ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
J البانوراما
العربية.. جدلية التجزئة والعنف المستقبل
- الاربعاء 25 آب 2010 العدد
3751 - رأي و فكر - صفحة 19 مراجعة:
ريتا فرج لا
يبدو العالم العربي قادراً حتى اللحظة
الراهنة على الخروج من انسداداته
السياسية والاقتصادية والمجتمعية؛
والواقع المأزوم في بيئات غير مؤهلة
بفعل مكوِّناتها الداخلية على
التحديث، يطرح أسئلة معقدة، يتداخل
فيها المحلي مع الاقليمي مع الدولي،
ورغم أن للسياسات الاميركية سطوتها
على مستوى الاضطراب الشرق أوسطي، لكن
المعطيات البنيوية تمارس دورها في
تفعيل الأزمات. وإذا كان العجز في بناء
الدولة الحديثة يعتبر المدماك لمآزق
العربي، فهو بدوره يولّد ظاهرتين
أساسيتين: أولها، أن غياب مقومات
الدولة سيدفع العناصر ما قبل الدولتية
الى البروز على السطح؛ ثانيها، تعرض
هذه الدول الى ضغوط خارجية بسبب غياب
استراتيجيا واضحة، مما يرشحها لمزيد
من الاختراق، والملاحظ تبعاً لذلك
وجود سمة مشتركة تجتاح العرب من المحيط
الى الخليج، تتمظهر في إقصاء مقومات
الدولة مقابل حضور العنف، فهل يمكن
الحديث عن نمط من العنف العربي؟ وما
معنى إسشتراء العنف في المجال العربي/
الإسلامي؟ في
تقرير صادر عن مركز دراسات الوحدة
العربية، تحت عنوان "حال الأمة
العربية 2009-2010 النهضة أو السقوط" رصد
لأوضاع العالم العربي، شارك فيه عدد من
الباحثين، درسوا نماذج مختلفة، بدءاً
بالقضية الفلسطينية والعراق، مروراً
باليمن والسودان وصولاً الى الصومال
ولبنان؛ فما هو الجامع المشترك بين هذه
النماذج؟ وهل الأزمات الداخلية في ما
يتعدى البعد الاقليمي تقدم جواباً
لسياقات النهضة او السقوط؟ أم أن لفوضى
السياسات الدولية فعاليتها الأنجع؟
وهل يمتلك العرب مشروعاً نهضوياً
موحداً؟ الإشكاليات المطروحة دُرست في
أكثر من موضع، وإن بدت أحياناً غير
متكاملة لجهة الاحاطة بالظاهرة
المدروسة عبر بنائها ككل، فالدراسات
تطرقت الى مآشير شديدة التشابك، يمكن
إيجازها بثلاثة متغيرات: عجز النظام
العربي، الحضور التركي اللافت في
قضايا المنطقة، الملف النووي الإيراني
وتداعياته. من
العام الى الخاص يقدم التقرير نتائجه
على مستويات مختلفة، مستهلاً همه
النهضوي في معالجة موقع العرب من
النظام العالمي، الناهض على أشلاء
الأحادية الاميركية، بعد أن خسر
العملاق السوفياتي رهاناته؛
فالثنائية أدت الى التفرد، والأحادية
أنتجت التعددية القطبية، فأين موقع
العرب منها؟ إذا قاربنا "حال الأمة"،
المتهمة بأنها خارج التاريخ، لأسباب
داخلية، وأخرى تتعلق بقدرتها على
صناعة القرار العالمي، على وقع
التشرذم والخلافات التي قسمتها الى
معسكرين متناقضين، معكسر الاعتدال،
ومعسكر الممانعة، لادركنا نقاط الضعف
في الجسد العربي، والذي يفاقم من الشلل
الحاصل، عوامل التذرير التي تفعل
فعلها في أكثر من مكان، ورغم التحديات
التي يواجهها العالم المعاصر، بقيت
"الأمة" في وضعية المتلقي وليس
الفاعل، وفي هذا السياق تطرقت الورقة
الأولى الى المتغيرات الدولية وموقع
العالم العربي منها. تحت
تساؤل فرعي " النشاط الاقليمي
لإيران ردّ فعل تكتيكي أم اتجاه
استراتيجي؟" تتناول الورقة
الثانية، النفوذ الإيراني ومؤثراته
على كل من لبنان والعراق واليمن، فصحيح
أن للثورة الاسلامية نفوذها في مجال
حيوي كثيف الحِراك، مما أعطاها قدرة
على الرهان، عبر الشيعية السياسية
واستنهاض المستضعفين وفقاً للادبيات
الخمينية، لكن طهران تقع في تحدٍ داخلي
ظهر للعيان إثر الانتخابات الرئاسية
عام 2009، خصوصاً بعد ان تداعى الجدل حول
سلطة ولاية الفقيه للمرة الأولى، فجاء
الرد بالعنف الثوري في الداخل وخارج
الحدود. الصحوة
العثمانية شكلت احدى أهم المعطيات
الجديدة الطارئة على البانوراما
العربية؛ فالاردوغانية قدمت نفسها في
المشهد الاقليمي كقوة فاعلة، إن
لناحية احتضانها للقضية الفلسطينية
وتوتر علاقتها مع إسرائيل، وإن لجهة
تبنيها لقضايا العرب وهمومهم
التاريخية. لكن الدراسة التي طالت هذه
المسألة، لم تقم قراءة في عمق المشهد
التركي، واكتفت بالعرض دون مقاربة
المؤشرات الأساسية التي دفعت أنقرة
للعودة الى خاصرتها الشرقية، كل ذلك
يرافقه فراغ اقليمي عززه أربعة تحولات:
تراجع العرب الكبار، أي مصر والاردن
والسعودية؛ عدم وجود رؤية سياسية
موحدة بين الدول العربية أقله منذ نكسة
الناصرية؛ فوضى التوجهات الاميركية في
الشرق الاوسط، تصاعد دعوات التجزئة
على إيقاع الهويات الطائفية والعرقية
والمذهبية والاثنية. فأين هو التطور
الديمقراطي من هذا الاستعصاء؟ ولماذا
تتحكم سلطة الرجل الواحد بالمتعدد؟ خمس
خصائص يطالها التقرير في تتبعه للتطور
الديمقراطي في العالم العربي، احتدام
الجدل الدائر حول التوريث، تعمق أزمة
النخب المؤسسية، استشراء الفساد
السياسي، انتشار العنف الديني، الجدل
حول العلاقة بين السلطات وداخلها. بعد
قراءة الخصائص المشار اليها، يخلص
التقرير الى نتيجة مفادها، أن
الديمقراطية تحتاج الى ثقافة سياسية
ومؤسسات داعمة لها، مما يستدعي تفكيك
النماذج التسلطية، التي تبدي ممانعة
لعقل الدولة وللتعددية، مع العلم أن
للذهنية القبلية والطائفية سلطة لا
تقل ضراوة عن استبداد الحاكم. القسم
الثاني من التقرير يعالج الأزمات
الداخلية العربية عبر خمسة نماذج،
العراق واليمن ولبنان والصومال
والسودان والقضية الفلسطينية؛ ويؤرخ
لأهم الاحداث التي وقعت خلال الفترة
الممتدة بين عامي 2009 حتى الثلث الأول
من العام 2010، ويخرج بأهم السمات
المشتركة في ما بينها، لا سيما في
الحالتين العراقية واللبنانية، تصاعد
الخطاب الطائفي، والصراع بين القوى
السياسية، ودخول العامل الاقليمي على
مستوى الأزمة. "حال
الأمة العربية النهضة أو السقوط"،
عنوان اشكالي لواقع معقد، قائم على
ثلاثة ركائز مدمرة، غياب عقل الدولة،
تنامي اتجاهات التجزئة، كثافة العنف
الديني؛ والحال ألا يعني ذلك أن العرب
عاجزون عن مجاراة التاريخ؟ الوقائع
تشير الى صوابية الطرح، ولعل حجم
الانغلاقات السياسية والاقتصادية
والثقافية والتواصلية، مدلولات لا
يمكن التنكر لها، دون أن نندفع الى
تبني ما اجترحه ادونيس حين اعتبر، "أن
الحضارة العربية في طور الانقراض، بعد
أن فقدت حضورها الخلاّق في الثقافة
الحديثة الكونية". [
الكتاب: حال الأمة العربية 2009 2010
النهضة أو السقوط [
الكاتب: مجموعة من المؤلفين [
الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية،
بيروت 2010 ======================= الحرب
على الارهاب في خدمة النخب العربية
الحاكمة غسان
المفلح 8/25/2010 القدس
العربي منذ
بداية التاريخ المعاصر ونحن نجمع على
أن الغرب قوة، والغرب تفضيل حضاري،
الغرب يريد تفكيك بلداننا! والغرب
مصالح يراد لها أن تتحقق بمعزل عن أي
بعد حقوقي أو أخلاقي 'إنها الرأسمالية'
هذا المنطق مر بعدة مراحل تبعا
للناطقين فيه، لكنه مع ذلك لم يتغير، 'وما
زاد في الطنبور نغما' انه بعد نهاية
الحرب الباردة وسقوط المعسكر الشرقي
انضمت نخب الحكم في العالم الشرق أوسطي
والعربي من ضمنه، لتبني مجمل هذا
الخطاب، ماعدا إسرائيل لأنها تعتبر
نفسها جزءا من الغرب هذا. وسنتعرض
للنخب العربية فقط، ونترك باكستان
وتركيا، لطبيعة العلاقات التاريخية
الخاصة التي تربط هذين البلدين في
حركية الغرب الدولية والإقليمية.
الغرب اتسع لدرجة بات من الصعب علينا
البقاء في جغرافيته الأولى، التي هي
أوروبا الغربية والولايات المتحدة
الأمريكية وكندا وأستراليا.. الغرب
أصبح الآن كل أوروبا، ومعها اليابان
وكوريا الجنوبية وبقية النمور السبعة
وروسيا، وانضمت للغرب- بوصفه نموذجا
وعلاقات وبنى وتراتبيات- دول عالم
ثالثية كثيرة، عبر مؤسسات دولية
وإقليمية، في أمريكا اللاتينية وآسيا
وأفريقيا، علاقات هذا الغرب كانت
ولازالت كونية، ولكنها كانت تتمدد عبر
محورية الغرب الأولي الفتي الاستعماري..
ومع ذلك نحن نمشي في اتجاه معاكس، ففي
السابق كانت غالبية النخب القومية
العربية واليسارية العربية تتبنى هذا
الخطاب 'الغرب شر مطلق' - النخب
الإسلامية بقيت رجراجة لخمسة عقود حتى
بداية التسعينيات من القرن العشرين-
الآن أضيفت إليها النخب الإسلامية
المعارضة، وكذلك نخب السلطة العربية،
من يراقب الإعلام الحكومي العربي يجد
كما هائلا من هذا الخطاب، مثال ذلك 'الإعلام
المصري والسعودي والسوري يتقاطع بشكل
قوي في هذه النقطة، أما النخب السابقة
المعارضة للغرب، لم تعد تتفارق في
خطابها عن نخب السلطة العربية الحالية
في عدائها للغرب'. وإن
ظهرت بعض النخب التي تؤيد سياسات الغرب
أيا كانت لكنها بقيت نخبا ضعيفة الحضور
في الشارع العربي، وهنالك نخب تتعامل
مع الغرب بوصفه علاقات قوة ومصالح
ونموذجا إيجابيا في نفس الوقت، من حيث
هياكل دوله ومجتمعاته، وهذه النخب
تريد التعامل مع الغرب بنفس منطقه 'تبادل
منافع ومصالح في خدمة قضاياها'، ولكن
هذه النخب لم تصمد أمام تبادل المصالح
بين نخب الحكم العربية وبين نخب الغرب
المتوزعة على المشهد السياسي في الدول
الغربية.. لأن النخب الحاكمة لديها ما
تتبادل به مصلحيا مع الغرب، بينما
النخب المعارضة تحت عنوان
الديمقراطية، ليس لديها ما تقدمه لهذا
الغرب، والغرب لا يحتاج الى هذه النخب
في عملياته التجسسية على دولها،
فالغرب يعرف أكثر من هذه النخب ما يوجد
في هذه الدول. بالمقابل
الغرب ليس كتلة مصمتة تقف كلها على
رؤية واحدة لمصالح واحدة وسرمدية،
فالغرب أيضا فيه مصالح متناقضة
ومتنافسة، فطيلة ثلاثة عقود مثلا: كانت
العلاقات الألمانية- الإيرانية مختلفة
عن العلاقات الفرنسية- الإيرانية،
لذلك تجد أن الفرنسيين كانوا ولازالوا
أكثر تشددا مع الملف النووي الإيراني
من الألمان، كذلك الحال بالنسبة
لتركيا، فموقف المانيا يختلف عن موقف
فرنسا، وكذا غير موقف أمريكا. ثمة
عامل نتناساه أحيانا، وهو التفريق
النسبي بين مصالح الغرب ككتلة موحدة،
ومصالح دوله كل على حدة، وهذه قضية على
غاية من الأهمية، فليست استراتيجيات
الدول الغربية تصاغ من قبل نخبة واحدة،
أو مؤسسات موحدة، وإن كانت هذه
المؤسسات موجودة كالاتحاد الأوروبي أو
حلف الناتو، والآن قمة الثماني
الصناعية، ومن ثم قمة العشرين التي
بدأت تتحول إلى محطة دولية. ما نود قوله
ان المصالح الغربية، وإن كانت كما
حاولنا ان نعرض جانبا تحليليا أو
تفسيريا لها، إلا أنها تتحكم فعليا
بمسيرة الديمقراطية في المنطقة
العربية، تتحكم كطرف في هذه القضية،
ويقابله في ذلك تحكم النخب العربية
الحاكمة، ومدى قدرتها على مواجهة
المسألة الديمقراطية، وإجبارها الغرب
في أحيان كثيرة على مراعاتها، حفاظا
على مصالحه مع هذه النخب التي تتحكم
بثروات البلاد العربية ووضعها
الجيوسياسي، التي هي الهدف. هذا
الوجه من المسألة، لاعلاقة له
بتقييمنا القيمي للسياسة الغربية في
المنطقة، بل له علاقة بموازين القوى
على الأرض، وكيف تتواجه ويتم التخلص من
تناقضاتها عبر تقاسم المصالح بين دول
الغرب والنخب الحاكمة في المنطقة
العربية. ثمة
مسألة اخرى يجب التوقف عندها، وهي ذيول
ما يسمى في العالم الآن الحرب على
الإرهاب، وخاصة في العقد الأخير، فهذه
السياسة كانت بشكل أو بآخر في خدمة
النخب العربية الحاكمة، او لنقل ان هذه
السياسة خدمت النخب العربية الحاكمة،
أكثر مما خدمت المعارضة الديمقراطية
في هذه البلدان، ربما من زاوية نادرا
ما يجري الحديث عنها، فسياسة الحرب على
الإرهاب التي أعقبت أحداث 11 ايلول/سبتمبر
أمريكيا كانت ذات رؤوس متعددة، منها
نشر الديمقراطية، ودعم مؤسسات المجتمع
المدني، بغض النظر عن جدية هذه الرؤوس
من عدمها، إلا أنها حركت شيئا من
المياة الراكدة في المسألة
الديمقراطية، ولكن النقطة الأهم في
هذا الأمر، أنها جعلت كل النخب
المعارضة الديمقراطية في المنطقة
العربية، تتبنى ما سمي ب'الانتقال
السلمي نحو الديمقراطية'، هذا العنوان
العريض كرس النخب العربية الحاكمة
بوصفها قوى سلمية! إنهاء التفكير وتركه
يتحرك عبر مسربين أو عنوانين، الأول
التغيير السلمي من الداخل، والثاني
التغيير بمساعدة الخارج عسكريا
وخلافه، وأضيف إلى ذلك ان الحرب على
الإرهاب أسقطت من أجندتها موضوعة
تشجيع الديمقراطية، وبذلك أحكمت النخب
الغربية الراهنة مع النخب العربية
الحاكمة الطوق حول التغيير الديمقراطي
في دول المنطقة. بقي المفكرون العرب
يتناولون سياسة الحرب على الإرهاب من
زاوية أنها كاذبة في قضية
الديمقراطية، ولذلك رحبوا بأوباما
وبساركوزي وانفتاحهما على بعض نظم
المنطقة، ثم أسقطت من جهة أخرى سياسة
التفكير في الغرب بالتدخل من أجل
الديمقراطية، وبقيت سياسة 'التغيير
السلمي من الداخل' وأصبح العنف 'إرهابا'
مهما كانت مسبباته وأهدافه السياسية،
ومرفوضا جملة وتفصيلا. وكي لا
نفهم أننا ندعو للعنف، لكننا بالمقابل
لا بد أن نقول ان الغرب أراد احتكار
العنف بالعالم، كما تحتكره نخبنا
الحاكمة داخل دولها في المنطقة
العربية، واحتكار العنف عالميا، مع
كلبية جديدة تنتاب السياسات الغربية
تجاه المنطقة، جعل الديمقراطية تخسر
من جديد، ولو أن أرباحها في المرحلة
الماضية كانت واضحة في بعض بلدان
منطقتنا كالمغرب ومصر، إلا أنها كانت
في الحقيقة أرباحا ارتبطت أيضا،
بطبيعة النخب الحاكمة في كل دولة على
حدة، حتى يمكننا الحديث عن اختلاف في
الطبيعة الشخصية بين قائد فذ وملك
مفدى، لعبت دورا في خسارة أو ربح
ديمقراطي في العقدين الأخيرين.. في مصر
والمغرب الآن لا يمكن للنخب الحاكمة أن
تتراجع عما حدث من تقدم على الصعيد
الديمقراطي، ولكنها يمكن ان تكون أكثر
تعنتا في الاستمرار بالمسيرة
الديمقراطية، لأن الفضاء الدولي بات
يسمح لها بمثل هذا التعنت. بقي
هذا التحليل ناقصا لعامل جوهري يحتاج
إلى أن نفرد له مقالا خاصا، وهو العامل
الإسرائيلي في المنطقة، ودوره كمحظية
غربية دائمة على طول الخط، والذي لا
مصلحة له في قيام دول ديمقراطية في
المنطقة ككل. الديمقراطية
الشرق أوسطية في مأساة وستبقى حتى أمد
يرتبط أيضا بتغير في السياسات
الغربية، وهذا وجه المأساة الآخر..لأن
التغيير السلمي يحتاج إلى خصم سلمي أو
يحتاج إلى حواضن مؤسسية مسموح بها،
ولها أن تعمل من أجل الديمقراطية
وبوسائل سلمية. '
كاتب سوري ======================= حول
مسألة التدين والعقيدة مساهمة في
النقاش من وراء القضبان المصطفى
المعتصم 8/25/2010 القدس
العربي قضية
الحرية عموما والحرية الشخصية خصوصا
وقضية حرية الاعتقاد والتدين بالتحديد
من القضايا التي شغلت الفكر الإنساني
منذ القدم.. تناولها الفلاسفة وعلماء
الكلام والمناطقة والمفكرون وغيرهم. هذه
القضية لا تزال تثير النقاش اليوم حتى
في العالم الذي يسمي نفسه بالحر، أو
الليبرالي.. عاد الحديث عن موضوع
الحرية الشخصية: تعريفها وحدودها في
الولايات المتحدة الأمريكية بعد
اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر 2001.. ويثار
اليوم في فرنسا واسبانيا وبلجيكا نقاش
وجدال، بل مراء حول هذه القضية وسببه
ارتداء بعض الفتيات المسلمات للحجاب
في المدارس، وأنا هنا لا أتحدث عن
الضجة التي يثيرها البرقع أو النقاب
حاليا. نحن
أيضا في المغرب في بدايات التأسيس
لنقاش حقيقي حول العديد من القضايا،
ومن بينها أو في مقدمتها قضية الحريات
الشخصية بعنوانها البارز، حرية التدين
والتمذهب وحرية ممارسة الشعائر
التعبدية. إن
النقاش حول مفردات المشروع الحداثي
الديمقراطي (الحداثة بمفهومها
الابداعي وليس التقليد) نقاش مطلوب
وواجب، إن نحن أردنا تجنب المآزق التي
سقطت فيها بعض النخب الحاكمة في
محاولتها محاكاة حداثة الأنوار وفرضها
على شعوبها، فكانت الكوارث والمشاكل
التي عصفت بدولها جراء الرفض الكبيرمن
الجماهير الواسعة وبعض القوى المحافظة
أو المتحفظة على الكثير من تفاصيل
الحداثة، خصوصا في علاقتها بالدين
والأسرة (الحديث دائما عن حداثة
الأنوار). حدث
هذا الرفض الكبير في بلاد كانط
ألمانيا وحدث
في روسيا القيصرية وحدث في اليابان
وحدث في إيران الشاه وحدث في اندونيسيا
سوكارنو وفي تركيا اتاتورك. إننا
اليوم في المغرب أصبحنا، مجتمعا
ونخبا، تتقاسمنا وتتجاذبنا المرجعيات
المتباينة، والمهم ونحن نسعى إلى
تحديد مفردات ومضامين مشروعنا
المجتمعي، مشروع الأمة المغربية، أن
نسعى إلى إيجاد الآلية الناجعة لتدبير
الخلاف والاختلاف، خصوصا في القضايا
الكبرى.. والأكيد ان مشروعنا المجتمعي
لن يكون إلا توافقيا ومبنيا على
الاتفاق، وهو أمر لن يكون سهلا وهينا
وبدون آلام ومخاض عسير. بداية
لا بد من إزالة عائق خطير يهدد العلاقة
بين أصحاب المرجعيات المختلفة ببلادنا..
