القارة الهندية بعد الانسحاب البريطاني منها. ذلك أن هذا الإقليم الذي يقع في سفوح جبال الهمالايا بقي جزءاً من الهند مع أن الأكثرية الساحقة من سكانه هم من المسلمين. ولقد فشلت كل محاولات التسوية سواء عبر الأمم المتحدة، أو عبر المساعي الدولية. ولا تزال مدن كشمير، وخاصة العاصمة سريننغار تشهد اضطرابات طائفية بين المسلمين والهندوس، وبين حركة التحرير الكشميرية والجيش الهندي حيث يتساقط بصورة شبه يومية عشرات الضحايا بين قتلى وجرحى. وتتهم الهند جارتها الباكستان بأنها تحرّض وتموّل وتسلّح المتمردين، وهو أمر لا تؤكده إسلام أباد ولا تنفيه.

آخر محاولة لمعالجة هذه القضية المركزية قام بها الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي اقترح تشكيل لجنة دولية للنظر في صياغة حل ما. إلا أن الهند التي تعتبر كشمير جزءاً منها رفضت الاقتراح من حيث المبدأ. فالقضية بالنسبة إليها محسومة وهي غير قابلة لأي بحث أو نقاش .

وعندما اتهم الرئيس البريطاني دافيد كاميرون الباكستان بتصدير الإرهاب إلى جارتها الهند، كان يشير تحديداً إلى دعم الباكستان لحركة تحرير كشمير.. وبالتالي إلى تورط أجهزة الأمن الباكستانية في تغطية العملية الإرهابية التي استهدفت مدينة مومباي والتي انطلقت بحراً من كراتشي الباكستانية.

صحيح أن تصريحات كاميرون أزعجت الباكستان إلا أنها لم ترضِ الهند. فالرئيس البريطاني انتقد في الوقت ذاته ما وصفه استمرار المعاناة في كشمير الخاضعة للاحتلال الهندي. إن ربط كشمير بالاحتلال الهندي، وربط هذا الاحتلال بمعاناة شعب كشمير نزل كالصاعقة على العاصمة دلهي.

غير أن الباكستان منهمكة في صراعين آخرين مع دول الجوار. فمن جهة أولى تمرّ العلاقات مع أفغانستان في فترات توتر وتهدئة منذ تعرّضها للاجتياح على يد القوات الأميركية والأطلسية بعد جريمة 11-9-2001 في نيويورك وواشنطن، ولكنها لم تشهد أبداً أي شكل من أشكال الوفاق. هناك تعاون تمليه الضرورة للتعاون مع القوات الدولية في التصدي لحركة طالبان وتنظيم القاعدة، ولكن الخلافات حول الحدود وحول حركة المهاجرين عبر الحدود وحول مسؤولية ما يجري، تسمم هذه العلاقات وتعرضها باستمرار إلى التصدع واللا ثقة.

ولقد دخلت الولايات المتحدة مراراً وسيطاً بين الطرفين لا حرصاً على أي منهما، أو رغبة في تضامنهما، ولكن أملاً في عدم توفير خدمة مجانية للقاعدة باستغلال هذه الخلافات لتعزيز دورها في مقاومة الاحتلال العسكري الأميركي.

أما الجبهة الثانية فهي مع إيران التي تتهم الباكستان بأنها تتعاون مع الولايات المتحدة لتسهيل تسلل جماعات منظمة ومسلحة إلى مدن شرق وجنوب شرق البلاد للقيام بأعمال إرهابية.

ورغم إن الباكستان تنفي هذه الاتهامات، فان العمليات لم تتوقف. ذلك أن الوجه الآخر لهذه العمليات هو الاعتقاد بحصول شخصيات من تنظيم القاعدة على مأوى آمن في إيران لا حباً بالقاعدة، ولكن على أمل استخدامها ورقة ثمينة للضغط وللمساومة السياسية.

وهنا تتداخل عوامل عديدة تزيد الوضع تعقيداً وخطورة في الوقت ذاته. منها العامل القبلي، والعامل المذهبي، وهذه العوامل تشكل في حد ذاتها صواعق تفجير خطيرة تتجاوز الدولتين لتعرّض دول المنطقة بكاملها إلى المجهول !!

وسط هذه التداعيات، تغمر مياه الفيضانات معظم المناطق الباكستانية من الشمال حتى الجنوب، وتجرف المياه كل ما تجده في طريقها من بيوت ومزارع وجسور وطرقات.. وكذلك من ثكنات عسكرية ومخازن للذخيرة.. من هنا التساؤل حول انعكاسات هذا الواقع الكارثي على سلامة المخزون النووي الباكستاني.

عندما اشتعلت الحرائق في الغابات المجاورة للعاصمة موسكو، لم يستطع الاتحاد الروسي أن يخفي أمام العالم كله قلقه من أن تمتد ألسنة النيران إلى مخازن الأسلحة بما فيها بعض المرابض الصاروخية التي تحمل رؤوساً نووية والمجهزة للدفاع عن موسكو. ولذلك فتحت الحكومة الروسية الباب واسعاً أمام المتطوعين لمساعدة فرق الإطفاء المختصة والقوات المسلحة للعمل على إخماد النار.. حتى لا تصل إلى هذه المواقع الستراتيجية.

أما المواقع الباكستانية فإنها ليست مهددة بمياه الفيضانات المتدفقة فقط، ولكنها مهددة أيضاً بعناصر طالبان المسلحة. وقد سبق للولايات المتحدة أن سربت تقارير أعدتها أجهزة مخابراتها ادعت فيها ان طالبان الباكستانية استطاعت أن تخرق أجهزة الأمن الباكستانية وأن تقيم تعاوناً مع عدد من قيادة هذه الأجهزة على خلفية العداء للسياسة الأميركية في المنطقة.

عندما بلغت الباكستان هذه المخاوف الدولية بادرت إلى اتخاذ إجراءات أمن وقائية استثنائية وفرت الطمأنينة للعالم إلى أن المخزون النووي والصاروخي الباكستاني في أمان، وانه خارج دائرة القلق. ولكن بين اللا قلق والاطمئنان، مسافة واسعة تحتاج الباكستان إلى اتخاذ المزيد من التدابير لاجتيازها بسلام. وفي هذا الإطار جاءت زيارة رئيس الحكومة يوسف رضا جيلاني إلى لندن رغم غرق بلاده في مياه الفيضانات.. وفي اتهامات الرئيس كاميرون لها بتصدير الإرهاب.

من سوء حظ باكستان تعرّضها لغضب الطبيعة في الوقت الذي تعاني فيه من غضب دول الجوار الهند وإيران وأفغانستان.. ومن غضب حركة طالبان وتنظيم القاعدة، ومن تراجع ثقة بعض الدول الكبرى كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومن اهتزاز ثقة بعضها الآخر فيها كالاتحاد الروسي والصين. إنها تتلقى الضربات والطعنات من كل حدب وصوب حتى يصح فيها القول " إن النصال تنكسر على النصال". فالدولة تمر في واحدة من أخطر وأسوأ مراحل تاريخها الحديث وهي بحاجة إلى معجزة للخروج منها سالمة. فمن هو صانع هذه المعجزة السياسية؟

=================

إيران في دائرة الاستهداف الصهيوني الأمريكي

إضاءات

الاثنين 23-8-2010م

خلف علي المفتاح

khalaf-almuftah@hotmail.com

الثورة

لم يدر في خلد قادة الكيان الصهيوني أن إيران ستسبب لهم يوماً ما صداعاً سياسياً ورعباً مستمراً فهي الحليف الإستراتيجي والخزان النفطي والعراب السري إبان حكم الشاه،

فكيف تحدث كل تلك الاستدارة وهذا التحول البنيوي في توجهات إيران السياسية إلى درجة أن العداء لإسرائيل يتحول إلى عقيدة إستراتيجية للجمهورية الإيرانية.‏

إن تحول إيران من حليف إستراتيجي إلى عدو إستراتيجي ومن عصا غليظة بيد أمريكا إلى قوة مواجهة لمشروعاتها، أسقط في يدي كل من أمريكا و«إسرائيل»، فعملتا على التآمر على الثورة الإسلامية بالفعل الخارجي أو عبر أدوات الداخل، فكان الفشل هو الملازم لكلتا الحالتين بسبب قوة الثورة وتجذرها في القاعدة الشعبية والإمكانات الذاتية التي وفرتها بكفاءة أبنائها واستثمارها الأمثل لمواردها وطاقاتها المادية والبشرية، ناهيك بقوة تحالفاتها على المستويين الإقليمي والدولي.‏

لقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية حثيثاً للي ذراع إيران ووقف مشروعاتها النووية السلمية التي تساهم في عملية التنمية والحفاظ على الأمن القومي الإيراني، ومرَّ الاستهداف الأمريكي الصهيوني بمراحل متعددة وسيناريوهات مختلفة، بدءاً بإحالة الملف النووي الإيراني إلى الهيئة الدولية للطاقة الذرية ثم مجلس الأمن الدولي، وكان اللافت مواجهة إيران لهذه الآلاعيب بمزيد من القوة والشجاعة والرفض لأن التجارب أثبتت أن الاستجابة للضغوط الخارجية لا تؤدي إلا إلى المزيد من التنازلات والخيبات إلى درجة المس بالسيادة الوطنية.‏

إن الاستهداف الأمريكي للجمهورية الإيرانية يأتي استجابة لرغبات الكيان الصهيوني الذي بات يرى في إيران عدواً حقيقياً له وداعماً أساسياً للمقاومة الفلسطينية والمقاومة الوطنية اللبنانية، ومن هنا عملت «إسرائيل» على تأليب المجتمع الدولي عليها بحجة سعيها لامتلاك الأسلحة النووية ومحاولة عولمة الخطر الإيراني المزعوم والادعاء بأنه يشكل تهديداً لأوروبا وأمريكا، بحيث يشكل هاجساً ليس فقط لتلك الدول وإنما لدول المنطقة ومحاولة تأليبها على إيران بهدف استعدائها ومحاولة إظهارها وكأنها هي الخطر على المنطقة وليس «إسرائيل».‏

إن فشل أمريكا و«إسرائيل» في دفع دول المنطقة إلى ذلك المنزلق هو الذي جعل إسرائيل تتحدث مباشرة عن خطر يتهددها هي، وهذا مؤشر فشل لسياستها وعدم قدرتها على تأمين حشد إقليمي لسعيها هذا، لذا أصبح الحديث يأخذ طابع الخصوصية وعلى هذه الخلفية تأتي التسريبات الإعلامية عن قيام طيران إسرائيلي بغارات وهمية على أهداف مفترضة أو تحديد أيام أو أسابيع لضرب المواقع النووية الإيرانية مع تناغم أمريكي استخباراتي وسياسي مع هذه السيناريوهات التي تدخل في إطار الحرب النفسية ومحاولة التأثير على الإرادة السياسية الإيرانية التي بدا واضحاً عدم اكتراثها بتهديدات كهذه فقدت صلاحيتها تماماً لدى قيادة تعرف ماذا تريد، وتمتلك القدرة على ردع أي عدوان محتمل قد تشنه إسرائيل التي تعلم جيداً النتائج الكارثية لمغامرة كهذه أشبه ما تكون بمن ينتحر هرباً من الموت.‏

إن من يقرأ في سفر الصهيونية يدرك تمام الإدراك أن العدو الصهيوني بنى إستراتيجيته العسكرية والسياسية على ضرب أي عدو محتمل لإسرائيل ووفق تلك الإستراتيجية فهو يرى أن كل الدول العربية والإسلامية هي في دائرة العداء المحتمل لإسرائيل، ولعل إيران بموقفها من القضية الفلسطينية ودعمها اللامحدود لقوى المقاومة تؤكد حقيقة البعد الإسلامي للصراع مع العدو الصهيوني لأن فلسطين ليست جغرافيا محايدة وإنما هي قيمة روحية ومكان تهفو إليه قلوب أصحاب الديانات التوحيدية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام.‏

إن إيران التي وقفت إلى جانب العرب وساندت المقاومة الفلسطينية واللبنانية ومازالت تستحق من الدول العربية جميعاً الوقوف إلى جانبها ومساندتها في وجه أي عدوان قد تتعرض له لأن السبب الرئيسي لعداء أمريكا و«إسرائيل» لها هو موقفها الداعم للقضية الفلسطينية ووقوفها إلى جانب الحق العربي وسعيها الدؤوب لامتلاك مفردات العصر العلمية والتقنية وتحرير إرادتها السياسية من كل أنواع الضغوط والارتهان للأجنبي.‏

=================

أميركا تتخلق في منطقة الصفر!

الإثنين, 23 أغسطس 2010

عبدالله ناصر العتيبي *

الحياة

تعيش الولايات المتحدة هذه الأيام اختباراً عسيراً لديموقراطيتها وعلمانيتها بسبب اعتزام «جمعية قرطبة الإسلامية» بناء مركز اجتماعي يضم مسجداً على مقربة من «منطقة الصفر» أو موقع برجي مركز التجارة العالمي. الجمهوريون المحافظون يضربون بكل قوة لمنع إقامة المركز، والديموقراطيون يناورون في منطقة الوسط حاملين في أيديهم ميزان مصالح يضع في إحدى كفتيه النتائج المتوقعة لانتخابات الكونغرس في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وفي كفته الأخرى التعديل الأول للدستور الأميركي، الذي ينص على ضمان حرية الناس في أداء عباداتهم والدعوة لها والسماح لهم بإنشاء المباني الخاصة بالتعبد، والأقليات الدينية والإثنية تدعو لتهدئة الموقف مع تعاطف غير واضح الملامح مع المسلمين، اعتماداً على المبدأ الذي يقول: أيها الثور الأحمر... احمِ ظهر الثور الأبيض ليحمي ظهرك! وأميركا... كل أميركا بجمهورييها وديموقراطييها ومستقليها و «واسبها» وأقلياتها تتهجى من جديد الواقع الإسلامي على أرضها!

لو لم يكن هناك أزمة اقتصادية تضرب في قلب المال الأميركي، لما كان هناك اختبار للديموقراطية والعلمانية، ولتم إنشاء المركز من غير أن ينتبه له أحد، ولو لم يكن هناك انتخابات كونغرس بعد ثلاثة أشهر، لكانت معارضة إنشاء المركز أقل حدة وأخفض صوتاً، ولو لم يكن هناك تزامن بين الأزمة الاقتصادية والانتخابات المقبلة لكان إنشاء المركز يمثل للنخب الأميركية كافة واحداً من الشواهد والعلامات المضيئة في وجه التعدد الثقافي والتسامح الديني التاريخي الذي يميز الحضارة الأميركية، لكن، أما وقد تدخل الاقتصاد والانتخابات في الوقت نفسه، فإن الأكثرية الأميركية مطالبة باختراع ضحية مفترضة، عليها أن تجد جسداً ضعيفاً غريباً على ثقافتها الأصلية لتوسعه ضرباً من حيث لا يحتسب، كانتقام «غير مباشر» لدولاراتها الضائعة، واستباق «مباشر» للعبة توزيع الكراسي الانتخابية.

الجمهوريون لبسوا عباءة جوزيف مكارثي وراحوا يعملون في السر والعلن من اجل إنقاذ أميركا من الخطر الإسلامي الذي بات يهدد وجودها وقيمها ومبادئها! فها هي حاكمة الاسكا السابقة سارة بالين تظهر في الصحف والمحطات التلفزيونية وتستخدم السبل كافة بما فيها أدوات التواصل الاجتماعي «الفيسبوك وتويتر» لتدعو المجتمع المدني الأميركي للوقوف ضد بناء المركز الإسلامي الذي لا يمكن النظر إليه «طبعاً من وجهة نظرها» إلا باعتباره نصباً تذكارياً يرمز لانتصار المسلمين الإرهابيين على القيم الأميركية! وها هو الزعيم السابق للغالبية الجمهورية في الكونغرس أو قائد الحملة الصليبية نيوت غنغريتش، كما سماه أحد المعتدلين الأميركيين، يحشد التأييد تلو التأييد ليمنع إنشاء المركز، متذرعاً بعدد من الافتراضات التي ما كان لها لتكون على أرض الواقع لو كان حزب غنغريتش مثلاً على رأس السلطة. بالين تعتقد أن إنشاء المركز قرب منطقة «الجراوند زيرو» يمثل طعنة لقلوب ذوي الضحايا وتفترض أن فيصل عبدالرؤوف وزوجته الكشميرية، وهما القائمان على إنشاء المركز، يدعمان حركة السفن المتضامنة مع المحاصرين في غزة، وغينغريتش يعتقد أن إقامة المسجد والمركز يمثلان هجوماً للشريعة الإسلامية على حرية أميركا وديموقراطيتها، ويفترض أن تسمية المشروع باسم قرطبة (تغير لاحقاً إلى بارك 51) فيه إهانة للأميركيين، فقرطبة في الوجدان الإسلامي تمثل، بحسب رأيه، عاصمة للمسلمين الغزاة الذين عبروا عن انتصارهم على الديانة المسيحية بتحويل إحدى الكنائس إلى مسجد عملاق. ويفترض أيضاً أن كل المسلمين إرهابيون من خلال تشبيهه العمل على إقامة المركز الإسلامي عند موقع برجي مركز التجارة العالمي بمحاولة إقامة نصب تذكاري للنازية عند متحف الهولوكوست في نيويورك!