عائق الخوف والتوجس من الآخر المختلف،
والشك في نواياه والريبة مما يسعى إليه
مستقبلا. لابد
أن يلتقي أصحاب المرجعيات المختلفة
ليتعارفوا ويلقوا السمع ويجيدوا
الانصات لبعضهم البعض بعيدا عن
الأحكام الجاهزة والتمثلات المبنية
على الشائعات. والأكيد
أن مسألة الحرية وحرية الاعتقاد
والتدين واحدة من القضايا التي ستثير
الكثير من الخلافات حولها، ولكن لا
أتصور أن باستطاعتنا الالتفاف أو
الهروب من طرح هذه المشاكل، بداية في
إطار نخبوي ثم بعد ذلك في إطار عام. في
العدد 198 من جريد 'أخباراليوم' وجه مؤسس
مجموعة: 'واكل رمضان.. صايم رمضان.. كلنا
مغاربة' دعوة للحوار يقول فيها: 'إن هذه
المجموعة تسعى إلى خلق نقاش هادئ قبل
رمضان، وكذا من أجل التواصل حول موضوع
إفطار رمضان وحرية الأفراد في ممارسة
العقيدة...'. نعم الوطن للجميع.. وكلنا
مغاربة، مسلمين وغير مسلمين مؤمنين
وملاحدة، ولا يجوز المس بمواطنة أي كان
بسبب أفكاره أو مرجعيته. وأضيف أن
الدين أيضا للجميع والله للجميع، فمن
شاء أن يؤمن فليؤمن ومن شاء أن يكفر
فليكفر وليس لأحد أن يحتكر الدين أو
يتكلم باسمه، كما أن الملك للجميع وليس
لأحد أن يحتكر العلاقة به، والسياسة
والسلطة والثروة دولة ومتداولين بين
الجميع وليس لأحد أن يحتكرهم. إنني
إذ أثمن دعوة السيد نجيب شوقي إلى حوار
هادئ حول مسألة حرية التدين والعقيدة
أتساءل هل اللجوء إلى محاولة
الافطارالجماعي العلني أو التهديد
بإعادة المحاولة من مستلزمات الحوار
الهادئ؟ لا
أعتقد بل أكاد أجزم أن السيد نجيب شوقي
ومن معه قد جانبوا الصواب وأخطأوا
الوسيلة.. وقد تكون خلفيتهم الثقافية
والفكرية واستحضارهم للتجارب التي
ارادت إحداث صدمة لدى الرأي العام في
المجتمعات الأخرى من وراء اختيار
الافطار في رمضان كوسيلة لاثارة
الانتباه إلى مسألة حرية العقيدة. والحق
يقال انهم صدموا الرأي العام، ولكن رد
الفعل الانعكاسي feed back لم يكن إيجابيا،
بل جاء عكس المنتظر. صحيح
أثير نقاش لكن كان لغطا شعبويا وتأليبا
للرأي العام وتأجيجا لمشاعر العامة. وأؤكد
للسيد نجيب شوقي ومن معه أن موضوع
الحريات العامة وحرية الاعتقاد
والتدين لا يمكن أن يتحول إلى موضوع
نقاش عمومي إلا بعد أن يستوفي البحث
والنظر بين النخب المنتمية إلى
المرجعيات المختلفة، ويكون قد قطع
أشواطا في أفق الاتفاق والتوافق بين
هذه المكونات النخبوية المؤثرة في
المجتمع. لقد جرنا النقاش العمومي في
قضية إدماج المرأة في التنمية، وهي
قضية لا تقل أهمية وتناولها لا يقل
خطورة عن قضية الحريات الشخصية، وكاد
هذا النقاش العمومي الشعبوي أن يؤدي
بالمغرب إلى المهالك ويرديه في صراعات
نحن في غنى عنها، ويقسم مجتمعه إلى
متدينين في مواجهة علمانيين.. والحال
أن المسار الصحيح كان هو تشكيل لجنة
وطنية بمباركة ملكية، لجنة متخصصة
روعي فيها تمثيلية الجميع، فوصلنا إلى
الاتفاق والتوافق على مدونة الأسرة
الجديدة. إن
للمغاربة احتراما خاصا وينظرون إلى
شعيرة الصيام بقدسية خاصة، والافطار
عنوة وبشكل جماعي لن يعتبروه إلا
استفزازا لمشاعرهم الدينية واعتداء
على مقدساتهم. إن
السيد شوقي نجيب ومن معه أرادوا طرح
قضية مشروعة (حرية الاعتقاد) لكنهم
أخطأوا الوسيلة (إفطار رمضان) في
المقابل نجح بعض أعداء الديمقراطية
وحقوق الانسان والمحافظين الذين يخشون
من الحرية والأجواء التي تنجم عنها في
تحوير النقاش. هذا من
جهة، ومن جهة اخرى، ومساهمة مني في
النقاش الهادئ الذي دعت إليه مجموعة 'صايم
رمضان.. واكل رمضان.. كلنا مغاربة..'
فاقول ومن الله التوفيق: انني أعلن
بداية اني اتكلم من داخل الدائرة
والمرجعية الاسلامية، ولكن أؤكد أني
لا أمثل الدين ولا أتكلم باسمه. رأيي
نسبي قد يصيب وقد يخطئ. بالعودة
إلى مسألة حرية الاعتقاد والتدين أرى
أنها مكفولة بالنص القرآني الصريح.. بل
بالعديد من النصوص القرآنية. يقول الله
سبحانه وتعالى في سورة البقرة ومباشرة
بعد آية الكرسي: '..لا إكراه في الدين قد
تبين الرشد من الغي..' ويقول سبحانه
أيضا: 'أنلزمكموها وأنتم لها كارهون' 'وما
أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف
وعيد'. وبعد
الايمان يكون المسلم ملزما باداء
الشعائر الاسلامية والائتمار باوامر
الدين والانتهاء بنواهيه واجتناب
محرماته. واختيار
الاسلام يكون عن وعي ورشد إذ ان من
شروطه البلوغ والعقل أي لا معنى
للاسلام بالوراثة عن أبوين مسلمين، بل
إن الاسلام ناهض منطق التقليد في
اختيار الدين وذمه واستهجن منطق أولئك
الذين يلجأون إلى منطق 'بل نعبد ما
وجدنا عليه آباءنا'. نعم
الانتماء لهذا الدين لا يتأتى
بالتمثلات والتقاليد والأعراف
والعادات والتصورات الموروثة، بل من
خلال الاطلاع والتمحيص والاقتناع بقيم
وتعاليم الدين الاسلامي ومبادئه
ومقاصده. ولقد
تبنى بعض العلماء قديما وكثير منهم
حديثا المذهب الذي يقول انه إذا كان لا
إكراه في الايمان بالدين فلا إكراه على
الابقاء على الايمان بالدين، أي أن
للمرء كل الحق في أن يتراجع عن الايمان
بالاسلام ويرتد عن هذا الدين وأمره
موكول إلى الله سبحانه وتعالى، إن شاء
عجل له بالعذاب والجزاء وإن شاء اجله
ليوم الحساب. لقد
اخبر الوحي الرسول، صلى الله عليه
وسلم، عن أناس كانوا يظهرون الايمان
وهم يستبطنون الكفر:'وإذا لقوا الذين
آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى
شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن
مستهزؤون، الله يستهزئ بهم ويمدهم في
طغيانهم يعمهون'. نعم
هناك من يعارض هذا المذهب ويحتج
بالحديث الشريف 'من بدل دينه فاقتلوه'.
وهو حديث غريب في متنه إذ لا يقبل عقل
ولا منطق أن يأمر الرسول، صلى الله
عليه وسلم، بقتل من بدل دينه من
اليهودية أو النصرانية نحو الاسلام..
ومع ذلك اقول ان هذا الحديث يتممه
ويفسره حديث آخر يعدد ثلاث حالات يحل
فيها دم المسلم ومن بينها 'المبدل
لدينه المفارق للجماعة'، أي أن الاسلام
أجاز مقاتلة ومحاربة المرتد حينما
يفارق الصف المسلم ويلجأ للصف المعادي
ويصبح مقاتلا فيه محاربا بسلاحه. بعض
العلماء الذين يرون بضرورة معاقبة
المرتد يجيبون إذا واجهتهم بالآية
الكريمة 'لا إكراه في الدين' بأن هذا
الأمر يكون من حق المرء قبل أن يسلم..
لكنه إن أعلن إسلامه فلا حق له في الردة
تحت طائلة الحد، حتى لا يصبح الدين
لعبة في نظرهم مما سيمس من هيبته.
والعجيب أن القرآن الكريم قد تناول هذه
النازلة بالضبط في سورة النساء الآية
136، يقول عز وجل: 'إن الذين آمنوا ثم
كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا
كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا
ليهديهم سبيلا'. إن
هيبة الدين لا تكون بالاكراه أو بإرغام
الناس أن يكونوا منافقين يكتمون كفرهم
بالدين في العلن ويمارسونه سرا.. ولن
يضير الاسلام ولا المجتمع الاسلامي من
اختار أن يدين بغير دين الاسلام. إن
الاسلام لا يخشى من يكفر به، فحتى في
أشد حالات الحصار والتشويه الممنهج
الذي يتعرض له ديننا السمح في أوروبا
وأمريكا اليوم، نجده الدين الأكثر
انتشارا في هذه البلاد ليس فقط بين
النساء والمثقفين، بل حتى بين رواد
السجون. أنا
شخصيا لا أخاف على الاسلام من
المعارضين والمخالفين أو من الذين لا
يعرفونه معرفة صحيحة، نظرا لظروف
ارتبطت بنشأتهم وبيئتهم الاجتماعية أو
بتعليمهم. فأنا مؤمن بأن الاسلام يعلو
ولا يعلى عليه، ولكن خوفي من غياب
الحرية ومن الاستبداد وقمع أنفاس
الدعاة والمصلحين. ألم يكن الرسول، صلى
الله عليه وسلم، يطلب من أعداء الاسلام
طلبا واحدا: 'خلوا بيني وبين الناس'.
خوفي أيضا من تحجر علمائه ودعاته
ومفكريه ووعاضه وخطباء المساجد
واعتمادهم التقليد وسدهم باب الاجتهاد
وعدم استيعابهم لمقاصد هذا الدين
وتعاليمه السمحة. الخوف من الشموليين
الذين يعتقدون مخطئين
أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة
ويحتكرون العلاقة بالله سبحانه وتعالى.
الخوف من أولئك الذين يشدوننا بقوة إلى
الماضي ويأسروننا فيه، ولا يرون
المستقبل إلا من خلال ذلك الماضي. أنا
لست من دعاة القطيعة مع الماضي، ولكن
دعوتي تتلخص في التعامل النقدي
الايجابي والعقلاني مع هذا الماضي،
نثمن الايجابي فيه ونتجاوز سلبياته
ومعيقاته. خوفي ممن يحرصون على التقليد
ويرفضون التجديد والاجتهاد. ليس
لنا أن نخاف من المخالفين والمعارضين
لديننا من المواطنين المغاربة الذين
لا يشاطروننا الاقتناع والايمان بهذا
الدين، ولا يحق لنا أن نتهددهم أو
نتوعدهم فالفكرة تواجه بالفكرة والرأي
بالرأي المضاد. أجدادنا
هم من أبدع في المناظرات الفكرية
والفلسفية التي طرح فيها أتباع
الديانات والمذاهب الأخرى تحديات
لاهوتية ومن طينة علم الكلام. أعملوا
الفكر وتوسلوا بالعقل والمنطق وقدموا
للعالم مقدمات حقوق الانسان عبر نظرية
المقاصد التي يعد الامام الشاطبي إمام
الغرب الاسلامي والأندلس أحد روادها. ولا
اظن أن أهل الاسلام من علماء ومفكرين
ودعاة ستعوزهم قوة المنطق والدليل
العقلي المستمد من المنهج الاسلامي في
التصدي للاشكاليات والتحديات التي
يطرحها علم الكلام الجديد ومفرداته:
قضية المرأة قضية
حقوق الانسان قضية
حريات التدين قضية
حقوق الأقليات قضية
المواطنة قضية
الديمقراطية قضية
الأعراف والمواثيق والاتفاقيات
الدولية الخ... ما
أبدع وأجمل تلك الخلاصة التي خلص إليها
الدكتور والمفكر محمد خاتمي في كتابه 'بيم
موج' (بين الأمواج) عندما يقول ان
الاسلام اليوم بين موجتين عاتيتين
موجة التقليد والجمود وموجة التغريب
والالحاق.. إن أطبقت علينا إحداهما أو
كلاهما هلكنا. وبالتأكيد
لن نفلح إن نحن رهنا مستقبلنا بهؤلاء
الغلاة المتطرفين. عود
على بدء أقول اني من داخل الدائرة
الاسلامية أومن بأن الانسان حر في
اختيار الدين الذي يريد، وحر في
التراجع عن هذا الدين وقت ما شاء وأمره
موكول إلى الله. وليس على الذي لا يدين
بدين الاسلام أن يؤدي شعائره أو يعاقب
على تركها. بقي أن
أشير إلى أن في البلاد قوانين يجب
احترامها ولو في حالة عدم الاقتناع بها..
واحترام القانون لا يعني السكوت
والاطمئنان إلى استمرارية ما نعارضه
فيه.. بل نسعى إلى تغييره بالوسائل
النضالية المناسبة والمشروعة. هناك
اليوم دستور يحتكم إليه كل المغاربة
وهذا لا يعني أن هناك إجماعا على كل
مواده التي يطالب البعض بإصلاحها..
وحتى تتم الاستجابة لمطلب إصلاح
الدستور فانه يبقى ساري المفعول في كل
بنوده ومواده. بالحوار
الهادئ وبالقنوات المناسبة للحوار
وبالكفاءات المناسبة والقادرة على
قيادة هذا الحوار يمكن أن نحقق الكثير
من الانجازات في أفق صياغة مشروعنا
الوطني وفي أفق صياغة مواطنة مستوعبة
للجميع، وبالحوار نجعل حدا لمعضلة
أساسية تعيق تطورنا.. معضلة الاحتكار..
احتكار الدين والوطنية والملك
والسياسة والثروة والسلطة. '
الامين العام لحزب البديل الحضاري السجن
المحلي بسلا ======================= د.
سليمان البدور الرأي
الاردنية 25-8-2010 ما حدث
في نيويورك في الحادي عشر من أيلول 2001م
كان حواراً دينياً وسياسياً عنيفاً
أخد صفة الإرهاب وشكل الجريمة المدانة
إنسانياً والخارجة عن سلوك الحاضر
وقيمه الاجتماعية، ولم يحدث في تاريخ
الإسلام وتعاليمه، نصاً وروحاً، أن تم
تسويغ عملٍ كهذا والأدلة على ذلك كثيرة
ومعروفة، كما أن الفكر نفسه الذي أجاز
تدمير معلمين حضاريين وقتل ما يقرب من
آلاف ثلاثة من الأبرياء، فكر ظلامي
أسود مرفوض ومدان، غير أن الإجابة على
ذلك لا تتم بالعنف وحده، لأن سؤال «القاعدة»
الرهيب الذي تم طرحه بالقنابل البشرية
في نيويورك ولندن ومدريد وأمكنة أخرى
كثيرة، وتمت الإجابة عليه بالصواريخ
في أفغانستان والعراق واليمن
وباكستان، لا تكفي وحدها لحل الأزمة
الفكرية والمادية القائمة بين معسكرين
تناقضت فيهما المصالح واختلت بينهما
موازين القوى والثقافات، وقد كانت
النتيجة وبالاً على الأطراف كلها،
وإذا كان العنف يتطلب رداً بمثله، في
الجولة الأولى على الأقل، حتى لا
يُتَّهم المعتدى عليه بالاستسلام
والانكسار والرضوخ ويزداد المعتدي
غياً وغطرسة وتمادياً، فإن الحكمة
تستدعي قراءة الواقع وسبر غوره وتقصي
الدوافع وإعادة النظر في السياسات
والمسلَّمات الثقافية، التي تقف
مجتمعة وراء مثل هذه الطفرات
الانتقامية العنيفة والصراعات
الدموية التي تتفجر بين الأمم والشعوب
والأفراد والجماعات، وتريق دماءً
وتزهق أرواحاً في معظمها بريئة
ومحايدة، فالظلم أساس الضغائن ومنبع
الأحقاد ومصدر الكراهية وهو الدافع
الطبيعي وراء الانتقام المجنون
والأهوج الموجع، ولو تجاوز الإنسان
نفسه قليلاً واعترف بالآخر متقاسماً
معه حقوق الدنيا وقائماً، كل على
طريقته، بواجبات الآخرة، لاختلفت
الصورة وتوحدت الرؤى وتغيَّر الحال
إيجاباً على هذه الأرض الصغيرة
الجميلة وعاش البشر عليها بسلام ووئام
دائمين. في
نيويورك، تثار هذه الأيام زوبعة حول
إنشاء مركز إسلامي ومسجد على بعد
مربعين سكنيين من موقع برجي مركز
التجارة العالمي اللَّذين تم تدميرهما
في الحادي عشر من أيلول 2001م، وقد وافق
الرئيس الأميركي «أوباما» وإدارته
رسمياً على ذلك، ويرى الإمام «فيصل عبد
الرؤوف» في هذا المشروع «رداً روحياً
على مشكلة روحية»، لأنه كما يقول
الكاتب الأميركي «دويل مكمانوس» (إم.
سي. تي إنترناشيونال، 11 آب 2010م) أن هذا
الإمام يرغب من خلال مركز ثقافي إسلامي
بجسر الهوة بين المسلمين والمسيحيين
واليهود، ويدفع بأفراد جاليته لأن
يكونوا «أميركيين صالحين ومسلمين
صالحين». بالمقابل
ترتفع أصوات ناشزة ضد المشروع، وينوي
المعارضون تنظيم مسيرة احتجاجية
ومهرجان خطابي في ذكرى الحادي عشر من
أيلول، ويقود هذه المعارضة غلاة
المتطرفين في الولايات المتحدة مثل «سارة
بالين» المرشحة السابقة للرئاسة عن
الحزب الجمهوري ورئيس مجلس النواب
السابق «نويت جنجريتش» والسفير
الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة «جون
بولتون»، هؤلاء المتطرفون يرفعون
شعاراً أكثر تطرفاً عنوانه «أوقفوا
أسلمة أميركا»، والأمر الخاطىء
والخطير كما يقول «مكمانوس» «أن بعض
السياسيين بدؤوا يُحوِّلون معركتنا مع
مجموعة صغيرة من المتطرفين إلى ما
يريدها (بن لادن) أن تصبح صداماً بين كل
المسلمين والغرب»!، وإذا ما أوقف بناء
هذا المسجد بسبب الأفكار الجاهزة
والمسبقة والديماغوجية السياسية،
يكون «بن لادن»، (كما يقول مكمانوس)، قد
حقق هدفاً ثانياً بالقرب من موقع
البرجين السابقين! ======================= عبد
الوهاب بدرخان النهار 25-8-2010 هناك
استهجان واستنكار مشروعان ازاء هذا
العدد المتضخم من الجواسيس العاملين
لمصلحة العدو الاسرائيلي. صحيح ان
العدد المعروف حتى الآن مفزع، الا ان
الحقيقة قد تكون اكثر ترويعاً. نعم،
الظاهرة صادمة وكارثية بكل أبعادها،
الوطنية والمعنوية والاخلاقية. الاخطر
انها واقع معاش، مرشح لأن يستمر بلا
روادع، ما دامت البوصلة مفقودة، وليست
احكام الاعدام هي التي ستنهي قوافل
العملاء، وإنما الزمن والمتغيرات
المحتملة في اوضاع البلد. والاهم ان
يتحمل الجميع مسؤولياتهم، بلا استثناء. الذين
تحدثوا عن "بيئة حاضنة" لم
يجانبوا الصواب، لكنهم ربما اخطأوا في
التقدير وفي العنوان الذي يشيرون اليه.
فبعدما ارتسمت خريطة الاعتقالات
ووجوهها واسمائها، كذلك بعدما سجل بعض
الدوافع والتبريرات، اصبح من المكابرة
ان يدعي اي طرف انه وحده الشريف العفيف
النظيف، ووحده الوطني القومي المعادي
لاسرائيل، وان كل من لا ينضوي تحت
لوائه لا بد ان يكون عميلا. واقع
الامر ان تلك البيئة ليست واحدة، بل هي
"بيئات حاضنة"، بيئات متنقلة
ومتبدلة تختلط فيها المفاهيم وتلتبس
الولاءات. ويا للأسف، فان الاخطاء
والممارسات والانتهاكات والتنكيلات
تكررت على نحو جعل التمييز بين عمالة
وعمالة من ثوابت المستحيلات اللبنانية.