الإسلام من وجهة نظر غينغريتش يقف في الجهة نفسها التي تقف فيها النازية! غينغريتش يفترض أيضاً أن التسامح الغربي مع القيم الإسلامية سيسهم في تآكل أميركا من الداخل، وإن عليها أن تقف بحزم ضد ازدواجية المعايير مع العالم الإسلامي، فإذا ما أراد المسلمون أن يبنوا مسجد قرطبة، فعليهم التعايش مع فكرة وجود معابد يهودية ومسيحية في جوار الحرم المكي!

الديموقراطيون من جهتهم غير قادرين على التعامل مع الأزمة بشكل حاسم، فالرئيس باراك أوباما يضع في حسبانه عدداً من المتغيرات + 1، فوجوده على رأس الإدارة يقول إن عليه الانصياع لبنود الدستور التي تكفل الحريات الدينية وتعطي الحق للمواطنين لبناء دور عبادتهم، لكنه في المقابل ديموقراطي قبل أن يكون رئيساً، لذلك عليه أن يتحدث بلغة تحتمل أكثر من تفسير في الوقت نفسه، ليضمن موقفاً قوياً لحزبه في الانتخابات النصفية المقبلة، أما المتغير الذي ينفرد به أوباما عن بقية زملائه الديموقراطيين فهو التشكيك في ديانته المسيحية، وهي التهمة التي ستظل تطل برأسها كلما تعرض أوباما لموقف يكون الإسلام طرفاً فيه، فبحسب مجلة تايم «قبل أسبوعين» فإن واحداً من كل خمسة أميركيين يعتقدون أن أوباما مسلم، وبالتالي على هذا الرجل الذي يمثل خمس مسلم في الوجدان الأميركي أن يتعامل بنعومة وشفافية مع حال الرفض الأميركية العامة مع إقامة المساجد بالقرب من مقار سكناهم (أكثر من 60 في المئة من الشعب الأميركي يرفضون إقامة دور عبادة إسلامية قرب منازلهم بحسب استطلاع آخر لمجلة تايم أعقب ضجة إقامة مركز قرطبة).

ديموقراطي آخر هو زعيم الأغلبية الديموقراطية هاري ريد اضطر لتغيير موقفه بعد أن وضعته المرشحة الجمهورية في منطقته نفسها في فك الأسد من خلال تحديها له بأن يبين موقفه من بناء المركز. الجمهوريون يلعبون على الهاجس الأمني في الانتخابات المقبلة، وليس أمام الديموقراطيين إلا مراجعة مواقفهم عندما يتعلق الأمر بمستقبلهم السياسي.

الطرف الثالث في اللعبة هم جمهور الأقليات العرقية والدينية الذين عليهم أن يتعاطفوا مع المسلمين خوفاً من أن يغشاهم في المستقبل ما غشي المسلمين اليوم. يتضح هذا من تصريح رئيس الكنيسة الرومانية الكاثوليكية المطران تيموثى دولان الذي أدان التحيز ضد المسلمين، لكنه عرض التوسط بين الخصوم للخروج من الأزمة!

الطرف الرابع الذي لم يتبين منه شيء حتى الآن هو الحال العربية، فالحكومات العربية لم تتبن حتى الآن الرأي الحكومي الأميركي لتبعث إشارة صغيرة لسياسيي أميركا وهي أن العرب حريصون على صلاح أميركا من الداخل بقدر حرص أميركا نفسه وسعيها إلى ما تعتبره صلاحاً للعرب من الداخل، وفي المقابل لم تخرج علينا أيضاً أي من التنظيمات أو الجمعيات المدنية العربية الكبيرة لتهاجم موقف الجمهوريين (الجسم الفاسد) من قضية المركز، وهي التي طالما هاجمت الحكومات العربية لأنها تتعامل مع أميركا (الرأس الصالح) في هذه القضية!

الحكومات العربية والمنظمات العربية نائمة، كما هي العادة، فيما أميركا كلها تتخلق من جديد في منطقة الصفر.

=================

الشرق الأوسط: مصادفات أم تحريك للسياسة؟

الإثنين, 23 أغسطس 2010

جورج سمعان

الحياة

مفارقة لافتة أن يتزامن إعلان واشنطن إطلاق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين في الثاني من أيلول (سبتمبر) المقبل، مع تدشين محطة بوشهر النووية في خضم الصراع على الملف النووي الإيراني... ومع عودة المياه إلى مجاريها بين كتلتي إياد علاوي ونوري المالكي للتفاهم على تشكيل الحكومة الجديدة في بغداد، واستمرار الهدوء في لبنان برضا الجميع على رغم كل الزوابع التي أثيرت حول القرار الظني المتوقع للمدعي العام الدولي دانيال بلمار في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

هل هي مصادفات فقط؟ أم أن أزمات المنطقة باتت تحتاج إلى تحريك سياسي وديبلوماسي يخرج الشرق الأوسط من مراوحة كانت ولا تزال تنذر بحرب حتمية للخروج من هذا الأفق السياسي المسدود؟ من السذاجة الإغراق في التفاؤل بأن أزمات الشرق الأوسط، المزمنة والحديثة، ستجد طريقها إلى التسوية بهذه البساطة. خصوصاً ان الأسابيع التي سبقت هذه المصادفات حفلت بقرع طبول الحرب. وهي لا تزال تقرع «متزامنة» أيضاً مع هذه الخطوط الديبلوماسية التي بدأت ترتسم في سماء المنطقة... كأنها من باب التذكير بالبدائل المدمرة. لكن مؤشرات الأيام التي سبقت كل هذه المصادفات دفعة واحدة كانت تمهّد للغة مغايرة.

قبل أيام كان اللبنانيون يعيشون على وقع اضطرابات آتية حتماً إذا صدر القرار الظني في جريمة اغتيال الحريري ووجه أصابع الاتهام إلى عناصر من «حزب الله»... لكن «الاضطرابات» طوّقت. طوقتها قمة ثلاثية لبنانية – سعودية – سورية. «صدر» القرار الظني. كان بعض تفاصيله معروفاً من زمن ليس بقصير. لكن الجديد أن السيد حسن نصر الله، الأمين العام للحزب أعلنه «رسمياً»، وأتبعه بقرار ظني أعدّه حزبه متهماً اسرائيل. ولم يتردد المحقق الدولي في طلب نسخة من هذا «القرار»... مثلما أحيلت قضية «شهود الزور» فجأة على وزارة العدل، السلطة المختصة، بعد سنة من الضجيج حولها!

وقبل أيام وقع اشتباك حدودي بين الجيشين اللبناني والاسرائيلي كان يمكن أن يشكل فرصة نادرة لمن يريدون إشعال الحرب. فلا المقاومة التي يتهمها خصومها بأنها «ذراع متقدمة للحرس الثوري الايراني» تقدمت إلى الحرب. ولا إسرائيل التي فقدت ضابطاً كبيراً وكانت ولا تزال تتوعد لبنان وتهدد بحرب شاملة بادرت إلى اقتناص الفرصة. بل إنها أبلغت أحد الأطراف العرب أنها لا تريد حرباً في الشمال. وأنها فوجئت برد فعل الجيش اللبناني! وفي النهاية طويت أزمة الاشتباك بتفهم كل الأطراف كأن ما حدث كان من باب لزوم ما لا يلزم.

قبل أيام فقط كانت السلطة الفلسطينية تقسم بالثلاث أنها لن تدخل المفاوضات المباشرة إلا بشروط ليس أقلّها وقف اسرائيل الاستيطان والاجراءات التعسفية والاعتقالات والتقدم في قضيتي الأمن والحدود، خصوصاً الإقرار بحدود 1967. بينما كان بنيامين نتانياهو يستعد لما بعد المهلة المعلنة لوقف الاستيطان الشهر المقبل رافضاً أي مفاوضات بشروط مسبقة. كأن قضايا التفاوض لم تُشبع نقاشاً وتمحيصاً منذ أوسلو إلى كامب ديفيد في العام ألفين، وحتى آخر أيام حكومة إيهود أولمرت! لكن المفاوضين وافقوا قبل يومين على تناسي المواقف الأخيرة وعلى الجلوس إلى الطاولة الأسبوع المقبل في احتفال يحضره الرئيس حسني مبارك والملك عبدالله الثاني.

وقبل أيام كان جون بولتون، الرئيس السابق للبعثة الأميركية في الأمم المتحدة يقول، عشية الاعلان عن موعد تشغيل محطة بوشهر يوم السبت الفائت، ان أمام إسرائيل بضعة أيام للقضاء على المشروع النووي الإيراني وإلا فاتتها الفرصة... لكن المحطة بدأت انتاج الوقود النووي. ولم تقع الحرب على رغم كل ما سُرّب ولا يزال يسرب عن مناورات مشتركة أميركية – اسرائيلية تحاكي حرباً محتملة على الجمهورية الاسلامية. بل إن التعليق الأميركي على تشغيل المحطة كان هادئاً جداً، هدوء الجبهة التي كانت تستعر كلما توجه المفاوض الفلسطيني إلى لقاء الاسرائيلي، مباشرة أو مداورة. ولم يكن ينقص هذا التعليق سوى الترحيب وتمني التوفيق لطهران! فيما كان المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي صرح قبل أيام بأن بلاده لا تستبعد الحوار مع الولايات المتحدة «في ظروف مختلفة». بل هو يعتقد ربما أن الظروف باتت ملائمة لفتح هذا الحوار، بعد افتتاح المحطة. فنظامه يستطيع أن يفاخر بأن المفاعل الذي طال انتظاره من أيام الشاه بدأ العمل، منتصراً على الحصار الاقتصادي القاسي، ومعززاً انتصاره على خصومه المعتدلين في الداخل.

وقبل أيام بدا أن المفاوضات بين أكبر كتلتين نيابيتين في بغداد لتشكيل حكومة جديدة قد انهارت، فيما الولايات المتحدة استكملت سحب قواتها القتالية من العراق قبل الموعد المحدد في آخر هذا الشهر... ولكن بعثت الروح فجأة وعادت كتلتا إياد علاوي ونوري المالكي إلى البحث في سبل تشكيل الوزارة الجديدة التي طال انتظارها أشهراً. وليس سراً أن واشنطن كانت ولا تزال تدفع إلى التفاهم بين هذين الزعيمين. وإذا قدر لها أن تنجح حيث فشلت غريمتها إيران والجيران الآخرون للعراق تكون أثبتت غلبة تأثيرها في نفوذ هؤلاء، من دون أن يعني ذلك إلغاء لتأثيرهم. بل إن نجاح التفاهم قد يؤشر إلى ما يمكن تسميته «توافق الضرورة» بين جميع المعنيين بالملف العراقي. فزعيم «العراقية» يلقى دعماً غربياً وعربياً واضحاً. فضلاً عن تنوع كتلته وأولويتها في عدد المقاعد. وزعيم «دولة القانون» لا يبعده قربه من طهران وخصومته مع بعض العرب عن واشنطن كثيراً.

هل كل هذه مصادفات أم أن الجمود السياسي القاتم في المنطقة حتّم على كل الأطراف المعنيين بالاستقرار في الشرق الأوسط نوعاً من «تفاهم الضرورة» الذي يفتح سوق المقايضات أكثر مما يفتح أبواب الحلول النهائية؟ من الواضح أن روسيا بدّلت موقفها أخيراً ووفت بتعهداتها لتشغيل محطة بوشهر، على رغم كل ما صنعه الحداد بينها وبين الرئيس أحمدي نجاد في الطريق إلى الحزمة الرابعة من العقوبات التي فرضها مجلس الأمن أخيراً على الجمهورية الاسلامية. والسؤال بعد ذلك: هل تنجح موسكو في إعادة إيران والدول الكبرى إلى جادة المفاوضات الجادة؟ وهل في الطريق إلى ذلك يفيد الأطراف المعنيون بأزمات الاقليم من التطورات الأخيرة في ما يخدم مواقعهم ومصالحهم المحلية؟

الرئيس باراك أوباما الذي تتدهور شعبيته وتشتد حملات المحافظين عليه، يستطيع أن يذهب إلى الانتخابات النصفية للكونغرس معززاً ب «انجازات» لا بأس بها: أطلق أولاً المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية ونتانياهو من دون شروط كان يصرّ عليها الجانب الفلسطيني وبعض العرب... حتى وإن لم تثمر هذه المفاوضات كما هو متوقع من زعيم «ليكود». ووفى ثانياً بوعده بالانسحاب من العراق... وتمكن ربما من دفع العراقيين إلى تشكيل حكومتهم الجديدة. ويستطيع أوباما إذا تقدمت المفاوضات المتوقعة في فيينا حول الملف النووي الايراني أن يحمل «انجازاً» ثميناً إلى الانتخابات يثبت أن «الديبلوماسية» و «القوة الناعمة» أثمرتا حيث أخفقت سياسة الحروب التي خاضها سلفه جورج بوش...

ومثل أوباما يحتاج مرشد الجمهورية الاسلامية إلى تعزيز انتصاره على خصومه في الداخل وتثبيت هذا الانتصار بالذهاب إلى المفاوضات مجدداً تحت «راية» محطة بوشهر... لعل في ذلك ما يخفف من وطأة العقوبات ومن مخاوف التدخل في الشؤون الداخلية للجمهورية وإبعاد شبح الحرب التي لا يريدها بالتأكيد وإن هدد نجاد بإشعال الكرة الأرضية. ولا حاجة إلى التذكير: بحاجة السلطة الفلسطينية إلى المفاوضات بعدما تآكلت سلطتها بفعل الجمود وانسداد الأفق السياسي، وبحاجة نتانياهو إلى هدوء الجبهة الحكومية في ظل تنامي التيار اليميني الأشد محافظة من «ليكود»، وبحاجة العراقيين إلى الخروج من نفق العقدة الحكومية قبل أن يسد العنف عليهم كل المنافذ، وبحاجة كل الأطراف اللبنانيين إلى الاستقرار في ظل اقتناعهم بأن لا قدرة لطائفة مهما اختلّ توازن القوى على حكم البلد بمفردها... مثلما لا قدرة لهم على تحمل أعباء حرب أخرى.

مصادفات قد تكون مجرد تقطيع للوقت، يستعد فيها الجميع لإعادة ترتيب أوراقهم بدل ان تنزلق بهم طبول الحرب إلى ما لا يرغبون راهناً.

=================

لماذا يرشقنا الأطفال بالحجارة؟

ترجمة

الاثنين 23-8-2010م

ترجمة: ليندا سكوتي

الثورة

في الضفة الغربية، نشاهد كل يوم ما تتعرض له مركبات الجيش والسيارات الإسرائيلية، وخاصة سيارات المستوطنين، للرشق بالحجارة من قبل الأطفال. ذلك واقع حقيقي لا يمكننا تجاهله.

فعملية رمي الحجارة أصبحت طريقة وتقليداً لدى الأطفال ليعلموا بها المحتل المدجج بالسلاح من قمة رأسه حتى أخمص قدميه بأنهم موجودون وصامدون في وجهه دون خوف أو خشية من أسلحته، وليخبروه بأنهم يشكلون جزءاً من حركة المقاومة الشاملة، وأن ما يفعلونه لا يمثل سوى طقس من طقوس تلك الحركة، ولإعطاء الانطباع عما يتمتعون به من كبرياء وما أصابهم من غضب إزاء ما يرتكب بحقهم من أفعال، وكي يذكروا الكبار ويحثوهم على عدم التكيف مع الوضع القائم المفروض عليهم.‏

يعلو صراخ المحتل بالاحتجاج مدعيا بأن ما يقومون به ليس إلا شكلاً من العنف الذي يمارس ضده، ومعتبرا أنه لا يختلف عن استخدام الأسلحة النارية في الوقت الذي لا يستنكر به أحد أعمال العنف الوحشية التي يمارسها والتي تؤخذ بنوع من اللامبالاة، بل إن البعض يعتبر ما يقوم به من قمع للأطفال بأنه عمل يمثل الرد المناسب على أعمالهم الإجرامية. ويكتنف الإسرائيليون الكثير من الراحة عندما يأخذون صفة الضحية لتبرير تصرفاتهم وأعمالهم العنيفة.‏

يستخدم الجيش الإسرائيلي، وبشكل خاص نظام العدالة العسكرية، الكثير من الوسائل ليردع بها الشبان عن القيام بمثل تلك الأعمال، مثل الاعتقال التعسفي في منتصف الليل مع استخدام العنف في أحيان كثيرة مثل الضرب والركل والشتم وتكبيل الأيادي بالأصفاد لمدة طويلة مسبباً لهم الكثير من الألم. ذلك ما دأب عليه الجنود الإسرائيليون وخاصة الشبان منهم حتى أصبح جزءاً من سلوكهم العادي، لكن من الأمور المثيرة للقلق والخوف ما يقدم عليه من توقيف لأولئك الشبان بعد نقلهم مباشرة للاستجواب الذي يعتمد على أساليب قمعية من التخويف والتهديد وأحيانا استعمال الضرب، أو اللجوء إلى إغرائهم لجعلهم يقولون ما يرغبه المعتقلون مثل: اعترف بأنك رشقت بالحجارة ونحن سنعمد إلى إطلاق سبيلك، لأن عملية التوقيف واستمرارها حتى نهاية الإجراءات القانونية قد تأخذ مدة أطول من مدة الحكم ذاتها، ويحاول إقناعهم بأنه من الأفضل لهم الاعتراف بأمور لم يقوموا بها بتاتاً.‏

من الأمثلة التي يمكن لنا أن نذكرها في هذا السياق هو ما حدث مع ثمانية طلاب من مدرسة العروب الزراعية في السادسة عشرة من عمرهم، رفضوا الاستجابة لما طلب منهم من الإقرار بأعمال لم يرتكبوها، لذلك استخدم بحقهم نظام العدالة العسكرية في ممارسة الضغوط بغية الحصول على إقرار بذلك، علما بأن الاعتقال الذي جرى في شهر تشرين الثاني عام 2008 قد تم بناء على إدعاء لثلاثة من الجنود أدلوا بشهادتهم إلى الشرطة قالوا فيها: أن المحتجزين رشقوهم بالحجارة على الطريق 60 وأنهم قاموا بملاحقتهم حتى تمكنوا من القبض عليهم، وبذلك فقد جاء الاتهام وفقا لما ورد برواية أولئك الجنود من أحداث.‏

يؤكد الواقع بأن الحقيقة تختلف تمام الاختلاف عما رواه الجنود. إذ إن أولئك الشبان قد سحبوا من صفوفهم من قبل الجنود الذين دخلوا الى المدرسة، أما الشرطة فلم تزعج نفسها بالتأكد من الأقوال التي أدلوا بها بتقصي الموضوع عن طريق توجيه أسئلة لمدير وأساتذة المدرسة. يضاف إلى ذلك، أن جهة الإدعاء لم تطالب بأدلة وقرائن عن حادثة رمي الحجارة مثل وجود ضبط خاص من قبل الشرطة أو الجيش بتلك الحادثة، ومع ذلك فقد لجأ قاضي التحقيق العسكري إلى تمديد فترة الاعتقال للشبان الثمانية حتى نهاية الإجراءات، أي أن القرار قد اتخذ استناداً إلى الأقوال التي أدلى بها الجنود واعتبرها غير قابلة للدحض في الوقت الذي لم يأخذ به بأقوال الشبان الفلسطينيين بل نظر إليها باستهزاء.‏

يبدو أن قاضي الاستئناف قد شعر بالارتباك إزاء الشهادات المبهمة التي تقدم بها الجنود إلى الشرطة لذلك عمد إلى إطلاق سراحهم نظير كفالة مالية عالية جدا. أما جهة الادعاء العسكري، فهي على ما دأبت عليه، حاولت استمالة محامي الدفاع (وهو من أد-دامير التابعة لمجموعة حقوق الإنسان) بإقناعه بتقديم طلب التماس، أي أن يعترف أولئك الشبان بارتكابهم أعمال رمي الحجارة ومقابلها سيتم تعليق الحكم والغرامة، ما يشكّل توفيرا في الوقت والجهد للجميع. لكن أولئك الشبان رفضوا الاستجابة إلى مطلبها واستمروا متشبثين برفضهم.‏

في يوم 12 تموز الفائت أي بعد حوالي سنتين من الزمن أضاعتها المحكمة، طالبت جهة الادعاء بإسقاط التهم. وفي هذا السياق، صرح الناطق باسم القوات العسكرية بأن الجنود لم يكذبوا بشهادتهم وأن إسقاط التهم المنسوبة لأولئك الشبان لا تتعلق بمدى صدقية الجنود.‏

إن الواقع يؤكد بأن الجنود لم يتصرفوا إلا بذات الأسلوب الذي دأب عليه من سبقهم، وأن ما قاموا به من تصرفات يلقى قبولاً من قبل مجتمعهم، فضلاً عن أنهم ينفذون الأوامر غير المكتوبة الموجهة إليهم من رؤسائهم لردع النشطاء الذين يهاجمون الاحتلال، وبذلك فهم ليسوا أول من قام بعمليات الضرب وتشويه الحقائق والتخويف بل ورثوها عمن سبقهم.‏

=================

حول ثقافة المرايا العربية المهشمة

مطاع صفدي

8/23/2010

القدس العربي

يغلب على الرأي العام العربي هذه الأيام، ليست أشباح التشاؤم المعتادة وحدها بألفاظها السلبية وأوصافها المكروهة؛ بل هنالك حالة من الضجر من التشاؤم نفسه. إذ لم يعد ينتج اليأس سوى المزيد من شعور التنصل من المسؤولية. فقد استغنى معظم العرب عن بقية الآمال المعقودة على قدرة أنظمتهم الحاكمة في حماية الدرك الأسفل الذي انهارت نحوه كرامة الحضارة العربية في أعين أجيالها الشابة خاصة، الباحثة عن مستقبل مختلف عمّا جرت عليه حياة آبائهم على الأقل.

جيل آباء هؤلاء ربطوا مصيرهم بالأهداف العامة وتحولاتها، وهي التي لم تكن مجرد أهداف سياسية، بل اعتبرها شباب ذلك الجيل أنها من طبيعة كيانية تمس وجود الأمة، وتشكّل رهانات هذا الوجود على مدى استحقاقاته الإنسانية المطلقة. ذلك كان معنى الالتزام، ليس بالأخلاقية العادية، ولكن بنوع من فروسية الوعي النهضوي بالحقوق المشروعة للأمم السيدة لذاتها دائماً. فكان الرواد النهضويون يعفّون عن توصيف سلوكهم بألفاظ السياسة ومشتقاتها المتداولة، لم يكونوا سياسيين، ورفضوا في كل المناسبات اتهامهم باحتراف السياسة. كان ذلك أشبه بامتهان براءة التزامهم الذاتي، وتنزيهه عن أية منافع تخص السلطة ومباذلها.

قد تُلصق بهؤلاء الآباء الطيبين مفردات المثالية والخيالية، لكن متى كانت مثاليتهم نقيصة. هم يتقبلونها بافتخار واعتزاز. فقد كانوا يعيشون ويسلكون، ويتخذون المواقف (السياسية) مع ذلك، وكأنهم انتقلوا إلى عصر مجتمعاتهم العادلة المتقدمة، وأنهم خرجوا فعلاً وواقعاً من كلّية الظروف البائسة المحيطة بهم والمضادة لأبسط شروطهم (الانقلابية) غير المتحققة بعد، أو الأسوأ المتحقق منها فقط. فالمسألة المركزية المطروحة على جيل الاستقلال في أغلب الأقطار المتقدمة نسبياً، والحائزة على تحررها من الاستعمار الاحتلالي الغربي، قبل سواها، لم تكن محصورة بتغيير الحكومات أو الأنظمة، بقدر ما هي تغيير حياة مجتمعاتها. كان الالتزام انشغالاً حضارياً بالتكوين الكلّي لمجتمعات معزولة عن التقدم الإنساني منذ ألف عام. ولقد رشّح جيلْ الاستقلال هذا نفسه للنهوض بأعباء هذه المهمة التي لم تكن في حينها موضعَ تساؤل أو تمعين (علمي)، بقدر ما كان تصديقها فعلَ يقينٍ وجداني. وهذا الفعل ليس شعوراً فردانياً، بل تضامنياً، ما بين أوسع شريحة من مثقفي المرحلة. هؤلاء الذين يتسابقون إلى احتلال موقع الطليعة، ليس للمجتمع ككل، بل للتيار المتحرك منه.

مصطلح (الطليعة) قبل أن تبتذله مرحلة الانحطاط المتجدد المستديم راهنياً كانت تتداولُه ثقافة النهضة عن جدارة تاريخية تكوينية يكتسبها عادة رواد حقيقيون لتطورات اجتماعية ذات نفع عام واضح المعالم والأهداف؛ فالطليعيون الأصلاء يتركون للآخرين أن يمنحوهم شرف هذا التصنيف. ليسوا هم من يختلقونه لأنفسهم، ولا من يتبجحون بامتيازات قد لا يستخدمونها فعلاً، على كل حال لم يعد العصر قابلاً للاعتراف لأحد بمثل هذا التصنيف أو أشباهه. زمن (الطلائع) والانجذابات الفئوية نحو طقوسها قد ولّى. هذا لا ينطبق على القاموس النهضوي، فلا بد لكل نهضة من قيادة فرسانها الأوائل، من المبشرين بأنوار فجرها، والمبادرين لافتتاح دفاترها البيضاء الجديدة، المستعدة لاستقبال نصوصها الحدَثية الكبرى.

قراءة النهضة في عصر انحطاطها قد لا تنصف الطليعيين. بعض المؤولين يردون يُبوس الأشجار التي تموت واقفة، إلى بذورها الفاسدة أو الزائفة أو الفاقدة أصلاً لنوعية الحيوية التي ستنبت الأشجار الباسقة او العملاقة. ما تقوله ثقافة النهضة في هذا الصدد هو أن كل مشروع نهضوي يبدّد جدواه إن لم يمتلك سلطة المراجعة النقدية لانجازاته، وهي السلطة الآمرة التي ينبغي لمكتسبات النهضة أن تقدم لها ضماناتها المتأصلة في الحراك الاجتماعي. فليس ثمة نهضة متروكة لصُدف الظروف وحدها، دون تدخل جذري لإرادة الوعي، فردياً وجماعياً، في مفاصل التحولات، خاصة إذا كانت النهضة واقعة في مراصد أعدائها التاريخيين من حولها، والمستجدّين من ما وراء البحار.

الأصح من ترداد مصطلح الطليعة هي العودة إلى الحانة الأعم التي يبرز منها الأفراد الطليعيون، وهي قطاع المثقفين التي يُعزى إليها تمييز الحراك الاجتماعي الواعي من صِنْوه الآخر، الحراكِ الغريزي التلقائي للجماهير الواسعة. فالمثقفون أو بالأحرى المتعلمون، وهم قلائل في مطلع الاستقلال، وتعليمهم نسبي محدود كذلك، هؤلاء هم البيئة الحاضنة لأفكار النهضة الأولية، والتي يمكن النظر إليها على أنها هي الناظمة لشعارات المرحلة سياسياً، كانت أفكاراً ذات طموحات لم تكن بعيدة المنال في احساس مطلقيها ودعاتها. فالاستقلال منح الناس ثقة بالذات افتقدها العرب منذ تاريخ تدمير بغداد على يد المغول، لم يكن جيل أواسط القرن العشرين يسمح لخياله أن يتصور انسحاباً يوماً ما لأعظم إمبراطوريتين آنذاك، البريطانية والفرنسية، والتخلي طواعية عن مصالحهما الكبرى في أوطان العرب قاطبة، أما جيل الخمسينيات وما بعده، فكان ممتلئاً افتخاراً واعتزازاً بأمته العربية العائدة إلى مسرح العصر والعالم والتاريخ، فكان طبيعياً أن يمتح المثقفون من نعيم هذا الرصيد المعنوي الثر، مستمدين منه مؤونة برهانية لدرجة البداهة المطلقة في كل ما راحوا يسبغونه على أمتهم العربية من خصائص العبقرية الحضارية، فقد ولد الاسم العربي هكذا من جديد، محملاً بآمريات طموحات شتى في مختلف شؤون الكمال الإنساني وشجونه.

إنها لحظة الفجر النادرة المبشرة بمولد الأمل الساطع في نهارات الحاضر والمستقبل المضيء القريب. فلم يكن الوحدويون الأوائل يتخطون الواقع الوجداني لمجموع شعوبهم في المناداة بالوحدة الدولاتية، بأولوية الواحدة للأمة الواحدة الفائزة فورياً بحريتها. فماذا بعد التخلص من العدو المشتت للأمة، والمقسّم للوطن سوى العودة إلى الحالة الطبيعية للسجين الذي أُطلق سراحه فجأة، ليستعيد حياته السابقة؛ فكيف يمكن للوحدة أن تكون مجرد أيديولوجيا تُقبل أو تُرفض، تُرفع أو تُخفض كشعارات آنية لفئات من المجتمع دون غيرها، أو ضداً على سواها.

حين الحديث عن آمرية الاسم العربي ينبغي ألا يذهب الظنّ إلى ما يشبه الدوغما الأسطورية أو السحرية. فكل نهضة في التاريخ محتاجة إلى إعادة إنتاج الأمة، وتجسيدها عبر شخصية مفهومية، يتداول رموزَها معشرُ النهضويين، متعمقين ومبدعين وقياديين، لمعانيها ومزاياها، وانجازاتها. على أن لا يفهم من هذا أيضاً أن هذه الشخصية المفهومية مبرّأة سلفاً من نواقصها وانحرافاتها وأخطائها المحتملة.. وحتى من الكوارث التي سوف تحدث باسمها زوراً وبهتاناً، أو أنها قد تكون مشاركة فيها؛ فالانحطاط ملازم للنهضوي، يترصّده في مواقف التيه والضعف والتخاذل. ولقد حفلت تجربة النهضة المعاصرة بما يعرف بالواقعات الفاصلة التي قد يزعزع بعضها من أركان البداهات الفكرية الداعمة لتمثال تلك الشخصية المفهومية، بمعنى أن آمرية الاسم العربي ليست بمنأى عن التجربة. كل قيمتها الاعتبارية أنها متفاعلة مع تضاريس المحن، وأنها قادرة على الانتهاض من تحت الحطام، عائدة وهي مجرّحة نازفة، لتقول كلمتها التي سوف تحيي مواتها من جديد.

يذكرنا هذا أنه ليس من نهضة بدون عقيدة ثقافية، ومن خيارات سياسية. والحالة العربية الراهنة اليوم هي في أمس الحاجة إلى استعادة العرب لذاكرتهم النهضوية، والبحث مجدداً عما أضاعوه من وعود مستقبلهم الماضي. ذاكرة النهضة هي دليلها الموضوعي والنزيه، عما يعنيه ضياع الاسم العربي تحت مختلف تسمياته الزائفة. فاللحظة الحاضرة ليست لحظة لليأس من إعادة النصاعة إلى هذا الاسم العربي، مع استعادته هو ذاته لفصاحة لسانه، فالخارجون على آمريته، لم يفقدوا جميعاً، بوصلةَ العودة إلى ركابه. لن يصمّوا آذانهم طويلاً عن نداءات فصاحته، بينما تتساقط لغونات أعدائه داخل البيت الأهلي وخارجه.

لقد شهدت النهضة العربية، منذ مرحلتها الأدبية في نهاية القرن التاسع عشر، وطيلة صراعاتها الثقافية والسياسية، إبان القرن العشرين، بزوغَ وانهيارَ العديد من الإمبراطوريات العالمية. فكان انفكاكها عن الإمبراطورية العثمانية، واحداً من الأسباب المباشرة لانهيارها. كما أن حرمان الإمبراطورية البريطانية والفرنسية من مستعمراتها العربية، مهد الطريق لزوالهما، ووارثةِ الإمبراطورية الأمريكية لتراثهما الأسود، وأخيراً وليس آخراً، تهرول هذه الإمبراطورية نحو حتفها، بكل صَلَفِ الغباء المطلق والدموية الهمجية، لتلقى عيْن المصير البائس لجدّتيْها، من أوربا العجوز، وذلك بدءاً من حروبها (البوشية) العابثة ما بين صحارى العراق وأفغانستان.

آمرية الاسم العربي ليست سحرية ولا ميتافيزيقة؛ ولكنها واحدة من قوى التاريخ الإنساني الصامدة، والمزروعة في الحديقة الخلفية من حضارات الأمم الحية. فإذا كانت هذه الآمرية قد كفّت عن صنع إمبراطورياتها السامية والعادلة، إلا أنها اكتسبت دوراً استثنائيا في إسقاط إمبراطوريات الشر؛ ولا يزال هذا الدور في أوج انجازاته وممارسته في تغيير خطوط الانحرافات المظلمة التي تعتري وجه الخارطة العالمية من عصر إلى آخر.

' مفكر عربي مقيم في باريس

=================

المفاوضات المباشرة وحكمة العرب

د.مصعب ابو عرقوب

8/23/2010

القدس العربي

 " شر البلاد بلاد لا أمير بها.. " ، تابع أكثم بن صيفي حديثه بباب كسرى ليأسر الألباب ويغير الصورة التي كان يحملها كسرى عن العرب ، فما كان من كسرى إلا ان علق مادحا : لو لم يكن للعرب غيرك لكفى.

وقد ترأس أكثم "رهطا من العرب ، لهم فضل في أحسابهم وأنسابهم ، وعقولهم وآدابهم " ، ابتعثهم النعمان بن المنذر لكسرى ليعلم ان العرب على غير ما ظن بهم من وحشية وصغر همة ، ولخوف النعمان من ان يتخذ كسرى العرب "خولا كبعض طماطمته في تأديتهم الخراج اليه، كما يفعل بملوك الامم الذين حوله " .

ومع ان الواقع السياسي للعرب في الجاهلية لم يكن ليسمح بمقارعة الدول الكبرى في ذلك الزمان فلا وجود لدولة مبدأيه تجمعهم تحت لواء واحد ولم يعتقدوا الإسلام حينها كنظام ورسالة عالمية ، إلا أنهم على الأقل حازوا على الاحترام والتقدير، وأبى ملكهم النعمان بن المنذر أن يعامل العرب بإهانة فيدفعوا الخراج لكسرى.