وكما ان العمالة ليست وجهة نظر، تقبل
او لا تقبل، كذلك الكلام على "البيئة
الحاضنة" ينبغي الا يكون وجهة نظر. هذه
"البيئات" لم تولد بالامس، ولا في
2006، ولا حتى في 1975، كما لم تولد من فراغ.
ثمة لائحة من التواريخ يستحسن ان
يتذكرها المتحدثون عن "البيئة
الحاضنة" اذا كانت منطلقاتهم وطنية"،
واذا كان لا يزال لهذه الكلمة اي معنى
واقعي ملموس. وعليهم ان يعترفوا
بالحقائق كلها اذا كانوا فعلاً في صدد
معالجة هذا الوباء الذي بات راسخا في
العقول والقلوب. ومن اصعب تلك الحقائق
وأمرها ان لبنانيين كثيرين تعرضوا
للقتل والذبح والخطف والتنكيل
والاهانة على ايدي ميليشيات وجيوش عدة.
وغالباً ما لم يكن ثمة فارق في
المعاملة أيا يكن الفاعلون، بمن فيهم
اللبنانيون أنفسهم، وهذا الاشد مضاضة
– فضلا عن الفلسطينيين، فالسوريين
فالاسرائيليين، اعرضوا الصورة شاملة،
والوقائع، وقولوا بعدئذ اي بيئة هذه
التي تريدونها ان تبقى منضبطة
ومتماسكة، وان تحافظ على وطنية طالما
كان القتل يتم باسمها؟ هنا
فقط كان يمكن هذه "البيئة" ان تميز
الاسرائيلي عن سواه، فهو لم يغزُ ويحتل
باسم "الوطنية" او القومية. جاء
عدواً وبقي كذلك ولا يزال. هذه مسألة
غير قابلة للجدل. ومن الطبيعي الا تكون
الصورة الراسخة عن العدو، هي نفسها
الصورة الراسخة عن الشقيق، بدليل ان
تبدل الاحوال كان يعدّل المزاج
الاجتماعي ويهدئه في التعامل مع
الشقيق في المراحل اللاحقة. فنسيان
ممارسات الشقيق قد يتحول مغفرة، أما
العدو فلا نسيان معه ولا غفران، لأنه
سرطان معتمل في أوصال المنطقة العربية
ولا يمكن التعايش معه. كل الذين جاؤوا،
متدخلين او متبرعين للمساعدة، أو
غزاة، تناوبت المناطق والطوائف على
استقبالهم بنثر الرز والورد. كان الخوف
من الآخر تارة هو الدافع، او الاستقواء
بالقادمين تارة اخرى. وفي الحالين كانت
"البيئة الحاضنة" تصنع نفسها
وتنمو. كانت طموحات الهيمنة تدفع
الجميع في كل الاتجاهات وكل الاحضان.
وفي ظل الميليشيات وحشود المتدخلين
كان هناك طرف واحد غير قادر على
التدخل، انه الدولة اللبنانية. وجاءت
أيام على بيروت كانت فيها أبنيتها
مجسما مصغرا لجغرافية الدول المتدخلة،
جواسيس من كل حدب وصوب يعملون ويجدون
دائما من يتعاون معهم. وحتى عندما عادت
الدولة او بالاحرى عندما استعيدت او
أعيدت، عادت معطوبة ومصادرة، ولا تزال.
لكنها مع ذلك لا تزال الشاهد الوحيد
على وجود البلد. ظاهرة
الجواسيس، بتغلغلاتها التي لم تكشف
كلها بعد، هي الآن بمثابة دعوة أخيرة
الى الاعتراف بالاخطاء الفظيعة التي
ارتكبت من خلال تغييب الدولة او
التقليل من اعتبارها او الاصرار على
معاملتها كدمية بين أيدي المتلاعبين
والطامحين الى الهيمنة. فهذا ايضا من
أدوات صناعة "البيئة الحاضنة". كل
محاولة للهيمنة هي عمليا وقود جديد في
ماكينة انتاج العملاء والجواسيس.
المشكلة ان المرجعية الوطنية مفتقدة،
ولو كان ل"المرجعيات" التي نصّبت
في هذه المرحلة وتلك ان تثبت شيئا، فقد
أثبتت عمليا فشلها، فهي نفسها مشكوك في
ولائها. وفي ظل أي قانون قائم على عقل
سليم لا بد ان يحاسب كثيرون ممن
يتعاطون الشان العام، لأنهم – على
الاقل – ذو مشاركة مزمنة في نهج
استضعاف الدولة، ويعملون سرا وعلنا
على التقليل من شأنها والتفريط
بسيادتها واحتقار سلاحها الوحيد
والرئيس، أي القانون. حتى انهم بلغوا
في تآمرهم حد انكار دور الدولة، او أحد
أجهزتها في كشف المتعاملين مع العدو. قضية
الجواسيس لا تصلح فقط للاستخدام
والاستغلال والمتاجرة التي تتعرض لها
الآن. انها ايضا ناقوس وانذار ينبهان
الى ان هناك ضرورة تاريخية لتنظيف
السياسات والمفاهيم والمحاسبات. فلا
اعتراض على انزال أشد العقوبات على
عملاء اسرائيل، لأنهم يرتكبون خيانة
موصوفة قانونيا وعرفيا ووجدانيا. لكن،
هل من تشريعات تصف العمالات الاخرى
وتحدد عواقبها او حتى تسبغ عليها "شرعية"
استثنائية؟ لا يمكن تصويب الوضع
بالمفاضلة بين عميل وعميل، فحتى
الاشقاء والاصدقاء لا يقبلون ان يكون
بينهم "عملاء" فكيف يراد
للبنانيين ان يبلعوا هذا الكم من
الشخصيات المصنفة "وطنية" لمجرد
أنها أتقنت الفجور في العمالة وتربّحت
منها وقامت وتقوم بأدوار تستقوي فيها
على الدولة، وبالتالي على المواطنين.
ذلك ان وجود هذا النوع من العملاء
المجازين والمرخص لهم كان ولا يزال
سببا موجبا بل مبررا لوجود أولئك
الخونة... فمن يريد معالجة مرض "البيئة
الحاضنة" ينبغي ان يرى الصورة كما
هي، وله أن يميز بين العملاء، لكن على
قاعدة الولاء للدولة. ======================= راجح
الخوري النهار 25-8-2010 ما
قاله الرئيس ميشال سليمان عن موضوع
المحكمة الدولية، يندرج تقريبا على كل
الرؤساء والزعماء والعواصم. فرغم ان
سيول الكلام والتحليلات عن المحكمة
والقرار الاتهامي، تكاد تفيض عن
السيول التي تغرق باكستان، ورغم ان
التلويح بالحرائق التي قيل ويقال انها
ستجتاح لبنان، يكاد يتجاوز الحرائق
التي تلتهم روسيا، يواصل اهل المحكمة
الدولية والمحقق الدولي دانيال بلمار
الاعتصام بصمت مطبق وراء ابواب
المحكمة في لاهاي! هذا
الامر ليس مستغربا على الاطلاق، لان
بلمار وقضاة المحكمة يريدون وفق
النظام الذي انشئت المحكمة على اساسه،
البحث عن الحقيقة في جريمة اغتيال
الرئيس الشهيد رفيق الحريري والشهداء
الآخرين. وهذا يعني ان ليس من
مسؤوليتهم ولا يهمهم من منطلق الواجب
القانوني والعدلي، ان يقيسوا عملهم
بحثا عن الحقيقة وفق معايير لاحتمالات
يقال انها ستنتج عن القرار الاتهامي. ❑
❑
❑ وسواء
وصلت هذه الاحتمالات، التي يتم
التلويح بها في بيروت، الى حدود ايقاع
البلاد في مصيدة 7 ايار جديد، او الى
حدود اسقاط الحكومة بانسحاب وزراء
المعارضة، اضافة الى وزراء الاستاذ
وليد جنبلاط، بما يؤدي الى ايقاع
البلاد والسلطة التنفيذية في الفراغ،
فإن ذلك لن يوقف عمل المحكمة الدولية،
التي يفترض ان وظيفتها تنحصر في تبيان
الحقيقة بما يعني ان ليس لها علاقة او
مسؤولية حيال حفظ الاستقرار في لبنان
امنيا او سياسيا. يبدو
هذا الامر بديهيا تماما، يؤكده حرص
المحكمة والامم المتحدة التي شكلتها،
على ابقاء النوافذ موصدة في وجه كل ما
يتصل بما يتردد عن الاحتمالات
العاصفة، التي ستترتب على القرار
الاتهامي، فلا كلمة ولا تعليق ولا رد
فعل. اما
عندما يتصل الامر بمجريات التحقيق
والعناصر التي قد تفيده، فقد حرص بلمار
على ان يكون سريعا في طلب القرائن التي
عرضها الامين العام ل"حزب الله"
السيد حسن نصر الله، والتي تتهم العدو
الاسرائيلي بالجريمة، ولا بد من ان
يكون الآن بصدد فحصها والتدقيق فيها،
وهو ما قد يقوده الى مطالبة تل ابيب بما
يراه مناسبا لفحص هذه القرائن
والدوافع التي جعلتها تقدم عليها،
وخصوصاً أنه أعلن أمس ان القرائن التي
تسلّمها من السيد نصر الله "منقوصة"
بما يعني أنه يريد الحصول على المزيد
مما لدى "حزب الله" من قرائن، وهو
ما كان ألمح إليه السيد نصر الله في
مؤتمره الصحافي الذي عرض فيه القرائن. ❑
❑
❑ ليس
لدى بلمار اكثر من هذا للاعلان او
للتعليق. وحتى اذا ذهب كل لبنان حكومة
وشعبا للمطالبة بوقف المحكمة او
لاعلان التخلي عنها، وهو امر لن يحصل
بالطبع، فان لدى مجلس الامن والشرعية
الدولية جوابا واحدا بسيطا ومفهوما
ولو كان يصدم البعض: ان
المحكمة انشئت بقرار من الامم المتحدة
ووفق الفصل السابع، ولا يمكن اي دولة
كبيرة او صغيرة الغاء المحكمة او وقفها
الا اذا صدر قرار من الامم المتحدة
بهذا الخصوص. ولان
هذه الحقيقة واضحة في العواصم الكبرى،
فليس من المستغرب ان تكون بعض
المراجعات مع رؤساء وزعماء وعواصم،
بهدف تأجيل القرار الاتهامي قد رُدّت
بكلمتين: نحن لا نتدخل في عمل المحكمة! وهكذا
عندما يقول الرئيس سليمان: "أوَلست
انا رئيس الدولة؟... لم يبلغني احد حتى
الآن عن موعد صدور القرار الاتهامي،
ولا موعد حتى الآن لصدوره"، فان ذلك
يعني فعلا ان حقل الاجتهادات الشخصية
عند الكثيرين اتسع كثيرا في الحديث عن
ذلك القرار وعن موعده وربما عن محتواه،
رغم ما نشرته "دير شبيغل" و"الفيغارو"
عن هذا المحتوى، ورغم مسارعة العدو
الاسرائيلي الى استسقاء الفتنة
والفوضى في لبنان انطلاقا من القول ان
القرار الاتهامي سيسمّي عناصر من "حزب
الله". في
اطار طوفان المعميات ايضا وايضا، ان
يقرأ الناس تقارير ديبلوماسية، لا
ندري اين كتبت ومن كتبها وبأي غرض،
وآخرها ذلك الذي يقول ان رئيسا اوروبيا
يتوقع صدور القرار الاتهامي في كانون
الاول لكنه يجهل مضمونه! ما
فائدة هذا الكلام؟ لا شيء
اطلاقا، سوى انه يزيد من الدوي والضجيج
في مسألة المحكمة التي تقفل على نفسها
نطاقا من الكتمان والسرية كشرنقة تعكف
على التدقيق والتمحيص بحثا عن الحقيقة
التي يعرف المحققون والمدّعون انها
ستكون تحت دائرة الضوء العالمي
المشدد، ولهذا يجب ان تقترن بأدلة
قاطعة ودامغة. ❑
❑
❑ على
أساس كل هذا يواصل الرئيس سعد الحريري
تسويق خطاب التهدئة والحوار والدعوة
الدؤوبة الى الابتعاد عن الغرق في
السجالات حول المحكمة، مستغربا اصرار
البعض على محاولة تعطيل الفرص
المتوافرة للتهدئة ومقاربة الامور
بالحوار والموضوعية. ولان
المحكمة قرار دولي، فان الكلام مهما
اشتد وقام على التهديد والتحريض لن
يلغي الحقيقة، ولهذا فان الاستمرار في
سياسة التخوين والتخويف، لا يمكن ان
يخدم احدا، ولا يمكن ايضا ان يسد
الطريق امام عمل المحكمة، بما يجعل
تاليا من الهدوء ولغة الحوار والتفاهم
المظلة الوحيدة التي يحتاج اليها
لبنان. ======================= جيمس
زغبي السفير 25-8-2010 لا شك
بأن ما حدث في الرابع من تشرين الثاني/
نوفمبر 2008 يدعو للذهول والدهشة، إذ على
رغم الصعوبات الاقتصادية القاسية
وانتفاء الشعور بالأمان، قرر الناخبون
الأميركيون الذهاب إلى صناديق
الاقتراع ليختاروا الأمل على الخوف،
وليوصلوا أوباما إلى البيت الأبيض
ليكون أول رئيس أسود في البيت الأبيض.
ومرد هذا الذهول، بالنسبة لي شخصيّاً
على الأقل، أنه على مدار دراستي
الأكاديمية للمجتمعات التي تعاني
صعوبات وتمر بأوضاع اقتصادية غير
مستقرة، لاحظتُ أنها عادة ما تأتي
استجابتها في ظل تلك الظروف على شكل
حركات اجتماعية تتقوقع على نفسها
بدافع من الخوف والشعور بالاضطراب،
منسحبة وراء خطاب شوفيني ضيق ومعادٍ
للأجانب، كما تبادر بالحنين إلى ماض
متخيل تمجده، مبالغة، في الوقت ذاته،
في تصور تهديدات محدقة، سواء كانت
حقيقية أو مفترضة. ومن النادر لمجتمع
تعرض لهجوم قاس على أراضيه كما حصل
للولايات المتحدة في الحادي عشر من
سبتمبر 2001 وخاض حربين لم يتضح مآلهما
بعد، فضلاً عن فقدانه الثقة بمؤسساته
الاقتصادية ما أدى، بدرجة كبيرة، إلى
تراجع ازدهاره وتزايد معدلات البطالة
في صفوفه، أن يستدعي قيمه الإيجابية
ويتمسك بمبادئه الديموقراطية
والمتسامحة. وهذا فعلا هو ما أظهره
المجتمع الأميركي الذي زادته الصعوبات
تشبثاً بالمثل التي تأسست عليها
الجمهورية. ولكن
من المؤسف حقاً أن نرى اليوم عودة
جديدة للخوف ومعه تراجع مساحة التعقل
والحكمة التي طبعت الفترة السابقة على
الأقل في ردة فعل المجتمع وبعض قواه
تجاه المسلمين، فعلى مدى فترة السنة
ونصف السنة الماضية، شاهدنا كيف تلبس
الخوف أشكالا مختلفة مع تصاعد هجوم
المعارضين لأوباما وزحفه على جبهات
متعددة، من تشكيك في ديانة الرئيس
والغمز بأنه مسلم، والتقول على جنسيته
ومكان مولده وأصوله الحقيقية، ثم
اتهامه بنشر «الاشتراكية» و«الماركسية»،
وصولا اليوم إلى الهستيريا الجماعية
المستهدفة للمسلمين على خلفية بناء
مسجد ومركز إسلامي. وفي
هذا السياق يمكن فهم المعارضة التي
يبديها البعض ضد بناء مركز إسلامي
ومسجد بالقرب من مركز التجارة
العالمي، فهي ليست مجرد احتجاج على
بناء مسجد في مكان معين، بل هي فصل من
فصول حملة متصاعدة تستغل الخوف من خلال
استدعاء الشعور بعدم الأمان، ونكء
جراح قديمة! والمشكلة ليست في المسجد
الذي سيبنى في مكان شهد هجمات 11
سبتمبر، بل في التوظيف السياسي لبناء
المسجد من قبل الجناح اليميني داخل
الحزب «الجمهوري» الذي تزعَّم حملة
التشويه والتخويف، لتنتقل حمى
المعارضة إلى باقي السياسيين حتى في
الجانب «الديموقراطي»، بعدما خرج زعيم
الأغلبية «الديموقراطية» في مجلس
الشيوخ، هاري ريد، على الملأ، ليعلن
تحفظه على إقامة مركز إسلامي في المكان
المخصص له، حتى بعدما وافقت السلطات
المحلية في مانهاتن بنيويورك على منح
التراخيص اللازمة للمضي قدماً في بناء
المركز والمسجد. وقد تصاعدت الحملة في
الأيام الأخيرة لتصل إلى مستويات غير
مسبوقة من الكراهية والكلام المخل
بعدما طالت الإسلام وحولته من دين سمح
يشترك مع الأديان الأخرى في الدعوة إلى
السلام، إلى أيديولوجية متعصبة، وقد
كان لافتاً على وجه الخصوص اللغة التي
استخدمها بعض السياسيين في وسائل
الإعلام والتي تنضح تعصباً وانغلاقاً
على الذات، وكأننا في بلد غير أميركا،
التي ينص قانونها المؤسس على احترام
الحرية الدينية وضمان ممارستها دون
تضييق. واليوم
بسماعنا الكلمات واللغة التي يستخدمها
بعض قادة الحزب «الجمهوري» في الهجوم
على الإسلام وتوظيف موضوع بناء المسجد
سياسيّاً لدغدغة العواطف وربح الأصوات
في الانتخابات النصفية المقبلة، ندرك
تنكر هؤلاء وتضحيتهم بقيم التسامح
والتعقل والتبصر وتحويل قضية بسيطة
إلى حملة وطنية، لا لشيء إلا لتحقيق
مكاسب سياسية وللظهور بمظهر المدافع
عن مشاعر الناس وحساسيتهم، وهم بذلك
يمدون التطرف والأصوات المتشددة حول
العالم بما يلزمها للتنديد بالنفاق
الأميركي والمعايير المزدوجة في
التعامل مع الإسلام والمسلمين، بعدما
أصبحت قضية بناء مسجد، لا تستحق أصلا
كل هذا التهويل، حملة طويلة عريضة
ممنهجة لتشويه الإسلام والنيل منه. وقد
لا نبالغ إذا قلنا إن الحملة الحالية
المناهضة للمسلمين تتجاوز في تأثيرها
السيئ على سمعة أميركا فضحية سجن أبو
غريب ومعتقل غوانتانامو مجتمعين. وما
نحتاجه اليوم لتجاوز هذه اللحظة
المخجلة من تاريخنا هو الرد على أمثال
«غنغريتش» و«بالين» و«وكورينز»
وغيرهم ممن أساؤوا إلى المسلمين في
الفترة الأخيرة، والتأكيد على قيم
التسامح والانفتاح باعتبارها قيماً
أميركية تشمل المواطنين جميعاً مسلمين
وغير مسلمين. ======================= آخر
تحديث:الأربعاء ,25/08/2010 ميشيل
كيلو الخليج أحدث
مسلسل “باب الحارة” السوري رجة هائلة
في الوطن العربي، بدا معها وكأنه
انعطافة حقيقية في علاقة الدراما
العربية بالوعي العام والشعبي . وقد
بلغ من تأثير المسلسل أن صار الفلسطيني
يرى فيه مسلسلاً فلسطينياً، والأردني
عملاً أردنياً، واللبناني نموذجاً
للدراما المطلوبة لبنانياً، بينما
اندفعت الصحافة المقروءة والمسموعة
والمرئية إلى التركيز عليه والتحدث
عنه طوال أشهر وسنوات، ما حول نجومه
إلى أبطال شعبيين قلدهم كثير من الناس
وتماثلوا معهم ورددوا عباراتهم
وأقوالهم، وأظهروا اهتماماً عاماً
بتفاصيل حياتهم، فبدوا وكأنهم احتلوا
في مشاعر وعقول العرب المكان الذي
يحتله عادة الزعماء القوميون
والوطنيون: أبطال الاستقلال والمقاومة
والتحرير، ورموز الكبرياء الوطني . إلى
هذا، أثار المسلسل نقاشاً واسعاً حول
هويته، فقال بعضهم: إنه تاريخي . وقال
بعضهم الآخر: بل هو واقعي . وزعم فريق
ثالث أنه اجتماعي . بينما أكد فريق رابع
أنه مسلسل سياسي، ورأى فيه خلق كثير
مسلسلاً جامعاً عالج كل أمر من أمورنا،
فمن الخطأ مقارنته أو مقايسته بأي عمل
آخر، درامياً كان أم فنياً، مرئياً أم
مقروءاً أم مسموعاً . إنه عمل فريد
ونسيج وحده، وحبذا لو أكثر التلفاز
السوري من حلقاته - صرنا في الحلقة
الخامسة - أو كرر عرضه . اختلف
الكتاب والنقاد والمعلقون في تفسير
الصدى الهائل الذي أحدثه المسلسل،
والإجماع الذي انعقد له وشمل سائر فئات
الناس: من أقلهم إلى أكثرهم علماً، ومن
أشدهم فقراً إلى أكثرهم ثراء، ومن
قرويهم إلى بدويهم إلى مدينيهم . هز
المسلسل وجدان الجميع وخاطب مشاعرهم،
فبدا وكأنه سد فجوة في وجودهم، وقدم
لهم ما كانوا يتلهفون إلى امتلاكه
ويتشوقون إلى استعادته من حقيقتهم
المغيبة، وجعلهم مشاركين بصورة ما في
أحداثه، فلا عجب أن تفاعلوا معه وأن
رأوا فيه ضرباً من تبني وإشهار ما هو
مكبوت وخفي في أنفسهم، ويحوّل خوفهم
دون الإفصاح عنه، فجاء المسلسل ليعبر
عنه بأكثر الصيغ وضوحاً وعلانية
وتكاملاً، مع إبقائهم خارج قبضة
الخطر، فهم مجرد متفرجين يتابعون صور
واقع فني مواز لواقعهم الفعلي،
انغمسوا فيه وتماهوا معه، لكونه
واقعاً وهمياً وحقيقياً، آمناً و”يفش
الخلق”، متخيلاً وأصلياً، ينتمون
إليه من خارجه، وينتسبون إلى واقعه
المناقض لواقعهم الحقيقي المفروض
عليهم، والذي يظل برّانياً بالنسبة
إليهم، وإن تظاهروا بالانخراط فيه
والقبول به . هذا
التوازي مع الواقع، هو مصدر قوة
المسلسل وسبب طاقته التأثيرية . ومع
أنه يقدم واقعاً وهمياً بكل معنى
الكلمة، لا وجود له ولو من بعيد في واقع
سوريا الراهن، فإنه يلعب لعبة ذكية
تجعل مشاهده يعتقد أن هذا الواقع
الوهمي كان قائماً ذات يوم في ماضيه
القريب، وأن باب الحارة لا يختلقه أو
يفبركه، بل يكتفي باستعادته وبرسم
تفاصيله، لتعريف المشاهد إليه كماض
خاص به، كان موجوداً بالفعل، فهو إذاً،
قابل للاستعادة، في الوعي والواقع،
وأن استعادته في الوعي شرط استعادته في
الواقع، فإن كانت استعادته الفعلية
صعبة أو مستحيلة، فلا أقل من أن يعيش
المشاهد استعادته الفنية، خلال عرض
حلقاته التي تتكفل بإخراجه من عالمه
القاسي الظالم إلى عالم درامي إنساني/
تواصلي ورحيم، حكومته من الشعب
العادي، تتكون من أبو فلان وأبو فلان
وفلان من أبناء الحارة، يعرف المرء
هويتها وأشخاصها، ويرى بأم عينه بعدها
عن التعسف والأفعال الكيفية التي
تمارسها حكومته الواقعية، ويكون هو
نفسه في الأغلب ضحيتها، بينما زعيم هذا
العالم من لحم ودم، ملموس ومشخص وفي
متناول الجميع، يمكن لأي كان الوصول
إليه في أي وقت يشاء، لإسماعه ما قد
يكون لديه من شكاوى، فهو زعيم بلغ
مكانه بفضل مزايا ومؤهلات وضعته تحت
تصرف الناس وفي خدمتهم، اختاره أهل
الحارة من بينهم، يعرفه القوم
ويعرفهم، ويطلب رأيهم ويأخذ مصالحهم
بعين الاعتبار، ولا ينفرد برأي أو
قرار، بل يشاور “أكابر الحارة
وعقّالها” في كل شأن . إنه منهم
وإليهم، كما يقول أبطال المسلسل، وهم
على باله وفي خاطره، مصلحتهم - لا
مصلحته الخاصة أو الشخصية - هي التي
توجهه وتملي خطواته، ولا رهان له غير
رهاناتهم، فهو ليس فقط رمزهم، بل كذلك
محقق العدل والعدالة في مجتمعهم (حارتهم)،
لذلك تراه يتابع - في تقليد واضح وحرفي
لسلوك سيدنا عمر، رمز الحاكم العادل
عند العرب والمسلمين - شؤون فقرائهم،
ويهتم لما يطرأ على أيامهم من مفاجآت
ونوائب، أو ينشب في ما بينهم من خلافات
ويواجههم من مشكلات، ويحزن لحزنهم
ويفرح لفرحهم، وهو يتصدى لمصاعبهم
بالنيابة عنهم أو بمعونتهم، باذلاً في
سبيل خلاصهم منها ماله وجهده، لذلك
يكون أكثرهم سعادة متى تخطوها،
وأكثرهم قلقاً إن علقوا فيها . هذه هي
صورة الذين هم فوق، أهل الحكم والمشورة
. أما من هم تحت، فهم يشكلون مجتمعاً
متآلفاً منسجماً، تقتصر منغصاته على
مشكلات شخصية عابرة سرعان ما تحل، لا
تعكر صفو الجماعة ولا تخرجها عن مسارها
الحياتي الآمن . وهم كذلك جماعة لا تعرف
الظلم، إن جاع أحد منها سارع الجميع
إلى إطعامه، أو نزلت بأحد نازلة تسابق
الجميع إلى مواساته وشد أزره،
فالإنسان في تفاعل وتواصل دائم مع
غيره، وهو ينال حقه من العيش والكرامة،
بغض النظر عن أحواله الخاصة، وينعم
بقرب زعمائه منه ووجودهم الملموس في
حياته، وبالوحدة العميقة والأخوية
التي تربط المنتسبين إلى “حارة”
تسوسها أعراف وتقاليد يعرفها كغيره،
ويخضع لها طوعياً كسواه، بينما يخلو
عالمه من مؤسسات حكم قهرية، وسياسات
تمييزية، ومراتب طبقية أو متعادية .