وقد تعوز حكمة العرب البعض عند الوقوف على الواقع السياسي المرير الذي نعيش ، فبعد اعتراف الجميع بفشل المفاوضات الغير مباشرة ، واعتبار نتائجها "صفرا كبيرا "و "فشلا ذريعا لجهود السلام "، جاءت لجنة المتابعة العربية لتحض على المفاوضات المباشرة وتلقي الكرة في ملعب السلطة الفلسطينية لتستعين الأخيرة بالمجلس الثوري واللجنة التنفيذية علها تتبنى الذهاب للمفاوضات المباشرة ، فالكل يلقى بكرة اللهب تلك للآخرين تنصلا من وزر البدء بالمفاوضات المباشرة ، في مسلسل درامي معقد ، تلتبس فيه الأدوار وتتداخل الصلاحيات فلا تكاد تميز بين الرئيس والرعية في تلقي الاوامر ، وبين التنفيذية والعربية والرباعية في الصلاحيات ، والثوري والتشريعي في البعد عن التأثير في الأحداث ، فلا قرار واضح يتخذ حيال المفاوضات التي اقر الكل بفشلها عبر مسيرتها الطويلة ولا يظهر في الأفق مسئول أو هيئة تستطيع البت في تلك القضية ، ويصبح المسلسل عصي على الفهم أكثر إذا نسيت حكمة العرب "شر البلاد بلاد لا أمير بها".

فقد كان واضحا بعد اجتماع اللجنة العربية أن كل شيء قد تم قبل الاجتماع في كواليس فندق ال(فور سيزون) في القاهرة الذي كان يرابط فيه ديفيد هيل كبير مساعدي مبعوث السلام الأميركي جورج ميتشل، فقد كان التناقض والارتباك سيد الموقف في المؤتمر الصحافي الذي عقد بعد الاجتماع ، وتناقضت فيه الأقوال بين الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى ورئيس اللجنة الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، فموسى قال إن المفاوضات تحتاج لمتطلبات وشروط ، بينما تحدث الشيخ حمد عن خلق البيئة وإطلاق يد الرئيس أبو مازن في عملية السلام، مما يعني تهربا من المسؤولية وإلقاء الكرة في ملاعب الآخرين ، وتوالت الأحداث في قضية مصيرية للأمة الإسلامية لتكشف حقيقة الشر الذي تعيشه الأمة في ظل غياب الأمير وتشعر بهذا الشر يلامس جلدها ، فلا يستطيع أحد أن يتخذ قرارا حتى وان كان يتنافى مع مصالح الأمة ، إلى أن جاءت وزيرة الخارجية الأمريكية كلنتون لتقطع قول كل خطيب، وتعلن بدء المفاوضات المباشرة وتحدد مراسيم الاحتفال بها وقائمة الحضور ، فتسقط كل الاشتراطات ويصمت كل خطباء المفاوضات ليحزموا أمتعتهم في موسم الحج لواشنطن.

ولا يجادل أحد في أن عدم اتخاذ القرارات يدلل على التبعية والارتهان للغرب، وفقدان السيادة، وان جاء كل ذلك تحت عنوان الضغوط الكبيرة والغير مسبوقة ، فما هي إلا مصطلحات تجميلية تدلل على فقدان السيادة والتبعية للدولة الأولى في العالم ، وتفتقر تلك المصطلحات لحكمة العرب وبساطة بلاغتهم وصدق تعبيراتهم ، فالواقع يشير إلى أننا نعيش في شر البلاد إذ لا أمير بها ولا سيادة .

إلا أن اللافت في الأمر ان الإدارة الأمريكية لم تعد تبذل جهدا في إخفاء تلك الحقيقة عن الشعوب ، وباتت تتصرف غير آبهة بمصير حلفائها وصورتهم أمام شعوبهم ، فأصبحت أوامرها واضحة جلية غير مغلفة بتمنع بعض الأنظمة وعنتريات البعض الأخر ، فالكل أمام الأوامر الأمريكية سواء ، فالإدارة الأمريكية لا تريد العودة للوراء لتقاتل في حصون سقطت وأصبح من العسير عليها استعادتها في معركة العقول والقلوب ، ففي ذلك مضيعة للوقت والجهد في زمن الأزمات والمستنقعات ، فحقيقة الأنظمة وتبعيتها للغرب و انسلاخها عن الأمة رسختها الإحداث والمصائب التترى في عقول وقلوب الأمة عبر عقود من العيش في شر البلاد والوقوع فريسة لانعدام الوزن وفقدان السيادة وتكسر الأحلام.

فالإرادة السياسية المستقلة ذات السيادة تنتج سلوكا سياسيا ملبيا لمجموعة الأفكار والمعتقدات ومتماشيا مع المنظومة الفكرية التي تعتقدها الأمة في سبيل تحقيق آمالها وطموحاتها ، وما دون ذلك يأتي ضمن الانخراط في تامين مصالح الأعداء والدفاع عنهم والتردي في مستنقعات التبعية ، فأرض فلسطين مسرى الرسول وأولى القبلتين، أرض مباركة في عقيدة الأمة وفكرها ، ولن تهدأ الأمة حتى ترى القدس وفلسطين محررة طاهرة ، وما دون ذلك لا ينسجم مع فكر الأمة وآمالها ، وسيان عند الأمة بعد تلك الحقائق ان ضاعت الأرض المباركة مباشرة بأوامر الغرب أو عبر وسطاء ... قد يسمون زورا... أمراء .

فلا وزن لقادة ولا لمجالس ولا لهيئات ولا لوزارات ولا لجامعة عربية أو إسلامية ، إذا فقدت الإرادة والسيادة ولم تأت القرارات منسجمة مع عقيدة الأمة وآمالها، وما تعيشه الأمة من فقدان الرعاية في المجالات السياسية والاجتماعية والصحية والتعليمية والاقتصادية وغيرها من النواحي يجسد حقيقة غياب الأمير أو الحكم العادل ويرسخ الحكمة العربية في شر البلاد التي نعيش .

وللخروج من هذه الأزمة لا بد للأمة ان تتوحد في ظل دولة واحدة ، ولا بد لها من أمير يحكم الأمة بما تعتقد من نظام إسلامي يحقق لها السيادة والرعاية ويعيدها خير امة أخرجت للناس ، لا تحتاج إلى كثير اجتماعات وتوصيات ولجان متابعة لإحقاق الحقوق وإرجاع المقدسات ففي ظل وجود الأمير تكفي رسالة منه.. يكتب فيها : "الرد ما تراه لا ما تسمعه"

كاتب وأكاديمي - فلسطين

=================

الهروب الامريكي

رشيد حسن

 الدستور

23-8-2010

نعتقد ان انسحاب القوات الاميركية المقاتلة من العراق ، هو بمثابة هروب ، بدليل الطريقة التي تم بها هذا الانسحاب ، حيث تم قبل الموعد المقرر باسبوعين تقريبا ، وبسرعة ، رغم توسلات مسؤولي السلطة العراقية ، الى جانب الطريقة التي تم بها ، والاحتياطات القتالية التي اتخذتها ، اثناء الانسحاب الى الكويت ، وكأنها في حالة اشتباك فعلي مع المقاومة ، ما يؤكد ان انسحابها هذا ، هو هروب من المستنقع الذي غرقت فيه ، هذا اولا.

 

ثانيا: يجيء هذا الإنسحاب بعد أن تعذر على هذه القوات تحقيق الانتصار الذي وعد به بوش الصغير ، وأصبح الانسحاب بعد ذلك جزءا من برنامج أوباما الانتخابي الذي حقق بموجبه الفوز على بوش ، ومن هنا فهذا الانسحاب هو جزء من برنامج الإدارة الأميركية الحالية ، لمواجهة الجمهوريين في الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي في خريف هذا العام.

 

وفي هذا الصدد نجد لزاما التذكير بأن تقرير هاملتون - بيكر ، الذي وضع بناء على توصية بوش ، قد أوصى بانسحاب هذه القوات ، بعد أن تعذر تحقيق الانتصار والاستقرار في العراق.

 

ثالثا: فشلت واشنطن في تحقيق كل ما وعدت به الشعب العراقي ، فلم تحقق الديمقراطية ، ولم تقم الدولة العلمانية الحديثة ، وتؤكد الاحصاءات أن الشعب العراقي ، يعيش في مأساة حقيقية ، وأوضاع هي إلى أقرب إلى العصور الوسطى.

 

ففي تقرير لجامعة جونز هوبكنز ، فقد خلف الاحتلال 655 الف قتيلا ، أي حوالي 3% من عدد السكان ، في حين أن الاحصاءات العراقية الموثوقة ، تؤشر على حجم الكارثة التي سببها الاحتلال ، وتفوق كل وصف.

 

ففي الأرقام بأن الاحتلال خلف 1,5 مليون قتيل ، مليوني جريح ، 5 ملايين مهجر ، 1,5 مليون أرملة ، 5 ملايين يتيم.

 

ومن جهة ثانية يكشف تقرير "التصنيف العالمي للسلام" الصادر في حزيران 2009 ، أن العراق هو أكثر بلد في العالم يفتقد فيه الأمان.

 

رابعا: يرى بعض المحللين إلى أن هذا الانسحاب ، الذي هو أقرب إلى الهروب ، هو عبارة عن إخراج القوات الأميركية من المصيدة ، فيما لو وقعت حرب بين اميركا وايران ، حيث تصبح هذه القوات هدفا مثاليا ، لحلفاء ايران في العراق ، وهم كثر.

 

خامسا: إن فشل واشنطن في تأليف حكومة في العراق ، وبعد خمسة أشهر من إجراء الانتخابات ، هو دليل اكيد على فشل سياستها في العراق ، ما حدا بالرئيس الأميركي أن يستنجد بالسيستاني ، وهي مفارقة تستحق التوقف ، لمساعدة واشنطن في الخروج من المأزق ، والضغط على الأطراف الموالية للسيستاني ، لتشكيل حكومة وفاق وطني ، ما أسهم في الخروج من العراق ، أو بالأحرى بالهروب من أرض الرافدين.

 

باختصار.. الانسحاب الأميركي من العراق ، لم يكن تنفيذا للاتفاقات المعقودة ، بل يجيء استجابة للظروف والمستجدات ، التي حتمت على واشنطن الهروب ، دون أن يرفع جنودها شارة النصر ، وهم يغادرون ارض المعركة ، ودون ان تعلن ايضا ، انتهاء الحرب ، ولكل لحادث حديث.

=================

انجاز مؤقت لنتنياهو

مازن حماد

 الدستور

23-8-2010

صحيح ان المفاوضات المباشرة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية ستنطلق في واشنطن في الثاني من سبتمبر وصحيح ان رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو حقق انجازا دبلوماسيا ، فان المفاوضات نفسها تشكل التحدي الاساسي لنتنياهو الذي يتعين عليه ان يتخذ قرارات حول قضايا الوضع النهائي مثل الحدود ومستقبل القدس والمستوطنات واللاجئين والمياه.

 

وكان نتنياهو قد تمكن خلال الشهور القليلة الماضية ، كما قالت صحيفة هآرتس من اعادة توجيه الضغط الامريكي ، فبعد ان امضى الرئيس اوباما عاما من الضغوط الفاشلة على اسرائيل تحول نحو السلطة الفلسطينية ونجح في ذلك.

 

واوضح نتنياهو ان طلبه عقد المحادثات مع الفلسطينيين دون شروط مسبقة لم يكن مجرد موقف سياسي بل ضرورة سياسية تمكنه من المحافظة على ائتلافه الحكومي اليمين المطرف ، وقد سبق وان اتفق مع شركائه مثل ليبرمان وبيغن ويعلون على ضرورة استئناف المفاوضات دون شروط مسبقة واكد هذا الائتلاف من خلال قرار اتخذته الهيئة السباعية المصغرة التي تضم كبار الوزراء في حكومته وبمساعدة الولايات المتحدة نجح نتنياهو ايضا في تحييد اهمية الاعلان الصادر عن اللجنة الرباعية التي لم تتحدث عن حدود 1967 ولا عن الدولة الفلسطينية ولا عن تجميد الاستيطان وانما اكتفى بابداء دعمها لحل جميع قضايا الخلاف بين الفلسطينيين والاسرائيليين.

 

وفيما تحول بيان الرباعية الى مجرد وثيقة دولية اخرى منحازة لاسرائيل كان التنازل الوحيد الذي قبله نتنياهو هو موافقته على جدول زمني مدته سنة لانتهاء المفاوضات المباشرة ، ويفضل الفلسطينيون المدة القصيرة لسببين الاول ان هناك تفاهمات سابقة بين الطرفين حول معظم القضايا والثاني انهم لا يثقون في نوايا حكومة نتنياهو.

 

وكما تعتقد هآرتس فان نجاح نتنياهو الدبلوماسي هو نجاح مؤقت رغم استطاعته اقناع المبعوث الرئاسي الامريكي جورج ميتشيل بعدم جلوس الامريكيين في غرفة واحدة مع المتفاوضين الاسرائيليين والفلسطينيين ، لكن الولايات المتحدة تقول انها ستكون نشطة للغاية ولن تتردد في تقديم المقترحات عندما تتأزم الامور.

 

وسيضطر نتنياهو بعد بدء المفاوضات الى اعلان مواقفه حول قضايا الوضع النهائي علما بانه اول وزير ليكودي يقدم على مفاوضات سلام بهدف معلن هو الوصول الى اتفاق دائم مع الفلسطينيين.

 

ولا تعتقد صحيفة هيرالد تريبيون ان هناك ثقة بين الجانبين كما تعتقد ان يكون اوباما قادرا على تحقيق اتفاق بينهما خلال عام وكما يقول المعلق السياسي الاسرائيلي ناحوم بيرنياغ فان معظم الاسرائيليين يعتقدون ان شيئا لن يتحقق من هذه المفاوضات.

 

ويرى بعض الذين يتابعون الوضع ان المفاوضات الفاشلة اسوأ من عدم عقد المفاوضات ، وضمن هذا الاطار يقول الوزير الاسرائيلي السابق يوسي بيلين ان ادارة اوباما اخطأت بتحديدها جدولا زمنيا للمفاوضات دون تحديد اي عقوبات واضاف انه ليس هناك امل في تحقيق السلام لا في سنة ولا في اثنتين او ثلاث والهوة بين الطرفين واسعة ، كما ان نتنياهو لم يأت لتقسيم القدس او ايجاد حل لمشكلة اللاجئين.

=================

مؤتمر واشنطن القادم.. ما أشبه اليوم بالبارحة (1-2)

ا.د. فيصل الرفوع

alrfouh@hotmail.com

الرأي الاردنية

23-8-2010

برعاية الولايات المتحدة الامريكية سيلتقي الفلسطينيون والإسرائيليون يوم الخميس الثاني من سبتمبر- أيلول 2010 في واشنطن، العاصمة الأمريكية، بحضور كل من الرئيس الأمريكي « باراك حسين أوباما» وجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين والرئيس المصري محمد حسني مبارك، بالإضافة إلى ممثل اللجنة الرباعية « توني بلير». وقد يحضر هذا الإجتماع، الذي يمثل بدء إنطلاق « ماراثون» السلام الفلسطيني- الإسرائيلي، العديد من ممثلي الدول والمنظمات الدولية التي يمثل حضورها دافعا ايجابيا لعملية السلام المنشودة بين « الضحية والجاني».

 

وفي الوقت الذي نأمل فيه ولو لمرة واحدة على مدار الاثنتين وستين سنة الماضية، وهي عمر الصراع العربي- الصهيوني، ان تصدق النوايا الاسرائيلية وتتعامل مع عملية السلام بأخلاص وبشيء من الجدية، بعيدا عن الاجندات «الميتافيزيقية» التي تحكم العقلية الصهيونية منذ مؤتمر بازل السويسري عام 1897 الى يومنا هذا . لأن بني إسرائيل مشهود لهم بفن الجدال العقيم و التسويف الظالم والمماطلة الباطلة، إذا ما تعلق الأمر بحقوق الآخرين منذ ان امرهم الله في عليائة، عن طريق كليمه سيدنا موسى عليه السلام ان يذبحوا تلك البقرة،» وما كادوا يفعلون»!!!.

 

ومع إدراكنا للطبيعة التكوينية- السلبية للإسرائيلين في منهج الحوار والمفاوضة، فإن لنا الحق ان نحلم، عسى ولعل ان تصدق اسرائيل، ولو لمرة واحدة في تبنيها لمفهوم السلام، وأن يتواءم المفاوض الاسرائيلي مع نفسه في توجهاته السلمية مع المفاوض الرسمي الفلسطيني الجريح، و الذي بالرغم من ادراكه لواقعه المؤلم وحال امته المرير، فقد خرج علينا قبل أيام بقرار خياره الوحيد، وهو قبول الشروع في المفاوضات المباشرة. وبطبيعة الحال فهو القرار الذي لا يملك غيره، بعد أن سكن في برجه العاجي، و» ركن» سيفه جانباً، وسلم مصيره لجلاده، وأصبح ينظر لثقافة المقاومة بأنها جزء من الماضي العقيم غير المجدي!!! ومع كل تلك الإحباطات المتراكمة وغيرها، وإذا صدقت النوايا الاسرائيلية، فإنه ليس من المستحيل ان نصل الى حالة من السلام بين العرب والاسرائيليين، كما حصل بين صلاح الدين الايوبي والصليبيين، علماً أن الصراع الإسلامي- الصليبي ذات يوم لم يقل شراسة وشدة عن الصراع الدائر اليوم على ارض فلسطين.

 

وبالرغم من بعض ملامح الأحلام الوردية التي تراود بعضنا أحياناً في لحظات اليأس من الواقع والخوف من المجهول حول طبيعة وتطور الصراع العربي- الصهيوني، فإن ما يبعث على عدم الطمائينية والشك والريبة حول مؤتمر « واشنطن» المنتظر، هو اننا بعد عدة شهور وتحديدا في تشرين ثاني نوفمبر 2010 سنحتفل بالذكرى العشرين لمؤتمر «مدريد» الشهير للسلام (1991)، و الذي بنينا عليه احلاما وردية حول الشرق الأوسط الأمن والمزدهر، والبعيد عن الاحتلال والاغتصاب، وبعد حوالي العشرين عاماً تحولت تلك الأحلام إلى أوهام طفوليه مستحيلة التحقيق... فهل سنتحدث بعد عشرين عاماً أخرى عن نفس الحكاية...!!!

=================

تبخر الوعد الأوبامي

مايكل جيرسون*

الرأي الاردنية

23-8-2010

ليست الفجوة الأكثر ضرراً لأوباما هي تقدم شعبية المرشحين «الجمهوريين» لعضوية الكونجرس وترجيح حظهم بالفوز بعدد أكبر من أصوات الناخبين في نوفمبر المقبل، ولا تراجع تأييد الناخبين لأداء الرئيس إلى حد لا يصدّق، إنما تتمثل هذه الفجوة في البرزخ الشاسع الذي يفصل بين التطلعات والواقع.

وقد كشف الجدل الدائر بشأن تشييد مسجد في مدينة مانهاتن عن هذه الفجوة على نحو مصغر ومختزل. ففي بادئ الأمر شهدنا أوباما رجل المبادئ العادلة الصائبة إلى حد كبير-في تقديري-، ثم رأيناه مستجيباً لإعادة تقويم مواقفه وسياساته مدفوعاً في ذلك بدوافع سياسية. يلي ذلك انهماك فريقه المساعد في دوامة من التوضيحات، متبوعة بالصمت الخجول. وأخيراً ها نحن نرى الرئيس وهو يعاني تأنيب الضمير، رغم ارتفاع صوته قائلاً: «لا ندم..لا ندم».

ويلاحظ أن إدارة أوباما قد انخرطت في سلسلة من النفاق السياسي اليومي البيّن والمستمر: منذ طردها لشيرلي شيروود بتهمة ملفقة ضدها بالانحياز ضد البيض، مروراً بهوسها بشبكة «فوكس نيوز»، ووصولها إلى الهجوم على «المحترفين اليساريين». ومن جانب فهي تواصل هجومها على نقمة وانتقادات الفضائيات الإخبارية الموجهة إليها، بينما نراها في الجانب الآخر أسيرة لكل ما يصدر عن تلك الفضائيات والشبكات. وهذا السلوك المتأرجح هو ما جعلها تبدو في أحيان كثيرة، إدارة تذروها الرياح، لا مبادئ قارةً لها، وتتعامل بردود الأفعال في سياساتها ومواقفها.

وأصبحت هذه الفجوة الهائلة بين المثُل والتطبيق والممارسة، سمة أساسية لسلوك الإدارة الحالية. فعلى سبيل المثال، وعد أوباما ذات مرة بوضع حد للعراك الدائر في واشنطن بشأن التشريعات المتعلقة بالأغذية. ولكن الواضح على صعيد الممارسة أن هناك استثناء من جانب الإدارة للأغذية المحلاة والمشروبات المثلجة. فقد ورد في آخر خطاباته قوله: «بينما ننزلق نحن وننحدر ونخر عرقاً، نرى «الجمهوريين» وهم يتفرجون علينا ويتلذذون برشف مشروباتهم الباردة المثلجة». وفي الخطاب الذي ألقاه في سياتل، بلغ الأمر برئيس الولايات المتحدة الأميركية حد الهزل ومحاكاة رشف معارضيه المحافظين وهم يرتشفون مشروب «سلربي» المثلج اللذيذ. وعلى عكس هذه المزحة الثقيلة الظل وغير المثمرة سياسياً، كان في وسع الرئيس الأسبق رونالد ريجان -الذي كان ممثلاً مسرحياً وسينمائياً في الأصل- جعل الدم السياسي يغلي في العروق بمجرد غمزة أو ابتسامة أو شارة ذكية لماحة تصدر عنه. وتبدو خطابية أوباما المشحونة بالنزعة الحزبية الضيقة، واخزة للآخرين، جارحة لمشاعرهم وأبعد ما تكون عن الفكاهة والمزاح اللطيف خفيف الظل.

ومهما يكن، فإن من الواجب القول إن تلك الخطابية تلائم الرسالة التي تبعث بها إدارة أوباما وتتمثلها تماماً. فبعد أن حقق أوباما معدل بطالة في بلاده بلغ 9.5 في المئة، متجاوزاً في ذلك ارتفاع معدلات البطالة في عهد الرئيس الأسبق فرانكلين روزفلت، فقد بلغ نقطة الموت الأيديولوجي. وإن كان ميله الطبيعي الغريزي هو المزيد من حزم الإنفاق الحكومي، فقد أصبح الاستمرار في هذا الميل مستحيلاً من الناحية العملية الآن. وعليه فلم يبق للرئيس ما يفعله سوى سلخ الجمهوريين ومهاجمتهم. وبذلك يظهر أوباما بمظهر لا يفرق بينه وأي سياسي حزبي مشاكس.

وتتراكم التوترات وتتسع الفجوة بين القول والفعل كل يوم تقريباً، فقد رأينا المرشح الرئاسي الذي تعهد بتحقيق أعلى مستوى من الإجماع الثنائي الحزبي فيما إذا انتخب لمنصب الرئيس، كيف يمرر أجندته كلها اعتماداً على أصوات حزبه وعبر المناورات الثقيلة داخل الكونجرس.

 ففي آخر استطلاع للرأي العام، أجرته مجموعة Democracy Corps بدا الرئيس «ليبرالياً جداً» بنسبة 56 في المئة من جملة استجابات المستطلعة آراؤهم.

 وبالمثل رأينا كيف انقلب تعهد المرشح الرئاسي بإجراء «تغيير جوهري على الطريقة التي تسير بها الأمور في واشنطن» إلى فجوة من انعدام الثقة العامة بالحكومة، بلغت حداً لا يشبهه إلا مستوى انعدام الثقة بالحكومة قبيل الثورة الفرنسية مباشرةً.

والحقيقة أن العجز عن «تغيير واقع واشنطن» لا ينحصر في أوباما ولا في الحزب «الديمقراطي» وحده، إنما يشمل العجز نفسه «الديمقراطيين» و»الجمهوريين» على حد سواء. في هذا الصدد كتب «لورانس ليسج» في صحيفة «ذا نيشن» قائلاً: سوف يغادر أوباما البيت الأبيض سواء في عام 2013 أم 2017 تاركاً وراءه واشنطن كما وجدها. وفي ذلك خيانة لحركة التغيير التي دشنها أثناء حملته الانتخابية».

هذا ويقاس العلو السياسي الذي سقط منه أوباما بتردد أصداء خطابية حملته الانتخابية في آذاننا اليوم. فعندما قال مؤخراً «دعنا نتشبث بالأمل» بدا وكأنه ملاحق بذكريات ماضي وعوده الانتخابية. وليس أوباما حالة استثنائية على أية حال. فقد عرف عن كثير من الساسة فعلهم عكس ما يقولون. كما يعرف أن التبشير بالمثل العليا والوعود الكبيرة، عادة ما يهيئ المناخ الملائم للنفاق السياسي. بيد أن خيبة الأمل التي أصابت الأميركيين في وعود أوباما، مريرة وأكبر مما يمكن تصورها. فقد صعد أوباما إلى سدة الحكم محمولاً على أجنحة الوعود البراقة التي قطعها لناخبيه. وكانت أميركا حينها تغفو على وسادة من المثالية والأحلام، لكنها استيقظت من حلمها على كابوس مرعب لم تكن تتوقعه. والسؤال المقلق الذي تواجهه الإدارة الآن: كيف لها أن تتواءم وموت الفكرة التي انبعثت منها وأوصلتها إلى سدة الحكم؟ وقد يسقط الساسة وما أكثرهم.. ولكن ليس من هذا العلو الشاهق الذي سقط منه أوباما!

* (كاتب ومحلل سياسي أميركي)

واشنطن بوست الاميركية

=================

خمس سنوات على الانسحاب من غزة.. والرهان الإسرائيلي

المستقبل - الاثنين 23 آب 2010

العدد 3749 - رأي و فكر - صفحة 19

خيرالله خيرالله

قبل خمس سنوات، في آب من العام 2005، انسحبت اسرائيل من قطاع غزة. فككت مستوطناتها وانكفأت، من دون اي تنسيق من اي نوع كان مع السلطة الوطنية الفلسطينية، الى مواقع تقع خلف الحدود الدولية المعترف بها. تركت قطاع غزة، الذي سعت دائما الى التخلص منه، للفلسطينيين الذين وقعوا في الفخ الذي نصب لهم بعدما اعتقد قسم منهم ان غزة تصلح نقطة انطلاق لتحرير فلسطين من البحر الى النهر او من النهر الى البحر لافارق.

ما الذي نشهده بعد خمس سنوات على الانسحاب من غزة الذي اعتبره بعض الفلسطينيين انتصارا للمقاومة؟ الجواب اننا نشهد مأساة حقيقية تتمثل في عدم قدرة الفلسطينيين على استغلال فرصة الانسحاب الاسرائيلي وزوال الاحتلال، لأيّ سبب كان، من اجل تقديم نموذج لما يمكن ان تكون عليه دولة فلسطينية مستقلة. سقط الفلسطينيون ضحية فوضى السلاح بدل ان يستغلوا التخلص من الاحتلال كي يكشفوا للعالم وجههم الحضاري وقدرتهم على التأقلم مع المعطيات الاقليمية وتجييرها لمصلحة قضيتهم الوطنية.

تشكل غزة نموذجا للفشل الذريع في الاستفادة من اي ثغرة، مهما كانت ضيقة، لاقناع المجتمع الدولي بأن الفلسطينيين شعب قادر على بناء دولته والمحافظة على اي التزامات يتعهد بها. بدل البناء على الانسحاب الاسرائيلي وانتهاء الاحتلال، عمت فوضى السلاح كل القطاع. ووجد حتى من يدمّر الابنية وانظمة الري المتطورة التي تركها المستوطنون بدل المحافظة عليها واستخدامها بطريقة حضارية. لم تمض ايام على الانسحاب الاسرائيلي حتى بدأت المناوشات بين مقاتلي "فتح" و"حماس". بنت "حماس"، بدعم ايراني وغير ايراني، ميليشيا خاصة بها. وفي منتصف حزيران 2007، نفّذت انقلابها الدموي من منطلق ان الانتصار على "فتح" وطردها من القطاع اهمّ بكثير من تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني.

بدا واضحا ان همّ "حماس" محصور بتغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني من جهة وتحويل غزة ورقة ايرانية وغير ايرانية تستخدم ضد السلطة الوطنية الفلسطينية وضد مصر وضد كل من يرفض ان يكون الشعب الفلسطيني وقودا في معارك ذات طابع اقليمي لا علاقة له بها من قريب او بعيد.

في حال كان لا بدّ من تلخيص للوضع في غزة بعد خمس سنوات على تنفيذ الانسحاب الاسرائيلي، يمكن القول ان اسرائيل كسبت رهانها. كان الرهان الاسرائيلي، وهو رهان ارييل شارون رئيس الحكومة وقتذاك، على ان الفلسطينيين في غزة سيكونوا مرة اخرى ضحايا فوضى السلاح وان "حماس" لا يمكن الا ان تنتصر على "فتح" في ضوء المساعدات الخارجية التي تحصل عليها، خصوصا من ايران.

الآن، يمكن الحديث عن كيانين فلسطينيين منفصل كل منهما عن الآخر وعن تحول غزة الى "امارة اسلامية" على الطريقة الطالبانية (نسبة الى طالبان) وعن دفاع مستميت عن بقاء الحصار الاسرائيلي الظالم الى ما لا نهاية نظرا الى انه يسهّل على "حماس" اخضاع الشعب الفلسطيني في القطاع وعزله عن محيطه العربي. باختصار شديد، صارت غزة اسيرة الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط المحتجز في القطاع منذ حزيران من العام 2006. كيف يمكن ل"حماس" ان تقبل من الناحية الانسانية بالحصار الذي يطال ما يزيد على مليون ونصف مليون فلسطيني من اجل جندي اسرائيلي لا تعيره دولته اي اهتمام. على العكس من ذلك، تتذرع حكومة بنيامين نتانياهو بشاليط كي تحكم حصارها على غزة وكي تمارس ارهاب الدولة فيما العالم يقف موقف المتفرج...

على الصعيد السياسي، يتبين كل يوم ان "حماس" نفّذت المطلوب منها اسرائيليا بكل دقة وامانة في مقابل احتفاظها بالسيطرة على قطاع غزة والامتناع عن اي خطوة في اتجاه تحقيق المصالحة الوطنية على اسس واضحة تصب في خدمة المشروع الوطني الفلسطيني. من يريد دليلا على ذلك، يستطيع العودة الى الطريقة التي انتهت بها الحرب على غزة اواخر العام 2008 وبداية العام 2009. حاصر الاسرائيليون القياديين في "حماس" بعد لجوء هؤلاء الى غرفة تحت الارض في احد المستشفيات وما لبثوا ان انسحبوا من دون المس بهم. انتهت الحرب فجأة وبقي القياديون على قيد الحياة مع فارق بسيط. قبل الحرب، كانت الصواريخ المضحكة - المبكية التي تطلق من غزة قادرة على تحرير فلسطين. بعد الحرب صار اطلاق الصواريخ من القطاع بمثابة "خيانة وطنية". بقدرة قادر انتقلت الصواريخ بين ليلة وضحاها من موقع "الوطنية" الى "الخيانة" من دون ان يوجد من يطرح سؤالا واحدا عن السبب الحقيقي وراء هذا الانقلاب في المواقف "الحماسية".

ما قد يكون اهم من ذلك كله، انه بعد خمس سنوات على الانسحاب الاسرائيلي من غزة، لا يزال الانسحاب يؤدي وظيفة محددة تتمثل في ايجاد الاسباب التي تبرر لاسرائيل عرقلة اي تسوية من اي نوع كان. مجرد وجود كيانين فلسطينيين، يسمح لحكومة بنيامين نتانياهو بطرح تساؤلات في شأن قدرة الفلسطينيين على التزام موقف موحد. مجرد هجوم "حماس" على امكان العودة الى المفاوضات المباشرة يؤكد ما يسميه الاسرائيليون "شكوكا" بصدقية الموقف الفلسطيني.

قبل خمس سنوات، برر دوف فايسغلاس، مدير مكتب ارييل شارون وقتذاك، الانسحاب من غزة برغبة اسرائيل بالامساك بطريقة افضل بالقدس الشرقية وقسم من الضفة الغربية. يتبين الآن انه لم يتغير شيء في السياسة الاسرائيلية. كل ما في الامر ان بيبي نتانياهو ينفّذ سياسة شارون بطريقة افضل منه. كيف لا وهناك في الجانب الفلسطيني من يعمل كل ما في وسعه من اجل اضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية واظهارها في مظهر العاجز عن التفاوض باسم الفلسطينيين والتقدم في اتجاه قيام الدولة المستقلة. الخوف كل الخوف ان يصدق من قال ان الفلسطينيين الفلسطينيين لا يفوتون فرصة الاستفادة من اي فرصة تظهر امامهم. ثمة من يرد بأن لا وجود لفرصة فلسطينية الآن. ولكن هل من الضروري قطع الطريق على اي فرصة مهما كان الامل بظهورها ضعيفا؟

=================

اليونان والعولمة

بقلم :جورج باباندريو

البيان

23-8-2010

ليست العولمة أمراً محايداً، وإنما هي عملية ينبغي أن تجري ضمن حساباتنا، بحيث ننظمها ونضعها ضمن إطار من القيم والأخلاق. ولكن لماذا نسعى نحو العولمة؟ وكيف ستفيد الإنسانية؟ وكيف لنا أن نتعامل مع المشكلات العالمية.

مثل الفقر، والتغيرات المناخية، والأمن في مجال الطاقة، ليس فقط من منظور اقتصادي ضيق، وإنما من منظور إنساني أكثر شمولية واتساعاً؟ هذه هي الأسئلة التي ينبغي علينا التعامل معها في سعينا لحل المشكلات العالمية الراهنة.