إنه مجتمع الحق الطبيعي، الذي يصنعه
ويقرر شؤونه أبناؤه الطبيعيون
والمتساوون، ويجب أن تتكفل استعادته
درامياً بتذكير المشاهد بما كان في
ماضيه من عدالة ومشاركة وحرية وكرامة
وعدل، وبدفعه إلى مقارنته مع ما هو
قائم في راهنه من أوضاع وعلاقات . يرسم
مسلسل “باب الحارة” صورة عالم لا وجود
له يريد للمشاهد أن يرى فيه عالمه
الحقيقي، وأن يضعه في مواجهة عالمه
الواقعي الذي لا يقول شيئاً عنه،
تاركاً إدانته لمخزون المشاهد المعرفي
والشعوري، ولخبرته الملموسة . والقصد:
إثارة الاقتناع بتناقض هذين العالمين
وباختلافهما، والشعور بأن على مشاهده
الفرار من عالمه الواقعي إلى عالمه
الوهمي: ليستمد منه مواقفه، أو ليريح
نفسه لبعض الوقت . إنهما عالمان: واقعي
يخلو مما يدل على الماضي، ووهمي ينتمي
إليه، فيه كل ما يرغب الإنسان في
امتلاكه: الفسحة الشخصية المحفوظة،
والكرامة المصانة، والمشاركة
المكرسة، والتواصل البسيط والمباشر
والندي، والعدل والعدالة، وسلطان “الزعيم
والأكابر” الخالي من السطوة والعنف،
الملموس والقادر على حفظ الجماعة
وتوازنها الحي . لا عجب إذاً، أن يكون
المتوهم قد تغلب عند المشاهد على
الواقعي، وأن يبدو وكأنه يزيحه من
الواقع: بالتوهم الذي لا يغير شيئاً
منه، بل ويوطد سلطانه، بعد فترة تماه
عابر مع ماض لا يقبل الاستعادة، لأنه
بكل بساطة لم يوجد أصلاً . هكذا
لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم، ولا
يتغير شيء في الواقع، ويصير الماضي ما
كانه دوماً: مهرب المظلوم من ظلم لا
يعرف كيف يتخلص منه، ولا يملك أدوات
مواجهته والجرأة عليه . ======================= بقلم
:صحيفة «جابان تايمز» البيان 25-8-2010 انتهى
الأمر رسمياً. انسحاب «لواء سترايكر»
الرابع المنتمي إلى فرقة المشاة
الثانية، آخر فرقة قتالية أميركية في
العراق، اعتبر نهاية لما يسمى «عملية
حرية العراق». وقد حققت هذه الخطوة وعد
الرئيس الأميركي باراك أوباما بإنهاء
المهمة القتالية التي تقوم بها بلاده
في العراق، نهاية أغسطس. ولكن،
مثل اللافتة سيئة الصيت التي رفعها
سلفه جورج بوش في مايو 2003 «المهمة
أنجزت»، لم يفصح هذا الخبر عن القصة
بأكملها. فسوف يظل عدد كبير من أفراد
الجيش الأميركي في العراق، وربما
يتواصل وجودهم حتى بعد الحادي
والثلاثين من ديسمبر 2011، وهو الميعاد
المتفق عليه بين البلدين من أجل
الانسحاب الكامل. ولا
يعد وجود القوات شأن
هذه اللافتة غير الموفقة
مؤشراً على النجاح. فهو علامة
فارقة أخرى على مسيرة طويلة سوف تعيد
العراق للوراء إلى الوضع الطبيعي، وهي
نتيجة ليست مضمونة بحال. ففي
مارس 2002، قام تحالف القوات الذي تقوده
الولايات المتحدة بغزو العراق، في ما
ظلّت أسباب الغزو مثار جدل، ولكن كان
المقصود من الإطاحة بنظام صدام حسين،
هو محو تهديد للسلام الإقليمي
والعالمي، وتحويل العلاقات الدولية في
منطقة الخليج وربما وراءها. وليس
من المرجح أن يكون مخططو هذه الخطوة،
قد توقعوا أنها ستغير العالم كما حدث،
وتضعف شرعية الولايات المتحدة، وتشغل
قواتها كل هذا الوقت الطويل. خُلِع
صدام من السلطة، ولكن التكلفة فلكية. ولأي
سبب؟ تمت الإطاحة بصدام، وتم تفكيك
امبراطوريته، وحلّ محلّها نظام
ديمقراطي، ولكن ليس من الواضح إلى أي
درجة يمكن أن تمثل الحكومة في بغداد
إرادة الشعب العراقي. وازداد
الانقسام بين طوائف السنة والشيعة
عمقاً، في الوقت الذي يتمتع الأكراد في
الشمال بترتيبات سياسية يرونها مقدمة
لاستقلال حقيقي.. ولم يحدث مخاض لعملية
إعادة تشكيل سياسات دول عربية، على
الأقل كما كانت تتوقعه إدارة بوش. تم
إجهاض محاولة التمرد الوحشية، ولكن
الاضطرابات مستمرة. وبينما يتوق
الكثير من العراقيين لرؤية انسحاب
القوات الأميركية من بلادهم، فإن
الكثيرين منهم يشعرون بالقلق إزاء
قدرة الحكومة العراقية على المحافظة
على النظام، دون الاستعانة بالقوات
الأجنبية. والولايات
المتحدة مدركة تماماً لهذا المزيج من
المشاعر، والواقع الذي يقف وراء
تكوينها. ولهذا السبب فإن إنهاء وجود
القوات القتالية الأميركية لا يعني
نهاية للوجود العسكري الأميركي. فهناك
على الأقل 50 ألفاً من القوات في 94 قاعدة
عسكرية، سوف يبقون في العراق. ورسمياً،
فمن المقرر أن ترحل باقي القوات بحلول
الأول من يناير 2012. غير أن مسؤولين
أميركيين اعترفوا بأنه في حال رغبة
بغداد في إعادة فتح ملف المحادثات حول
الميعاد النهائي، فإن واشنطن سوف تكون
مستعدة للحوار. لذا، فإن البراغماتية
الملحوظة التي أبداها أوباما سوف
تجعله يدرس خيار تمديد الميعاد، إذا
طلب منه ذلك. ويتعين
على أوباما، وأي خليفة مرتقب له، أن
يمعن النظر في سؤال واحد: إلى أي درجة
يسمح الوجود العسكري الأميركي في
العراق للساسة العراقيين بالتصرف دون
إحساس بالمسؤولية؟ وفي
المقابل، هل وجود القوات الأميركية
سيراقب العنف الطائفي، الذي يهدد بأن
يعمّ العراق؟ ومجدداً، أُرهق
الأميركيون بمغامرات عسكرية خارجية.
فالعراق، التي اعتبرت «حرباً اختيارية»،
أدّت إلى انقسام عميق داخل الولايات
المتحدة. إلا
أنه حتى أولئك الذين اشتركوا في الحرب
منذ اندلاعها، يعترفون بالحاجة لتحمل
المسؤولية عن الدمار الذي حدث. وتخفيض
القوات الأميركية، ليس المقصود منه
الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تنفض
يدها من الفشل الذريع، ولكن من أجل دفع
العراقيين لتحمل المزيد من المسؤولية
بشأن مستقبلهم. وللأسف، فإن هذا القرار
يظل مقترحاً ينطوي على المخاطرة. ======================= وثائق
ويكيليكس ..أدلة الإخفاق السياسي !! لوموند ترجمة الأربعاء
25-8-2010م ترجمة:
سراب الأسمر الثورة بدأت
مسألة ويكيليكس تشغل بال الكثيرين في
الولايات المتحدة، فالبعض تستهويه
بشدة والبعض الآخر يخشى أبعادها فهل
تنفجر هذه الفقاعة وتنتهي ؟! يشير
الكثيرون إلى ضعف الوثائق المرتبطة
بسنوات حرب الناتو الست في أفغانستان
(2004-2009)
والتي ظهرت إلى العلن عن طريق شبكة
متخصصة في نشر الوثائق السرية . ترى هل
التشابه القائم بين هذه الوثائق
والوثائق التي نشرها البنتاغون عام 1971م
حول الحرب على فيتنام دليل على أن
أمريكا تتجه نحو بداية إخفاق عسكري
وسياسي جديد؟! يتهافت
إلى أسماعنا -ليس من مشايعي الحرب فقط -
أن المئتي ألف صفحة حول (وورلوغس) أي
يوميات حرب التي نشرتها ويكيليكس ليست
مماثلة لأوراق البنتاغون . ويليام
ويسنتن الذي تعاقد مع الجيش الأميركي
في الاتصالات من تشرين الأول 2008م وحتى
تموز 2009م واليوم هو مدير الصحيفة
الأسبوعية التاريخية لليسار الأميركي
الأصولي (مازر جونس) - يقول: إن هذه
الوثائق لاتحوي أموراً هامة ،أنا
أعرفها ،ورأيت الآلاف من هذه الأمور في
العراق ». كل
تقرير من هذه التقارير - البالغ عددها
اثنان وتسعون ألفاً - يعكس وجهة نظر
جزئية عن عامل وليس نظرة إجمالية. مثل
اشتباك ( وانات wanat )
الذي حدث في 13 تموز 2008م والذي يعتبر
نقطة خلاف هامة، حيث قتل فيها تسعة
مظليين أميركيين و 27 جريحاً والعديد من
الجنود الأفغان بالإضافة إلى المدنيين.
يرى
السيد ويسنتن أن نوعين من المعلومات
يمكن أن تقدم بعض الفائدة : القطعة
العسكرية والتعليمات الاستراتيجية .
فقد كان هناك ارتباطات بين مجلس قيادة
الحرب والقادة المحليين وتتحدث
التقارير عن اللقاءات التي كانت تجري
بين هؤلاء المسؤولين الأميركيين
والقادة الأفغان المحليين ،كما تقدم
فكرة عن الجوالعام في مناطق القتال . ويكيليكس
لم تكشف سوى ستة عشر ملفاً من أصل 92 ألف
ملف. بالنسبة
للكشوفات كانت بعيدة جداً عن «أوراق
البنتاغون» التي كشفت بالتفصيل عن قصة
الحرب التي استمرت حتى عام 1969م وكانت
تضم سبعة آلاف ورقة من بينها مذكرات
لمسؤولين رفيعي المستوى في البيت
الأبيض ،والمخابرات الأميركية وأركان
الحرب ... ورسائل ديبلوماسية،وتحاليل
سرية للغاية. تكشف
هذه الوثائق عن تهكم سلطة اعتمدت
الأكاذيب والحيل المحكمة لإقناع
مواطنيها بشرعية أعمالها. كذلك
مخططات سرية لليندون ب .جونسن لتوسيع
الحرب عام 1964م بينما كانت قد وعدت
علانية عكس ذلك . كان
البيت الأبيض غالباً واثقاً من بطلان
النصر مع ذلك كان يتابع الحرب لعدم
قدرته على الخروج من الفخ الذي وضع
نفسه فيه. كانت
قد أثبتت «أوراق البنتاغون» عن
الآليةالمطلقة للأكذوبة السياسية .
أما التقارير الروتينية ل ويكيليكس
فإنها تظهر الأكاذيب اليومية الخاصة
بالحرب حيث تخفي ( أميركا) آلياً
أخطاءها وجرائمها ، التي غالباً تكون
مبتذلة بشناعة: كقتل أصم في مركز تفتيش
لعدم سماعه الأمر ( في 21 آذار 2007م) ،قصف
مدنيين بعد تلقي أمر خاطئ ( 3 أيلول 2009م)
...إنه الروتين.. في 27
تموز كتبت ويندي وولف وهي قارئة لصحيفة
النيويورك تايمز: « إن المشهد الأكثر
إيلاماً في هذه الملفات السرية أنها لم
تشكل لناصدمة» . في بعض
الأحيان يقدم لنا ويكيليكس معلومة أن
الجيش كان يسمع اختبئوا، مثل استخدام
طالبان الفعّال لصواريخ أرض- جو بتوجيه
أشعة تحت الحمراء ضد طائرة هليكوبتر
أميركية، لكن في نهاية المطاف يقول
المؤرخ في صحيفة الواشنطن بوست أوجين
روبنسون: «كان يترتب عدة براهين عن
اللعبة المزدوجة في الصفوف
الباكستانية. وكان من المعروف أن قوات
التحالف كانت تردي ضحايا في صفوف
المدنيين، فالحكومة الأفغانية كانت
فاسدة فعلاً». أخيراً،
لا تكشف هذه الوثائق عن أكاذيب دولة
نظامية كما هو الحال بالنسبة لجورج
دبليو بوش وأسلحة الدمار الشامل في
العراق. في
حوار على محطة راديو (فري أوروب) في 30
تموز الماضي لم يتردد الناطق باسم
ويكيليكس (جوليان أسانج) بإحداث تقارب
بين «أوراق البنتاغون». في الواقع
الرجل الذي كشف تلك الملفات قبل أربعين
عاماً يؤكدأن «التشابه قوي» فيما
بينها. يقول
فرانك ريتش من صحيفة النيويورك تايمز:
«لا تحتوي صحف الحرب هذه أي معلومة
قوية». وإن أوراق البنتاغون صدقت على
ما كان يسمى توجّهاً». إن كان
الخبراء لا يعيرون قيمة للوثائق
المكشوفة ذلك لأن النظرة التي تحملها
الجماعات في الحروب غالباً تؤكد عدم
أهمية المرتبة. غالباً لا تتعلق النقاط
السوداء بجرائم حرب حقيقية، إذ إن ما
يهم هو تخفيف عدد الضحايا المدنية قدر
الإمكان. يعارض
الجدل هؤلاء الذين سرعان ما ينسون
وثائق ويكيليكس ما لم تدعمها بيانات
جديدة. وهؤلاء الذين وصفوا الاحتلال
العسكري أنه يعني لهم أكثر من العجز
الاميركي وتحليلات الخبراء. أوجين
روبنسون كشف بعضاً من محتويات كشوف
ويكيليكس لكنه يكتب حول هذه الوثائق
بقوله : « لا تعلّمنا شيئاً آخر غير
أننا نعبث حين نحاول أن نقود حرباً ضد
ثورة في قلب أمة عرفت ألفي عام من
تقاليد مقاومة عنيدة في وجه مجتاح
أجنبي». الحقيقة،
الجدل الاميركي الحقيقي يعارض هؤلاء
الذين يؤمنون بالانتصار والذين لا
يؤمنون به و لن يؤمنوا به. ======================= الافتتاحية الأربعاء
25-8-2010م بقلم
: رئيس التحرير - أسعد عبود الثورة من
الصعب الدفاع عن أي شيء أنتجته «أوسلو»..
بل هو من المستحيل. سلسلة من التنازلات
الكارثية دون أي مقابل.. وعلى هامش ما
حصل تمت تصفية مئات من قادة النضال
والمقاومة الفلسطينية وتحطمت بنى
ومؤسسات بناها الفلسطينيون بالكدّ
والجهاد. إذا
كان المأزق الخطير الذي تواجهه السلطة
الفلسطينية اليوم هو من متتاليات
أوسلو، فإن ذلك لا يمكن أبداً أن يعفي
الدول العربية من مسؤوليتها. لنقل
بصراحة.. إن الدول العربية في مجلس
الجامعة، دفعت بالسلطة دفعاً إلى
المفاوضات المباشرة عبر موافقة من جهة
ليست ذات اختصاص «لجنة متابعة
المبادرة العربية» مذكراً -ولا بد-
بالتحفظ السوري المتكرر دائماً، من
معيار أولي هو هذه النقطة تحديداً «أن
اللجنة لا يقع في إطار مهمتها أن توافق
للسلطة على خوض المفاوضات المباشرة مع
إسرائيل..». الأمين
العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى..
وصف التحفظ السوري بالموقف الصحيح منذ
البداية.. واليوم يؤكد: أن نتنياهو غير
جاد في المفاوضات، كما نقلت عنه جريدة
البناء اللبنانية. ماذا
يعني «غير جاد بالمفاوضات».. يعني أن
العرب تبعوا السلطة وكأنهم يسوقونها
إلى متاهة جديدة لم تكن بحاجة لها
أبداً. مرة
ثانية نقول: السلطة
كانت أكثر من موافقة .. بل هي ساعية.. وهي
التي طلبت هذه الموافقة محاولة
الاستفادة منها في تشكيل غطاء ما على
تنازل جديد أمام إسرائيل، حالمة
بضمانات أميركية توصلها إلى نتائج
مرضية.. وها هو الموقف الأميركي يكشف عن
تطمينات وليس ضمانات.. ولا ضغط على
إسرائيل بل على الفلسطينيين!! فإلى
أين تتجه عربة السلطة عبر المفاوضات
المباشرة.. المسألة
خطرة.. ومحرجة وتصلح لأي شيء إلا
الشماتة والتندر.. وأكثر ما تصلح له هو
موقف عربي حقيقي يظهر على الأقل صلاحية
العرب لاتخاذ موقف. إذا
كان العرب.. إذا كانت جامعة الدول
العربية.. هم الذين شكلوا غطاء مزعوماً
للسلطة الفلسطينية للاتجاه إلى
مفاوضات مباشرة مع إسرائيل في ظل أجواء
بالغة السوء لأي مفاوضات.. متجاوزة
التحفظ السوري.. لماذا لا يقوم العرب
اليوم بسحب غطائهم الوهمي لمنع هذا
التردي في احتمالات المفاوضات.. ولن
يتحفظ على ذلك أحد..؟! إن أي
أمل في المفاوضات المحتملة للسلطة مع
إسرائيل لا يمكن أن يستند إلا على
الوهم.. وعلى العكس من أي احتمال لخطوة
في اتجاه الحل.. ستكون هناك خطوات تراجع
-إن بقي مجال للتراجع- من أميركا
وإسرائيل رغم حفلة واشنطن العتيدة
بحضور مصر والأردن. هل
يستطيع الأمين العام لجامعة الدول
العربية وهو الذي يرى ما يراه أن يخلي
مسؤوليته أمام ضميره القومي.. فيوجه
دعوة للدول العربية لإعادة قراءة
موقفها من مفاوضات مباشرة بين السلطة
وإسرائيل.. وعدم الإلقاء بتبعية هذا
التوجه الكارثي على السلطة وحدها التي
تمضي فيه رغم الصوت الفلسطيني صوت
القوى والفصائل الفلسطينية المتعالي
باستمرار والرافض لهذه المفاوضات
المأساوية؟! يجب أن
يكون هناك موقف عربي مما يجري!! ولن
ينفعهم أمام التاريخ التلطي خلف عبارة
«هو قرار فلسطيني..» ألا يرون أنه حتى
ليس قراراً فلسطينياً.. ما الذي ننتظره..؟!
هل
أخفت إسرائيل ما يترك للعرب فرصة
التلطي خلف احتمال ما؟! ألم
تقل بوضوح: دولة
يهودية.. استيطان دائم.. تصفية القضية؟!.
======================= هل
يتحدّث الأميركيون عن العراق... أم عن
بلد آخر؟ خيرالله
خيرالله الرأي
العام 25-8-2010 ما
الذي يجري في العراق، هل يتحدث
الأميركيون هذه الأيام عن العراق
والوضع السائد فيه أم أنهم يتعاطون مع
الواقع القائم في بلد آخر، هل من أمل في
تحسن الوضع فيه أم أن المواقف
المتناقضة مما يدور في هذا البلد،
خصوصاً المواقف الأميركية الغريبة
تؤكد أن لابدّ من الانتظار قليلاً، أو
ربما طويلاً، قبل أن يتجاوز العراق
ومعه المنطقة ما يمكن وصفه بأنه مرحلة
انتقالية أكثر من أي شيء آخر. كان
السيد نوري المالكي رئيس الوزراء
العراقي المنتهية ولايته في غاية
الصراحة عندما دعا الجيش العراقي قبل
أيام إلى التخلي عن «الطائفية
والعشائرية والمناطقية»، وإلى أن يكون
جيشاً لكل العراقيين ولكل العراق. دعا
أيضاً قادة الجيش العراقي إلى «تنفيذ
كل المهمات الأمنية وعدم انتظار تأليف
حكومة جديدة». كلام المالكي يعني بكل
بساطة أن هناك بالفعل مشاكل كبيرة
تعترض تحول الجيش العراقي إلى جيش وطني.
كذلك، يعني هذا الكلام أن الأمن في
العراق لا يمكن أن ينتظر تشكيل حكومة
جديدة في أسبوع أو شهر أو عام... أو ما
يزيد على ذلك. ولعل
ذلك ما دفع رئيس الأركان الفريق أول
بابكر زيباري إلى أن يكون أكثر صراحة
وأكثر واقعية من رئيس الوزراء
المنتهية ولايته. قال زيباري ان الجيش
العراقي لن يكون جاهزاً لتولي مهمات
حماية البلاد داخلياً وخارجياً قبل
العام 2020، أي أنه لابدّ من انتظار عقد
من الزمن كي يصبح الجيش جاهزاً، وكي
يكون قادراً على تأدية الدور المطلوب
منه على الصعيد الوطني. بين
صراحة المالكي وواقعية زيباري، قدم
مسؤولون أميركيون عرضاً متفائلاً
بالوضع العراقي رغم أن البلد من دون
حكومة منذ ما يزيد على خمسة أشهر، كما
أن هناك زيادة حادة في عدد القتلى من
المدنيين في يوليو الماضي. جاءت تلك
الزيادة في وقت تسعى الدوائر
الأميركية إلى اخفاء العدد الحقيقي
لضحايا العنف والإرهاب وكأن المطلوب
في الوقت الراهن تبرير الانسحاب
الأميركي المحدود من هذا البلد وانهاء
المهمات القتالية آخر الشهر الجاري،
بأي ثمن كان، وجعل الوجود العسكري فيه
مقتصراً على تدريب القوات العراقية،
وذلك حتى آخر العام 2011. انها سياسة لا
علاقة لها بالواقع تدل على أن
الأميركيين مصممون على الانسحاب من
العراق وتركه فريسة للمشاكل التي
خلفها غزوهم لذلك البلد. لذلك لم يتردد
بن رودوس نائب مستشار الرئيس باراك
أوباما لشؤون الأمن القومي في القول ان
العراق «في مسار إيجابي». بدا المسؤول
الأميركي الكبير وكأنه يتحدث عن بلد
آخر! ارتأى
قائد القوات الأميركية في العراق
الجنرال راي اوديرنو المزايدة على
رودوس فقال: «ان شهر يوليو 2010 كان ثالث
أقلّ الأشهر عنفاً منذ يناير من العام
2004». ردد اوديرنو هذا الكلام في واشنطن
على مسمع أعضاء مجلس الأمن القومي في
حضور أوباما رغم من أن كل الأرقام
الموثقة تشير إلى أن الشهر الماضي كان
من اسوأ الأشهر في العراق على الصعيد
الأمني، وأن ليس ما يشير إلى أن موجة العنف
تنحسر، خصوصاً في ظل انسداد الأفق
السياسي في البلد. عندما
رد رئيس الوزراء العراقي المنتهية
ولايته على رئيس الأركان محاولاً
التخفيف من وقع تصريحاته التي يؤكد
فيها أن الجيش العراقي ليس جاهزاً، ولن
يكون جاهزاً قبل عشرة أعوام، جاء كلام
المالكي، عن قصد أو غير قصد، داعماً
لرأي الفريق أول زيباري، بل أكثر
تشاؤماً منه. ما العمل بجيش يعاني من «الطائفية
والعشائرية والمناطقية» باعتراف
الرجل نفسه الذي يتزعم حزباً مذهبياً
من جهة ويعتبر أن من حقه تشكيل الحكومة
العراقية الجديدة رغم من أن حزبه حلّ
ثانياً في الانتخابات الأخيرة من جهة
أخرى. يمكن
فهم واقعية رئيس الأركان العراقي.
كذلك، يمكن فهم كلام المالكي الذي
يتضمن مجموعة من التناقضات، خصوصاً
عندما يطلب من الجيش أن يكون لجميع
العراقيين فيما يعاني هذا الجيش من
أمراض قاتلة. في النهاية، يريد رئيس
الوزراء العراقي المنتهية ولايته
تأكيد أن لديه مهمة وطنية وأنه سيسعى
لدى إعادته إلى موقع رئيس الوزراء إلى
معالجة الأمراض التي تعاني منها
القوات المسلحة العراقية... ما دام حدد
طبيعة هذه الأمراض. ما لا
يمكن فهمه هو التفاؤل الأميركي
المبالغ به بمستقبل بلد لم يستطع حتى
إعادة بناء أي مؤسسة من مؤسساته رغم من
مرور أكثر من سبعة أعوام على سقوط
النظام العائلي- «البعثي» الذي أقامه
صدّام حسين. كل من يزور بغداد أو البصرة
هذه الأيام يعود بانطباع واحد. هذا
الانطباع يتلخص بأن المدينتين
الكبيرتين تحولتا فعلاً إلى مزبلتين،
بل انهما مدينتان تعومان على مزبلتين.
النفايات في كلّ مكان، ولا ماء ولا
كهرباء في عاصمة الرشيد وعاصمة الجنوب
العراقي التي كانت في الماضي منارة من
منارات منطقة الخليج كلها. المنطقة
الوحيدة في العراق التي فيها حياة
طبيعية هي المنطقة الكردية. وهذا عائد
إلى أن الأكراد أخذوا أمورهم بيدهم
وقرروا إقامة جيشهم والمحافظة على
الأمن والنظافة في منطقتهم بوسائلهم
الخاصة. أين
النجاح الأميركي، وكيف يمكن الحديث عن
أن «العراق في مسار إيجابي». هل
المطلوب فقط احترام مواعيد الانسحاب
لأسباب مرتبطة بالانتخابات الأميركية
في نوفمبر المقبل، هل مصدر الإيجابية
أن العراق في طريقه إلى أن يقسّم ويصبح
ثلاثة كيانات في أفضل الأحوال، هل هناك
أهداف أميركية غير معلنة من بينها
الانسحاب عسكرياً في أقرب وقت إلى
مواقع محصنة بعيدة عن المدن من أجل ألا
يكون أفراد القوات الأميركية في
العراق مجرد رهائن لدى إيران في حال
تعرضها لهجوم ما قبل نهاية العام
الحالي؟ الأمر
الوحيد الأكيد أن الموقف الأميركي من
العراق محير. ربما كان التفاؤل التعبير
الأفضل عن مأزق عميق عائد إلى عجز
إدارة أوباما عن التعاطي مع التركة
الثقيلة لجورج بوش الابن لا أكثر ولا
أقل! كاتب
لبناني مقيم في لندن ======================= أدبيات
أميركية تشيع الهلع من «أورابيا» (أوروبا
العربية والمسلمة) الوشيكة الاربعاء,
25 أغسطس 2010 جوستان
فايس * الحياة تروج
في الولايات المتحدة أدبيات تزعم أن
الإسلام على وشك السيطرة على أوروبا،
أو أن أوروبا تخسر يوماً بعد يوم
هويتها العربية جراء «غزو» المهاجرين
المسلمين. وتتساءل هذه الأدبيات: هل
تبقى أوروبا أوروبا من غير أوروبيين؟
وتجيب، على شاكلة جواب كريستوفر
كالدويل، صحافي ال «فايننشيل تايمز»
وال «ويكلي ستاندرد»، في ملخص كتابه «آراء
في الثورة في أوروبا» (2009) ب «لا».
وتُشيع الأدبيات مقدمات خاطئة تتناول
السكان، واجتماعيات الجيل المولود من
المهاجرين، والهوية الإسلامية. وكالت
الصحافة الأميركية الوطنية أو
الاتحادية والصحف والدوريات
الليبرالية المديح لكتاب كالدويل. وتتوسل
حجج الكاتب بتحريف الوقائع، وسردها
على نحو يدخلها في أحكامه. فإذا تناول
اضطرابات الضواحي الفرنسية في 2005، زعم
من غير دليل أن الشبان الذين أحرقوا
السيارات يومها «يميلون الى الجهاد»،
وانهم «منخرطون في النضال في سبيل
القضية العربية بالعراق وأفغانستان
وفلسطين». ويخالف تعليل الكاتب معظم ما
لاحظه المراقبون والدارسون
الميدانيون. فهؤلاء استبعدوا اضطلاع «الجهاديين»
بدور راجح أو ضعيف في الاضطرابات،
وعللوها بعوامل ملموسة وبنيوية مثل
عنف الشرطة باعثاً على بدء
الاضطرابات، والتمييز الاجتماعي و «القومي»
(الاثني)، وكثرة فئة الشبان قياساً على
فئات السكان الأخرى، والبطالة. ويقول
كالدويل أن مرجع رأيه وسنده هو تقرير «كرايزيس
غروب»: «فرنسا بإزاء مسلميها:
الاضطرابات والجهاد وترك السياسة».
والحق أن التقرير يقول خلاف ما يزعم
الكاتب أنه يقول. فهو يلاحظ ان اسلام
بعض الشبان «شيخي»، على تمييز جيل
كيبيل، ويدير ظهره تماماً للحياة
العامة والسياسة، على خلاف النزعة
الجهادية وميلها الى الإرهاب وليس الى
النفخ في الاضطرابات والانتفاضات «الاجتماعية». ويزعم
كالدويل أن حوادث التخريب التي طاولت
مرافق يهودية، مثل الجبانات والهياكل،
وبعض اليهود، غداة أيلول (سبتمبر) 2000 هي
في معظمها من فعل فرنسيين وأصول
مغاربية. وقدرت الشرطة، على الضد من
هذا الزعم، أن حصة المسؤولين عن أعمال
التخريب والتهديد من ذوي الأصول
المغاربية، أو «العربية - الإسلامية»
عموماً، استقرت على 20 الى 40 في المئة من
هذه الأعمال غداة العام 2000، نظير 50 في
المئة من أعمال مجهولة المصدر
والمسؤولية، و15 الى 35 في المئة يُسأل
اليمين المتطرف عنها. والفرق ليس
كبيراً، وثمة قضية على قدر لا يستهان
به من الخطورة، ناجمة عن انتشار أفكار
وأحكام معادية للسامية في بعض الأوساط.
وتعمد بعض المبالغة في تناول مسألة من
هنا، ومسألة من هناك، ينتهي الى تقرير
حال العلاقات الاجتماعية في فرنسا
تقريراً غير صحيح ولا صادق. ويقرر
كالدويل أن غالبية نسبية من
المقترعين، في استفتاء 2005 على
المعاهدة الدستورية الأوروبية، تذرعت
برفضها ضم تركيا الى الاتحاد
الأوروبي، واقترعت ب «لا» على
المعاهدة. والحق أن «اورو بارومتر» (هيئة
استطلاع آراء الأوروبيين) أحصت 6 في
المئة من المستفتين عللوا اقتراعهم
برأيهم في ضم تركيا، ولم يخصصوا
الإسلام سبباًَ في الرأي هذا، والى
هذا، يغفل صاحب «آراء في الثورة في
أوروبا» العناصر الإيجابية التي تبرز
اللوحة في حلة أقل قتامة. فهو يسكت عن
نجاح حقيقي في دمج المهاجرين الى
أوروبا في بعض مجتمعاتها، وعن بعض
القبول الأوروبي بالإسلام جزءاً من
الحياة الأوروبية العامة. وفي عدد من
البلدان الأوروبية يتبوأ أولاد
مهاجرين، كان أهلهم في أدنى درجات
السلم الاجتماعي، مكانة عالية. وتقاوم
هذه المجتمعات التمييز «القومي» من
طريق منظمات مدنية كثيرة. وصاحب
الكتاب نفسه يُلمِح فجأة، من غير قصد،
الى شيء مثل «طبقة متوسطة مسلمة»، لم
يسبق أن انتبه اليها في صفحات كتابه
المتقدمة. ويغضي النظر عن تقدم أحرز في
مسألة المساجد. فبناء المساجد كان، في
ثمانينات القرن العشرين وتسعيناته،
متعذراً، ويحول دونه تحفظ البلديات في
المدن الفرنسية. فيضطر المسلمون الى
الصلاة في الأقبية والمرائب. ويومها
نبه نيكولا ساركوزي الى أن إذلال جماعة
من الجماعات يؤدي غالباً الى تطرف
الجماعة. وفي العقد الأخير، أتاح حوار
الفرنسيين المسلمين والهيئات البلدية
والإدارية الاتفاق على بناء مصليات
ومساجد كثيرة. والحق ان الردود العنيفة
والحادة، الوطنية، على ظهور المسلمين
في المشهد الأوروبي، من ناحية،
وانكفاء المسلمين على جماعاتهم، من
ناحية أخرى، يتهددان العلاقات
الإسلامية والأوروبية بالانفجار. ولم
يزعم أحد أن ولادة إسلام أوروبي مسألة
يسيرة، وأن طريقها خالية من المعوقات.
ولكن كتاباً مثل كالدويل ينكرون «تاريخية»
الوقائع التي يتناولونها، وملابستها
أوقاتاً وأحوالاً بعينها. فهم ينسبون
وقائع اندماج المهاجرين وأولادهم في
المجتمعات الأوروبية، ومعوقاتها
ومشكلاتها، الى استحالة أبدية لا علاج
لها، ولا تقارن بسابقة ولا بأشباه.
والحق أن تاريخ البلدان الأوروبية هو
نسيج سوابق «فريدة» من الضرب نفسه،
وتحديات جَبَهت بناء الدول ووحدتها،
ولم تكن معالجتها يسيرة. فعلى زعم
كالدويل وأمثاله، فجأة صارت الحال لا
تطاق، والسماء توشك أن تطبق على الأرض. ويسكت
كالدويل، ومن يرون رأيه عن فداحة
التمييز والعنصرية، وعن آثارهما في
المهاجرين ومجتمعاتهم. فهم لا
يُلمحون، ولو من طرف خفي، الى مشكلات
التمييز والعنصرية. ويرى كالدويل أن
الحاح بعض الأوروبيين في هذا المضمار
هو قرينة على ضعف الأوروبيين، ومرآة
شعور بالذنب ومراجعة ضمير عالمية
ثالثة يتوسل بها المهاجرون وأولادهم
الى ابتزاز الأوروبيين. وتحمل البطالة
المستشرية وكثافة المهاجرين والفقراء
في أحياء ومناطق بعيدة من المراكز
المدينية والعلاقات المأزومة بالشرطة
على سمات اسلامية. ويقدر
بعض زملاء كالدويل وأصحابه أن أوروبا
على وشك التحول أوروبا عربية («أورابيا»)
في غضون جيل واحد. ويتحفظ كالدويل عن
توقيت التحول بجيل واحد. ولكنه، شأن
زملائه، يزعم ان عدد المسلمين في
أوروبا يضارع عدد الإيرلنديين الذين
حلوا بوسطن في النصف الثاني من القرن
التاسع عشر، وغلبوا على المدينة
وهويتها. ويقدر
عدد المسلمين في أوروبا الغربية ب 18
مليوناً، ويرجح بلوغهم 25 الى 30 مليوناً
في 2025. والأرقام هذه، على رغم
مبالغتها، متواضعة. فهي تقدر نسبة
المسلمين في أوروبا الغربية أو
الاتحاد الأوروبي الى جملة السكان ب 5
في المئة. وقد تنتج مشكلات محلية عن
تخطي هذه النسبة. ولكنها لا تعني أن
هوية أوروبا في خطر. والإحصاء اجتماعي،
ولا يتناول أصحاب الاعتقاد والإيمان.
وهؤلاء أقل من الذين يحصون على معيار
النسب والتحدر، وليس على معيار
الاختيار، بنحو الثلث. والهجرة
من بلدان معظم سكانها مسلمون الى
الاتحاد الأوروبي (500 مليون) تناقصت الى
500 ألف في السنة. وعلى هذا فالمهاجرون
في السنة الواحدة هم 0.2 في المئة من
السكان. ولن يلغي فرق الخصوبة
والولادات الهوة بين الكتلتين. ويلاحظ
ان خصوبة مهاجرين الجيل الثاني هي
نفسها خصوبة عموم السكان، وأقل كثيراً
من خصوبة جيل الآباء والأمهات الأول. والأدبيات
الأميركية التي تتناول «أورابيا»
تتكاثر. والى الأعوام الأخيرة من القرن
العشرين (1990 - 2000) دارت المناقشات
والخلافات على السياسة الخارجية (الاتحاد
السوفياتي) والاتحاد الأوروبي (وبيروقراطيته
غير الديموقراطية) والأنظمة
الاجتماعية العقيمة. والفصل
الجديد هو «الاستعمار الإسلامي». فحل
المسلمون محل الأوروبيين - الشيوعيين،
وحلت البلدان الإسلامية محل الشيوعية.