بتعبير آخر، هل يمكن لنا أن نضفي الطابع الإنساني على النظام الرأسمالي العالمي، أم نتركه ينطلق بهذا الشكل المسعور، معطياً الفرصة لذوي القوة لأن يزدادوا قوة، والضعاف ليزدادوا انتكاساً وضعفاً؟

لا شك في أن الدول الكبرى، ضمن إطار النظام العولمي الجديد، أنفقت تريليونات الدولارات لتسود العالم تكنولوجياً وإعلامياً، وما لم تكن هناك حدود وتنظيمات ديمقراطية للمسألة، فإن الفجوة بين الفقراء والعالم ستزداد، وسيتعمق تركيز السلطة، وترتفع احتمالات التعرض للكوارث والدمار.

 

هناك من جنوا فوائد من وراء نظام العولمة، وهناك من خسروا وازدادوا تهميشاً. وأنا أرى أن العولمة مسألة إيجابية، حسناتها تفوق مخاطرها، لكن ينبغي التعامل مع تلك المخاطر بحذر، وإدارتها بمهارة، فمن المهم ألا تسحق عجلات العولمة أية دولة في العالم، بل أن تسعى لتحسين مستوى معيشة الأفراد جميعاً، ورفع مستوى العدالة الاجتماعية.

 

في التسعينات، ابتدعنا مصطلح «النهج الثالث» لحل الأزمات، لكننا بدلاً من ذلك فإننا نحتاج ل«نهج رابع». فالاعتماد المفرط على الأسواق باعتبارها مقياس النمو، وافتراض أن الأسواق دوماً على حق، كل هذا ثبت بطلانه، وصرنا بحاجة لنهج رابع نضمن من خلاله منح الحرية للأسواق لكي تبدع وتنمو، لكن بشرط ألا تكون الديمقراطية تابعة للسوق، بل العكس هو الصحيح.

 

يعتمد النهج الرابع على قيام مؤسسات ديمقراطية مسؤولة، يمكنها أن تعطي الأولوية للتكاتف العالمي على حساب المصالح الوطنية الضيقة، إذ ينبغي علينا أن نمسك بعقال العولمة، ونوجهها بأنفسنا حيث نريد، وهذا يعني مجموعة من الأمور؛ منها أننا سنكون بحاجة لنظام حوكمة عالمي، ومؤسسات دولية، مثل الأمم المتحدة ومجموعة العشرين، على أن تكون أكثر شمولية وتمثيلاً لأعضائها.

 

كما ينبغي علينا أن نحدد مدى الترابط والاعتماد المتبادل بين دول العالم، فكلما زادت استقلالية الدول زادت قدرتها على التحكم في مشكلاتها. وعلى سبيل المثال، إذا كانت هناك دولة مكتفية ذاتياً في مجال الطاقة، بفضل استغلالها لطاقة الرياح والطاقة الشمسية، فإن تأثرها بأسعار النفط العالمية سيكون أقل من دول أخرى، وستكون أقل اعتماداً على الأسعار العالمية، وأقل اعتماداً على الدول المنتجة للنفط.

 

هناك مسألة العولمة الثقافية أيضاً، التي لم تنضج بعد، وما نراه في توجهات الجيل الأصغر سناً نحو الموسيقى العالمية ونمط الحياة الغربي، لا يعني أن العولمة الثقافية تتطور وتقوى.

 

هنا يوجد تناقض يسبب مشكلات كبيرة في أنظمتنا السياسية، فكلما ازددنا إدراكاً ووعياً بالمشكلات العالمية المشتركة، وهذا أمر جيد لأنه أمر من المفترض أن يعين على التعاون والتكاتف بين شعوب وحكومات العالم، لكن بما أن الأمر عالمي وخارج نطاق سيطرة أنظمتنا السياسية المحلية، فلن يزيدنا الإدراك للمشكلات العالمية إلا إحساساً بالإحباط والعجز.

 

أوروبا، على سبيل المثال، تحاول جاهدة تخطي الحدود الوطنية الضيقة، لكنها كاتحاد متناسق، لا تستطيع أن تقرر مصير المناخ العالمي، فنحن، في واقع الأمر، لا توجد لدينا هيمنة سيادية على نظامنا المالي ضمن سوق الائتمان العالمية، ولا يتوافر لدينا نظام حوكمة رصين في ما يتعلق بالهجرة.

 

صحيح أن لدينا مؤسسات وهيئات تحاول التعامل مع كل تلك القضايا، لكنها، على العموم، ليست فعالة وقوية، وينتهي بنا الأمر دون تحقيق نتائج عملية، لا همّ لنا إلا الجدل حول أفضل الطرق للنجاح.

 

فهل علينا أن نكون أكثر مركزية، أم أنه ينبغي علينا أن نسعى لبناء أنظمة حوكمة تمهد لتفكيك المركزية؟ وهل يمكن للديمقراطية أن تكون فعالة مثل الأنظمة الدكتاتورية في التعامل مع المشكلات القائمة؟ هذه هي الألغاز المحيرة، التي ينبغي علينا حلها في المستقبل.

 

هناك خطر حقيقي في التقشف عالمياً، لأنه من الممكن أن يؤدي إلى زيادة الطلب العالمي، وهو أمر غير محمود في مرحلة التعافي الهشة التي يمر بها العالم. لهذا ينبغي علينا ألا نستمر في القفز من فقاعة إلى أخرى، وإنما علينا السعي لتحريك الاقتصاد العالمي نحو النمو المستدام والمنصف، وأن نراعي في ذلك ألا نجعل غير المسؤولين عن حدوث الأزمة هم من يدفعون الثمن الأعلى.

 

على المستوى المحلي، ينبغي علينا أن نعيد مراجعة مشروعات الضمان الاجتماعي والتقاعد لكي تكون أكثر فعالية، وأن نؤسس، في الوقت نفسه، استراتيجيات تطوير ونمو تستثمر في مجالات مختلفة، تعيننا على تخفيض اعتمادنا على العالم.

 

كما يمكننا فرض ضرائب على التعاملات المالية، وعلى إفراز الكربون، فهذا سيحقق لنا إيرادات تسهم في تطوير الضمان الاجتماعي، وتمول مشروعات التحول إلى اقتصاد قليل الإفراز للكربون.

 

وعلى الرغم مما يعتري الاتحاد الأوروبي من الضعف، فإنه يظل مثالاً حياً ودليلاً قوياً على الفوائد التي يمكن جنيها من التعاون بين الدول، وتجاوز قرون من الخلافات والصراعات لتحقيق السلام والرخاء المشتركين، ويمكن للاتحاد الأوروبي أن يكون مثالاً حياً لكل الدول التي لم تنجح في تجاوز خلافاتها بعد.

رئيس وزراء اليونان

=================

الصين والسعي لدور عالمي أكبر

بقلم :صحيفة «تشاينا ديلي» الصينية

البيان

23-8-2010

قال اقتصاديون إن الاقتصاد الصيني ربما يتفوق على نظيره الياباني ليغدو ثاني أكبر اقتصاد في العالم هذا العام، ولكنه يبقى اقتصاداً نامياً رغم النمو السريع الذي يحققه. ووفقاً لبيانات الحكومة اليابانية أخيراً، فقد قُدّر إجمالي الناتج المحلي في اليابان.

 

قبل ضبط السعر والمتغيرات الموسمية، ب286 .1 تريليون دولار، خلال الربع الثاني من العام الممتد من إبريل حتى يونيو الماضي، مقارنة مع 335 .1 تريليون دولار في الصين. ويتم تحويل الأرقام إلى دولارات، بناء على متوسط سعر الصرف السائد خلال ربع العام.

 

وقالت الحكومة اليابانية إن الناتج المحلي الإجمالي في البلاد شهد نمواً سنويا ب4 .0، وهو ما يقل كثيراً عن المعدل السنوي البالغ 4 .4% خلال الربع الأول، ما يضيف دليلاً جديداً على أن التعافي العالمي أمام رياح عاتية.

 

ومن قبل تفوقت الصين على اليابان في أرقام الناتج المحلي الإجمالي الفصلية، ولكن هذه المرة من المرجح ألا تتخلى عن الصدارة.

 

ومما لا يثير الدهشة أن الاقتصاد الصيني، والذي كان ينمو بنحو 10% سنوياً لما يزيد على ثلاثة عقود، قد قفز إلى مستوى أعلى في القوائم الاقتصادية، في الوقت الذي تصارع الاقتصادات الكبرى من أجل التعافي من الأزمة المالية العالمية الراهنة. ولكن يتعين على المجتمع الدولي ألا يتوقع الكثير من اقتصاد لا يزال في طور النمو، فمعدل الدخل الفردي فيه ما زال منخفضاً.

 

فمن ناحية، أصبحت الصين محركاً رئيسياً في النمو العالمي، ويعادل اقتصادها نحو ثلث حجم الاقتصاد الأميركي، الأكبر في العالم، فهي لم تحل محل الولايات المتحدة كأكبر سوق للسيارات في العالم فحسب، بل تمكنت من تخطي ألمانيا كي تصبح أكبر مصدّر في العالم خلال العام الماضي.

 

ومن ناحية أخرى، فإن الصين باعتبارها أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، يعادل دخل الفرد فيها نحو عُشر نصيب الفرد في الاقتصادات الكبرى الأخرى، ليحتل المرتبة المئة على مستوى العالم.

 

ولكن الذين يريدون من الصين تحمل مسؤوليات عالمية أكبر، بسبب حجم اقتصادها وحده، عليهم أن يضعوا في الاعتبار التحديات الكبرى التي تواجهها الصين في مجال التنمية خلال السنوات المقبلة.

 

وقال «ريتشارد بيرنر»، كبير الاقتصاديين في بنك مورغان ستانلي في الولايات المتحدة، إن أخبار تفوق الناتج المحلي الإجمالي للصين على اليابان، لم تكن مصدراً للدهشة.

 

فقد تفوق الناتج المحلي الإجمالي للصين على اليابان، على أساس الفارق في القوة الشرائية منذ فترة مضت. وفي عام 2007، تفوقت الصين على ألمانيا كثالث أكبر اقتصاد من حيث إجمالي الناتج المحلي، ومنذ عقد مضى تبوأت الصين المركز السابع عالمياً.

 

ويرى «يانغ يي» الأستاذ في مدرسة الدبلوماسية والعلاقات الدولية في جامعة بكين للعلاقات الخارجية، أنه على الرغم من التوسع السريع في الناتج المحلي الإجمالي، فلا تزال الصين تعاني من مشكلات داخلية؛ كالفقر والهوة الواسعة في توزيع الثروة، والتي تعرقل جهودها في الاضطلاع بالمزيد من المسؤوليات الدولية.

 

أما «لي يانهوا» الباحث لدى الأكاديمية الصينية للتجارة الدولية والتعاون الاقتصادي التابعة لوزارة التجارة، فيقول إن المسؤولية في المشهد الدولي لا بد أن تقترن بمساهمة أكبر في المنظمات الدولية.

 

و«عندما تضطلع الصين بمسؤوليات أكثر دولياً، فلا بد أن يكون لها صوت أكبر داخل كبرى المنظمات الدولية، في ما يتعلق بالقضايا الدولية الأساسية».

=================

المأزق الأفغاني والدروس غير المستفادة

آخر تحديث:الاثنين ,23/08/2010

عبد الاله بلقزيز

الخليج

استسهلت الولايات المتحدة الأمريكية كثيراً أمر الأوضاع في أفغانستان، فألفت نفسها تنغمس فيها من دون حساب العواقب إلى الحد الذي انقلب فيه الانغماس إلى غرق في المستنقع . لم يكن ذلك واضحاً لديها بعد غزو أفغانستان قبل نيف وثمانية أعوام، ذلك أن “الانتصار السهل” على طالبان، وما أعقبه من إمساك بمقاليد “الدولة” في البلد، ومن ترتيب لإقامة نظام موال لها فيه، والنجاح الذي أحرزته على صعيد تأمين قاعدة اجتماعية و”تمثيلية” لذلك النظام (اللوياجورغا)، وعلى صعيد استدراج دول عديدة للمشاركة في القوات الدولية، أوحى لها بالسيطرة على الأوضاع . وزاد من معدل هذا الاعتقاد لديها أن عدد من كان يسقط لها من قتلى في صفوف جنودها وجنود حلفائها في العام الواحد (كان) أقل من عدد من كانوا يسقطون لها في العراق في الشهر الواحد، خاصة بين العامين 2004 و2007 .

 

ظل مصدر النزيف العسكري والبشري والاقتصادي لديها طيلة الولاية الثانية لجورج بوش هو العراق، فأفرغت فيه كل الجهد والوسع لوقف المقاومة والتقليل من خسائر بدأت تتفاعل في داخلها السياسي على نحو حوّل إدارة بوش في عيون الأمريكيين إلى كارثة قومية كبرى لم يسبق أن أصيبت بها البلاد . وقد كان يسع إدارتها، في ذلك الحين، أن تقول للأمريكيين إنها كسبت الحرب جزئياً في أفغانستان، ولم تقض نهائياً على تنظيم “القاعدة” ولا أمسكت رؤوسه القيادية الكبرى، لكنها أسقطت نظام “طالبان” وأنتجت نظاماً سياسياً تابعاً من عملائها والموالين لها، وأحكمت قبضتها العسكرية على كابُل والأقاليم الكبرى في الوسط والغرب، وأجبرت مقاتلي “طالبان” على الانكفاء إلى الجنوب الشرقي، وحدّت من الخسائر في قواها البشرية، ناهيك بأن ضرباتها ل “القاعدة” في أفغانستان حدّت من خطرها على الأمن القومي الأمريكي ومن قدرتها على إلحاق الأذى به . وإذا كانت وظيفة مثل هذا القول أن يبرر للأمريكيين حرباً خيضت تحت عنوان تصفية “الإرهاب” وتدمير قواه وشبكاته ومصادره، فمن وظائفها في ذلك الحين أيضاً التعويض عن الفشل الذريع الذي منيت به حربها على العراق وفيه .

 

وكان الفشل هذا دمَّر حظوظ الجمهوريين في الاحتفاظ بالسلطة في أمريكا، ووفر للحزب الديمقراطي فرصة مثالية لاستدرار تأييد الرأي العام من طريق استثمار سياسي وانتخابي ناجح لورطة إدارة بوش في العراق . ولم يكن ثمة أفضل من أن تتركز حملة باراك أوباما الانتخابية على مطلب جماعي ضاغط لدى الأمريكيين هو الخروج من العراق، الذي ألحقت حربه بهم نزيفاً لا يطاق، لكي يجتاز المنافسة بنجاح على أنقاض إخفاقات سلفه . لكن إدارة أوباما لم تلبث أن سقطت في الفخ عينه الذي سقطت فيه سابقتها، إذ سرعان ما ستندفع إلى نزيف جديد، لم تكن تتخيل حجمه في أفغانستان، تحت عنوان الاستمرار في استراتيجية “الحرب على الإرهاب” وإحراز نجاح حاسم فيها .

 

من النافل القول إن إدارة أوباما ما كان يمكنها أن تتجاهل المخاطر المحدقة بالأمن القومي الأمريكي، خاصة بعد أن أوصلتها إدارة بوش إلى هذا الخيار وأورثتها تبعات صدامها الطاحن مع “القاعدة” . لكنها ما أرادت حماية هذا الأمن في داخلها وعلى حدودها الجغرافية، وإنما جنحت لما جنحت له سابقتها من افتراض بأن الأمن يتحقق من طريق نقل الحرب مع “الإرهاب” إلى الخارج، إلى ساحته التي ينطلق منها . ولم يكن ثمة تلازم بين الأمريكيين بالضرورة، إذ لو كان على كل دولة أن تعرّف أمنها القومي على هذا النحو، لتحولت الكرة الأرضية برمتها إلى ساحة قتال . ثم إن استئناف “استراتيجية بوش” للحرب على “الإرهاب” لم يكن يعني سوى المزيد من النزيف البشري والاقتصادي للولايات المتحدة وخاصة بعد أن هزتها أكبر أزمة مالية منذ أزمة العام 1929 .

 

وما إن بدأ ضغط المقاومة العراقية على الاحتلال الأمريكي يخف وكان ذلك في جانب كبير منه نتيجة الأدوار الخدماتية التي قدمتها “الصحوات” للاحتلال حتى زاد معدله في أفغانستان، وخاصة منذ صعود أوباما إلى السلطة في واشنطن . وإذا كان التزايد المثير لعمليات “طالبان” ضد قوات الاحتلال، وارتفاع الخسائر البشرية في صفوف الجنود الأمريكيين وحلفائهم، من العلامات الدالة على مأزق استراتيجية أوباما في أفغانستان، فإن مما يفصح عنها أكثر ذلك الجنوح الدولي المتعاظم لسحب القوات العسكرية من أفغانستان سريعاً، الذي أبدته دول عدة مشاركة ضمن القوات الدولية . يترافق ذلك مع محاولات يائسة من أمريكا لشق صفوف حركة “طالبان” تحت عنوان الاستعداد للتعامل مع “معتدلي” الحركة، ومن أجل قطع الطريق على دعوات حلفاء آخرين لها مثل بريطانيا إلى التفكير في خيار الحوار والتفاوض مع الحركة كحل وحيد للمأزق الحاد الذي يمر به الوجود العسكري الأجنبي والسياسات التي تدير الأزمة الأفغانية .