وفي كلتا الحالين موضوع النزاع هو
أوروبا الضعيفة وحليف أميركا الهش. وشطر
راجح من الجمهور ينصرف عن كتابات جادة
وموثقة في الإسلام، مثل أعمال جيت
كلاوسين وجون بوهين وجوناثان لاورنس
وجوسلين سيزاري، ويصدق أعمالاً مرتجلة
ومتسرعة ومغرضة مثل تلك التي كتبها
بروس باوير وولتر لاكور وبرنارد لويس
وبروس ثورنتون ومارك ستاين وكلير
برلينسكي وطوني بلانكلي وبات بوكانان
وساهم كتاب أوروبيون في إشاعة الرأي
هذا، منهم أعيان هيرسي علي وأوريانا
فالاتشي وميلاني فيليبس وبات ييئور (جيزيل
ليتمان). وتعليل الظاهرة يقود الى 3
افتراضات: -
الأول هو يسر تفسير الانعطافات
الاستراتيجية الكبيرة بصدام
الحضارات، وعلى الأخص صدام الإسلام
بالحضارات الأخرى. والمثال هذا يجمع في
إطار واحد وضيق الإرهاب والحرب في
أفغانستان والعراق والاضطرابات
المدينية في فرنسا والتمرد في تايلندا.
وأوروبا، والحال هذه، هي ذاكرة الغرب
وطليعته أو حصنه الأمامي. ويصبح في
الميدان الأوروبي اليوم ما صح فيه
أثناء الحرب الباردة من ضعف ورخاوة
وتسليم. وعلى أميركا تعويض الثغرات
الأوروبية وتداركها. -
والافتراض الثاني هو استجابة هذه
الأدبيات نازعاً الى استعادة صفاء
عرقي أصلي أوروبي أفسدته الهجرة. -
والحنين الى الصفاء الأوروبي المفترض
في وسع الكتّاب الأميركيين الإعراب
عنه، وقصره على أوروبا. ويستحيل هذا في
أميركا حيث الاختلاط العرقي مُسَلَّمة. -
والافتراض الثالث هو إضمار نظرة الى
أوروبا تحملها على «متحف» ينبغي ألا
يخالط المسلمين، وألا يخالطه هؤلاء،
على خلاف «المزيج» الأميركي الذي نقدم
الكلام عليه. ويمثّل على هذا وصف
كالدويل وصفاً مروَّعاً لشمال بيازّا
ديلا ريبوبليكا بتورينو، ومعارضة مشهد
مديني لم يطرأ عليه تغير منذ
الإمبراطورية الرومانية، وتنهض
الأسوار بوجه البرابرة (كذا) آية عليه،
بحي مغربي متداعٍ. وتنشر
الأدبيات هذه صورة محرَّفة ومشوهة عن
تحديات حقيقية ناشئة عن الهجرة. ولكن
الأدبيات تبث القلق والخوف، وتدعو الى
خلاف التعقل والمعالجة المدروسة. وهي
تنكر الإجراءات البطيئة والعسيرة التي
تتولاها السياسات الأوروبية الساعية
في دمج جاليات المهاجرين في مجتمعاتها
من غير تعسف ولا افتعال. *
باحث في «بروكينز انستيتيوشن»، عن «إسبري»،
1/2010، إعداد وضاح شرارة ======================= عالم
ما بعد الانتشار النووي لا يستبعد
الحروب الذرية المحدودة الاربعاء,
25 أغسطس 2010 روبرت
كابلن * الحياة أوراسيا
اليوم، من البحر المتوسط الى بحر
اليابان، هي في مثابة حزام متشابك من
الصواريخ الباليستية المتفاوتة
القدرات، بدءاً بصواريخ إسرائيل
وسورية وإيران وباكستان والهند
والصين، وصولاً الى صواريخ كوريا
الشمالية. وعدد كبير من الدول هذه حاز
السلاح النووي أو يسعى في حيازته. وقلة
منها أرست نظاماً بيروقراطياً محكماً
يحول دون استخدام الأسلحة هذه. ويهيمن
متدينون متطرفون على الدول هذه. ولذا،
يبدو أن احتمال وقوع حروب نووية محدودة
النطاق راجح، في القرن الراهن. وفي
كتابه «نوكليير باور وفورين بوليسي» (القوة
النووية والسياسة الخارجية) الصادر في
1957، سلّط هنري كيسينجر الضوء على هذا
الضرب من الحروب. فهو طعن في الفكرة
القائلة أن السلام هو الغالب على
العلاقات بين الدول، وأنه مثالها
البديهي. واستبق
كيسينجر بروز العالم المتصل الذي تبعث
فيه الايديولوجيات الاضطراب. وكتب «العلاقات
الدولية صارت شاملة... ولم يعد ثمة
مناطق معزولة... ومراراً وتكراراً،
تبرز دول تعلن أنها ترمي الى تدمير
بنية النظام السائد، وتغيير وجهه...
والدول التي تستهدفها الحملات هذه تقف
موقف المتفرج أو لا تبالي بالمخاطر، في
وقت يُقوض التهديد ميزان القوى».
وحيازة الأسلحة الذرية تسمح للأمم
بتغيير ميزان القوى الإقليمي أو
العالمي من غير اجتياح أو إعلان حرب،
على ما نبّه كيسينجر. ولكن
هل تصير إيران النووية قوة ثورية خطيرة
كما كان الاتحاد السوفياتي في منتصف
القرن العشرين؟ وكيف تتصدى الولايات
المتحدة للمخاطر الإيرانية والكورية
الشمالية وغيرها من القوى الثورية
المقبلة التي تسعى في توسل السلاح
النووي لقلب موازين القوى وال «ستاتو
كو»؟ وفي 1957، رأى كيسينجر أن قوى «الستاتو
كو» ستبذل جهدها لدمج القوى الثورية،
وهي باعثة الاضطراب، في النظام
القانوني. وتحليل كيسينجر، على قِدمه،
في محله ولم يطوه الزمن ولم يكذبه
التقادم. فالقوى الكبرى تستسيغ
المفاوضات لتذليل الخلافات، في وقت
ترى القوى الثورية أن المفاوضات شأن
الاتفاقات هي وسيلة لتقطيع الوقت
وتمريره في مرحلة مساومات ظرفية تمهد
لمواصلة النزاع. وهذا ما فعلته كوريا
الشمالية. فهي استخدمت وعد التخلي عن
قدراتها النووية وسيلة مفاوضات لتخفيف
قيود العقوبات والحصول على النفط. وقال
لي كيسينجر أن المشروع النووي
الإيراني انتزع لطهران دوراً في
المنطقة لا يناسب حجم قوتها الحالي. وعلى
رغم أن ايديولوجيا إيران وبرنامجها
العسكري يتهددان نظام الشرق الأوسط،
لا تضاهي مخاطر قوتها تهديد الاتحاد
السوفياتي، في خمسينات القرن المنصرم.
ودعا كيسينجر الى الحؤول دون حيازة
إيران السلاح النووي. ففي جعبة
الولايات المتحدة معادلات ردع مختلفة
تأخذ في الاعتبار أوجه النزاع
المختلفة، أي المواجهة بين إيران
وإسرائيل، والمواجهة بين إيران والعرب
السنّة، وإيران والمعارضة الداخلية،
والإسلام في مواجهة الغرب. وأوجه
النزاع هذه تتفاعل، إذا برزت إيران
نووية، وترفع حدة الأزمات في الشرق
الأوسط، على ما يرى مستشار الأمن
السابق في ولاية الرئيس نيكسون. وأدعو
الولايات المتحدة الى الترحيب بتعزيز
الدور الشيعي بالشرق الأوسط، إذا تغير
واقع الأحوال السياسية في إيران، ولو
تغيراً طفيفاً. وهذا متوقع في المدى
المتوسط والبعيد، على ما تشير
المؤشرات السكانية والثقافية. واحتواء
إيران نووية هو أنجع السياسات
المتوافرة. ويرتبط نجاح سياسة
الاحتواء بالعوامل الإقليمية، وهو رهن
قرن الولايات المتحدة سياسة مواجهة
إيران نووية بمخاطر عملية عسكرية
فعلية. فالردع النووي لا يُرسى إلا إذا
استعد طرف ما لأخذ مجازفات كبيرة.
ويعرف كيسينجر من تجربته الشخصية أن
المزاج السياسي الداخلي يلجم عزم
الولايات المتحدة على المخاطرة. وواجه
الأميركيون مشكلات في التعامل مع
الحروب المحدودة، وهي النزاعات التي
تقرر فيها دولة لأسباب سياسية عدم
استخدام كل أسلحتها. ففي حرب كوريا،
ارتضت الولايات المتحدة بلوغ بعض
أهدافها. وفي حرب فيتنام، أراد قسم من
الأميركيين خسارة الحرب لتطهير روح
أميركا، وضمان خلاصها. وهذه كانت حالهم
في حرب العراق. والحروب
لا تخاض لصوغ خطة انسحاب فحسب. ويخلص
كيسينجر الى أن بلاده لا يسعها خوض حرب
جديدة ما لم تعرف أن الفوز من نصيبها.
ورفض الولايات المتحدة خوض الحروب
المحدودة يُضعفها. وحريّ بنا أن نرتضي
احتمالات الحرب المحدودة واحتمالات
حرب محدودة نووية بين دول. واحتمالات
اندلاع حروب محدودة نووية راسخة في
عالم خسر ردع الدمار الشامل المتبادل
وقيده. واللجوء، ولو على مضض، الى حرب
محدودة قد ينقذنا من براثن قوى ثورية،
منها إيران، تتستر على نياتها. *
معلق، عن «أتلانتيك» الأميركية، 9/2010،
إعداد منال نحاس ======================= منظومة
الفساد بوصفها أعمق وأقوى من السياسات... الاربعاء,
25 أغسطس 2010 إبراهيم
غرايبة * الحياة ثمة
حاجة لإدراج الفساد موضوعاً للعلم
والتدريس مثل «الجريمة والمخدرات» على
سبيل المثال، وأن يتشكل وعي مجتمعي
وثقافي للمسألة، لأنها ليست عمليات
ساذجة وبسيطة يمكن إدراكها بسهولة،
كما أنها أيضاً ليست فنوناً ومهارات
معقدة لا يعرفها إلا الراسخون، ولكن
الفساد منظومة من الإجراءات والسياسات
والثقافة والسلوك يمكن السيطرة عليها
ومواجهتها، ليس فقط بالإجراءات
المشددة، ولكن بالوعي المجتمعي
والثقافي والإداري والقيادي. لقد
ثبت دائماً أن التشدد الزائد في
الإجراءات والسياسات والعقوبات في
مواجهة الفساد يؤدي إلى المزيد منه.
فالمؤسسات العامة والخاصة والمجتمعات
تعمل في بيئة من القوانين والسياسات
والثقافة والقيم والأخلاق، وما يتقبله
الناس من الفساد تصعب مواجهته
بالقوانين والعقوبات، وما يرفضونه
ويجمعون على مواجهته تسهل مواجهته
والقضاء عليه. ويبدو
لي أننا نمتلك رغبات ونيات حسنة،
ومؤسسات وخبرات وتشريعات متقدمة
وكافية في مواجهة الفساد أو الوقاية
منه. ولكن الانطباع السائد أننا نعاني
حالة فساد تضر بالقاعدة الأساسية
للعدالة والأعمال والتنافس، ولم تنجح
المؤسسات والتشريعات والجهود
والأموال المبذولة في تحقيق شعور
بالثقة والعدالة والرضا حول الاختيار
والتوظيف والعطاءات والتنافس على
الفرص، وذلك يصيب الموارد والنمو
الاقتصادي بضرر كبير. والأسوأ
من ذلك بكثير أنه يلحق ضرراً بالغاً
بالنسيج الاجتماعي والثقافي، ويضعف
الأداء العام للمؤسسات كلها، سواء في
القطاع العام أو الخاص أو المجتمعي،
لأنه وببساطة لا يمكن الاعتماد الكامل
على القوانين والرقابة والمتابعة
والشكاوى في مواجهة الفساد. فتلك
منظومة للوقاية والردع والمحاسبة
وليست للتنظيم والإدارة. فالأعمال
تؤدّى وفق تقاليد عمل روتينية وسائدة
ويجب ان تكون معروفة ومتفقاً عليها بين
الإدارة العامة والمواطنين، وأن يكون
اللجوء المؤسسي إلى القوانين والتشكي
استثناء نادراً. الخطوة
الأولى هي أن يشعر المواطن أنه قادر
على إيصال صوته، أو أن صوته مسموع،
ولكنه إذا كان عاجزاً عن ذلك، فإن حالة
من الشعور بالاستعلاء على المواطنين
والشعور بالتالي بالظلم والقهر ستضرب
الأعمال والمؤسسات والعلاقات مثل
الوباء، وستكون كلفة إصلاحها واسترداد
ثقة المواطن عالية جداً، وربما لن تعود
أبداً. وربما
تكون المجتمعات هي الحلقة الأكثر
أهمية في مكافحة الفساد من مؤسسات
الرقابة والتفتيش والضبط الإداري
والتنظيمي والمالي. والعقد الاجتماعي
اليوم للدول يعتمد على مثلث متساوي
الأضلاع، قوامه: الحكومات (القطاع
العام) والقطاع الخاص، والمجتمعات.
وبالطبع، فإن المجتمعات لم تكن غائبة
على مدار التاريخ في العمليات
السياسية والاقتصادية والثقافية،
ولكنها في ذلك كانت تضعف وتقوى، وتختفي
وتظهر، وفي الحضارة العربية الإسلامية
كان المجتمع هو صاحب الفضل وله الدور
الأكبر في المنجزات الحضارية والعلمية
التي قدمتها الحضارة العربية
الإسلامية. وفي
مرحلة الدولة الحديثة تولت السلطة
التنفيذية معظم دور المجتمعات في
التعليم والخدمات والإدارة، وهي في
ذلك وإن حققت منجزات تنموية كبيرة، فقد
أضعفت المجتمعات وجعلتها تابعة
للسلطة، وفي مرحلة الخصخصة، عندما
أسندت الدولة جزءاً كبيراً من أدوارها
وخدماتها للقطاع الخاص، أدى ذلك إلى
جملة من التحولات العميقة وتطبيقات
جديدة ومتنوعة ومعقدة من الفساد،
والذي لم تعد مكافحته مرتبطة بإصلاح أو
مراقبة الأداء المالي والإداري
للحكومة والقطاع العام. أصبحت
عمليات مكافحة الفساد مرتبطة
بالمجتمعات باعتبارها شريكاً في
المسؤولية والعقد الاجتماعي،
ومستهلكاً لكثير من السلع والخدمات،
ولمواجهة أنواع معقدة وجديدة من
الفساد لا يمكن مواجهتها بغير
المجتمعات، مثل التحالف والشراكة بين
السلطات التنفيذية والقطاع الخاص على
حساب الأفراد والمجتمعات، وضعف مستوى
الخدمات التي يقدمها القطاع الخاص،
ومواجهة الاحتكار وعدم العدالة في
أسعار أو جودة الخدمات التي تخلى
القطاع العام عن توريدها وتنظيمها،
هذا إضافة إلى الأدوار السابقة
والتقليدية المفترضة للمجتمعات في
المشاركة والعمل العام والموازي
للسلطات والقطاع الخاص. لكن،
لا يمكن أن تؤدي المجتمعات دوراً مهماً
في مكافحة الفساد وهي ضعيفة ومهمشة،
ولذلك فإن تمكين المجتمعات يعتبر
هدفاً مباشراً وضرورياً في كل عمليات
مكافحة الفساد. يعني
تمكين المجتمعات؛ قدرتها على تنظيم
نفسها وإدارة مواردها وحقوقها
واحتياجاتها الأساسية والقدرة على
التأثير والمشاركة في الحكم والسياسات
والتشريعات، على النحو الذي يوسع
خياراتها السياسية والاجتماعية
والاقتصادية، ويجعل مؤسسات الحكم
والإدارة العامة أمينة وقادرة على
التعامل مع التفويض الذي منحه
المواطنون لها للتصرف بالموارد
والضرائب العامة وفق مصالح المواطنين
واتجاهاتهم، ويمكّنها (المجتمعات) من
تحقيق توازن مع السلطات والمؤسسات ومن
محاسبة هذه المؤسسات ومراقبتها
وتوجيهها... وفي الوقت نفسه، فإن
التحولات والتغيرات العالمية،
القائمة على أساس المعرفة
والمعلوماتية والاتصالات، تعطي
المجتمعات والطبقات الوسطى فرصاً
جديدة، تجعلها قادرة على التحرك
والمشاركة وحماية نفسها من استغلال
السلطات التنفيذية والشركات
واعتداءاتها على المجتمعات والأفراد. ولكن
يقع اختلاف في كثير من الأحيان إن لم
يكن دائماً بين أهداف أو مصالح
المجتمعات والحكومات، الحكومات
باعتبارها مؤسسة للحكم والإدارة، أو
باعتبارها طبقة اجتماعية واقتصادية،
ويفترض أن يؤدي هذا الجدل بين المصالح
والأهداف إلى حلول إبداعية في الحكم
والإدارة، ولكنه في كثير من الأحيان
يؤدي إلى مشكلات مزمنة وراسخة تعوّق
الإصلاح وتكرس الفساد. تميل
الحكومات بطبيعة الحال إلى تقديم أفضل
صورة عن أدائها ومنجزاتها. وفي
استخدامها لمعلومات وأدوات قياس صحيحة
تحاول أن تشكل اعتقاداً بالإيجابية أو
شعوراً بالرضا، وتميل المجتمعات إلى
ملاحظة النقص والتطلع الدائم إلى
أهدافها المثالية والكبرى ومقارنة
الواقع بهذه الأهداف والتطلعات، وبسبب
ذلك فإنها تميل إلى النقد والتشاؤم. في
دراسة التقارير والإحصاءات، على سبيل
المثال، تحاول الحكومة تزيين
الإنجازات ومقارنتها بالسنوات
وبالدول (الأقل حظاً). وفي الوقت نفسه،
فإن المجتمعات تدعو إلى جسر الفرق
والفجوة بين الواقع والتطلعات. ولأجل
ذلك، فإنها تقلل من شأن الإنجازات،
وتلاحظ التقصير والخلل، ولكن هذا
الجدل والخلاف يفترض أن يؤديا إلى
برامج لإدارة الفرق وتعزير الإنجاز،
والأهم من ذلك كله أن يوجدا آليات
للرقابة والقياس والتخطيط... وفي أسوأ
الأحوال وأكثرها شيوعاً للأسف الشديد،
فإن الجدل يتحول إلى مزيد من الجهود
لأجل العلاقات العامة وتقليل الحريات
والشفافية. وتسعى
الحكومات إلى استقطاب الاستثمارات
الأجنبية، وتقيس أداءها ونجاحها
بقدراتها على زيادة الاستثمارات، ولكن
المجتمعات تنظر إلى الاستثمارات
الأجنبية بحذر وريبة، وتراها غالباً
عبئاً على الموارد والمرافق العامة،
وخطراً على الاستثمار الوطني، وربما
تكون بحد ذاتها نوعاً من الفساد،
ويفترض أن يؤدي الجدل حول ذلك إلى
سياسات في التشغيل والمسؤولية
الاجتماعية والإعفاءات والتسهيلات
والتنافس تعود على الاقتصاد والتنمية
والمجتمعات بالفائدة. ولكن مواصلة
النظر إلى الاستثمار الأجنبي بأنه
إنجاز تعتز به الحكومة وتدافع عنه في
المؤتمرات والدراسات، بغض النظر عن
حجم العبء الذي يشكله على الموارد،
والفوائد الحقيقية المتأتية منه، يؤدي
إلى عكس الأهداف المنتظرة. وتميل
الحكومات إلى فرض الضرائب والرسوم
ومنع التهريب، ولكن المجتمعات ترى في
البضائع المهربة فرصة للحصول على سلع
بجودة عالية وأسعار أقل، وبالتالي
خدمة للاقتصاد، وأساساً لاقتصاد غير
منظور يساهم في التنمية والتشغيل
وخدمة المواطنين، ويفترض أن يؤدي ذلك
إلى تعديل سياسات الضرائب والجمارك
على النحو الذي يخدم المجتمعات وليس
فقط لأغراض الجباية. وهكذا، فإن ملاحظة
الاختلاف في الأهداف والمصالح تنشئ
ديناميات جديدة تطور الأعمال
والسياسات، ولكن ذلك لا يحدث
تلقائياً، فقد يؤدي إلى الانفصال
والإفشال. *
كاتب أردني. ======================= العلمانية
الأميركية إذ تناقض نفسها الاربعاء,
25 أغسطس 2010 خليل
العناني * الحياة تتجاوز
قضية «المركز الإسلامي» في نيويورك
مجرد الخلاف حول مكان إقامته بالقرب من
أطلال برجي مركز التجارة العالمي في
مانهاتن أو ما يطلق عليها منطقة «غراوند
زيرو»، وذلك كي تصل إلى حد الاشتباك مع
مسألة العلاقة بين الدين والدولة في
الولايات المتحدة أو بالأحرى طبيعة
النموذج العلماني الذي يتبناه المجتمع
الأميركي. ولم يكن لهذه المسألة أن
تسيطر على الأميركيين بمختلف ألوانهم
وأطيافهم السياسية لولا الحساسية التي
باتت تطغى على نظرة الأميركيين
للإسلام والمسلمين داخل الولايات
المتحدة وخارجها. قامت
الولايات المتحدة قبل أكثر من مئتي عام
بهدف ديني، وهو ضمان حرية العقيدة
وممارسة الشعائر لجميع الأديان، بخاصة
لأولئك المضطهدّين في بلدانهم الأصلية.