 

من المؤكد أن السياسة الأمريكية لم تستفد بعد من دروس الحرب في أفغانستان إبان الاحتلال السوفييتي لها، فاستراتيجية زيادة عدد القوات للسيطرة على الأوضاع وهي التي يتبناها أوباما وقادة جيشه هي عينها التي أخذ بها السوفييت في النصف الثاني من الثمانينات بعد أن زادت عمليات “المجاهدين الأفغان” ضد قواتهم والقوات النظامية . ولقد مر على الوجود العسكري السوفييتي حين من الزمن سيطر فيه على الأوضاع الأمنية وكرّس فيه سلطة النظام الموالي له تماماً مثلما حصل للأمريكيين قبل هذه الورطة . ولقد رفض السوفييت التفاوض مع “المجاهدين” قبل أن يرفض الأمريكيون التفاوض مع “طالبان”، وتجاهلوا قوة الباشتون معتمدين على الأوزبك والطاجيك كما يتجاهل الأمريكيون القوة الإثنية نفسها: وهي البيئة الحاضنة لحركة “طالبان” . ومع ذلك، اضطر السوفييت بعد عشر سنوات من الاحتلال إلى الانسحاب وسقط النظام الموالي لهم . فهل يسع أمريكا أن تصمد عامين آخرين لتكمل سنواتها العشر في أفغانستان؟

=================

جهود محمومة لتطويق أنقرة

آخر تحديث:الاثنين ,23/08/2010

فايز رشيد

الخليج

لا تخفى على أحد أهداف “إسرائيل” من وراء زيارة نتنياهو إلى اليونان، والتي هي أولاً وأخيراً محاولة إيجاد منطقة نفوذ “إسرائيلي” في أثينا عوضاً عن أنقرة، كما أنها وسيلة ضغط صهيونية على تركيا، سبقتها محاولات عديدة محمومة للإساءة إلى حزب التنمية والعدالة وزعيمه أردوغان شخصياً . من آخر التعليقات “الإسرائيلية” حول أردوغان، اتهامه بأنه مصاب بمرض الصرع، الذي يجعل من المصاب به شخصاً ليس سوياً ولا يجوز له اعتلاء منصب رئيس الوزراء في بلده . وقد ركزت على هذا الموضوع العديد من الصحف “الإسرائيلية” في الأيام القليلة الماضية .

 

يتزامن الاتهام مع تهديدات أمريكية لتركيا وردت على لسان الرئيس أوباما، فوفقاً لصحيفة (الفايننشيال تايمز) البريطانية، هدّد رأس الإدارة الأمريكية رئيس الوزراء التركي أردوغان بأن الولايات المتحدة ستوقف صفقة الأسلحة بين البلدين، والقاضية بشراء تركيا لطائرات حديثة أمريكية، كما أن أوباما وعلى هامش قمة العشرين التي عقدت في كندا، لام أردوغان شخصياً على مواقف تركيا تجاه “إسرائيل” وعلى تصويتها ضد قرار فرض العقوبات على إيران في مجلس الأمن، بالإضافة إلى الموقف التركي بعد مجزرة أسطول الحرية الأمر الذي يؤكد و(الكلام للرئيس الأمريكي) أن تركيا لا تتصرف كحليف للولايات المتحدة .

 

في جعبة الإدارة الأمريكية الكثير من وسائل الضغط الأخرى بالطبع، ولعل من أبرزها، الملف الأرمني ووجود كثيرين من أعضاء الكونجرس بشقيه، يطالبون ببحث موضوع “مذبحة الأرمن” وهو الذي تم وقفه بعد تهديدات أردوغان بسحب السفير التركي من واشنطن، الأمر الذي أجبر أوباما على تسمية المسألة ب (القضية التركية الأرمنية) بعيداً عن استعمال كلمة (مذبحة) .

 

أيضاً، فإن الملف الكردي في شمال العراق هو ورقة ضغط قوية بين أيدي الحليفتين الاستراتيجيتين، الولايات المتحدة و”إسرائيل”، فلا يخفى على أحد النفوذ “الإسرائيلي” المتعاظم في منطقة الحكم الذاتي الكردية في العراق، كما أن قوة النفوذ الأمريكي فيها تؤهل البلدين لممارسة ضغوطات على أنقرة، والتأثير سلباً في القضية الكردية في تركيا ذاتها .

 

الولايات المتحدة و”إسرائيل” تحاولان استنفار كافة قضايا الضغط، حتى من خلال القضية البوسنية، فلم تكن صدفة زيارة زعيم صرب البوسنة إلى تل أبيب وقيامه منها بتوجيه انتقادات حادّة للموقف التركي من قضية البوسنة .

 

صحيح أن من الصعوبة بمكان على أردوغان ومن ورائه حزب التنمية والعدالة مجابهة هذه الضغوطات مجتمعة، وبخاصة أنها متزامنة مع قضايا داخلية تركية كبيرة، متمثلة في الصراع الخفي الدائر بين الجيش والأحزاب العلمانية من جهة، وبين حزب التنمية والعدالة من جهة أخرى، وفي رأي بعض المراقبين السياسيين أنه ومنذ اجتماع بروكسل السري بين وزير الخارجية التركي ووزير “إسرائيلي” والتي حرصت “إسرائيل” ونتنياهو على كشفه (رغم اعتراضات ليبرمان على عقد اللقاء) بدأت أنقرة في الاستجابة لواشنطن، بدليل خفوت اللهجة الحادة تجاه “إسرائيل” في الخطاب السياسي التركي، واستجابة تل أبيب للطلب التركي بتشكيل لجنة تحقيق دولية للبحث في ملابسات ووقائع مجزرة أسطول الحرية (اشترطت “إسرائيل” عدم قيام اللجنة باستدعاء جنود وضباط “إسرائيليين” ممن شاركوا في العملية) .

 

من جانب آخر، نرى أن الضغوطات ربما تؤثر في التكتيك السياسي للقيادة التركية، لكنها لن تؤثر بالمطلق في جوهر ومضمون هذه السياسة، وذلك للأسباب التالية وأبرزها:

 

 أولاً: المواقف السياسية التي يتخذها حزب التنمية والعدالة تجاه كافة القضايا، وبالأخص تجاه “إسرائيل”، وهو توجه عام للجماهير التركية، التي تطالب في معظمها بعدم عودة العلاقات التركية “الإسرائيلية” إلى ما كانت عليه سابقاً . على هذا الأساس ونتيجة لمواقفه استطاع حزب التنمية والعدالة تحقيق نتائج باهرة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، بما يضمن له تجاوز نسبة الثلثين في مجلس النواب، كاشتراط لتمرير مشاريع قراراته .

 

 ثانياً: في ما يتعلق بالملف الأرمني، فهناك بداية علاقات تربط بين تركيا وأرمينيا، وزيارات متبادلة بين مسؤولي البلدين، صحيح أن العلاقات بينهما لم تتجاوز كل خلافات الماضي لكنها بنت بعضاً من الأسس الكفيلة بتنمية العلاقات بينهما .

 

في نفس السياق، يأتي ملف العلاقة التركية اليونانية، لكن الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، ووقوف أنقرة إلى جانب اليونان أثناء أزمتها المالية، ووجود العديد من الاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين، كل ذلك كفيل بتطوير العلاقات بينهما .

 

ثالثاً: استطاع أردوغان وحزب التنمية من ورائه تحجيم دور الجيش في التدخل في السلطة السياسية التركية، وما زالت خطوات هذا التحجيم سائرة في طريقها (إخضاع كثير من كبار الضباط لمحاكمات قانونية بتهمة التآمر من أجل القيام بانقلاب) .

رابعاً: السياسة التركية تجاه الولايات المتحدة و”إسرائيل” هي جزء من منظومة سياسات انتهجتها وتنتهجها أنقرة، تجاه دول المنطقة والجوار العربي وأوروبا، وأي خلل في جزيئات هذه المنظومة سيؤدي إلى خلل في مجموعها، وهذا ما سيقلب المعادلات السياسية التركية رأساً على عقب، وسيؤدي إلى انحسار جماهيري من حول حزب العدالة والتنمية، وهذا ما لا يريده حزب التنمية والعدالة .

خامساً: علينا عدم نسيان أن حزب التنمية والعدالة هو إسلامي التوجه برغم مدى انفتاحه وابتعاده التام عن الأصولية .

لكل تلك الأسباب ليس منتظراً إجراء تحول انقلابي في السياسات التركية .

=================

ما هي حقيقة الموقف السوري من الوضع في لبنان ؟

سياسة الازدواجية والبراغماتية تقلق الجميع

اميل خوري

النهار

23-8-2010

 بات اللبنانيون يحارون في معرفة حقيقة الموقف السوري الرسمي من الوضع في لبنان، واي من الطرفين السياسيين يعود من دمشق ومعه الحقيقة. فهناك طرف يقول ان القيادة السورية مع الحكم القائم في لبنان، وحريصة على ان تقوم العلاقات بين البلدين من دولة الى دولة من دون ان يتناقض ذلك مع العلاقات الشخصية والصداقات بين هذه القيادة وسياسيين لبنانيين، وان القيادة السورية تدعم الحكومة اللبنانية وبقاءها عملا باتفاق الدوحة وتأكيدا لما قررته القمة الثلاثية اللبنانية – السورية – السعودية، وذلك حرصا على استمرار الامن والاستقرار اللذين لهما الاولوية على اي موضوع آخر، خصوصا في هذه المرحلة، وان القيادة السورية هي مع ما تقرره المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لمعرفة الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، شرط ان يكون قرارها منزها وبعيدا عن اي تسييس، وهي مستعدة لان تعاقب اي سوري يثبت تورطه في هذه الجريمة، وهذه القيادة تدعم ايضا عملية السلام شرط ان تبنى على اساس تنفيذ القرارات الدولية ومبادئ مؤتمر مدريد، كما تؤيد اجراء مفاوضات على هذا الاساس لتكون بديلا من اللجوء الى المقاومة.

ويسمع اللبنانيون من طرف آخر اكثر قربا من سوريا كلاما مختلفا، وهو انها مع الحكم القائم في لبنان بقدر ما يكون مع موقفها، ولا سيما في الشؤون الامنية والدفاعية والخارجية، وانها غير مستعدة للتخلي عن صداقاتها مع سياسيين واحزاب في لبنان حرصا على العلاقات من دولة الى دولة، خصوصا ان دولا عدة عربية واجنبية تقيم صداقات مع احزاب وسياسيين في لبنان.

اما في ما يتعلق بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان فان موقف القيادة السورية منها مشروط، بدليل ان بعض الصحف السورية تعلن تأييدها موقف "حزب الله" من هذه المحكمة وتدعم السعي لاسقاطها او اسقاط الحكومة اذا كان موقفها مغايرا لموقف هذا الحزب من القرار الاتهامي، وهي لا تزال تدعم المقاومة سبيلا لاستعادة الحقوق الفلسطينية والعربية المشروعة، وترى في المفاوضات مضيعة للوقت، وهو ما جعل نوابا حاليين وسابقين في قوى 14 آذار، ومنهم عضو المكتب السياسي ل"تيار المستقبل" النائب السابق مصطفى علوش يرد على مطالبة الوزير السابق وئام وهاب، وزراء 8 آذار بسحب تمويل المحكمة، بالقول "ان وهاب يعبر عادة عما يسمعه، ولا اعرف ما اذا كان موكلا هذه المهمة ام لا، وهو يطلق كلاما يشكل تهديدا واضحا للناس، ولم اسمع احدا من "حزب الله" ومن 8 آذار يقول انه لا يوافق على هذا الكلام"، لكنه شدد على "اننا نأخذ في الاعتبار الكلام الرسمي الذي يصدر عنه".

والسؤال المهم الذي يحيّر اللبنانيين هو: هل التقارب السوري – السعودي كفيل بحفظ الامن والاستقرار ليس في لبنان فحسب بل في المنطقة، ويشكل قوة داعمة لتحقيق السلام الشامل وتجنب الحرب المدمرة؟ وهل هذا التقارب يتناقض والتقارب السوري – الايراني وحماية "حزب الله"؟ خصوصا انه ينسحب على الوضع في العراق وفلسطين واليمن؟ وما الذي يمكن ان يعطل هذا التقارب الذي اخذ يثير بعض القلق لدى ايران؟

اوساط سياسية ترى ان التقارب السوري – السعودي يمر بمحطات اختبار لقدرته على البقاء والصمود وعدم تعرضه للانهيار.

وهذه المحطات هي:

اولا- الموقف من القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه عند صدوره. هل يلتقي الموقف السوري والسعودي في هذا القرار سلبا او ايجابا، أم يفترقان فينعكس ذلك ليس على الوضع الحكومي فحسب، بل على الوضع العام في لبنان، وربما في المنطقة، خصوصا على الامن والاستقرار؟

ثانيا- هل يذهب اختلاف موقفهما من القرار الاتهامي الى حد الطلب من وزراء المعارضة السابقة الاستقالة من الحكومة، فيدخل لبنان عندئذ ازمة وزارية مفتوحة قد تتحول ازمة حكم، ام يتم الفصل بين الموقف من القرار الاتهامي والموقف من الحكومة حرصا على استمرار الامن والاستقرار، لانه في حال اهتزازهما فان اسرائيل تكون وحدها المستفيدة؟

ثالثا – هل يظل التقارب السوري – السعودي صامدا اذا لم يكن موقفهما واحدا من استئناف المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية او من نتائجها، وبات مطلوبا وضع حد لتشدد حركة "حماس" في فلسطين و"حزب الله" في لبنان، وذلك بوقف امرار الاسلحة اليهما اذا ظلا يفضلان اللجوء الى القوة لاستعادة الحقوق المشروعة وليس الى المفاوضات التي يعتبرانها عبثية؟

رابعا – هل يظل التقارب السوري – السعودي صامدا اذا لم تنته المحادثات مع ايران حول برنامجها النووي الى تسوية واصبحت المواجهة العسكرية حتمية؟

الواقع ان سوريا التي تجيد سياسة الازدواجية والبراغماتية وتحرص على ان تربح رهاناتها بالوقوف مع المعسكر الذي تتوقع له الانتصار وليس مع ذاك الذي تتوقع له الانكسار، قد تجد نفسها عاجلا ام آجلا امام خيارات صعبة عليها ان تختار منها الافضل والاسلام.

ويذكر ان سوريا اختارت في الماضي الوقوف مع العاهل الاردني الراحل الملك حسين في حربه مع الفلسطينيين، والتي انتهت بانتصار الجيش الاردني ونزوح عدد منهم الى لبنان. ووقفت سوريا مع الولايات المتحدة الاميركية في حرب الخليج ضد الرئيس صدام حسين الذي كان قد احتل الكويت، فدفع العماد ميشال عون الثمن في لبنان واطيح حكمه بضربة عسكرية سورية خاطفة وجعلته يلجأ الى فرنسا منفيا، فكان ذلك بداية الوصاية السورية على لبنان بعدما اوقفت الاقتتال فيه، لكن سوريا لم تقف مع الولايات المتحدة الاميركية في حربها على العراق لاطاحة حكم صدام حسين، لانها لم تقتنع بجدوى تلك الحرب، فأين تقف سوريا اذا وقعت الواقعة بين دول الغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة من جهة وايران من جهة اخرى، وهي المعروفة بدقة حساباتها وصحة رهاناتها؟

=================

تنازلات إسرائيلية = انتحار

جورج ويل

الشرق الاوسط

23-8-2010

كان انتصارا بارزا للدبلوماسية عندما دخل الإسرائيليون والفلسطينيون أخيرا في مدريد، عام 1991، في مفاوضات مباشرة، نظمتها الولايات المتحدة. وبعد قرابة جيل، تمكنت واشنطن من زحزحة الفلسطينيين بعيدا عن إصرارهم خلال الفترة الأخيرة على الدخول في «محادثات لتقريب وجهات النظر» - يتحدثون خلالها إلى الإسرائيليين عبر وسطاء أميركيين - نحو مفاوضات مباشرة. لكن ما الذي تدور حوله المفاوضات؟ ولقد مات منذ أمد بعيد الحديث عن «دولة مزدوجة القومية»، فبجانب المصير الذي لاقته الدول متعددة القوميات - مثل الاتحاد السوفياتي السابق ويوغوسلافيا السابقة وتشيكوسلوفاكيا السابقة - من المستحيل تطبيق القومية الثنائية داخل إسرائيل إذا ما كانت ترمي للحفاظ على نفسها كدولة يهودية للشعب اليهودي. ولا يواجه موقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو معارضة تذكر داخل إسرائيل حيال فكرة أن «مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ستجري تسويتها خارج الحدود الإسرائيلية».

وأصبح الحديث عن «حل الدولتين» الموضة السائدة الآن، إضافة إلى أنه ينطوي على تضليل، بالنظر إلى تجربتين مؤلمتين وقعتا مؤخرا.