وكان الآباء المؤسسون للولايات
المتحدة على وعي تام بعدم تكرار
التجربة الأوروبية التعيسة في ما
يتعلق بحرية الاعتقاد، فجعلوا الدستور
الأميركي بمثابة وثيقة ليبرالية محضة
تقدّس الحرية الدينية وتمنع انتهاكها
تحت أي مسمى، وهو ما أعطى النموذج
العلماني الأميركي خصوصية تفرّد بها
عن نظيره الأوروبي. وباختصار
شديد، فإن العلمانية الأميركية اتسمت
دوماً بثلاث خصائص: أولاً، انها
علمانية جزئية، وذلك إذا استعرنا
التعبير الشهير للدكتور عبدالوهاب
المسيري رحمه الله، أي أنها وإن كانت
تفصل الدين عن الدولة بالمعنى
الإجرائي، فإنها لا تفصل الدين عن
المجتمع بالمعنى الانطولوجي، حيث تترك
الحرية لكل فرد في اعتناق (أو عدم
اعتناق) أي دين يشاء، ما يعني ضمناً
حماية المعتقدات والشعائر والرموز
الدينية واحترامها. ثانياً،
انها علمانية وإن كانت تمنع الدولة من
تبني دين معين أو الانحياز الى ديانة
بعينها باعتبارها الدين الأفضل أو
الأسمى، فإنها في الوقت نفسه تعترف
بالحقوق الدينية لجميع الطوائف، وتضمن
للجميع ممارسة هذه الحقوق من خلال
إقامة دور العبادة وممارسة الشعائر من
دون قيد. وقد نصت «وثيقة الحقوق» Bill
of Rights التي تم إدخالها
على الدستور الأميركي عام 1791 على ذلك
حين منعت الكونغرس من التحيز لمصلحة
دين أو جماعة دينية دون أخرى. ثالثاً،
انها علمانية مؤمنة، بمعنى أن لديها
موقفاً سلبياً تجاه الإلحاد وإن كانت
لا تمنعه، وربما يعود ذلك الى نشأة
الولايات المتحدة ذاتها التي كانت
ملجأ لكثير من المتدينين البروتستانت
الذين استجاروا بها من الضيم والغبن
الديني الذي تعرضوا له فى أوروبا أواخر
القرن السابع عشر. وعلمانية
بهذا الشكل قد تكون منبع هدوء وسكينة
وتعايش كبير داخل المجتمع الأميركي،
بيد أن المشكلة الرئيسة ظلت كامنة فى
الحساسية السياسية لهذا النموذج
العلماني، حيث ترك الباب مفتوحاً أمام
إمكانية توظيف المسائل الدينية بسهولة
لمصلحة خدمة توجهات وأغراض إيديولوجية
وسياسية بعينها، تحت راية حرية
الاعتقاد، وهذا هو الوجه الآخر
للعلمانية الأميركية، والذي يجعلها
مختلفة في شكل أو في آخر عن مثيلاتها
الأوروبية. فالعلمانية
الفرنسية مثلاً تتخذ موقفاً معادياً
للدين ورموزه ومؤسساته في شكل صريح، فى
حين أن العلمانية البريطانية تضمن
حرية الأديان وممارسة العقائد وترفض
تسييس المسائل الدينية في الفضاء
العام. أي أن
العلمانية الأميركية هي منزلة بين
منزلتين، فعلى رغم حياد الدولة تجاه
الأديان والمؤسسات الدينية، إلا أن
القضايا الدينية تحتل مساحة معتبرة في
الفضاء السياسي، ما يجعلها عرضة
للكثير من التوترات. وخلال العقود
الثلاثة الماضية زاد الحضور الاجتماعي
والسياسي للدين في الحياة العامة، وهو
ما كان سبباً رئيساً في سقوط الكثير من
مقولات العلمانية والحداثة. وكان
انبعاث اليمين المسيحي (الإنغليكان) في
الولايات المتحدة خلال العقود الثلاثة
الماضية بمثابة نقطة تحول في مسار
النموذج العلماني الأميركي، ليس فقط
بسبب زيادة الطلب الاجتماعي الواضح
على الدين، وإنما أيضاً بسبب زيادة
الدور السياسي للدين في المجتمع
الأميركي. صحيح أن ظهور هذا التيار كان
رد فعل على تغوّل الحركات العلمانية «الملحدة»
التي هيمنت على الولايات المتحدة منذ
أوائل القرن الماضي في ما عرف بالحركات
«الإنسانوية» Humanism، إلا أن حساسية
الأميركيين، وجميعهم ينتمي الى تيارات
دينية متباينة، تجاه مسألة الدين،
جعلت هذا الأخير ضحية للتنافس السياسي.
من هنا أخذت أزمة «المركز الإسلامي»
هذا الحجم غير المسبوق من الجدل
السياسي في الفضاءين العام والخاص. وهي
تعد مثالاً نقياً للتوظيف السياسي
للقضايا الدينية. وقد زاد من سخونة
القضية دخول الرئيس الأميركي باراك
أوباما على خط الأزمة، وهو ما استغله
خصومه بمهارة فائقة من أجل تصفية
حساباتهم السياسية معه. ولعلها المرة
الأولى في التاريخ الأميركي إذ تصبح
قضية دينية مثار انقسام واختلاف شديد
يكاد يهدد مسار التعايش الداخلي في
الولايات المتحدة. أما في
ما يتعلق بتداعيات هذه الأزمة على
النموذج العلماني الأميركي، فإن ثلاث
نقاط يجب الإشارة إليها سريعاً: أولاً،
ان هذا النموذج يشهد الآن اهتزازاً
شديداً بفعل أزمة «المركز الإسلامي»،
ويكفي أن نتابع تعليقات الجميع (ساسة
وإعلاميين ومواطنين عاديين) ومدى
تخبطهم واضطرابهم إزاء تحديد موقف
واضح من الأزمة. وهو ما وقع فيه أوباما
ذاته حين دعم إقامة المركز في البداية،
ثم تراجع لاحقاً فبدا مضطرباً
ومهزوزاً. ثانياً، ان هذا النموذج، على
رغم تميّزه وتفرّده عن غيره، إلا أن
سعته الثقافية والهوياتية وقدرته على
صهر مواطنيه بدأت تتراجع بسبب تسييس
المسائل الدينية، وهو ما سيضرّ
بالنموذج على المدى الطويل. ثالثاً، ان
حيادية هذا النموذج (التي تسم روح
الدستور الأميركي) وقدرته على حلّ
التناقضات والاختلافات الدينية باتت
محل شك كبير، وهو ما يعني أن إمكانية
ظهور صراعات دينية، على الأقل من
الناحية الرمزية كما هو الحال مع أزمة
«المركز الإسلامي»، باتت أمراً واقعاً.
وهنا
قد يثار التساؤل: هل تنتقل أطروحة «صراع
الحضارات» من فضائها الخارجي إلى داخل
الولايات المتحدة؟ فما يلفت في أزمة «المركز
الإسلامي» أنها تأتي متزامنة مع نمو
تيار أميركي معاد للإسلام والمسلمين
داخل الولايات المتحدة، وهي بذلك
تتجاوز البعد الجغرافي أو متطلبات
الملاءمة السياسية، كي تصل إلى مصاف
قضايا الهوية والانتماء الحضاري.
فكثير من الأميركيين، أو على الأقل هذا
ما تظهره استطلاعات الرأي، لديهم صورة
مشوّهة تماماً عن الإسلام والمسلمين،
وإذا كان هذا أمراً مفهوماً تجاه مسلمي
الخارج، فإنه يعد تحولاً مثيراً تجاه
مسلمي أميركا الذين يختلفون جذرياً عن
أقرانهم بخاصة في أوروبا، فهم لا
يعدّون أنفسهم أقلية مسلمة ضمن أغلبية
مسيحية، بل هم أميركيون أولاً ومسلمون
ثانياً. وسيزداد
الأمر تعقيداً إذا دخل مسلمو الخارج
على خط الأزمة، وذلك مثلما فعل نفر من
علماء الأزهر أخيراً حين رفضوا إقامة «المركز
الإسلامي» في موقعه بحجة أنه «مؤامرة
صهيونية» هدفها تشويه صورة الإسلام
والمسلمين واستمرار الوقيعة بين
الولايات المتحدة والعالم الإسلامي،
ناهيك عن توظيف المتطرفين لمثل هذه
الأزمة في خطابهم الإيديولوجي. الطريف
في هذه الأزمة أن الشخص المسؤول عن
إقامة المركز وهو الإمام فيصل
عبدالرؤوف، يعمل لدى وزارة الخارجية
الأميركية في ما يخص مشروع حوار
الحضارات وتحسين العلاقات بين أميركا
والعالم الإسلامي. أي أننا نتحدث عن
شخصية أميركية خالصة تشعر بالانتماء
الى وطنها، بيد أن ذلك لم يمنع كثيرين
من التشكيك في انتمائه وأنه يمثل «طليعة
إسلامية تسعى لإقامة الشريعة في
الولايات المتحدة تمهيداً لتدشين
الخلافة الإسلامية»، كما قال أحدهم
أخيراً. رمزية
الأزمة الراهنة لا تكمن في بعدها
الديني فحسب، وإنما في مغزاها الثقافي
والهوياتي، وهي هنا لا تختلف كثيراً عن
قضايا كثيرة مشابهة ظهرت أخيراً في
الغرب مثل المئذنة والنقاب والحجاب.
ويبدو أننا مقبلون على مرحلة جديدة من
التوتر الإسلامي – الغربي على خلفية
التشويش الإعلامي والسياسي الذي يصاحب
مثل هذه القضايا من دون فهم حقيقي
لأبعادها وسياقاتها. *
أكاديمي مصري، جامعة دورهام، بريطانيا. ======================= تأكيد
حق جميع الجهات المعارضة بمن فيهم
الاسلاميون المشاركة في الانتخابات الخارجية
الامريكية تمنح سفاراتها سلطة الاتصال
بالاخوان في مصر والاردن بشأن
الانتخابات الجماعات
السلفية ستملأ الفراغ الذي يتركه
الاسلاميون العرب
اليوم - ربى كراسنة 18/
08/ 2010 حذر
تقرير صادر عن معهد (BROOKINGS)
الامريكي بعنوان رد فعل الإسلاميين
تجاه القمع: هل ستلجأ الجماعات
الإسلامية السائدة إلى التطرف? للباحث
في مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط
شادي حميد من ترك الاسلاميين المعترك
السياسي لما سيؤدي من فراغ خطير قد لا
يملأه المتحررون بل قد يشغله جماعة
السلفية المحافظون الى حد كبير والذي
يصعب معهم التوصل لاي تسوية. وقدم
التقرير الذي ركز على الحالات الحرجة
في مصر والاردن باعتبارهما من اقرب
الحلفاء العرب للولايات المتحدة نصحه
لمصر والاردن السماح بمشاركة
الاسلاميين في الانتخابات المقبلة بل
وتشجيع تلك المشاركة. واكد
ان الفرصة سانحة لادارة الرئيس
الامريكي باراك أوباما والكونجرس
الامريكي لوزن الامور ومعالجة مسألة
مشاركة الاسلاميين وقد وجدت الجماعات
الاسلامية في مصر والاردن نفسها ضحايا
التلاعب الانتخابي رغم تبنيها مبادىء
اساسية للديمقراطية وتحديث البرامج
الانتخابية الخاصة التي تمكنها من
الوصول الى الجمهور الغربي. وخلص
التقرير الى مجموعة من الخطوات
العملية التي يتعين على ادارة أوباما
الاخذ بها ومن ابرزها التأكيد العلني
بحق جميع الجهات المعارضة - بمن في ذلك
الاسلاميون - في المشاركة في
الانتخابات المقبلة من خلال توضيح
ادارة اوباما سياسة الولايات المتحدة
تجاه الاسلام السياسي وتأكيد على حق كل
الجماعات السياسية غير العنفية في
المشاركة بالعملية الانتخابية. ودعا
التقرير الى تمكين السفارات الامريكية
من بدء التعامل الموضوعي مع الجماعات
الاسلامية ولا سيما مع قيام الجماعات
الاسلامية بالعمل على اعادة
استراتيجياتها وحل الانقسامات
الداخلية بينها وهو ما يتعين على
المسؤولين الامريكيين ان يدركوا الى
اي مدى قد تؤثر مثل هذه التطورات على
المصالح الاقليمية وقد تسمح قنوات
الحوار المفتوحة للولايات المتحدة وفق
التقرير ببعض النفوذ على
الاستراتيجيات التي يتبعها
الاسلاميون وخاصة ما يتعلق بالمشاركة
في الانتخابات. أولويات
الإصلاح الديمقراطي عند الإسلاميين وتحت
عنوان ترتيب أولويات الإصلاح
الديمقراطي عند الإسلاميين نوه
التقرير الى انه بين عامي 2004 و2005 ساد
شعور بين الجماعات الاسلامية بان
مفتاح مستقبلها ومستقبل بلدانها هو
العملية الانتخابية. وقال
لقد قضى الاسلاميون الثمانينيات
والتسعينيات في بناء دعم شعبي وتجميع
تحالفات عابرة للايدولوجيات وتبسيط
عملياتهم الانتخابية وبدا ان
الاسلاميين في المنطقة على وشك تحقيق
مكاسب سياسية كبيرة وقد نجحوا في تحقيق
الجزء الاكبر من هذا الهدف. وزادوكانت
الجماعات الاسلامية تستخدم بشكل
متزايد العملية الانتخابية لا سيما
البرلمان لاضعاف قبضة الحكومة على
الحياة العامة. الاخوان
المسلمون في مصر وتحت
عنوان الاخوان المسلمون في مصر استعرض
التقرير مبادرة الاصلاح التي اطلقتها
جماعة الاخوان المسلمين عام 2004
باعتبارها معلما بارزا في مسيرة
التطور السياسي في الجماعة كونها تمثل
محاولة لرفع قضية الديمقراطية وجمع
القوى السياسية الاخرى حول رؤية
مشتركة من اجل التغيير. وقالللمرة
الاولى تعلن الجماعة علنا عن تفضيلها
النظام البرلماني لادارة البلاد الذي
يكون فيه الحزب الذي يحصل على اكبر عدد
من الاصوات من خلال انتخابات حرة
ونزيهة هو المسؤول عن تشكيل الحكومة. وزادوفي
الوقت نفسه كانت جماعة الاخوان
المسلمين تستفيد من ضغط ادارة الرئيس
جورج بوش على نظام الحكم في مصر ومع
زيادة الضغوط الداخلية والخارجية
اضطرت الحكومة المصرية الى اتاحة مزيد
من المساحة للمعارضة قبل انتخابات عام
2005 الرئاسية والبرلمانية وبعد وقت
قصير من اصدار وزيرة الخارجية
كوندوليزا رايس نداء قويا من اجل
الديمقراطية في خطاب لها عام 2005 في
القاهرة فازت جماعة الاخوان المسلمين
ب¯ 88 مقعدا في البرلمان اي اكثر من خمسة
اضعاف اجمالي عدد مقاعدها السابقة. جبهة
العمل الاسلامي في الاردن وتحت
باب جبهة العمل الاسلامي في الاردن
استعرض التقرير مقاطعة الجبهة الذراع
السياسية لجماعة الاخوان المسلمين
انتخابات عام 1997 وعودتهم الى البرلمان
عام 2003 وفوزهم باغلبية الاصوات
وحصولهم على 16 مقعدا. ونوه
الى ان قضية الديمقراطية جاءت في مقدمة
البرنامج الانتخابي للحزب عام 2003 ثم في
مبادرة الاصلاح عام .2005 اما
البرنامج الانتخابي لعام 2003 فقد نصت
مقدمته بحسب ما جاء في التقرير تحت
العنوان الفرعي لماذا نشارك في
الانتخابات البرلمانية? على ان جبهة
العمل الاسلامي تعتبر وجودها في
البرلمان من الوسائل السياسية لتحقيق
مبدأ الاسلام هو الحل وانه وسيلة لبناء
قوة الامة وفي توضيحه لمعنى الشعار
الاسلامي القديم فقد تعهد الحزب
بالعمل على تسهيل مناخ يساعد على تحقيق
اهداف الشعب في مجالات الحرية والشورى
والديمقراطية وحماية حقوق الشعب على
اساس انه هو مصدر السلطة. وبالنسبة
للبرنامج الاصلاحي لعام 2005 بحسب
التقرير فيمثل التعبير الابعد مدى
والاشمل معنى لتوجه الحركة الاسلامية
الجديد الى التركيز على الاصلاح
الديمقراطي. وقال
التقريران هذه المباردة حسب توضيح
جبهة العمل الاسلامي تقوم على مبدأ
تداول السلطة التنفيذية وشراكة الشعب
في عملية صنع القرار والتي تصبح فيما
بعد مبدأ ثابتا في الحياه السياسية. وجاء
في التقرير اضافة الى تداول السلطة يجب
ان يتم تشكيل الحكومات على اساس برامج
الكتل البرلمانية الخاصة وينبغي ان
يقرر البرلمان بدوره منح الثقة
بالحكومة من عدمه على اساس برنامجها
العام. التحول
الى القمع ورد الفعل الاسلامي وتحت
عنوان التحول الى القمع ورد الفعل
الاسلامي اشار التقرير الى انه بعد ضعف
اهتمام ادارة بوش بالاصلاح لا سيما بعد
فوز حماس بالانتخابات الفلسطينية 2006
تحركت الحكومات العربية بشكل حاسم
للحد من مكاسب الاسلاميين ومع
مواجهتها للقمع المتزايد والقيود
القانونية اخذت الجماعات الاسلامية
تناضل من اجل التوصل الى استجابة
متماسكة ورد فعل متناسق. وبالنسبة
للحركة الاسلامية بالاردن وفق التقرير
اثار الحديث عن جدوى المشاركة
المستمرة خلافا كبيرا حول الشروع في
مواجهة الحكومة او مواصلة السير على
طريق الحذر وتدهورت العلاقة بين
الاسلاميين والنظام الحاكم عام 2006
عندما تحركت الحكومة ضد جمعية المركز
الاسلامي الذراع الخيرية لجماعة
الاخوان المسلمين وقامت بحل مجلس
ادارتها وتعيين مجلس اخر مكانه. واستعرض
التقرير الانتخابات البلدية التي جرت
عام 2007 وما جرى حولها من مزاعم حول تدخل
الحكومة وتزوير الانتخابات ثم تبعها
حراك وجدل حاد حول مقاطعة الانتخابات
النيابية ثم تمكن حزب جبهة العمل
الاسلامي من التوصل الى تفاهم مع رئيس
الوزراء السابق الدكتور معروف البخيت
واختار خوض الانتخابات بعدد اقل من
المقاعد وتجنب ترشيح العناصر التي
تصرح بتأييد حماس ومناهضة الحكومة
مقابل ان تكون الانتخابات عادلة بشكل
معقول. ولقيت
مشاركة حزب الجبهة الانتخابات وفق
التقرير معارضة الصقور وعلى رأسهم
الامين العام الاسبق للحزب زكي بني
راشيد الى جانب اعتراضهم على قائمة
المرشحين وجاءت النتائج ترجح موقف بني
ارشيد وحلفائه بحصول الحزب فقط على ستة
مقاعد في البرلمان وهو اقل عدد حصده
الحزب في تاريخه. وجاءت
هذه النتيجة بحسب التقرير بمثابة
الصدمة للحزب بين تصديقه للحكومة ثم
خيانة الحكومة له وصولا الى قرار جماعة
الاخوان المسلمين بحل مجلس الشورى
وارتفاع نجم الصقور للصعود بعد فوز
همام سعيد بمنصب المراقب العام
للجماعة. عدوى
اخوان الاردن انتقلت لمصر ويبدو
ان ما حدث في البيت الاخواني بالاردن
انتقل الى البيت الاخواني في مصر فنوه
التقرير الى انه في عام 2010 حدث تطور
مماثل لدى جماعة الاخوان المسلمين في
مصر على غرار ما حدث في الاردن من نقاش
وجدل حول الانتخابات الداخلية فمنذ
عام 2006 بدأت الحكومة المصرية في
التصعيد ضد الاخوان واعتقل الالاف من
اعضاء الجماعة وقامت بتنفيذ 34 تعديلا
دستوريا. وقد
ادى القمع المتزايد خلافات داخلية لدى
جماعة الاخوان المسلمين حول سبل الرد
حيث فضل الاعضاء التقليديون في
الجماعة تقليل المنافسة الانتخابية
وزيادة التركيز على الدعوة وباغلبية
ساحقة تم انتخاب محمد بديع مرشدا عاما
للجماعة احد المقربين من سيد قطب على
حساب هزيمة الاصلاحي محمد حبيب. واضاف
التقرير سرعان ما تحرك بديع لاعادة
تاكيد التزام الاخوان بالديمقراطية
والتعددية وربما اصحبت جماعة الاخوان
وفق التقرير اكثر من اي وقت مضى
بالسجينة. وخلص
التقرير الى ان الزعماء مثل سعيد وبديع
رغم انهما في المناصب العليا في
منظماتهما الا انهما يتمتعان بقدرة
محدودة فيما يمكنهما من تنفيذه لان
الهيئات التي هما جزء منها تعمل وفق
نظام التصويت بالاغلبية المطلقة. اقصاء
الاسلاميين وتحت
عنوان اقصاء الاسلاميين قال
التقريرنادرا ما تنوي الجماعات
والاحزاب الاسلامية في الاردن ومصر
والمغرب واي مكان اخر بالفوز
بالانتخابات بصراحة ولكنها ترمي الى
الفوز بعدد من المقاعد كي تستغلها
بالضغط والحصول على امتيازات من
الحكومة ووفقا لذلك فانها لم تحصد لو
مرة واحدة جميع المقاعد البرلمانية او
نصفها. ويوضح
التاريخ الطويل ان الاحزاب الاسلامية
ترمي الى عدد من المقاعد فقد تتفق مع
السلطة ضد مرشحي المعارضة او تنسق ذلك
من الحزب الحاكم على ان تحصل على هذا
العدد من المقاعد فمثلا عشية انتخابات
عام 1993 قامت قيادت حزب الجبهة بمفاوضات
مع ممثلي الحكومة تحصل بموجبها على 12
مقعدا على ان تتنازل الحكومة عن
المشاركة في التشريع الانتخابي الجديد. ونوه
التقرير الى ان غالبا ما تنقسم نتيجة
للمنافسة بين اعضائها او معارضة بعضهم
بعضا او اختلاف الاهداف حيث لم تستطع
هذه الجماعات اختيار السياسة على حساب
الخدمات المجتمعية والتعليمية. الاهتمامات
الإستراتيجية للحكومات العربية وتحت
عنوان الاهتمامات الإستراتيجية
للحكومات العربية خلص التقرير ان
الانظمة الحاكمة في الدول العربية
توصلت الى ان الكبح والقمع هما افضل
السبل التي تتناسب مع الجماعات
الاسلامية. وقالرأت
الانظمة العربية في تلك الاساليب
طريقه فعالة لانشقاق هذه الاحزاب
وتصدعها وقد يكون من البدهي انحياز
الولايات المتحدة الامريكية في العديد
من الجوانب المهمة لدى الجماعات
الاسلامية على حساب الانظمة العربية. وبين
التقريران صناع القرار الامريكيين
يتبادلون مع القياديين الاسلاميين
وجهات النظر حول المصالح المشتركة
المتعلقة بعمليات الاصلاح الدستوري
والمؤسسي والالتزام بتحقيق
الديمقراطية. ونوه
التقرير الى ان سياسة الاحتواء وزيادة
عدد تمثيل الاسلاميين في البرلمان سوف
يكون له فوائد جمه لا سيما على الشرعية
الدولية الامر الذي يحتاج اليه النظام
المصري في هذه الاثناء ويعزز من شرعية
الحكومة في نظر كثير من المواطنين
مخيبي الامال. توصيات
للولايات المتحدة والمجتمع الدولي واستعرض
الباحث في نهاية تقريره توصيات
للولايات المتحدة والمجتمع الدولي
داعيا الى ضرورة ان تنمي الولايات
المتحدة سياسات تدفع مصالحها مثل
الانتخابات المصرية والاردنية
المتوقع عقدهما 2010 و2011 نظرا لدعمها
المالي على المدى البعيد. وقال
ينبغي ان يؤكد الرئيس اوباما على حقوق
الاحزاب السلمية في المشاركة
بالانتخابات كخطوة اولى بما في ذلك
الاحزاب الاسلامية كما ينبغي ان تدعم
سياسة امريكية تعارض ليس فقط عمليات
القبض على الناشطين العلمانيين بل
وعلى الاسلاميين ايضا. واضاف
وينبغي ان تبذل الحكومة الامريكية
جنبا الى جنب مع حلفائها الاوروبيين
مزيدا في الجهد من الضغط على الاردن
ومصر من اجل اتخاذ خطوات عملية لفتح
المجال امام الاحزاب المعارضة وهذا
امر مهم خاصة بالنسبة للاردن حيث اعلنت
جبهة العمل الاسلامي مقاطعتها
للانتخابات لكنها ستعيد النظر بموقفها
في حال قدمت الحكومة ضمانات لها. واوصى
التقرير بضرورة ان تمنح وزارة
الخارجية الامريكية سفاراتها السلطة
من اجل الارتباط الحقيقي بجماعة
الاخوان المسلمين بمصر وجبهة العمل
الاسلامي بالاردن لا سيما فيما يتعلق
بالانتخابات المقبلة. ونوه
التقرير انه اذا انسحبت الاحزاب
الاسلامية من الانتخابات فان ذلك لن
يكون من مصلحة الولايات المتحدة وان
قيام الانتخابات من دون مشاركة
الاسلاميين سوف يقلل من شرعيتها ويفتح
الباب امام الجماعات السلفية لتملأ
الفراغ الذي تركه الاسلاميون. وختم
الباحث التقرير باستعراض المشهد
المتوقع من الانتخابات المقبلة
وقاليوجد اتجاه قوي لدى الولايات
المتحدة في ظل اهتمامها بالصراع
الاسرائيلي الفلسطيني وايران بانه ما
زال الوقت مبكرا للدخول في مثل هذه
الارتباطات او الاصلاحات الديمقراطية
في الوقت الحالي. واشار
الى ان السيناريو المتوقع لانتخابات
2010 و2011 في مصر والاردن لا يدعم هذا
المطلب لدى الادارة وسوف يكون اقتراب
الولايات المتحدة من هذه النزاعات
بمثابة تطور العلاقات بين الادارة
الامريكية والشرق الاوسط ويختبر مدى
قدرة امريكا على المساهمة في وجود
انتخابات حرة ونزيهة. واكد
التقرير ان درجة الانفتاح مع
الاسلاميين سوف تتوقف على مدى قدرتهم
على التفاعل مع الادارة الامريكية
فاما ان تدفعهم بعيدا عن السياسات
الامريكية او تقحمهم فيها. ======================= توكفيل..