بوجه عام، يتمثل المكان الوحيد الملائم لإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية التي احتلتها إسرائيل - على نحو قانوني طبقا لما يقتضيه القانون الدولي - منذ صدها عدوان عام 1967 الذي انطلق من هناك. ولا تزال الضفة الغربية تمثل جزءا لم يجر تخصيصه بعد من فلسطين التي كانت خاضعة للانتداب البريطاني. وعليه، فإن تحديد مصيرها ينبغي تسويته عبر المفاوضات. وقال مايكل أورين، سفير إسرائيل حاليا لدى الأمم المتحدة، قبل أن يتولى منصبه كسفير بسنوات عدة: «ليست هناك قيادة إسرائيلية تبدي استعدادا أو قدرة على ترحيل 100 ألف إسرائيلي من منازلهم بالضفة الغربية... خاصة أن إجلاء 8100 إسرائيلي فقط من غزة عام 2005 استلزم الاستعانة ب55 ألفا من قوات الجيش الإسرائيلي - وهي أكبر عملية عسكرية إسرائيلية منذ حرب يوم كيبور عام 1973 - وخلفت آلاما عميقة».

وجرى تفكيك 21 مستوطنة إسرائيلية، بل ونقل جثث إسرائيليين مدفونين في غزة. في أعقاب انتخابات شابتها تجاوزات عميقة عام 2006 شجعت عليها الولايات المتحدة، شهدت غزة فعليا انقلابا على يد منظمة إرهابية، (حماس). وعليه، يوجد على حدود إسرائيل الغربية، تحديدا على بعد 44 ميلا من تل أبيب، منظمة عاقدة العزم على تدمير إسرائيل والتعاون مع إيران وامتلاك ترسانة ضخمة من الصواريخ.

وشهدت هجمات الصواريخ من غزة زيادة دراماتيكية بعد انسحاب إسرائيل. وما عدد قرارات الأمم المتحدة التي نددت بذلك؟ لا شيء.

لقد كانت أقرب سابقة لهذا القصف الهجمات الصاروخية التي شنها النازيون ضد لندن، والتي تم الرد عليها بتدمير هامبورغ ودريسدن ومدن ألمانية أخرى. إلا أنه عندما ردت إسرائيل على «حماس»، أبدى «المجتمع الدولي» فزعه مما حدث.

من جهته، قال عضو بارز بمجلس الوزراء - موشيه يعلون، وزير الشؤون الاستراتيجية ورئيس الوزراء المحتمل في المستقبل - إن «عمليات انسحابنا عزز الإسلام الجهادي»، مضيفا أنه «لدينا ثاني جمهورية إسلامية في الشرق الأوسط - الأولى في إيران، والثانية في غزة التي يمكن أن نطلق عليها حماستان».

من بين عمليات الانسحاب الإسرائيلية واحدة عززت عميلا إيرانيا على حدودها الشمالية، تحديدا بجنوب لبنان. منذ حرب عام 2006 التي أثارتها هجمات حزب الله الصاروخية المستمرة ضد شمال إسرائيل، عمدت الجماعة إلى إعادة تسليح نفسها وتمتلك الآن ما يصل إلى 60 ألف صاروخ. وأشار نتنياهو إلى أن اليوم باتت مشكلة إسرائيل الكبرى أقل تعلقا بالحدود الإسرائيلية - اللبنانية وأكثر ارتباطا بالحدود اللبنانية - السورية. يذكر أن حزب الله حصل على صواريخ «سكود» من سورية - التي تحصل عليها من إيران - قادرة على ضرب القدس وتل أبيب. وذكر قيادي في حزب الله أنه «إذا تجمع كل اليهود في إسرائيل، فهذا سيوفر علينا مشقة اقتفاء أثرهم بشتى أرجاء العالم». ونظرا لأن ما يصل إلى مليون مهاجر قدموا من الاتحاد السوفياتي السابق، فإن سدس الإسرائيليين حاليا يتحدثون الروسية. ويوجد في إسرائيل صحف وقنوات تلفزيونية ناطقة بالروسية. ويعود معظم الفضل إلى الإسرائيليين الروس وراء تولي أفيغدور ليبرمان منصب وزير الخارجية. من جانبه، أشار يورام بيري، بروفسور الدراسات الإسرائيلية بجامعة ماريلاند، إلى أن هؤلاء المهاجرين «لا يتفهمون كيف يمكن لدولة يمكن اجتيازها في غضون نصف ساعة إبداء الاستعداد لمجرد الحديث حول التخلي عن أراض لصالح أعداء يبدو أنهم دائمون». ويدرك هؤلاء المهاجرون جيدا أن العمق الاستراتيجي لروسيا - المساحة - هزم نابليون وهتلر.

من ناحيته، يقر نتنياهو، وهو ليس أكثر عضو محافظ لحكومته الائتلافية، حل الدولتين، لكنه أشار إلى أن أي دولة فلسطينية يجب نزع تسليحها ومنعها من عقد اتفاقات مع أمثال حزب الله وإيران. وسعيا لمنع استيراد صواريخ وأسلحة أخرى، أشار نتنياهو إلى أن إسرائيل ستحتاج إلى إقرار وجود عسكري لها على الحدود الشرقية للضفة الغربية مع الأردن. وإلا ستظهر جمهورية إسلامية ثالثة، وثاني جمهورية إسلامية متاخمة لإسرائيل. لذا يبقى التساؤل: حول ماذا تدور المفاوضات؟

=====================

رائحة كريهة في فضائنا

بقلم: فهمي هويدي

الرؤية 23/3/2010

أشم رائحة كريهة وغير زكية في الفضاء الإعلامي العربي. مصدرها ضيف جديد قدِم إلى الساحة هو (روبرت ميردوخ)، اللاعب الكبير والخطير في حلبة الإعلام العالمي بمختلف فنونه.

فقبل أيام أعلن الرجل أنه اختار أبو ظبي لكي تكون مقراً لنشاط إمبراطوريته الإعلامية في الشرق الأوسط. وأنه سينقل إليها بعض قنواته الفضائية التي تتمركز في (هونج كونج).

وقد صدر عنه ذلك الإعلان بعد أن أبرم عقداً مع الأمير الوليد بن طلال، استحوذ بمقتضاه على نحو 10٪ من رأسمال شركة (روتانا) الإعلامية، التي تُعد واحدة من أهم ممولي ومنتجي الأعمال الفنية في العالم العربي؛  تملك (روتانا) ست قنوات تليفزيونية ولديها فرع لإنتاج الأفلام ، وقد دفع مقابل ذلك 70 مليون دولار، مع حقه في مضاعفة حصته خلال السنة ونصف السنة المقبلة!!!

(ميردوخ)  البالغ 79 عاماً  بدأ مسيرته في الصحف المحلية والتليفزيونات التي تصدر في بلده الأصلي استراليا، ثم ما لبث أن تمدد إلى بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث بسط سيطرته على صناعة الأفلام والإعلام الفضائي وحتى شبكات (الإنترنت)، ويكفي أن تعلم أنه يُسيطر الآن على 40٪ من الصُحف البريطانية، وفي مقدمتها صحيفتا «تايمز» و«صن»، إلى جانب سيطرته شبه الكاملة على التجارة التليفزيونية البريطانية.

وقد تمددت مجموعته الكبرى «نيوز كوربوريشن» في الولايات المتحدة، حيث سيطرت على عدة صُحف في مقدمتها «نيويورك بوست»، إضافة إلى قنوات التليفزيون التي على رأسها «فوكس نيوز» التي تُعد أبرز أبواق المحافظين الجُدد، والأقوى مناصرة (لإسرائيل)، والأشد تأييداً لمخططات الهيمنة الأمريكية في المنطقة، ومعروف دورها في تأليب الرأي العام العالمي ضد العراق، وتوفير أرضية شعبية متعاطفة مع غزوه وإسقاط نظامه.

يوم 23 فبراير الماضي أصدرت «روتانا» بياناً أعلنت فيه الاتفاق الذي تم مع (ميردوخ) ومجموعته العالمية «نيوز جروب»، وعقد الأمير الوليد بن طلال مؤتمراً صحفياً في الرياض قال فيه إن الاتفاق لا يُعد نقلة نوعية (لروتانا) وحدها وإنما للعالم العربي كله، وذكر أنه يأمل في أن تُساعد العلاقة بين «روتانا» و«نيوز جروب» في تعديل صورة مجموعة (ميردوخ) التي تُعد معادية للعرب!!!

واعتبر أن قناة (فوكس) ليست المحطة الأمريكية الوحيدة المعادية للعرب، لأن ذلك العداء يُعد حالة عامة في الولايات المتحدة، ثم أضاف قائلاً «سنقوم بما في وسعنا بُغية تصحيح لهجتها»(!).

نقل (ميردوخ) لبعض أنشطته إلى أبو ظبي، ودخوله شريكاً في (روتانا) ليس بريئاً تماماً!!! صحيح أن العالم العربي يُشكل سوقاً جيدة للأفلام والمسلسلات والمنوعات التي تستهوي الشباب وتقوم مجموعة (نيوز جروب) بإنتاجها أو توزيعها، إلا أننا ينبغي ألا نتجاهل أنه واجه ضغوطاً وقيوداً في (هونج كونج) من قِبل الجهات التشريعية الصينية التي دأبت على انتقاد ما تبثه قنواته من مواد هناك، الأمر الذي اضطره إلى الرضوخ في بعض الأحيان. ودفعه بعد ذلك إلى الاتجاه إلى العالم العربي الذي وجده مفتوحاً وأكثر «تسامحاً» من الصين!!!

من الأنباء التى تُسلط الضوء على أنشطة السيد (ميردوخ) أنه اشترى مؤخراً محطة تليفزيونية خاصة في تركيا (تي. جي. آر. تي)، ويسعى الآن إلى شراء صحيفة «تركيا» ووكالة «إخلاص» للأنباء التي يملكها رجل الأعمال التركي (أنور أوران).

وهو يهدف من وراء ذلك إلى محاولة التصدى للشعور المعادي (لإسرائيل) الذي يتنامى في تركيا. يوضح صورته أكثر أن (إسرائيل) هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي استثمر فيها الرجل بعض ماله من خلال إحدى شركات التكنولوجيا الرقمية والاتصالات!!!

يُكمل الصورة ملاحظة أن أقرب أصدقائه هو رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو)، كما ذكرت صحيفة «لوموند» في 26/02/2010. وهي خلفية تدعونا إلى إثارة العديد من الأسئلة حول دوره مع «روتانا» في المرحلة المقبلة، كما أنها توضح لنا مصدر الرائحة الكريهة التي لاحت في الفضاء العربي!!!

=========================

ساعة مكة .. والواشنطن تايمز

د. محمد بن سعود البشر

أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الإمام محمد بن سعود

المصدر: الجزيرة السعودية

الواشنطن تايمز صحيفة يومية تصدر في العاصمة الأمريكية واشنطن، تملكها اتصالات الأخبار العالمية News World Commnications، وتنتمي إلى تكتل وسائل إعلامية عالمية يملكها اتحاد الكنيسة Unification Church في الولايات المتحدة..

 

هذه الصحيفة اليومية تصدر في بلد ينادي بالتسامح، والديمقراطية وحرية الأديان، وحقوق الإنسان، واحترام الثقافات، والتعايش بين الحضارات، وغير ذلك من منظومة المصطلحات والمفاهيم التي تروج لظاهر معناها الآلة الإعلامية الأمريكية.

 

طالعتنا هذه الصحيفة بعنوان مثير ومستفز، يفوح منه خطاب الكراهية (الذي تنادي وسائل الإعلام الأمريكية باستهجانه ومقته)، في افتتاحية عددها الصادر يوم الأربعاء 11 أغسطس 2010 م، في تناولها لموضوع (ساعة مكة)، وبدء تشغيلها في مستهل هذا الشهر الفضيل.

 

عنوان افتتاحية الواشنطن تايمز هو: (ليس هناك وقت للإسلام: الساعة العملاقة ترمز للأطماع الدينية التوسعية) !!

 

والقارئ لهذا المقال الافتتاحي يلحظ نبرة تحريضية ضد الإسلام والمملكة العربية السعودية، إذ يركز المقال على معان مفتعلة تنبئ عن خطاب مليء بالكراهية تجاه الإسلام والمسلمين، أستطيع من خلال ترجمته اختصار ما ورد فيه في النقاط الآتية:

 

1 - أن هذه الساعة لا ترمز إلى توقيت زمني بقدر ما هي دعاية لنشر الإسلام، فقد كتب عليها (الله أكبر)، وتضيء أنوارها البيضاء والخضراء خمس مرات في اليوم لتذكر الناس بأوقات الصلاة!!

 

2 - أن من علماء المسلمين من قال إن مكة هي مركز الأرض، ولذلك فعلى العالم أن ينصرف إلى (توقيت مكة) الزمني، وهذا - كما تقول الصحيفة - ليس صحيحاً، ففي الفكر الإسلامي كل البحوث العلمية لابد أن تخضع للحقائق التي جاء بها القرآن وسنة محمد، وإذا قال رسول الإسلام إن مكة هي مركز الكون فيجب أن يكون الأمر كذلك، وإذا تناقضت الحقائق العلمية مع هذا التراث فيجب تجاهلها كما يزعم ذلك المسلمون.

 

3 - أن توقيت جرينتش الذي يأخذ به العالم اليوم هو من بقايا الإمبراطورية البريطانية التي كانت لها مصالح جوهرية من فرض هذا التوقيت لهيمنتها على بقاع كثيرة من العالم آنذاك، على الرغم من معارضة الولايات المتحدة لهذا الأمر. وساعة مكة هي تقليد لتلك الإمبراطورية التي تعبر عن الأطماع التوسعية للمسلمين.

 

4 - ساعة مكة هي مثال للطرق التي يحاول بها المسلمون فرض معتقد عالمي جديد على شعوب الأرض.

 

5 - في عصرنا الذي يشهد صدام الحضارات، هناك مثال آخر لهذه الهيمنة التي يسعى إليها المسلمون، وهو المقترح الذي تقدمت به منظمة المؤتمر الإسلامي بشأن وثيقة حقوق الإنسان العالمية (إحدى الاتفاقيات الرئيسية في القانون الدولي) والمتضمن أن الدول التي بها أكثرية مسلمة يجب أن لا تخضع لبنود هذه الوثيقة، وإنما تخضع لما جاءت به الشريعة الإسلامية في مجال حقوق الإنسان. وبعبارة أخرى، فإن منظمة المؤتمر الإسلامي ترفض مبدأ حقوق الإنسان بالكلية.

 

6 - في الوقت الذي يشهد فيه العالم انفتاحاً وأصبحت فيه الإنسانية متصلة فيما بينها أكثر من أي وقت مضى فإن المتعصبين الذين يدافعون عن الدين الإسلامي يبحثون عن طرق تجعلهم منعزلين عن العالم، ويقسمونه إلى معسكرات متنافسة.

 

7 - في الوقت التي تبحث فيه إدارة أوباما عن السلام!! فإنها تجد من قادة العالم الإسلامي من لا يريد ما يقدمه الغرب لهم، ويفعلون كل ما بوسعهم لعزل أنفسهم وعزل الشعوب التي يحكمونها.

 

هذه باختصار أهم المعاني التي حاولت افتتاحية الصحيفة إيصالها إلى القراء، وهي - كما نلاحظ - مغالطات فكرية حاولت الصحيفة أن تمررها على الرأي العام في الولايات المتحدة في محاولة لإلصاق كل منجز معماري في بلاد الإسلام بنظرية المؤامرة التي يؤمن بها ويروج لها المحافظون المتطرفون في الإعلام الأمريكي. ولذلك كان تأثيرها واضحاً على قراء الصحيفة التي أظهرت تعليقاتهم على المقالة نبرة الكراهية للإسلام والمملكة العربية السعودية، بوصفها قبلة المسلمين وحاضنة مقدساتهم.

 

يحدث هذا في وقت تراقب فيه القنصليات الثقافية في سفارات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط كل ما يكتب عن أمريكا وحضارتها وقيمها في وسائل إعلام هذه الدول، وتتصل - إذا لزم الأمر - بالقائمين عليها لمناقشتهم فيما نُشر، أو تقديم عريضة احتجاج تتضمن لفت نظر شديد اللهجة، بحجة أن ما نشر يتعارض مع ما تسعى إليه حكومة الولايات المتحدة من نشر الحريات وإشاعة التسامح بين الثقافات؟!!

 

نحتاج إلى مرصد إعلامي يتابع ويحلل ما ينشر عن ديننا وبلادنا في مثل تلك الوسائل التي دأبت على النيل من بلادنا وتشويه ديننا وثقافتنا والرد عليه بكل الوسائل الممكنة، ومنها الوسائل الدبلوماسية والسياسية إذا اقتضى الأمر. فهناك في الغرب من لا يزال يتربص بكل منجز إسلامي ووطني، وينعته بأبشع الصفات، ويلفق حوله الأكاذيب بمسوغات يرون أنها منطقية، وهي في حقيقتها حرب على الإسلام والمملكة.

ـــــــــــــــ

رابط المقال باللغة الإنجليزية بصحيفة الواشنطن تايمز:

http://www.washingtontimes.com/news/2010/aug/11/no-time-for-islam

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