وأزمة مسجد غراوند زيرو عادل
الطريفي الشرق
الاوسط 25-8-2010 في
كتابه التاريخي المهم «الديمقراطية في
أميركا» (1838)، يقول إليكسس دي توكفيل: «لا
أعلم أن هناك بلدا يوجد به أقل قدر من
الاستقلالية في التفكير الفردي، وأكبر
مساحة للتعبير مثل الولايات المتحدة».
هذا الوصف الذي عبر عنه الدبلوماسي
الفرنسي يتبادر إلى الذهن مع تصاعد
الخلاف في أميركا حول قضية بناء مركز
إسلامي ومسجد على مقربة من مكان تحطم
برجي التجارة العالمي في نيويورك. ففي
ظرف أسابيع قليلة تحولت قضية المسجد
إلى قضية رأي عام أدلى فيها الجميع -
بمن فيهم الرئيس الأميركي - برأيه سلبا
وإيجابا. بيد أن القضية أخذت أبعادا
سلبية داخل وخارج الولايات المتحدة مع
اقتراب حمى الانتخابات النصفية، بحيث
صورت المسألة على أنها خلاف حول موقف
أميركا من الإسلام، في حين أن القضية
كلها ما كانت لتبلغ هذا الحد لو أن
المشروع أقيم في أي شارع آخر في
نيويورك أو غيرها من المدن الأميركية،
ولكن هل أميركا فعلا تعاني من حالة «إسلاموفوبيا»؟ في
عددها الأخير، أجرت مجلة «التايم»
الأميركية استفتاء جاء فيه أن 61 في
المائة من الأميركيين يعارضون بناء
مسجد غراوند زيرو، بل إن قرابة 46 في
المائة يعتقدون أن المسلمين أكثر ميلا
من غيرهم من الديانات إلى استخدام
العنف. قد تعتبر هذه الأرقام مفزعة،
ولكنها لا تعبر بالضرورة بشكل دقيق عن
علاقة أميركا بالإسلام. فالاستفتاء
ذاته يقول إن 24 في المائة من
الأميركيين يعتقدون أن أوباما مسلم،
فيما يؤيد 55 في المائة منهم تشييد
مساجد في حاراتهم. لست أقلل من أهمية
هذا الاستفتاء أو غيره، ولكن يجب أن
نلفت الانتباه الى أنه في أوقات تصاعد
الخلاف السياسي بين أقطاب المجتمع
الأميركي تبرز آراء ومشاعر ليست
بالضرورة صادقة أو دائمة، فهي تخضع
لظروف اللحظة الزمنية التي تؤخذ فيها.
نماذج ذلك كثيرة في التاريخ الأميركي،
فقد كانت هناك شريحة لا يستهان بها
تعارض وصول جون إف كينيدي للرئاسة
بوصفه كاثوليكيا سيعمل علي كثلكة بلد
بروتستانتي متخوف، وحتى اليوم فإن
الموقف من طائفة المورمن (بوصفها حركة
هرطقة) فيه إقصائية ربما تفوق الموقف
من ديانات أخرى كالإسلام. في عام 1882 صدر
قانون فيدرالي ضد تجنيس المهاجرين
الصينيين في الولايات المتحدة، وخلال
الحرب العالمية الثانية وقع روزفلت
قرارا رئاسيا عزل من خلاله عشرات
الآلاف من اليابانيين في مخيمات خاصة.
إضافة إلى ذلك فإن عدد أتباع جماعة
الكوكلس كلان العنصرية - المتعصبة ضد
السود واليهود والكاثوليك - كان قد بلغ
أربعة ملايين مطلع القرن الماضي. هذه
الأرقام والمعلومات تكشف في الحقيقة
عن حيوية المجتمع الأميركي لا عن
تعصبه، لأن أغلب تلك الآراء والقوانين
المتطرفة أصبحت في حكم الماضي في ظرف
سنوات قليلة، وقل مثل ذلك عن الموقف
الذي يدور الآن بخصوص مسجد غراوند زيرو.
يلفت إليكسس دي توكفيل الانتباه منذ
وقت مبكر الى جدل قيمي داخل أميركا ما
بين قيمة «الحرية» و«المساواة» من
جهة، وما بين الديمقراطية (حكم
الأكثرية) من جهة أخرى، وأنه يمكن رد
كثير من الاختلافات السياسية
والاجتماعية والاقتصادية إلى الخلاف
حول العلاقة ما بين القيم الثلاث،
ولهذا تحدث عن ما سماه «تسلط الأغلبية»
في مواجهة حقوق الأقلية. الدستور
الأميركي هو نموذج كلاسيكي لهذا الجدل
القيمي، فبعد أن كتب الدستور في 1787 وجد
الآباء المؤسسون تناقضا ما بين بنوده،
ففي حين كانت أول فقرة في الدستور تشدد
على مبدأ المساواة بين البشر كان من
الواضح أن بقية البنود أعطت صلاحيات
كبيرة لحكم الأغلبية، ولهذا أضيف إلى
الدستور «قانون الحريات» (1789)، والذي
اشتمل على عشرة حقوق فردية تضمن حرية
الفرد في مواجهة حكم الأغلبية. دستوريا
يحق للإمام فيصل عبد الرءوف وزملائه في
«مبادرة قرطبة» - أصحاب المشروع - أن
يبنوا مسجدا ومركزا دينيا في أي مكان
في الولايات المتحدة - بما في ذلك مكان
تحطم البرجين - وحتى الآن فإن أصواتا
مهمة، مثل حاكم ولاية نيويورك السابق
مايكل بلومبرغ، وغالبية من رجال
القانون والفكر قد أيدوا حق أصحاب
المشروع في بناء المركز. إذن فالقضية
لم تعد مسألة معارضة الإسلام بوصفه
إسلاما، أو تمييزا دينيا، لأن الدستور
والقانون يكفلان حرية العبادة بما في
ذلك بناء مسجد غراوند زيرو، ولهذا فإن
القضية تصبح قضية حكمة وتقدير لخيار
فردي مشروع، أو بمعنى أدق مسألة حساسية
اجتماعية، وهنا يجب أن نسأل الإمام
فيصل وزملاءه لماذا يريدون أن يبنوا
مركزا إسلاميا قيمته 100 مليون دولار
إذا كان ذلك يضايق مشاعر الأميركيين! حقيقة
الأمر أن الموقع المشار إليه يصلى فيه
منذ أكثر من عام ولولا الضجة الإعلامية
التي أثارها مشروع قرطبة لما انتبه
لذلك أحد، بل إنه وعلى بعد أمتار قليلة
يوجد مسجد رسمي قبل عملية 11 سبتمبر
الإرهابية، وما زال قائما هناك. وهنا
علينا أن نسأل: لماذا يتم بناء مسجد
ومركز آخر إذا كان هناك مسجد قريب
بالفعل؟ لست أدري من أين سيؤمن أصحاب
المشروع 100 مليون دولار إذا كان رئيس
المبادرة يجول في منطقة الشرق الأوسط
لنشر التسامح الديني بنفقة لم تتجاوز 16
ألف دولار على حساب الخارجية
الأميركية، لست هنا أقلل من جهود
الإمام وزملائه الراغبة في تصحيح
الصورة المشوهة عن الإسلام، ولكن حين
يثبت أن المشروع يوتر العلاقة بين
الأميركيين المسلمين ومواطنيهم فإن
المشروع حينها يكون قد جاء بنتائج
عكسية. لقد
قال البعض إن تخلي أصحاب المشروع عن
مشروعهم يعني تخليهم عن حقوقهم
الدستورية، أو أن المعركة ليست مسألة
تغيير لموقع المشروع بل مدافعة ضد
مشاعر التمييز المتعاظمة ضد المسلمين.
إذا سلمنا بهذا الاعتبار، فإن التسوية
حينها تصبح الحل الأمثل لأن الأهم ليس
موقع المشروع بقدر ما هو قدرة
الأميركيين المسلمين على توثيق الصلة
بمواطنيهم. لقد كان توكفيل محقا،
فاستقلالية التفكير الفردي في أوساط
الأميركيين المسلمين لا تزال متأثرة
بتاريخ من العداوات والخلافات
الموروثة من بلدانهم الأم مع أميركا،
والمنتظر منهم تصحيح ذلك، فتغيير موقع
لا يغير من رسالة المكان شيئا. ======================= الشرق
الاوسط 25-8-2010 يتوجه
الفلسطينيون إلى واشنطن لإطلاق
مفاوضات مباشرة يفترض أن تناقش قضايا «الحل
النهائي» وتقود إلى الدولة
الفلسطينية، لكنهم يذهبون مشتتين
ومتناحرين في مواجهة مفاوض إسرائيلي
عنيد ورئيس وزراء لا يصدق غالبية
الإسرائيليين أنه جاد في السعي إلى
سلام حقيقي، بل يصفه كثيرون بالمراوغ
الذي يريد الاحتيال على الفلسطينيين
والأميركيين. والسؤال
الذي يطرح نفسه هو: كيف يمكن
للفلسطينيين أن يحققوا سلاما حقيقيا
يفي لهم بتطلعاتهم ويوفر لهم الأمن
والاستقرار، وهم منقسمون ما بين ضفة
تحت إدارة السلطة الفلسطينية، وغزة
الواقعة تحت سلطة حماس؟ نتنياهو
يعرف ذلك جيدا ويلعب عليه، فهو يدرك أن
استئناف المفاوضات سيثير المزيد من
الخلافات بين الفلسطينيين ويعقد مسألة
المصالحة. كما أنه يعول على المناورات
لكي تتعثر المفاوضات فيلقي باللوم على
الفلسطينيين ويخرج هو من دائرة الضغط
الأميركي. لذلك نسمعه يدلي بتصريحات
متناقضة، فهو عندما يريد أن يخاطب
الأميركيين وأطراف اللجنة الرباعية
الدولية، يخرج ليقول إنه جاد تماما في
التفاوض وإذا وجد أمامه طرفا فلسطينيا
جادا (وكأن الفلسطينيين غير جادين)
فإنه سيفاجئه بمدى التجاوب الإسرائيلي.
كما يقول لمنتقديه المشككين في سعيه
لسلام حقيقي «جرّبوني»، ولكنه سرعان
ما ينسى نفسه ويعود ليتقمص شخصيته
الحقيقية فيبدأ ألاعيبه ويطرح شروطا
مشددة على الفلسطينيين. فهو ظل يتمسك
بأنه لا يريد مفاوضات بشروط مسبقة،
وأقنع الأميركيين بذلك إلى حد أن بيان
وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تحدث
عن مفاوضات بلا شروط مسبقة، مما أثار
غضب عباس والمفاوضين الفلسطينيين
الذين كانوا قد وضعوا عدم استئناف
البناء الاستيطاني شرطا لاستئناف
المفاوضات. لكنه فجأة عاد قبل ثلاثة
أيام ليضع شروطا أمام الفلسطينيين
حددها في: ترتيبات أمنية «حقيقية»،
والاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية،
وقيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح. هذا
الموقف أثار قلق الفلسطينيين فردوا
كما هو متوقع برفض الشروط المسبقة،
ليقعوا في مطب نتنياهو الذي سيرد
بالقول إنه لا يريد أيضا أن يفرض
الفلسطينيون أو الأميركيون شرطا مسبقا
يتمثل في استمرار وقف التوسع
الاستيطاني. كما أنه أثار قلق واستياء
الجامعة العربية ودفع أمينها العام
عمرو موسى للقول إن موقف رئيس الوزراء
الإسرائيلي يعتبر بداية غير موفقة،
ومؤشرا سلبيا لما سيجري في المفاوضات
المقبلة. نتنياهو
يعرف أن قاعدته اليمينية لن تتنازل في
موضوع الاستيطان، وهو في كل الأحوال
لديه مواقف متطرفة معروفة عندما زار
المستوطنات وأعطى وعودا ومواقف كثيرة
تعكس قناعاته في رفض «اللهث للعودة إلى
حدود 1967». لكن قدرته الفائقة على
التلاعب والمناورة تجعله يدرك أنه لا
يستطيع طرح مسألة استئناف الاستيطان
الآن، وإلا عرض نفسه لمواجهة مع إدارة
أوباما ومع «الرباعية الدولية»، ووحد
مواقف الفلسطينيين المؤيدين
والرافضين لاستئناف المفاوضات. لذا
لجأ إلى المناورة للتخلص من هذا الشرط،
وأوقع الفلسطينيين في مطب إعلان رفضهم
الشروط المسبقة ردا على تصريحاته
المستفزة الأخيرة. كما أنه تحمس
لاستئناف المفاوضات المباشرة في
الثاني من سبتمبر (أيلول)، أي قبل أربعة
وعشرين يوما من انقضاء فترة تجميد
الاستيطان، وهي فترة سيعمل خلالها على
طرح الكثير من المطالب والعقبات خلال
المفاوضات، بحيث يدفع الطرف الفلسطيني
للانسحاب، وبالتالي يحمله المسؤولية.
فالواقع أن نتنياهو يراهن على كسب
الوقت وليس على تقديم «تنازلات حقيقية
مؤلمة» من أجل السلام. فهو يرى
انتخابات الكونغرس فرصة للضغط على
إدارة أوباما بحيث تخف الضغوط على
إسرائيل. اللافت
أن الرأي العام الإسرائيلي الذي يعرف
نتنياهو جيدا، استقبل نبأ استئناف
المفاوضات المباشرة بلا مبالاة، كما
أن عددا من المعلقين الإسرائيليين
كتبوا مشككين في جدية الرجل، وحول
قدرته على اللعب على الحبال والمناورة
لإفشال المفاوضات، إلى حد أن كبير
المحللين السياسيين في صحيفة «يديعوت
أحرونوت» الإسرائيلية ناحوم بارنياع
اعتبر المفاوضات الآن «مضيعة للوقت».
فنتنياهو سيتمسك بيهودية إسرائيل،
وبالقدس «عاصمة أبدية موحدة» وبرفض
عودة اللاجئين الفلسطينيين وبدولة
فلسطينية منزوعة السلاح وبحدود مؤقتة
إلى حين استكمال معالجة كل القضايا
العالقة، مدركا أن عباس والمفاوضين
الفلسطينيين لن يستطيعوا قبول كل هذه
المطالب. من هنا
يبدو تصور السلام صعبا مع نتنياهو،
والأمل هو أن لا يعتبر الفلسطينيون فشل
المفاوضات، وهو الأمر المرجح، فرصة
لتصفية الحسابات السياسية فيما بينهم،
بل أن يروا فيها تذكيرا بأهمية تفعيل
موضوع المصالحة لأنها في الواقع هي
الخطوة الأولى للدخول في أي مفاوضات
يمكن أن تحقق للفلسطينيين شيئا
إيجابيا. فضعف الفلسطينيين تفريط في
حقوقهم، وإضاعة للفرص، ستكون حماس
أيضا مسؤولة عنه. فهي لا تحارب لأنها
تدرك أن موازين القوى وحسابات الأوضاع
السياسية الراهنة تعني أن الحرب صعبة
وعلى الأرجح خاسرة، وتكتفي برفض
المفاوضات ولا تقوم بما يلزم لإكمال
المصالحة، بينما الأوضاع في غزة
المنكوبة تسير من سيئ إلى أسوأ. فتعثر
المفاوضات يجب أن يكون حافزا إضافيا،
إن كانت هناك حاجة لحوافز أصلا،
لاستكمال المصالحة المتعثرة، رأفة
بالشعب الفلسطيني الواقع بين ذل
الاحتلال، وقهر خلاف الإخوة. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |